تفسير البغوي
إحياء التراث وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحًا (1)
محمد [بن] عبد الله ثنا الحسن بن سفيان ثنا
علي بن حجر ثنا يزيد بن هارون ثنا اليمان بن المغيرة ثنا
عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ تعدل نصف القرآن، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
تَعْدِلُ ثُلْثَ القرآن، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
[الإخلاص: 1] تَعْدِلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ» .
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ
مكية وهي إحدى عشرة آية
[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2)
فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4)
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ
وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وقتادة
ومقاتل وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ الْخَيْلُ
العادية في سبيل الله تَضْبَحُ، وَالضَّبْحُ صَوْتُ
أَجْوَافِهَا إِذَا عَدَتْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَيْسَ شيء من الحيوانات يضبح غَيْرُ
الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ، وَإِنَّمَا تَضْبَحُ
هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُهَا مِنْ تَعَبٍ
أَوْ فَزَعٍ وهو من قول العرب: ضَبَحَتْهُ النَّارُ إِذَا
غَيَّرَتْ لَوْنَهُ. وَقَوْلُهُ:
ضَبْحاً نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، مَجَازُهُ:
وَالْعَادِيَّاتُ تَضْبَحُ ضَبْحًا.
وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ الْإِبِلُ فِي الْحَجِّ تَعْدُو مِنْ
عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنًى، وَقَالَ: كَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ
بَدْرًا، وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ
لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ،
فَكَيْفَ تَكُونُ الْخَيْلُ الْعَادِيَاتُ؟ [1] وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ
وَالسُّدَّيُّ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ: هِيَ الْإِبِلُ
قَوْلُهُ: ضَبْحاً يَعْنِي ضِبَاحًا تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا فِي
السَّيْرِ.
فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) ، قَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ
وَالضَّحَّاكُ ومقاتل والكلبي: هي الخيل تواري النَّارَ
بِحَوَافِرِهَا إِذَا سَارَتْ فِي الْحِجَارَةِ، يَعْنِي
وَالْقَادِحَاتِ قَدْحًا يَقْدَحْنَ بِحَوَافِرِهِنَّ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: هِيَ الْخَيْلُ تُهَيِّجُ الْحَرْبَ وَنَارَ
الْعَدَاوَةِ بَيْنَ فُرْسَانِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ
الْخَيْلُ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تأوي بالليل
فَيُوَرُّونَ نَارَهُمْ وَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هِيَ مَكْرُ
الرِّجَالِ، يَعْنِي رِجَالَ الْحَرْبِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ
إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْكُرَ بِصَاحِبِهِ: أَمَا
وَاللَّهِ لِأَقْدَحَنَّ لَكَ ثُمَّ لْأُوَرِّيَنَّ لَكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ النيران بجمع [2] .
__________
فيها أحاديث أخرى، وبخاصة سورة الإخلاص، فقد ورد في فضلها
أحاديث متفق عليها، وستأتي إن شاء الله، والله أعلم. وانظر
«الجامع لأحكام القرآن» 6434 بتخريجي.
(1) قد اختصر المصنّف هذا الأثر أخلّ بمعناه، فقول علي: «كانت
أول غزوة ... » رد فيها على ابن عباس. انظر «الدر» 6/
(2) في المخطوط وط «تجتمع» والمثبت أقرب، وأن مراد القرظي ما
يوقده الحجيج يوم المزدلفة من النار.
(5/295)
فَوَسَطْنَ بِهِ
جَمْعًا (5)
فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) ، هِيَ
الْخَيْلُ تُغِيرُ بِفُرْسَانِهَا عَلَى الْعَدُوِّ عِنْدَ
الصَّبَاحِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: هِيَ الْإِبِلُ تَدْفَعُ بِرُكْبَانِهَا
يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، وَالسُّنَّةُ أَنْ
لَا تَدْفَعُ حَتَّى تُصْبِحَ، وَالْإِغَارَةُ سُرْعَةُ
السَّيْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ كَيْمَا
نُغِيرُ.
فَأَثَرْنَ بِهِ، أَيْ هَيَّجْنَ بمكان سيرها كِنَايَةٌ عَنْ
غَيْرِ مَذْكُورٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ، نَقْعاً،
غُبَارًا وَالنَّقْعُ الغبار.
[سورة العاديات (100) : الآيات 5 الى 11]
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ
لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ
لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا
بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) ، أَيْ دَخَلْنَ بِهِ وَسَطَ
جَمْعِ الْعَدُوِّ، وَهُمُ الْكَتِيبَةُ يُقَالُ: وَسَطْتُ
الْقَوْمَ بِالتَّخْفِيفِ، وَوَسَّطْتُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ
وَتَوَسَّطُّهُمْ بِالتَّشْدِيدِ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
قَالَ الْقُرَظِيُّ: هِيَ الْإِبِلُ تَوَسَّطُ بِالْقَوْمِ
يَعْنِي: جَمْعَ منى، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) . قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: لَكَنُودٌ لِكَفُورٌ
جَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ
بِلِسَانِ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ الْكَفُورُ، وَبِلِسَانِ
كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ الْعَاصِي.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَعُدُّ الْمَصَائِبَ
وَيَنْسَى النِّعَمَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ الَّذِي لَا
يُعْطِي فِي النَّائِبَةِ مَعَ قَوْمِهِ. وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ هُوَ قَلِيلُ الْخَيْرِ، وَالْأَرْضُ الْكَنُودُ
الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الْكَنُودُ الَّذِي
أَنْسَتْهُ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِسَاءَةِ
الْخِصَالَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْإِحْسَانِ [والشكور الَّذِي
أَنْسَتْهُ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِحْسَانِ
الْخِصَالَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْإِسَاءَةِ] [1] .
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) ، قَالَ أَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى كَوْنِهِ كَنُودًا
لَشَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى
الْإِنْسَانِ أَيْ إِنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا
يَصْنَعُ.
وَإِنَّهُ، يَعْنِي الْإِنْسَانَ، لِحُبِّ الْخَيْرِ، أَيْ
لِحُبٍّ الْمَالِ، لَشَدِيدٌ أَيْ لَبَخِيلٌ، أَيْ إِنَّهُ
مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ. يُقَالُ لِلْبَخِيلِ:
شَدِيدٌ وَمُتَشَدِّدٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِنَّهُ لِحُبِّ
الْخَيْرِ لَقَوِيٌّ أَيْ شَدِيدٌ الْحُبِّ لِلْخَيْرِ، أَيِ
المال.
أَفَلا يَعْلَمُ، هَذَا الْإِنْسَانُ، إِذا بُعْثِرَ، أُثِيرَ
وَأُخْرِجَ، مَا فِي الْقُبُورِ مِنَ الْمَوْتَى.
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) ، أَيْ مُيِّزَ وَأُبْرِزَ
مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ، جَمَعَ الْكِنَايَةَ لأن الإنسان اسم
الجنس، يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ، عَالِمٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ:
اللَّهَ خَبِيرٌ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ
وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ
فِي ذلك اليوم.
__________
652 والقرطبي 20/ 145.
(1) سقط من المخطوط.
(5/296)
الْقَارِعَةُ (1)
سورة القارعة
مكية [وقيل مدنية وهي إحدى عشرة آية] [1]
[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا
الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ
الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا
مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ
(7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
(9)
وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11)
الْقارِعَةُ (1) ، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ
لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْقُلُوبَ بِالْفَزَعِ.
مَا الْقارِعَةُ (2) ، تَهْوِيلٌ وَتَعْظِيمٌ.
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ
كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) ، الفراش الطير الَّتِي تَرَاهَا
تَتَهَافَتُ فِي النَّارِ والمبثوث المفرق.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ شَبَّهَ الناس
عند البعث بها يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَيَرْكَبُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْهَوْلِ كَمَا قَالَ: كَأَنَّهُمْ
جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [الْقَمَرِ: 7] .
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) ،
كَالصُّوفِ الْمَنْدُوفِ.
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) ، رجحت حسناته، فَهُوَ
فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) ، مَرْضِيَّةٍ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ
الزَّجَّاجُ ذَاتِ رِضًا يَرْضَاهَا صَاحِبُهَا.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) ، رَجَحَتْ
سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ.
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) ، مَسْكَنُهُ النَّارُ سُمِّيَ
الْمَسْكَنُ أُمًّا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّكُونِ إِلَى
الْأُمَّهَاتِ، وَالْهَاوِيَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْمِهْوَاةُ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهَا،
وَقَالَ قتادة: هي كلمة عربية كان الرجل إِذَا وَقَعَ فِي
أَمْرٍ شَدِيدٍ، قالوا: هوت أمه. وقيل: أراد أم رأسه يَعْنِي
أَنَّهُمْ يَهْوُونَ فِي النَّارِ على رؤوسهم، وَإِلَى هَذَا
التَّأْوِيلِ ذَهَبَ قَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ.
وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ (10) ، يَعْنِي الْهَاوِيَةَ
وَأَصْلُهَا مَا هِيَ، أَدْخَلَ الْهَاءَ فِيهَا لِلْوَقْفِ
ثُمَّ فَسَّرَهَا.
فَقَالَ: نارٌ حامِيَةٌ (11) ، أَيْ حَارَّةٌ قَدِ انْتَهَى
حَرُّهَا.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(5/297)
أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ (1)
سورة التكاثر
مكية [وهي ثمان آيات] [1]
[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (4)
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) ، شَغَلَتْكُمُ الْمُبَاهَاةُ
وَالْمُفَاخَرَةُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ عَنْ
طَاعَةِ رَبِّكُمْ وَمَا يُنْجِيكُمْ مِنْ سُخْطِهِ.
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) ، حَتَّى مُتُّمْ
وَدُفِنْتُمْ فِي الْمَقَابِرِ.
قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ قَالُوا نَحْنُ
أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ أَكْثَرُ مِنْ
بَنِي فُلَانٍ، شَغَلَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا ضُلَّالًا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي حَيَّيْنِ
مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ وَبَنِي
سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو كَانَ بَيْنَهُمْ تَفَاخُرٌ، فتعادوا
السَّادَةُ وَالْأَشْرَافُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا،
فَقَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ: نَحْنُ أَكْثَرُ سَيِّدًا
وَأَعَزُّ عَزِيزًا وَأَعْظَمُ نَفَرًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا،
وَقَالَ بَنُو سَهْمٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَثَرَهُمْ بَنُو
عَبْدِ مَنَافٍ، ثُمَّ قَالُوا: نَعُدُّ مَوْتَانَا حَتَّى
زَارُوا الْقُبُورَ فَعَدُّوهُمْ، فقالوا: أهذا قَبْرُ فُلَانٍ
وَهَذَا قَبْرُ فُلَانٍ فَكَثَرَهُمْ بَنُو سَهْمٍ بِثَلَاثَةِ
أَبْيَاتٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَكْثَرَ
عَدَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
«2395» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ثَنَا
عَبْدُ الرحيم بن منيب ثنا النضر بن شميل [أَنَا شُعْبَةُ] [2]
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الشَّخِيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ
هَذِهِ الْآيَةَ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) ، قَالَ:
«يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ
إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ
أو تصدقت فأمضيت» ؟
__________
2395- صحيح. عبد الرحيم مجهول، لكن توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم.
- شعبة هو ابن الحجاج، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 3950 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2958 والترمذي 2342 و3354 والنسائي 6/ 238 وأحمد
4/ 24 وابن المبارك في «الزهد» 497 وابن حبان 701 والبيهقي 4/
61 والقضاعي 1217 وأبو نعيم في «الحلية» 6/ 281 من طرق عن شعبة
به.
- وأخرجه مسلم 2958 وأحمد 4/ 22 والطيالسي 1148 وأحمد 4/ 24
وأبو نعيم في «الحلية» 6/ 281 والخطيب في «تاريخ بغداد» 1/ 359
من طريق هشام الدستوائي عن قتادة.
- وأخرجه مسلم 2958 وأحمد 4/ 26 والحاكم 2/ 533 و534 و4/ 322
و323 وأبو نعيم في «الحلية» 6/ 281 من طرق عن قتادة به.
(1) زيد في المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(5/298)
كَلَّا لَوْ
تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
«2396» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا الحميدي ثنا سفيان ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ] [1] أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ
الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ
وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ
أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ» .
ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
كَلَّا لَيْسَ الْأَمْرُ بِالتَّكَاثُرِ، سَوْفَ تَعْلَمُونَ،
وعيد لهم ثم تكرره تَأْكِيدًا فَقَالَ:
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) ، قَالَ الْحَسَنُ
وَمُقَاتِلٌ هُوَ وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ وَالْمَعْنَى سَوْفَ
تَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ تَكَاثُرِكُمْ وَتَفَاخُرِكُمْ إِذَا
نَزَلَ بِكُمُ الْمَوْتُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (3) يَعْنِي الْكُفَّارَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (4) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ يَقْرَأُ
الْأَوْلَى بِالْيَاءِ والثانية بالتاء.
[سورة التكاثر (102) : الآيات 5 الى 8]
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ
الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) ، أَيْ عِلْمًا
يَقِينًا فَأَضَافَ الْعِلْمَ إِلَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ:
لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ [الواقعة: 95] ، وَجَوَابُ (لَوْ)
مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا
لَشَغَلَكُمْ مَا تَعْلَمُونَ عَنِ التَّكَاثُرِ
وَالتَّفَاخُرِ.
قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِلْمَ الْيَقِينِ
أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
وَالْكِسَائِيُّ لَتَرَوُنَّ بِضَمِّ التَّاءِ مَنْ أَرَيْتُهُ
الشَّيْءَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ
ترونها بأبصاركم من بعد [2] .
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها، مُشَاهَدَةً، عَيْنَ الْيَقِينِ.
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) ، قَالَ
مُقَاتِلٌ: يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا
فِي الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، فَيُسْأَلُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَنْ شُكْرِ مَا كَانُوا فِيهِ، وَلَمْ
يَشْكُرُوا رَبَّ النَّعِيمِ حَيْثُ عَبَدُوا غَيْرَهُ، ثُمَّ
يُعَذَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رفعه قال: لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ
عَنِ النَّعِيمِ قَالَ: «الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ
عَمَّا أنعم عليه.
__________
2396- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- الحميدي هو عبد الله بن الزبير، سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» 3951 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6514 عن الحميدي بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند الحميدي» 1186 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2960 والترمذي 2379 والنسائي 4/ 53 وابن المبارك
636 وابن حبان 3107 من طريق سفيان بن عيينة به.
[2396 م- ضعيف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» 4/
656 وفيه مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى
ضعيف، والشعبي لم يسمع من ابن مسعود.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المخطوط «عن بعيد» .
(5/299)
«2397» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
[أَبِي] [1] الهيثم الترابي أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ بن حمويه السرخسي ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ
الشَّاشِيُّ ثَنَا عبد الله بن حميد ثنا شَبَّابَةُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العلاء عن الضحاك بن عرزم الْأَشْعَرِيِّ
قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ
مَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ
أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ؟ وَنَرْوِكَ مِنَ
الْمَاءِ الْبَارِدِ» .
«2398» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أَبُو
__________
2397- إسناده حسن، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى الضحاك فقد
وثقه العجلي وابن حبان فقط، وذكره البخاري في «التاريخ» 2/ 2/
333 وكذا ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 4/ 459 من غير جرح
أو تعديل.
- نعم روى عنه غير واحد، وبذلك تثبت عدالة الرجل، لكن لا يوصف
بالإتقان ما لم ينص على ذلك الحفاظ، والراوي عنه وهو ابن
العلاء نقل ابن حزم عن يحيى تضعيفه.
- وأخرجه الترمذي 3358 عن عبد بن حميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري 37899 والخرائطي في «فضيلة الشكر» 54 والحاكم
4/ 138 من طرق عن شبابة بن سوار به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
- والضحاك: هو ابن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال ابن عرزم، وابن
عرزم أصح.
- وأخرجه ابن حبان 7364 والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» 566 من
طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء به.
- قلت: وفي المتن بعض الغرابة، وهو كون أول ما يسأل عنه العبد
عن صحة جسمه، وإروائه من الماء البارد، ولعل الصواب في المتن،
إن مما يسأل عنه، فإن عبد الله بن العلاء وشيخه ليسا غاية في
الإتقان، والله أعلم. بل الضحاك لم يوصف أصلا بالإتقان،
والصواب في ذلك أن ذلك مما يسأل عنه ابن آدم، والله أعلم.
2398- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- شيبان هو ابن عبد الرحمن.
- وهو في «سنن الترمذي» 2369 عن محمد بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 256 عن آدم بهذا الإسناد
مختصرا.
- وأخرجه الحاكم 4/ 131 من طريق الحسين ويزيل عن آدم بن أبي
إياس به.
- وأخرجه الطبري 37893 من طريق يحيى بن أبي بكير عن شيبان به
مختصرا.
- وأخرجه النسائي في «التفسير» 717 من طريق أبي حمزة عن عبد
الملك بن عمير به مختصرا جدا.
- وصححه الحاكم على شرطهما وقال: وقد رواه يونس بن عبيد، وعبد
الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس أتم وأطول ووافقه الذهبي.
- وأخرجه مسلم 2038 والطبري 3792 من طريق يزيد بن كيسان عن أبي
حازم عن أبي هريرة دون عجزه ولم يذكر فيه اسم الرجل «أبو
الهيثم بن التيهان» .
- وله شاهد من حديث أبي عسيب.
- أخرجه أحمد 5/ 81 والطبري 37895 والطحاوي في «المشكل» 468
والواحدي في «الوسيط» 4/ 550.
- وله شاهد من حديث ابن عباس.
- أخرجه ابن حبان 5216 والطبراني في «الصغير» 185 وفيه أن الذي
قدم لهم الطعام هو «أبو أيوب الأنصاري» .
- وأخرجه أبو يعلى 250 وجه آخر من حديث ابن عباس وفيه أن الذي
قدم لهم الطعام هو «أبو الهيثم بن التيهان» .
- وفي إسناده عبد الله بن عيسى، وهو ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث صحيح. [.....]
(1) سقط من المخطوط.
(5/300)
سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ
الشَّاشِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا محمد بن
إسماعيل ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شيبان أبو معاوية ثنا عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا وَلَا يَلْقَاهُ
فِيهَا أَحَدٌ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: «مَا جَاءَ
بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ؟ فَقَالَ:
خَرَجَتُ لِأَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ وَلِلتَّسْلِيمِ
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: «مَا
جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ» ؟ قَالَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ» ، فَانْطَلِقُوا إِلَى
مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ
الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ
وَالشَّاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ
فَقَالُوا لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتْ:
انْطَلَقَ لِيَسْتَعْذِبَ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا
أَنْ جاء أبو الهيثم بقربة زعبها مَاءً فَوَضَعَهَا، ثُمَّ
جَاءَ يَلْتَزِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَيَفْدِيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ
بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا [1] ،
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ» ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إني أردت أن تتخيروا مِنْ
رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ
الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ
الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظِلٌّ
بَارِدٌ وَرُطَبٌ طَيِّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ» ، فَانْطَلَقَ
أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ» ، فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ
جَدْيًا فَأَتَاهُمْ بِهَا، فَأَكَلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟ قَالَ:
لَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «فإذا أتانا
صبي فَأْتِنَا» ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ
أَبُو الْهَيْثَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اخْتَرْ مِنْهُمَا» ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ
اللَّهِ اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ
هَذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَاسْتَوْصِ بِهِ
مَعْرُوفًا» فَانْطَلَقَ بِهِ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى
امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: مَا
أَنْتَ بِبَالِغٍ فِيهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ تَعْتِقَهُ، قَالَ:
فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ
نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ
بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ
الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تألوه إلا خَبَالًا، وَمَنْ
يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النَّعِيمُ صِحَّةُ
الْأَبْدَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ يَسْأَلُ اللَّهُ
الْعَبِيدَ فِيمَ اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ
مِنْهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36)
[الْإِسْرَاءِ: 36] ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَنِ الصِّحَّةِ
وَالْفَرَاغِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ الصِّحَّةِ
وَالْفَرَاغِ وَالْمَالِ.
«2399» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بن محمد الداودي ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ ثنا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصمد الهاشمي ثنا الحسين
بن الحسن بمكة ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ والفضل
بن موسى قالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
__________
2399- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» 3915 بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» (1) عن عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2304 وأبو نعيم في «الحلية» 8/ 174 والقضاعي
295 من طرق ابن المبارك به.
- وأخرجه البخاري 6412 وأحمد 1/ 258 والحاكم 4/ 306 من طريق
مكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد به.
- وأخرجه الترمذي بإثر 2304 من طريق يحيى بن سعيد وابن ماجه
4170 من طريق صفوان بن عيسى وأحمد 1/ 345 من طريق وكيع ثلاثتهم
عن عبد الله بن سعيد به.
(1) في المطبوع «بطالها» .
(5/301)
وَالْعَصْرِ (1)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَعْنِي عَمَّا أَنْعَمَ
عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَنِ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: تَخْفِيفُ الشَّرَائِعِ
وَتَيْسِيرُ الْقُرْآنِ.
سورة العصر
مكية [وقيل مدنية وهي ثلاث آيات] [1]
[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
وَالْعَصْرِ، قَالَ ابن عباس: والدهر. وقيل: أَقْسَمَ بِهِ
لِأَنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِلنَّاظِرِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
وَرَبِّ الْعَصْرِ، وَكَذَلِكَ فِي أَمْثَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ
كَيْسَانَ: أَرَادَ بِالْعَصْرِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ،
يُقَالُ لَهُمَا الْعَصْرَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ بَعْدِ
زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: آخِرُ
سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
أَقْسَمَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ، أَيْ خُسْرَانٍ
وَنُقْصَانٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْكَافِرَ بِدَلِيلِ
أَنَّهُ اسْتَثْنَى المؤمنين، والخسران ذَهَابُ رَأْسِ مَالِ
الْإِنْسَانِ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَعُمُرِهِ بِالْمَعَاصِي،
وَهُمَا أَكْبَرُ رَأْسِ مَالِهِ.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ،
فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا في خسران، وَتَواصَوْا، أَوْصَى
بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بِالصَّبْرِ، بِالْقُرْآنِ قَالَهُ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِالْإِيمَانِ
وَالتَّوْحِيدِ. وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ، عَلَى أَدَاءِ
الْفَرَائِضِ وَإِقَامَةِ أَمْرِ اللَّهِ. وَرَوَى ابْنُ
عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَرَادَ أَنَّ الْإِنْسَانَ
إِذَا عُمِّرَ فِي الدُّنْيَا وَهَرِمَ لَفِي نَقْصٍ
وَتَرَاجُعٍ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ يُكْتَبُ
لَهُمْ أُجُورُهُمْ وَمَحَاسِنُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا
يَعْمَلُونَهَا فِي شَبَابِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ، وَهِيَ مِثْلُ
قَوْلِهِ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [التين: 4 و5 و6] .
__________
(1) زيد في المطبوع.
(5/302)
وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
سورة الهمزة
مكية [وهي تسع آيات] [1]
[سورة الهمزة (104) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ
الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ [2] ،
وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَيَّابُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْهُمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُكَ فِي الغيب
واللمزة الَّذِي يَعِيبُكَ فِي الْوَجْهِ. وَقَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ بِضِدِّهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: الْهَمْزَةُ
الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ وَيَغْتَابُهُمْ، واللمزة
الطَّعَّانُ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْهُمَزَةُ الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ
بِيَدِهِ ويضربهم، واللمزة الَّذِي يَلْمِزُهُمْ بِلِسَانِهِ
وَيَعِيبُهُمْ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: وَيَهْمِزُ بِلِسَانِهِ
وَيَلْمِزُ بعينيه.
وَمِثْلُهُ قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ الْهُمَزَةُ الَّذِي يُؤْذِي
جَلِيسَهُ بِسُوءِ اللَّفْظِ واللمزة الَّذِي يُومِضُ
بِعَيْنِهِ وَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ، ويرمز بحاجبه وهما لغتان
لِلْفَاعِلِ نَحْوُ سُخَرَةٍ وَضُحَكَةٍ لِلَّذِي يَسْخَرُ
وَيَضْحَكُ مِنَ النَّاسِ، وَالْهُمْزَةُ وَاللُّمْزَةُ
سَاكِنَةُ الْمِيمِ الَّذِي يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ وَأَصْلُ
الْهَمْزِ الْكَسْرُ وَالْعَضُّ عَلَى الشَّيْءِ بِالْعُنْفِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقِ
بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ كَانَ يَقَعُ فِي النَّاسِ
وَيَغْتَابُهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ
سُورَةَ الْهُمَزَةِ نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ
الْجُمَحِيِّ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، كَانَ يَغْتَابُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَرَائِهِ وَيَطْعَنُ عَلَيْهِ فِي
وَجْهِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ هَذِهِ
صِفَتُهُ.
[سورة الهمزة (104) : الآيات 2 الى 9]
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ
أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما
أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ
مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
ثُمَّ وَصَفَهُ فَقَالَ: الَّذِي جَمَعَ مَالًا، قَرَأَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ جَمَعَ
بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ عَلَى التَّكْثِيرِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ. وَعَدَّدَهُ، أَحْصَاهُ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: اسْتَعَدَّهُ وَادَّخَرَهُ وَجَعَلَهُ عَتَادًا
لَهُ، يُقَالُ: أَعْدَدْتُ الشَّيْءَ وَعَدَّدْتُهُ إِذَا
أمسكته.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «العنت» والمثبت عن المخطوط وط والطبري.
(5/303)
|