تفسير البغوي
إحياء التراث وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ (1)
سورة التين
مكية [وهي ثمان آيات] [1]
[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا
الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي
رَبَاحٍ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُوَ تِينُكُمْ هَذَا
الَّذِي تَأْكُلُونَهُ وَزَيْتُونُكُمْ هَذَا الَّذِي
تَعْصِرُونَ مِنْهُ الزَّيْتَ. قِيلَ: خَصَّ التِّينَ
بِالْقَسَمِ لِأَنَّهَا فاكهة مخلصة [2] لا عجم فيها، شبيهة
بفواكه الجنة. وخصص الزيتون لكثرة منافعه، والزيتون شَجَرَةٌ
مُبَارَكَةٌ جَاءَ بِهَا الْحَدِيثُ وَهُوَ ثَمَرٌ وَدُهْنٌ
يَصْلُحُ لِلِاصْطِبَاغِ وَالِاصْطِبَاحِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
هُمَا جَبَلَانِ. قَالَ قَتَادَةُ: التِّينُ الْجَبَلُ الَّذِي
عليه دمشق والزيتون الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتُ
الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّينَ
وَالزَّيْتُونَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمَا مَسْجِدَانِ بِالشَّامِ. قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ: التِّينُ مَسْجِدُ دِمَشْقَ والزيتون مَسْجِدُ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: التِّينُ مَسْجِدُ أَصْحَابِ
الكهف والزيتون مَسْجِدُ إِيلِيَا.
وَطُورِ سِينِينَ (2) ، يَعْنِي الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَكَرْنَا
مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [الْمُؤْمِنُونَ: 20]
.
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) ، أَيِ الْآمَنِ، يَعْنِي
مَكَّةَ يَأْمَنُ فِيهِ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَالْإِسْلَامِ، هَذِهِ كُلُّهَا أَقْسَامٌ وَالْمُقْسَمُ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ،
أَعْدَلِ قَامَةٍ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ
كُلَّ حَيَوَانٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا
الْإِنْسَانَ خَلَقَهُ مَدِيدَ الْقَامَةِ يَتَنَاوَلُ
مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ.
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) ، يُرِيدُ إِلَى
الْهَرَمِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، فَيَنْقُصُ عَقْلُهُ
وَيَضْعُفُ بَدَنُهُ، وَالسَّافِلُونَ هُمُ الضُّعَفَاءُ
وَالزَّمْنَى وَالْأَطْفَالُ، فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ
[أَسْفَلُ] [3] مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، وَأَسْفَلَ
سَافِلِينَ نَكِرَةٌ تَعُمُّ الْجِنْسَ، كَمَا تَقُولُ:
فَلَانٌ أكرم قائم [وإذا عَرَّفْتَ قُلْتَ: أَكْرَمُ
الْقَائِمِينَ] [4] . وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ «أَسْفَلَ
السَّافِلِينَ» وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ:
يَعْنِي ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى النَّارِ، يَعْنِي إِلَى
أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا أَسْفَلَ
مِنْ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي إِلَى
النَّارِ فِي شَرِّ صُورَةٍ فِي صُورَةِ خنزير.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «مختصة» .
(3) سقط من المطبوع. [.....]
(4) زيادة عن ط.
(5/277)
إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (6)
[سورة التين (95) : الآيات 6 الى 8]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ
بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8)
ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا،
فَإِنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ إِلَى النَّارِ. وَمَنْ قَالَ
بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ
سَافِلِينَ، فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ وَانْقَطَعَتْ
أَعْمَالُهُمْ، فَلَا يُكْتَبُ لَهُمْ حَسَنَةٌ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، فَإِنَّهُ
يُكْتَبُ لَهُمْ بَعْدَ الْهَرَمِ، وَالْخَرَفِ، مِثْلَ
الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي حَالِ الشَّبَابِ والصحة.
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ رُدُّوا إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرَهُمْ،
فأخبر [1] أَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُمُ الَّذِي عَمِلُوا قَبْلَ
أَنْ تَذْهَبَ عُقُولُهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمْ يَضُرَّ
هَذَا الشَّيْخَ كَبِرُهُ إِذْ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِأَحْسَنِ
مَا كَانَ يَعْمَلُ.
وَرَوَى عَاصِمُ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ قَالَ: إِلَّا الذين آمنوا قرؤوا الْقُرْآنَ،
وَقَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ. فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، غَيْرُ
مَقْطُوعٍ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ
يَعْمَلُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: أَجْرٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ، ثُمَّ
قَالَ: إلزاما للحجة.
فَما يُكَذِّبُكَ، أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، بَعْدُ، أَيْ بَعْدَ
هَذِهِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، بِالدِّينِ، بِالْحِسَابِ
والجزاء والمعنى، أن لا تَتَفَكَّرُ فِي صُورَتِكَ وَشَبَابِكَ
وَهَرَمِكَ فَتَعْتَبِرُ وَتَقُولُ إِنَّ الَّذِي فَعَلَ
ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَنِي وَيُحَاسِبَنِي، فَمَا
الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِالْمُجَازَاةِ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) ، بِأَقْضَى
الْقَاضِينَ، قَالَ مقاتل: يَحْكُمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ
التَّكْذِيبِ يَا مُحَمَّدٌ.
«2367» وَرُوِّينَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا: أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ، فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى
ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» .
«2368» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أبو الوليد ثنا شعبة عن عدي قال: سمعت
البراء قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فقرأ
__________
2367- تقدم في سورة القيامة عند آية: 40.
2368- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، شعبة هو ابن
الحجاج، عدي هو ابن ثابت.
- وهو في «شرح السنة» 599 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 767 عن أبي الوليد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4952 ومسلم 464 وأبو داود 1221 والنسائي 2/
173 وأحمد 4/ 284 والطيالسي 733 وعبد الرزاق 2706 وابن حبان
1838 وأبو عوانة 2/ 155 والبيهقي 2/ 293 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه مسلم 464 ح 176 والترمذي 310 والنسائي 2/ 173 وابن
ماجه 834 ومالك 1/ 79- 80 والشافعي 1/ 80 والحميدي 726 وأحمد
4/ 286 وابن خزيمة 522 والبيهقي 2/ 393 من طرق عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عدي بن ثابت به.
- وأخرجه البخاري 769 و7546 ومسلم 464 ح 177 وابن ماجه 835
وأحمد 4/ 302 و304 وأبو عوانة 2/ 155 وابن خزيمة 522 من طرق عن
مسعر بن كدام عن عدي بن ثابت به.
(1) في المخطوط «فأخبرهم» .
(5/278)
اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
فِي الْعَشَاءِ فِي إِحْدَى
الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.
سُورَةُ الْعَلَقِ
مَكِّيَّةٌ [وهي تسع عشرة آية] [1]
[سورة العلق (96) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ، أَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّ هَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ
مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ
أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَعْلَمْ.
«2369» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا
قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا
جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ
الْخَلَاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ، فَيَتَحَنَّثُ
فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ
قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ
ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا
حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ
الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ،
قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا
بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى
بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ:
اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فغطَّني
الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ
(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ
فُؤَادُهُ، فدخل على خديجة بنت
__________
2369- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- يحيى هو ابن عبد الله، وينسب إلى جده، الليث هو ابن سعد،
عقيل هو ابن خالد، ابن شهاب هو الزهري اسمه محمد ابن مسلم،
عروة هو ابن الزبير.
- وهو في «شرح السنة» 3629 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 3 و4953 و6982 عَنْ يَحْيَى بْنِ
بُكَيْرٍ بِهَذَا الإسناد.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 4/ 527- 528 من طريق يَحْيَى
بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
- وأخرجه البخاري 3392 ومسلم 160 ح 154 والطيالسي 1467 والطبري
37664 وأبو عوانة 1/ 110 و113 من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري 4956 و6982 ومسلم 160 ح 253 وأحمد 6/ 232-
233 وابن حبان 33 وأبو عوانة 1/ 113 والبيهقي في «الدلائل» 2/
135- 136 وأبو نعيم في «الدلائل» 1/ 275- 277 من طرق عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن الزهري به وهو في «مصنف
عبد الرزاق» برقم 9719.
(1) زيد في المطبوع.
(5/279)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ
مِنْ عَلَقٍ (2)
خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زمِّلُونِي
زمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ،
فَقَالَ لِخَدِيجَةَ مَا لِي؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ،
وَقَالَ:
لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا
وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لِتَصِلُ
الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ
وَتُقِرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ،
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ
بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنِ عَمِّ
خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ
الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ
لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ
مَا يَقُولُ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا
تَرَى، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا
النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا
لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ
يُخْرِجُكَ قَوْمِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله
عليه وسلم: أو مخرجي هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رجل قط
بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي
يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة إلى أَنْ
تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ.
«2370» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن
محمد ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ قَالَ
الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عائشة وذكر الحديث،
وقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) حَتَّى
بَلَغَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ [1] :
وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا
مِنْهُ مِرَارًا كي [2] يتردى من رؤوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ،
فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ
نَفْسَهُ مِنْهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ
لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقَرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا
طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ،
فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ،
فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
«2371» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حامد الوراق أنا مكي بن عبدان أنا عبد الرحمن بن
بشر ثنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ
سُورَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَجَازُهُ: اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ
يَعْنِي أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: اذْكُرِ
اسْمَهُ، أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقِرَاءَةَ بِاسْمِ اللَّهِ
تَأْدِيبًا، الَّذِي خَلَقَ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي
الْخَلَائِقَ ثُمَّ فَسَّرَهُ فقال:
[سورة العلق (96) : الآيات 2 الى 10]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ
الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ
لَيَطْغى (6)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10)
__________
2370- هذه الرواية عند البخاري برقم: 6982.
2371- صحيح. إسناده ضعيف، فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، لكن
للحديث شواهد وطرق، منها المتقدم.
- وأخرجه الطبري 37668 والواحدي في «الوسط» 4/ 528 من طريق عبد
الرحمن بن بشر بهذا الإسناد.
- وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! مع أن مسلما روى
لابن إسحاق متابعة.
- وأخرجه الحاكم 2/ 529 من طريق الحميدي عن سفيان عن الزهري
به، وقال الحاكم: لم يسمعه ابن عيينة من الزهري.
- قلت: ذكر الحاكم هذه الطريق قبل الطريق المتقدمة، لذا ذكر
الواسطة بين سفيان والزهري، وهو محمد بن إسحاق.
(1) قوله، وقال: هو مدرج من كلام الزهري، فهو مرسل، ومراسيل
الزهري واهية، وهي زيادة منكرة لا تصح.
- وتقدم تخريجه.
(2) في المطبوع «حتى» .
(5/280)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ
عَلَى الْهُدَى (11)
خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني ابْنَ آدَمَ، مِنْ
عَلَقٍ، جَمْعُ عَلَقَةٍ.
اقْرَأْ، كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ:
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، فَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْحَلِيمُ عَنْ
جَهْلِ الْعِبَادِ لَا يَعْجَلُ عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ.
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ، يَعْنِي الْخَطَّ
وَالْكِتَابَةَ.
عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ، مِنْ أَنْوَاعِ
الْهُدَى وَالْبَيَانِ. وَقِيلَ: عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ
كُلَّهَا. وَقِيلَ:
الْإِنْسَانُ هَاهُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بَيَانُهُ: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[النِّسَاءَ: 113] .
كَلَّا، حَقًّا، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، لَيَتَجَاوَزُ
حَدَّهُ وَيَسْتَكْبِرُ عَلَى رَبِّهِ.
أَنْ، لِأَنْ، رَآهُ اسْتَغْنى، أَنْ رَأَى نَفْسَهُ غَنِيًّا،
قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَرْتَفِعُ عَنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى
مَنْزِلَةٍ فِي اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ كَانَ إِذَا
أَصَابَ مَالًا زَادَ فِي ثِيَابِهِ وَمَرْكَبِهِ وَطَعَامِهِ
فَذَلِكَ طُغْيَانُهُ.
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
(8) ، أَيِ المرجع في الآخرة.
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) ،
نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ.
«2372» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مسلم بن الحجاج ثَنَا عُبَيْدُ [1] اللَّهِ
بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ
قالا ثنا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي نَعِيمُ بْنُ
أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ
وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لْأَطَأَنَّ
عَلَى رَقَبَتِهِ وَلِأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ،
قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زعم لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ،
فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى
عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ فَقِيلَ له: مالك
يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا»
، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ- لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٍ بَلَغَهُ- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ
لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ
الرُّجْعى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا
صَلَّى (10) الْآيَاتِ. وَمَعْنَى أَرَأَيْتَ هَاهُنَا
تَعْجِيبٌ لِلْمُخَاطَبِ، وَكَرَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ
لِلتَّأْكِيدِ.
[سورة العلق (96) : الآيات 11 الى 19]
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17)
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ (19)
__________
2372- إسناده على شرط مسلم.
- معتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، أبو حازم هو سلمة بن
دينار.
- وهو في «صحيح مسلم» 2797 عن عبيد اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ الأعلى القيسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 11683 وأحمد 2/ 370 وابن حبان
6571 والبيهقي 2/ 89 وأبو نعيم في «الدلائل» 158 والواحدي في
«الوسيط» 4/ 529 من طرق عن معتمر بن سليمان به.
- وأخرجه الطبري 37687 من طريق ابن ثور عن أبيه عن نعيم بن أبي
هند به.
(1) في المطبوع «عبد» وهو خطأ.
(5/281)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) ،
يَعْنِي الْعَبْدَ الْمَنْهِيَّ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) ، يَعْنِي بِالْإِخْلَاصِ
وَالتَّوْحِيدِ.
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، وَتَوَلَّى،
عَنِ الْإِيمَانِ، وَتَقْدِيرُ نَظْمِ الْآيَةِ أَرَأَيْتَ
الَّذِي يَنْهَى عبدا إذا صلى وهو عَلَى الْهُدَى، آمِرٌ
بِالتَّقْوَى، وَالنَّاهِي مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ عَنِ
الْإِيمَانِ، فَمَا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا.
أَلَمْ يَعْلَمْ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، بِأَنَّ اللَّهَ يَرى،
ذَلِكَ فَيُجَازِيهِ بِهِ.
كَلَّا، لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ، عن إيذاء
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتكذيبه،
لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، لنأخذن بناصيته فلنجزنه إِلَى
النَّارِ، كَمَا قَالَ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ
[الرحمن: 41] ، يقال: سعفت بِالشَّيْءِ إِذَا أَخَذْتُهُ
وَجَذَبْتُهُ جَذْبًا شديدا، والناصية: شَعْرُ مُقَدَّمِ
الرَّأْسِ.
ثُمَّ قَالَ عَلَى الْبَدَلِ: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16)
، أَيْ صَاحِبُهَا كَاذِبٌ خَاطِئٌ.
«2372» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَهَى أَبُو جَهْلٍ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الصَّلَاةِ انْتَهَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، فقال أبو جهل أتنتهرني؟ فو الله لَأَمْلَأَنَّ
عَلَيْكَ هَذَا الْوَادِي إِنْ شِئْتَ خَيْلًا جُرْدًا
وَرِجَالًا مُرْدًا.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) ، أَيْ
قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ، أَيْ فَلْيَسْتَنْصِرْ بِهِمْ.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) ، جَمْعُ زِبْنِيٌّ مَأْخُوذٌ
مِنَ الزِّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يُرِيدُ زَبَانِيَةَ جَهَنَّمَ سَمُّوا بِهَا لِأَنَّهُمْ
يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْهَا، قَالَ الزَّجَّاجُ:
هُمُ الْمَلَائِكَةُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ
اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ
أَبُو جَهْلٍ، لَا تُطِعْهُ، فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ،
وَاسْجُدْ، صِلِّ لِلَّهِ، وَاقْتَرِبْ، مِنَ اللَّهِ.
«2373» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ [1] عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ
جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ ثنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ اللؤلؤي ثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأشعث
ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عمرو بن السرح [2]
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا [ابْنُ] [3]
وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُمَارَةَ
بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ
رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فأكثروا الدعاء» .
__________
2372- صحيح. أخرجه الترمذي 3349 والنسائي 11684 وأحمد 1/ 256
والطبري 37685 و37686 من طرق عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وإسناده صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي.
2373- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ابن وهب هو عبد الله، سميّ هو مولى أبي بن بَكْرِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث، أبو صالح اسمه ذكوان مشهور
بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 659.
- وهو في «سنن أبي داود» 875 عن أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ
وَأَحْمَدُ بْنُ عمرو، ومحمد بن سلمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 482 والنسائي 2/ 226 وأحمد 2/ 421 وأبو يعلى
6658 وابن حبان 1928 وأبو عوانة 2/ 180 والبيهقي 2/ 110 من طرق
عن ابن وهب به. [.....]
(1) تصحف في المطبوع «ظاهر» .
(2) تصحف في المطبوع «السراج» .
(3) سقط من المطبوع.
(5/282)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
سورة القدر
مكية [وهي خمس آيات] [1]
[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ
مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ، يَعْنِي
الْقُرْآنَ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، أَنْزَلَهُ
جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ
الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَوَضَعَهُ فِي
بَيْتِ الْعِزَّةِ، ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ نُجُومًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً.
ثُمَّ عَجَّبَ نَبِيَّهُ فَقَالَ: وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ (2) ، سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا
لَيْلَةُ تَقْدِيرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامُ، يُقَدِّرُ
اللَّهُ فِيهَا أَمْرَ السَّنَةِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ
إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، كقوله تعالى: فِيها بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: قَدَرَ
اللَّهُ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ قَدْرًا وَقَدَرًا،
كَالنَّهَرِ وَالنَّهْرِ وَالشَّعْرِ وَالشَّعَرِ، وَقَدَّرَهُ
بِالتَّشْدِيدِ تقديرا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قِيلَ لِلْحُسَيْنِ
بْنِ الْفَضْلِ: أَلَيْسَ قَدْ قَدَرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ
قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ والأرض؟ قال: نعم، قِيلَ:
فَمَا مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قال: سوق المقادير التي
خلقها إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدور. وقال الأزهري:
وليلة الْعَظَمَةِ وَالشَّرَفِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ:
لِفُلَانٍ عِنْدَ الْأَمِيرِ قَدْرٌ، أَيْ جاه ومنزلة، يقال:
قَدَرْتُ فُلَانًا أَيْ عَظَّمْتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91، الزمر:
67، الحج: 74] ، أَيْ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ.
وقيل: لأن العمل الصالح فيه يكون ذَا قَدْرٍ عِنْدَ اللَّهِ
لِكَوْنِهِ مَقْبُولًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا
كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ رُفِعَتْ، وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ
وَالْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكَانِسٍ
مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
قَدْ رُفِعَتْ؟ قَالَ: كَذِبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هِيَ
فِي كُلِّ شَهْرٍ؟ قال: لا بل في شهر رمضان، فاستقبله وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هِيَ لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِي السَّنَةِ حَتَّى
لَوْ عَلَّقَ رَجُلٌ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ عَبْدِهِ
بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ مِنْ
حِينِ حَلَفَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ.
وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فِي
شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ،
قَالَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْلَةُ سَبْعَ
عَشْرَةَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ صَبِيحَتُهَا
وَقْعَةُ بَدْرٍ. وَالصَّحِيحُ وَالَّذِي عَلَيْهِ
الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شهر
رمضان.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(5/283)
«2374» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ
سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ ثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو
عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثَنَا
عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ
فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ:
«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
مِنْ رَمَضَانَ» .
«2375» أَخْبَرَنَا أَبُو عثمان الضبي أن أبو مُحَمَّدٍ
الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ المحبوبي ثنا أبو عيسى
ثنا قتيبة ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا
لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا.
«2376» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله ثنا سفيان عن
أبي يعفور [1] عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ شَدَّ
مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا فِي أَيِّ لَيْلَةٍ مِنَ
الْعَشْرِ.
«2377» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
__________
2374- صحيح. هارون الهمداني، ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم.
- عبدة بن سليمان هو الكلابي، عروة هو ابن الزبير بن العوام.
- وهو في «شرح السنة» 1816 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 792 عن هارون بن إسحاق به.
- وأخرجه البخاري 2019 و2020 ومسلم 1169 وأحمد 6/ 56 و204 وابن
أبي شيبة 12/ 511 و3/ 75 و5/ 75 وابن عدي في «الكامل» 4/ 201
والطحاوي في «المشكل» 5479 والبيهقي 4/ 307 من طرق هشام بن
عروة به.
2375- إسناده صحيح على شرط مسلم لتفرده عن الحسن وباقي الإسناد
على شرطهما.
- قتيبة هو ابن سعيد، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، الأسود هو
ابن يزيد.
- وهو في «شرح السنة» 1824 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 796 عن قتيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1175 ح 8 عن قتيبة عن سعيد به.
- وأخرجه أحمد 6/ 82 و123 و256 من طريقين عن عبد الواحد بن
زياد به.
2376- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي المديني،
وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن عيينة، أبو يعفور هو عبد الرحمن بن عبيد، أبو
الضحى هو مسلم بن صبيح، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «شرح السنة» 1823 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 2024 عن علي بن عبد الله بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1174 وأبو داود 1376 والنسائي 3/ 217 و218 وابن
ماجه 1768 وأحمد 6/ 40 و41 وابن حبان 321 والبيهقي 4/ 313 من
طرق عن سفيان بن عيينة به.
2377- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو سهل هو نافع بن مالك بن أبي عامر.
(1) تصحف في المطبوع «يعقوب» .
(5/284)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا
قُتَيْبَةُ بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا أبو سهل [1] عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي
الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» .
«2378» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ حَامِدٍ الوزان أنا مكي بن عبدان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
هَاشِمِ بْنِ حيان ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عُيَيْنَةُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ذَكَرْتُ
لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ: مَا أَنَا
بِطَالِبِهَا بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي الْعَشْرِ
الْأَوَاخِرِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ
الْأَوَاخِرِ مِنْ تِسْعٍ يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو
ثلاث يبقين أو آخر ليلة» .
وكان أَبُو بَكْرَةَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يُصَلِّي كَمَا
يُصَلِّي فِي سَائِرِ السنة، فإذا دخل العشر الأواخر اجتهد.
«2379» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي
خَالِدُ بن الحارث ثنا حميد الطويل [2] ثنا أنس عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ
فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «خَرَجْتُ
لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ
وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ،
فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ
وَالْخَامِسَةِ» .
«2380» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أبو مصعب عن
__________
- وهو في «صحيح البخاري» 2017 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البغوي في «شرح السنة» 1818 من وجه آخر عن طريق علي
بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أحمد 6/ 83 من طريق سليمان عن إسماعيل به.
2378- صحيح. إسناده حسن لأجل عيينة، فإنه صدوق، وباقي الإسناد
ثقات.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 4/ 535- 536 من طريق عبد الله بن
حامد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 794 والحاكم 1/ 438 وأحمد 5/ 36 و39 و40 وابن
خزيمة 2175 والطيالسي 881 والبيهقي في «الشعب» 3681 من طرق
عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
- وللحديث شواهد، فهو صحيح.
2379- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- حميد هو ابن أبي حميد، اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال،
وتقدم.
- وهو في «صحيح البخاري» 2023 عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 49 و6049 وأحمد 5/ 313 و319 والطيالسي 576
وابن أبي شيبة 3/ 73 والدارمي 2/ 27- 28 وابن خزيمة 2198 وابن
حبان 3679 والبيهقي 4/ 311 والبغوي 1815 من طرق عن حميد به.
- وأخرجه أحمد 5/ 313 والطيالسي 576 من طريق ثابت عن أنس به.
- وأخرجه 5/ 324 من طريق عمر بن عبد الرحمن عن عبادة بن
الصامت.
2380- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «شرح السنة» 1817 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 331 عن نافع به.
- وأخرجه البخاري 2015 ومسلم 1165 ح 205 وابن حبان 3675
والبيهقي 4/ 310 و311 من طرق عن مالك
(1) تصحف في المطبوع «سهيل» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/285)
مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي
الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي
أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ
الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فليتحراها فِي
السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ: أَنَّهَا لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.
«2381» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفَ
عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ
وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صُبْحَهَا مِنَ اعتكافه،
قال: من كان اعتكف مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ
الْأَوَاخِرَ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ
أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا
فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ
الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وتر، فقال أَبُو
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ
الْمَسْجِدُ، قَالَ أَبُو سعيد: فبصرت عَيْنَايَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قد انصرف علينا وَعَلَى
جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ
صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ
لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وعشرين.
«2382» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثنا أبو
جعفر الرياني ثنا حميد بن
__________
به.
- وأخرجه البخاري 1158 وأحمد 2/ 17 وعبد الرزاق 7688 وابن
خزيمة 2182 والبيهقي 4/ 310- 311 من طرق عن نافع به.
- وأخرجه البخاري 6991 ومسلم 1165 ح 207 وأحمد 2/ 37 والدارمي
2/ 28 والبيهقي 4/ 311 من طريق الزهري عَنْ سَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عن ابن عمر به.
- وأخرجه ابن خزيمة 2222 من طريق حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابن عمر به.
- وأخرجه مسلم 1165 ح 208 وأحمد 2/ 8 و36 وعبد الرزاق 7681 من
طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابن عمر.
2381- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1819 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 319 عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2027 وأبو داود 1382 وابن خزيمة 2243 وابن
حبان 3673 والبيهقي 4/ 309 من طرق عن مالك به.
- وأخرجه البخاري 2018 من طريق ابن أبي حازم والدراوردي عن
يزيد به.
وأخرجه مسلم 1167 ح 215 وابن خزيمة 2171 وابن حبان 3684
والبيهقي 4/ 314- 315 من طريق عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بن إبراهيم به.
- وأخرجه البخاري 2040 وأحمد 3/ 7 و24 والحميدي 756 من طرق عن
أبي سلمة به.
- وأخرجه البخاري 669 و813 و2016 ومسلم 1167 ح 216 وأحمد 3/ 60
و74 و94 والطيالسي 3187 وعبد الرزاق 8685 وابن أبي شيبة 3/ 76-
77 وابن حبان 3685 من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عن
أبي سلمة به.
2382- صحيح. إسناده حسن، رجاله ثقات، وابن إسحاق صرح بالتحديث
عند ابن حبان وغيره.
- وهو في «شرح السنة» 1820 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1380 وابن نصر في «قيام رمضان» 39 وابن
خزيمة 2200 والبيهقي 4/ 309 من طريق محمد بن إسحاق بهذا
الإسناد.
- وأصله عند مسلم 1168 وأبي داود 1379 ومالك 1/ 320 من حديث
عبد الله بن أنيس.
- وانظر «أحكام القرآن» 2341 بتخريجي.
(5/286)
زنجويه ثنا أحمد بن خالد الحمصي ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بن إبراهيم حدثني
[ابن] [1] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ [2] عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي أَكُونُ بِبَادِيَةٍ يُقَالُ لَهَا
الْوَطْأَةُ، وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهِمْ
فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أَنْزِلُهَا إِلَى
الْمَسْجِدِ فَأُصَلِّيهَا فِيهِ، فَقَالَ: «انْزِلْ لَيْلَةَ
ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلِّهَا فِيهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ
تَسْتَتِمَّ آخِرَ الشَّهْرِ فَافْعَلْ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ
فَكُفَّ» . قَالَ: فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ حَتَّى
يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ كانت دابته
بباب المسجد.
«2383» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] المليحي
أنا بو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثنا يعلى بن
عبيد ثنا الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَمْ مَضَى من الشهر» ؟ فقلنا: اثنان وعشرون وبقي ثمان،
فَقَالَ: «مَضَى اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وَبَقِيَ سَبْعٌ،
اُطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .
وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ
قَوْلُ عَلِيٍّ وَأُبَيٍّ وَعَائِشَةَ.
«2384» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجَوَيْهِ ثنا يعلى بن عبيد ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ:
يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ،
فَإِنَّ [ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ] [3] يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ
الْحَوْلَ يُصِبْهَا، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي
رَمَضَانَ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ فَتَتَّكِلُوا،
هِيَ وَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ،
فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ هَذَا؟
قَالَ: بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحفظناها وعددناها هِيَ وَاللَّهِ
لَا تُنْسَى، قَالَ قلنا: وَمَا الْآيَةُ؟ قَالَ: «تَطْلُعُ
الشَّمْسُ كَأَنَّهَا طَاسٌ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ» . ومن
علاماتها.
__________
2383- إسناده صحيح، حميد بن زنجويه ثقة، وقد توبع ومن دونه،
ومن فوقه رجال الشيخين.
- الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح هو ذكوان، مشهور
بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 1821 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 1656 وأحمد 2/ 251 وابن حبان 2548 والبيهقي
4/ 310 والواحدي في «الوسيط» 4/ 534 من طرق عن الأعمش به.
2384- صحيح. إسناده حسن من أجل عاصم، وهو ابن أبي النجود
واسمه: بهدلة، لكن توبع كما سيأتي.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وهو في «شرح السنة» 1822 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2/ 828 (220) والحميدي 375 وابن خزيمة 2191 وابن
حبان 3689 والبيهقي 4/ 312 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ عبدة بن أبي لبابة، وعاصم عن زر بن حبيش به.
- وأخرجه مسلم 762 ح 180 والواحدي في «الوسيط» 4/ 535 من طرق
شعبة عن عبدة بن أبي لبابة عن زر به مختصرا.
- وأخرجه أبو داود 1378 والترمذي 793 وعبد الرزاق 7700 وابن
خزيمة 2193 وابن حبان 3691 والواحدي في «الوسيط» 4/ 533.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 76 من طريق أبي خالد وعامر الشعبي عن
زر به.
- وأخرجه مسلم 762 ح 179 وابن حبان 3690 من طريق الأوزاعي عن
عبدة عن زر به.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع «أنس» .
(3) العبارة في المطبوع «ابن مسعود عبد الله» .
(5/287)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
«2385» مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ
«أَنَّهَا لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ سَمْحَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا
بَارِدَةٌ، تَطَلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا لَا شُعَاعَ
لَهَا» .
وَفِي الْجُمْلَةِ أَبْهَمَ اللَّهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى
هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ لَيَالِيَ
رَمَضَانَ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ
الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ وَأَخْفَى الصَّلَاةَ
الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَاسْمَهُ الْأَعْظَمَ
فِي الْأَسْمَاءِ وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ لِيَرْغَبُوا فِي
جَمِيعِهَا، وَسُخْطَهُ فِي الْمَعَاصِي لِيَنْتَهُوا عَنْ
جَمِيعِهَا، وَأَخْفَى قِيَامَ السَّاعَةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي
الطاعات حذرا من قيامها.
[سورة القدر (97) : الآيات 3 الى 5]
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ
أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ شَهْرٍ (3) .
«2386» قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ حَمَلَ السِّلَاحِ عَلَى عَاتِقِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَتَمَنَّى ذَلِكَ
لِأُمَّتِهِ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ جَعَلْتَ أُمَّتِي أَقْصَرَ
الْأُمَمِ أَعْمَارًا وَأَقَلَّهَا أَعْمَالًا؟ فَأَعْطَاهُ
اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» . فَقَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) الَّتِي حَمَلَ فِيهَا
الْإِسْرَائِيلِيُّ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَكَ
وَلِأُمَّتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ (3) : مَعْنَاهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مَنْ عَمِلِ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ.
«2387» حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ إِمْلَاءً ثنا أَبُو نُعَيْمٍ
الْإِسْفَرَايِنِيُّ أَنَا أَبُو عوانة ثنا أبو إسماعيل ثنا
الحميدي ثنا سفيان ثنا الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ قَامَ لَيْلَةَ
الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذنبه» .
__________
2385- حسن. أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 514 عن الحسن مرسلا.
- ولقوله «أَنَّهَا لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ سَمْحَةٌ لَا حارة ولا
باردة» شاهد من حديث جابر.
- أخرجه ابن خزيمة 2190 ومن طريق ابن حبان 3688 وفي إسناده
الفضيل بن سليمان وفيه كلام، وحديثه حسن في الشواهد.
- وله شاهد من حديث ابن عباس:
- أخرجه ابن خزيمة 2192 والبزار 1034 بلفظ «ليلة القدر ليلة
طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة» .
- ولعجزه شاهد من حديث أبي بن كعب، وهو الحديث الذي قبله.
- الخلاصة: هو حديث حسن بشواهده.
2386- ضعيف جدا. ذكره المصنف عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
معلقا، ولم أره عنه مسندا.
- وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 864 والبيهقي في «الشعب»
3668 وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 4/ 567، وهذا مرسل،
فهو واه.
- وأخرجه الطبري 37713 عن مجاهد موقوفا عليه، وهو أصح.
- الخلاصة: المرفوع واه، والصواب عن أهل التفسير.
- وانظر «أحكام القرآن» 2337 بتخريجي.
2387- تقدم في سورة البقرة عند آية: 185.
(5/288)
وقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: مَنْ
شَهِدَ الْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ
بِحَظِّهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
«2388» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَبْدُوسَ الْمُزَكِّي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا
كَهَمْسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ
وَافَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قَوْلِي
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ العفو فاعف عني» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ،
يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُمْ، فِيها، أَيْ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ
أَمْرٍ، أَيْ بِكُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ،
كَقَوْلِهِ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرَّعْدِ:
11] أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ.
سَلامٌ، قَالَ عَطَاءٌ يُرِيدُ سَلَامٌ عَلَى أَوْلِيَاءِ
اللَّهِ وَأَهْلِ طاعته.
قال الشَّعْبِيُّ: هُوَ تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ لَيْلَةَ
الْقَدْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حين تَغِيبُ
الشَّمْسُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الفجر.
قال الكلبي: الملائكة ينزلون فيها كُلَّمَا لَقُوا مُؤْمِنًا
أَوْ مُؤْمِنَةً سَلَّمُوا عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى
يَطْلُعَ الْفَجْرُ.
وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: سَلامٌ
هِيَ، أَيْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ سَلَامٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا،
لَيْسَ فِيهَا شَرٌّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يُقَدِّرُ
اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَلَا يَقْضِي إِلَّا
السَّلَامَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
سَالِمَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فيها
سوء، وَلَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا أَذًى.
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ، أَيْ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرَ،
قَرَأَ الْكِسَائِيُّ مَطْلِعَ بِكَسْرِ اللَّامِ،
وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الِاخْتِيَارُ بِمَعْنَى
الطُّلُوعِ عَلَى الْمَصْدَرِ، يُقَالُ: طَلَعَ الْفَجْرُ
طُلُوعًا وَمَطْلَعًا، والكسر موضع الطلوع.
__________
2388- صحيح. الحسن بن مكرم، وثقه ابن حبان، وروى عنه غير واحد،
فهو مقبول، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم،
إن كان سمعه عبد الله بن عائشة، فقد نفى الدارقطني سماعه منها،
لكن لم أجد للدارقطني متابعا، وقد تابعه أخوه سليمان كما
سيأتي، وهو سمع منها باتفاق.
- وأخرجه الترمذي 3513 والنسائي في «عمل اليوم والليلة» 878
و879 و880 وفي «التفسير» 708 وابن ماجه 3850 وأحمد 6/ 171 و183
من طرق عن كهمس به.
- وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 882 وأحمد 6/ 182 من
طريق الجريري عن ابن بريدة به.
- وأخرجه النسائي 883 والحاكم 1/ 530 من طريق الْأَشْجَعِيُّ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ
عَنْ سُلَيْمَانَ بن بريدة عن عائشة به.
- وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وهو صحيح. وكذا
صححه النووي في «الأذكار» 487.
- وأخرجه النسائي 884 من طريق عبد الله بن جبير عن مسروق عن
عائشة موقوفا.
- الخلاصة: هو حديث صحيح، والموقوف لا يعلل المرفوع، والله
أعلم.
(5/289)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ
مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
سورة البينة
مكية [وهي ثمان آيات] [1]
[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً
مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا
جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، وهم
اليهود النصارى، وَالْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ عَبَدَةُ
الْأَوْثَانِ، مُنْفَكِّينَ [مُنْتَهِينَ عَنْ كُفْرِهِمْ
وَشِرْكِهِمْ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ] [2] زَائِلِينَ
مُنْفَصِلِينَ، يُقَالُ: فَكَكْتُ الشَّيْءَ فَانْفَكَّ أَيِ
انْفَصَلَ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، لَفْظُهُ
مُسْتَقْبَلٌ وَمَعْنَاهُ الْمَاضِي أَيْ حَتَّى أَتَتْهُمُ
الحجة الواضحة، يعني مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أتاهم بالقرآن فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم
إلى الإسلام والإيمان، فَهَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ آمَنَ مِنَ
الْفَرِيقَيْنِ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنِ
الْكُفْرِ حَتَّى أَتَاهُمُ الرَّسُولُ فَدَعَاهُمْ إِلَى
الْإِيمَانِ فَآمَنُوا فَأَنْقَذَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْجَهْلِ
وَالضَّلَالَةِ.
ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ
يَتْلُوا، يَقْرَأُ، صُحُفاً، كُتُبًا [3] ، يُرِيدُ مَا
يَتَضَمَّنُهُ الصُّحُفُ مِنَ الْمَكْتُوبِ فِيهَا، وَهُوَ
الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْلُو عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ لَا
عَنِ كتاب، قَوْلُهُ: مُطَهَّرَةً، مِنَ الْبَاطِلِ
وَالْكَذِبِ وَالزُّورِ.
فِيها، أَيْ فِي الصُّحُفِ، كُتُبٌ، يَعْنِي الْآيَاتِ
وَالْأَحْكَامِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهَا، قَيِّمَةٌ، عَادِلَةٌ
مُسْتَقِيمَةٌ غَيْرُ ذات عوج.
ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
فَقَالَ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، فِي
أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا
مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، أَيِ الْبَيَانُ فِي
كُتُبِهِمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْكِتَابِ مُجْتَمِعِينَ فِي تَصْدِيقِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ
اللَّهُ، فَلَمَّا بُعِثَ تَفَرَّقُوا فِي أَمْرِهِ
وَاخْتَلَفُوا، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَكَفَرَ آخَرُونَ.
وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللغة: معنى قوله مُنْفَكِّينَ أي
هالكين، من قولهم: انفك صلاء الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ،
وَهُوَ أَنْ يَنْفَصِلَ فَلَا يَلْتَئِمُ فَتَهْلِكُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَمْ يَكُونُوا هَالِكِينَ مُعَذَّبِينَ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ
الرَّسُولِ وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،
ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُمِرُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ فَقَالَ:
[سورة البينة (98) : الآيات 5 الى 8]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ
وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ
خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ
عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ
خَشِيَ رَبَّهُ (8)
__________
(1) زيد في المطبوع. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط وط.
(3) في المطبوع «كتابا» .
(5/290)
وَما أُمِرُوا، يَعْنِي هَؤُلَاءِ
الْكُفَّارَ، إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ يَعْنِي إِلَّا أَنْ
يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَا أُمِرُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
إِلَّا بإخلاص الْعِبَادَةِ لِلَّهِ مُوَحِّدِينَ، حُنَفاءَ،
مَائِلِينَ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَى دِينِ
الْإِسْلَامِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، الْمَكْتُوبَةَ فِي
أَوْقَاتِهَا، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، عِنْدَ مَحَلِّهَا،
وَذلِكَ، الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، دِينُ الْقَيِّمَةِ [أَيِ
الْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، أَضَافَ الدِّينَ
إِلَى الْقَيِّمَةِ وَهِيَ نَعْتُهُ لِاخْتِلَافِ
اللَّفْظَيْنِ، وَأَنَّثَ الْقَيِّمَةَ رَدًّا بِهَا إِلَى
الْمِلَّةِ، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ،
وَقِيلَ: الْقَيِّمَةُ هِيَ الْكُتُبُ الَّتِي جَرَى
ذِكْرُهَا، أَيْ وَذَلِكَ دِينُ الْكُتُبِ الْقَيِّمَةِ فِيمَا
تَدْعُو إِلَيْهِ وَتَأْمُرُ بِهِ، كَمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ
مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [الْبَقَرَةِ: 213] . قَالَ
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: سَأَلْتُ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ
عَنْ قَوْلِهِ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ] [1] فَقَالَ:
الْقَيِّمَةُ جَمْعُ الْقَيِّمِ، والقيم والقائم واحد، مجاز
الْآيَةِ: وَذَلِكَ دِينُ الْقَائِمِينَ لِلَّهِ بالتوحيد.
ثُمَّ ذَكَرَ مَا لِلْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ
جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
(6) ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ الْبَرِيئَةِ
بِالْهَمْزَةِ فِي الْحَرْفَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ:
بَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ مُشَدَّدًا
بِغَيْرِ هَمْزٍ كَالذَّرِيَّةِ، تُرِكَ هَمَزُهَا فِي
الِاسْتِعْمَالِ.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ
فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ
لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) ، وَتَنَاهَى عَنِ الْمَعَاصِي،
وَقِيلَ: الرِّضَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ رِضًا بِهِ
وَرِضًا عَنْهُ، فَالرِّضَا بِهِ: رَبًّا وَمُدَبِّرًا،
وَالرِّضَا عَنْهُ: فِيمَا يَقْضِي ويقدّر. قال السري [2]
رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا كُنْتَ لَا تَرْضَى عَنِ اللَّهِ
فَكَيْفَ تَسْأَلُهُ الرِّضَا عَنْكَ؟
«2389» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشار ثنا غندر [3] ثنا
شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ:
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا، قال: وسماني ربي؟ قَالَ:
نَعَمْ» فَبَكَى.
«2390» وَقَالَ هُمَامٌ عَنْ قَتَادَةَ: «أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عليك القرآن» .
__________
2389- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- غندر لقب، واسمه محمد بن جعفر، شعبة هو ابن الحجاج، قتادة هو
ابن دعامة.
- وهو في «صحيح البخاري» 3809 عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4959 ومسلم 799 ح 246 والترمذي 3792 والنسائي
في «التفسير» 711 وأحمد 3/ 130 و273 وأبو يعلى 2995 و3246 من
طرق عن شعبة به.
2390- صحيح. أخرجه البخاري 4960 ومسلم 799 ح 245 وأحمد 3/ 185
و284 وأبو يعلى 2843 وابن حبان 7144 وأبو نعيم في «الحلية» 1/
251 من رواية همام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لأبي بن كعب: «إن
الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ... » .
(1) سقط من المخطوط.
(2) تصحف في المخطوط «السدي» .
(3) تصحف في المخطوط «عبدان» .
(5/291)
إِذَا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
سورة الزلزلة
مكية [وهي ثمان آيات] [1]
[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ
الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (3)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ
أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6)
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ، حُرِّكَتِ الْأَرْضُ حَرَكَةً
شَدِيدَةً لِقِيَامِ السَّاعَةِ، زِلْزالَها، تَحْرِيكَهَا.
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) ، مَوْتَاهَا
وَكُنُوزَهَا فَتُلْقِيهَا عَلَى ظَهْرِهَا.
«2391» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ثَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا
واصل بن عبد الأعلى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقِيءُ
الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا
قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ
رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ
يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا» .
وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (3) ؟ قِيلَ: فِي الْآيَةِ
تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ:
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) ، فَيَقُولُ
الْإِنْسَانُ: مَا لَهَا، أَيْ تُخْبَرُ الْأَرْضُ بِمَا
عُمِلَ عَلَيْهَا.
«2392» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ [بْنِ] عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أنا
__________
2391- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- فضيل هو ابن مرزوق، أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» 4136 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» 1013 عن واصل بن عبد الأعلى بهذا
الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2208 وابن حبان 6697 وأبو يعلى 6171 من طريق
واصل بن عبد الأعلى به.
2392- يشبه الحسن. إسناده لين، رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي
سليمان.
- قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس
بالقوي، يكتب حديثه، ووثقه ابن حبان والحاكم، وقال ابن عدي: هو
ممن تكتب أحاديثه، وإن كان بعضها غير محفوظ. وذكر له ابن عدي
أحاديث فيها غرابة، وليس هذا منها، وقد روى عنه غير واحد من
الثقات كشعبة وابن أبي ذئب وغيرهما، فالرجل ليس متفق على ضعفه
كما ترى.
- وقال الحافظ في «التقريب» : لين الحديث، ولحديثه شواهد
بمعناه.
- وهو في «شرح السنة» 4203 بهذا الإسناد.
(1) زيد في المطبوع.
(5/292)
فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ ثنا يَحْيَى
بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَئِذٍ
تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) قَالَ: «أَتُدْرُونَ مَا
أَخْبَارُهَا» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،
قَالَ: «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ
عَبْدٍ وَأَمَةٍ بما عمل على ظهرها، تَقُولَ: عَمِلَ عَلَيَّ
يَوْمَ كَذَا وكذا وكذا كذا، قَالَ: فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» .
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) ، أَيْ أَمَرَهَا
بِالْكَلَامِ وَأَذِنَ لَهَا بِأَنْ تُخْبِرَ بِمَا عُمِلَ
عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْقُرَظِيُّ: أَوْحَى
إِلَيْهَا، وَمَجَازُ الْآيَةِ: يوحى إِلَيْهَا، يُقَالُ:
أَوْحَى لَهَا وَأَوْحَى إِلَيْهَا وَوَحَّى لَهَا وَوَحَّى
إِلَيْهَا وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ، يَرْجِعُ
النَّاسُ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ بَعْدَ الْعَرْضِ،
أَشْتاتاً، مُتَفَرِّقِينَ فَآخِذُ ذَاتِ الْيَمِينِ إِلَى
الْجَنَّةِ وَآخِذُ ذَاتِ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ،
كَقَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الرُّومِ: 14]
يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الرُّومِ: 43] . لِيُرَوْا
أَعْمالَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيُرَوْا جَزَاءَ
أَعْمَالِهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ
الْمَوْقِفِ فِرَقًا لِيَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ والنار.
[سورة الزلزلة (99) : الآيات 7 الى 8]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَزْنَ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ
أَصْغَرَ مَا يَكُونُ مِنَ النَّمْلِ. خَيْراً يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ عَمِلَ خَيْرًا
أَوْ شرًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَرَى
حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُثِيبُهُ بِحَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكافر فيرد حسناته ويعذب
بِسَيِّئَاتِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ، مِنْ كافر يرى
__________
- وأخرجه الترمذي 2429 و3353 والنسائي في «التفسير» 713 وأحمد
2/ 374 وابن حبان 7360 من طرق عن ابن المبارك بهذا الإسناد.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
- وأخرجه الحاكم 2/ 532 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ
الْمُقْرِئُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ به.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 4/ 542 من طريق شعبة عن يحيى به.
- وصححه الحاكم، وقال الذهبي: يحيى هذا منكر الحديث قاله
البخاري.
قلت: أخذ الذهبي رحمه الله بالأشد، فقد تفرد البخاري بجرحه في
حين خالفه أبو حاتم فلينه، وابن حبان والحاكم فوثقاه» .
- وله شاهد من حديث أنس، أخرجه البيهقي في الشعب 7296 لكنه من
طريق رشدين بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي سليمان، ورشدين
واه، وهذا من أوهامه كونه عن أنس، والمحفوظ عن سليمان عَنْ
سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
- فهذا شاهد لا يفرح به.
- وله شاهد من حديث ربيعة الجرشي، أخرجه الطبراني 4596، وفيه
ابن لهيعة ضعيف، وربيعة مختلف في صحبته، والجمهور على أن له
صحبة.
- ويشهد لأصول معناه حديث مسلم المتقدم عند البغوي.
- وبهذا يتبين أن إدراج الألباني له في «ضعيف الترمذي» 664
والجزم بضعفه فيه نظر، والصواب أن الحديث يدور بين الضعف
والحسن إن لم يكن حسنا بشواهده، والله أعلم.
(5/293)
ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ
وماله وأهل وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا
وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) مِنْ مُؤْمِنٍ يَرَى
عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ
وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ
عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ [1] .
قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلَيْنِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى
حُبِّهِ [الإنسان: 8] كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِيهِ السَّائِلُ
فَيَسْتَقِلُّ أن تعطيه التَّمْرَةَ وَالْكِسْرَةَ
وَالْجَوْزَةَ وَنَحْوَهَا، يَقُولُ: ما هذا بشيء إنما تؤجر
على ما تعطي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ، وَكَانَ الْآخَرُ يَتَهَاوَنُ
بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ كَالْكِذْبَةِ وَالْغَيْبَةِ
وَالنَّظْرَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا وَعَدَ
اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا
إِثْمٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ
يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يُعْطُوهُ،
فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، وَيُحَذِّرُهُمُ الْيَسِيرَ
مِنَ الذَّنْبِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، فَالْإِثْمُ
الصَّغِيرُ فِي عَيْنِ صَاحِبِهِ أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ يوم
القيامة، وجميع محاسنه أَقَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
«2393» وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُسَمِّيهَا الْجَامِعَةَ الْفَاذَّةَ حِينَ سُئِلَ
عَنْ زَكَاةِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا
شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةُ بِحَبَّةِ
عِنَبٍ، وَقَالَا: فِيهَا مَثَاقِيلُ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ خيثم: مَرَّ رَجُلٌ بِالْحَسَنِ وَهُوَ
يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهَا قَالَ:
حَسْبِي قَدِ انْتَهَتِ الْمَوْعِظَةُ.
«2394» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا محمد بن
القاسم ثنا أبو بكر
__________
2393- هو بعض حديث، وتقدم مسندا في الأنفال، آية: 60.
2394- صدره ضعيف، وأثناؤه صحيح، وعجزه حسن.
- إسناده واه، يمان بن مغيرة، ضعيف متروك، وباقي الإسناد على
شرط البخاري ومسلم.
- وأخرجه الترمذي 2894 من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو عبيد بن سلّام في «فضائل القرآن» ص 142 و143 و144
مفرقا وابن الضريس في «فضائل القرآن» 298 والحاكم 1/ 566
والبيهقي في «الشعب» 2514 من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد.
- وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: بل يمان ضعفوه.
- وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلا من
حديث يمان بن المغيرة.
- وورد من حديث أنس أخرجه الترمذي 2893 والواحدي في «الوسيط»
4/ 541 والبيهقي 2516.
- وفي إسناده: الحسن بن سالم العجلي، وهو مجهول.
- وقال البيهقي: هذا العجلي مجهول.
- وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من
حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم.
- وورد من وجه آخر عن أنس عند الترمذي 2895 وابن الضريس 297
وفيه «إذا زلزلت ربع القرآن» وهذا اضطراب.
- وحسنه الترمذي، مع أن في إسناده سلمة بن وردان، وهو واه، قال
عنه أبو حاتم: عامة حديثه عن أنس منكر.
- أخرجه ابن السني في «اليوم والليلة» 686 وإسناده ضعيف جدا.
- فالحديث ضعيف من كافة طرقه، وبعضها أشد ضعفا من بعض، والمنكر
فيه ذكر «إذا زلزلت» أما بقية السور فقد ورد
(1) في المخطوط «شيء» . [.....]
(5/294)
|