تفسير التستري الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(5)
سورة فاتحة الكتاب
[سورة الفاتحة (1) : آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
قال سهل: معنى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [2] الشكر لله، فالشكر لله
هو الطاعة لله، والطاعة لله هي الولاية من الله تعالى كما قال
الله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ،
وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] ولا تتم الولاية من الله
تعالى إلا بالتبري ممن سواه. ومعنى: رَبِّ الْعالَمِينَ [2]
سيد الخلق المربّي لهم، والقائم بأمرهم، المصلح المدبر لهم قبل
كونهم، وكون فعلهم المتصرف بهم لسابق علمه فيهم، كيف شاء لما
شاء، وأراد وحكم وقدر من أمر ونهي، لا رب لهم غيره.
[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ (5)
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [4] أي يوم الحساب، إِيَّاكَ نَعْبُدُ
[5] أي نخضع ونذلّ ونعترف بربوبيتك ونوحّدك ونخدمك، ومنه اشتق
اسم العبد. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [5] أي على ما كلفتنا بما
هو لك، وإليك المشيئة والإرادة فيه، والعلم والإخلاص لك، ولن
نقدر على ذلك إلاَّ بالمعونة والتسديد لنا منك، إذ لا حول لنا
ولا قوة إلاَّ من عندك. فقيل له: أليس قد هدانا الله إلى
الصراط المستقيم؟ قال: بلى، ولكن طلب الزيادة منه كما قال:
وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ق: 35] فكان معنى قوله: «اهدنا» : أمددنا
منك بالمعونة والتمكين. وقال مرة أخرى: «اهدنا» معناه أرشدنا
إلى دين الإسلام الذي هو الطريق إليك بمعونة منك، وهي البصيرة،
فإنا لا نهتدي إلاَّ بك، كما قال: عَسى رَبِّي أَنْ
يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ [القصص: 22] أي يرشدني قصد
الطريق إليه. قال:
وسمعت سهلاً يحكي عن محمد بن سوار عن سفيان عن سالم عن أبي
الجعد عن ثوبان قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزَّ وجلَّ:
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي،
ولعبدي ما سأل. قال: فإذا قال العبد: «الحمد لِلَّهِ رَبِّ
العالمين» قال تعالى:
حمدني عبدي، فإذا قال: «الرحمن الرحيم» قال الله تعالى: أثنى
عَليّ عبدي، وإذا قال: «مالك يَوْمِ الدين» يقول الله: فهذه
الآيات لي ولعبدي بعدها ما سأل، وإذ قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اهدنا الصراط المستقيم» إلى آخره يقول
الله عزَّ وجلَّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» «1» .
__________
(1) سنن ابن ماجة: الأدب، باب ثواب القرآن، حديث رقم 3784 وسنن
أبي داود: الصلاة، باب القراءة في الفجر، حديث رقم 821
والترمذي: تفسير القرآن، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب، حديث رقم
2953
(1/23)
قال سهل: معنى قوله: «مجدني عبدي» أي وصفني
بكثرة الإحسان والإنعام، وقال سهل: وروي عن مجاهد «1» أنه قال:
آمين اسم من أسماء الله تعالى «2» ، وقال ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما: ما حسدتكم النصارى على شيء كما حسدتكم على قولكم
آمين «3» . وحكى محمد بن سوار عن ابن عيينة «4» عن عمرو بن
دينار «5» عن جابر بن عبد الله «6» رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن
خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن، فإذا
قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الله يرضى على
قائلها، ويقبل صلاته، ويجيب دعاءه» «7» . وحكى الزهري «8» عن
ابن المسيب «9» عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذ قال الإمام: «ولا الضالين»
قولوا:
آمين، فإن الملائكة يقولون آمين، فمن وافق تأمينه تأمين
الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» «10» .
__________
(1) مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي (21- 104 هـ) : تابعي،
مفسر، من أهل مكة، شيخ القراء والمفسرين أخذ التفسير عن ابن
عباس. تنقل في الأسفار، واستقر في الكوفة. (الحلية 3/ 279) .
(2) خطّأ أبو علي الفارسي من قال في (آمين) : إنه اسم من أسماء
الله عزّ وجلّ. (سفر السعادة ص 134) ، وقال السخاوي في سفر
السعادة: (وأما ما روي ... عن مجاهد أنه اسم من أسماء الله عزّ
وجلّ فإن تأويله أن (آمين) لما تضمن الضمير الذي هو مصروف إلى
الله عزَّ وجلَّ قيل: إنه اسم الله عزَّ وجلَّ على هذا
التقدير، لا أن الكلمة اسم من أسمائه عزّ وجلّ دون الضمير) .
وانظر عمدة الحفاظ 1/ 126 (أمن) .
(3) في فيض القدير 5/ 441: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما
حسدتكم على آمين) ، وفيه أيضا: (وأخرجه ابن ماجة مختصرا عن
عائشة بلفظ: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام
والتأمين) .
(4) سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي، أبو محمد (107-
198 هـ) : محدث الحرم المكي، من الموالي ولد بالكوفة، وسكن
مكة، وتوفي بها. كان حافظا ثقة، واسع العلم. حج سبعين سنة.
(الحلية 7/ 270) .
(5) عمرو بن دينار الجمحي بالولاء، أبو محمد الأشرم (46- 126
هـ) : فقيه، كان مفتي أهل مكة، فارسي الأصل، مولده بصنعاء،
ووفاته بمكة. (الأعلام 5/ 77) .
(6) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي
(16- 78 هـ) : صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى
الله عليه وسلّم. وروى عنه جماعة من الصحابة. غزا تسع عشرة
غزوة. (الأعلام 2/ 104) .
(7) القراءة خلف الإمام ص 11- 30.
(8) الزهري: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي
(58- 124 هـ) : أول من دون الحديث وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء.
تابعي، من أهل المدينة. كان يحفظ 2200 حديث. (الأعلام 7/ 97) .
(9) سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي القرشي (13- 94 هـ) : سيد
التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة.
جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع. (الحلية 2/ 161) .
(10) صحيح البخاري: كتاب التفسير، حديث رقم 4205.
(1/24)
|