تفسير السمرقندي
بحر العلوم الْحَاقَّةُ (1) مَا
الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا
ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ
فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا
عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ
بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ
أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
سورة الحاقة
وهي اثنان وخمسون آية مكة
[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 10]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا
الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا
عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) سَخَّرَها
عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ
خاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8) وَجاءَ
فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ
(9)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً
(10)
قوله تعالى: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وهو اسم من أسماء
القيامة، ومعناه القيامة ما القيامة؟
تعظيماً لأمرها. وقال قتادة في قوله: الْحَاقَّةُ يعني: حقت
لكل قوم أعمالهم يعني: حقت للمؤمنين أعمالهم وللكافرين أعمالهم
من حق يحق، إذا صح. وذكر عن الفراء أنه قال: إنما قيل لها
الحاقة، لأن فيها حواق الأمور. يقال: لقد حق عليك الشيء، أي
وجب. ثم قال:
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ يعني: ما تدري أي يوم هو،
تعظيماً لأمرها.
ثم وصف القيامة في قوله: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ. ثم ذكر
من كذب بالساعة والقيامة، وما نزل بهم، فقال: كَذَّبَتْ
ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ يعني: كذبت قوم صالح وقوم هود
بالقيامة. وإنما سميت قارعة، لأنها تقرع قلوب الخلق. ثم أخبر
عن عقوبتهم في الدنيا، فقال:
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ يعني: بطغيانهم،
ومعناه وطغيانهم حملهم على التكذيب، فأهلكوا. ويقال: أهلكوا
بالرجفة الطاغية، كما قال في قصته بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ
يعني:
عتت على خزانها، فذلك قوله: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يعني: باردة يعني:
شديدة البرد سَخَّرَها عَلَيْهِمْ يعني: سلطها عليهم سَبْعَ
لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً يعني:
دائمة متتابعة. ويقال: عاتِيَةٍ يعني: شديدة حُسُوماً يعني:
كاملة دائمة لا يفتر عنهم.
(3/488)
إِنَّا لَمَّا طَغَى
الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا
لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا
نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ
الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ
عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ
يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
وقال القتبي: حُسُوماً أي: متتابعة. وأصله
من حسم الداء، لأنه يكون مرة بعد مرة.
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى يعني: في الريح ويقال: في
الأيام ويقال: في القرية.
صَرْعى يعني: موتى ويقال: هلكى ويقال: قلعى مطروحين.
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ يعني: منقلعة ساقطة.
وروى شهر بن حوشب، عن ابن عباس قال: ما أنزل الله تعالى قطرة
من ماء إلا بمثقال، ولا شعرة من الريح إلا بمكيال، إلا يوم عاد
ونوح. وأما الريح فعتت على خزائنها يوم عاد، فلم يكن لهم عليها
سبيل. وأما الماء، طغى على خزانة يوم نوح، فلم يكن لهم عليه
سبيلاً، كما قال الله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ
[الحاقة: 11] الآية. ثم قال عز وجل: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ
باقِيَةٍ؟ يعني: لم يبق أحداً منهم.
ثم قال عز وجل: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ. وقرأ أبو
عمرو، والكسائي، ومن قبله بكسر القاف ونصب الياء الموحدة،
يعني: ظهر فرعون وأتباعه وأشياعه والباقون بنصب القاف وجزم
الباء يعني: من تقدمه من عتاب الكفار. ثم قال:
وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ يعني:
قريات قوم لوط، يعني: جاء فرعون وقوم لوط بالخاطئة يعني:
بالشرك وبأعمالهم الخبيثة.
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يعني: كذبوا رسلهم، فَأَخَذَهُمْ
أَخْذَةً رابِيَةً يعني: عاقبهم الله عقوبة شديدة.
[سورة الحاقة (69) : الآيات 11 الى 17]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
(11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ
واعِيَةٌ (12) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ
(13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً
واحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15)
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16)
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)
ثم قال عز وجل: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ يعني: طغى على
خزانة يوم نوح، كما روي عن ابن عباس. ويقال: طغى الماء، أي
ارتفع ويقال في اللغة: طغى الشيء، إذا ارتفع جداً.
وقال قتادة: إنه طغى فوق كل شيء خمسة عشر ذراعاً. حَمَلْناكُمْ
فِي الْجارِيَةِ يعني:
السفينة، ومعناه: حين غرق الله تعالى قوم نوح، حملناكم يا محمد
في السفينة في أصلاب آبائكم. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
يعني: لنجعل هلاك قوم نوح لكم عبرة لتعتبروا بها. وَتَعِيَها
أُذُنٌ واعِيَةٌ
يعني: يسمع هذا الخبر أذن سامعة، ويحفظها قلب حافظ على معنى
الإضمار.
ثم رجع إلى أول السورة فقال: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ
نَفْخَةٌ واحِدَةٌ يعني: نفخ إسرافيل فى الصور نفخة واحدة. ثم
قال: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ يعني: قلعت ما على
الأرض
(3/489)
يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ
اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ
حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي
جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا
وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ
(25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا
كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ
ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ
لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا
حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا
يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)
من نباتها وشجرها، وحملت الجبال عن
أماكنها. فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً يعني: فضربت على الأرض
مرة واحدة وهذا قول مقاتل، وقال الكلبي: يعني: رفعت الأرض
والجبال فزلزلتا زلزلة واحدة. ويقال: فدكتا دكة واحدة أي:
كسرتا كسرة واحدة. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني: في
ذلك اليوم قامت القيامة. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ يعني: انفرجت
السماء بنزول الملائكة. فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ يعني:
ضعيفة منشقة متمزقة من الخوف.
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها يعني: الملائكة على نواحيها
وأطرافها، يعني: صفوف الملائكة حول العرش وَيَحْمِلُ عَرْشَ
رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يعني: فوق الخلائق. يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ
يعني: ثمانية أجزاء من المقربين، لا يعلم كثرة عددهم إلا الله.
وروى عطاء بن السائب، عن ميسرة في قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ
رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني: ثمانية من
الملائكة، أرجلهم في تخوم الأرض السابعة وقال وهب بن منبه:
أربعة من الملائكة يحملون العرش على أكتافهم، لكل واحد منهم
أربعة وجوه: وجه ثور، ووجه أسد، ووجه إنسان. روى الأحنف بن
قيس، عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: وَيَحْمِلُ
عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.
[سورة الحاقة (69) : الآيات 18 الى 37]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ
اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ
حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ
عالِيَةٍ (22)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما
أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ
أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ (26) يا
لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ
(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ
(32)
إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا
يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ
الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ
غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (37)
ثم قال عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أي: تساقون إلى الحساب
والقصاص وقراءة الكتب ويقال: تُعْرَضُونَ على الله تعالى،
كقوله: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
[الكهف: 48] ثم قال: لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يعني: لا
يخفى على الله منكم ولا من أعمالكم شيء. قرأ
(3/490)
حمزة، والكسائي لاَ يخفى، والباقون بالتاء
بلفظ التأنيث، لأن لفظ خافية مؤنث. ومن قرأ بالياء، انصرف إلى
المعنى يعني: لا يخفى منكم خاف، والهاء ألحقت للمبالغة.
ثم قال عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ
يعني: كتابه الذي عمله، فرأى فيه الحسنات فسر بذلك، فَيَقُولُ
لأصحابه: هاؤُمُ يعني: تعالوا اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. قال
القتبي: هاؤُمُ في اللغة بمنزلة خذ وتناول ويقال للاثنين:
هاؤما، وللجماعة هاؤموا.
والأصل هاكم، فحذفوا الكاف وأبدلوها همزة. وروى عبد الرزاق، عن
معمر، عن قتادة قال:
بلغني أنهم يعرضون ثلاث عرضات. فأما عرضتان، فهما الخصومات
والمعاذير. وأما الثالثة، فتطاير الصحف في الأيدي. وروى عبد
الله بن مسعود نحو هذا. ثم قال: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ
حِسابِيَهْ يعني: أيقنت وعلمت أني أحاسب. قال الله تعالى:
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ يعني: في عيش مرضي، فِي جَنَّةٍ
عالِيَةٍ يعني: مرتفعة. قُطُوفُها دانِيَةٌ يعني: اجتناء
ثمارها قريب، يعني: شجرها قريب يتناوله القائم والقاعد، فيقال
لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً يعني: كلوا من ثمار الجنة
واشربوا من شرابها هنيئا يعني: طيباً بلا داء، ويقال: حلال لا
إثم فيه. بِما أَسْلَفْتُمْ يعني: بما عملتم وقدمتم فِي
الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ يعني: في الدنيا. ويقال:
بما عملتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية، يعني: في
الدنيا.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ روي عن ابن عباس
أنه قال: الآية الأولى نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وهذه
الآية في الأسود بن عبد الأسد، ويقال: في جميع المؤمنين وفي
جميع الكفار. فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ
يعني: لم أعط كتابيه، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ يعني: لم
أعلم ما حسابي. قوله تعالى: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ،
يا ليتني تركت على الموتة الأولى بين النفختين، ويقال: يا
لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ يعني: المنية. قال مقاتل: يتمنى
الموت. مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ يعني: ما أرى ينفعني مالي
الذي جمعت في الدنيا. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ يعني: بطل
عني عذرِي وحجتي.
يقول الله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ يعني: بالأغلال الثّقال.
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ يعني:
أدخلوه. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً
فَاسْلُكُوهُ يعني: أدخلوه في تلك السلسلة. إِنَّهُ كانَ لاَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ يعني: لا يصدق بالله العظيم.
وَلا يَحُضُّ يعني: لا يحث نفسه ولا غيره عَلى طَعامِ
الْمِسْكِينِ يعني: لا يطعم المسكين في الدنيا. فَلَيْسَ لَهُ
الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ يعني: قريب يمنع منه شيئاً، يعني:
أحداً يمنع من العذاب. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ
يعني: ليس له فيها طعام إلا من غسلين. وروى عكرمة، عن ابن عباس
قال: لا أدري ما الغسلين. وروي عنه أنه قال: الغسلين: ما يسقط
عن عروقهم، وذاب من أجسادهم.
وقال القتبي: هو فعلين من غسلت فكأنه غسالة. لا يَأْكُلُهُ
إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: المشركين.
(3/491)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا
تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ
رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا
مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا
مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ
حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ
لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
(52)
وروى عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلاً قرأ
عنده: لاَّ يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ وقال ابن عباس: كلنا
نخطئ، ولكن لاَّ يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: العاصين
الكافرين.
[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ
شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ
قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (42)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا
لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ
لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ
الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
ثم قال: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ يعني: أقسم بما تبصرون
من شيء ومن الخلق. وَما لاَ تُبْصِرُونَ من الخلق. إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يعني: هذا القرآن قول رسول كريم على
الله تعالى يعني: جبريل، وهذا قول مقاتل. ويقال: قول رسول
كريم، يعني: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعني: محمدا
صلّى الله عليه وسلم. قال أبو العالية: إنه يعني: القرآن،
لقول: رسول كريم يقرأ عليك يا محمد. ويقال: معناه إن الذي ينزل
على محمد صلّى الله عليه وسلم بالقرآن، ويقرؤه عليه جبريل
الكريم على الله تعالى، ليس الشياطين كما يقولون وَما هُوَ
بِقَوْلِ شاعِرٍ يعني: القرآن ليس هو بقول شاعر. قَلِيلًا مَّا
تُؤْمِنُونَ يعني: قليلاً ما تؤمنون. «وما» صلة. قرأ ابن كثير،
وابن عامر في رواية هشام قَلِيلاً ما يؤمنون بالياء وقليلا ما
يَذَّكَّرُونَ بالياء، والباقون بالتاء على معنى المخاطبة.
ثم قال: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ يعني: ليس بقول كاهن، ليس بقول
شيطان أي: عراف كاذب. قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ يعني: قليلاً
ما تتعظون. ثم قال عز وجل: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ
يعني القرآن هو كلام رب العالمين أنزل على محمد صلّى الله عليه
وسلم ثم قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ
يعني: أن محمد صلّى الله عليه وسلم لو قال من ذات نفسه،
لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ يعني:
لعاقبناه. فأعلم الله تعالى أنه لا محاباة لأحد، إذا عصاه
بالقرآن، وإن كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ومعنى قوله:
بِالْيَمِينِ يعني: بالقوة. وقال القتبي: إنما قام اليمين مقام
القوة، لأن قوة كل شيء في يمينه. ولأهل اللغة في هذا مذاهب
أخر، وهو قولهم إذا أرادوا عقوبة أحد، فيقولون: خذ بيده، وافعل
به كذا وكذا. قَالَ الله تَعَالى: لَوْ كذب علينا لأمرنا
بالأخذ بيده ثم عاقبناه. ويقال:
لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ معناه: لو زاد
حرفاً واحداً على ما أوحيته إليه أو نقص، لعاقبته. وكان هو
أكرم الناس عليَّ. وفي الآية تنبيه لغيره، لكيلا يغيروا شيئاً
من كتاب الله
(3/492)
تعالى، ولا يتقولوا فيه شيئاً من ذات
أنفسهم. ويقال: بِالْيَمِينِ يعني: بالحق. ويقال:
بالحجة. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ وهو عرق يتعلق به
القلب، إذا انقطع مات صاحبه، يعني:
لأهلكناه.
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ يعني: ليس أحد
منكم يمنعنا من عذابه. وَإِنَّهُ يعني: القرآن لَتَذْكِرَةٌ
لِلْمُتَّقِينَ يعني: عظة لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ الشرك
والفواحش. وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ
يعني: وإنا لنعلم أن منكم أيها المؤمنون مكذبون بالقرآن، يعني:
المنافقين. ثم قال عز وجل: وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى
الْكافِرِينَ يعني: أن هذا القرآن ندامة على الكافرين يوم
القيامة، لأنه يقال لهم: ألم يقرأ عليكم القرآن؟ فيكون لهم
حسرة وندامة بترك الإيمان. وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ يعني:
إن تلك الندامة لحق اليقين. ويقال: إن القرآن من الله تعالى
حقاً يقيناً.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يعني: صل لله تعالى.
ويقال: سبحه باللسان والله تعالى أعلم والله أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب.
(3/493)
سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ
تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ
كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ
عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
(12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
سورة المعارج
وهي أربع وأربعون آية مكية
[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 14]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ
دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً
(6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ
كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9)
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ
الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
(11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي
تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ
(14)
قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ. قرأ نافع بغير همزة، والباقون
بالهمزة. فمن قرأ بغير همزة، فهو من سال يسال يعني: جرى واد
بعذاب الله تعالى. ومن قرأ بالهمزة، فهو من سأل يسأل بمعنى دعا
داع. بِعَذابٍ واقِعٍ، وهو النضر بن الحارث، فوقع به العذاب،
فقتل يوم بدر في الدنيا. وقال مجاهد: دعا داع بعذاب يقع في
الآخرة، وهو قولهم: إِن كَانَ هذا هُوَ الحق من عندك، فأمطر
علينا حجارة من السماء.
ويقال: سَأَلَ سائِلٌ عن عذاب واقع والجواب: لِلْكافِرينَ
لَيْسَ لَهُ دافِعٌ يعني: أن ذلك العذاب من الله واقع
للكافرين. مِنَ اللَّهِ الذي هو ذِي الْمَعارِجِ. قال مقاتل:
يعني:
ذي الدرجات، يعني: السموات السبع. وقال القتبي: يعني: معارج
الملائكة أي تصعد.
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ يعني: جبريل. فِي
يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يعني:
ذلك العذاب واقع في يوم القيامة، مقداره خمسين ألف سنة. ويقال:
يعني: يعرج جبريل والملائكة في يوم واحد كان مقداره لو صعد
غيرهم خمسين ألف سنة. وقال محمد بن كعب:
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: هو
يوم الفصل بين الدنيا والآخرة.
(3/494)
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى
(15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ
وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنْسَانَ
خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ
(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ
بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ
رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ
مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
(29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
ثم قال عز وجل: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا
يعني: اصبر صبراً حسناً لا جزع فيه. ثم أخبر متى يقع العذاب
فقال: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً يعني: يوم القيامة غير
كائن عندهم. وَنَراهُ قَرِيباً لا خلف فيه. يَوْمَ تَكُونُ
السَّماءُ كَالْمُهْلِ يعني: اليوم الذي تكون السماء كالمهل
أي:
كدردي الزيت من الخوف. ويقال: ما أذيب من الفضة أو النحاس.
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ يعني: كالصوف المندوف. قرأ
الكسائي: يَعْرُجُ الملائكة بالياء، والباقون بالتاء بلفظ
التأنيث، لأنها جمع الملائكة. ومن قرأ بالياء، فلتقديم الفعل.
وروي عن ابن كثير أنه قرأ:
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ بضم الياء، والباقون بالنصب. ومن قرأ
بالضم، فمعناه أنه لا يسأل قريب عن ذي قرابته، لأن كل إنسان
يعرف بعضهم بعضاً قوله تعالى يُبَصَّرُونَهُمْ يعني: يعرفونهم
ملائكة الله تعالى. ومن قرأ بالنصب، معناه لا يسأل قريب عن
قريبه، لأنه يعرف بعضهم بعضاً يُبَصَّرُونَهُمْ يعني: يعرفونهم
ويقال: مرة يعرفونهم، ويقال: ومرة لا يعرفونهم.
ثم قال عز وجل: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ أي: يتمنى الكافر. لَوْ
يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ يعني: ينادي نفسه
بولده، وَصاحِبَتِهِ يعني: وزوجته، وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ
الَّتِي تُؤْوِيهِ يعني: عشيرته التي يأوى إليهم. وقال مجاهد:
وَفَصِيلَتِهِ أي: قبيلته، هكذا روي عن قتادة.
وقال الضحاك: يعني: عشيرته. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
يعني: يفادي نفسه بجميع من في الأرض. ثُمَّ يُنْجِيهِ يعني:
ينجي نفسه من العذاب.
[سورة المعارج (70) : الآيات 15 الى 35]
كَلاَّ إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا
مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) إِنَّ
الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ
مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ
بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ
رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ
مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29)
إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ
ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ
بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
قال الله تعالى: كَلَّا أي حقاً لا ينجيه، وإن فادى جميع
الخلق، ولا يفادي نفسه
(3/495)
وقال أهل اللغة: كَلَّا ردع وتنبيه يعني:
لا يكون كما تمنى. ثم استأنف الكلام، فقال:
كَلَّا إِنَّها لَظى يعني: النار والعقوبة لَظى اسم من أسماء
النار. نَزَّاعَةً لِلشَّوى يعني:
قلاعة للأعضاء ويقال: حراقة للأعضاء والجسد. وقال القتبي
الشوى: جلود الرأس وأحدها شواة، ويعني: أن النار تنزع جلود
الرأس. وعن أبي صالح قال: نَزَّاعَةً لِلشَّوى أطراف اليدين
والرجلين وقال مقاتل: يعني: تنزع النار الهامة والأطراف. قرأ
عاصم في رواية حفص: نَزَّاعَةً نصباً على الحال، والباقون
بالضم يعني: إنها نزاعة للشوى.
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى يعني: لظى تدعو إلى نفسه،
تنادي من أعرض عن التوحيد وأعرض عن الإيمان ويقال: إن لظى
تنادي وتقول: أيها الكافر تعال إلي، فإن مستقرك فيّ.
وتقول: أيها المنافق تعال إلي، فإن مستقرك فيّ. فذلك قوله:
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ثم قال: وَجَمَعَ فَأَوْعى
يعني: جمع المال ومنع حق الله تعالى. قال مقاتل: فَأَوْعى
يعني:
فأمسكه، فلم يؤد حق الله تعالى.
ثم قال: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً يعني: حريصاً
ضجوراً بخيلاً ممسكاً فخوراً، وقال القتبي: هَلُوعاً يعني:
شديد الجزع. يقال: ناقة هلوع، إذا كانت شديدة النفس. إِذا
مَسَّهُ الشَّرُّ يعني: الفقر. جَزُوعاً يعني: لا يصبر على
الشدة. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً يعني:
إذا أصابه الغنى يمنع حق الله تعالى. إِلَّا الْمُصَلِّينَ،
فإنهم ليسوا هكذا، وهم يؤدون حق الله تعالى. الَّذِينَ هُمْ
عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ يعني: يحافظون على الصلوات.
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ يعني: معروفاً
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ يعني: للسائل الذي يسأل الناس،
والمحروم الذي لا يشهد الغنيمة ولا يسهم له. وروى وكيع، عن
سفيان، عن قيس، عن محمد بن الحسن قال: بعث النبيّ صلّى الله
عليه وسلم سرية، ففتحت، فجاء آخرون بعد ذلك، فنزل وَالَّذِينَ
فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ.
وقال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم.
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ
يعني: بيوم الحساب. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ
مُشْفِقُونَ يعني: خائفين. إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ
مَأْمُونٍ يعني: لم يأت لأحد الأمان من عذاب الله تعالى ويقال:
لا ينبغي لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى. ثم قال:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ
هُمُ العادُونَ وقد ذكرناه. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ راعُونَ يعني: الأمانات التي فيما بينهم وبين
الله تعالى، والعهد الذي بينهم وبين الله تعالى. والأمانات
والعهد التي بينهم وبين الناس حافظون. وَالَّذِينَ هُمْ
بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ يعني: يؤدون الشهادة عند الحاكم، ولا
يكتمونها إذا دعوا إليها، فيؤدون الشهادة على الوجه الذي
علموها وحملوها.
قرأ عاصم في رواية حفص، وأبو عمرو في إحدى الروايتين
بِشَهاداتِهِمْ وهو جمع الشهادة،
(3/496)
فَمَالِ الَّذِينَ
كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا
خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ
الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
(41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا
يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ
الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ
(43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ
الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
والباقون بشهادتهم وهي شهادة واحدة وإنما
تقع على الجنس. ثم قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ
يُحافِظُونَ يعني: يداومون عليها ويحافظون عليها في مواقيتها.
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ يعني: أهل هذه الصفة، في
جنات مكرمون بثواب من الله تعالى بالتحف والهدايا.
[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ
الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلاَّ
إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ
بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ
بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى
يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ
يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ
ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)
ثم قال تعالى: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ
يعني: حولك ويقال: عندك ناظرين. والمهطع: المقبل ببصره على
الشيء. كانوا ينظرون إليه نظرة عداوة يعني: كفار مكة. وإنما
قولهم مُهْطِعِينَ نصباً على الحال. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمالِ عِزِينَ يعني:
حلقاً حلقاً جلوساً لا يدنون منه، فينتفعون بمجلسه. ويقال:
عِزِينَ يعني: متفرقين. وروى تميم، عن طرفة، عن جابر بن سمرة
قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن جلوس
متفرقين، فقال: «مَا لِي أرَاكُمْ عِزِينَ؟» يعني: متفرقين
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ
نَعِيمٍ يعني: يتمنى كل واحد منهم أن يدخل الجنة، كما يدخل
المسلمون. قال الله تعالى: كَلَّا يعني: لا يدخلون ما داموا
على كفرهم.
ثم قال: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ يعني: من
النطفة وقال الزجاج: معناه أنهم خلقوا مِّن تُرَابٍ، ثُمَّ مِن
نطفة. فأي شيء لهم يدخلون به الجنة؟ ويقال: إنا خلقناهم مما
يعلمون، فبماذا يتكبرون ويتجبرون؟ ثم قال عز وجل: فَلا
أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ يعني: أقسم برب المشارق وقال في
آية: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وإنما أراد به الناحية
التي تطلع الشمس، والناحية التي تغرب الشمس منها. وقال في آية
أخرى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ يعني: مشرق الشتاء ومشرق الصيف،
ورب المغربين لذلك وقال في هذا الموضع: بِرَبِّ الْمَشارِقِ
يعني:
مشرق كل يوم وهي ثمانون ومائة مشرق في الشتاء ومشرق مثلها في
الصيف. وَالْمَغارِبِ يعني: مغرب كل يوم. إِنَّا لَقادِرُونَ
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ يعني: على أن نهلكهم
ونخلق خلقاً خيراً منهم وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يعني:
عاجزين.
فَذَرْهُمْ يعني: اتركهم وأعرض عنهم. يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا
يعني: حتى يخوضوا
(3/497)
ويلعبوا في الباطل ويستهزءوا. حَتَّى
يُلاقُوا يَوْمَهُمُ يعني: يعاينوا يومهم الَّذِي يُوعَدُونَ.
قوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً
يعني: في اليوم الذي يوعدون وفي اليوم الذي يخرجون من القبور
سراعاً يعني: يسرعون إلى الصوت كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ
يُوفِضُونَ يعني: كأنهم إلى علم منصوب يمضون. قرأ ابن عامر
وعاصم في رواية حفص إِلى نُصُبٍ بضم النون والصاد يعني:
أصناماً لهم، كقوله: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3]
، والباقون إِلى نُصُبٍ يعني: إلى علم يستبقون. وقال أهل
اللغة: الإيفاض: الإسراع. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ يعني: ذليلة
أبصارهم. تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يعني: تغشاهم مذلة. ثم قال:
ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ يعني: يوعدون فيه
العذاب، وهم له منكرون وصلى الله على سيدنا محمد.
(3/498)
إِنَّا أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا
وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا
(6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ
جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا
ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي
أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا
تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا
(14)
سورة نوح
وهي ثمان وعشرون آية مكية
[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 14]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ
قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1)
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ
لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (4)
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (5)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (6) وَإِنِّي
كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ
فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا
وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ
جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ
لَهُمْ إِسْراراً (9)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10)
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهاراً (12) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)
قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ يعني:
جعله الله رسولاً إلى قومه. أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ يعني: أن
خوف قومك بالنار لكي يؤمنوا بالله. مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني:
الطوفان والغرق. قالَ لهم نوح- عليه السلام-: يا قَوْمِ إِنِّي
لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني: قال نوح لقومه أنبئكم بلغة
تعرفونها؟ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني: أنذركم وأقول لكم
اعبدوا الله، يعني:
وحدوا الله. وَاتَّقُوهُ يعني: واخشوه واجتنبوا معاصيه.
وَأَطِيعُونِ فيما آمركم، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
يعني: ذنوبكم. و «من» صلة. وَيُؤَخِّرْكُمْ يعني: يؤجلكم إِلى
أَجَلٍ مُسَمًّى يعني: إلى منتهى آجالكم. إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ
يعني: إن عذاب الله، إِذا جاءَ لاَ يُؤَخَّرُ يعني: لا يستطيع
أن يؤخره أحد. لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني: لو كان لكم علم
تنتفعون به.
(3/499)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ
خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ
الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ
يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا
سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي
وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا
خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا
لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا
سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ
أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا
ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا
نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا
(25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ
يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا
(27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ
بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا
تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
قوله تعالى: قالَ رَبِّ يعني: دعا نوح بعد
ما كذبوه في طول المدة، قال: رب يعني: يا رب، إِنِّي دَعَوْتُ
قَوْمِي إلى التوحيد لَيْلًا وَنَهاراً يعني: في كل وقت سراً
وعلانية. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً يعني: إلى
التوحيد تباعداً من الإيمان. قال عز وجل:
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى التوحيد، لِتَغْفِرَ لَهُمْ
جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ يعني: لا يسمعون دعائي،
وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يعني: غطوا رؤوسهم بثيابهم لكي لا
يسمعوا كلامي.
وَأَصَرُّوا يعني: أقاموا على الكفر والشرك، وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْباراً يعني: تكبَّروا عن الإيمان تكبراً.
قوله تعالى: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً يعني: دعوتهم
إلى الإيمان علانية من غير خفية، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ
لَهُمْ يعني: صحت لهم، وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً يعني:
خلطت دعاءهم بالعلانية بدعائهم في السر. فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يعني: توبوا وارجعوا من ذنوبكم، يعني:
الشرك والفواحش. إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يعني: غفاراً لمن تاب
من الشرك. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً يعني:
المطر دائماً كلما احتاجوا إليه. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ
وَبَنِينَ يعني: يعطيكم أموالاً وأولاداً، وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ يعني: البساتين، وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً يعني:
في الجنات.
قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً؟ ما لكم
لا تخافون لله عظمة في التوحيد؟
وهو قول الكلبي ومقاتل وقال قتادة: ما لكم لا ترجون لله عاقبة؟
ويقال: ما لكم لا ترجون عاقبة الإيمان؟ يعني: في الجنة. وروى
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما لكم لا تعلمون حق عظمته؟
وقال مجاهد: ما لكم لا ترجون لله عظمة؟ وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أَطْواراً يعني:
خلقاً بعد خلق وحالاً بعد حال، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة.
فمعناه: ما لكم لا توحدون، وقد خلقكم ضروباً؟ ويقال: أراد به
اختلاف الأخلاق والمنطق، ويقال أراد به المناظرة.
[سورة نوح (71) : الآيات 15 الى 28]
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً
(15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ
سِراجاً (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً
(17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (18)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (19)
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (20) قالَ نُوحٌ رَبِّ
إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ
وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً
(22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا
وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ
أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً
(24)
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ
يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25) وَقالَ
نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ
دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ
وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ
إِلاَّ تَباراً (28)
(3/500)
ثم وعظهم ليعتبروا، فقال عز وجل: أَلَمْ
تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ؟ يعني: ألم تنظروا فتعتبروا،
كيف خلق الله تعالى سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً؟ يعني: مطبقاً
بعضها فوق بعض.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً يعني: ضياءً لبني آدم.
وإنما قال: فِيهِنَّ أراد به سماء الدنيا، لأنها إحداهن.
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً يعني: نوراً للخلق ويقال: جَعَلَ
الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً يعني: في جميع السموات، لأن إحداهن
مضيء لأهل السموات وظهره لأهل الأرض ويقال: وَجَعَلَ الْقَمَرَ
فِيهِنَّ نُوراً يعني: معهن نوراً.
ثم قال عز وجل: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً
يعني: خلقكم في الأرض خلقاً.
ويقال: يعني: خلقكم من الأرض وهو آدم- عليه السلام- وأنتم من
ذريته. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها يعني: بعد الموت.
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً يعني: يخرجكم من الأرض يوم القيامة-
قوله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً يعني:
فراشاً، لِتَسْلُكُوا مِنْها يعني: فتمضوا فيها وتأخذوا فيها
سُبُلًا فِجاجاً يعني: طرقاً بين الجبال والرمال ويقال: طرقاً
واسعة.
قوله تعالى: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي فيما أمرتهم
من توحيد الله تعالى، وَاتَّبَعُوا يعني: أطاعوا مَنْ لَمْ
يَزِدْهُ مالُهُ يعني: أطاعوا من لم يزده ماله يعني: كثرة
أمواله وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً أي: خسراناً في الآخرة.
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً يعني: مكراً عظيماً ويقال: مكروا
مكراً كبيراً يعني: قالوا كلمة الشرك. والكبير والكبار بمعنى
واحد. وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ يعني: قال بعضهم
لبعض: ويقال: قال الرؤساء للسفلة: لا تذرن، يعني: لا تتركوا
عبادة آلهتكم. وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا
يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً، فهذه أسماء الأصنام التي كانوا
يعبدونها يعني: لا تتركوا عبادة هذه الأصنام- قرأ نافع وُدّاً
بضم الواو، والباقون بالنصب، ومعناهما واحد. وهو اسم الصنم،
وقال قتادة: هذه الآلهة كان يعبدها قوم نوح، ثم عبدها العرب
بعد ذلك. وقال القتبي الود صنم، ومنه كانت العرب تسمى «عبد ود»
، وكذلك تسمي «عبد يغوث» .
ثم قال: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً يعني: هذه الأصنام أضلوا
كثيراً من الناس، يعني: ضلوا بهن كثيراً من الناس، كقوله:
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كثيراً من الناس. ثم قال: وَلا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا يعني: خساراً وغبناً.
(3/501)
ثم قال عز وجل: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ
أُغْرِقُوا يعني: بشركهم بالله تعالى أُغرقوا في الدنيا.
فَأُدْخِلُوا نَاراً في الآخرة. قال مقاتل: مِمَّا
خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا بخطياتهم وقال القتبي:
(بما خطياتهم أغرقوا) يعني: من خطيئاتهم أغرقوا، والميم زيادة.
ثم قال: فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً
يعني: أعواناً يمنعونهم من العذاب. قرأ أبو عمرو خَطاياهُمْ،
والباقون خَطِيئاتِهِمْ ومعناهما واحد، وهو جمع خطيئة.
قوله تعالى: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ
مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً يعني: لا تدع على ظهر الارض من
الكافرين ديارا، يعني: أحداً منهم ويقال: أصله من الدار يعني:
نازلاً بها، ويقال: في الدار أحد وما بها ديار وأصله ديوار،
فقلبت الواو ياء ثم شددت وأدغمت الياء في الياء. ثم قال عز
وجل: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ يعني: إنك إن
تتركهم ولم تهلكهم، يدعوا الموحدين إلى الكفر. وَلا يَلِدُوا
إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً يعني: يكون منهم الأولاد، يكفرون
ويفجرون بعد البلوغ ويقال: يعني: ولا يلدوا إلا أن يكونوا
فجاراً كفاراً. وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم:
«الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ
وُعِظَ بِغَيْرِهِ» .
ثم قال عز وجل: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ
دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً يعني: سفينتي وديني. وقال الكلبي:
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً يعني: مسجدي.
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ
إِلَّا تَباراً يعني: لا تزد الكافرين إلا هلاكاً، كقوله:
تَبَّرْنا تَتْبِيراً. وروى عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله عنه-
كان إذا قرأ القرآن في الليل، فمر بآية فيقول لي: يا عكرمة
ذكرني عند هذه الآية غداً. فقرأ ذات ليلة هذه الآية، فقال: يا
عكرمة، ذكرني غداً.
فذكرته ذلك، فقال: إن نوحاً دعا بهلاك الكافرين، ودعا للمؤمنين
بالمغفرة، وقد استجيب دعاؤه في المؤمنين، فيغفر الله تعالى
للمؤمنين والمؤمنات بدعائه، وبهلاك الكافرين فأهلكوا.
وروي عن بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
«نَجَاةُ المُؤْمِنِينَ فِي ثَلاَثَةِ أشْيَاءٍ: بِدُعَاءِ
نُوْحٍ- عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَبِدُعَاءِ إِسْحَاقَ- عليه
السلام- وَبِشَفَاعَةِ محمّد صلّى الله عليه وسلم» يعني:
للمؤمنين والله أعلم.
(3/502)
|