تفسير الجلالين = 66 سورة التحريم
(1/751)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
{يَا أَيّهَا النَّبِيّ لِمَ تُحَرِّم مَا
أَحَلَّ اللَّه لَك} مِنْ أَمَتك مَارِيَة الْقِبْطِيَّة
لَمَّا وَاقَعَهَا فِي بَيْت حَفْصَة وَكَانَتْ غَائِبَة
فَجَاءَتْ وَشَقَّ عَلَيْهَا كَوْن ذَلِكَ فِي بَيْتهَا
وَعَلَى فِرَاشهَا حَيْثُ قُلْت هِيَ حَرَام عَلَيَّ
{تَبْتَغِي} بتحريمها {مرضات أَزْوَاجك} أَيْ رِضَاهُنَّ
{وَاَللَّه غَفُور رَحِيم} غَفَرَ لَك هَذَا التَّحْرِيم
(1/751)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ
لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{قَدْ فَرَضَ اللَّه} شَرَعَ {لَكُمْ
تَحِلَّة أَيْمَانكُمْ} تَحْلِيلهَا بِالْكَفَّارَةِ
الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْمَائِدَة وَمِنْ الْأَيْمَان
تَحْرِيم الْأَمَة وَهَلْ كَفَّرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مُقَاتِل أَعْتَقَ رَقَبَة فِي تَحْرِيم
مَارِيَة وَقَالَ الْحَسَن لَمْ يُكَفِّر لِأَنَّهُ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْفُور لَهُ {وَاَللَّه مولاكم}
ناصركم {وهو العليم الحكيم
(1/751)
وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا
نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ
بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ
قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ (3)
{وَ} اذْكُرْ {إذْ أَسَرَّ النَّبِيّ إلَى
بَعْض أَزْوَاجه} هِيَ حَفْصَة {حَدِيثًا} هُوَ تَحْرِيم
مَارِيَة وَقَالَ لَهَا لَا تُفْشِيه {فَلَمَّا نَبَّأَتْ
بِهِ} عَائِشَة ظَنًّا مِنْهَا أَنْ لَا حَرَج فِي ذَلِكَ
{وَأَظْهَرَهُ اللَّه} أَطْلَعَهُ {عَلَيْهِ} عَلَى
الْمُنَبَّأ بِهِ {عَرَّفَ بَعْضه} لِحَفْصَةَ {وَأَعْرَضَ
عَنْ بَعْض} تَكَرُّمًا مِنْهُ {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ
قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم
الْخَبِير} أَيْ الله
(1/752)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى
اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا
عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ
ظَهِيرٌ (4)
{إنْ تَتُوبَا} أَيْ حَفْصَة وَعَائِشَة
{إلَى اللَّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا} مَالَتْ إلَى
تَحْرِيم مَارِيَة أَيْ سَرَّكُمَا ذَلِكَ مَعَ كَرَاهَة
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَذَلِكَ
ذَنْب وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَيْ تَقَبُّلًا وَأَطْلَقَ
قُلُوب عَلَى قَلْبَيْنِ وَلَمْ يُعَبِّر بِهِ لِاسْتِثْقَالِ
الْجَمْع بَيْن تَثْنِيَتَيْنِ فِيمَا هُوَ كَالْكَلِمَةِ
الْوَاحِدَة {وَإِنْ تَظَاهَرَا} بِإِدْغَامِ التَّاء
الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الظَّاء وَفِي قِرَاءَة
بِدُونِهَا تَتَعَاوَنَا {عَلَيْهِ} أَيْ النَّبِيّ فِيمَا
يَكْرَههُ {فَإِنَّ اللَّه هُوَ} فَصْل {مَوْلَاهُ} نَاصِره
{وَجِبْرِيل وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ} أَبُو بَكْر وَعُمَر
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مَعْطُوف عَلَى مَحَلّ اسْم إنْ
فَيَكُونُونَ نَاصِرِيهِ {وَالْمَلَائِكَة بَعْد ذَلِكَ} بَعْد
نَصْر اللَّه وَالْمَذْكُورِينَ {ظَهِير} ظُهَرَاء أَعْوَان
لَهُ فِي نَصْره عَلَيْكُمَا
(1/752)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{عَسَى رَبّه إنْ طَلَّقَكُنَّ} أَيْ
طَلَّقَ النَّبِيّ أَزْوَاجه {أَنْ يُبَدِّلهُ} بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيف {أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} خَبَر عَسَى
وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَلَمْ يَقَع التَّبْدِيل
لِعَدَمِ وُقُوع الشَّرْط {مُسْلِمَات} مُقِرَّات
بِالْإِسْلَامِ {مُؤْمِنَات} مُخْلِصَات {قَانِتَات} مُطِيعَات
{تَائِبَات عَابِدَات سائحات} صائمات أو مهاجرات {ثيبات
وأبكارا}
(1/752)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} بِالْحَمْلِ عَلَى طَاعَة اللَّه
{نَارًا وَقُودهَا النَّاس} الْكُفَّار {وَالْحِجَارَة}
كَأَصْنَامِهِمْ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهَا مُفْرِطَة
الْحَرَارَة تَتَّقِد بِمَا ذُكِرَ لَا كَنَارِ الدُّنْيَا
تَتَّقِد بِالْحَطَبِ وَنَحْوه {عَلَيْهَا مَلَائِكَة}
خَزَنَتهَا عُدَّتهمْ تِسْعَة عَشَر كَمَا سَيَأْتِي فِي
الْمُدَّثِّر {غِلَاظ} مِنْ غِلَظ الْقَلْب {شِدَاد} فِي
الْبَطْش {لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ} بَدَل مِنْ
الْجَلَالَة أَيْ لَا يَعْصُونَ أَمْر اللَّه {وَيَفْعَلُونَ
مَا يُؤْمَرُونَ} تَأْكِيد وَالْآيَة تَخْوِيف لِلْمُؤْمِنِينَ
عَنْ الِارْتِدَاد وَلِلْمُنَافِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ دُون قُلُوبهمْ
(1/752)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا
تَعْتَذِرُوا الْيَوْم} يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ عِنْد دُخُولهمْ
النَّار أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعكُمْ {إنَّمَا تُجْزَوْنَ
مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ جَزَاءَهُ
(1/752)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(8)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا
إلَى اللَّه تَوْبَة نَصُوحًا} بِفَتْحِ النُّون وَضَمّهَا
صَادِقَة بِأَنْ لَا يُعَاد إلَى الذَّنْب وَلَا يُرَاد
الْعَوْد إلَيْهِ {عَسَى رَبّكُمْ} تَرْجِيَة تَقَع {أَنْ
يُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ وَيُدْخِلكُمْ جَنَّات}
بَسَاتِين {تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار يَوْم لَا
يُخْزِي اللَّه} بِإِدْخَالِ النَّار {النَّبِيّ وَاَلَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ نُورهمْ يَسْعَى بَيْن أَيْدِيهمْ} أَمَامهمْ
{وَ} يَكُون {بِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ} مُسْتَأْنَف
{رَبّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورنَا} إلَى الْجَنَّة والمنافقون
يطفأ نورهم {واغفر لنا} ربنا {إنك على كل شيء قدير}
(1/753)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{يَا أَيّهَا النَّبِيّ جَاهِد الْكُفَّار}
بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بِاللِّسَانِ وَالْحُجَّة
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} بِالِانْتِهَارِ وَالْمَقْت
{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير} هِيَ
1 -
(1/753)
ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ
لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ
فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
{ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لِلَّذِينَ
كَفَرُوا امْرَأَة نُوح وَامْرَأَة لُوط كَانَتَا تَحْت
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادنَا صالحين فَخَانَتَاهُمَا} فِي
الدِّين إذْ كَفَرَتَا وَكَانَتْ امْرَأَة نُوح وَاسْمهَا
وَاهِلَة تَقُول لِقَوْمِهِ ? إنَّهُ مَجْنُون وَامْرَأَة لُوط
وَاسْمهَا وَاعِلَة تَدُلّ قَوْمه عَلَى أَضْيَافه إذَا
نَزَلُوا بِهِ لَيْلًا بِإِيقَادِ النَّار وَنَهَارًا
بِالتَّدْخِينِ {فَلَمْ يُغْنِيَا} أَيْ نُوح وَلُوط
{عَنْهُمَا مِنْ اللَّه} مِنْ عَذَابه {شَيْئًا وَقِيلَ}
لَهُمَا {اُدْخُلَا النَّار مَعَ الدَّاخِلِينَ} مِنْ كُفَّار
قَوْم نُوح وَقَوْم لُوط
1 -
(1/753)
وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي
مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (11)
{وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لِلَّذِينَ
آمَنُوا امْرَأَة فِرْعَوْن} آمَنَتْ بِمُوسَى وَاسْمهَا
آسِيَة فَعَذَّبَهَا فِرْعَوْن بِأَنْ أَوْتَدَ يَدَيْهَا
وَرِجْلَيْهَا وَأَلْقَى عَلَى صَدْرهَا رَحًى عَظِيمَة
وَاسْتَقْبَلَ بِهَا الشَّمْس فَكَانَتْ إذَا تَفَرَّقَ
عَنْهَا مَنْ وُكِلَ بِهَا ظَلَّلَتْهَا الْمَلَائِكَة {إذْ
قالت} في حال التعذيب {رب بن لِي عِنْدك بَيْتًا فِي
الْجَنَّة} فَكُشِفَ لَهَا فَرَأَتْهُ فَسَهُلَ عَلَيْهَا
التَّعْذِيب {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْن وَعَمَله} وَتَعْذِيبه
{وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ} أَهْل دينه فقبض
الله روحها وقال بن كَيْسَان رُفِعَتْ إلَى الْجَنَّة حَيَّة
فَهِيَ تَأْكُل وتشرب
(1/753)
1 -
(1/754)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ
عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ
مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ
وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{ومريم} عطف على امرأة فرعون {ابنة
عِمْرَان الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا} حَفِظَتْهُ
{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحنَا} أَيْ جِبْرِيل حَيْثُ نَفَخَ
فِي جَيْب دِرْعهَا بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى فَعَلَهُ
الْوَاصِل إلَى فَرْجهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى {وَصَدَّقَتْ
بِكَلِمَاتِ رَبّهَا} شرائعه {وَكُتُبه} الْمُنَزَّلَة
{وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ} مِنْ الْقَوْم المطيعين = 67
سورة الملك
(1/754)
تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{تَبَارَكَ} تَنَزَّهَ عَنْ صِفَات
الْمُحَدِّثِينَ {الَّذِي بِيَدِهِ} في تصرفه {الملك} السلطان
والقدرة {وهو على كل شيء قدير}
(1/754)
الَّذِي خَلَقَ
الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت} فِي الدُّنْيَا
{وَالْحَيَاة} فِي الْآخِرَة أَوْ هُمَا فِي الدُّنْيَا
فَالنُّطْفَة تَعْرِض لَهَا الْحَيَاة وَهِيَ مَا بِهِ
الْإِحْسَاس وَالْمَوْت ضِدّهَا أَوْ عَدَمهَا قَوْلَانِ
وَالْخَلْق عَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى التَّقْدِير
{لِيَبْلُوكُمْ} لِيَخْتَبِركُمْ فِي الْحَيَاة {أَيّكُمْ
أَحْسَن عَمَلًا} أَطْوَع لِلَّهِ {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي
انْتِقَامه مِمَّنْ عَصَاهُ {الْغَفُور} لِمَنْ تَابَ إلَيْهِ
(1/754)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ
تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَاوَات طِبَاقًا}
بَعْضهَا فَوْق بَعْض مِنْ غَيْر مُمَاسَّة {مَا تَرَى فِي خلق
الرحمن} لَهُنَّ أَوْ لِغَيْرِهِنَّ {مِنْ تَفَاوُت} تَبَايُن
وَعَدَم تَنَاسُب {فَارْجِعْ الْبَصَر} أَعِدْهُ إلَى
السَّمَاء {هَلْ تَرَى} فِيهَا {مِنْ فُطُور} صُدُوع وَشُقُوق
(1/754)
ثُمَّ ارْجِعِ
الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا
وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَر كَرَّتَيْنِ}
كَرَّة بَعْد كَرَّة {يَنْقَلِب} يَرْجِع {إلَيْك الْبَصَر
خَاسِئًا} ذَلِيلًا لِعَدَمِ إدْرَاك خَلَل {وَهُوَ حَسِير}
مُنْقَطِع عَنْ رُؤْيَة خلل
(1/754)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا
لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا}
الْقُرْبَى إلَى الْأَرْض {بِمَصَابِيح} بِنُجُومٍ
{وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا} مَرَاجِم {لِلشَّيَاطِينِ} إذَا
اسْتَرِقُوا السَّمْع بِأَنْ يَنْفَصِل شِهَاب عَنْ الْكَوْكَب
كالقبس يؤخذ من النار فيقتل الجني أن يَخْبِلهُ لَا أَنَّ
الْكَوْكَب يَزُول عَنْ مَكَانه {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب
السَّعِير} النَّار الْمُوقِدَة
(1/754)
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا
بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَاب
جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير} هي
(1/755)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا
سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{إذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا
شَهِيقًا} صَوْتًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الْحِمَار {وَهِيَ
تَفُور} تَغْلِي
(1/755)
تَكَادُ تَمَيَّزُ
مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{تَكَاد تَمَيَّز} وَقُرِئَ تَتَمَيَّز
عَلَى الْأَصْل تَتَقَطَّع {مِنْ الْغَيْظ} غَضَبًا عَلَى
الْكَافِر {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج} جَمَاعَة مِنْهُمْ
{سَأَلَهُمْ خَزَنَتهَا} سُؤَال تَوْبِيخ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ
نَذِير} رَسُول يُنْذِركُمْ عَذَاب الله تعالى
(1/755)
قَالُوا بَلَى قَدْ
جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير
فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّه مِنْ شَيْء إنْ}
مَا {أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَال كَبِير} يَحْتَمِل أَنْ يَكُون
مِنْ كَلَام الْمَلَائِكَة لِلْكُفَّارِ حِين أُخْبِرُوا
بالتكذيب وأن يَكُون مِنْ كَلَام الْكُفَّار لِلنَّذْرِ
1 -
(1/755)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا
نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ
(10)
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَع} أَيْ
سَمَاع تَفَهُّم {أو نعقل} أي عقل تفكر {ما كنا في أصحاب
السعير}
1 -
(1/755)
فَاعْتَرَفُوا
بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{فَاعْتَرَفُوا} حَيْثُ لَا يَنْفَع
الِاعْتِرَاف {بِذَنْبِهِمْ} وَهُوَ تَكْذِيب النَّذْر
{فَسُحْقًا} بِسُكُونِ الْحَاء وَضَمّهَا {لِأَصْحَابِ
السَّعِير} فَبُعْدًا لَهُمْ عَنْ رَحْمَة اللَّه
1 -
(1/755)
إِنَّ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ (12)
{إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ}
يَخَافُونَهُ {بِالْغَيْبِ} فِي غَيْبَتهمْ عَنْ أَعْيُن
النَّاس فَيُطِيعُونَهُ سِرًّا فَيَكُون عَلَانِيَة أَوْلَى
{لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير} أَيْ الجنة
1 -
(1/755)
وَأَسِرُّوا
قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (13)
{وَأَسِرُّوا} أَيّهَا النَّاس {قَوْلكُمْ
أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ} تَعَالَى {عَلِيم بِذَاتِ
الصُّدُور} بِمَا فِيهَا فَكَيْفَ بِمَا نَطَقْتُمْ بِهِ
وَسَبَب نُزُول ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالَ بَعْضهمْ
لِبَعْضٍ أَسِرُّوا قَوْلكُمْ لَا يَسْمَعكُمْ إلَه مُحَمَّد
1 -
(1/755)
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
{أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ} مَا
تُسِرُّونَ أَيْ أَيَنْتَفِي عِلْمه بِذَلِكَ {وَهُوَ
اللَّطِيف} فِي عِلْمه {الخبير} فيه
1 -
(1/755)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض
ذَلُولًا} سَهْلَة لِلْمَشْيِ فِيهَا {فَامْشُوا فِي
مَنَاكِبهَا} جَوَانِبهَا {وَكُلُوا مِنْ رِزْقه} الْمَخْلُوق
لِأَجَلِكُمْ {وَإِلَيْهِ النُّشُور} مِنْ القبور للجزاء
(1/755)
1 -
(1/756)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ (16)
{أَأَمِنْتُمْ} بِتَحْقِيقِ
الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف
بَيْنهمَا وَبَيْن الْأُخْرَى وَتَرْكه وَإِبْدَالهَا أَلِفًا
{مِنْ فِي السَّمَاء} سُلْطَانه وَقُدْرَته {أَنْ يَخْسِف}
بَدَل مِنْ مَنْ {بِكُمْ الْأَرْض فَإِذَا هِيَ تَمُور}
تَتَحَرَّك بِكُمْ وَتَرْتَفِع فَوْقكُمْ
1 -
(1/756)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ
فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا
فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ
يُرْسِل} بَدَل مِنْ مَنْ {عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} رِيحًا
تَرْمِيكُمْ بِالْحَصْبَاءِ {فَسَتَعْلَمُونَ} عِنْد
مُعَايَنَة الْعَذَاب {كَيْفَ نَذِير} إنْذَارِي بِالْعَذَابِ
أَيْ أَنَّهُ حَقّ
1 -
(1/756)
وَلَقَدْ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلهمْ} مِنْ الْأُمَم {فكيف كان نكير} إنْكَارِي عَلَيْهِمْ
بِالتَّكْذِيبِ عِنْد إهْلَاكهمْ أَيْ أَنَّهُ حق
1 -
(1/756)
أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا
يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ (19)
{أو لم يَرَوْا} يَنْظُرُوا {إلَى الطَّيْر
فَوْقهمْ} فِي الْهَوَاء {صَافَّات} بَاسِطَات أَجْنِحَتهنَّ
{وَيَقْبِضْنَ} أَجْنِحَتهنَّ بَعْد الْبَسْط أَيْ وَقَابِضَات
{مَا يُمْسِكهُنَّ}
عَنْ الْوُقُوع فِي حال البسط والقبض {إلا الرحمن}
بِقُدْرَتِهِ {إنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِير} الْمَعْنَى أَلَمْ
يَسْتَدِلُّوا بِثُبُوتِ الطَّيْر فِي الْهَوَاء عَلَى
قُدْرَتنَا أَنْ نَفْعَل بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ وَغَيْره مِنْ
العذاب
2 -
(1/756)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي
هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ
الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)
{أَمَّنْ} مُبْتَدَأ {هَذَا} خَبَره
{الَّذِي} بَدَل مِنْ هَذَا {هُوَ جُنْد} أَعْوَان {لَكُمْ}
صِلَة الَّذِي {ينصركم} صفة الجند {من دون الرحمن} أَيْ غَيْره
يَدْفَع عَنْكُمْ عَذَابه أَيْ لَا نَاصِر لَكُمْ {إنْ} مَا
{الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُور} غَرَّهُمْ الشَّيْطَان
بِأَنَّ الْعَذَاب لَا يَنْزِل بهم
2 -
(1/756)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي
يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ
وَنُفُورٍ (21)
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقكُمْ إنْ
أَمْسَكَ} الرَّحْمَن {رِزْقه} أَيْ الْمَطَر عَنْكُمْ
وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ
فَمَنْ يَرْزُقكُمْ أَيْ لَا رَازِق لَكُمْ غَيْره {بَلْ
لَجُّوا} تمادوا {في عتو} تكبر {ونفور} تباعد عن الحق
2 -
(1/756)
أَفَمَنْ يَمْشِي
مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا} وَاقِعًا
{عَلَى وَجْهه أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} مُعْتَدِلًا
{عَلَى صِرَاط} طَرِيق {مُسْتَقِيم} وَخَبَر مِنْ الثَّانِيَة
مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ خَبَر الْأُولَى أَيْ أَهْدَى
وَالْمَثَل فِي الْمُؤْمِن وَالْكَافِر أَيّهمَا عَلَى هُدَى
2 -
(1/756)
قُلْ هُوَ الَّذِي
أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ}
خَلَقَكُمْ {وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار
وَالْأَفْئِدَة} الْقُلُوب {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} مَا
مَزِيدَة وَالْجُمْلَة مُسْتَأْنَفَة مُخْبِرَة بِقِلَّةِ
شُكْرهمْ جِدًّا عَلَى هَذِهِ النِّعَم
2 -
(1/756)
قُلْ هُوَ الَّذِي
ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خَلَقَكُمْ
{فِي الْأَرْض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} لِلْحِسَابِ
(1/756)
2 -
(1/757)
وَيَقُولُونَ مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{وَيَقُولُونَ} لِلْمُؤْمِنِينَ {مَتَى
هَذَا الْوَعْد} وَعْد الْحَشْر {إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
فِيهِ
2 -
(1/757)
قُلْ إِنَّمَا
الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(26)
{قُلْ إنَّمَا الْعِلْم} بِمَجِيئِهِ
{عِنْد اللَّه وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين} بَيِّن
الْإِنْذَار
2 -
(1/757)
فَلَمَّا رَأَوْهُ
زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا
الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} أَيْ الْعَذَاب بَعْد
الْحَشْر {زُلْفَة} قَرِيبًا {سِيئَتْ} اسْوَدَّتْ {وُجُوه
الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ} أَيْ قَالَ الْخَزَنَة لَهُمْ
{هَذَا} أَيْ الْعَذَاب {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ} بِإِنْذَارِهِ
{تَدَّعُونَ} أَنَّكُمْ لَا تُبْعَثُونَ وَهَذِهِ حِكَايَة
حَال تَأْتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْمُضِيّ لِتَحَقُّقِ
وُقُوعهَا
2 -
(1/757)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا
فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَهْلَكَنِيَ
اللَّه وَمَنْ مَعِيَ} مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِعَذَابِهِ كَمَا
تُقْصَدُونَ {أَوْ رَحِمَنَا} فَلَمْ يُعَذِّبنَا {فَمَنْ
يُجِير الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَاب أَلِيم} أَيْ لَا مُجِير
لَهُمْ مِنْهُ
2 -
(1/757)
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ
آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ
هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)
{قل هو الرحمن آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ
تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ} بِالتَّاءِ وَالْيَاء عِنْد
مُعَايَنَة الْعَذَاب {مَنْ هُوَ فِي ضَلَال مُبِين} بَيِّن
أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ أَمْ هُمْ
3 -
(1/757)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ (30)
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَح مَاؤُكُمْ
غَوْرًا} غَائِرًا فِي الْأَرْض {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِين} جَارٍ تَنَالهُ الْأَيْدِي وَالدِّلَاء كَمَائِكُمْ
أَيْ لَا يَأْتِي بِهِ إلَّا اللَّه تَعَالَى فَكَيْفَ
تُنْكِرُونَ أَنْ يَبْعَثكُمْ وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَقُول
الْقَارِئ عَقِب مَعِين اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ كَمَا
وَرَدَ فِي الْحَدِيث وَتُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَة عِنْد بَعْض
الْمُتَجَبِّرِينَ فَقَالَ تَأْتِي بِهِ الْفُؤُوس
وَالْمَعَاوِل فَذَهَبَ مَاء عَيْنه وَعَمِيَ نَعُوذ
بِاَللَّهِ مِنْ الْجَرَاءَة عَلَى اللَّه وعلى آياته = 68
سورة ن
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم
(1/757)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ (1)
{ن} أَحَد حُرُوف الْهِجَاء اللَّه أَعْلَم
بِمُرَادِهِ بِهِ {وَالْقَلَم} الَّذِي كَتَبَ بِهِ
الْكَائِنَات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {وَمَا يَسْطُرُونَ}
أَيْ الْمَلَائِكَة مِنْ الخير والصلاح
(1/757)
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{مَا أَنْتَ} يَا مُحَمَّد {بِنِعْمَةِ
رَبّك بِمَجْنُونٍ} أَيْ انْتَفَى الْجُنُون عَنْك بِسَبَبِ
إنْعَام رَبّك عَلَيْك بِالنُّبُوَّةِ وَغَيْرهَا وَهَذَا رَدّ
لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مجنون
(1/758)
وَإِنَّ لَكَ
لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{وإن لك لأجرا غير ممنون} مقطوع
(1/758)
وَإِنَّكَ لَعَلَى
خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{وإنك لعلي خلق} دين {عظيم}
(1/758)
فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ (5)
{فستبصر ويبصرون}
(1/758)
بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ (6)
{بأيكم الْمَفْتُون} مَصْدَر
كَالْمَعْقُولِ أَيْ الْفُتُون بِمَعْنَى الْجُنُون أي أبك أم
بهم
(1/758)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (7)
{إنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِمَنْ ضَلَّ
عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ} له وأعلم بمعنى
عالم
(1/758)
فَلَا تُطِعِ
الْمُكَذِّبِينَ (8)
{فلا تطع المكذبين}
(1/758)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ (9)
{وَدُّوا} تَمَنَّوْا {لَوْ} مَصْدَرِيَّة
{تُدْهِن} تَلِينَ لَهُمْ {فَيُدْهِنُونَ} يَلِينُونَ لَك
وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى تُدْهِن وَإِنْ جَعَلَ جَوَاب
التَّمَنِّي الْمَفْهُوم مِنْ وَدُّوا قَدْر قَبْله بَعْد
الْفَاء هُمْ
1 -
(1/758)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{وَلَا تُطِعْ كُلّ حَلَّاف} كَثِير
الْحَلِف بِالْبَاطِلِ {مهين} حقير
1 -
(1/758)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ (11)
{هماز} غياب أي مغتاب {مشاء بنميم} سَاعٍ
بِالْكَلَامِ بَيْن النَّاس عَلَى وَجْه الْإِفْسَاد بينهم
1 -
(1/758)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{مَنَّاع لِلْخَيْرِ} بَخِيل بِالْمَالِ
عَنْ الْحُقُوق {مُعْتَدٍ} ظَالِم {أَثِيم} آثِم
1 -
(1/758)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ
زَنِيمٍ (13)
{عُتُلّ} غَلِيظ جَافٍ {بَعْد ذَلِكَ
زَنِيم} دُعِيَ فِي قُرَيْش وَهُوَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة
ادَّعَاهُ أبوه بعد ثماني عشرة سنة قال بن عَبَّاس لَا نَعْلَم
أَنَّ اللَّه وَصَفَ أَحَدًا بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ
الْعُيُوب فَأَلْحَقَ بِهِ عَارًا لَا يُفَارِقهُ أَبَدًا
وَتَعَلَّقَ بِزَنِيمٍ الظَّرْف قبله
1 -
(1/758)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ
وَبَنِينَ (14)
{أَنْ كَانَ ذَا مَال وَبَنِينَ} أَيْ
لِأَنَّ وَهُوَ مُتَعَلِّق بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ
1 -
(1/758)
إِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
{إذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا}
الْقُرْآن {قَالَ} هِيَ {أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ} أَيْ
كَذَّبَ بِهَا لِإِنْعَامِنَا عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ وَفِي
قِرَاءَة أَأَنْ بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ
1 -
(1/758)
سَنَسِمُهُ عَلَى
الْخُرْطُومِ (16)
{سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم} سَنَجْعَلُ
عَلَى أَنْفه عَلَامَة يُعَيَّر بِهَا مَا عَاشَ فَخُطِمَ
أَنْفه بِالسَّيْفِ يوم بدر
1 -
(1/758)
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ
كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا
لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{إنَّا بَلَوْنَاهُمْ} امْتَحَنَّا أَهْل
مَكَّة بِالْقَحْطِ وَالْجُوع {كما بلونا أصحاب الجنة}
الْبُسْتَان {إذْ أَقَسَمُوا لِيَصْرِمُنَّهَا} يَقْطَعُونَ
ثَمَرَتهَا {مُصْبِحِينَ} وَقْت الصَّبَاح كَيْ لَا يَشْعُر
بِهِمْ الْمَسَاكِين فَلَا يُعْطُونَهُمْ مِنْهَا مَا كَانَ
أَبُوهُمْ يَتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْهَا
1 -
(1/758)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ
(18)
{وَلَا يَسْتَثْنُونَ} فِي يَمِينهمْ
بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى وَالْجُمْلَة مُسْتَأْنَفَة أَيْ
وَشَأْنهمْ ذَلِكَ
1 -
(1/758)
فَطَافَ عَلَيْهَا
طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِف مِنْ رَبّك}
نَار أَحْرَقَتْهَا ليلا {وهم نائمون}
2 -
(1/758)
فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ (20)
{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} كَاللَّيْلِ
الشَّدِيد الظُّلْمَة أَيْ سَوْدَاء
(1/758)
2 -
(1/759)
فَتَنَادَوْا
مُصْبِحِينَ (21)
{فتنادوا مصبحين}
2 -
(1/759)
أَنِ اغْدُوا عَلَى
حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)
{أَنْ اُغْدُوَا عَلَى حَرْثكُمْ}
غَلَّتْكُمْ تَفْسِير لِتَنَادَوْا أَوْ أَنْ مَصْدَرِيَّة
أَيْ بِأَنْ {إنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ} مُرِيدِينَ الْقَطْع
وَجَوَاب الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ ما قبله
2 -
(1/759)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ
يَتَخَافَتُونَ (23)
{فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ}
يَتَسَارُّونَ
2 -
(1/759)
أَنْ لَا
يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
{أَنْ لَا يَدْخُلَنهَا الْيَوْم
عَلَيْكُمْ مِسْكِين} تَفْسِير لِمَا قَبْله أَوْ أَنْ
مَصْدَرِيَّة أَيْ بِأَنْ
2 -
(1/759)
وَغَدَوْا عَلَى
حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{وَغَدَوْا عَلَى حَرْد} مَنْع
لِلْفُقَرَاءِ {قَادِرِينَ} عَلَيْهِ في ظنهم
2 -
(1/759)
فَلَمَّا رَأَوْهَا
قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{فَلَمَّا رَأَوْهَا} سَوْدَاء مُحْتَرِقَة
{قَالُوا إنَّا لَضَالُّونَ} عَنْهَا أَيْ لَيْسَتْ هَذِهِ
ثُمَّ قَالُوا لَمَّا علموها
2 -
(1/759)
بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ (27)
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} ثَمَرَتهَا
بِمَنْعِنَا الْفُقَرَاء مِنْهَا
2 -
(1/759)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ
أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{قَالَ أَوْسَطهمْ} خَيْرهمْ {أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا} هَلَّا {تُسَبِّحُونَ} اللَّه
تَائِبِينَ
2 -
(1/759)
قَالُوا سُبْحَانَ
رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
{قَالُوا سُبْحَان رَبّنَا إنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ} بِمَنْعِ الفقراء حقهم
3 -
(1/759)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
{فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون}
3 -
(1/759)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)
{قالوا يا} للتنبيه {ويلنا} هلا كنا {إنا
كنا طاغين}
3 -
(1/759)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ
يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ
(32)
{عسى ربنا أن يُبْدِلنَا} بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيف {خَيْرًا مِنْهَا إنَّا إلَى رَبّنَا
رَاغِبُونَ} لِيَقْبَل تَوْبَتنَا وَيَرُدّ عَلَيْنَا خَيْرًا
مِنْ جَنَّتنَا رُوِيَ أَنَّهُمْ أُبْدِلُوا خَيْرًا مِنْهَا
3 -
(1/759)
كَذَلِكَ الْعَذَابُ
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
(33)
{كَذَلِكَ} أَيْ مِثْل الْعَذَاب
لِهَؤُلَاءِ {الْعَذَاب} لِمَنْ خَالَفَ أَمْرنَا مِنْ كُفَّار
مَكَّة وَغَيْرهمْ {وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَكْبَر لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ} عَذَابهَا مَا خَالَفُوا أَمْرنَا وَنَزَلَ
لَمَّا قَالُوا إنْ بَعَثَنَا نعطى أفضل منكم
3 -
(1/759)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
{إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم}
3 -
(1/759)
أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
{أَفَنَجْعَل الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ} أَيْ تَابِعِينَ لَهُمْ فِي العطاء
3 -
(1/759)
مَا لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ (36)
{مالكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هَذَا الْحُكْم
الْفَاسِد
(1/759)
3 -
(1/760)
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ
فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
{أَمْ} أَيْ بَلْ أَ {لَكُمْ كِتَاب}
مُنَزَّل {فِيهِ تَدْرُسُونَ} أي تقرؤون
3 -
(1/760)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ
لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)
{إنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ}
تَخْتَارُونَ
3 -
(1/760)
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ
عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ
لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{أَمْ لَكُمْ أَيْمَان} عُهُود {عَلَيْنَا
بَالِغَة} وَاثِقَة {إلَى يَوْم الْقِيَامَة} مُتَعَلِّق
مَعْنَى بِعَلَيْنَا وَفِي هَذَا الْكَلَام مَعْنَى الْقَسَم
أَيْ أَقْسَمْنَا لَكُمْ وَجَوَابه {إنَّ لَكُمْ لَمَا
تَحْكُمُونَ} بِهِ لِأَنْفُسِكُمْ
4 -
(1/760)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ
بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
{سَلْهُمْ أَيّهمْ بِذَلِكَ} الْحُكْم
الَّذِي يَحْكُمُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ
يُعْطُونَ فِي الْآخِرَة أَفَضْل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ {زَعِيم}
كَفِيل لَهُمْ
4 -
(1/760)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
{أَمْ لَهُمْ} أَيْ عِنْدهمْ {شُرَكَاء}
مُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْل يَكْفُلُونَ بِهِ
لَهُمْ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ {فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ}
الْكَافِلِينَ لَهُمْ بِهِ {إن كانوا صادقين}
4 -
(1/760)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
(42)
اذكر {يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق} هُوَ
عِبَارَة عَنْ شِدَّة الْأَمْر يَوْم الْقِيَامَة لِلْحِسَابِ
وَالْجَزَاء يُقَال كَشَفَتْ الْحَرْب عَنْ سَاق إذَا اشْتَدَّ
الْأَمْر فِيهَا {وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُود} امْتِحَانًا
لِإِيمَانِهِمْ {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} تَصِير ظُهُورهمْ
طَبَقًا وَاحِدًا
4 -
(1/760)
خَاشِعَةً
أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ
إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
{خَاشِعَة} حَال مِنْ ضَمِير يَدْعُونَ
أَيْ ذَلِيلَة {أَبْصَارهمْ} لَا يَرْفَعُونَهَا {تَرْهَقهُمْ}
تَغْشَاهُمْ {ذِلَّة وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ} فِي
الدُّنْيَا {إلَى السُّجُود وَهُمْ سَالِمُونَ} فَلَا
يَأْتُونَ بِهِ بِأَنْ لَا يُصَلُّوا
4 -
(1/760)
فَذَرْنِي وَمَنْ
يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ
لَا يَعْلَمُونَ (44)
{فَذَرْنِي} دَعْنِي {وَمَنْ يُكَذِّب
بِهَذَا الْحَدِيث} الْقُرْآن {سنستدرجهم} نأخذهم قليلا قليلا
{من حيث لا يعلمون}
4 -
(1/760)
وَأُمْلِي لَهُمْ
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
{وَأُمْلِي لَهُمْ} أَمْهِلْهُمْ {إنَّ
كَيْدِي مَتِين} شَدِيد لا يطاق
4 -
(1/760)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ
أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
{أَمْ} بَلْ أَ {تَسْأَلُهُمْ} عَلَى
تَبْلِيغ الرِّسَالَة {أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَم} مِمَّا
يُعْطُونَكَهُ {مُثْقَلُونَ} فَلَا يُؤْمِنُونَ لِذَلِكَ
4 -
(1/760)
أَمْ عِنْدَهُمُ
الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
{أَمْ عِنْدهمْ الْغَيْب} أَيْ اللَّوْح
الْمَحْفُوظ الَّذِي فِيهِ الْغَيْب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ}
مِنْهُ مَا يَقُولُونَ
4 -
(1/760)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ
مَكْظُومٌ (48)
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك} فِيهِمْ بِمَا
يَشَاء {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت} فِي الضَّجَر
وَالْعَجَلَة وَهُوَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام {إذْ نَادَى}
دَعَا رَبّه {وَهُوَ مَكْظُوم} مَمْلُوء غَمًّا فِي بَطْن
الْحُوت
(1/760)
4 -
(1/761)
لَوْلَا أَنْ
تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ
وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{لولا أن تداركه} أدركه {نعمة}
5 -
(1/761)
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ
فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
{فاجتباه ربه} بالنبوة {فجعله من الصالحين}
الأنبياء
5 -
(1/761)
وَإِنْ يَكَادُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا
سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
{وَإِنْ يَكَاد الَّذِينَ كَفَرُوا
لَيُزْلِقُونَكَ} بِضَمِّ الْيَاء وبفتحها {بِأَبْصَارِهِمْ}
يَنْظُرُونَ إلَيْك نَظَرًا شَدِيدًا يَكَاد أَنْ يَصْرَعك
وَيُسْقِطك مِنْ مَكَانك {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْر} الْقُرْآن
{وَيَقُولُونَ} حَسَدًا {إنَّهُ لَمَجْنُون} بِسَبَبِ
الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ
5 -
(1/761)
وَمَا هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{وَمَا هُوَ} أَيْ الْقُرْآن {إلَّا ذِكْر} مَوْعِظَة
{لِلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس لَا يَحْدُث بِسَبَبِ
جُنُون |