تفسير السمرقندي
بحر العلوم بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
باب الحث على طلب التفسير
قال: أخبرنا أبو الفضل جبريل بن أحمد اليوناني قال: أنبأنا أبو
محمد لقمان بن حكيم بن خلف الفرغاني بأوزكندة قال: حدثنا
الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي رحمة الله
عليه، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن
جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا وكيع،
عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني قال: قال ابن
مسعود رضي الله عنه: من أراد العلم فليثر القرآن- وفي رواية
أخرى فليؤثر القرآن- فإن فيه علم الأولين والآخرين. وروي عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: مَا من شيء إلا وعلمه
في القرآن غير أن آراء الرجال تعجز عنه.
حدّثنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال:
حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا محمد بن الفضل الضبّي، عن
عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السّلمي، قال: حدثنا من كان
يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا
يقرءون على النبيّ صلّى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في
العشر الأخرى، حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
قال الفقيه: حدثنا أبي قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد
المعلم قال: حدثنا أبو عمران الفريابي قال: حدثنا عبد الرحمن
بن جبير بن حبيب قال: حدثنا داود بن المخبر قال:
حدّثنا عباد بن كثير، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب- رضي
الله عنه-: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال في خطبته:
«أَيُّها النّاس، قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحلّ لكم
وما حرّم عليكم، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه،
واعملوا بمحكمه، واعتبروا بأمثاله» قال: فلما أمر النبيّ صلّى
الله عليه وسلم بأن يحل حلاله ويحرم حرامه، ثم لا يمكن أن يحل
حلاله، ويحرم حرامه إلا بعد ما يعلم تفسيره. ولأن الله تعالى
أنزل القرآن هدى للناس، وجعله حجة على جميع الخلق لقوله:
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ
بَلَغَ [الأنعام: 19] فلما كان القرآن حجة على
(1/11)
العرب والعجم، ثم لا يكون حجة عليهم إلا
بعد تفسيره برأيه، فدلّ ذلك على أن طلب تفسيره وتأويله واجب.
ولكن لا يجوز لأحد أن يفسر القرآن من ذات نفسه برأيه، ما لم
يتعلم ويعرف وجوه اللغة وأحوال التنزيل، لأنه روي في الخبر ما
حدثنا به محمد بن الفضيل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا
إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلّى
الله عليه وسلم أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم،
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . وروى أبو صالح،
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم
أنه قال: «من فسّر القرآن برأيه فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ» .
قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا محمد بن جعفر
قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص، عن ابن مجاهد
قال: قال رجل لأبي: أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم
قال: إني إذا لجريء. لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من
أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم رضي الله عنهم.
وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى:
وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس: 31] فقال: لا أدري ما الأبّ. فقيل
له: قل من ذات نفسك يا خليفة رسول الله. قال:
أيّ سماء تظلّني وأي أرض تقلّني، إذا قلت في القرآن بما لا
أعلم. فإذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل، فتعلم
التفسير وتكلف حفظه فلا بأس بذلك، ويكون ذلك على سبيل الحكاية.
والله أعلم.
(1/12)
|