فِي [كُلِّ] رَكْعَةٍ (1) .
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ
بْنِ مَثْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِيِّ
الْحَرَّانَيُّ فِيمَا كَتَبَهُ إِلَيَّ [أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِيُّ] (2)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ حُمَيْدٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ
أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
-يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -قَالَ: لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ
الدَّقْلِ وَلَا تَهْذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا
عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا
يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ (3) .
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ
بْنِ مَثْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
الْحَرَّانَيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ
الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، ح،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَهُوَ
أَخُوهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ نَقْرَأُ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
"الْحَمْدُ لِلَّهِ كِتَابُ اللَّهِ وَاحِدٌ وَفِيكُمُ
الْأَخْيَارُ وَفِيكُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ
اقْرَءُوا [الْقُرْآنَ] (4) قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ
أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَهُ، يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ كَمَا
يُقَامُ السَّهْمُ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،
يَتَعَجَّلُونَ أَخِرَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ" (5) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ
عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ
الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ
مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً (6) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان، باب الجمع بين السورتين في
الركعة: 2 / 255، ومسلم في صلاة المسافرين، باب ترتيل
القراءة برقم: (722) 1 / 565، والمصنف في شرح السنة: 4 /
23.
(2) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(3) أخرجه محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" ص: (116)
مختصر المقريزي. وأخرجه أيضا العسكري في "المواعظ" موقوفا
عن علي رضي الله عنه. انظر: الدر المنثور: 8 / 314. وذكره
ابن كثير عن البغوي.
(4) ساقط من "ب".
(5) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب ما تجزئ الأمي والأعجمي
من القراءة: 1 / 395، والإمام أحمد: 5 / 338.
(6) أخرجه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في القراءة
بالليل: 2 / 529 قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن غريب من هذا
الوجه، والمصنف في شرح السنة: 4 / 25 قال الأرناؤوط:
"إسناده صحيح ويشهد له الحديث الثاني: (عن أبي ذر أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردد هذه الآية حتى
أصبح: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم" يعني في الصلاة) .
(8/251)
إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
وَرَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: قَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً
حَتَّى أَصْبَحَ بِآيَةٍ [مِنَ الْقُرْآنِ] (1)
وَالْآيَةُ: "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ" (الْمَائِدَةِ-118) (2) .
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) }
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: شَدِيدًا. قَالَ
الْحَسَنُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهُذُّ السُّورَةَ
وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهَا ثَقِيلٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ثَقِيلٌ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ
وَحُدُودُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ثَقِيلٌ لِمَا فِيهِ مِنَ
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحُدُودِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ثَقِيلٌ بِالْوَعْدِ
وَالْوَعِيدِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثَقِيلٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: قَوْلًا خَفِيفًا
عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلًا فِي الْمِيزَانِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: ثَقِيلٌ لَيْسَ بِخَفِيفٍ السَّفْسَافُ
لِأَنَّهُ كَلَامُ رَبِّنَا (3) .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ وَاللَّهِ ثَقِيلٌ مُبَارَكٌ،
كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا ثَقُلَ فِي الْمَوَازِينِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ (4) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ، أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ [أَبِيهِ] (5) عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (6) فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَحْيَانًا يَأْتِينِي [فِي] (7) مِثْلِ صَلْصَلَةِ
الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي
وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ
الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
__________
(1) زيادة من "أ".
(2) أخرجه النسائي في سننه: 2 / 177، وابن ماجه في إقامة
الصلاة، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل برقم: (1350)
1 / 429، وصححه الحاكم: 1 / 241 ووافقه الذهبي، والمصنف في
شرح السنة: 4 / 26.
(3) معاني القرآن: 3 / 197.
(4) ذكر أكثر هذه الأقوال الطبري: 29 / 127-128 ثم قال:
"وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه
قول ثقيل، فهو كما وصفه به ثقيل محمله، ثقيل العمل بحدوده
وفرائضه".
(5) ساقط من "ب".
(6) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(7) زيادة من "أ".
(8/252)
إِنَّ نَاشِئَةَ
اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي
الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ
لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا (1) .
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا
وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}
أَيْ: سَاعَاتِهِ كُلَّهَا وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْهُ
نَاشِئَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشَأ أَيْ:
تَبْدُو، وَمِنْهُ: نَشَأَتِ السَّحَابَةُ إِذَا بَدَتْ،
فَكُلُّ مَا حَدَثَ بِاللَّيْلِ وَبَدَا فَقَدْ نَشَأَ
فَهُوَ نَاشِئُ، وَالْجُمَعُ نَاشِئَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْهَا فَقَالَا اللَّيْلُ كُلُّهُ
نَاشِئَةٌ (2) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ
زَيْدٍ: أَيْ: سَاعَةَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَدْ نَشَأَ
وَهُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ [الْقِيَامُ يُقَالُ] (3)
نَشَأَ فَلَانٌ أَيْ: قَامَ (4) .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بَعْدَ
النَّوْمِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ آخَرِ
اللَّيْلِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ أَوَّلِ
اللَّيْلِ.
رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، وَيَقُولُ:
هَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ
صَلَاةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَهِيَ نَاشِئَةٌ
مِنَ اللَّيْلِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: "نَاشِئَةُ اللَّيْلِ" قِيَامُ
اللَّيْلِ، مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كَالْعَافِيَةِ
بِمَعْنَى الْعَفْوِ.
{هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ [وَأَبُو
عَمْرٍو] (5) وِطَاءً بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا
بِمَعْنَى الْمُوَاطَأَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، يُقَالُ:
وَاطَأْتُ فُلَانًا مُوَاطَأَةً وَوَطْئًا، إِذَا
وَافَقْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوَاطَأَةَ الْقَلْبِ
وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ بِاللَّيْلِ تَكُونُ
أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ بِالنَّهَارِ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: [وَطْئًا] (6) بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَسُكُونِ الطَّاءِ، أَيْ: أَشَدُّ عَلَى الْمُصَلِّي
وَأَثْقَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِأَنَّ اللَّيْلَ
لِلنَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اُشْدُدْ
وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرَ" (7) .
__________
(1) أخرجه البخاري في بدء الوحي: 1 / 18، ومسلم في
الفضائل، باب عرق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في البرد وحين يأتيه الوحي برقم: (2333) 4 / 1816-1817،
والمصنف في شرح السنة: 13 / 321-322.
(2) أخرجه الطبري: 29 / 128.
(3) ساقط من "أ".
(4) أخرجه الطبري: 29 / 128.
(5) ساقط من "أ".
(6) زيادة من "أ".
(7) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الدعوات، باب الدعاء
على المشركين بالهزيمة والزلزلة: 11 / 193-194، ومسلم في
المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة
برقم: (675) 1 / 466-467. وساقه المصنف في شرح السنة: 5 /
152.
(8/253)
إِنَّ لَكَ فِي
النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ
صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ هي أشد وطا يَقُولُ هِيَ
أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
مِنَ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ
لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ (1) .
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْفَظُ
لِلْقِرَاءَةِ (2) .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَثْبَتُ قِيَامًا (3) أَيْ:
أَوَطَأُ لِلْقِيَامِ وَأَسْهَلُ لِلْمُصَلِّي مِنْ
سَاعَاتِ النَّهَارِ لِأَنَّ النَّهَارَ خُلِقَ
لِتَصَرُّفِ الْعِبَادِ، وَاللَّيْلَ لِلْخَلْوَةِ
فَالْعِبَادَةُ فِيهِ أَسْهَلُ. وَقِيلَ: أَشَدُّ
نَشَاطًا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَفْرَغُ لَهُ قَلْبًا مِنَ
النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا تَعْرِضُ لَهُ حَوَائِجُ (4) .
وَقَالَ الحسن: أشد وطأ لِلْخَيْرِ وَأَمْنَعُ مِنَ
الشَّيْطَانِ.
{وَأَقْوَمُ قِيلًا} وَأَصْوَبُ قِرَاءَةً وَأَصَحُّ
قَوْلًا لِهَدْأَةِ النَّاسِ وَسُكُونِ الْأَصْوَاتِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أبين قولا 177/ب بِالْقُرْآنِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ: عِبَادَةُ اللَّيْلِ أَشَدُّ نَشَاطًا
وَأَتَمُّ إِخْلَاصًا وَأَكْثَرُ بَرَكَةً وَأَبْلَغُ فِي
الثَّوَابِ [مِنْ عِبَادَةِ النَّهَارِ] (5) .
{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) }
{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أَيْ:
تَصَرُّفًا وَتَقَلُّبًا وَإِقْبَالًا وَإِدْبَارًا فِي
حَوَائِجِكَ وَأَشْغَالِكَ، وَأَصْلُ "السَّبْحِ" سُرْعَةُ
الذَّهَابِ، وَمِنْهُ السِّبَاحَةُ فِي الْمَاءِ وَقِيلَ:
"سَبْحًا طَوِيلًا" أَيْ: فَرَاغًا وَسِعَةً لِنَوْمِكَ
وَتَصَرُّفِكَ فِي حَوَائِجِكَ فَصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرُ "سَبْخًا" بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ أَيْ: اسْتِرَاحَةً وَتَخْفِيفًا
لِلْبَدَنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، وَقَدْ دَعَتْ عَلَى
سَارِقٍ: "لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ بِدُعَائِكِ عَلَيْهِ"
(6) [أَيْ: لَا تُخَفِّفِي] (7) .
__________
(1) أخرجه الطبري: 29 / 130.
(2) أخرجه الطبري: 29 / 129.
(3) معاني القرآن للفرء: 3 / 197.
(4) معاني القرآن للفرء: 3 / 197.
(5) ما بين القوسين زيادة من"ب".
(6) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء: 2 / 145،
والمصنف في شرح السنة: 5 / 154 قال الأرناؤوط: "وحبيب بن
أبي ثابت كثير التدليس، وقد عنعن وبقية رجاله ثقات".
(7) زيادة من "أ".
(8/254)
وَاذْكُرِ اسْمَ
رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ
وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي
وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ
قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ
تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ
كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ
إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا
جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي
النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا
أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ
وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
}
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّعْظِيمِ
{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَغَيْرُهُ: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلَاصًا. وَقَالَ
الْحَسَنُ: اجْتَهِدْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: تَفَرَّغْ
لِعِبَادَتِهِ. قَالَ سُفْيَانُ: تَوَكَّلْ عَلَيْهِ
تَوَكُّلًا. وَقِيلَ: انْقَطِعْ إِلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ
انْقِطَاعًا وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، يُقَالُ:
تَبَتَّلْتُ الشَّيْءَ أَيْ: قَطَعْتُهُ وَصَدَقَةٌ
بَتَّةٌ: أَيْ: مَقْطُوعَةٌ عَنْ صَاحِبِهَا لَا سَبِيلَ
لَهُ عَلَيْهَا وَالتَّبْتِيلُ: [التَّقْطِيعُ] (1)
تَفْعِيلٌ مِنْهُ يُقَالُ: بَتَّلْتُهُ فَتَبَتَّلَ،
وَالْمَعْنَى: بَتِّلْ نَفْسَكَ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ
قَالَ: تَبْتِيلًا. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:
التَّبَتُّلُ رَفْضُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَالْتِمَاسُ
مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. {رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ} قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَأَبُو عَمْرٍو
وَحَفْصٌ: "رَبُّ" بِرَفْعِ الْبَاءِ عَلَى الِابْتِدَاءِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ الرَّبِّ
فِي قَوْلِهِ: "وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ" {لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} قَيِّمًا بِأُمُورِكَ
فَفَوِّضْهَا إِلَيْهِ. {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ
وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} نَسَخَتْهَا آيَةُ
الْقِتَالِ (2) . {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي
النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} نَزَلَتْ فِي
صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ الْمُسْتَهْزِئِينَ. وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمَيْنِ
بِبَدْرٍ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى قُتِلُوا
بِبَدْرٍ (3) . {إِنَّ لَدَيْنَا} عِنْدَنَا فِي
الْآخِرَةِ {أَنْكَالًا} قُيُودًا عِظَامًا لَا تَنْفَكُّ
أَبَدًا وَاحِدُهَا نَكَلٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ:
أَغْلَالًا مِنْ حَدِيدٍ {وَجَحِيمًا} {وَطَعَامًا ذَا
غُصَّةٍ} غَيْرِ سائغة يأخذ بالحق لَا يَنْزِلُ وَلَا
يَخْرُجُ وَهُوَ الزَّقُّومُ وَالضَّرِيعُ. {وَعَذَابًا
أَلِيمًا} {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} أَيْ:
تَتَزَلْزَلُ وَتَتَحَرَّكُ {وَكَانَتِ الْجِبَالُ
كَثِيبًا مَهِيلًا}
__________
(1) راجع فيما سبق: 3 / 32 تعليق (1) .
(2) راجع فيما سبق: 3 / 32 تعليق (1) .
(3) تقدم بيان ذلك في سورة الأنفال.
(8/255)
إِنَّا أَرْسَلْنَا
إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا
أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى
فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا
(16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا
يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ
تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا
(19)
رَمْلًا سَائِلًا. قَالَ الْكَلْبِيُّ:
هُوَ الرَّمْلُ الَّذِي إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ شَيْئًا
تَبِعَكَ مَا بَعْدَهُ، يُقَالُ أَهَلْتُ الرَّمْلَ
أُهِيلُهُ هَيْلًا إِذَا حَرَّكْتُ أَسْفَلَهُ حَتَّى
انْهَالَ مِنْ أَعْلَاهُ.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا
عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا
(15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا
وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ
يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ
مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ
هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ
سَبِيلًا (19) }
(8/256)
إِنَّ رَبَّكَ
يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ
وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ
وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ
لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ
مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ
مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ
خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ
أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (20)
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ
وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ
فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى
وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ
خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ
أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (20) }
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا
عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا}
.
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا
وَبِيلًا} ، شَدِيدًا ثَقِيلًا يَعْنِي عَاقَبْنَاهُ
عُقُوبَةً غَلِيظَةً يُخَوِّفُ كُفَّارَ مَكَّةَ.
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} أَيْ: كَيْفَ
لَكُمْ بِالتَّقْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ كَفَرْتُمْ
فِي الدُّنْيَا يَعْنِي لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى
التَّقْوَى إِذَا وَافَيْتُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَيْفَ تَتَّقُونَ الْعَذَابَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ تَتَحَصَّنُونَ مِنْهُ
إِذَا كَفَرْتُمْ؟ {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}
شُمْطًا مِنْ هَوْلِهِ وَشِدَّتِهِ، ذَلِكَ حِينَ يُقَالُ
لِآدَمَ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ
ذُرِّيَّتِكَ. ثُمَّ وَصَفَ هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ
فَقَالَ: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} مُتَشَقِّقٌ
لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ بِهِ أَيْ: بِذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَقِيلَ: الْهَاءُ تَرْجِعُ إِلَى الرَّبِّ أَيْ:
بِأَمْرِهِ وَهَيْبَتِهِ {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا}
كَائِنًا. {إِنَّ هَذِهِ} أَيْ: آيَاتِ الْقُرْآنِ
{تَذْكِرَةٌ} تَذْكِيرٌ وَمَوْعِظَةٌ {فَمَنْ شَاءَ
اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} بِالْإِيمَانِ
وَالطَّاعَةِ. {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
أَدْنَى} أَقَلَّ مِنْ {ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ
وَثُلُثَهُ} قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةَ:
"نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ" بِنَصْبِ الْفَاءِ وَالثَّاءِ
وَإِشْبَاعِ الْهَاءَيْنِ ضَمًّا أَيْ: وَتَقُومُ نِصْفَهُ
وَثُلْثَهُ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَرِّ الْفَاءِ
وَالثَّاءِ وَإِشْبَاعِ الْهَاءَيْنِ كَسْرًا عَطْفًا
عَلَى ثُلْثِي {وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}
يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ وَكَانُوا يَقُومُونَ مَعَهُ
{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} قَالَ
عَطَاءٌ: يُرِيدُ لَا يَفُوتُهُ عِلْمُ مَا تَفْعَلُونَ،
أَيْ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَقَادِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
فَيَعْلَمُ الْقَدْرَ الَّذِي تَقُومُونَ مِنَ اللَّيْلِ
{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}
(8/256)
قَالَ الْحَسَنُ: قَامُوا حَتَّى
انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، فَنَزَلَ: "عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ" لَنْ تُطِيقُوا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: كَانَ الرَّجُلُ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ،
مَخَافَةَ أَنْ لَا يُصِيبُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ
الْقِيَامِ، فَقَالَ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لَنْ
تُطِيقُوا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ. {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}
فَعَادَ عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ وَالتَّخْفِيفِ
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} يَعْنِي فِي
الصَّلَاةِ، قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي فِي صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ.
قَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنَ
عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ
بِالْحَمْدِ وَأَوَّلِ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ [ثُمَّ
قَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ بِالْحَمْدِ وَالْآيَةِ
الثَّانِيَةِ مِنَ الْبَقَرَةِ] (1) ثُمَّ رَكَعَ فَلَمَّا
انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ
[مِنْهُ] (2)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ
مِخْرَاقٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً فِي يَوْمٍ أَوْ
فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ
قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ
قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ لَمْ يُحَاجُّهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةً كُتِبَ
لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ" (3) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى [بْنِ كَثِيرٍ] عَنْ مُحَمَّدٍ
[عَبْدِ اللَّهِ] (4) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى
بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ
شَهْرٍ" قَالَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ:
"فَاقْرَأْهُ فِي [كُلِّ] (5) عِشْرِينَ لَيْلَةً" قَالَ
قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي
كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ" (6) .
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(2) في "ب" من القرآن. عزاه السيوطي في الدر المنثور: 8 /
323 للدارقطني والبيهقي في السنن وقد حسناه.
(3) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة بروايات وألفاظ
متقاربة برقم: (698-700) ص (326-327) وفيه يزيد الرقاشي
وهو ضعيف، قال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف، روي لنا بعضه من
وجه آخر بسند صحيح ثم أخرجه من حديث تميم الداري. انظر:
الفتوحات الربانية: 3 / 275-276، الترغيب والترهيب: 2 /
447، مجمع الزوائد: 2 / 267.
(4) ساقط من "أ".
(5) زيادة من "أ".
(6) أخرجه مسلم في الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن
تضرر به برقم: (1159) 2 / 812، والبخاري في فضائل القرآن،
باب في كم يقرأ القرآن: 9 / 95 إلا قوله: (قال: فاقرأه في
كل عشرين ليلة، قلت: إني لأجد قوة) .
(8/257)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي
الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يَعْنِي
الْمُسَافِرِينَ لِلتِّجَارَةِ يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِ
اللَّهِ {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
لَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ.
رَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَيُّمَا
رَجُلٍ جَلَبَ شَيْئًا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ
الْمُسْلِمِينَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَبَاعَهُ بِسِعْرِ
يَوْمِهِ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الشُّهَدَاءِ
ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: "وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي
الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ" [يَعْنِي
الْمُسَافِرِينَ لِلتِّجَارَةِ يَطْلُبُونَ رِزْقَ الله]
(1) "وآخرون 178/أيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (2) .
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} أَيْ [مَا تَيَسَّرَ
عَلَيْكُمْ] (3) مِنَ الْقُرْآنِ. [قَالَ أَهْلُ
التَّفْسِيرِ] (4) كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ
ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَذَلِكَ
قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مَا سِوَى الزَّكَاةِ مِنْ صِلَةِ
الرَّحِمِ، وَقِرَى الضَّيْفِ. {وَمَا تُقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ، عِنْدَ اللَّهِ
هُوَ خَيْرًا} تَجِدُوا ثَوَابَهُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ
مِمَّا أَعْطَيْتُمْ {وَأَعْظَمَ أَجْرًا} مِنَ الَّذِي
أَخَّرْتُمْ وَلَمْ تُقَدِّمُوهُ، وَنُصِبَ "خَيْرًا
وَأَعْظَمَ" عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَإِنَّ
الْوُجُودَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ يَتَعَدَّى
إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَهُوَ فَصْلٌ فِي قَوْلِ
الْبَصْرِيِّينَ وَعِمَادٌ فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ لَا
مَحَلَّ لَهَا فِي الْإِعْرَابِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ
الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ الْبُخَارِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ
بِالْمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ سُوَيدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"أَيُّكُمْ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَنْ مَالِ
وَارِثِهِ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا مِنْ
أَحَدٍ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ ارثه.
قَالَ: "اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ" قَالُوا: مَا نَعْلَمُ
إِلَّا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ [: "مَا
مِنْكُمْ
__________
(1) ما بين القوسين زيادة من "ب".
(2) عزاه ابن حجر في الكافي الشاف ص: (179) للثعلبي من
رواية فرقد السبخي عن إبراهيم عن ابن مسعود موقوفا. وفرقد
ضعيف. وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 8 / 323 لابن
مردويه.
(3) ساقط من "ب".
(4) ساقط من "ب".
(8/258)
رَجُلٌ إِلَّا مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ
إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ" قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ] (1) "إِنَّمَا مَالُ أَحَدِكُمْ مَا
قَدَّمَ وَمَالُ وارثه ما أخره" (2) .
{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} لِذُنُوبِكُمْ {إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(2) أخرجه البخاري في الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له:
11 / 260، والمصنف في شرح السنة: 14 / 259-260.
(8/259)
يَا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ (1)
سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ مَكِّيَّةٌ (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) }
[ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ] (2) ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
قَالَ: سَأَلَتُ أَبَا سَلَمَةَ [بْنَ] (3) عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ؟
قَالَ: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" قُلْتُ: يَقُولُونَ:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (الْعَلَقِ-1) ؟
فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلَتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي
قُلْتَ، فَقَالَ جَابِرٌ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا بِمَا
حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ
جِوَارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي
فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَنَظَرْتُ عَنْ شَمَالِي فَلَمْ أَرَ
شَيْئًا وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا
وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَرَفَعْتُ
رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ
فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا
[قَالَ] (4) فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً
بَارِدًا قَالَ فَنَزَلَتْ: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ" (5) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا
__________
(1) أخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس والبيهقي عن ابن
عباس قال: نزلت سورة المدثر بمكة. انظر: الدر المنثور: 8 /
324.
(2) ساقط من "ب".
(3) ساقط من "أ".
(4) زيادة من "ب".
(5) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة المدثر: 8 /
676-677، ومسلم في الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم: (161) : 1 / 144.
(8/260)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ
الْوَحْيِ: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا
مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصْرِي قِبَلَ السَّمَاءِ
فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ
عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَخَشِيتُ
حَتَّى هَوَيْتُ عَلَى الْأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي
فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي [فَزَمَّلُونِي] (1)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قُمْ فَأَنْذِرْ" إِلَى قَوْلِهِ: "فَاهْجُرْ" قَالَ أَبُو
سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ الْأَوْثَانُ، ثُمَّ حَمِيَ
الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ" (2) .
{قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ (4) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ
فَأَنْذِرْ} أَيْ: أَنْذِرْ كُفَّارَ مَكَّةَ. {وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ} عَظِّمْهُ عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ
الْأَوْثَانِ. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَالَ قَتَادَةُ
وَمُجَاهِدٌ: نَفْسَكَ فَطَهِّرْ [عَنِ الذَّنْبِ] (3)
فَكَنَّى عَنِ النَّفْسِ بِالثَّوْبِ، وَهُوَ قَوْلُ
إِبْرَاهِيمَ وَالضَّحَّاكِ وَالشَّعْبِيِّ
وَالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سُئِلَ ابْنُ
عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ" فَقَالَ:
لَا تَلْبَسْهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا عَلَى غَدْرٍ،
ثُمَّ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ غِيلَانَ بْنَ
سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ: وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا
ثَوْبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ
أَتَقَنَّعُ (4)
وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي وَصْفِ الرَّجُلِ بِالصِّدْقِ
وَالْوَفَاءِ: إِنَّهُ طَاهِرُ الثِّيَابِ، وَتَقُولُ
لِمَنْ غَدَرَ: إِنَّهُ لَدَنِسُ الثِّيَابِ. وَقَالَ
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: لَا تَلْبَسْهَا عَلَى غَدْرٍ وَلَا
عَلَى ظُلْمٍ وَلَا إِثْمٍ، الْبَسْهَا وَأَنْتَ بَرٌّ
[جَوَادٌ] (5) طَاهِرٌ.
وَرَوَى أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ مَعْنَاهُ:
وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ
صَالِحًا: إِنَّهُ لَطَاهِرُ الثِّيَابِ، وَإِذَا كَانَ
فَاجِرًا إِنَّهُ لَخَبِيثُ الثِّيَابُ.
__________
(1) زيادة من "ب".
(2) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة المدثر، باب
(وثيابك فطهر) : 8 / 678-679، ومسلم في الإيمان، باب بدء
الوحي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
برقم (161) : 1 / 143.
(3) في "ب" من الذنوب".
(4) أخرجه الطبري: 29 / 145. وزاد السيوطي في الدر
المنثور: 8 / 326 عزوه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن
المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء
وابن مردويه.
(5) زيادة من "أ".
(8/264)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
(5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَقَلْبَكَ
وَنِيَّتَكَ فَطَهِّرْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ:
وَخُلُقَكَ فَحَسِّنْ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ
بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الَّتِي لَا
تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ
[كَانُوا] (1) لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يُطَهِّرُونَ
ثِيَابَهُمْ (2) .
وَقَالَ طَاوُوسٌ: وَثِيَابَكَ فَقَصِّرْ لِأَنَّ
تَقْصِيرَ الثِّيَابِ طُهْرَةٌ لَهَا.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
(6) }
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ
[عَنْ عَاصِمٍ] (3) وَيَعْقُوبَ: "وَالرُّجْزَ" بِضَمِّ
الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا وَهُمَا
لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ
وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ
وَأَبُو سَلَمَةَ: الْمُرَادُ بِالرِّجْزِ الْأَوْثَانُ،
قَالَ: فَاهْجُرْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا.
وَقِيلَ: الزَّايُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ السِّينِ
وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ السِّينِ وَالزَّايِ
لِقُرْبِ مُخْرِجِهِمَا وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ
قَوْلُهُ: "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ"
(الْحَجِّ-30) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَاهُ: اتْرُكِ
الْمَآثِمَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: "الرُّجْزَ"
بِضَمِّ الرَّاءِ: الصَّنَمُ، وَبِالْكَسْرِ: النَّجَاسَةُ
وَالْمَعْصِيَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْعَذَابَ.
وَمَجَازُ الْآيَةِ: اهْجُرْ مَا أَوْجَبَ لَكَ الْعَذَابَ
مِنَ الْأَعْمَالِ. {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أَيْ:
لَا تُعْطِ مَالَكَ مُصَانَعَةً لِتُعْطَى أَكْثَرَ
مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ
الضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: كَانَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. قَالَ الضَّحَّاكُ:
هُمَا رِبَاءَانِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، فَأَمَّا الْحَلَالُ
فَالْهَدَايَا وَأَمَّا الْحَرَامُ فَالرِّبَا. قَالَ
قَتَادَةُ: لَا تُعْطِ شَيْئًا طَمَعًا لِمُجَازَاةِ
الدُّنْيَا يَعْنِي أَعْطِ لِرَبِّكَ وَأَرِدْ بِهِ
اللَّهَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ لَا تَمْنُنْ عَلَى
اللَّهِ بِعَمَلِكَ فَتَسْتَكْثِرُهُ، قَالَ الرَّبِيعُ:
لَا تُكَثِّرَنَّ عَمَلَكَ فِي عَيْنِكَ فَإِنَّهُ فِيمَا
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَعْطَاكَ قَلِيلٌ. وَرَوَى
خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَلَا تَضْعُفْ أَنْ
تَسْتَكْثِرَ مِنَ الْخَيْرِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَبْلٌ
مَتِينٌ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا دَلِيلُهُ: قِرَاءَةُ ابْنِ
مَسْعُودٍ: "وَلَا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ" قَالَ
[ابْنُ] (4) زِيدٍ مَعْنَاهُ: لَا تَمْنُنْ بِالنُّبُوَّةِ
عَلَى النَّاسِ فَتَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا
__________
(1) زيادة من "ب".
(2) قال ابن جرير: 29 / 147 بعد أن ذكر هذا القول وأقوالا
أخر: "وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك
أظهر معانيه".
(3) ساقط من "أ".
(4) ساقط من "أ".
(8/265)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ
(7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ
يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ
يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
أَوْ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا (1) .
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)
عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا
(12) }
[ {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} قِيلَ: فاصبر على 178/ب
طَاعَتِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ لِأَجْلِ ثَوَابِ
اللَّهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَاصْبِرْ لِلَّهِ عَلَى مَا
أُوذِيَتْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: (2) ] مَعْنَاهُ
حَمَلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا مُحَارَبَةَ الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ فَاصْبِرْ عَلَيْهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقِيلَ: فَاصْبِرْ تَحْتَ مَوَارِدِ الْقَضَاءِ لِأَجْلِ
اللَّهِ. {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أَيْ: نُفِخَ
فِي الصُّورِ، وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ
إِسْرَافِيلُ، يَعْنِي النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ.
{فَذَلِكَ} يَعْنِي النَّفْخَ فِي الصُّورِ {يَوْمَئِذٍ}
يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ {يَوْمٌ عَسِيرٌ} شَدِيدٌ.
{عَلَى الْكَافِرِينَ} يَعْسُرُ فِيهِ الْأَمْرُ
عَلَيْهِمْ {غَيْرُ يَسِيرٍ} غَيْرُ هَيِّنٍ. قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} أَيْ:
خَلَقْتُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَحِيدًا فَرِيدًا لَا
مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ. نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، كَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدُ
فِي قَوْمِهِ (3) . {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا}
أَيْ: كَثِيرًا. قِيلَ: هُوَ مَا يُمَدُّ بِالنَّمَاءِ
كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ وَالتِّجَارَةِ. وَاخْتَلَفُوا
فِي مَبْلَغِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
أَلْفُ دِينَارٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ
دِينَارٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَلْفُ أَلْفِ
[دِينَارٍ] (4) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِسْعَةُ آلَافِ
مِثْقَالٍ فِضَّةً. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ لَهُ
بُسْتَانٌ بِالطَّائِفِ لَا تَنْقَطِعُ ثِمَارُهُ شِتَاءً
وَلَا صَيْفًا. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
كَانَ لَهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ إِبِلٌ وَخَيْلٌ
وَنَعَمٌ [وَغَنَمٌ] (5) وَكَانَ لَهُ عِيرٌ كَثِيرَةٌ
وَعَبِيدٌ وَجَوَارٍ. وَقِيلَ: مَالًا مَمْدُودًا غَلَّةُ
شَهْرٍ بِشَهْرٍ.
__________
(1) أخرج أكثر هذه الأقوال الطبري: 29 / 148-150 ثم قال
مرجحا: "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من
قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك
الصالح. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك في سياق آيات
تقدم فيهن أمر الله نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بالجد في الدعاء إليه، والصبر على ما يلقى من
الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن
تكون من غيرها".
(2) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(3) أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص: (513-514) . وانظر
تفسير عبد الرزاق: 2 / 328، والمستدرك للحاكم: 2 /
506-507.
(4) زيادة من "أ".
(5) زيادة من "أ".
(8/266)
وَبَنِينَ شُهُودًا
(13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ
أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا
عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ
تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا
إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ
صَعُودًا (17) }
{وَبَنِينَ شُهُودًا} حصورًا بِمَكَّةَ لَا يَغِيبُونَ
عَنْهُ وَكَانُوا عَشَرَةً، قَالَهُ مُجَاهِدٌ
وَقَتَادَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا سَبْعَةً وَهُمُ
الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَخَالِدٌ وَعِمَارَةُ
وَهُشَامٌ وَالْعَاصُ وَقَيْسٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، أَسْلَمَ
مِنْهُمْ [ثَلَاثَةٌ] (1) خَالِدٌ وَهُشَامٌ وَ
[عِمَارَةُ] (2) . {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} أَيْ:
بَسَطْتُ لَهُ فِي الْعَيْشِ وَطُولِ الْعُمُرِ بَسْطًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْمَالَ بَعْضَهُ عَلَى
بَعْضٍ كَمَا يُمَهَّدُ الْفَرْشُ. {ثُمَّ يَطْمَعُ}
يَرْجُو {أَنْ أَزِيدَ} أَيْ أَنْ أَزِيدَهُ مَالًا
وَوَلَدًا وَتَمْهِيدًا. {كَلَّا} لَا أَفْعَلُ وَلَا
أَزِيدُهُ، قَالُوا: فَمَا زَالَ الْوَلِيدُ بَعْدَ
نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي نُقْصَانٍ مِنْ مَالِهِ
وَوَلَدِهِ حَتَّى هَلَكَ. {إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا
عَنِيدًا} مُعَانِدًا. {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}
سَأُكَلِّفُهُ مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ لَا رَاحَةَ لَهُ
فِيهَا.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ
[الْكَافِرُ] (3) سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي" (4) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي
ابْنُ فَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا
مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ
عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: "سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا" قَالَ:
"هُوَ جَبَلٌ فِي النَّارِ مِنْ نَارٍ يُكَلَّفُ أَنْ
يَصْعَدَهُ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ ذَابَتْ [فَإِذَا
رَفَعَهَا عَادَتْ فَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ ذَابَتْ
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(2) في "ب" الوليد.
(3) ساقط من "ب".
(4) أخرجه الترمذي في صفة جهنم، باب ما جاء في صفة قعر
جهنم: 7 / 297-298 وقال: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعا
إلا من حديث ابن لهيعة" والإمام أحمد: 3 / 75، والطبري: 29
/ 155، والحاكم: 2 / 507 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال الحافظ ابن حجر في الكافي
الشاف ص: (179) : "الترمذي من طريق ابن لهيعة عن دراج عن
أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا انتهى. وقد رواه الحاكم
والطبري والبيهقي في "الشعب" من رواية عمرو بن الحارث عن
دراج. ورواه ابن مردويه من رواية رشدين عن دراج أيضا".
(8/267)
وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ] (1) " (2)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: "الصَّعُودُ" صَخْرَةٌ مَلْسَاءُ
فِي النَّارِ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهَا لَا يُتْرَكُ
أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي صُعُودِهِ، وَيُجْذَبُ مِنْ
أَمَامِهِ بِسَلَاسِلَ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُضْرَبُ مِنْ
خَلْفِهِ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ، فَيَصْعَدُهَا فِي
أَرْبَعِينَ عَامًا فَإِذَا بَلَغَ ذِرْوَتَهَا أُحْدِرَ
إِلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهَا
وَيُجْذَبُ مِنْ أَمَامِهِ وَيُضْرَبُ مِنْ خَلْفِهِ
فَذَلِكَ دَأْبُهُ أَبَدًا [أَبَدًا] (3) .
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(2) أخرجه عبد الرزاق في التفسير: 2 / 331. وعزاه الحافظ
ابن حجر في الكافي الشاف ص: (179) للبزار والطبراني في
الأوسط والبيهقي في الشعب والطبري وابن أبي حاتم. كلهم من
طريق شريك بن عمار الدهني عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا. قال
البزار: لا نعلمه رفعه إلا شريك، وبه جزم الطبراني. ورواه
البزار والبيهقي من رواية ابن عيينة عن عمارة مرفوعا. قال
الهيثمي في المجمع: 7 / 131: "قلت: ورواه أبو داود بغير
سياقه - رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عطية وهو ضعيف".
(3) زيادة من "ب".
(8/268)
إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ (18)
{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) }
{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} الْآيَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" إِلَى قَوْلِهِ:
"الْمَصِيرُ" (غَافِرٍ: 1-3) قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوَلِيدُ
بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ مِنْهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ،
فَلَمَّا فَطِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَتِهِ [الْقُرْآنَ] (1)
أَعَادَ قِرَاءَةَ الْآيَةِ، فَانْطَلَقَ الْوَلِيدُ
حَتَّى أَتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ:
[وَاللَّهِ] (2) لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ آنِفًا
كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَلَا مِنْ
كَلَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ
عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ أَعْلَاهُ [لَمُثْمِرٌ] (3)
وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّهُ يَعْلُو وَمَا
يُعْلَى، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَتْ
قُرَيْشٌ: [سَحَرَهُ مُحَمَّدٌ] (4) [صَبَأَ وَاللَّهِ
الْوَلِيدُ، وَاللَّهِ لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْشٌ كُلُّهُمْ،
وَكَانَ يُقَالُ لِلْوَلِيدِ: رَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ] (5)
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ
فَانْطَلَقَ فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ الْوَلِيدِ حَزِينًا،
فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَالِي أَرَاكَ حَزِينًا يَا
ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ لَا أَحْزَنَ
وَهَذِهِ قُرَيْشٌ يَجْمَعُونَ لَكَ النَّفَقَةَ
يُعِينُونَكَ عَلَى كِبَرِ سِنِّكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ
زَيَّنْتَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَتَدَخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي
كَبْشَةَ، وَابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، لِتَنَالَ مِنْ فَضْلِ
طَعَامِهِمْ فَغَضِبَ الْوَلِيدُ، فَقَالَ: أَلَمْ
تَعْلَمْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهِمْ مَالًا
وَوَلَدًا، وَهَلْ شَبِعَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنَ
الطَّعَامِ فَيَكُونُ
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) زيادة من "أ".
(3) في "أ" لمؤثر.
(4) ساقط من "ب".
(5) ساقط من "ب".
(8/268)
فَقُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ
نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ
وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
لَهُمْ فَضْلٌ مِنَ الطَّعَامِ؟ ثُمَّ
قَامَ مَعَ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى أَتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ،
فَقَالَ لَهُمْ: تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ،
فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ يُخْنَقُ قَطُّ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ
لَا قَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ فَهَلْ
رَأَيْتُمُوهُ قَطُّ تَكَهَّنَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا
قَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِرٌ فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ
يَنْطِقُ بِشِعْرٍ قَطُّ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا قَالَ:
تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ
شَيْئًا مِنَ الْكَذِبِ؟ قَالُوا: لَا -وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى
الْأَمِينُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، مِنْ صِدْقِهِ -فَقَالَتْ
قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ: فَمَا هُوَ؟ فَتَفَكَّرَ فِي
نَفْسِهِ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ، فَقَالَ: مَا هُوَ
إِلَّا سَاحِرٌ، أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ وَمَوَالِيهِ وَوَلَدِهِ؟ فَهُوَ
سَاحِرٌ وَمَا يَقُولُهُ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (1) فَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ فَكَّرَ} فِي مُحَمَّدٍ
وَالْقُرْآنِ {وَقَدَّرَ} فِي نَفْسِهِ مَاذَا يُمْكِنُهُ
أَنْ يَقُولَ فِي مُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ.
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ
(22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ
هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا
قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) }
{فَقُتِلَ} لَعْنٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عُذِّبَ،
{كَيْفَ قَدَّرَ} عَلَى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ
وَالْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ. {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ} كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
لُعِنَ عَلَى أَيِ حَالٍ قَدَّرَ مِنَ الْكَلَامِ، كَمَا
يُقَالُ لَأَضْرِبَنَّهُ كَيْفَ صَنَعَ أَيْ عَلَى أَيِّ
حَالٍ صَنَعَ. {ثُمَّ نَظَرَ} فِي طَلَبِ مَا يَدْفَعُ
بِهِ الْقُرْآنَ وَيَرُدَّهُ. {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}
كَلَحَ وَقَطَّبَ وَجْهَهُ وَنَظَرَ بِكَرَاهِيَةٍ
شَدِيدَةٍ كَالْمُهْتَمِّ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ.
{ثُمَّ أَدْبَرَ} عَنِ الْإِيمَانِ {وَاسْتَكْبَرَ}
تَكَبَّرَ حِينَ دُعِيَ إِلَيْهِ. {فَقَالَ إِنْ هَذَا}
مَا هَذَا الَّذِي يَقْرَؤُهُ مُحَمَّدٌ {إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ} يُرْوَى وَيُحْكَى عَنِ السَّحَرَةِ. {إِنْ
هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} يَعْنِي يَسَارًا
وَجَبْرًا فَهُوَ يَأْثُرُهُ عَنْهُمَا. وَقِيلَ:
يَرْوِيهِ عَنْ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ. قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {سَأُصْلِيهِ} سَأُدْخِلُهُ {سَقَرَ}
وَسَقَرُ اسْمٌ من أسماء جنهم.
__________
(1) ذكره الواحدي في أسباب النزول ص: (514) . وانظر تفسير
عبد الرزاق: 2 / 328-329، سيرة ابن هشام: 1 / 288-289.
(8/269)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا
سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا
تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) }
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}
أَيْ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا
أَكَلَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا
تُمِيتُ وَلَا تُحْيِي يَعْنِي لَا تُبْقِي مَنْ فِيهَا
حَيًّا وَلَا تَذَرُ مَنْ فِيهَا مَيِّتًا كُلَّمَا
احْتَرَقُوا جُدِّدُوا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا تُبْقِي
لَهُمْ لَحْمًا وَلَا تَذَرُ لَهُمْ عَظْمًا. وَقَالَ
الضحاك: إذا 179/أأَخَذَتْ فِيهِمْ لَمْ تُبْقِ مِنْهُمْ
شَيْئًا وَإِذَا أُعِيدُوا لَمْ تَذَرْهُمْ حَتَّى
تُفْنِيَهُمْ وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَلَالَةٌ وَفَتْرَةٌ
إِلَّا لِجَهَنَّمَ. {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} مُغَيِّرَةٌ
لِلْجِلْدِ حَتَّى تَجْعَلَهُ أَسْوَدَ، يُقَالُ: لَاحَهُ
السُّقْمُ وَالْحُزْنُ إِذَا غَيَّرَهُ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: تَلْفَحُ الْجِلْدَ حَتَّى تَدَعَهُ أَشَدَّ
سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ
بْنُ أَسْلَمَ: مُحْرِقَةٌ لِلْجِلْدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ
وَابْنُ كَيْسَانَ: تُلَوِّحُ لَهُمْ جَهَنَّمُ حَتَّى
يَرَوْهَا عَيَانًا نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: "وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ" (الشُّعَرَاءِ-91) وَ
{لَوَّاحَةٌ} رَفْعٌ عَلَى نَعْتِ "سَقَرَ" فِي قَوْلِهِ:
"وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ" وَ"الْبَشَرُ" جَمْعُ
بَشَرَةٍ وَجَمْعُ الْبَشَرِ أَبْشَارٌ. {عَلَيْهَا
تِسْعَةَ عَشَرَ} [أَيْ: عَلَى] (1) النَّارِ تِسْعَةَ
عَشَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ خَزَنَتُهَا: مَالِكٌ
وَمَعَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ:
أَعْيُنُهُمْ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، وَأَنْيَابُهُمْ
كَالصَّيَاصِيِّ، يَخْرُجُ لَهَبُ النَّارِ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ، مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ أَحَدِهِمْ
مَسِيرَةُ سَنَةٍ، نُزِعَتْ مِنْهُمُ الرَّحْمَةُ،
يَرْفَعُ أحدهم سبعين ألف فَيَرْمِيهِمْ حَيْثُ أَرَادَ
مِنْ جَهَنَّمَ (2) .
قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ
يَدْفَعُ بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَهَنَّمَ
أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ:
ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، أَسْمَعُ ابْنَ أَبِي
كَبْشَةَ يُخْبِرُ أَنَّ خَزَنَةَ النَّارِ تِسْعَةَ
عَشَرَ وَأَنْتُمُ الدُّهْمُ، أَيِ: الشُّجْعَانُ،
أَفَيَعْجِزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا
بِوَاحِدٍ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ (3) قَالَ أَبُو
[الْأَشَدِّ] (4) أُسَيْدُ بْنُ كَلَدَةَ بْنِ خَلَفٍ
الْجُمَحِيُّ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ سَبْعَةَ
عَشَرَ، عَشْرَةً عَلَى ظَهْرِي وَسَبْعَةً عَلَى بَطْنِي،
فَاكْفُونِي أَنْتُمُ اثْنَيْنِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَمْشِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ
عَلَى الصِّرَاطِ فَأَدْفَعُ عَشَرَةً بِمَنْكِبِي
الْأَيْمَنِ وَتِسْعَةً بِمَنْكِبِي
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) عزاه صاحب الدر المنثور: 8 / 333-334 لابن مردويه.
(3) أخرجه الطبري: 29 / 159. وانظر: سيرة ابن هشام: 1 /
335، الدر المنثور: 8 / 333.
(4) في "أ" الأسود والصحيح ما أثبت كما هو في القرطبي
والبحر وروح المعاني.
(8/270)
وَمَا جَعَلْنَا
أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا
عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا
أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ
مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى
لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
الْأَيْسَرِ فِي النَّارِ وَنَمْضِي
فَنَدْخُلُ الْجَنَّةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً}
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً
وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا
كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا
هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ
(32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا
أَسْفَرَ (34) }
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً}
لَا رِجَالًا آدَمِيِّينَ، فَمَنْ ذَا يَغْلِبُ
الْمَلَائِكَةَ؟ {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} أَيْ
عَدَدَهُمْ فِي الْقِلَّةِ {إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا} أَيْ ضَلَالَةً لَهُمْ حَتَّى قَالُوا مَا
قَالُوا {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِيمَانًا} يَعْنِي مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ يَزْدَادُونَ تَصْدِيقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدُوا مَا قَالَهُ
مُوَافِقًا لِمَا فِي كُتُبِهِمْ {وَلَا يَرْتَابَ} وَلَا
يَشُكَّ {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ}
فِي عَدَدِهِمْ {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ} شَكٌّ وَنِفَاقٌ {وَالْكَافِرُونَ} [مُشْرِكُو
مَكَّةَ] (1) {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}
أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ وَأَرَادَ
بِالْمَثَلِ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ. {كَذَلِكَ} أَيْ كَمَا
أَضَلَّ اللَّهُ مَنْ أَنْكَرَ عَدَدَ الْخَزَنَةِ وَهَدَى
مَنْ صَدَّقَ كَذَلِكَ {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ} قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذَا جَوَابُ أَبِي جَهْلٍ
حِينَ قَالَ: أَمَا لِمُحَمَّدٍ أَعْوَانٌ إِلَّا تِسْعَةَ
عَشَرَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ} يَعْنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ
خَلَقَهُمْ لِتَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ، لَا يَعْلَمُ
عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمَعْنَى إِنَّ تِسْعَةَ
عَشَرَ هُمْ خَزَنَةُ النَّارِ، وَلَهُمْ مِنَ
الْأَعْوَانِ وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا
يَعْلَمُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى ذِكْرِ سَقَرَ فَقَالَ: {وَمَا هِيَ} يَعْنِي
[سَقَرَ] (2) {إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} إِلَّا
تَذْكِرَةً وَمَوْعِظَةً لِلنَّاسِ. {كَلَّا وَالْقَمَرِ}
هَذَا قَسَمٌ، يَقُولُ: حَقًّا. {وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ
إِذْ أَدْبَرَ} قَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ
وَيَعْقُوبُ "إِذْ" بِغَيْرِ أَلِفٍ، "أَدْبَرَ"
بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "إِذَا" بِالْأَلِفِ
"دَبَرَ" بِلَا أَلِفٍ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُوَافَقَةً
لِمَا يَلِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) في "ب" النار.
(8/271)
إِنَّهَا لَإِحْدَى
الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ
مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ
الْيَمِينِ (39)
{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} وَلِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قَسَمٌ بِجَانِبِهِ إِذْ وَإِنَّمَا
بِجَانِبِ الْإِقْسَامِ إِذَا [وَدَبَرَ وَأَدْبَرَ] (1)
كِلَاهُمَا لُغَةٌ، يُقَالُ: دَبَرَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ
إِذَا وَلَّى ذَاهِبًا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: دَبَرَ
لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: دَبَرَ أَيْ أَقْبَلَ،
تَقُولُ الْعَرَبُ: دَبَرَنِي فُلَانٌ أَيْ جَاءَ خَلَفِي،
فَاللَّيْلُ يَأْتِي خَلْفَ النَّهَارِ.
{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} أَضَاءَ وَتَبَيَّنَ.
{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ
(36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ
يَتَأَخَّرَ (37) كُلُ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
(38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) }
{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} يَعْنِي أَنَّ سَقَرَ
لَإِحْدَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَوَاحِدُ الْكُبَرِ:
كُبْرَى، قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: أَرَادَ
بِالْكُبَرِ: دَرَكَاتُ جَهَنَّمَ، وهي سبعة: جنهم،
وَلَظَى، وَالْحُطَمَةُ، وَالسَّعِيرُ، وَسَقَرُ،
وَالْجَحِيمُ، وَالْهَاوِيَةُ. {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ}
يَعْنِي النَّارَ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، قَالَ الْحَسَنُ:
وَاللَّهِ مَا أَنْذَرَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَدْهَى مِنْهَا،
وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ: "لَإِحْدَى
الْكُبَرِ" لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ، وَ"نَذِيرًا" نَكِرَةٌ،
قَالَ الْخَلِيلُ: النَّذِيرُ مَصْدَرٌ كَالنَّكِيرِ،
وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ
صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَجَازُهُ: وَمَا
جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً نَذِيرًا
لِلْبَشَرِ أَيْ إِنْذَارًا لَهُمْ. قَالَ أَبُو رُزَيْنٍ
يَقُولُ أَنَا لَكُمْ مِنْهَا نَذِيرٌ، فَاتَّقُوهَا.
وَقِيلَ: هُوَ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، [فَأَنْذِرْ] (2) وَهَذَا مَعْنَى
قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ. {لِمَنْ شَاءَ} بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ
"لِلْبَشَرِ" {مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ} فِي الْخَيْرِ
وَالطَّاعَةِ {أَوْ يَتَأَخَّرَ} عَنْهَا فِي الشَّرِّ
وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِنْذَارَ قَدْ
حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ آمَنَ أَوْ كَفَرَ. {كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} مُرْتَهِنَةٌ فِي
النَّارِ بِكَسْبِهَا مَأْخُوذَةٌ بِعَمَلِهَا. {إِلَّا
أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فَإِنَّهُمْ لَا يَرْتَهِنُونَ
بِذُنُوبِهِمْ فِي النَّارِ وَلَكِنْ يَغْفِرُهَا اللَّهُ
لَهُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: عَلَّقَ النَّاسَ كُلَّهُمْ
إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ:
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ
أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ
الْمَلَائِكَةُ.
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) زيادة من "أ".
(8/272)
فِي جَنَّاتٍ
يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
(44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا
نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا
الْيَقِينُ (47)
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى يَمِينِ آدَمَ يَوْمَ
الْمِيثَاقِ، حِينَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ فِي
الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي. وَعَنْهُ أَيْضًا: هُمُ
الَّذِينَ أُعْطُوا كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَعَنْهُ
أَيْضًا: هُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَيَامِينَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُخْلِصُونَ.
وَقَالَ [الْقَاسِمُ] (1) كُلُّ نَفْسٍ مَأْخُوذَةٌ
بِكَسْبِهَا مَنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلَّا مَنِ اعْتَمَدَ
عَلَى الْفَضْلِ، وَكُلُّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْكَسْبِ
فَهُوَ رَهِينٌ بِهِ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْفَضْلِ
فَهُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ.
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ
(41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
(45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى
أَتَانَا الْيَقِينُ (47) }
__________
(1) في "أ" أبو القاسم.
(8/273)
فَمَا تَنْفَعُهُمْ
شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ
الشَّافِعِينَ (48) }
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ}
الْمُشْرِكِينَ. {مَا سَلَكَكُمْ} أَدْخَلَكُمْ {فِي
سَقَرَ} فَأَجَابُوا {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ} [لِلَّهِ] (1) {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ} فِي الْبَاطِلِ {مَعَ
الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} وَهُوَ الْمَوْتُ. قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ
الشَّافِعِينَ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَشْفَعُ
الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ
وَالصَّالِحُونَ وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَبْقَى
فِي النَّارِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ تَلَا "قَالُوا
لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ" إِلَى قَوْلِهِ: {بِيَوْمِ
الدِّينِ} (2) قَالَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ:
الشَّفَاعَةُ نَافِعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ دُونَ هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ تَسْمَعُونَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله الصالحي 179/ب
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ،
أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَّاشِيِّ، عَنْ أَنْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُ أَهْلَ النَّارِ
فَيُعَذَّبُونَ قَالَ: "فَيَمُرُّ فِيهِمُ الرَّجُلُ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ
__________
(1) زيادة من "أ".
(2) أخرجه الطبري: 29 / 167.
(8/273)
فَمَا لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ
يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا
مُنَشَّرَةً (52)
مِنْهُمْ يَا فُلَانُ قَالَ فَيَقُولُ: مَا
تُرِيدُ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ رَجُلًا سَقَاكَ
شَرْبَةً يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ فَيَقُولُ:
وَإِنَّكَ لَأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَشْفَعُ
لَهُ فَيُشَفَّعَ فِيهِ. قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ بِهِمُ
الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ،
فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ
رَجُلًا وَهَبَ لَكَ وَضُوءًا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟
فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ
فَيَشْفَعُ لَهُ فَيُشَفَّعَ فِيهِ" (1) .
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ
قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ
يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) }
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} مَوَاعِظِ
الْقُرْآنِ {مُعْرِضِينَ} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ
صَارُوا مُعْرِضِينَ. {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ} جَمْعُ حِمَارٍ
{مُسْتَنْفِرَةٌ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ
بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا،
فَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهَا مُنَفَّرَةٌ
مَذْعُورَةٌ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهَا
نَافِرَةٌ، يُقَالُ: نَفَرَ وَاسْتَنْفَرَ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ، كَمَا يُقَالُ عَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ. {فَرَّتْ
مِنْ قَسْوَرَةٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ
وَالضَّحَّاكُ: "الْقَسْوَرَةُ": الرُّمَاةُ، لَا وَاحِدَ
لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمُ
الْقُنَّاصُ وَهِيَ رِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: [هُمْ] (2) رِجَالٌ
أَقْوِيَاءُ، وَكُلُّ ضَخْمٍ شَدِيدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ:
قَسْوَرٌ وَقَسْوَرَةٌ. وَعَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ
قَالَ: هِيَ لَغَطُ الْقَوْمِ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَرَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هِيَ حِبَالُ
الصَّيَّادِينَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هِيَ الْأَسَدُ، وَهُوَ قَوْلُ
عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُمُرَ
الْوَحْشِيَّةَ إِذَا عَايَنَتِ الْأَسَدَ هَرَبَتْ،
كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا سَمِعُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ هَرَبُوا مِنْهُ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَيُقَالُ
لِسَوَادِ أَوَّلِ اللَّيْلِ قَسْوَرَةٌ. {بَلْ يُرِيدُ
كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً}
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب فضل صدقة الماء برقم:
(3685) : 2 / 1215. قال في الزوائد: فيه يزيد بن أبان
الرقاشي وهو ضعيف. وعزاه المنذري في الترغيب والترهيب: 2 /
70 أيضا للأصبهاني. وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة
للألباني برقم: (93) .
(2) في "ب" من.
(8/274)
كَلَّا بَلْ لَا
يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ
(54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ (56)
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَك لِيُصْبِحَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا
كِتَابٌ مَنْشُورٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّكَ لَرَسُولُهُ
نُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ (1) .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ كَانَ يُصْبِحُ مَكْتُوبًا عِنْدَ رَأْسِهِ
ذَنْبُهُ وَكَفَّارَتُهُ فَأْتِنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ
"وَالصُّحُفُ" الْكُتُبُ، وَهِيَ جُمَعُ الصَّحِيفَةِ،
وَ"مُنَشَّرَةٌ" مَنْشُورَةٌ.
{كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا
إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا
يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ
التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) }
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا} لَا يُؤْتَوْنَ
الصُّحُفَ. وَقِيلَ: حَقًّا، وَكُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ
مِنْهُ فَهَذَا وَجْهُهُ، {بَلْ لَا يَخَافُونَ
الْآخِرَةَ} أَيْ لَا يَخَافُونَ عَذَابَ الْآخِرَةِ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَوْ خَافُوا النَّارَ لَمَا
اقْتَرَحُوا هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْدَ قِيَامِ
الْأَدِلَّةِ. {كَلَّا} حَقًّا {إِنَّهُ} يَعْنِي
الْقُرْآنَ {تَذْكِرَةٌ} مَوْعِظَةٌ. {فَمَنْ شَاءَ
ذَكَرَهُ} اتَّعَظَ بِهِ. {وَمَا يَذْكُرُونَ} قَرَأَ
نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ [تَذْكُرُونَ] (2) بِالتَّاءِ
وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
قَالَ مُقَاتِلٌ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لَهُمُ
الْهُدَى. {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ} أَيْ أَهْلُ أَنْ يُتَّقَى مَحَارِمُهُ
وَأَهْلُ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنِ اتَّقَاهُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ فَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا
هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي
حَزْمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذِهِ
الْآيَةِ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ} قَالَ: قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ:
"أَنَا أَهْلُ أَنْ أُتَّقَى وَلَا يُشْرَكَ بِي غَيْرِي،
وَأَنَا أَهْلٌ لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُشْرِكَ بِي أَنْ
أَغْفِرَ
__________
(1) عزاه السيوطي في الدر المنثور: 8 / 340 لعبد بن حميد
وابن المنذر، وانظر الطبري 29 / 171.
(2) زيادة من"ب".
(8/275)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ (2)
لَهُ" (1) وَسُهَيْلٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقَطَعِيُّ، أَخُو حَزْمٍ الْقَطَعِيِّ (2) .