تفسير الطبري
جامع البيان ت شاكر وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى
الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا
بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ
النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضُكم مالَ بعض
بالباطل. فجعل تعالى ذكره بذلك آكلَ مال أخيه بالباطل، كالآكل
مالَ نَفسه بالباطل.
ونَظيرُ ذلك قولهُ تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)
[سورة الحجرات: 11] وقوله: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)
[سورة النساء: 29] بمعنى: لا يلمزْ بعضكم بعضا، ولا يقتُلْ
بعضكم بعضا (1) لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة، فقاتل
أخيه كقاتل نفسه، ولامزُه كلامز نفسه، وكذلك تفعل العرب تكني
عن نفسها بأخواتها، وعن أخواتها بأنفسها، فتقول:"أخي وأخوك
أيُّنا أبطش". يعني: أنا وأنت نصْطرع، فننظر أيُّنا أشدّ (2) -
فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه، لأن أخا الرجل عندها كنفسه، ومن
ذلك قول الشاعر: (3)
أخِي وَأَخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْرِ ... لَيْسَ بِهِ مِنْ
مَعَدٍّ عَرِيبْ (4)
* * *
__________
(1) انظر ما سلف مثل ذلك في 2: 300، ثم الآية: 85 من سورة
البقرة 2: 303 لم يذكر فيها شيئا من ذلك. ولم يبين هذا البيان
فيما سلف. وهذا دليل على أنه كان أحيانا يختصر الكلام اختصارا،
اعتمادا على ما مضى من كلامه، أو ما يستقبل منه. كما قلت في
مقدمة التفسير.
(2) انظر تأويل مشكل القرآن: 114، هذا بنصه.
(3) هو ثعلبة بن عمرو (حزن) العبدي، ابن أم حزنة. ويقال هو من
بني شيبان حليف في عبد القيس. وكان من الفرسان (الاشتقاق لابن
دريد: 197) . وانظر التعليق التالي.
(4) المفضليات: 513، وتأويل مشكل القرآن: 114، معجم ما استعجم:
1038. وفي المطبوعة: "ليس لنا"، وأثبت ما في المراجع، وكأنها
الصواب. ويقال: ليس بالدار عريب، أي ليس بها أحدا. و"النسير"،
تصغير"النسر"، وهو مكان بديار بني سليم. بيد أن ياقوت نقل عن
الحازمي أنه بناحية نهاوند، واستشهد بهذا البيت. فإن يكن ذلك
فابن أم حزنة هذا إسلامي: قال ياقوت، قال سيف: "سار المسلمون
من مرج القلعة نحو نهاوند، حتى انتهوا إلى قلعة فيها قوم،
ففتحوها، وخلفوا عليها النسير بن ثور في عجل وحنيفة. وفتحها
بعد فتح نهاوند، ولم يشهد نهاوند عجلي ولا حنفي، لأنهم أقاموا
مع النسير على القلعة، فسميت به" (انظر تاريخ الطبري 4: 243،
251) .
فإن صح أن ابن أم حزنة كان في بعث المسلمين، كان هذا البيت
مؤيدا لهذا القول. فإنه يقول له: أنا وأنت ببطن النسير، ليس
معنا فيه من أبناء معد (وهم العرب) أحد. وأما عن الحازمي إذا
كان الموضع ببلاد العرب، فهو يقول: ليس به أحد، وقوله"من معد"
فضول من القول. وقد ترجح عندي أنه شاعر إسلامي، من بعض شعره في
المفضليات رقم 74، وفي الوحشيات رقم: 217، (وانظر من نسب إلى
أمه رقم: 22، 32) ، وله شعر في حماسة البحتري: 97، 103.
وإن صحت رواية الطبري: "ليس لنا من معد عريب". فعريب، في هذا
البيت، هو صاحبه الذي ذكره في أول الشعر فقال: إِنَّ عَرِبيًا
وَإِنْ سَاءَني ... أَحَبُّ حَبِيبٍ وَأَدْنَى قَرِيبْ
فيكون قوله: "معد" مصدر"عد يعد". يقول: أنا وأنت ببطن النسير
وحدنا، لا يعد معنا أحد، يعني أنهما خاليين بالمكان، ليس لك من
ينصرك ولا لي من ينصرني، فهناك يظهر صاحب للبأس منهما، وقال
بعد البيت: فأقْسَم بِاللهِ لاَ يَأتَلِي ... وأقْسَمْتُ إِنْ
نلتُهُ لاَ يَؤُوبْ
فَأَقْبَلَ نَحْوِي عَلَى قُدْرةٍ ... فَلَمَّا دَنَا
صَدَقَتْه الكَذُوبْ
(3/548)
فتأويل الكلام: ولا يأكلْ بعضكم أموال بعضٍ
فيما بينكم بالباطل.
"وأكله بالباطل": أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه.
* * *
وأما قوله:"وتُدلوا بها إلى الحكام" فإنه يعني: وتخاصموا بها -
يعني: بأموالكم - إلى الحكام"لتأكلوا فريقا" = طائفة = (1) من
أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون.
__________
(1) انظر ما سلف في تفسير"فريق" 2: 224، 402.
(3/549)
ويعني بقوله:"بالإثم" بالحرام الذي قد حرمه
الله عليكم (1) "وأنتم تعلمون"، أي: وأنتم تتعمَّدون أكل ذلك
بالإثم، على قصد منكم إلى ما حَرّم الله عليكم منه، ومعرفةٍ
بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم. (2) . كما:
3059 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية
بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل وتُدلوا بها إلى الحكام" فهذا في الرجل يكون
عليه مالٌ، وليس عليه فيه بيِّنة، فيجحد المال، فيخاصمهم فيه
إلى الحكام وهو يعرف أنّ الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم: آكلٌ
حراما.
3060 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"وتُدلوا بها إلى
الحكام" قال: لا تخاصم وأنت ظالم.
3061 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
3062 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى
الحكام" وكان يقال: من مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى
يرجع إلى الحق. واعلم يَا ابن آدم أن قَضاء القاضي لا يُحلّ لك
حراما ولا يُحقّ لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرَى
ويشهدُ به الشهود، والقاضي بَشر يخطئ ويصيب. واعلموا أنه من قد
قُضي له بالباطل، فإن خصومته لم تنقض حتّى يجمع الله بينهما
يوم القيامة، فيقضي على المبُطل للمحق، بأجود مما قُضي به
للمبطل على المحقّ في الدنيا (3) .
__________
(1) انظر ما سلف في تفسير"الإثم" من هذا الجزء 3: 399-408.
(2) في المطبوعة: "معصية الله"، خطأ.
(3) في المطبوعة: "ويأخذ مما قضي به. . "، والصواب ما أثبت من
تفسير ابن كثير 1: 430.
(3/550)
3063 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وتدلوا بها
إلى الحكام" قال: لا تدلِ بمال أخيك إلى الحاكم وأنتَ تعلم أنك
ظالم، فإن قضاءه لا يُحلّ لك شيئا كان حراما عليك.
3064 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثنا أسباط، عن السدي:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم
وأنتم تعلمون" أما"الباطل" يقول: يظلم الرجل منكم صاحبَه، ثم
يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم، فذلك قوله:"وتدلوا بها
إلى الحكام".
3065- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني خالد
الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة قوله:"ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل" قال: هو الرجل يشتري السِّلعة فيردُّها
ويردُّ معها دَرَاهم.
3066 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في
قوله:"ولا تأكلوا أموالكم بَينكم بالباطل وتدلوا بها إلى
الحكام" يقول: يكون أجدل منه وأعرَف بالحجة، فيخاصمه في ماله
بالباطل ليأكل ماله بالباطل. وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [سورة
النساء: 29] قال: هذا القِمار الذي كان يَعمل به أهل الجاهلية.
* * *
وأصل"الإدلاء": إرسال الرجل الدلو في سَبب متعلقا به في البئر.
(1) فقيل للمحتج لدعواه:"أدلَى بحجة كيت وكيت" إذا كان حجته
التي يحتج بها سببا
__________
(1) السبب: الحبل.
(3/552)
له، هو به متعلقٌ في خصومته، كتعلق المستقي
من بئر بدَلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة،
يقال فيهما جميعا - أعني من الاحتجاج، ومن إرسال الدلو في
البئر بسبب:"أدلى فلان بحجته، فهو يُدلي بها إدلاء = وأدلى
دلوه في البئر، فهو يدليها إدلاء".
* * *
فأما قوله:"وتدلوا بها إلى الحكام"، فإن فيه وَجهين من
الإعراب:
أحدهما: أن يكون قوله:"وتُدْلوا" جزما عطفا على قوله:"ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" أي: ولا تدلوا بها إلى الحكام،
وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة أُبَيٍّ بتكرير حرف النهي:"وَلا
تدلوا بها إلى الحكام".
والآخر منهما: النصب على الصرْف، (1) فيكون معناه حينئذ: لا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام، كما
قال الشاعر:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ
إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (2)
يعني: لا تنه عن خلق وأنتَ تأتي مثله.
وهو أنْ يكون في موضع جزم - على ما ذُكر في قراءة أبيّ - أحسن
منه أن يكون نَصبا.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "على الظرف"، وهو محض خطأ. وقد مضى تفسير
معنى"الصرف" في 1: 569-570، واالتعليق: 1.
(2) سلف تخريج هذا البيت في 1: 569، إلا أني سهوت فلم أذكر أنه
آت في هذا الموضع من التفسير، وفي 9: 146 (بولاق) ، فقيده.
وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 115.
(3/552)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (190)
القول في تأويل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
قال أبو جعفر: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن
زيادة الأهلة ونقصانها واختلاف أحوالها، فأنزل الله تعالى ذكره
هذه الآية، جوابا لًهُم فيما سألوا عنه.
ذكر الأخبار بذلك:
3067 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتاده قوله:"يَسألُونك عن الأهلة قُلْ هيَ مواقيت للناس"، قال
قتادة: سألوا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك: لم جُعلت
هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تَسمعون:"هي مَواقيتُ للناس"،
فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم، ولمناسكهم وحجّهم، ولعدة
نسائهم وَمحلّ دَينهم في أشياء، والله أعلم بما يُصلح خلقه.
3068 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي
جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى
الله عليه وسلم: لم خُلقت الأهلة؟ فأنزل الله تعالى:"يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيتُ للناس والحج" جعلها الله مواقيتَ لصوم
المسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم وعدّة نسائهم وَحلّ ديونهم
(1) .
3069- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال،
أخبرنا
__________
(1) هكذا جاء في هذه الآثار 3068، 3070، 3072، 3073"حل
ديونهم". والذي في كتب اللغة: "حل الدين يحل حلولا ومحلا (بكسر
الحاء) ": أي وجب. وأستظهر أن يكون هذا المصدر"حلا" بفتح الحاء
كنظائرها من اللغة كقولهم: "صد يصد صدا وصدودا"، ولو كسرت
الحاء لكان وجها. وهذه الرواية قاضية على صحة هذا المصدر.
(3/553)
معمر، عن قتادة في قوله:"مواقيتُ للناس
والحج" قال: هي مواقيت للناس في حجهم وصومهم وفطرهم ونُسكهم.
3070 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قال: قال الناس: لم خلقت الأهلة؟ فنزلت:"يسألونك عن
الأهلة قُل هي مواقيت للناس"، لصَومهم وإفطارهم وَحجهم
وَمَناسكهم - قال: قال ابن عباس: ووقتَ حجهم، وعدة نسائهم،
وَحلّ دَينهم.
3071- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا
أسباط، عن السدي:"يسألونك عن الأهلة قلْ هي مواقيت للناس" فهي
مواقيت الطلاق والحيض والحج.
3072 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضل بن خالد قال،
حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك:"يسألونك عن الأهلة قل هي
مواقيت للناس"، يعني: حَلّ دينهم، ووقت حجهم، وعدة نسائهم.
3073- حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي،
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: سأل الناسُ رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية:"يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيت للناس" يعلمون بها حَلّ دينهم، وعدة
نسائهم، ووقت حجهم.
3074 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد، عن شريك، عن
جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن علي: أنه سئل عن قوله:"مواقيت
للناس"، قال: هي مواقيتُ الشهر: هكذا وهكذا وهكذا - وقبض
إبهامه - فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ
عليكم فأتموا ثَلاثين (1) .
* * *
__________
(1) الخبر: 3074- جابر: هو ابن يزيد الجعفي، بينا أنه ضعيف
جدا، في: 2340. وأما شيخه"عبد الله بن يحيى": فما عرفت من هو؟
وأكبر ظني أن الاسم محرف، لم أستطع الوصول إلى صحته.
وهذا الخبر لم يذكره ابن كثير، ولا السيوطي. وإنما أشار إليه
ابن كثير إشارة 1: 430.
وقد ورد معناه مرفوعا، في حديث صحيح، رواه الحاكم 1: 423، من
حديث عبد الله بن عمر. وصححه ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير 1:
430، من رواية عبد الرزاق، ثم أشار إلى رواية الحاكم إياه.
وذكره السيوطي 1: 203-204، ونسبه أيضًا للبيهقي.
(3/554)
قال أبو جعفر: فتأويل الآية - إذا كان
الأمرُ على ما ذكرنا عمن ذكرنا عنهُ قوله في ذلك-: يسألونك يا
محمد عن الأهلة ومحاقها وسِرَارِها وَتمامها واستوائها، وتغير
أحوالها بزيادة ونُقصان وَمحاق واستسرار، وما المعنى الذي
خَالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا
تتغير بزيادة ولا نقصان؟ - فقلْ يا محمد: خالف بين ذلك ربُّكم
لتصييره الأهلة = التي سألتم عن أمرها، ومخالفة ما بينها وبين
غيرها فيما خالف بينها وبينه = مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم
في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها
وإهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من
استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم، فجعلها
مواقيت للناس.
* * *
وأما قوله"والحج"، فإنه يعني: وللحجِّ، يقول: وجعلها أيضًا
ميقاتًا لحجكم، تعرفون بها وقت مناسككم وحَجكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ
تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ
اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) }
قال أبو جعفر: قيل: نزلت هذه الآية في قوم كانوا لا يدخلون -
إذا أحرموا - بيوتَهم من قبل أبوابها.
(3/555)
* ذكر من قال ذلك:
3075- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة،
عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كانت الأنصار إذا حَجوا
ورَجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظُهورها. قال: فجاء رجل من
الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت هذه الآية:"وليسَ
البرُّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها" (1) .
3076 - حدثني سفيان بن وكيع، قال، حدثني أبي، عن إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن البراء قال: كانوا في الجاهلية إذا أحرموا،
أتُوا البيوت من ظهورها، ولم يأتوا من أبوابها، فنزلت:"وليس
البر بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها"..الآية (2) .
3077 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن
سليمان، قال، سمعت داود، عن قيس بن حبتر: أن ناسا كانوا إذا
أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه، ولا دارا من بابها أو بيتا،
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دارا، وكان رجل من
الأنصار يقال له:"رفاعة بن تابوت" فجاء فتسوَّر الحائط، ثم دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما خرَج من باب الدار -
أو قال: من باب البيت - خرج معه رفاعة، قال: فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله،
رأيتُك خرجتَ منه، فخرجت منه! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إنّي رجلٌ أحْمس! فقال: إن تكن رَجلا أحْمس، فإنّ ديننا
واحد! فأنزل الله تعالى ذكره:"وليسَ البر بأن تأتوا البيوتَ من
ظُهورها ولكن
__________
(1) الحديث: 3075- رواه أبو داود الطيالسي: 717، عن شعبة، بهذا
الإسناد، نحوه. ورواه البخاري مطولا 3: 494، عن أبي الوليد، عن
شعبة، بهذا الإسناد.
وذكره السيوطي 1: 204، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن المنذر،
وابن أبي حاتم. وسيأتي معناه بإسناد آخر، عقبه.
(2) الحديث: 3076- هو مكرر ما قبله. وهو في تفسير وكيع، كما
ذكر السيوطي 1: 204.
ورواه البخاري 8: 137، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، بهذا
الإسناد.
(3/556)
البر من اتقى وأتوا البيوتَ من أبوابها"
(1) .
3078 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:"وليس
البرُّ بأن تأتوا البيوت من ظُهورها" يقول: ليس البرّ بأن
تأتوا البيوت من كُوَّات في ظهور البيوت، وأبواب في جنوبها،
تجعلها أهل الجاهلية. فنُهوا أن يدخلوا منها، وأمِروا أن
يدخلوا من أبوابها.
3079- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3080 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم،
__________
(1) الحديث: 3077- داود: هو ابن أبي هند، مضت ترجمته: 1608.
قيس بن حبتر النهشلي التميمي: تابعي ثقة، وثقه أبو زرعة،
والنسائي، وغيرهما.
"حبتر": بفتح الحاء المهملة والتاء المثناة بينهما باء موحدة
ساكنة. ووقع في المطبوعة هنا"جبير"، وهو تصحيف. ووقع أيضًا
هكذا مصحفا في المواضع التي سنشير إليها من الفتح والإصابة
والدر المنثور، في هذا الحديث.
وهذا إسناد مرسل، لأنه عن تابعي مرفوعا، فهو ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي 1: 204، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن
المنذر.
وذكره الحافظ في الإصابة 2: 209، من تفسير عبد بن حميد. وذكره
أيضًا في الفتح 3: 494، مختصرا، ونسبه لعبد بن حميد، وابن
جرير، وصرح في الموضعين بأنه حديث مرسل.
الأحمس: هو المتشدد فيه دينه الصلب. ثم كانت الحمس (جمع أحمس)
هم قريش. وخزاعة، لنزولها مكة ومجاورتها قريشا، وكل من ولدت
قريش من العرب وكنانة، وجديلة قيس - وهم فهم وعدوان ابنا عمرو
بن قيس عيلان، وبنو عامر بن صعصعة، وكل من نزل مكة من قبائل
العرب. فكانت الحمس قد شددوا في دينهم على أنفسهم، فكانوا إذا
نسكوا لم يسلأوا سمنا، ولم يطبخوا أقطا، ولم يدخروا لبنا، ولم
يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه، ولم يحركوا شعرا ولا
ظفرا، ولا يبتنون في حجهم شعرا ولا وبرا ولا صوفا ولا قطنا،
ولا يأكلون لحما، ولا يلبسون إلا جديدا، ولا يطوفون بالبيت إلا
في حذائهم وثيابهم، ولا يمشون المسجد بأقدامهم تعظيما لبقعته،
ولا يدخلون البيوت من أبوابها، ولا يخرجون إلى عرفات، يقولون:
"نحن أهل الله"، ويلزمون مزدلفة حتى يقضوا نسكهم، ويطوفون
بالصفا والمروة إذا انصرفوا من مزدلفة، ويسكنون في ظعنهم قباب
الأدم الحمر (المحبر لابن حبيب: 178-180، ثم سيرة ابن هشام 1:
211-216 / والطبري في التفسير رقم: 3840) .
(3/557)
قال: كان ناسٌ من أهل الحجاز إذا أحرموا لم
يدخلوا من أبواب بيوتهم ودخلوا من ظهورها، فنزلت:"ولكن البر من
اتقى" الآية.
3081 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في
قوله:"وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البر من
اتقى وأتوا البيوتَ من أبوابها" قال: كان المشركون إذا أحرم
الرجل منهم نَقب كُوَّة في ظهر بيته فجعل سُلَّمًا، فجعل يدخل
منها. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ومعه
رجل من المشركين، قال: فأتى الباب ليدخل، فدخل منه. قال:
فانطلق الرجل ليدخل من الكوة. قال: فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ما شأنك؟ فقال: إنّي أحمس! فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: وأنا أحمس.
3082- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: كان ناسٌ من الأنصار إذا أهلُّوا
بالعمرة لم يَحل بينهم وبين السماء شيء يتحرَّجون من ذلك، وكان
الرجل يخرج مُهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته
فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سَقف الباب أن يحول بينه
وبين السماء، فيفتح الجدار من وَرَائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر
بحاجته. فتخرج إليه من بيته، حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أهلَّ زمنَ الحديبية بالعمرة، فدخل حجرة، فدخل رجل
على أثره، من الأنصار من بني سَلِمة، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم: إنّي أحمس! قال الزهري: وكانت الحُمس لا يبالون
ذلك. فقال الأنصاري: وأنا أحمس! يقول: وأنا على دينك، فأنزل
الله تعالى ذكره:"وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظُهورها".
3084 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:"وليس البر بأن تأتوا البيوت" الآية كلها. قال
قتادة: كان هذا الحي من الأنصار في الجاهلية، إذا أهلَّ أحدُهم
بحجّ أو عمرة لا يدخلُ دارا من بابها، إلا أن يتسور حائطا
تسوُّرًا، وأسلموا وهم كذلك. فأنزل الله تعالى ذكره
(3/558)
في ذلك ما تسمعون، ونهاهم عن صنيعهم ذلك،
وأخبرهم أنه ليس من البر صنيعهم ذلك، وأمرهم أن يأتوا البيوت
من أبوابها.
3085 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"وليس البر بأن تأتوا البيوت من
ظهورها" فإن ناسا من العرَب كانوا إذا حجُّوا لم يدخلوا بيوتهم
من أبوابها كانوا يَنقبون في أدبارِها، فلما حجّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم حجة الوداع، أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو
مسلم. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس
الرجل خلفه وأبى أن يدخل، قال: يا رسول الله، إني أحمس! -
يقول: إنّي محرم - وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون"الحُمس"،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أيضا أحمس! فادخل.
فدخل الرجل، فأنزل الله تعالى ذكره:"وأتوا البيوت من أبوابها".
3086 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال، حدثني عمي،
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وليس البر بأن تأتوا
البيوت من ظُهورها ولكنّ البر من اتقى وأتوا البيوت من
أبوابها"، وأنّ رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدُهم من
عَدوِّه شيئا أحرم فأمِن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ
نَقبا من ظَهر بيته. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة كان بها رجلٌ محرم كذلك - وأنّ أهل المدينة كانوا
يُسمُّون البستان"الحُشّ" - وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دَخل بُستانًا، فدخله من بابه، ودخل معه ذلك المحرم، فناداه
رجلٌ من ورائه: يا فلان، إنك محرم وقد دخلت! فقال: أنا أحمس!
فقال: يا رسول الله، إن كنت محرما فأنا محرم، وإن كنت أحمسَ
فأنا أحمسُ! فأنزل الله تعالى ذكره:"وليس البر بأن تأتوا
البيوت من ظُهورها"، إلى آخر الآية، فأحل الله للمؤمنين أن
يدخلوا من أبوابها.
3087 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال حدثنا عبد الله بن أبي
جعفر،
(3/559)
عن أبيه، عن الربيع قوله:"وليسَ البر بأنْ
تأتوا البيوتَ من ظهورها ولكن البر مَن اتقى وأتوا البيوت من
أبوابها" قال: كان أهل المدينة وغيرُهم إذا أحرمُوا لم يدخلوا
البيوت إلا من ظهورها، وذلك أن يتسوَّرُوها، فكان إذا أحرم
أحدُهم لا يدخل البيت إلا أن يتسوّره من قِبَل ظَهره. وأن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار، فدخل
رجلٌ على أثره ممن قد أحرم، فأنكروا ذلك عليه، وقالوا: هذا رجل
فاجرٌ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب
وقد أحرمت؟ فقال: رأيتك يا رسول الله دخلتَ فدخلتُ على أثرك!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّي أحمس! - وقريش يومئذ
تُدعى الحُمس - فلما أن قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال
الأنصاري: إن ديني دينك! فأنزل الله تعالى ذكره:"وليس البر بأن
تأتوا البيوتَ من ظهورها" الآية.
3088 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، قال،
قال ابن جريج: قلت لعطاء قوله:"وليس البر بأن تأتوا البيوت من
ظهورها" قال: كان أهل الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها
ويرَوْنه برًّا، فقال:"البر"، ثم نعت"البر" وأمر بأن يأتوا
البيوت من أبوابها = قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير:
أنه سمع مجاهدا يقول: كانت هذه الآية في الأنصار، يأتون البيوت
من ظهورها، يتبرَّرُون بذلك.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: وليس البر أيها الناس بأن
تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها، ولكن البر من اتقى
الله فخافه وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها،
فأما إتيانُ البيوت من ظهورها فلا برَّ لله فيه، فأتوها من
حيثُ شئتُم من أبوابها وغير أبوابها، ما لم تعتقدوا تحريم
إتيانها من أبوابها في حال من الأحوال، فإن ذلك غيرُ جائزٍ لكم
اعتقادُه، لأنه مما لم أحرمه عليكم.
* * *
(3/560)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واتقوا الله أيها الناس،
فاحذروه وارهبوه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه، واجتناب ما
نهاكم عنه، لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه، وتدركوا به
البقاءَ في جَنَّاته والخلودَ في نعيمه.
* * *
وقد بينا معنى"الفلاح" فيما مضى قبلُ بما يدل عليه (1) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) }
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل هذه الآية.
فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال
أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من
المشركين، والكف عمن كفّ عنهم، ثم نُسخت ب"براءة".
* ذكر من قال ذلك:
3089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن
بن سعد، وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع في
قوله:"وقاتلُوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تَعتدوا إن
الله لا يحبّ المعتدين" قال: هذه أوّل آية نزلت في القتال
__________
(1) انظر ما سلف 1: 249-250.
(3/561)
بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله، ويكفُّ عمن كفّ عنه، حتى
نزلت"براءة"- ولم يذكر عبد الرحمن:"المدينة".
3090 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم" إلى آخر الآية،
قال: قد نسخ هذا! وقرأ قول الله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [سورة التوبة: 36]
، وهذه الناسخة، وقرأ: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
حتى بلغ: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى: (إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة: 1-5] .
* * *
وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال
الكفار، لم ينسخ. وإنما الاعتداءُ الذي نهاهم الله عنه، هو
نهيه عن قتل النساء والذَّراريّ. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ
حُكمه اليوم. قالوا: فلا شيء نُسخ من حكم هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
3091 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن صَدقة الدمشقي،
عن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كتبتُ إلى عمر بن عبد العزيز
أسألهُ عن قوله:"وقاتلوا في سَبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا
تعتدوا إنّ الله لا يُحب المعتدين"، قال: فكتب إليّ:"إنّ ذلك
في النساء والذريّة ومن لم يَنصِبْ لك الحرَب منهم".
3092 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى
ذكره:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم" لأصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم، أمروا بقتال الكفار.
3093- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
(3/562)
3094 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو
صالح، قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"وقاتلوا في
سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب
المعتدين" يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصِّبيان ولا الشيخ
الكبير وَلا منْ ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يَده، فإن فَعلتم
هذا فقد اعتديتم.
3095- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد
بن عبد العزيز، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديِّ بن
أرطاة:"إني وَجَدتُ آية في كتاب الله:"وقاتلوا في سبيل الله
الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين" أي: لا
تقاتل من لا يقاتلك، يعني: النساء والصبيان والرُّهبان".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بالصواب، القولُ الذي قاله
عمر بن عبد العزيز. لأن دعوى المدَّعي نَسْخَ آية يحتمل أن
تكون غيرَ منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكُّم. والتحكم
لا يعجِز عنه أحد.
* * *
وقد دَللنا على معنى"النسخ"، والمعنى الذي من قبَله يَثبت صحة
النسخ، بما قد أغنى عن إعادته في هذا الموضع (1) .
* * *
فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما وصفنا -: وقاتلوا أيها
المؤمنون في سبيل الله = وسبيلُه: طريقه الذي أوضحه، ودينه
الذي شرعه لعباده = يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي
وَعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من وَلَّى عنه واستكبر
بالأيدي والألسن، حتى يُنيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية
صَغارًا إن كانوا أهل كتاب. وأمرهم تعالى ذكره بقتال مَنْ كان
منه قتال من مُقاتِلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال (2) من
نسائهم وذراريهم، فإنهم أموال وخَوَلٌ لهم إذا غُلب المقاتلون
منهم فقُهروا، فذلك معنى قوله:"قاتلوا في سبيل الله الذين
__________
(1) انظر ما سلف 2: 471-483، وهذا الجزء 3: 385.
(2) في المطبوعة في الموضعين: "فيه قتال"، وهو خطأ.
(3/563)
يقاتلونكم" لأنه أباح الكف عمّن كف، فلم
يُقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافِّين عن قتال المسلمين من
كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صَغارا.
فمعنى قوله:"ولا تعتدوا": لا تقتلوا وليدًا ولا امرأةً، ولا من
أعطاكم الجزية من أهل الكتابَين والمجوس،"إنّ الله لا يُحب
المعتدين" الذين يجاوزون حدوده، فيستحلُّون ما حرَّمه الله
عليهم من قتل هؤلاء الذين حَرَّم قتلهم من نساء المشركين
وذراريهم (1) .
* * *
__________
(1) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 376
ثم: 573.
(3/564)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ
فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ
الْكَافِرِينَ (191)
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ
حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واقتلوا أيها المؤمنون
الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مَقاتلهم وأمكنكم
قتلهم، وذلك هو معنى قوله:"حيث ثقفتموهم".
* * *
ومعنى"الثِّقْفَة" بالأمر (1) الحِذق به والبصر، يقال:"إنه
لثَقِفَ لَقفٌ"، إذا كان جيد الحَذر في القتال، بصيرا بمواقع
القتل. وأما"التَّثْقيف" فمعنى غير هذا، وهو التقويم.
* * *
فمعنى:"واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من
قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم.
* * *
__________
(1) هذا مصدر لم أجده في كتب اللغة، وكأنه كما ضبطته بكسر
الثاء على وزن"حكمة ونشدة". والذي ذكروه: "ثقف الشيء ثقفا
وثقافا وثقوفة".
(3/564)
وأما قوله:"وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" فإنه
يُعنى بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة،
فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم - وقد
أخرجوكم من دياركم - من مساكنهم وديارهم كما أخرجوكم منها.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ
الْقَتْلِ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"والفتنة أشد من القتل"،
والشرك بالله أشدُّ من القتل.
* * *
وقد بينت فيما مضى أن أصل"الفتنة" الابتلاءُ والاختبار (1)
* * *
فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجعَ عنه فيصير
مشركا بالله من بعد إسلامه، أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يُقتل
مقيمًا على دينه متمسكا عليه، مُحقًّا فيه. كما:
3096 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"والفتنة أشدُّ
من القتل" قال: ارتداد المؤمن إلى الوَثن أشدُّ عليه من القتل.
3097- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
3098 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
عن قتادة قوله:"والفتنة أشدُّ من القتل" يقول: الشرك أشدُّ من
القتل.
__________
(1) انظر ما سلف 2: 444.
(3/565)
3099- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا
عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
3100- حدثت عن عمار بن الحسن، قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع:"والفتنة أشدُّ من القتل" يقول: الشرك أشدُّ
من القتل.
3101 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن
جويبر، عن الضحاك:"والفتنة أشدُّ من القتل" قال: الشرك.
3102- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، قال،
قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد في
قوله:"والفتنة أشدُّ من القتل" قال: الفتنة الشركُ.
3103- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال، سمعت الفضل بن خالد قال،
حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك:"والفتنة أشدُّ من القتل"
قال: الشرك أشدُّ من القتل.
3104- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله جل ذكره:"والفتنة أشدُّ من القتل" قال: فتنة الكفر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ
قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
(191) }
قال أبو جعفر: والقَرَأةُ مختلفة في قراءة ذلك.
فقرأته عامَّة قراء المدينة ومكة:"ولا تُقاتلوهم عندَ المسجد
الحرام حتى يُقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم" بمعنى: ولا
تبتدئوا - أيها المؤمنون -
(3/566)
المشركين بالقتال عند المسجد الحرام، حتى
يبدأوكم به، فإن بدأوكم به هناك عند المسجد الحرَام في الحرم،
فاقتلوهم، فإن الله جعل ثَواب الكافرين على كفرهم وأعمالهم
السيئة، القتلُ في الدنيا، والخزي الطويل في الآخرة، كما:
3105- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:"ولا تقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم
فيه" كانوا لا يُقاتلون فيه حتى يُبدأوا بالقتال، ثم نسخ بعدُ
ذلك فقال:"وَقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" = حتى لا يكون شركٌ
="ويكون الدين لله" = أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل
نبيُّ الله، وإليها دعا.
3106- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا
همام، عن قتادة:"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم
فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه
وسلم أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوا فيه
بقتال، ثم نسخ الله ذلك بقوله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ
الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
[سورة التوبة: 5] فأمر الله نبيَّه إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم
في الحِلِّ والحرَم وعند البيت، حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله، وأنّ محمدا رسولُ الله.
3107- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر،
عن أبيه، عن الربيع قوله:"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى
يقاتلوكم فيه" فكانوا لا يقاتلونهم فيه، ثم نسخ ذلك بعدُ
فقال:"قاتلوهم حتى لا تكون فتنة".
* * *
وقال بعضُهم: هذه آيةٌ محكمة غيرُ منسوخة.
* ذكر من قال ذلك:
3108- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن قاتلوكم" في الحرم فَاقتلوهم كذلك
جزاءُ الكافرين، ل
(3/567)
اتقاتل أحدا فيه، فمن عَدا عليك فقاتلك
فقاتِله كما يقاتلك.
* * *
وقرأ ذلك عُظْم قراء الكوفيين:"ولا تَقْتلوهم عند المسجد
الحرامَ حتى يَقْتلوكم فيه فإن قَتلوكم فاقتلوهم" بمعنى: ولا
تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به.
* ذكر من قال ذلك:
3109 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن
بن أبي حماد، عن أبي حماد، عن حمزة الزيات قال: قلت للأعمش:
أرأيت قراءتك:"ولا تَقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يَقتلوكم
فيه فإن قَتلوكم فاقتلوهم كذلك جَزاءُ الكافرين فإن انتهوا فإن
الله غفورٌ رَحيم"، إذا قَتلوهم كيف يقتلونهم؟ قال: إن العرب
إذا قُتل منهم رجل قالوا:"قُتلنا"، وإذا ضُرب منهم رجل
قالوا:"ضربنا" (1) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هاتين القراءتين بالصواب، قراءةُ من
قرأ:"ولا تُقاتلوهم عند المسجد الحرامَ حتى يقاتلوكم فيه فإن
قاتلوكم فاقتلوهم" لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيَّه صلى
الله عليه وسلم وأصحابه في حالٍ = إذا قاتلهم المشركون =
بالاستسلام لهم حتى يَقتلوا منهم قتيلا بعد ما أذن لَهُ ولهم
بقتالهم، فتكونَ القراءة بالإذن بقتلهم بعد أن يَقتلوا منهم،
أولى من القراءة بما اخترنا. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنه
قد كان تعالى ذكره أذِن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من
المشركين قَبل أن يقتلوا منهم قتيلا وبعد أن يقتلوا منهم
قتيلا.
وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله:"وقاتلوهم حتى لا
تكون فتنة"،
__________
(1) الخبر: 3109- عبد الرحمن بن أبي حماد سكين الكوفي: ترجمه
ابن الجزري في طبقات القراء 1: 369-370، وذكر أنه أخذ القراءة
عن حمزة الزيات، "وهو أحد الذين خلفوه في القيام بالقراءة".
وأما شيخه -في هذا الإسناد-"أبو حماد": فلا ندري من هو؟ والظن
أنه زيادة خطأ من الناسخين. وهكذا ظن أخي السيد محمود، أيضًا.
(3/568)
فَإِنِ انْتَهَوْا
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)
وقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة: 5] ونحو ذلك من الآيات.
* * *
وقد ذكرنا بعضَ قول من قال هي منسوخة، وسنذكر قول من حضرنا
ذكرُه ممن لم يُذكر.
3110 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قتادة:"ولا تُقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى
يقاتلوكم فيه" قال: نسخها قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .
3111- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله:"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه" قال:
حتى يبدأوكم، كان هذا قد حُرِّم فأحل الله ذلك له، فلم يزل
ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعدُ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) }
قال أبوجعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الذين
يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله، فتركوا ذلك وتابوا،"فإن
الله غفور" لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى الله من
معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مَضت ="رحيم" به في آخرته
بفضله عليه، وإعطائه ما يعطى أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى
محبته من معصيته. كما:
3112 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن انتهوا" = فإن تابوا ="فإن الله
غفورٌ رَحيم".
* * *
(3/569)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ
انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ لِلَّهِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة = يعني:
حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ
عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله
وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة فيما:
3113- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك.
3114- حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال،
أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وقاتلوهم حَتى لا تكون فتنة"
قال: حتى لا يكون شرك.
3115 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"
قال: الشرك"ويكون الدِّين لله".
3116- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
3117 - حدثني موسى بن هارون، قال، حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثنا أسباط، عن السدي:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: أما
الفتنة فالشرك.
3118 - حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي،
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وقاتلوهم حتى لا
تكونَ فتنة"، يقول: قاتلوا حتى لا يكون شِرك.
(3/570)
3119 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا
ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وقاتلوهم حَتى لا تكونَ
فتنة" أي شركٌ.
3120- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ
(تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [سورة الفتح: 16] .
3121- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال،
حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" يقول: شركٌ.
* * *
وأما"الدين"، الذي ذكره الله في هذا الموضع (1) فهو العبادة
والطاعة لله في أمره ونهيه، من ذلك قول الأعشى:
هُوَ دَانَ الرِّبَابَ، إِذْ كَرِهُوا الدِّي ... نَ، دِرَاكًا
بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ (2)
يعني بقوله:"إذ كرهوا الدين"، إذ كرهوا الطاعة وأبوْها.
* * *
__________
(1) انظر معنى"الدين" فيما سلف 1: 155، 221.
(2) ديوانه: 12 وسيأتي في التفسير 3: 141 (بولاق) ، قالها في
مدح الأسود بن المنذر اللخمي، أخي النعمان بن المنذر لأمه، وأم
الأسود من تيم الرباب. هذا قول أبي عبيدة، والصواب ما قال
غيره: أنه قالها في مدح المنذر بن الأسود، وكان غزا الحليفين
أسدا وذبيان، ثم أغار على الطف، فأصاب نعما وأسرى وسبيا من رهط
الأعشى بني سعد بن ضبيعة بن ثعلبة، والأعشى غائب. فلما قدم وجد
الحي مباحا. فأتاه فأنشده، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم،
ففعل.
والرباب (بكسر الراء) هم بنو عبد مناة بن أد: تيم وعدي وعوف
وثور، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة بن أد، على بني عمهم
تميم بن أد. فجاؤوا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا فيه أيديهم،
فسموا"الرباب"، ثم خرجت ضبة عنهم، واكتفت بعددها.
وقوله: "دان الرباب" أي أذلهم واستعبدهم وحملهم على الطاعة.
وقوله: "دراكا"، متتابعا يدرك بعضه بعضا. والصيال: السطرة. صال
على عدوه: وثب عليه وسطا. يقول تابع غزوهم والسطو حتى دانو
بالطاعة.
(3/571)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
3122- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع:"ويكونَ الدِّينُ لله" يقول: حتى لا يُعبد إلا
الله، وذلك"لا إله إلا الله"، عليه قاتل النبيُّ صلى الله عليه
وسلم وإليه دعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنّي أمرتُ أن
أقاتِل الناسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة،
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عَصموا مني دماءهم وأموالهم
إلا بحقِّها وحسابهم على الله".
3123- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة:"ويكون الدِّينُ لله" أن يقال:"لا إله إلا الله". ذُكِر
لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"إنّ الله
أمرَني أن أقاتِل الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله". ثم ذكر
مثل حديث الربيع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ
إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن انتهوا" فإن انتهى
الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودَخلوا في ملّتكم،
وأقرُّوا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من
عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداءَ عليهم وقتالَهم وجهادَهم، فإنه
لا ينبغي أن يُعتدى إلا على الظالمين -وهم المشركون بالله،
والذين تركوا عبادته وعبدوا غيرَ خالقهم.
* * *
(3/572)
فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على
الظالم فيقال:"فَلا عُدوان إلا على الظالمين"؟ (1) .
قيل: إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبتَ، وإنما
ذلك على وَجه المجازاة، لما كان من المشركين من الاعتداء،
يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما يقال:"إن تَعاطيتَ
منّي ظلما تعاطيته منك"، والثاني ليس بظلم، كما قال عمرو بن
شأس الأسديّ:
جَزَيْنَا ذَوِى العُدْوَانِ بِالأمْسِ قَرْضَهُمْ ...
قِصَاصًا، سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ (2)
وإنما كان ذلك نظير قوله: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [سورة
البقرة: 15] و (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ
مِنْهُمْ) [سورة التوبة: 79] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما
مَضى قبلُ (3) .
* * *
وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
3124 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:"فلا عُدوان إلا على الظالمين" والظالم الذي أبى أن
يقول:"لا إله إلا الله".
3125 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي
جعفر، عن أبيه، عن الربيع."فلا عُدوان إلا على الظالمين" قال:
هم المشركون.
3126 - حدثني المثنى، قال، ثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان
بن غياث، قال، سمعت عكرمة في هذه الآية:"فلا عدوان إلا على
الظالمين"،
__________
(1) انظر معنى"العدوان" فيما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 376،
564.
(2) لم أجد البيت، وشعر عمرو بن شأس على كثرته وجودته، قد ضاع
أكثره.
(3) انظر ما سلف 1: 301-306.
(3/573)
قال: هُم من أبى أن يقول:"لا إله إلا
الله".
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:"فلا عدوان إلا على الظالمين" فلا تقاتل
إلا من قاتل.
* ذكر من قال ذلك:
3127 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا
على الظالمين" يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
3128- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3129 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط،
عن السدي، قال:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين" فإنّ
الله لا يحب العُدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول:
اعتدُوا عليهم بمثل ما اعتدوْا عليكم.
* * *
قال أبو جعفر: فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في
قوله:"فإن انتهوْا فلا عُدوان إلا على الظالمين" لا يجوز أن
يقول:"فإن انتهوا" إلا وقد علم أنهم لا يَنتهون إلا بعضهم،
فكأنه قال: فإن انتهى بعضُهم، فلا عُدوان إلا على الظالمين
منهم، فأضمر كما قال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة:
196] يريد: فعليه ما استيسر من الهدي، وكما يقول:"إلى مَن تقصد
أقصد" يعني: إليه.
وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله: فإن انتهوا فإن الله
غفورٌ رحيم لمن انتهى، ولا عُدوان إلا على الظالمين الذين لا
ينتهون.
* * *
(3/574)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ
بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
القول في تأويل قوله تعالى: {الشَّهْرُ
الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"الشهر الحرام بالشهر
الحرام" ذا القعدة، وهو الشهر الذي كان رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم اعتمر فيه عُمرة الحديبية، فصدّه مشركو أهل مكة عن
البيت ودخول مكة، سنة ست من هجرته، وصالح رسول الله صلى الله
عليه وسلم المشركين في تلك السنة، على أن يعود من العام
المقبل، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا، فلما كان العامُ المقبل، وذلك
سنة سبع من هجرته، خرج معتمرا وأصحابه في ذي القَعدة - وهو
الشهر الذي كان المشركون صدُّوه عن البيت فيه في سنة ست- وأخلى
له أهل مكة البلد حتى دخلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،
فقضى حاجته منها، وأتم عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج منها
منصرفا إلى المدينة، فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه
وسلم وللمسلمين مَعه"الشهرُ الحرام" = يعني ذا القَعدة، الذي
أوصَلكم الله فيه إلى حَرمَه وبيته، على كراهة مشركي قُريش
ذلك، حتى قضيتم منه وَطَركم ="بالشهر الحرام"، الذي صدكم مشركو
قريش العامَ الماضيَ قَبله فيه حتى انصرفتم عن كره منكم عن
الحرم، فلم تدخلوه، ولم تصلوا إلى بيت الله، فأقصَّكم الله
أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على
كره منهم لذلك، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصدّ
والمنْع من الوصول إلى البيت. كما:
3130 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف -
يعني: ابن خالد السَّمْتيّ - قال، حدثنا نافع بن مالك، عن
عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"والحرمات قصاص" قال: هم المشركون،
حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم
(3/575)
في ذي القَعدة، فَرَجَعه الله في ذي
القَعدة فأدخله البيتَ الحرام، فاقتص له منهم (1) .
3131 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه:"الشهرُ
الحرامُ بالشهر الحرام والحُرماتُ قِصَاص" قال: فخرت قريش
بردِّها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم الحُديبية محرِما
في ذي القَعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة في العام
المقبل من ذي القَعدة، فقضى عُمرته، وأقصَّه بما حيل بينه
وبينها يوم الحديبية.
3132- حدثني المثنى قال، حدثني أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3133 - حدثنا بشر بن معاذ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
عن قتادة قوله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات
قِصَاص" أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتمروا
في ذي القَعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدّهم
المشركون، فصالحهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع
من عامه ذلك، حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاثة أيام
ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج، ولا يخرج بأحد من أهل مكة،
فنحروا الهدْي بالحديبية، وحلَّقوا وَقصَّروا. حتى إذا كان من
العام المقبل، أقبل نبيُّ الله وأصحابه حتى دخلوا مكة،
فاعتمروا في ذي القَعدة، فأقاموا بها ثلاث ليال، فكان المشركون
قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فأقصَّه الله منهم،
فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القَعدة،
فقال الله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص".
__________
(1) الخبر: 3130- محمد بن عبد الله بن بزيع -بفتح الباء
الموحدة وكسر الزاي- شيخ الطبري: ثقة، وثقه أبو حاتم وغيره،
وروى عنه مسلم في صحيحه. وقد مضى مثل هذا الإسناد، ولكن حرف
فيه اسم جده إلى"زريع"، وذكرنا أنه غير معروف، واحتمال أن يكون
صوابه"بن بزيغ" في: 2451- فقد تبين الصواب هنا.
يوسف بن خالد السمتي: ضعيف جدا كذاب، كما ذكرنا في ذاك
الإسناد، ووقع في المطبوعة هنا"السهمي"، بدل"السمتي". وهو خطأ.
(3/576)
3134 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وعن عثمان، عن مقسم
في قوله:"الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص" قالا
كان هذا في سَفر الحديبية، صدَّ المشركون النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضوا المشركين يومئذ
قضيّة: (1) أنّ لكم أن تعتمروا في العام المقبل - في هذا الشهر
الذي صدُّوهم فيه، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرًا حرامًا
يعتمرون فيه، مكانَ شهرهم الذي صُدُّوا، فلذلك قال:"والحُرمات
قصَاص".
3135 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثنا أسباط، عن السدي:"الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات
قِصَاص" قال: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمرة
الحديبية في ذي القعدة سنة ستٍّ من مُهاجَره، صدَّه المشركون
وأبوا أن يتركوه، ثم إنهم صالحوه في صُلحهم على أن يُخْلوا له
مكة من عام قابل ثلاثةَ أيام، يخرجون ويتركونه فيها، فأتاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خَيْبر من السنة
السابعة، فخَلَّوْا له مكة ثلاثة أيام، فنكح في عُمرته تلك
مَيمونة بنت الحارث الهلالية.
3136 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير عن
جويبر، عن الضحاك في قوله:"الشهرُ الحرَام بالشهر الحرام
والحرماتُ قِصاص"، أحصَرُوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذي
القَعدة عن البيت الحرام (2) فأدخله الله البيت الحرامَ العامَ
المقبلَ، واقتصَّ له منهم، فقال:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام
والحُرمات قصاص".
3137 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي
جعفر،
__________
(1) قاضي الرجل يقاضيه قضاء وقضية. حاكمه في مخاصمة، وانتهى
معه إلى قضاء فصل وحكم يتراضيانه. وفي صدر صلح الحديبية: "هذا
ما قاضى عليه محمد" أي صالح. وبذلك سميت عمرة الحديبية
هذه"عمرة القضية"، و"عمرة الصلح.
(2) أحصره المرض وغيره: منعه وحبسه.
(3/577)
عن أبيه، عن الربيع، قال: أقبل نبي الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرَموا بالعمرة في ذي القَعدة
ومعهم الهدْي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فصالحهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ذلك العامَ حتى يرجع
العامَ المقبل، فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من
أهل مكة. فنحروا الهديَ بالحديبية وحلَّقوا وقصَّروا. حتى إذا
كانوا من العام المقبل، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، وأقاموا بها ثلاثة
أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية،
فقاصَّ الله له منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا
ردُّوه فيه في ذي القعدة. قال الله جل ثناؤه:"الشهرُ الحرام
بالشهر الحرام والحرمات قصاص".
3138- حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي،
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"والحُرمات قصاص"
فهم المشركون، كانوا حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي
القعدة عن البيت، ففخروا عليه بذلك، فرجعه الله في ذي القعدة،
فأدخله الله البيت الحرام واقتصَّ له منهم.
3139 - حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام" حتى فرغ من الآية، قال:
هذا كله قد نُسخ، أمرَه أن يجاهد المشركين. وقرأ: (وَقَاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)
[سورة التوبة: 36] وقرأ: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ
مِنَ الْكُفَّارِ) [سورة التوبة: 123] العرب، فلما فرغ منهم،
قال الله جل ثناؤه: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) حتى بلغ قوله: (وَهُمْ
صَاغِرُونَ) [سورة التوبة: 29] قال: وهم الروم. قال: فوَجَّه
إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3140 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال،
حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية:"الشهرُ
الحرامُ بالشهر الحرام
(3/578)
والحرماتُ قصاص" قال: أمركم الله بالقصاص،
[ويأخذ] منكم العدوان (1) .
3141 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن
ابن جريج، قال، قلت لعطاء، وسألته عن قوله:"الشهر الحرام
بالشهر الحرام والحُرمات قصاص" قال: نزلت في الحديبية، مُنعوا
في الشهر الحرام، فنزلت:"الشهر الحرام بالشهر الحرام": عمرة في
شهر حرام، بعمرة في شهر حرام.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القَعدة"الشهرَ
الحرام"، لأن العرب في الجاهلية كانت تحرِّم فيه القتال
والقتل، وتضع فيه السلاح، ولا يقتل فيه أحدٌ أحدًا، ولو لقي
الرجل قاتل أبيه أو ابنه. وإنما كانوا سموه"ذا القَعدة"
لقعودهم فيه عن المغازي والحروب، فسماه الله بالاسم الذي كانت
العرب تُسمِّيه به.
* * *
وأما"الحرمات" فإنها جمع"حُرْمة"،"كالظلمات"
جمع"ظلمة"،"والحجرات" جمع"حُجرة". وإنما قال جل
ثناؤه:"والحرمات قصاص" فجمع، لأنه أراد: الشهرَ الحرام، والبلد
الحرام وحُرمة الإحرام.
* * *
فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه: دخولكم الحرَم،
بإحرامكم هذا، في شهركم هذا الحرام، قصاصُ مما مُنعتم من مثله
عامَكم الماضي، وذلك هو"الحرمات" التي جعلها الله قصَاصًا.
* * *
وقد بينا أن"القصاص" هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو
البَدن، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل (2) .
* * *
__________
(1) ما بين القوسين هكذا في الأصل. ولم أجد الخبر في مكان. وهو
خطأ لا شك فيه، أو بين الكلامين خرم لم أتبينه. والمعنى على كل
حال: أمركم الله بالقصاص، وكره منكم العدوان، أي أمرهم أن
يقتصوا ولا يعتدوا. هذا ما أرجحه إن شاء الله.
(2) انظر ما سلف في هذا الجزء 3: 357-366.
(3/579)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله:"فمن
اعتدَى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".
فقال بعضهم بما:
3142- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال،
حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس
قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" فهذا
ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل، وليس لهم سلطانٌ يقهرُ
المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله
المسلمين، مَنْ يجازي منهم أن يجازِيَ بمثل ما أُتي إليه أو
يصبر أو يعفوَ فَهو. أمثل فلما هاجر رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة، وأعزّ الله سلطانه أمرَ المسلمين أن ينتهوا
في مظالمهم إلى سُلطانهم، وأن لا يعدوَ بعضهم على بعض كأهل
الجاهلية.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن قاتلكم أيها المؤمنون من
المشركين، فقاتلوهم كما قاتلوكم. وقالوا: أنزلت هذه الآية على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وبعد عُمرة القضيَّة.
* ذكر من قال ذلك:
3143 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قال: قال مجاهد:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم" فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.
* * *
قال أبو جعفر: وأشبه التأويلين بما دلّ عليه ظاهر الآية، الذي
حُكي عن
(3/580)
مجاهد، لأن الآيات قبلها إنما هي أمرٌ من
الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله:"وقاتلوا في
سبيل الله الذين يُقاتلونكم" والآيات بعدها، وقوله:"فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه" إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمرُ
بالقتال والجهاد، واللهُ جل ثناؤه إنما فرض القتال على
المؤمنين بعد الهجرة.
فمعلوم بذلك أن قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم" مدنيّ لا مكيّ، إذ كان فرضُ قتال المشركين لم يكن
وَجَب على المؤمنين بمكة، وأنّ قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه بمثل ما اعتدى عليكم" نظيرُ قوله:"وقاتلوا في سبيل الله
الذين يقاتلونكم" وأن معناه: فمن اعتدى عليكم في الحَرم
فقاتَلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله
إياكم، لأني قد جعلتُ الحُرمات قصاصًا، فمن استحلّ منكم أيها
المؤمنون من المشركين حُرْمةً في حَرَمي، فاستحلوا منه مثله
فيه.
وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرَم ابتداءً
في الحرم وقوله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [سورة
التوبة: 36]
* * *
... (1) على نحو ما ذكرنا، من أنه بمعنى: المجازاة وإتباع لفظٍ
لفظًا، وإن
__________
(1) وضعت هذه النقط، وفصلت بين قوله: "وقاتلوا المشركين كافة"
وقوله: "على نحو ما ذكرنا" لوجود خرم لا شك فيه. فإنه سيقول
بعد أسطر: "والآخر: أن يكون بمعنى العدو". فهو بصدد تفسير
قوله: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، من
جهة اللغة. ولا صلة بين كلامه في الآية أهي منسوخة أم غير
منسوخة. وقوله: "والآخر" دليل على أنه يذكر وجهين من
تفسير"اعتدى" أهي من"العدوان"، أم من"العدو". وكأن كلام الطبري
في موضع هذا الخرم كان:
[وأما قوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) . ففي"الاعتداء" وجهان من
التأويل:
أحدهما: أن يكون"الاعتداء" من"العُدْوَان"، وَهوَ مجاوزة الحدّ
ظُلْمًا وَبغيًا. ويكون معنى الآية: فمن جاوز حدّه ظُلْمًا
وَبغيًا، فقاتلكم في الشهر الحرام فكافِئُوه بمثل ما فعل بكم،
على نحو ما ذكرنا من أنه. .]
هذا ما استظهرته من تفسير الطبري فيما سلف 2: 307، وهذا الجزء
3: 375، 376، 564، 573 ثم يبقى خرم قبل ذلك في كلامه عن الآية،
منسوخة هي أم غير منسوخة.
(3/581)
اختلف معنياهما، كما قال: (وَمَكَرُوا
وَمَكَرَ اللَّهُ) [سورة آل عمران: 54] وقد قال:
(فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) [سورة
التوبة: 79] وما أشبه ذلك مما أتبع لفظٌ لفظًا واختلف المعنيان
(1) .
* * *
والآخر: أن يكون بمعنى"العدو" الذي هو شدٌّ ووثوب. من قول
القائل:"عدا الأسد على فَريسته". فيكون معنى الكلام: فمن عَدا
عليكم - أي فمن شد عليكم وَوثب - بظلم، فاعدوا عليه - أي
فشُدُّوا عليه وثبُوا نحوَه - قصاصًا لما فعل عليكم لا ظلمًا.
ثم تُدخل"التاء""في عدا"، فتقال:"افتعل" مكان"فعل"، كما
يقال:"اقترب هذا الأمر" بمعنى"قرب"، و"اجتلب كذلك" بمعنى"جَلب"
وما أشبه ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: واتقوا الله أيها المؤمنون
في حُرُماته وحدوده أن تعتَدُوا فيها، فتتجاوزوا فيها ما
بيَّنه وحدَّه لكم، واعلموا أن الله يُحب المتقين، الذين
يتقونه بأداء فَرائضه وتجنب محارمه.
* * *
__________
(1) انظر ما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 3: 375، 376، 564، 573.
(3/582)
وَأَنْفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (195)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (195) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، ومن عَنى
بقوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
فقال بعضهم: عنى بذلك:"وأنفقوا في سبيل الله" - و"سبيل الله"
(1) طريقه الذي أمر أن يُسلك فيه إلى عدوِّه من المشركين
لجهادهم وَحرْبهم ="ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" - يقول:
ولا تتركوا النفقة في سبيل الله، فإن الله يُعوِّضكم منها
أجرًا ويرزقكم عاجلا (2) .
* ذكر من قال ذلك:
3144 - حدثني أبو السائب سلم بن جُنادة والحسن بن عرفة قالا
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سفيان، عن حذيفة:"ولا تُلقوا
بأيديكم إلى التهلكة" قال: يعني في ترك النفقة.
3145- حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
شعبة = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن
الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة = وحدثني محمد بن خلف العسقلاني
قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الأعمش =
وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان،
عن عاصم = جميعا، عن شقيق، عن حذيفة، قال: هو ترك النفقة في
سبيل الله.
__________
(1) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 2: 497، وهذا الجزء 3:
564.
(2) هكذا في المطبوعة: "أجرًا" وأخشى أن تكون محرفة عن"آجلا"،
ليكون السياق مطردا على وجهه، وذلك أحب إلي.
(3/583)
3146- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن
جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن عبد الله بن
عباس أنه قال في هذه الآية:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
قال: تنفق في سبيل الله، وإن لم يكن لك إلا مِشْقَصٌ - أو:
سَهمٌ - شعبة الذي يشك في ذلك (1) .
3147- حدثنا ابن المثنى، قال، حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن
منصور، عن أبي صالح الذي كان يحدث عنه الكلبي، عن ابن عباس
قال: إن لم يكن لَكَ إلا سَهم أو مشقصٌ أنفقته.
3148- حدثني ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن
أبي صالح، عن ابن عباس:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال:
في النفقة.
3149- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن
عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى
التهلكة"، قال: ليس التهلكة أن يُقتل الرجل في سبيل الله، ولكن
الإمساك عن النفقة في سبيل الله.
3150 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة، قال: نزلت في النفقات في سبيل
الله، يعني قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
3151- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن وهب، قال،
أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه
الآية:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التَّهلكة" قال: كان القوم في
سبيل الله، فيتزوَّد الرجل، فكان أفضل زادًا من الآخر. أنفقَ
البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء، أحبَّ أن
__________
(1) المشقص: نصل السهم، إذا كان طويلا غير عريض.
(3/584)
يواسيَ صاحبه، فأنزل الله:"وأنفقوا في سبيل
الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
3152- حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا
شيبان، عن منصور بن المعتمر، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن ابن
عباس في قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: لا
يقولنَّ أحدكم إنّي لا أجد شيئًا، إن لم يجد إلا مشقصا
فليتجهَّز به في سبيل الله.
3153 - حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا المعتمر،
قال: سمعت داود - يعني: ابنَ أبي هند - عن عامر: أن الأنصارَ
كان احتبس عليهم بعضُ الرزق، وكانوا قد أنفقوا نَفقاتٍ، قال:
فَساءَ ظنُّهم (1) وأمسكوا. قال: فأنزل الله:"وأنفقوا في سَبيل
الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: وكانت التهلكة سوء
ظنهم وإمساكهم.
3154 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل =
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ولا تُلقوا بأيديكم
إلى التهلكة" قال: تمنعكم نَفقةً في حقٍّ خيفةُ العَيْلة (2) .
3155 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:"وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى
التهلكة" قال: وكان قتادة يحدِّث أن الحسن حَدَّثه -: أنهم
كانوا يُسافرون ويَغزُون ولا ينفقون من أموالهم = أو قال: ولا
ينفقون في ذلك = فأمرهم الله أن يُنفقوا في مَغازيهم في سبيل
الله.
__________
(1) قوله: "ساء ظنهم"، أي خامرتهم الظنون السيئة القبيحة،
وشكوا. والعرب تستعمل"ساء ظنه" في مواضع كثيرة للدلالة على
معاني مختلفة، وقد بينت ذلك في مجلة الرسالة، العدد: 910 (20
صفر سنة 1370، ديسمبر 1950) وفي طبقات فحول الشعراء: 510،
تعليق: 1.
(2) عال الرجل يعيل عيلا وعيلة: افتقر. وفي كتاب الله:
(وَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) العائل: الفقير المحتاج.
(3/585)
3156 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا
عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"ولا تُلقوا
بأيديكم إلى التهلكة" يقول: لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في
سبيل الله.
3157 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثنا أسباط، عن السدي:"وأنفقوا في سبيل الله" = أنفق في سبيل
الله ولو عقالا ="ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" - تقول: ليس
عندي شيء (1) .
3158 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا زهير قال،
حدثنا خصيف، عن عكرمة في قوله:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
قال: لما أمر الله بالنفقة، فكانوا - أو بَعضُهم - يقولون:
ننفق فيذهبُ مالنا ولا يبقى لما شيء! قال: فقال: أنفقوا ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، قال: أنفقوا وأنا أرزقكم.
3159 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم،
عن يونس، عن الحسن، قال: نزلت في النفقة.
3160 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا ابن همام
الأهوازي، قال، أخبرنا يونس، عن الحسن في"التهلكة" قال: أمرهم
الله بالنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن تَرك النفقة في سبيل
الله التهلكة.
3161 - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله:"وأنفقوا في سبيل الله ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: يقول: أنفقوا في سبيل الله ما
قل وكثر - قال: وقال لي عبد الله بن كثير: نزلت في النفقة في
سبيل الله.
3162- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي
__________
(1) العقال: الحبل الذي يعقل به البعير، أي يشد به وظيفه مع
ذراعه، حتى لا يقدر على الحركة.
(3/586)
صالح، عن ابن عباس، قال: لا يقولنّ الرجل
لا أجد شيئا! قد هَلكتُ! فليتجهَّز ولو بمشقَص.
3163- حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي قال، حدثنى عمي، قال،
حدثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وأنفقوا في سبيل الله
ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يقول: أنفقوا مَا كان من قليل
أو كثير. ولا تستسلموا ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا.
3164- حدثني المثنى، قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن
جويبر، عن الضحاك، قال:"التهلكة": أن يمسك الرجل نفسه وماله عن
النفقة في الجهاد في سبيل الله.
3165- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن
يونس، عن الحسن في قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"،
فتدعوا النفقة في سبيل الله.
* * *
وقال آخرون ممن وجَّهوا تأويل ذَلك إلى أنه معنيَّة به النفقة:
معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة.
* ذكر من قال ذلك:
3166- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله:"وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
قال: إذا لم يكن عندك ما تنفق، فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا
قوة: فتلقي بيدَيك إلى التهلكة.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: أنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم
- فيما أصبتم من الآثام - إلى التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله،
ولكن ارجوا رَحمته واعملوا الخيرات.
(3/587)
* ذكر من قال ذلك:
3167 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن
أبي إسحاق، عن البراء بن عازب في قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى
التهلكة" قال: هو الرجل يُصيبُ الذنوبَ فيُلقي بيده إلى
التهلكة، يقول: لا توبة لي.
3168- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا
أبو إسحاق، عن البراء، قال: سأله رجل: أحْمل على المشركين
وَحدي فيقتلوني، أكنت ألقيتُ بيدي إلى التهلكة؟ فقال: لا إنما
التهلكة في النفقة. بعثَ الله رسوله، فقال: (فَقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ) [سورة النساء:
84] .
3169- حدثنا الحسن بن عرفة وابن وكيع، قالا حدثنا وكيع بن
الجراح، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن
عازب في قول الله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: هو
الرجل يُذنب الذنبَ فيقول: لا يغفر الله لهُ.
3170- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء = وسأله رجل فقال: يا
أبا عُمارة، أرأيتَ قول الله:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"،
أهو الرجل يتقدم فيقاتل حَتى يُقتل؟ = قال: لا ولكنه الرجل
يعمل بالمعاصي، ثم يلقي بيده ولا يتوب.
3171- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا
الحسين، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، وسأله رَجل فقال:
الرجلُ يحمل على كتيبةٍ وحده فيقاتل، أهو ممن ألقى بيده إلى
التهلكة؟ فقال: لا ولكن التهلكة أن يُذنب الذنبَ فيلقي بيده،
فيقول: لا تقبل لي توبة.
3172- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن الجراح، عن أبي
إسحاق، قال: قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة، الرجل يَلقى
ألفًا من العدو فيحمل عليهم، وإنما هو وحده، أيكون ممن
قال:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"؟
(3/588)
فقال: لا ليقاتل حتى يُقتل! قال الله لنبيه
صلى الله عليه وسلم: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا
تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ) .
3173 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال، أخبرنا يزيد، قال، أخبرنا
هشام = وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام = عن محمد
قال: وسألت عبيدة عن قول الله:"وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة" الآية. فقال عبيدة: كان الرجل يذنب
الذنبَ - قال: حسبْته قال: العظيم - فيلقي بيده فيستهلك = زاد
يعقوب في حديثه: فنُهوا عن ذلك، فقيل:"أنفقوا في سبيل الله ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
3174- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا
هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن ذلك، فقال:
هو الرجل يذنب الذنبَ فيستسلم، ويلقي بيده إلى التهلكة، ويقول:
لا توبة له! يعني قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
3175- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال، أخبرنا أيوب، عن
محمد، عن عبيدة في قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال:
كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده.
3176- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن
سيرين، عن عبيدة:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال:
القُنوط.
3177- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم،
عن يونس وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: هو
الرجل يذنب الذنب فيستسلم، يقول: لا توبة لي! فيلقي بيده.
3178- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال،
أخبرنا معمر، قال، حدثني أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه
قال: هي في الرجل يصيبُ الذنبَ العظيم فيلقي بيده، ويَرى أنه
قد هلك.
* * *
(3/589)
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل
الله، ولا تتركوا الجهاد في سبيله.
* ذكر من قال ذلك:
3179 - حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، أخبرني حَيْوَة،
عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: غَزونا المدينة،
يريد بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عُقبة بن عامر، وعلى الجماعة
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قال: فصففنا صفَّين لم أر صَفين
قط أعرضَ ولا أطولَ منهما، والروم مُلصقون ظهورهم بحائط
المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مَهْ! لا
إله إلا الله، يلقي بيده إلى التهلكة! قال أبو أيوب الأنصاري:
إنما تتأوّلونَ هذه الآية هكذا، أنْ حَمل رجلٌ يُقاتل يلتمس
الشهادة، أو يُبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا مَعشرَ
الأنصار! إنا لما نَصرَ الله نبيه وأظهرَ الإسلام، قُلنا
بَيننا معشرَ الأنصار خَفيًّا من رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها
حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها! فأنزل الله
الخبرَ من السماء:"وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم
إلى التهلكة" الآية، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نُقيم
في أموالنا ونُصلحها، وندعُ الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل
أبو أيوب يُجاهدُ في سبيل الله حتى دُفن بالقسطنطينية (1) .
3180- حدثني محمد بن عمارة الأسدي، وعبد الله بن أبي زياد قالا
حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، قال، أخبرني حيوة وابن
لهيعة، قالا حدثنا يزيد بن أبي حبيب، قال، حدثني أسلم أبو
عمران مولى تُجِيب، قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة
بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله
__________
(1) الحديث: 3179- حيوة: هو ابن شريح. أسلم أبو عمران: نسبه
التهذيب بأنه"أسلم بن يزيد" وهو تابعي ثقة، كان وجيها بمصر.
وهو مولى تجيب. وسيأتي تخريج الحديث، في الرواية التالية.
(3/590)
عليه وسلم، وعلى أهل الشام فَضالة بن عبيد
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صفٌّ عظيم
من الروم، قال: وصففنا صفًّا عظيمًا من المسلمين، فحمل رجل من
المسلمين على صَفّ الروم حتى دخلَ فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا
فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام
أبو أيوب الأنصاري صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما
أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار! إنا لما أعزّذ الله دينه
وكثَّر ناصريه، قلنا فيما بيننا بعضُنا لبعض سرًّا من رسول
الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، فأصلحنا ما
ضَاع منها! فأنزل الله في كتابه يرُدُّ علينا ما هممنا به،
فقال:"وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"،
بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا
بالغزو. فما زال أبو أيوب غازيًا في سبيل الله حتى قبضَه الله
(1) .
* * *
__________
(1) الحديث: 3180- أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ:
ثقة معروف، من شيوخ أحمد والبخاري، وكان إماما في الحديث،
مشهورا في القراءات، أقرأ القرآن بالبصرة 36 سنة، ثم بمكة 35
سنة. وهو مولى آل عمر بن الخطاب. ووهم ابن حزم فيه وهمًا
عجيبًا، فأخطأ خطأ طريفا: جعله عربيا حميريا، ثم من"بني سبيع"!
ثم نسبه إلى حي زعم أن اسمه"مقر"، بضم الميم وسكون القاف! فقال
في جمهرة الأنساب، ص: 409"ومن ولد سبيع المذكور: مقر، حي ضخم،
إليه ينسب عبد الله بن يزيد المقري (يعني بدون همزة) ، ولم يكن
مقرئا للقراءات، وإنما كان محدثا"!! وأخطأ ابن حزم وشبه له،
فأتى بقبيلة لم يذكرها أحد قط - فيما نعلم. وإنما انتقل نظره
إلى شيء آخر بعيد، إلى"عبد الرحمن بن عبد القاري" بتشديد الياء
دون همزة، من ولد"القارة بن الديش". وهو تابعي، ولم يك مقرئا.
فإلى هذا ذهب وهمه. ثم لا ندري كيف وضع القبيل الذي اخترعه،
في"بني سبيع"!!
ووقع في المطبوعة هنا"ثنا أبو عبد الرحمن عن عبد الله بن
يزيد". وهو خطأ في زيادة"عن". و"أبو عبد الرحمن" كنية"عبد الله
بن يزيد"، ليس راويا آخر.
والحديث رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 599، عن عبد الله بن
المبارك، عن حيوة.
ورواه أبو داود السجستاني: 2512، من طريق ابن وهب، عن حيوة
وابن لهيعة.
ورواه الترمذي 4: 72-73، من طريق أبي عاصم النبيل، عن حيوة.
وقال: "حديث حسن غريب صحيح".
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 275، من طريق عبد الله بن يزيد
المقرئ، عن حيوة، وحده. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،
ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
ورواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر: 269-270، بإسنادين: رواه عن
عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد. ورواه عن عبد الله بن يزيد
المقرئ، عن حيوة بن شريح - كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، به.
وقوله في الرواية الماضية"غزونا المدينة، يريد القسطنطينية" -
هكذا ثبت في المطبوعة هنا. ولفظ أبي داود السجستاني: "غزونا من
المدينة، نريد القسطنطينية". ولعل ما هنا أجود وأصح، فإن أسلم
أبا عمران مصري. والظاهر من السياق أن الجيش كان من مصر
والشام.
وقوله في تلك الرواية: "وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن
الوليد" يدل على أن هذه الغزوة كانت في سنة 46 أو قبلها، لأن
عبد الرحمن مات تلك السنة. وهذه الغزوة غير الغزوة المشهورة
التي مات فيها أبو أيوب الأنصاري. وقد غزاها يزيد بن معاوية
بعد ذلك سنة 49، ومعه جماعات من سادات الصحابة. ثم غزاها يزيد
سنة 52، وهي التي مات فيها أبو أيوب رضي الله عنه، وأوصى إلى
يزيد أن يحملوه إذا مات، ويدخلوه أرض العدو، ويدفنوه تحت
أقدامهم حيث يلقون العدو. ففعل يزيد ما أوصى به أبو أيوب.
وقبره هناك إلى الآن معروف. انظر طبقات ابن سعد 3/2/49-50،
وتاريخ الطبري 6: 128، 130، وتاريخ ابن كثير 8: 30-31، 32،
58-59. وتاريخ الإسلام للذهبي 2: 231، 327-328.
وقوله في هذه الرواية الثانية"وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد" -
هذا هو الصواب الثابت في رواية الطيالسي، وابن عبد الحكم،
والحاكم. ووقع في رواية الترمذي"وعلى الجماعة فضالة بن عبيد".
وهو وهم، لعله من الترمذي أو من شيخه عبد بن حميد.
والحديث ذكره ابن كثير 1: 437-438، من رواية الليث بن سعد، ولم
ينسبها. ثم خرجه من أبي داود، والترمذي، والنسائي، وعبد بن
حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، وأبي
يعلى، وابن حبان، والحاكم. ثم ذكر رواية منه، على أنها لفظ أبي
داود - ولا توافق لفظه، وفيها تحريف كثير.
وذكره السيوطي 1: 207-208، وزاد نسبته للطبراني، والبيهقي في
سننه.
(3/591)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك
عندي أنْ يُقال: إنّ الله جل ثناؤه أمرَ بالإنفاق في سبيله
بقوله:"وأنفقوا في سبيل الله" - وسبيلُه: طريقه الذي شَرَعه
لعباده وأوضحه لهم. ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي
شرعتُه لكم، بجهاد عدوّكم الناصبين لكم الحربَ على الكفر بي،
ونَهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال:"ولا تُلقوا
بأيديكم إلى التهلكة".
* * *
وذلك مثلٌ، والعرب تقول للمستسلم للأمر:"أعطَى فلان بيديه"،
وكذلك
(3/592)
يقال للممكن من نفسه مما أريد به:"أعطى
بيديه".
* * *
فمعنى قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، ولا تستسلموا
للهلكة، فتُعطوها أزمَّتكم فتهلكوا.
والتارك النفقةَ في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه، مستسلم
للهلكة بتركه أداءَ فرضِ الله عليه في ماله. وذلك أن الله جل
ثناؤه جَعل أحد سِهام الصدقات المفروضات الثمانية"في سبيله"،
فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)
إلى قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) [سورة
التوبة: 60] فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما
لزمه، كان للهلكة مستسلما، وبيديه للتهلكة ملقيا.
وكذلك الآئسُ من رحمة الله لذنب سلف منه، مُلق بيديه إلى
التهلكة، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [سورة يوسف: 87] .
وكذلك التارك غزوَ المشركين وجهادَهم، في حال وجوب ذلك عليه،
في حال حاجة المسلمين إليه، مُضيعٌ فرضا، مُلقٍ بيده إلى
التهلكة.
فإذ كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم
إلى التهلكة" ولم يكن الله عز وجلّ خصَّ منها شيئًا دون شيء،
فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء
بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة - وهي العذاب -
بترك ما لزمنا من فرائضه، فغيرُ جائز لأحد منا الدخول في شيء
يكرهه الله منا، مما نستوجب بدخولنا فيه عَذابَه.
غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الآية:
وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها،
فتهلكوا باستحقاقكم - بترككم ذلك -عذابي. كما:
3181 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية،
عن
(3/593)
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"ولا
تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال: التهلكة عذابُ الله.
* * *
قال أبو جعفر: فيكون ذلك إعلاما منه لهم - بعد أمره إياهم
بالنفقة - ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله، منَ
العقوبة في المعاد.
* * *
فإنْ قال قائل: فما وجه إدخال الباء في قوله:"ولا تلقوا
بأيديكم"، وقد علمت أن المعروف من كلام العرب:"ألقيت إلى فلان
درهما"، دون"ألقيتُ إلى فلان بدرهم"؟
قيل: قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل"الباء" في قوله:"جذبتُ
بالثوب، وجذبت الثوب""وتعلَّقتُ به وتَعلَّقته"، و (تَنْبُتُ
بِالدُّهْنِ) [سورة المؤمنون: 20] وإنما هو: تُنبت الدهنَ (1)
.
* * *
وقال آخرون:"الباء" في قوله:"ولا تُلقوا بأيديكم" أصلٌ للكنية
(2) لأن كل فعل وَاقع كُنِي عنه فهو مضطرٌّ إليها (3) نحو قولك
في رجل"كلَّمته" فأردت الكناية عن فعله، فإذا أردت ذلك
قلت:"فعلت به" قالوا: فلما كان"الباء" هي الأصل، جاز
إدخال"الباء" وإخراجها في كل"فعلٍ" سبيلُه سبيلُ كُنْيته (4) .
* * *
وأما"التهلكة" فإنها"التفعُلة" من"الهلاك".
* * *
__________
(1) انظر الإنصاف لابن الأنباري: 128.
(2) في المطبوعة: "أصل للكلمة"، وهو تحريف، وانظر التعليقات
الآتية.
(3) الفعل الواقع: هو الفعل المتعدي، ضريع الفعل اللازم. ويقال
له أيضًا "الفعل المجاوز" (انظر بغية الوعاة 2: 81) .
(4) في المطبوعة: "سبيل كلمته"، وهو تحريف كأخيه السالف. وأراد
الطبري بالكناية عن الفعل: أن تستبدل به لفظ"فعل". و"الفعل":
كناية عن كل عمل. تقول: "ضربت الرجل" ثم تريد الكناية عن الفعل
فتقول: "فعلت به"، وهذا الذي تقوله هو"الكنية".
(3/594)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"وأحسنوا" أحسنوا أيها
المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنُّب ما أمرتكم
بتجنبه من معاصيَّ، ومن الإنفاق في سبيلي، وَعَوْدِ القوي منكم
على الضعيف ذي الخَلَّة (1) فإنّي أحبّ المحسنين في ذلك (2)
كما:
3182 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا زيد بن
الحباب، قال، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل من الصحابة
في قوله:"وأحسنوا إنّ الله يُحب المحسنين" قال: أداء الفرائض.
* * *
وقال بعضهم: معناه: أحسنوا الظن بالله.
* ذكر من قال ذلك:
3183 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا حفص بن عمر،
عن الحكم بن أبان، عن عكرمة:"وأحسنوا إنّ الله يُحب المحسنين":
قال: أحسنوا الظن بالله، يبرَّكم.
* * *
وقال آخرون: أحسنوا بالعَوْد على المحتاج.
* ذكر من قال ذلك:
3184 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في
قوله:"وأحسنوا إنّ الله يحب المحسنين" عودوا على من ليس في يده
شيء.
* * *
__________
(1) ذو الخلة: المحتاج والفقير، والمختل الحال بفساد أو وهن.
(2) انظر ما سلف في معنى"الإحسان" 2: 292.
(3/595)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ
كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
* * *
فقال بعضهم: معنى ذلك أتِمّوا الحج بمناسكه وسُننِه، وأتموا
العُمْرة بحدودها وسُننِها.
* ذكر من قال ذلك:
3185 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهَبّاري، قال. ثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة:" وأتِمّوا الحجّ
والعمرة لله" قال: هو في قراءة عبد الله:"وَأَقِيمُوا الْحَجَّ
والْعُمْرَةَ إِلى الْبَيْتِ" قال: لا تجاوزُوا بالعمرة
البيتَ= قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال
ابن عباس.
3186 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا
سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قرأ:" وأقيموا الحج والعمرة
إلى البيت".
3187 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان،
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ:" وأقِيموا الحجَّ
والعمرة إلى البيت".
3188- حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" وأتِمّوا الحج والعمرةَ لله"،
يقول: من أحرَم بحجّ أو بعُمْرة فليس له أن يَحلّ حتى يُتمَّها
تَمامُ الحجِّّ يوم النَّحر إذا رَمَى جَمرةَ العَقبة وزار
البيت فقد حَلّ من إحرامه كُلّه، وتمامُ العمرة إذا طاف
بِالبيت وبالصفَّا والمروة، فقد حَلّ.
(3/7)
3189- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو
عاصم، قال: ثنا عيسى= وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال:
ثنا شبل= جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"
وأتِمّوا الحجَّ والعمرةَ لله" قال: ما أمِروا فيهما.
3190- حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع قوله:" وأتموا الحَج والعمرة لله" قال: قال إبراهيم
عن علقمة بن قيس قال:" الحجُّ": مناسك الحج، و" العمرة": لا
يجاوز بها البيت.
3191- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:"
وأتِموا الحجّ والعمرة لله" قال: قال تَقْضى مناسكَ الحجَّ
عرفة والمزدلفة وَمواطنَها، والعمرةُ للبيت أنْ يطوف بالبيت
وبين الصفَّا والمروة ثم يَحلُّ.
* * *
وقال آخرون: تمامُهما أن تُحرِم بهما مفردين من دُوَيْرة
أهلِك. (1)
*ذكر من قال ذلك:
3193- حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا
شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي أنه قال:
جاء رَجُل إلى عليّ فقال له في هذه الآية:" وأتِمّوا الحجَّ
والعمرة لله" أن تحرم من دُوَيْرة أهلِك.
3194- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة،
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: جاء رجل
إلى عليّ رضوان الله عليه، فقال: أرأيتَ قَول الله عز وجل:"
وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله"؟ قال: أن تحرم من دُوَيْرة أهلك.
3195- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن
سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: من تَمام العُمرة أن تحرم من
دُوَيرة أهلك.
__________
(1) الدويرة تصغير"الدار": وهو كل موضع حل به قوم، فهو دارهم.
هذا، وقد سقط من الترقيم هنا رقم: 3192ن فلم أستطع أن أغير
الترقيم كله، فتركته على حاله.
(3/8)
3196- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن
ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن طاوس، قال: تمامُهما
إفرادهما مُؤْتَنَفتين من أهلك. (1)
3197- حدثني المثنى، قال: ثنا سفيان، عن ثور، عن سليمان بن
موسى، عن طاوس:" وأتموا الحج والعمرة لله" قال: تفردهما
مؤقتتين من أهلك، فذلك تمامهما. (2)
* * *
وقال آخرون: تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، (3) وتمامُ
الحج أن يُؤتى بمناسكه كلِّها، حتى لا يلزم عَامِلَه دمٌ بسبب
قِران ولا مُتعة.
* ذكر من قال ذلك:
3198 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة
قوله:" وأتِمُّوا الحجَّ والعمرة لله" قال: وتمام العمرة ما
كان في غير أشهر الحج.
ومن كان في أشهر الحج، ثم أقام حتى يَحُجّ، (4) فهي مُتعة.
عليه فيها الهْدي إن وُجد، وإلا صَام ثلاثة أيام في الحج
وسبعةً إذا رَجع.
3199 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا
سعيد، عن قتادة قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" قال: ما كان
في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة، وما كان في أشهر الحج فهي
مُتعة وعليه الهدي.
3200 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، قال: سمعت
القاسم بن محمد يقول: إنّ العمرة في أشهر الحج ليست بتامة.
قال: فقيل له:
__________
(1) ائتنف الشيء ائتنافا: أخذه من أوله وابتدأه. ويعني:
أفرادهما منذ ابتداء دخوله فيهما. وانظر الأثر الذي يليه
والتعليق عليه.
(2) هكذا جاء في هذا الأثر"موقتتين" من التوقيت، وهو التحديد،
والميقات: وهو الوقت المضروب للفعل، أو الموضع. يقال: هذا
ميقات أهل الشام أو مصر، للموضع الذي يحرمون منه. ويعني أن
ميقاتها من عند دويرة أهله.
(3) هكذا في الأصل: "أن تعمل" ولعل الصواب"أن تعتمر".
(4) في المطبوعة: "وما كان في أشهر الحج"، والصواب ما أثبت.
(3/9)
العمرة في المحرَّم؟ قال: كانوا يَرَونها
تامَّة.
* * *
وقال آخرون: إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرَهما.
* ذكر من قال ذلك:
3201 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني رجل، عن
سفيان، قال: هو يعني تمامهما أن تخرُج من أهلك لا تريد إلا
الحج والعمرة، وتُهلّ من الميقات. ليس أن تخرُج لتجارةٍ ولا
لحاجةً، حتى إذا كنت قريبًا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت.
وذلك يجزئ، ولكن التمَّام أن تخرُج له لا تخرُج لغيره.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أتموا الحجَّ والعمرةَ لله إذا دخلتم
فيهما.
* ذكر من قال ذلك:
3202 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد:
ليست العمرة واجبة على أحد من الناس. قال: فقلت له: قولُ الله
تعالى:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرةَ لله"؟ قال: ليس من الخلقِ
أحدٌ ينبغي له إذا دَخَل في أمر إلا أن يتمَّه، فإذا دخل فيها
لم يَنْبَغ له أن يهلّ يومًا أو يومين ثم يرجع، كما لو صام
يومًا لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار.
* * *
* وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا.
3203 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة،
قال: حدثني سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرَا
العمرة، قال: فقال الشعبي: تطوَّع،" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة
لله". وقال أبو بردة: هي واجبة" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله".
3204- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن
(3/10)
عون، عن الشعبي أنه كان يقرأ:" وأتِمُّوا
الحجَّ والعمرةُ لله".
* * *
وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول، وإن كان المشهور عنه من
القول هو هذا. وذلك ما:-
3205 - حدثني به المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا
أبو عوانة، عن المغيرة، عن الشعبي، قال: العمرةُ واجبةٌ.
* * *
فقراءة من قال: العمرة واجبة- نصبُها، بمعنى أقيموا فرضَ الحجّ
والعمرةَ، كما:-
3206 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال:
ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: سمعت مسروقًا يقول:
أُمرتم في كتاب الله بأربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
والحج، والعمرة. قال: ثم تلا هذه الآية: (وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [سورة آل عمران: 97] "وأتموا الحجَّ
والعُمْرةَ لله إلى البيت".
3207 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا
يروي عن الحسن، عن مسروق، قال: أمرنا بإقامة أربعةٍ: الصلاةِ
والزكاةِ، والعمرةِ والحجّ، فنزلت العُمْرة من الحج منزلةَ
الزكاة من الصلاة.
3208 - حدثنا ابن بشار، قال: أنبأنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن
حريج، قال: قال علي بن حسين وسعيد بن جبير، وسُئلا أواجبةٌ.
العمرة على الناس؟ فكلاهما قال: ما نعلمها إلا واجبة، كما قال
الله:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله".
3209 - حدثنا سَوَّار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد
القطان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سأل رجل سعيد بن
جبير عن العمرة فريضَةٌ هي أم تطوعٌ؟ قال: فريضةٌ. قال: فإن
الشعبي يقول: هي تطوع. قال: كَذَب
(3/11)
الشعبي، وقرأ:" وأتموا الحجَّ والعمرةَ
لله" (1)
3210 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله:" وأتمُّوا
الحجَّ والعمرةَ لله"، قال: هما وَاجبان: الحج، والعمرة.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى:" وأتِمُّوا
الحجَّ والعمرةَ لله" أنهما فرضَان واجبان أمرَ الله تبارك
وتعالى أمر بإقامتهما، (2) كما أمر بإقامة الصلاة، وأنهما
فريضتان، وأوجب العمرة وجوبَ الحج. وهم عدد كثير من الصحابة
والتّابعين، ومن بعدهم من الخالفين، (3) كرهنا تطويل الكتاب
بذكرهم وذكر الروايات عنهم.
وقالوا: معنى قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" وأقيموا الحج
والعمرة.
* ذكر بعض من قال ذلك:
3211 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا
أسباط، عن السدي قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" يقول: أقيموا
الحج والعمرة.
3212 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا
إسرائيل، عن ثُوير، عن أبيه، عن علي:" وأقيموا الحج والعمرة
للبيت" ثم هي واجبةٌ مثل الحج. (4)
__________
(1) قوله: "كذب الشعبي"، أي أخطأ. وهو كثير جدا في الأخبار
والأحاديث وأشعار العرب، بمعنى الخطأ، لا بمعنى الكذب الذي هو
فقيض الصدق. ويعني: أخطأ الشعبي في اجتهاده.
(2) في المطبوعة: "في أنهما" بزيادة"في" وهو خطأ ثم فيها"قرضان
واجبان من الله"، والصواب ما أثبت.
(3) يقال: خلف قوم بعد قوم، وسلطان بعد سلطان، يخلفون خلفا.
فهم خالفون. تقول: أنا خالفه وخالفته: أي جئت بعده.
(4) الخبر: 3212- أحمد بن حازم بن محمد بن يونس بن قيس بن أبي
غرزة الغفاري، شيخ الطبري: مضت الرواية عنه في: 44، 164. ترجمه
ابن أبي حاتم 1/1/48، وذكر أنه كتب إليه. ثوبر بن أبي فاختة:
ضعيف جدا، روى البخاري في الكبير 1/2/183، والصغير: 128، عن
الثوري، قال: "كان ثوير من أركان الكذب"، وهو بضم الثاء
المثلثة مصغرا. أبوه أبو فاختة: اسمه سعيد بن علاقة، وهو مولى
أم هانئ بنت أبي طالب. وهو تابعي ثقة، يروى عن علي، وعن ابن
مسعود، وغيرهما.
(3/12)
3213 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو
نعيم، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا ثوير، عن أبيه، عن عبد
الله:"وأقِيمُوا الحجَّ والعمرةَ إلى البيت" ثم قال عبد الله:
والله لولا التحرُّجُ، وأنيّ لم أسمع من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيها شيئًا، لقلت إنّ العمرة واجبة مثل الحج. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وكأنهم عَنوا بقوله:" أقيمُوا الحج والعمرة":
ائتوا بهما، بحدودهما وأحكامِهما، على ما فُرِض عليكم.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب"العُمْرة": العمرة تطوعٌ
= ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نَصْبهم"العمرة" في
القراءة، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبدَ عمله وإتمامُه
بدخوله فيه، ولم يكن ابتداءُ الدخول فيه فرضًا عليه. وذلك
كالحج التطوُّع، لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أنّ
عليه المضيَّ فيه وإتمامه، ولم يكن فرضًا عليه ابتداء الدخولُ
فيه. وقالوا: فكذلك العمرة غيرُ فرضٍ واجب الدخولُ فيها
ابتداءً، غير أن على من دخل فيها وأوجبَها على نفسه إتمامَها
بعد الدخول فيها. قالوا: فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة
دلالةٌ على وجوب فرضها. قالوا: وإنما أوَجبنا فرضَ الحجّ بقوله
عز وجل: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) [سورة آل عمران: 97] .
وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من
الخالفين.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) الخبر: 3213- هو في معنى الذي قبله، بالإسناد نفسه. وزاد
في هذا نسبة القراءة لابن مسعود. وهي من القراءات الشاذة
المخالفة لرسم المصحف. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 4: 351،
من طريق عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، به. والإسناد في الخبر
بن ضعيف، كما بينا آنفًا.
(3/13)
3214 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا
حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن
إبراهيم، قال: قال عبد الله: الحجُّ فريضة، والعمرةُ تطوُّع.
3215 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن
أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن ابن مسعود مثله.
3216- وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عثمة، قال: حدثنا سعيد
بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، قال: العمرة ليست بواجبة.
3217 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيره، عن سماك،
قال: سألت إبراهيم عن العمرة فقال: سنة حسنة.
3218 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم،
مثله.
3219 - حدثني المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو عوانة،
عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله.
3220 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله.
3221 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال:
حدثنا عبد الله بن عون، عن الشعبي، قال: العمرة تطوع.
* * *
قال أبو جعفر: فأما الذين قرءوا ذلك برفع"العمرة"، فإنهم
قالوا: لا وجه لنَصْبها، فالعمرة إنما هي زيارة البيت، ولا
يكون مستحقًّا اسم معتمرٍ إلا وهو له زائر. قالوا: وإذا كان لا
يستحق اسم معتمر إلا بزيارته= وهو متَى بلغه فطاف به وبالصفا
والمروة، فلا عمل يَبقى بعده يؤمَر بإتمامه بعد ذلك، كما يؤمر
بإتمامه الحاجُّ بعد بلوغِه والطوافِ به وبالصفا والمروة
بإتيان عَرَفة والمزدلفة والوقوفِ بالمواضع التي أمر بالوقوف
بها، وعملِ سائرِ أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت
(3/14)
= (1) لم يكن لقول القائل للمعتمر:" أتمَّ
عمرتك" وجهٌ مفهوم. وإذا لم يكن له وجهٌ مفهوم. فالصواب من
القراءة في" العمرة" الرفعُ على أنه من أعمال البِرِّ لله،
فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها، وهو قوله:" لله".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا، قراءة من
قرأ بنصب" العمرة" على العطف بها على" الحجّ"، بمعنى الأمر
بإتمامهما له.
ولا معنى لاعتلال من اعتَلّ في رفعها بأن" العمرة" زيارة
البيت، فإن المعتمر متى بلغه، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه.
وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمامُ
العمل الذي أمره الله به في اعتماره، وزيارَته البيت، وذلك هو
الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وتجنبُ ما أمر الله
بتجنبه إلى إتمامه ذلك، وذلك عملٌ - وإن كان مما لزمه بإيجاب
الزيارة على نفسه - غيرُ الزيارة. هذا، مع إجماع الحجة على
قراءة" العمرة" بالنصب، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءةَ من
قرأ ذلك رفعًا، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ
ذلك رفعًا.
* * *
وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله:"
والعمرةَ لله" على قراءة من قرأ ذلك نصبًا فقولُ عبد الله بن
مسعود، ومن قال بقوله من أنّ معنى ذلك: وأتمّوا الحج والعمرة
لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما = لا أنَّ ذلك أمرٌ من الله
عز وجل - بابتداء عَمَلهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه
- بهذه الآية.
وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وَصَفْنا: من أن يكون
أمرًا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداءًا وإيجابًا منه على
العبادِ فرضَهما، وأن يكون أمرًا منه بإتمامهما بعد
__________
(1) سياق العبارة: "وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته
... لم يكن لقول قائل ... " وما بينهما فصل طويل
(3/15)
الدخول فيهما، وبعد إيجاب موجبِهما على
نفسه، فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا، فلا حجة
فيها لأحد الفريقين على الآخر، إلا وللآخر عليه فيها مثلها.
وإذ كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبرٌ عن الحجة للعذرِ
قاطعًا، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة - لم يكن لقول قائلٍ:"
هي فرض" بغير برهان دالّ على صحة قوله - معنى (1) ، إذ كانت
الفرُوض لا تلزم العباد إلا بدلالةٍ على لزومها إياهم واضحةٍ.
فإن ظن ظانٌّ أنها واجبة وجوبَ الحج، وأن تأويلَ من تأوّلَ
قوله:" وأتمّوا الحج والعمرةَ لله" بمعنى: أقيموا حدُودَهما
وفروضهما أوْلى من تأويلنا، (2) بما:-
3222 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي، قال: ثنا أشهل بن حاتم
الأرطبائي، قال: ثنا ابن عون، عن محمد بن جحادة، عن رجل، عن
زميل له، عن أبيه- وكان أبوه يكنى أبا المُنْتَفِق- قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فدنوتُ منه، حتى اختلفتْ عُنق
راحلتي وعُنُق راحلته، فقلت: يا رسول الله أنبئني بعمل يُنجيني
من عذاب الله ويُدخلُني جَنتَه! قال:"اعبد الله ولا تشرك به
شيئًا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأدّ الزكاة المفروضة، وحُجّ
واعتَمِر= قال أشهل: وأظنه قال:"وصُمْ رمضان= وانظر ماذا تحبُّ
من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكرهُ من الناس أن
يأتوه إليك فذَرْهم منه". (3)
وما:-
__________
(1) السياق: "لم يكن لقول قائل ... معنى "
(2) سياق المعنى: "وأن تأويل من تأول ... أولى من تأويلنا".
(3) الحديث: 3222- هذا إسناد ضعيف، لإبهام بعض رواته الذين لم
يسموا.
حاتم بن بكير الضبي، شيخ الطبري: هو أيضًا من شيوخ ابن ماجه
وابن خزيمة، مترجم في التهذيب والخلاصة، دون بيان حاله، وفي
التقريب: "مقبول" وثبت اسم أبيه "بكير" بالتصغير هنا وفي
الخلاصة. وثبت بالتكبير "بكر" في التهذيب والخلاصة، ولم أجده
في مصدر آخر حتى أستطيع الترجيح بينهما.
أشهل- بالشين المعجمة- بن حاتم، ـأبو حاتم البصري الجمحي:
مختلف فيه، فضعفه ابن معين. وقال أبو زرعة: "محله الصدق، وليس
بالقوي، رأيته يسند عن ابن عون حديثا، الناس يقفونه". وترجمه
البخاري في الكبير 1 / 2 / 69 فلم يذكر فيه جرحا. ثم هو قد روى
له في الصحيح حديثا متصلا وآخر معلقا. مقدمة الفتح، ص:389.
وأما نسبته هنا "الأرطبائي- فلا أدري ما هي؟ ولا أعرف لها
توجيها. إلا أن يكون ممن أكثر الرواية عن شيخه " ابن عون" -
وهو "عبد الله بن عون بن أرطبان" بالنون في آخره - فنسب إلى
"أرطبان" لذلك، ثم حرفت "الأرطباني" إلى "الأرطبائي". وما وجدت
ما يدل على ذلك، ولا ما يشير إلى أنه يكثر الرواية عن ابن عون
- وإنما هو ظن ظننته.
محمد بن جحادة: مضت ترجمته: 34.
أبو المنتفق: -ويقال ابن المنتفق- ترجمه ابن الأثير في أسد
الغابة 5: 306 - وروى هذا الحديث، بإسناده إلى معاذ بن معاذ،
عن ابن عون، بهذا الإسناد، ووقع فيه "ابن عوف" وهو خطأ مطبعي
ظاهر.
وترجمه الحافظ في الإصابة 7: 181، وذكر له هذا الحديث من رواية
الطبراني، ولكن فيه "محمد بن جحادة"، عن زميل له، بحذف "عن
رجل" من بينهما.
وترجمه ابن أبي حاتم 4 / 2 / 327 باسم "ابن المنتفق"، هكذا:
"أنه وصف صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى محمد بن
جحادة، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن أبيه، عنه "
والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 43 - 44، من غير هذا
الوجه قال: وعن حجير، عن أبيه، وكان يكنى أبا المنتفق" فذكر
نحوه، وفيه -كما هنا- "وحج واعتمر". وذكره قبل ذلك 1: 43، من
وجهين آخرين، ليس فيهما هذا اللفظ.
وقال الحافظ في الإصابة - بعد أن أشار إلى رواية الطبراني من
طريق ابن عون: "قال الطبراني: اضطرب ابن عون في إسناده، ولم
يضبطه عن محمد بن جحادة، وضبطه همام. ثم أخرجه من طريق همام.
عن محمد بن جحادة، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن أبيه،
قال: قدمت الكوفة، فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس، يقال له ابن
المنتفق، فسمعته يقول " ... وهذه الرواية هي التي ذكرها صاحب
الزوائد أولا.
وطرق الحديث من أوجه، منها رواية همام، التي ذكرها الحافظ-: في
المسند 15948- 15950، (3: 472 - 473 حلبي) ، و 16774 (4: 76 -
77 حلبي) ، و (5: 372- 373، و 6: 383 - 384 حلبي) . ولم أجد في
روايات المسند هذه، ذكرا للعمرة.
(3/16)
3223 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا
عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن النعمان بن
سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر
قال: قلت يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجّ ولا
العمرة ولا الظَّعْن، وقد أدركه
(3/17)
الإسلام، أفأحج عنه؟ قال:"حُج عن أبيك
واعتمر". (1)
=وما:-
3224 - حدثني به يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي
قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَطب فقال: اعبدوا الله
ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحُجُّوا
واعتمروا واستقيموا يَستقم لكم. (2)
* * *
= وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في
الدين حجة لِوَهْي أسانيدها، وأنها - معَ وَهْيِ أسانيدها- لها
في الأخبار أشكالٌ تنبئ عن أنّ العمرة تطوعٌ لا فرض واجب. وهو
ما:-
__________
(1) الحديث: 3223- يعقوب بن إبراهيم: هو الدورقي الحافظ، مضى
في: 237، 335. وهو يروى عن عبد الرحمن بن مهدي. ووقع في
المطبوعة هنا بينهما زيادة "قال خدثنا ابن إبراهيم"، وهي زيادة
خطأ من ناسخ أو طابع، ولا معنى لها، فحذفناها.
النعمان بن سالم الطائفي: ثقة، وثقه ابن معين وغيره، وأخرج له
مسلم في الصحيح.
عمرو ابن أوس بن أبي أوس الثقفي الطائفي: تابعي ثقة. أخرج له
أصحاب الكتب الستة.
أبو رزين العقيلي: هو لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر، وهو
صحابي معروف، وغلط من جعله و "لقيط بن صبرة بن عبد الله بن
المنتفق" - واحدا. بل هما صحابيان، وقد فصل بينهما ابن سعد 5:
379، 340.
وهذا الحديث صحيح، خلافا لما قاله الطبري فيما سيأتي بعد أسطر،
إذ ضعف هذه الأحاديث كلها وفيما هذا الحديث.
وقد رواه الطيالسي: 1091، عن شعبة. ورواه أحمد في المسند:
16253، عن وكيع عن شعبة، بهذا الإسناد (ج 4ص 10، 11، 12 حلبي)
.
ورواه أبو داود: 1810، عن حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم -
كلاهما عن شعبة. وقال المنذري: 1736، "وأخرجه الترمذي،
والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الإمام
أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا، ولا أصح
منه"
ورواه البيهقي 4: 350، من طريق أبي داود. ثم روى كلمة أحمد بن
حنبل في تصحيحه.
(2) الحديث: 3224- أبو قلابة- بكسر الكاف وتخفيف اللام. وهو
عبد الله بن زيد الجرمي، أحد الأعلام، من التابعين
(3/18)
3225 - حدثنا به محمد بن حميد، ومحمد بن
عيسى الدامغاني، قالا ثنا عبد الله بن المبارك، عن الحجاج بن
أرطأة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى
الله عليه وسلم: أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟، فقال:"لا وأن
تعتمروا خيرٌ لكم". (1)
3226 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير= وحدثني يحيى بن طلحة
اليربوعي، قال: ثنا شريك=، عن معاوية بن إِسحاق، عن أبي صالح
الحنفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجُّ جهادٌ،
والعمرة تطوع. (2)
* * *
__________
(1) الحديث: 3225- محمد بن عيسى الدامغاني، شيخ الطبري: روى
عنه أبو حاتم، وقال: "يكتب حديثه". وروى عنه أيضًا النسائي،
وابن خزيمة، وغيرهم.
والحديث رواه أحمد: 14449 (3: 316 حلبي) ، عن ابن معاوية، عن
الحجاج بن أرطاة، بهذا الإسناد، نحوه.
ورواه الترمذي 2: 113، من طريق عمر بن علي، والبيهقي 4: 349،
من طريق عبد الواحد بن زياد -كلاهما عن الحجاج، به، نحوه.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح ". رجح البيهقي أن المحفوظ
روايته موقوفا من كلام جابر، وقد أطال الحافظ ابن حجر، في
التلخيص، ص 204، في إعلال المرفوع وترجيح الموقوف.
(2) الحديث: 3226- شريك:: هو ابن عبد الله النخعي، مضت ترجمته:
2527.
معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي: تابعي ثقة.
أبو صالح الحنفي: هو عبد الرحمن بن قيس الكوفي، وهو تابعي ثقة.
وأخطأ بعضهم فسماه "ماهان"، والصواب أن كنية "ماهان": "أبو
سالم الحنفي". انظر الترجمتين في التهذيب. وعلى الرغم من أن
الحافظ ابن حجر حقق ذلك في الموضعين من التهذيب - فإنه سها في
التلخيص، ص: 204، فقال: "وأبو صالح: ليس ليس هو ذكوان السمان،
بل هو أبو صالح ماهان الحنفي"!
وهذا الحديث مرسل. ورواه الشافعي في الأم 2: 113، قال: "
فاختلف الناس في العمرة، فقال بعض المشرقيين: العمرة تطوع.
وقال سعيد بن سالم، (هو القداح، شيخ الشافعي) واختج بأن سفيان
الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: الحج الجهاد، والعمرة تطوع. فقلت
له: أتثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو
منقطع". ثم ذهب الشافعي يقيم عليه الحجة - أن تكون العمرة
واجبة". إلى آخر ما قال.
وقد روى البيهقي 4: 348 هذا الحديث المرسل، من طريق الشافعي.
ثم نقل عنه بعض ما نقلته.
(3/19)
قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل الغباء أنه
قد صحَّ عنده أن العمرة واجبةٌ، بأنه لم يجد تطوعًا، إلا وله
إمامٌ من المكتوبة. فلما صح أنّ العمرة تطوُّع وجب أن يكون لها
فَرْضٌ، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال.
فيقال لقائل ذلك: فقد جُعِل الاعتكاف تطوُّعًا، فما الفرض منه
الذي هو إمامُ مُتطوَّعه؟
ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟
فإن قال:" واجبٌ"، خرج من قول جميع الأمة.
وإن قال: تطوع.
قيل: فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعًا والعمرةُ فرضًا،
من الوجه الذي يجب التسليم له؟
فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
=وبما استشهدنا من الأدلة، فإن أولى القراءتين بالصواب في"
العمرة" قراءةُ من قرأها نصبًا- وأنّ أولى التأويلين في قوله"
وأتموا الحج والعمرة لله"، تأويلُ ابن عباس الذي ذكرنا عنه من
رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمرٌ من الله بإتمام
أعمالهما بعد الدُّخول فيهما وإيجابهما على ما أمِر به من
حدودهما وسنَنِهما -وأنّ أولى القولين في" العمرة" بالصواب قول
من قال:" هي تطوّع لا فرض" - وإن معنى الآية: وأتموا أيها
المؤمنون الحجّ والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على
أنفسكم، على ما أمركم الله من حدودهما.
* * *
وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة
والسلام في عمرة الحديبية التي صُدَّ فيها عن البيت، معرِّفَهُ
المؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خُلِّي بينهم وبين البيت
ومبيِّنًا لهم فيها ما المُخْرِجَ لهم من إحرامهم إن أحرموا،
فصُدوا عن البيت.
(3/20)
ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم
التي اعتمروها عام الحديبية، (1) وما يلزمهم فيها بعد ذلك في
عمرتهم وحجهم، افتَتح بقوله:" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ
قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ ".
وقد دللنا فيما مضى على معنى" الحج"" والعمرة" بشواهد، فكرهنا
تطويل الكتاب بإعادته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في" الإحصار" الذي جعل الله
على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي.
* * *
فقال بعضهم: هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل
الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام.
* ذكر من قال ذلك:
3227 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه كان يقول: "الحصر" الحبس
كله. يقول: أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث
بهديه من حيث يحبس. قال: وقال مجاهد في قوله:" فإن أحصرتم "
فإن أحْصِرتم: يَمرض إنسانٌ أو يُكْسر، أو يحبسه أمرٌ فغلبه
كائنًا ما كان، فليرسل بما استيسَر من الهَدْي، ولا يحلِق
رأسَه، ولا يحل، حتى يوم النحر.
__________
(1) في المطبوعة: "وبذكر اللام ... "، وكأن الصواب ما أثبت حتى
يستقيم الكلام.
(2) انظر ما سلف 3: 228- 229.
(3/21)
3228 -حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة،
قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3229 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان،
عن ابن جريج، عن عطاء، قال: الإحصار كل شيء يحبسه.
3230 - وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن
سعيد، عن قتادة أنه قال: في المحصَر: هو الخوفُ والمرض
والحابسُ. إذا أصابه ذلك بَعَث بِهَدْيه، فإذا بلغ الهدي
مَحِله حَلّ.
3231 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله:"
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدْي" قال: هذا رجل أصابه خوف أو
مرض أو حابس حَبَسه عن البيت يبعث بهَديه، فإذا بلغ مَحِله صار
حلالا.
3232 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو
معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كل شيء حَبَس المحرم
فهو إحصارٌ.
3233 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن إبراهيم= قال أبو جعفر: أحسبه عن شريك، عن إبراهيم
بن المهاجر، عن إبراهيم=:" فإن أحصِرْتم" قال: مرض أو كسر أو
خَوفٌ.
3234- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية،
عن علي عن ابن عباس قوله:" فإن أحصرتُم فما استيسر من الهدي"،
يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، ثم حُبس عن البيت بمرض يُجْهده أو
عذر يحبسه، فعليه قَضاؤها.
* * *
قال أبو جعفر: وعلة من قال بهذه المقالة: أن" الإحصار" معناه
في كلام العَرب: مَنْع العلة من المرض وأشباهه، غيرِ القهرِ
والغلبة من قاهر أو غالبٍ، إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو
جراحة، أو ذهاب نفقة، أو كسر راحلة. فأما
(3/22)
منعُ العدوّ، وحبس حابس في سجن، وغلبة
غالبٍ حائل بين المحرِم والوصول إلى البيت من سُلطان، أو إنسان
قاهرٍ مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب" حصرا" لا" إحصارا".
قالوا: ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه: (وَجَعَلْنَا
جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) [الإسراء: 8] يعني به:
حاصرًا، أي حابسًا.
قالوا: ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا،
يسمى" إحصارًا" لوجب أن يقال:" قد أُحْصرَ العدوُّ".
قالوا: وفي اجتماع لغات العرب على" حُوصر العدو، والعدوّ
محاصر"، دون" أحصر العدو، وهم مُحْصَرون"، و" أحْصِر الرجل"
بالعلة من المرض والخوف- أكبر الدلالة على أنّ الله جل ثناؤه
إنما عنى بقوله:" فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ " بمرض أو خوف أو علة
مانعة.
قالوا: وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى
البيت بمعنى" حصر المرض" قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من
ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت، لا بدلالة
ظاهر قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" إذ كان حبس العدو
والسلطان والقاهر علة مانعة، نظيرة العلة المانعة من المرض
والكسر.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" فإن
حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت، أو حابس قاهر من بني آدم.
قالوا: فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض والجراح وما
أشبهها، فإن ذلك غير داخل في قوله:" فإن أحصرتم ".
* ذكر من قال ذلك:
3235 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس أنه قال:"
الحصْرُ":
(3/23)
حصرُ العدو، فيبعثُ الرجل بهديّتِه، فإن
كان لا يستطيع أن يَصِل إلى البيت من العدو، فإن وجد من يبلغها
عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها ويُحْرِم = قال محمد بن عمرو، قال
أبو عاصم: لا ندري قال: يُحِرِم، أو يَحِل = من يومٍ يواعد فيه
صاحبَ الهدْي إذا اشترى. فإذا أمن فعليه أن يحجَّ أو يعتمر.
فإذا أصابه مَرَض يحبسه وليس معه هدْي، فإنه يَحِل حيث يُحبَس،
فإن كان معه هدْي فلا يحل حتى يَبلغ الهدي مَحله، فإذا بعث به،
فليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر إلا أن يشاء.
3236 - حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثني يحيى بن
سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:
لا حصر إلا من حَبْس عدو.
3237 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس مثل حديث محمد
بن عمرو، عن أبي عاصم= إلا أنه قال: فإنه يبعث بها ويحرم من
يوم واعَد فيه صاحبَ الهدية إذا اشترى. ثم ذكر سائر الحديث مثل
حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
* * *
وقال مالك بن أنس: بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
حَلَّ وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رؤوسهم،
وحَلّوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يَصِل إليه
الهدي. ثم لم نَعْلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ
أحدًا من أصحابه، ولا ممن كان معه، أن يقضوا شيئًا ولا أن
يعودوا لشيء. (1)
__________
(1) نص كلام مالك في الموطأ: 360، وسيأتي برقم: 3287.
(3/24)
3238 - حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن
وهب عنه= قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت؟
فقال: يَحلّ من كل شيء، ويَنْحر هَدْيه، ويحلق رأسه حيث يحبس،
وليس عليه قضاء، (1) إلا أن يكون لم يحج قَط، فعليه أن يحج حجة
الإسلام.
قال: والأمر عندنا فيمن أحصِر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه، أنْ
يتداوَى بما لا بد منه، ويَفتدي، (2) ثم يجعلها عُمرة، ويحج
عامًا قابلا ويُهدِي.
* * *
قال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة - أعني: من قال قولَ
مالك - أنّ هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه عن البيت، فأمر الله نبيّه ومن معه بنحْر
هَداياهم والإحلال.
قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حَصْر العدو، فلا يجوز أن
يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلتْ فيه.
قالوا: وأما المريض، فإنه إذا لم يُطِق لمرضه السَّير حتى
فاتته عرفة، فإنما هو رجلٌ فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه
بما يخرُج به من فَاته الحج - وليس من معنى" المحصر" الذي نزلت
هذه الآية في شأنه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في قوله:" فإذا
أحصرتم"، تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحْصَرَكم خوفُ عَدٍّو أو
مرضٌ أو علةٌ عن الوصول إلى البيت أي: صيَّركم خوفكم أو مرضكم
تَحصُرون أنفسكم، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتُموه على
أنفسكم من عمل الحج والعمرة. فلذا قيل:" أحصرتم"، لمَّا أسقط
ذكِر الخوف والمرض. يقال منه:" أحصرني خوفي من فلان عن لقائك،
__________
(1) إلى هنا نص ما في الموطأ: 360، وما بعده زيادة ليست هناك.
وسيأتي في آخر رقم: 3288.
(2) في المطبوعة: "أن يبدأ بما لا بد منه" والصواب ما أثبته،
عن الموطأ: 362، فراجعه هناك. وانظر أيضًا ما سيأتي رقم: 3289.
(3/25)
ومَرَضي عن فلان"، يراد به: جعلني أحبس
نفسي عن ذلك. فأما إذا كان الحابس الرجلُ والإنسانُ، قيل:"
حصرَني فلان عن لقائك"، بمعنى حبسني عنه.
فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأوِّل من قوله:" فإن أحصِرْتم"
فإن حبسكم حابس من العدوّ عن الوصول إلى البيت- لوجب أن يكون:
فإن حُصِرْتم.
ومما يُبَيِّن صحةَ ما قلناه من أن تأويل الآية مرادٌ بها
إحصارُ غير العدوّ وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قولُه:"
فإذا أمنتم فمن تمتع بالعُمْرة إلى الحج".
و" الأمنُ" إنما يكون بزوال الخوف. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم
أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية، هو الخوف الذي يكون
بزواله الأمنُ.
وإذ كان ذلك كذلك، لم يكن حَبسُ الحابس الذي ليس مع حَبْسه خوف
على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتْلوّ، وإن
كان قد يُلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حَبْس
من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته،
والوالدِ، وزوج المرأة، (1) إن كان منهم أو من بعضهم حبس،
ومنعٌ عن الشخوص لعمل الحج، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب
الممنوع الإحرامَ، (2) غيرُ داخل في ظاهر قوله:" فإذ أحصرتم"،
لما وصفنا من أن معناه: فإن أحصركم خوفُ عدوّ- بدلالة قوله:"
فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ " وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه
قال: الحصر: حصر العدو.
وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعا
من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى
البيت، فهو له نظير في الحكم.
* * *
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله:" فما استيسر
من الهدي".
__________
(1) في المطبوعة: "وإن كان. . . " والصواب حذف الواو.
(2) قوله: "غير داخل" خبر قوله: "من أجل أن حبس من لا خوف على
النفس من حبسه".
(3/26)
فقال بعضهم: هو شاة.
* ذكر من قال ذلك:
3239 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق
الأزرق، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مجاهد، عن ابن عباس،
قال:" ما استيسر من الهدي" شاة.
3240 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن= وحدثنا عبد
الحميد، قال: أخبرنا إسحاق= قال: حدثنا سفيان، عن حبيب، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة.
3241 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد عن ابن عباس، مثله.
3242 - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك، قال: تمتعت فسألت
ابن عباس فقال:" ما استيسر من الهدي" قال: قلت شاة؟ قال: شاة.
3243 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك،
عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك، قال: سألت ابن عباس عن" ما
استيسر من الهدي"، قال: من الأزواج الثمانية: من الإبل والبقر
والمعز والضأن.
3244 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا هشيم،
قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله جل ثناؤه:" فما استيسر
من الهدي" - قال: كان ابن عباس يقول: من الغنم.
3245 -حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا
يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:" ما استيسر من
الهدي"، من الأزواج الثمانية.
(3/27)
3246 - حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا
خالد، قال: قيل للأشعث: ما قول الحسن:" فما استيسر من الهدي"؟
قال: شاة.
2647- حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن قتاده. (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)
قال: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسه شاة.
3248 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله = إلا أنه كان يقال: أعلاه بدنة،
وذكر سائر الحديث مثله.
3249 - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا
همام، عن قتادة، عن زرارة، عن ابن عباس، قال:" فما استيسر من
الهدي"، شاة.
3250 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا
أيوب، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، مثله.
3251 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن ابن جريج، عن
عطاء:" فما استيسر من الهدي" شاة.
3252 - حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا محمد
بن نفيع، عن عطاء، مثله.
3253 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي، قال: المحصر يبعث بهدي، شاة فما فوقها.
3254 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا ابن نمير،
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا أهل الرجل بالحج
فأحصر، بعث بما استيسر من الهدي شاة. قال: فذكرت ذلك لسعيد بن
جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس.
3255 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني
معاوية
(3/28)
بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس:" ما استيسر من الهدي"، شاة فما فوقها.
3256 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا
شعبة = وحدثنا المثنى، قاله: حدثنا آدم العسقلاني عن شعبة =
قال: حدثنا أبو جمرة، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي"،
جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم.
3257 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى
بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن ابن عباس كان يرى
أن الشاة" ما استيسر من الهدي".
3258 -حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الوهاب،
عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال:" ما استيسر من
الهدي"، شاة.
3259 - حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم،
قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة.
3260 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سهل بن يوسف قال: حدثنا
حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال ابن عباس: الهدي:
شاة، فقيل له: أيكون دون بقرة؟ قال: فأنا أقرأ عليكم من كتاب
الله ما تدرون به أن الهدي شاة. ما في الظبي؟ قالوا: شاة، قال:
(هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة: 95] .
3261 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن
قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: شاة.
3262 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن دلهم بن صالح،
قال: سألت أبا جعفر، عن قوله:" ما استيسر من الهدي"، فقال:
شاة.
3263 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، أن
مالك
(3/29)
بن أنس حدَّثه عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن
علي بن أبي طالب كان يقول:" ما استيسر من الهدي"، شاة. (1)
3264 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا مطرف بن عبد الله، قال: حدثنا
مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، مثله.
3265 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك أنه
بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول:" ما استيسر من الهدي"،
شاة. (2)
3266 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال مالك: وذلك أحب
إلي. (3)
3267 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:" فما استيسر من
الهدي"، قال: عليه - يعني المحصر - هدي. إن كان موسرا فمن
الإبل، وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم.
3268 - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا
ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال:" ما
استيسر من الهدي"، شاة، وما عظمت شعائر الله، فهو أفضل.
3269 - حدثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: أخبرنا ابن لهيعة:
أن عطاء بن أبي رباح حدثه: أن" ما استيسر من الهدي"، شاة.
* * *
وقال آخرون:" ما استيسر من الهدي": من الإبل والبقر، سن دون
سن.
* ذكر من قال ذلك:
3270 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت
__________
(1) الأثر: 3263 الموطأ: 385.
(2) الأثر: 3265- الموطأ: 385.
(3) الأثر: 3266- الموطأ: 385 ونصه: "وذلك أحب ما سمعته إلي في
ذلك"، ثم استدل بآية المائدة التي استدل بها ابن عباس في
الأثر: 3260.
(3/30)
عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" ما
استيسر من الهدي": البقرة دون البقرة، والبعير دون البعير.
3271 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا
سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: سأل رجل ابن عمر:" ما
استيسر من الهدي"؟ قال: أترضى شاة؟ = كأنه لا يرضاه.
3272 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا
أيوب، عن القاسم بن محمد ونافع، عن ابن عمر قال:" ما استيسر من
الهدي"، ناقة أو بقرة، فقيل له:" ما استيسر من الهدي"؟ قال:
الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة.
3273 - حدثني المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا
شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر أنه قال:"
فما استيسر من الهدي"، قال: جزور، أو بقرة.
3274 - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا حدثنا هشيم، قال الزهري
أخبرنا - وسئل عن قول الله:" فما استيسر من الهدي" - قال: قال
ابن عمر: من الإبل والبقر.
3275 -حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن
نافع، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه:" فما استيسر من الهدي"
قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة.
3276 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن القاسم،
عن ابن عمر في قوله:" فما استيسر من الهدي"، قال: الإبل
والبقر.
3277 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى
بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان عبد الله بن عمر
وعائشة يقولان:" ما استيسر من الهدي": من الإبل والبقر.
(3/31)
3278 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية،
قال: حدثنا الوليد بن أبي هشام، عن زياد بن جبير، عن أخيه عبد
الله أو عبيد الله بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المتعة في
الهدي؟ فقال: ناقة، قلت: ما تقول في الشاة؟ قال: أكلكم شاة؟
أكلكم شاة؟ (1)
3279 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد
وطاوس قالا" ما استيسر من الهدي"، بقرة.
3280 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة:" فما استيسر من الهدي"،
قال في قول ابن عمر: بقرة فما فوقها.
3281 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني أبو
معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" ما استيسر من الهدي"، قال:
بدنة أو بقرة، فأما شاة فإنما هي نسك.
3282 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، قال: البدنة دون البدنة، والبقرة دون
البقرة، وإنما الشاة نسك، قال: تكون البقرة بأربعين وبخمسين.
3283 - حدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة،
عن نافع، عن ابن عمر، كان يقول:" ما استيسر من الهدي"، بقرة.
3284 - وحدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة
بن زيد أن سعيدا حدثه، قال: رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه
فيسألونه عن" ما استيسر
__________
(1) الخبر: 3278- الوليد بن أبي هشام زياد، مولى عثمان: ثقة
جدا، كما قال الإمام أحمد.
زياد بن جبير بن حية بن مسعود الثقفي: تابعي ثقة. مترجم في
التهذيب. والكبير 2 / 1 / 3217. وابن أبي حاتم 1 / 2 / 27،
310. وقال: "عبيد الله بن جبير بن حية، أخو زياد وغبيد الله
ابني جبير بن حية الثقفي. وكانوا إخوة ثلاثة."
(3/32)
من الهدي" ويقولون: الشاة! الشاة! قال:
فيرد عليهم:" الشاة! الشاة! يحضهم - إلا أن الجزور دون الجزور،
والبقرة دون البقرة، ولكن ما" استيسر من الهدي"، بقرة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب قول من قال:" ما استيسر
من الهدي" شاة. لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من
الهدي، وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك
الذي يهدي. إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا، فيكون
ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل، ويكون
سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم"
هدي".
* * *
فإن قال قائل: فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من
الهدي، بأنه لا يستحق اسم" هدي" كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة
لم يكن مهديا هديا مجزئا.
قيل: لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف، نحو الذي
في المهدي الشاة، لكان سبيلهما واحدة: في أن كل واحد منهما قد
أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين مخرجه من أن
يكون مؤديا (1) - بإهدائه ما أهدى من ذلك - مما أوجبه الله
عليه في إحصاره. ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن،
والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان - من أن يكون
مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته - بالحجة القاطعة
العذر، نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة، كان ذلك خارجا
من أن يكون مرادا بقوله:" فما استيسر من الهدي" وإن كان مما
استيسر لنا من الهدايا.
__________
(1) في المطبوعة: "إذا لم يكن أحد المهديين يخرجه. . . "
والصواب ما أثبت.
(3/33)
ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من
المعِز، كان مجزئًا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل، لأنه مما
استيسر من الهدي.
* * *
فإن قال قائل: فما محل" ما" التي في قوله جل وعز:" فما استيسر
من الهدي"؟ قيل: رفع.
فإن قال: بماذا؟
قيل: بمتروك. وذلك" فعليه" لأن تأويل الكلام: وأتموا الحج
والعمرة أيها المؤمنون لله، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من
مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم - لإحلالكم، إن أردتم الإحلال من
إحرامكم - ما استيسر من الهدي.
وإنما اخترنا الرفع في ذلك، لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره،
وذلك كقوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى
مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ) وكقوله: (فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وما أشبه ذلك مما يطول
بإحصائه الكتاب، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه.
ولو قيل موضع" ما" نصب، بمعنى: فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من
الهدي، لكان غير مخطئ قائله. (1)
* * *
وأما" الهدي"، فإنه جمع، وأحدها"هديّه"، على تقدير" جديّه
السرج" والجمع" الجَدْي" مخفف. (2)
3285 - حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، عن يونس، قال: كان
أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه. (3)
* * *
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 118.
(2) "هدية" و"جدية" بتشديد الياء، وقد ضبطها ناشر مجاز القرآن
لأبي عبيدة بفتح فسكون، وهو خطأ والجدية: قطعة من الكساء محشوة
تكون تحت دفتي السرج وظلفة الرحل، وهما جديتان.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 69.
(3/34)
وبتخفيف" الياء" وتسكين" الدال" من" الهدي"
قرأه القرأة في كل مصر، إلا ما ذكر عن الأعرج، فإن:-
3286 - أبا هشام الرفاعي، حدثنا، قال: حدثنا يعقوب، عن بشار،
عن أسد، عن الأعرج أنه قرأ: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)
[سورة المائدة:95] بكسر" الدال" مثقلا وقرأ:"حتى يبلغ الهدي
محله"، بكسر" الدال" مثقلة. واختلف في ذلك عن عاصم، فروي عنه
موافقة الأعرج ومخالفته إلى قراءه سائر القرأة.
* * *
و" الهدي" عندي إنما سمي" هديا" لأنه تقرب به إلى الله جل وعز
مهديه، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه،
يقال منه:" أهديت الهدي إلى بيت الله، فأنا أهديه إهداء". كما
يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره:" أهديت إلى فلان هدية
وأنا أهديها."، ويقال للبدنة" هدية"، ومنه قول زهير بن أبي
سلمى، يذكر رجلا أسر، يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى:
فلم أر معشرا أسروا هديا ... ولم أر جار بيت يستباء! (1)
* * *
__________
(1) ديوانه: 79 من قصيدة كريمة، قالها في ذم بني عليم بن جناب
من كلب. وكان رجل من بني عبد الله بن غطفان قد أتاهم فأكرموه
وأحسنوا جواره، بيد أنه كان مولعا بالقمار فنهوه عنه، فأبى إلا
المقامرة. فقمر مرة فردوا عليه، ثم قمر أخرى فردوا عليه، ثم
قمر الثالثة فلم يردوا عليه، وأخذت منه امرأته في قماره.
والهدي: الرجل ذو الحرمة المستجير بالقوم فسموه كما قال الطبري
بما يهدي إلى البيت، فهو لا يرد عن البيت ولا يصاب، وقوله:
"فستباء" أي تؤخذ امرأته وتنكح، ثم قال لهم بعد البيت: وجار
البيت والرجل المنادي ... أمام الحي، عهدهما سواء
والمنادي: المجالس في النادي أما بيوت الحي.
(3/35)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا
تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم، فأردتم الإحلال
من إحرامكم، فعليكم ما استيسر من الهدي. ولا تحلوا من إحرامكم
إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي = الذي أوجبته عليكم لإحلالكم من
إحرامكم الذي أحصرتم فيه، قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه =
محله. (1) وذلك أن حلق الرأس إحلال من الإحرام الذي كان المحرم
قد أوجبه على نفسه. فنهاه الله عن الإحلال من إحرامه بحلاقه،
(2) حتى يبلغ الهدي -الذي أباح الله جل ثناؤه له الإحلال جل
ثناؤه بإهدائه - محله.
* * *
ثم اختلف أهل العلم في" محل" الهدي الذي عناه الله جل اسمه،
الذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الذي أحصر فيه.
فقال بعضهم: محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه
حلق رأسه = إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه، إن كان مما
يذبح، أو نحره إن كان مما ينحر، في الحل ذبح أو نحر أو في
الحرم = [حيث حبس] (3)
__________
(1) قال ابن كثير في تفسيره 1: 446"وقوله: "ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله" معطوف على قوله: "وأتموا الحج والعمرة
لله" وليس معطوفا على قوله: "فإن احصرتم فما استيسر من الهدي"
كما زعمه ابن جرير رحمه الله. لأن النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه عام الحديبية، لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى
الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم. فأما في حال الأمن
والوصول إلى الحرم، فلا يجوز الحلق"حتى يبلغ الهدي محله"،
ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة -وإن كان قارنا- أو من فعل
أحدهما، إن كان مفردا أو متمتعا، كما ثبت في الصحيحين عن حفصة
أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس؟ حلوا من العمرة ولم
تحل أنت من عمرتك! فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل
حتى انحر".
وفي تخطئة ابن كثير لأبي جعفر، نظر وتفصيل ليس هذا موضعه لأنه
يطول.
(2) الحلاق مصدر كالحلق والتحلاق، يقال: رأس جيد الحلاق (بكسر
الحاء) وقد أكثر مالك من استعمال هذا المصدر في الموطأ (انظر:
395، 396) .
(3) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
(3/36)
وإن كان من غير خوف عدو فلا يحل حتى يطوف
بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. وهذا قول من قال: الإحصار
إحصار العدو دون غيره.
* ذكر من قال ذلك:
3287 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس
أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه
بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم، وحلوا من كل شيء قبل
أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه،
أن يقضوا شيئا، ولا أن يعودوا لشيء. (1)
3288 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن
نافع: أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة، فقال:
إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم. فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية.
ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد.
قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني
قد أوجبت الحج مع العمرة. قال: ثم طاف طوافا واحدا، ورأى أن
ذلك مجز عنه وأهدى=.
قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن
أحصر بعدو كما أحصر نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت.
قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت، فقال: يحل
من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء،
إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الإسلام. (2)
__________
(1) الأثر: 3287- مضى في ص: 24، بغير إسناد.
(2) الأثر: 3288- في الموطأ: 360- 361 مع خلاف يسير في بعض
لفظه. ومن أول قوله: "قال: وسئل مالك"، في آخر هذا الأثر، قد
مضى برقم: 3238، وهو في الموطأ: 360، قبل النص السالف.
(3/37)
3289 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب،
قال: أخبرنا مالك، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن سليمان بن
يسار: أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير
أفتوا ابن حزابة المخزومي، (1) وصرع في الحج ببعض الطريق، أن
يتداوى بما لا بد منه، (2) ويفتدي، ثم يجعلها عمرة، ويحج عاما
قابلا ويهدي.
قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وذلك الأمر عندنا فيمن أحصر
بغير عدو. (3)
قال: وقال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض، أو
خطأ في العدد، أو خفي عليه الهلال، فهو محصر، عليه ما على
المحصر - يعني من المقام على إحرامه - حتى يطوف أو يسعى، ثم
الحج من قابل والهدي.
3290 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى
بن سعيد، يقول: أخبرني أيوب بن موسى أن داود بن أبي عاصم
أخبره: أنه حج مرة فاشتكى، فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا
والمروة. فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك، وأن عطاء
كتب إليه: أن أهرق دما
* * *
وعلة من قال بقول مالك: في أن محل الهدي في الإحصار بالعدو
نحره حيث حبس صاحبه، ما:-
3291 - حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الأسدي، قالا حدثنا
عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، قال: أخبرني
أبو مرة مولى أم هانئ، عن ابن عمر، قال: لما كان الهدي دون
الجبال التي تطلع على وادي الثنية،
__________
(1) في الموطأ: "سعيد بن حزابة المخزومي".
(2) في المطبوعة: "أن يبدأ بما لا بد منه" والصواب من الموطأ،
وقد مضى ذلك كذلك أيضًا في ص: 25، وانظر تعليق رقم: 2.
(3) الموطأ: 362، ومضى بعض ذلك في ص: 25.
(3/38)
عرض له المشركون فردوا وجهه، قال: فنحر
النبي صلى الله عليه وسلم الهدي حيث حبسوه- وهي الحديبية-
وحلق، وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق، وتربص آخرون فقالوا:
لعلنا نطوف بالبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم
الله المحلقين! قيل: والمقصرين! قال: رحم الله المحلقين! قيل:
والمقصرين! قال:"والمقصرين". (1)
3292 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد
القطان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا معمر عن
الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا
لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية بينه وبين مشركي
قريش-وذلك بالحديبية، عام الحديبية- قال لأصحابه:"قوموا
فانحروا واحلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك
ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر
ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله اخرج، ثم لا تكلم أحدا
منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق. فقام فخرج، فلم
يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل
بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. (2)
* * *
__________
(1) الحديث: 3291- إسناده ضعيف جدا، من أجل"موسى بن عبيدة".
وقد مضى بيان حاله: 1875، 1876.
أبو مرة مولى أم هانئ: اسمه"يزيد" ويقال له أيضًا "مولى عقيل
بن أبي طالب"، واشتهر بكنيته. وهو تابعي ثقة معروف، أخرج له
أصحاب الكتب الستة.
ومعنى الحديث ثابت معروف من أوجه كثيرة، في دواوين الحديث وكتب
السيرة، بل إن نحو هذا المعنى ثابت عن ابن عمر بإسناد صحيح، في
المسند: 6067، والبخاري 5: 224، و 7: 391 (من الفتح) . والدعاء
للمحلقين والمقصرين ثابت من حديثه أيضًا، صحيح، في المسند:
4657 والموطأ والصحيحين، كما بينا هناك.
(2) الحديث: 3292- هو جزء من حديث طويل، في شأن صلح الحديبية،
وهو معروف مشهور.
رواه احمد في المسند 4: 328- 231 (حلبي) عن عبد الرزاق عن معمر
بهذا الإسناد ثم رواه عقب ذلك، عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد
الله بن المبارك. عن معمر ولم يذكر لفظه إحالة على الرواية
قبله. وقد رواه الطبري هنا، من طريق يحيى القطان.
ورواه البخاري 5: 241- 260 (فتح الباري) عن عبد الله بن محمد،
عن عبد الرزاق كرواية المسند وروي منه قطعة موجزة 3: 433 من
طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر.
(3/39)
قالوا: فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه
حين صده المشركون عن البيت بالحديبية، وحل هو وأصحابه. قالوا:
والحديبية ليست من الحرم. قالوا: ففي مثل ذلك دليل واضح على أن
معنى قوله:" حتى يبلغ الهدي محله"، حتى يبلغ بالذبح أو النحر
محل أكله، والانتفاع به في محل ذبحه ونحره.
3293 - كما روي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام في نظيره إذ
أتي بلحم - أتته بريرة - من صدقة كان تصدق به عليها، فقال:
قربوه فقد بلغ محله. (1)
* * *
يعني: فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه بعد أن كان
صدقة على بريرة.
* * *
__________
(1) الحديث: 3293- هذه إشارة من الطبري إلى حديث مشهور معروف.
وهو قصة"بريرة" التي اشترتها عائشة من مواليها الذين كاتبوها،
وأعتقها فكانت مولاتها، وهي في الصحيحين وغيرهما. واللفظ
الثابت في الصحيحين، في شأن اللحم الذي تصدق به على بريرة،
وأهدته هي لعائشة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه-: أنه
قال: "هو لها صدقة ولنا هدية" أو نحو هذا، من حديث عائشة ومن
حديث أنس، ولم أجد لفظ"فقد بلغ محله"، الذي حكاه الطبري في قصة
بريرة. ولعله وقع إليه من رواية خفيت علينا.
نعم، جاء نحو هذا اللفظ، في قصتين أخريين في هذا المعنى:
إحداهما: من حديث أم عطية الأنصارية أنها بعثت إلى عائشة من
لحم جاءها من الصدقة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل
عن طعام، فأخبروه بذلك -لأن الصدقة لا تحل له- فقال صلى الله
عليه وسلم: "إنها قد بلغت محلها". رواه أحمد في المسند 6: 407-
408 (حلبي) والبخاري 3: 245، 281- 282، و 5: 149- 150 (فتح)
مسلم 1: 297.
والأخرى: من حديث جويرية بنت الحارث أم المؤمنين قالت: "دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: فقال: هل من طعام؟
قلت: لا إلا أعظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة. قال صلى الله
عليه وسلم: فقربيه فقد بلغت محلها". رواه أحمد في المسند 6:
429 (حلبي) . ومسلم 1: 296.
(3/40)
وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم لا محل
له غيره.
* ذكر من قال ذلك:
3294 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن الأعمش،
عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد: أن عمرو بن سعيد
النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه
إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له،
فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم يوم أمارة، فإذا ذبح الهدي
فليحل، وعليه قضاء عمرته. (1)
3295 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن
سليمان بن مهران، عن عمارة بن عمير وإبراهيم، عن عبد الرحمن بن
يزيد أنه قال: خرجنا مهلين بعمرة فينا الأسود بن يزيد، حتى
نزلنا ذات الشقوق، فلدغ صاحب لنا، فشق ذلك عليه مشقة شديدة،
فلم ندر كيف نصنع به، فخرج بعضنا إلى الطريق، فإذا نحن بركب
فيه عبد الله بن مسعود، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن رجل منا
لدغ، فكيف نصنع به؟ قال: يبعث معكم بثمن هدي، فتجعلون بينكم
وبينه يوما أمارة، فإذا نحر الهدي فليحل، وعليه عمرة في قابل.
(2)
3296 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن
__________
(1) الخبر: 3294- عمارة بن عمير التيمي: ثقة أخرج له أصحاب
الكتب الستة.
عبد الرحمن بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي: تابعي
ثقة كثير الحديث.
عمرو بن سعيد النخعي: لم أجد له ذكرا، وليس له شأن في رواية
الخبر، بل هو المتحدث عنه، والذي أفتى ابن مسعود في شأنه.
وسيأتي اسمه مرة أخرى في الخبر: 3299. وانظر التعليق على
الأثر: 3297 وقد روى الطبري هذا الخبر مكررا بأسانيد، كما ترى
وانظر التعليق على الأثر: 3297.
ذات الشقوق: منزل بطريق مكة، من الكوفة. وتشوف الشيء: تطاول
ينظر إليه.
(2) الخبر: 3295- سليمان بن مهران: هو الأعمش. وهو هنا يروي
الخبر عن عمارة بن عمير، كالرواية السابقة، وعن إبراهيم: وهو
ابن يزيد بن الأسود بن عمرو النخعي، وهو الفقيه المعروف الثقة،
وهو ابن اخت"عبد الرحمن بن يزيد بن قيس". فالأعمش يرويه عنهما
عن عبد الرحمن ابن يزيد.
* وسيأتي الخبر من روايته وحده أيضًا، عن خاله عبد الرحمن:
3297.
(3/41)
الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن
بن يزيد، قال: بينا نحن بذات الشقوق فلبى رجل منا بعمرة فلدغ،
فمر علينا عبد الله فسألناه، فقال: اجعلوا بينكم وبينه يوم
أمار، فيبعث بثمن الهدي، فإذا نحر حل وعليه العمرة. (1)
3297 - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت إبراهيم النخعي يحدث عن عبد
الرحمن بن يزيد، قال: أهل رجل منا بعمرة، فلدغ، فطلع ركب فيهم
عبد الله بن مسعود، فسألوه، فقال: يبعث بهدي، واجعلوا بينكم
وبينه يوما أمارا، فإذا كان ذلك اليوم فليحل = وقال عمارة بن
عمير: فكان حسبك به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله =
وعليه العمرة من قابل. (2)
3298 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش،
عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: خرجنا عمارا، فلما كنا
بذات الشقوق لدغ صاحب لنا، فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به،
فإذا عبد الله بن مسعود في ركب، فقلنا له: لدغ صاحب لنا؟ فقال:
اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما، وليرسل بالهدي، فإذا نحر الهدي
فليحلل، ثم عليه العمرة.
3299 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن الحجاج، قال: حدثني
عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن عمرو بن سعيد
النخعي
__________
(1) الأمار والأمارة: العلامة والوقت.
(2) الخبر: 3297 -الحكم: هو ابن عتيبة- بضم العين وفتح التاء
المثناة من فوق، وبعد التحتية باء موحدة. وهو تابعي ثقة حجة
فقيه مشهور. وجعله أحمد بن حنبل أثبت الناس في الرواية عن
إبراهيم النخعي.
* وهذا الخبر رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1: 432، من
طريق بشر بن عمر، عن شعبة بهذا الإسناد نحوه وقد سمى فيه الرجل
الذي لدغ، فقال: "أهل رجل من النخع بعمرة، يقال له: عمير بن
سعيد- إلخ. فإن يكن هذا صوابا يكن هو"عمير بن سعيد النخعي"
التابعي وقد مضت ترجمته: 1683. فيكون الاسم"عمرو بن سعيد" في
الخبرين: 3294، 3299- محرفا عن هذا. ويرجحه أنه وقع اسمه أيضًا
محرفا إلى"عمرو بن سعيد" في المطبوعة، هناك في: 1683.
(3/42)
أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها،
فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود،
فذكروا ذلك له فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوم
أمار، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته. (1)
3300 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية،
عن علي، عن ابن عباس:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، يقول:
من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر
يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه.
فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة
الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه.
ثم قال:" ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله" فإن كان أحرم
بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى
البيت.
3301 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" فإن أحصرتم فما
استيسر من الهدي"، فهو الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
كان يحبس عن البيت، فيهدي إلى البيت، ويمكث على إحرامه حتى
يبلغ الهدي محله. فإذا بلغ الهدي محله حلق رأسه، فأتم الله له
حجه. والإحصار أيضا أن يحال بينه وبين الحج، فعليه هدي: إن كان
موسرا من الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم، ويجعل حجه
عمرة، ويبعث بهديه إلى البيت. فإذا نحر الهدي فقد حل، وعليه
الحج من قابل.
3302 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، حدثنا بشر بن السري،
__________
(1) الخبر:، 3299 -الحجاج: هو ابن أرطاة بن ثور بن هيرة
النخعي، وهو ثقة على الراجح عندنا. ثم انظر التعليق على الأثر:
3297.
* عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي: تابعي ثقة.
أبوه الأسود بن يزيد النخعي: هو أخو"عبد الرحمن بن يزيد
النخعي، الماضي في الروايات السابقة، وهو تابعي كبير، ثقة من
أهل الخير، كما قال أحمد.
(3/43)
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن
سلمة، قال: سأل علي رضي الله عنه عن قول الله عز وجل:" فإن
أحصرتم فما استيسر من الهدي" فإذا أحصر الحاج بعث بالهدي، فإذا
نحر عنه حل، ولا يحل حتى ينحر هديه.
3303 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت عطاء يقول: من حبس في عمرته،
فبعث بهدية فاعترض لها فإنه يتصدق بشيء أو يصوم، ومن اعترض
لهديته، وهو حاج، فإن محل الهدي والإحرام يوم النحر، وليس عليه
شيء.
3304 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، مثله.
3305 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا
رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، الرجل يحرم ثم يخرج فيحصر، إما
بلدغ أو مرض فلا يطيق السير، وإما تنكسر راحلته، فإنه يقيم، ثم
يبعث بهدي شاة فما فوقها. فإن هو صح فسار فأدرك فليس عليه هدي،
وإن فاته الحج فإنها تكون عمرة، وعليه من قابل حجة. وإن هو رجع
لم يزل محرما حتى ينحر عنه يوم النحر.
فإن هو بلغه أن صاحبه لم ينحر عنه عاد محرما وبعث بهدي آخر،
فواعد صاحبه يوم ينحر عنه بمكة، فتنحر عنه بمكة، ويحل، وعليه
من قابل حجة وعمرة - ومن الناس من يقول: عمرتان. وإن كان أحرم
بعمرة ثم رجع وبعث بهديه، فعليه من قابل عمرتان. وأناس يقولون:
لا بل ثلاث عمر، نحوا مما صنعوا في الحج حين صنعوا، عليه حجة
وعمرتان.
3306 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق
الأزرق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن
عباس، قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه إذا كان لا يستطيع أن يصل
إلى البيت من العدو.
(3/44)
فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث
بها مكانه، ويواعد صاحب الهدي. فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر.
فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس. وإن كان
معه هدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به، وليس عليه
أن يحج قابلا ولا يعتمر، إلا أن يشاء.
* * *
وقال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة = أن محل الهدايا
والبدن الحرم = أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال:
(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 32-33]
فجعل محلها الحرم، ولا محل للهدي دونه.
قالوا: وأما ما ادعاه المحتجون بنحر النبي صلى الله عليه وسلم
هداياه بالحديبية حين صد عن البيت، فليس ذلك بالقول المجتمع
عليه، وذلك أن:
3307 - الفضل بن سهل حدثني، قال: حدثنا مخول بن إبراهيم، قال:
حدثنا إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر الأسلمي، عن أبيه، عن ناجية
بن جندب الأسلمي، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد
عن الهدي، فقلت: يا رسول الله ابعث معي بالهدي فلننحره بالحرم!
قال: كيف تصنع به؟ قلت: آخذ به أودية فلا يقدرون عليه! فانطلقت
به حتى نحرته بالحرم. (1)
__________
(1) الحديث: 3307 -الفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج، شيخ
الطبري: أحد الثقات الحفاظ روى عنه الشيخان في الصحيحين. وهو
مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3/1/63، وتاريخ بغداد 12:
364-365. وتذكرة الحفاظ 2: 120.
مخول -بالخاء المعجمة بوزن"محمد"- بن إبراهيم بن مخول بن راشد
النهدي الحناط؛ قال الذهبي في الميزان: "رافضي بغيض، صدوق في
نفسه". وقال ابن أبي حاتم 4/1/399: "سئل أبي عنه فقال: "هو
صدوق" وذكره ابن حبان في الثقات.
إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي. و"مخول" أكثر
روايته عن إسرائيل، وقد روى عنه ما لم يرو غيره"، كما قال ابن
عدي.
مجزأة بن زاهر: تابعي ثقة، أخرج له الشيخان وغيرهما.
أبوه، زاهر بن أسود بن حجاج بن قيس الأسلمي: صحابي معروف كان
ممن بايع تحت الشجرة. ناجية بن جندب الأسلمي: صحابي معروف وكان
صاحب بدن رسول اله صلى الله عليه وسلم. وهناك أيضًا "ناجية بن
كعب الخزاعي" كان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيضًا. وقد خلط بينهما بعض الرواة. وحقق الحافظ في التهذيب
والإصابة أن هذا غير ذاك.
والحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1: 427، عن إبراهيم
بن أبي داود عن مخول ابن إبراهيم بهذا الإسناد إلا أنه جعله"عن
مجزأة عن ناجية" مباشرة ليس بينهما"عن أبيه". و"مجزأة" يروى عن
ناجية. لكن هذا الحديث بعينه ذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة
ناجية 6: 222- 223 أنه رواه ابن مندة"من طريق مجزأة بن زاهر،
عن أبيه عن ناجية بن جندب"، ثم ذكر أنه"أخرجه الطحاوي من طريق
مخول". فلا أدري: أسقط قوله"عن أبيه" من نسخة الطحاوي؟ أم هو
اختلاف رواية؟
وقال الحافظ بعد ذكره رواية ابن مندة: "قال اب مندة: تفرد به
مخول بن إبراهيم عن إسرائيل عنه (يعني عن مجزأة) ورواه عنه
(يعني عن مخول) أبو حاتم الرازي وغيره. كذا قال وقد أخرجه
النسائي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل مثله". ولم أجده
في النسائي. فالظاهر أنه في السنن الكبرى.
(3/45)
قالوا: فقد بين هذا الخبر أن النبي صلى
الله عليه وسلم نحر هداياه في الحرم، فلا حجة لمحتج بنحره
بالحديبية في غير الحرم.
* * *
وقال آخرون: معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين
اللذين وصفنا من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما
ذكرنا. وقالوا: إنما معنى ذلك: فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن
حجكم - فمنعتم من المضي لإحرامه لعائق مرض أو خوف عدو - وأداء
اللازم لكم وحجكم، حتى فاتكم الوقوف بعرفة، فإن عليكم ما
استيسر من الهدي، لما فاتكم من حجكم، مع قضاء الحج الذي فاتكم.
فقال أهل هذه المقالة: ليس للمحصر في الحج - بالمرض والعلل
غيره - الإحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة
إن فاته الحج. قالوا: فأما إن أطاق شهود المشاهد، فإنه غير
محصر. قالوا: وأما العمرة فلا إحصار فيها، لأن وقتها موجود
أبدا. قالوا: والمعتمر لا يحل إلا بعمل آخر ما يلزمه في
إحرامه.
(3/46)
قالوا: ولم يدخل المعتمر في هذه الآية،
وإنما عنى بها الحاج.
* * *
ثم اختلف أهل هذه المقالة. فقال بعضهم: لا إحصار اليوم بعدو،
كما لا إحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف
بالبيت والسعي بين الصفا والمروة.
* ذكر من قال ذلك:
3308 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث،
عن مجاهد، عن طاوس، قال: قال ابن عباس: لا إحصار اليوم.
3309 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال سمعت يحيى
بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت: لا
أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت.
3310 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لا حصر
إلا من حبسه عدو، فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة.
* * *
وقال آخرون منهم: حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم، على نحو
ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم.
* ذكر من قال ذلك: وقال: معنى الآية: فإن أحصرتم عن الحج حتى
فاتكم، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم:
3311 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن
ابن شهاب، عن سالم، قال: كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في
الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن
حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل من كل شيء
حتى يحج عاما
(3/47)
قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا.
3312 - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال:
حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: المحصر لا
يحل من شيء حتى يبلغ البيت، ويقيم على إحرامه كما هو، إلا أن
تصيبه جراحة - أو جرح - فيتداوى بما يصلحه ويفتدي. فإذا وصل
إلى البيت، فإن كانت عمرة قضاها، وإن كانت حجة فسخها بعمرة،
وعليه الحج من قابل والهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في
الحج وسبعة إذا رجع.
3313 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد
الله، قال: أخبرني نافع: أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو
بالسقيا، فرأى به كسرا، فاستفتاه، فأمره أن يقف كما هو لا يحل
من شيء حتى يأتي البيت إلا أن يصيبه أذى فيتداوى وعليه ما
استيسر من الهدي. وكان أهل بالحج. (1)
3314 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث،
قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله
أن عبد الله بن عمر، قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه خوف
أو مرض أو خلأ له ظهر يحمله، (2) أو شيء من الأمور كلها، فإنه
يتعالج لحبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه، غير أنه لا يحل من
النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها صيام أو صدقة
أو نسك. فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك، أو فاته أن يقف في
مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة، فقد فاته الحج، وصارت
حجته عمرة: يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن كان
معه هدي نحره بمكة قريبا من
__________
(1) انظر ما سلف رقم: 3289.
(2) خلأت الناقة تخلأ خلاه (بكسر الخاء) فهي خالي: إذا بركت
وأبت أن تقوم وأبت أن تقوم وفي الحديث"أن ناقة النبي صلى الله
عليه وسلم خلأت به يوم الحديبية فقالوا: خلأت القصواء! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلأت! وما هو لها بخلق! ولكن
حبسها حابس الفيل". والظهر: الإبل التي يحمل عليها ويركب
عليها.
(3/48)
المسجد الحرام، ثم حلق رأسه، أو قصر، ثم حل
من النساء والطيب وغير ذلك. ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي ما
تيسر من الهدي.
3315 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك بن
أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر
أنه قال: المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة.
وإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها أو الدواء
صنع ذلك وافتدى. (1)
* * *
فهذا ما روي عن ابن عمر في الإحصار بالمرض وما أشبهه، وأما في
المحصر بالعدو فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل
عن مالك بن أنس أنه كان يقوله. (2)
3316 - حدثني تميم بن المنتصر، قال: حدثنا عبد الله بن نمير،
قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج حين نزل
الحجاج بابن الزبير فكلمه ابناه سالم وعبيد الله، فقالا لا
يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال
بينك وبين البيت! قال: إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حال كفار قريش بينه وبين
البيت فحلق ورجع.
* * *
وأما ما ذكرناه عنهم في العمرة من قولهم:" إنه لا إحصار فيها
ولا حصر"، فإنه:-
3317 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني هشيم، عن أبي
بشر، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أنه أهل بعمرة فأحصر، قال:
فكتب إلى ابن عباس وابن عمر، فكتبا إليه أن يبعث بالهدي، ثم
يقيم حتى يحل من عمرته. قال: فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر.
__________
(1) الموطأ: 361، مع خلاف يسير في لفظه وفيه: "المحصر بمرض لا
يحل. . . "
(2) انظر ما سلف رقم: 3238، 3287، 3288.
(3/49)
3318 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية،
قال: أخبرنا يعقوب، عن أبي العلاء بن الشخير، قال: خرجت معتمرا
فصرعت عن بعيري، فكسرت رجلي، فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر
نسألهما، فقالا إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج، لا تحل حتى
تطوف بالبيت. قال: فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو
ثمانية أشهر. (1)
3319 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن
أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما
أنه قال: خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي،
فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس، وبها عبد الله بن عباس
وعبد الله بن عمر والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على
ذلك إلى سبعة أشهر، حتى أحللت بعمرة. (2)
3320 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب في رجل أصابه كسر وهو معتمر،
قال: يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبالصفا
والمروة، ويحلق أو يقصر، وليس عليه شيء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية
قول من
__________
(1) الدثينة (بفتح أوله وكسر ثانيه) : منزل لبني سليم في طريق
البصرة إلى مكة، وكانت تسمى"الدفينة" أيضًا. وقال البكري في
معجم ما استعجم: "الدثينة" بفتح أوله وثانيه بعده نون وياء
مشددة. ثم نقل عن أبي علي القالي: "الدفينة والدثينة: منزل
لبني سليم نفلته من كتاب يعقوب في الإبدال" والصواب ما ذكره
ياقوت في ضبطها، لقول النابغة الذبياني:
وعلى الرميثة من سكين حاضر وعلى الدثينة من بني سيار
(2) الموطأ: 361، وفي بعض لفظه خلاف يسير، وفيه أيضًا: "فأقمت
على ذلك الماء سبعة أشهر"، وكأنها الصواب.
(3/50)
قال: إن الله عز وجل عنى بقوله =:" فإن
أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي
محله" = كل محصر في إحرام، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج.
وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه، وجعل له الإحلال من
إحرامه ببلوغ هديه محله-. (1) وتأول بـ "المحل" المنحر أو
المذبح، وذلك حين حل نحره أو ذبحه، في حرم كان أو في حل،
وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه
سبيلا وذلك لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة، فنحر هو
وأصحابه بأمره الهدي، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت،
ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده. ولم يدع
أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى
البيت والإحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة، ولا
تحفى وصول هديه إلى الحرم. (2)
فأولى الأفعال أن يقتدى به، فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إذ لم يأت بحظره خبر، ولم تقم بالمنع منه حجة. فإذ كان ذلك
كذلك، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك =
فمن متأول معنى الآية تأويلنا، ومن مخالف ذلك، ثم كان ثابتا
بما قلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النقل = كان الذي
نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية، إذ كانت هذه الآية لا
يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت وفي حكم صد المشركين إياه عن
البيت أوحيت. (3)
__________
(1) قوله: "وتأول. . " معطوف على قوله: ". . . قول من قال. . .
"
(2) في المطبوعة: "ولا يخفى وصول هديه إلى الحرم"، وهو لا معنى
له. وتحفى: استقصى وبالغ وعنى في معرفة الشيء. من قولهم: "هو
به حفى"، أي معنى شديد الاهتمام. هذا ما استظهرته من قراءة هذه
الكلمة. والله المسدد للصواب.
(3) في المطبوعة: "أنها يومئذ نزلت في حكم صد المشركين. . . "
وزيادة الواو لا بد منها حتى يستقيم الكلام ويعتدل جانباه.
(3/51)
وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر.
3321 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثني الحجاج
بن أبي عثمان، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، أن عكرمة مولى ابن
عباس حدثه، قال: حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة
أخرى" قال: فحدثت ابن عباس وأبا هريرة بذلك، فقالا صدق. (1)
3322 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا مروان، قال: حدثنا حجاج الصواف
= وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، عن الحجاج
الصواف = عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو،
عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وعن ابن عباس وأبي هريرة.
(2)
* * *
ومعنى هذا الخبر الأمر بقضاء الحجة التي حل منها، نظير فعل
النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا
منها عام الحديبية من القابل في عام عمرة القضية.
* * *
__________
(1) الحديث: 3321 -حجاج بن أبي عثمان الصواف: ثقة حافظ أخرج له
أصحاب الكتب الستة.
والحديث رواه أحمد في المسند: 15796 (3: 450 حلبي) عن يحيى
القطان وعن ابن علية كلاهما عن حجاج الصواف بهذا الإسناد.
ورواه أبو داود: 1962 من طريق يحيى عن حجاج قال المنذري:
"وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه". وسيأتي عقب هذا بإسناد
ثان.
(2) الحديث: 3322 -مروان: هو ابن معاوية الفزاري مضت ترجمته:
1222. والحديث مكرر ما قبله. وقد رواه الحاكم في المستدرك 1:
470 من طريق مروان بن معاوية الفزاري بهذا الإسناد. وقال: "هذا
حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
* ووقع في نسخة المستدرك المطبوعة"مروان حدثنا معاوية
الفزاري"! وهو خطأ مطبعي، ينبغي تصحيحه.
(3/52)
ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو، إذا حل من
إحرامه التطوع فلا قضاء عليه، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء:
ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء، وأسقطت عن الآخر،
وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه لولا العلة العائقة؟
فإن قال: لأن الآية إنما نزلت في الذي حصره العدو، فلا يجوز
لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه
قيل له: قد دفعك عن ذلك جماعة من أهل العلم، غير أنا نسلم لك
ما قلت في ذلك، فهلا كان حكم المنع بالمرض والإحصار له حكم
المنع بالعدو، إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت
وإتمام عمل إحرامهما، وإن اختلفت أسباب منعهما، فكان أحدهما
ممنوعا بعلة في بدنه، والآخر بمنع مانع؟ ثم يسأل الفرق بين ذلك
من أصل أو قياس، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر
مثله.
* * *
وأما الذين قالوا: لا إحصار في العمرة، فإنه يقال لهم: قد
علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صد عن البيت، وهو محرم
بالعمرة، فحل من إحرامه؟ فما برهانكم على عدم الإحصار فيها؟ أو
رأيتم إن قال قائل: لا إحصار في حج، وإنما فيه فوت، وعلى
الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين
الصفا والمروة، لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
سن في الإحصار في الحج سنة؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين.
فأما العمرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سن فيها ما سن،
وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بيّن من الإحلال والقضاء
الذي فعله صلى الله عليه وسلم، ففيها الإحصار دون الحج هل
بينها وبينه فرق؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في
أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
(3/53)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ
مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي، ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله، (1) إلا أن
يضطر إلى حلقه منكم مضطر، إما لمرض، وإما لأذى برأسه، من هوام
أو غيرها، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به، وإن لم يبلغ الهدي
محله، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك، فدية من صيام، أو صدقة، أو
نسك.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
3323 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن
جريج، قال: قلت لعطاء: ما" أذى من رأسه"؟ قال: القمل وغيره،
والصدع، وما كان في رأسه.
* * *
وقال آخرون: لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك، أو
الإطعام، إلا بعد التكفير. وإن أراد أن يفتدي بالصوم، حلق ثم
صام.
* ذكر من قال ذلك. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
. . . . .
3324 - حدثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن،
قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه فإنه يحلق حين يبعث بالشاة،
أو يطعم المساكين،
__________
(1) انظر ما سلف ص: 36، والتعليق رقم: 1
(3/54)
وإن كان صوم حلق ثم صام بعد ذلك. (1) . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . .
* * *
* ذكر من قال ذلك:
3325 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا أهل الرجل
بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي، شاة فإن عجل قبل أن يبلغ
الهدي محله، فحلق رأسه، أو مس طيبا أو تداوى، كان عليه فدية من
صيام، أو صدقة، أو نسك. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير،
فقال: كذلك قال ابن عباس.
3326 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي"، قال: من أحصر بمرض أو كسر فليرسل بما استيسر من الهدي،
ولا يحلق رأسه، ولا يحل حتى يوم النحر. فمن كان مريضا، أو
اكتحل، أو ادهن، أو تداوى، أو كان به أذى من رأسه، فحلق، ففدية
من صيام، أو صدقة، أو نسك.
__________
(1) الخبر: 3324 -عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري الحافظ:
ثقة أخرج له الشيخان وغيرهما مات سنة 237. وهو بصري وابن جرير
ولد سنة 224 فكانت سنة حين وفاة عبيد الله 13 سنة ولا يبعد
سماعه منه، إلا أنه لم يرحل في طلب الحديث في هذه السن. ولم
أجد ما يؤيد ظاهر هذا الإسناد: أنه سمع عبيد الله. وسيأتي هذا
الإسناد في خبر آخر: 3374 بواسطة بين الطبري وعبيد الله، وليس
يمتنع أن يروي الراوي عن شيخ مباشرة تارة وبواسطة تارة أخرى.
ولني أشك في صحة مطبوعة الطبري في هذا الموضع خشية أن يكون سقط
اسم شيخ بينهما.
وقد وضعت قبل هذا الأثر نقطا وبعده نقطا أخرى ليقيني أن في هذا
الموضع خرم وخلط لم أستطع أن أهتدي إليه. ومع ذلك فأنا في شك
من نص هذا الأثر، وأخشى أن يكون من كلام الطبري لا من كلام
الحسن وسيأتي قول الحسن بهذا الإسناد في رقم: 3374.
هذا والإسناد هناك، "حدثنا ابن أبي عمران قال حدثنا عبيد الله
بن معاذ عن أبيه. . . " وكذلك نقله ابن كثير في تفسيره 1: 448
فلا شك أن في هذا الإسناد نقصا أيضًا وصوابه"حدثنا ابن أبي
عمران قال حدثنا عبيد الله بن معاذ. . . ".
(3/55)
3327 -حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة،
قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
3328 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:" ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" هذا
إذا كان قد بعث بهديه، ثم احتاج إلى حلق رأسه من مرض، وإلى
طيب، وإلى ثوب يلبسه، قميص أو غير ذلك: فعليه الفدية.
3329 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، قال:
حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: من أحصر عن الحج
فأصابه في حبسه ذلك مرض أو أذى برأسه، فحلق رأسه في محبسه ذلك،
فعليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك.
3330 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث،
قال: حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله،
أن عبد الله بن عمر قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه مرض أو
خوف، فإنه يتعالج في حبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه، غير أنه
لا يحل له النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها:
صيام، أو صدقة، أو نسك.
3331 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثني بشر بن
السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال:
سئل علي رضي الله عنه عن قول الله جل ثناؤه:" فمن كان من منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال:
هذا قبل أن ينحر الهدي، إن أصابه شيء فعليه الكفارة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه،
(3/56)
فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك قبل
الحلاق إذا أراد حلاقه.
* ذكر من قال ذلك:
3332 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فمن
اشتد مرضه، أو آذاه رأسه وهو محرم، فعليه صيام، أو إطعام، أو
نسك. ولا يحلق رأسه حتى يقدم فديته قبل ذلك.
* * *
وعلة من قال هذه المقالة ما: -
3333 - حدثنا به المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن يعقوب، قال: سألت عطاء، عن قوله:" فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فقال:
إن كعب بن عجرة مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرأسه من
الصئبان والقمل كثير، فقال له النبي عليه السلام:"هل عندك
شاة"؟ فقال كعب: ما أجدها! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
إن شئت فأطعم ستة مساكين، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، ثم احلق
رأسك. (1)
* * *
__________
(1) الحديث: 3333 -هذا الحديث إلى الحديث: 3358 ثم الحديث:
3364 كلها طرق لحديث كعب بن عجرة من أوجه مختلفة بألفاظ
وسياقات ثم الحديث 3359 في قصة كعب أيضًا. فهو 28 حديثا وجدت
تخريج أكثرها. ومنها 10 أسانيد لم يقع إلى تخريجها فتستفاد من
هذا التفسير العظيم ولعل بعضها موجود في مراجعنا ولكن لم أصل
إليه.
وأرقام الأسانيد التي لم أجد تخريجها هي: 3333، 3339، 3343،
3344، 3349، 3350، 3355، 3357، 3358، 3359.
وهذا الإسناد: 3333 -أولها ولم أجده في موضع آخر
وعطاء في هذا الإسناد: الظاهر أنه عطاء بن أبي رباح. ويحتمل أن
يكون"عطاء بن عبد الله الخراساني"، لأن الحديث سيأتي من
روايته: 3353 عن شيخ مبهم عن كعب بن عجرة.
وأيا ما كان فهذا الإسناد ضعيف لإرساله لأن عطاء يحكي قصة في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدركها، ثم لم يذكر من
حدثه بها.
وسيأتي الحديث مرة أخرى 3357 من رواية ابن جريج عن عطاء مرسلا
أيضًا.
ومعناه ثابت صحيح من الروايات الموصولة الصحيحة الآتية وفيها
كثرة والحمد لله.
الصئبان جمع صاب (بضم بفتح) جمع صؤابة: وهو بيض القمل.
(3/57)
قال أبو جعفر: فأما "المرض" الذي أبيح معه
العلاج بالطيب وحلق الرأس، فكل مرض كان صلاحه بحلقه كالبرسام
الذي يكون من صلاح صاحبه حلق رأسه، وما أشبه ذلك، (1)
والجراحات التي تكون بجسد الإنسان التي يحتاج معها إلى العلاج
بالدواء الذي فيه الطيب ونحو ذلك من القروح والعلل العارضة
للأبدان.
وأما" الأذى" الذي يكون إذا كان برأس الإنسان خاصة له حلقه،
فنحو الصداع والشقيقة، وما أشبه ذلك، (2) وأن يكثر صئبان
الرأس، وكل ما كان للرأس مؤذيا مما في حلقه صلاحه ودفع المضرة
الحالة به، فيكون ذلك بعموم قول الله جل وعز:" أو به أذى من
رأسه".
* * *
وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه
الآية نزلت عليه بسبب كعب بن عجرة، إذ شكا كثرة أذى برأسه من
صئبانه، وذلك عام الحديبية.
* ذكر الأخبار التي رويت في ذلك:
3334 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة
قالا حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا داود، عن الشعبي، عن كعب
بن عجرة، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية
ولي وفرة فيها هوام ما بين أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصئبان،
فقال:"إن هذا لأذى"! قلت: أجل يا رسول الله، شديد! قال: أمعك
دم؟ قلت: لا! قال: فإن شئت
__________
(1) البرسام: ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء. ثم
يتصل إلى الدماغ حتى يهذي صاحبه في علته هذه.
(2) الشقيقة: صداع يأخذ في نصف الرأس والوجه، يداوى بالاحتجام.
(3/58)
فصمْ ثلاثة أيام، وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع
من تمر على ستة مساكين، على كل مسكين نصف صاع. (1)
3335 - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: حدثنا خالد الطحان،
عن داود، عن عامر، عن كعب بن عجرة، عن النبي بنحوه.
3336 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أسد بن عمرو،
عن أشعث، عن عامر، عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة، قال:
خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ولي وفرة من
شعر، قد قملت وأكلني الصئبان. فرآني رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال:"احلق! " ففعلت، فقال:"هل لك هدي؟ " فقلت: ما أجد!
فقال: إنه ما استيسر من الهدي، فقلت: ما أجد! فقال:"صم ثلاثة
أيام، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع.
قال: ففي نزلت هذه الآية:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"، إلى آخر الآية (2)
__________
(1) الحديثان: 3334، 3335 -داود: هو ابن أبي هند.
والحديث رواه احمد في المسند 4: 343 وأبو داود: 1858 -كلاهما
من طريق داود عن الشعبي.
الوفرة: أعظم من الجمة وهي ما جاوز شحمة الأذنين من الشعر ثم
اللمة وهي ما ألم بالمنكبين والهوام واحدها هامة: وهي الحيات
وأشباهها مما يهم أي يدب. والهميم الدبيب. وكنوا عن القمل
بأنها هوام لأنها تهم في الرأس، أي تدب فيه وتؤذي. وآصع جمع
صاع وأصلها"أصؤع" بالهمزة مضمومة (مثل جبل وأجبل) قلبت الهمزة
مكان الصاد، كما قالوا في دار أدؤر وآدر (المغرب عن أبي علي
الفارسي ومعيار اللغة للشيرازي) والصاع مكيال لأهل المدينة
وللفقهاء اختلاف كثير في تقديره، وسيأتي (آصع) في رقم: 3346
(2) الحديث: 3336 -أسد بن عمرو البجلي القاضي: فقيه من أصحاب
أبي حنيفة وروى عنه الإمام أحمد وقال: "كان صدوقا". ووثقه ابن
سعد 7/2/74. وترجمته في التعجيل. وهو مختلف فيه جدا، بين
التوثيق والتكذيب. والعدل ما قال أحمد. أشعث: هو ابن سوار
الكندي. وهو ثقة. عامر: هو الشعبي.
عبد الله بن معقل بن مقرن المزني: تابعي ثقة من خيار التابعين.
و"معقل": بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. و"مقرن":
بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وآخره نون.
والحديث رواه أحمد 4: 243 (حلبي) عن هشيم عن أشعث بهذا
الإسناد. وسيأتي 3364، من طريق هشيم.
(3/59)
قال أبو جعفر: وهذا الخبر ينبئ عن أن
الصحيح من القول أن الفدية إنما تجب على الحالق بعد الحلق،
وفساد قول من قال: يفتدي ثم يحلق; لأن كعبا يخبر أن النبي صلى
الله عليه وسلم أمره بالفدية، بعد ما أمره بالحلق فحلق.
* * *
3337 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن
عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة
أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة
أيام، أو فرق من طعام بين ستة مساكين. (1)
3338 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عبد الله بن معقل،
قال: قعدت إلى كعب وهو في المسجد، فسألته عن هذه الآية:" ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك" فقال كعب: نزلت في كان بي أذى من
رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر
على وجهي، فقال:"ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى، أتجد
شاة؟ " فقلت: لا فنزلت هذه الآية:" ففدية من صيام أو صدقة أو
نسك" قال: فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة. (2)
__________
(1) الحديث: 3337 -مؤمل: هو ابن إسماعيل. سفيان: هو الثوري.
* عبد الرحمن بن الأصبهاني: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن
الأصبهاني. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
* والحديث رواه أحمد في المسند 4: 243 (حلبي) عن مؤمل بن
إسماعيل، بهذا الإسناد بلفظ أطول مما هنا.
* الفرق (بفتح الراء وسكونها) : مكيال لأهل المدينة يسع ستة
عشر رطلا. وفي تقديره أيضًا اختلاف كاختلافهم في الصاع. وانظر
ما سيأتي رقم: 3346.
(2) الحديث: 3338 -رواه الطيالسي في مسنده: 1062، عن شعبة بهذا
الإسناد. ورواه أحمد في المسند 4: 242 (حلبي) عن محمد بن جعفر
وعن عفان وعن بهز -ثلاثتهم عن شعبة.
* وكذلك رواه البخاري 4: 14 (فتح) ومسلم 1: 336- 337، وابن
ماجه: 3079- كلهم من طريق شعبة.
(3/60)
3339 - حدثني تميم، قال: أخبرنا إسحاق
الأزرق، عن شريك، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، قال: سمعت عبد
الله بن معقل المزني، يقول: سمعت كعب بن عجرة يقول: حججت مع
النبي صلى الله عليه وسلم، فقمل رأسي ولحيتي وشاربي وحاجبي،
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلي فقال: ما كنت
أرى هذا أصابك"، ثم قال: ادعوا لي حلاقا! فدعوه، فحلقني. ثم
قال: أعندك شيء تنسكه عنك؟ قال: قلت لا. قال:"فصم ثلاثة أيام،
أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام. قال كعب: فنزلت
هذه الآية في خاصة:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" ثم كانت للناس عامة. (1)
3340 - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا يزيد بن زريع،
قال: حدثني أيوب، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب
بن عجرة، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد
تحت قدر، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أتؤذيك هوامّ رأسك؟
قال: قلت نعم! قال: احلقه وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين،
أو اذبح شاة. (2)
__________
(1) الحديث: 3339 -تميم: هو ابن المنتصر الواسطي، شيخ الطبري.
مضت ترجمته: 891.
* إسحاق الأزرق: هو إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي.
ثقة معروف من شيوخ أحمد وابن معين، وأخرج له أصحاب الكتب
الستة. وشيوخه شريك: هو ابن عبد الله النخعي.
* عبد الله بن معقل المزني، كما بينا من قبل. ووقع هنا في
المطبوعة"المرى" وهو تصحيف.
* وهذا الإسناد مما لم أجده -من طريق شريك- في موضع آخر.
* نسك ينسك (بضم السين) نسكا: ذبح، والمنسك الموضع الذي تذبح
فيه النسك. والنسيكة الذبيحة.
(2) الحديث: 3340 -رواه أحمد 4: 244 (حلبي) من طريق معمر.
ورواه البخاري 7: 351، ومسلم 1: 336 من طريق حماد بن زيد-
كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد. وسيأتي عقب هذا، من رواية ابن
علية عن أيوب وسيأتي: 3346، من رواية ابن عيينة عن ابن أبي
نجيح وأيوب.
(3/61)
3341 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا
ابن علية، قال: حدثنا أيوب بإسناده عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله = إلا أنه قال: والقمل يتناثر علي- أو قال: على
حاجبي. وقال أيضا: أو انسك نسيكة. قال أيوب: لا أدري بأيتهن
بدأ. (1)
3342 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال:
حدثنا عبد الله بن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن كعب، قال: في أنزلت هذه الآية، قال: فقال لي: ادنه. فدنوت،
فقال:"أيؤذيك هوامك؟ قال: أظنه قال نعم! قال: فأمرني بصيام، أو
صدقة، أو نسك، ما تيسر. (2)
3343 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل عن مجاهد، عن كعب بن
عجرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليه زمن الحديبية وهو
يوقد تحت قدر له وهوام رأسه تتناثر على وجهه، فقال: أتؤذيك
هوامك؟ قال: نعم! قال: احلق رأسك، وعليك فدية من صيام أو صدقة
أو نسك، تذبح ذبيحة، أو تصوم ثلاثة أيام، أو تطعم ستة مساكين.
(3)
__________
(1) الحديث: 3341 -رواه أحمد في المسند 4: 241 (حلبي) عن
إسماعيل- وهو ابن عليه- بهذا الإسناد.
* ورواه مسلم 1: 336، عن يعقوب بن إبراهيم -شيخ الطبري هنا-
وعن علي بن حجر وزهير ابن حرب ثلاثتهم عن ابن علية.
(2) الحديث: 3342- رواه مسلم 1: 336 من طريق ابن أبي عدي عن
ابن عون بهذا الإسناد.
(3) الحديثان: 3343، 3344 -سعيد في الإسنادين: هو ابن أبي
عروبة.
* صالح أبو الخليل -وفي الإسناد الثاني"عن أبي الخليل-: هو
صالح بن أبي مريم وكنيته"أبو الخليل". مضت ترجمته: 1899. ووقع
في المطبوعة هنا في أولهما"عن صالح بن أبي الخليل" وفي
ثانيهما"عن ابن أبي الخليل". وهو خطأ ناسخ أو طابع في زياة
كلمة"بن".
* وهذان الإسنادان من طريق صالح بن أبي مريم عن مجاهد - مما لم
أجده في موضع آخر.
(3/62)
3344 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى، قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على كعب
بن عجرة زمن الحديبية، ثم ذكر نحوه.
3345 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا زيد بن
الحباب، قال: وأخبرني سيف، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنا بالحديبية، ورأسي يتهافت قملا فقال: أيؤذيك هوامك؟
قال قلت: نعم! قال: فاحلق. قال: ففي نزلت هذه الآية:" ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك". (1)
3346 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا
ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح وأيوب السختياني، عن مجاهد، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الحديبية، وأنا أوقد تحت قدر، والقمل
يتهافت علي، فقال: أتؤذيك هوامك؟ قال: قلت: نعم! قال: فاحلق،
وانسك نسيكة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا بين ستة مساكين =
قال أيوب: انسك نسيكة، وقال ابن أبي نجيح: اذبح شاة=
قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع. (2)
__________
(1) الحديث: 3345 -موسى بن عبد الرحمن المسروقي شيخ الطبري:
مضت ترجمته في: 174.
* سيف: هو ابن سليمان -ويقال: ابن أبي سليمان- المخزومي المكي.
وهو ثقة من شيوخ الثوري والقطان ووكيع، وأخرج له الشيخان
وغيرهما.
* والحديث رواه أحمد في المسند 4: 243 (حلبي) عن يحيى القطان
عن سيف بهذا الإسناد وكذلك رواه البخاري 4: 13- 14، ومسلم 1:
236 كلاهما من طريق سيف، به.
(2) الحديث: 3346- رواه أحمد في المسند 4: 243 (حلبي) عن سفيان
وهو ابن عيينة عن ابن أبي نجيح -وحده- عن مجاهد بهذا الإسناد
مختصرا. ورواه أيضًا 4: 242 عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد مطولا. وقد مضى في تخريج الحديثين: 3340، 3341
رواية أحمد إياه من طريق أيوب. وأشرنا إلى هذا هناك.
ورواه مسلم 1: 336 والترمذي 2: 120- 121 كلاهما عن ابن أبي
عمر، عن سفيان ابن عيينة وابن أبي نجيح، وحميد الأعرج وعبد
الكريم الأربعة عن مجاهد. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(3/63)
3347 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو
عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: حدثني
عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك؟
قال: نعم! فأمره أن يحلق وهو بالحديبية لم يتبين لهم أنهم
يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية،
فأمره رسول الله أن يطعم فرقا بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو
يصوم ثلاثة أيام. (1)
3348 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد،
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ونحن محرمون، وقد حصرنا
المشركون. قال: وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي،
فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيؤذيك هوام رأسك؟ "
قال: قلت نعم! قال ونزلت هذه الآية:" فمن كان من منكم مريضا أو
به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك". (2)
__________
(1) الحديث: 3347 -أبو عاصم: هو النبيل الضحاك بن مخلد عيسى:
هو ابن ميمون المكي، مضت ترجمته في: 278.
* والحديث رواه البخاري 4: 16 (فتح) من طريق شبل، عن ابن أبي
نجيح، ثم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح، به.
* ورواه البخاري أيضًا 7: 343 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح.
* وقد مضى في الذي قبله أسانيد أخر عن ابن أبي نجيح.
(2) الحديث: 3348 -يعقوب: هو ابن إبراهيم الدورقي الحافظ.
هشيم: هو ابن بشير ابن القاسم أبو معاوية الواسطي.
* أبو بشر: هو جعفر بن إياس وهو ابن أبي وحشية اليشكري الواسطي
ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
* والحديث رواه أحمد في المسند 4: 241 (حلبي) عن هشيم، بهذا
الإسناد. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده: 1065 عن هشيم وأبي
عوانة كلاهما عن أبي بشر، به.
(3/64)
3349 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير،
عن مغيرة، عن مجاهد، عن كعب بن عجرة، قال: لفي نزلت، وإياي عنى
بها:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو
صدقة أو نسك" قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم = وهو
بالحديبية، وهو عند الشجرة، وأنا محرم =: أيؤذيك هوامه؟ قلت:
نعم! - أو كلمة لا أحفظها عنى بها ذاك - فأنزل الله جل وعز:"
فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة
أو نسك"، والنسك: شاة. (1)
3350 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد،
قال: قال كعب بن عجرة، والذي نفسي بيده، لفي نزلت هذه الآية،
وإياي عنى بها، ثم ذكر نحوه، قال: وأمره أن يحلق رأسه.
3351 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال:
أخبرني مالك بن أنس، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد،
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة: أنه كان مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فآذاه القمل في رأسه، فأمره رسول
الله عليه الصلاة والسلام أن يحلق رأسه وقال: صم ثلاثة أيام،
أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان، أو انسك بشاة، أي ذلك
فعلت أجزأك". (2)
__________
(1) الحديثان: 3349، 3350 -جرير: هو ابن عبد الحميد الضبي.
* مغيرة: هو ابن مقسم -بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين-
الضبي الفقيه، ثقة أخرج له الستة.
* وهذان الإسنادان، مما لم أجده في موضع آخر. ومن البين أن
فيهما انقطاعا بين مجاهد وكعب بن عجرة بينهما عبد الرحمن بن
أبي ليل، كما يتبين من الأسانيد السابقة واللاحقة.
(2) الحديث: 3351 -هو في الموطأ ص: 417ن ولكن حذف فيه"عن
مجاهد"- بين عبد الكريم الجزري وابن أبي ليلى. وكذلك هو في
الموطأ رواية سويد بن سعيد، ص: 185 (من مصورة عن مخطوطة عتيقة
نفيسة منه، عندي) وقال ابن عبد البر في التقصي، رقم: 332"هكذا
هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة، ليس فيه ذكر مجاهد.
وسقوط مجاهد منه خطأ، لأن عبد الكريم إنما رواه عن مجاهد عن
ابن أبي ليلى: وقد رواه ابن وهب وابن القاسم في الموطأ -عن
مالك عن عبد الكريم، عن مجاهد عن ابن أبي ليلى، عن كعب وهو
الصواب". وقد أشار الحافظ في الفتح 4: 11 إلى رواية الموطأ
هذه، وقال: "قال الدارقطني: رواه أصحاب الموطأ: عن مالك عن عبد
الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا، حتى قال الشافعي: إن
مالكا وهم فيه" ثم أشار إلى روايات من رواه عن مالك على
الصواب: ابن القاسم عند النسائي. وابن وهب عند الطبري - وهي
هذه الرواية. وعبد الرحمن بن مهدي عند أحمد. ورواية ابن مهدي
في المسند 4: 241 (حلبي) ورواية ابن القاسم في النسائي 2: 28.
وكلاهما على الصواب، كرواية الطبري -هذه- من طريق ابن وهب.
(3/65)
3352 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن
مالك بن أنس حدثه عن حميد بن قيس، عن مجاهد، [عن ابن أبي ليلى]
، عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
لعله آذاك هوامك؟ - يعني القمل - قال: فقلت: نعم يا رسول الله.
فقال رسول الله: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة
مساكين، أو انسك بشاة. (1)
3353 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالك بن أنس حدثه،
عن عطاء بن عبد الله الخراساني أنه قال: أخبرني شيخ بسوق البرم
بالكوفة، عن كعب بن عجرة أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي، قد امتلأ رأسي ولحيتي
قملا فأخذ بجبهتي، ثم قال: احلق هذا، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم
ستة مساكين! وقد كان رسول الله صلى الله
__________
(1) الحديث: 3352 -حميد بن قيس المكي القارئ، قارئ أهل مكة:
ثقة من شيوخ مالك والثوري وأخرج له الستة.
* وقد سقط من إسناد الحديث هنا"ابن أبي ليلى" بين مجاهد وكعب
بن عجرة وليس هذا من خطأ الناسخ أو الطابع، بل هو من رواة
الموطأ.
* فالحديث في الموطأ ص: 417، على الصواب"مجاهد عن ابن أبي ليلى
عن كعب"- في رواية يحيى بن يحيى المعروفة وكذلك هو على الصواب
في رواية سويد بن سعيد عن مالك ص: 185.
* وقال ابن عبد البر في التقصي رقم: 43"هذا هو الصحيح في إسناد
هذا الحديث. ومن أسقط من إسناده عن مالك، "ابن أبي ليلى"- فقد
أفسد إسناده. وممن رواه كما رواه يحيى مجودا: القعنبي والشافعي
وابن عبد الحكم وأبو مصعب وابن بكير والزبيري. وسقط لابن
القاسم وابن وهب وابن عفير"ابن أبي ليلى" من إسناد هذا
الحديث". ونحو ذلك قال الحافظ في الفتح 4: 11. وقد رواه
البخاري 4: 10- 12 عن عبد الله بن يوسف، عن مالك على الصواب.
(3/66)
عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به.
(1)
3354 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن نافع، قال: حدثني أسامة بن
زيد، عن محمد بن كعب القرظي، عن كعب بن عجرة، قال كعب: أمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آذاني القمل أن أحلق رأسي،
ثم أصوم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين; وقد علم أنه ليس عندي
ما أنسك به. (2)
3355 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا روح، عن
أسامة بن زيد، عن محمد بن كعب، قال: سمعت كعب بن عجرة يقول:
أمرني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أحلق وأفتدي
بشاة. (3)
3356 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن
عنبسة، عن الزبير بن عدي، عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: لقيت
كعب بن عجرة في هذه السوق، فسألته عن حلق رأسه؟ فقال: أحرمت
فآذاني القمل. فبلغ ذلك
__________
(1) الحديث: 3353 -عطاء بن عبد الله الخراساني: هو عطاء بن أي
مسلم واسم أبي مسلم"عبد الله" وهو الراجح الثابت عند مالك
والذي اقتصر عليه ابن أبي حاتم 3/1/334- 335. وفي التهذيب قول
آخر: أنه"ميسرة". وعطاء هذا: ثقة، تكلم فيه بعضهم بغير حجة.
* والحديث في الموطأ ص: 417- 418. وأشار إليه الحافظ في الفتح
ولم ينسبه لغير الموطأ. ونقل عن ابن عبد البر لبيان الشيخ
المبهم في الإسناد قال: "يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي
ليلى، أو عبد الله بن معقل". أقول: ويحتمل أن يكون غيرهما.
فالإسناد منقطع حتى نستيقن من هذا المبهم؟
(2) الحديث: 3354 -يونس: هو ابن عبد الأعلى. ابن نافع: هو عبد
الله بن نافع بن أبي نافع الصائغ المدني، من أصحاب مالك، وهو
ثقة أخرج له مسلم وتكلم بعضهم في حفظه. أسامة بن زيد الليثي
المدني: ثقة أخطأ في بعض أحاديث ولكن ذلك لا يدفعه عن الاحتجاج
بروايته.
* محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظي: تابعي ثقة أخرج له أصحاب
الكتب الستة.
* والحديث رواه ابن ماجه: 3080، عن عبد الرحمن بن إبراهيم عن
عبد الله بن نافع بهذا الإسناد.
(3) الحديث: 3355 -إبراهيم بن سعيد الجوهري الطبري البغدادي
الحافظ: ثقة ثبت روى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري مترجم
في التهذيب. وتاريخ بغداد 6: 93- 95 روح: هو ابن عبادة مضت
ترجمته: 3015.
* والحديث مختصر ما قبله، من هذا الوجه.
(3/67)
النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاني وأنا
أطبخ قدرا لأصحابي، فحك بأصبعه رأسي فانتثر منه القمل، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: احلقه، وأطعم ستة مساكين. (1)
3357 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا
ابن جريح، قال: أخبرني عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
بالحديبية عام حبسوا بها، وقمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب
بن عجرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتؤذيك هذه
الهوام؟ قال: نعم. قال: فاحلق واجزز، ثم صم ثلاثة أيام، أو
أطعم ستة مساكين مدين مدين. قال: قلت أسمى النبي صلى الله عليه
وسلم مدين مدين؟ قال: نعم، كذلك بلغنا أن النبي صلى الله عليه
وسلم سمى ذلك لكعب، ولم يسم النسك، قال: وأخبرني أن النبي صلى
الله عليه وسلم أخبر كعبا بذلك بالحديبية قبل أن يؤذن للنبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحلق والنحر، لا يدري عطاءكم بين
الحلق والنحر. (2)
3358 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد
الله بن وهب، قال: حدثني الليث، عن ابن مسافر، عن ابن شهاب، عن
فضالة بن محمد الأنصاري، أنه أخبره عمن لا يتهم من قومه: أن
كعب بن عجرة أصابه أذى في رأسه، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله،
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام. (3)
__________
(1) الحديث: 3356 -هارون بن المغيرة بن حكيم البجلي: ثقة وثقه
ابن معين وغيره. عنبسة: هو ابن سعيد بن الضريس -بضم الضاد
المعجمة- الأسدي: ثقة وثقه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما. الزبير
بن عدي الهمداني اليامي: ثقة وثقه أحمد وابن معين وغيرهما،
وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
* والحديث رواه النسائي 2: 28، من طريق عمرو بن أبي قيس عن
الزبير بن عدي، بهذا الإسناد.
(2) الحديث: 3357 -عطاء: الظاهر أنه ابن أبي رباح. ويحتمل أن
يكون"ابن عبد الله الخراساني"، الماضي في الإسناد: 3353، كما
بينا في: 3333.
(3) الحديث: 3358 -ابن مسافر: هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر
الفهمي المصرين كان واليا على مصر سنة 118، وهو ثقة ثبت أخرج
له الشيخان وغيرهما.
* فضالة بن محمد الأنصاري: ثقة ترجمه البخاري في الكبير
4/1/126، قال: "بعد في أهل المدينة. عمن حدثه عن كعب بن عجرة.
روى عنه الزهري". وبنحو ذلك ترجمه بن أبي حاتم 3/2/77.
* والحديث لم أجده في موضع آخر، إلا إشارة البخاري وابن أبي
حاتم إليه، بما ذكرنا.
* ولحديث كعب عجرة أسانيد أخر، وزيادة على الأسانيد الكثيرة
التي هنا:
* فمنها: رواية شعبة عن الحكم عن أبي ليلى، عن كعب -عند أحمد
في المسند 4: 241- 242، 243 (حلبي) .
* ومنها: رواية ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة،
عن كعب -في المسند 4: 242.
* ومنها: رواية وهيب، عن خالد، عن أبي قلابة، عن ابن أبي ليلى.
في المسند 4: 242، وصحيح مسلم 1: 336.
* ومنها: رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، عن عبد الله
بن معقل المزني - في المسند 4: 243.
* ومنها: رواية الليث، عن نافع عن رجل من الأنصار عن كعب - عند
أبي داود: 1859.
* ومنها: رواية أبان، عن الحكم عن ابن أبي ليلى - عند أبي
داود: 1860.
* ومنها رواية ابن أبي زائدة، عن ابن الأصبهاني عن ابن معقل -
عند مسلم 1: 337.
* وانظر السنن الكبرى للبيهقي 5: 54- 55، 169- 170، 185، 187،
214، 242. ومجمع الزوائد 3: 234- 235.
(3/68)
3359 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو
الأسود، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن مخرمة، عن أبيه، قال: سمعت
عمرو بن شعيب يقول: سمعت شعيبا يحدث عن عبد الله بن عمرو بن
العاص، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة:
أيؤذيك دواب رأسك؟ قال: نعم، قال: فاحلقه وافتد إما بصوم ثلاثة
أيام، وإما أن تطعم ستة مساكين، أو نسك شاة" ففعل. (1)
* * *
__________
(1) الحديث: 3359 - هذا إسناد صحيح. مخرمة هو ابن بكير بن عبد
الله بن الأشج المدني: وهو ثقة تكلموا في سماعه من أبيه فجزم
بعضهم بأنه لم يسمع منه، وإنما يحدث عن كتاب أبيه. وحكى ابن
أبي أويس أنه وجد في ظهر كتاب مالك: أنه سأل مخرمة عن ذلك فحلف
له أنه سمع من أبيه الأحاديث التي يحدث بها عنه. انظر ترجمته
في التهذيب. والكبير 4/2/16؛ وابن أبي حاتم 4/1/363- 364،
والمراسيل لابن أبي حاتم، ص: 80.
وهذا الحديث مما لم أجده في موضع آخر. إلا أن الحافظ أشار إليه
في الفتح 4: 11، وذكر أنه رواه الطبري والطبراني. ولم أجده في
مجمع الزوائد، مع أنه من شرطه، لروايته عند الطبراني.
(3/69)
قال أبو جعفر: وقد بينا قبل معنى" الفدية"،
وأنها بمعنى الجزاء والبدل. (1)
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في مبلغ الصيام والطعام اللذين
أوجبهما الله على من حلق شعره من المحرمين في حال مرضه أو من
أذى برأسه.
فقال بعضهم: الواجب عليه من الصيام ثلاثة أيام، ومن الطعام
ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. واعتلوا
بالأخبار التي ذكرناها قبل.
* ذكر من قال ذلك:
3360 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن
السدي، عن أبي مالك:" ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال:
الصيام: ثلاثة أيام، والطعام: إطعام ستة مساكين، والنسك: شاة.
3361 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا عبد
الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، مثله.
3362 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن عثمان بن
الأسود، عن مجاهد، مثله.
3363 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم
ومجاهد أنهما قالا في قوله:" ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"
قالا الصيام ثلاثة أيام، والطعام: إطعام ستة مساكين، والنسك:
شاة فصاعدا.
3364 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن أشعث، عن الشعبي، عن
عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة أنه قال في قوله:" ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك" قال: الصيام ثلاثة أيام، والطعام: إطعام
ستة مساكين، والنسك: شاة فصاعدا = إلا أنه قال في إطعام
المساكين: ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين. (2)
__________
(1) انظر ما سلف 3: 438 - 439
(2) الحديث: 3364- مضى: 3336، من رواية أسد بن عمرو عن أشعث
وقد أشرنا هناك إلى أنه رواه أحمد في المسند 4: 243، عن هشيم.
فهذه رواية هشيم.
(3/70)
3365 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" إن صنع واحدا فعليه فدية، وإن
صنع اثنين فعليه فديتان، وهو مخير أن يصنع أي الثلاثة شاء. أما
الصيام فثلاثة أيام. وأما الصدقة فستة مساكين لكل مسكين نصف
صاع، وأما النسك فشاة فما فوقها. نزلت هذه الآية في كعب بن
عجرة الأنصاري كان أحصر فقمل رأسه، فحلقه.
3366 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن كان مريضا أو اكتحل، أو
ادهن، أو تداوى، أو كان به أذى من رأسه من قمل فحلق، ففدية من
صيام ثلاثة أيام، أو صدقة فرق بين ستة مساكين، أو نسك، والنسك:
شاة.
3367 - حدثت عن عمار بن الحسن، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع:" ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"
قال: فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق، ففدية من صيام أو
صدقة، أو نسك. قال: فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة: إطعام ستة
مساكين، بين كل مسكينين صاع. والنسك: شاة.
3368 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن عبد
الكريم، عن سعيد بن جبير، قال: يصوم صاحب الفدية مكان كل مدين
يوما، قال: مدا لطعامه، ومدا لإدامه.
3369 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة بإسناده
مثله.
3370 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا بشر بن
السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال:
سئل علي رضي الله عنه عن قول الله:" فمن كان منكم مريضا أو به
أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال: الصيام ثلاثة
أيام، والصدقة: ثلاثة آصع على ستة مساكين، والنسك: شاة.
(3/71)
3371 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله
بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن
حرب بن قيس مولى يحيى بن أبي طلحة أنه سمع محمد بن كعب، وهو
يذكر الرجل الذي نزل فيه:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه"، قال: فأفتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الصيام:
فثلاثة أيام، وأما المساكين فستة، وأما النسك فشاة.
3372 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا أهل الرجل
بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي، شاة. فإن عجل قبل أن
يبلغ الهدي محله - حلق رأسه، أو مس طيبا، أو تداوى- كان عليه
فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. والصيام: ثلاثة أيام، والصدقة:
ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك: شاة.
3373 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم
ومجاهد قوله:" ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قالا الصيام
ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة آصع على ستة مساكين، والنسك: شاة.
* * *
وقال آخرون: الواجب عليه إذا حلق رأسه من أذى، أو تطيب لعلة من
مرض، أو فعل ما لم يكن له فعله في حال صحته وهو محرم - من
الصوم: صيام عشرة أيام، ومن الصدقة: إطعام عشرة مساكين.
* ذكر من قال ذلك:
3374 - حدثنا ابن أبي عمران، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، عن
أبيه، عن أشعث، عن الحسن في قوله:" ففدية من صيام أو صدقة أو
نسك" قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه، حلق وافتدى بأي هذه
الثلاثة شاء. فالصيام:
(3/72)
عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين، كل
مسكين مكوكين، مكوكا من تمر، ومكوكا من بر، والنسك: شاة. (1)
3375 - حدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثنا بشر بن
عمرو، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة:" ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك" قال: إطعام عشرة مساكين.
* * *
وقاس قائلو هذا القول كل صيام وجب على محرم، أو صدقة جزاء = من
نقص دخل في إحرامه، أو فعل ما لم يكن له فعله = بدلا من دم،
على ما أوجب الله على المتمتع من الصوم إذا لم يجد الهدي.
وقالوا: جعل الله على المتمتع صيام عشرة أيام مكان الهدي إذا
لم يجده. قالوا: فكل صوم وجب مكان دم، فمثله.
قالوا: فإذا لم يصم وأراد الإطعام فإن الله جل وعز أقام إطعام
مسكين مكان صوم يوم لمن عجز عن الصوم في رمضان. قالوا: فكل من
جعل الإطعام له مكان صوم لزمه فهو نظيره. فلذلك أوجبوا إطعام
عشرة مساكين في فدية الحلق.
* * *
وقال آخرون: بل الواجب على الحالق النسك شاة إن كانت عنده. فإن
__________
(1) الخبر: 3374- أشرنا إلى هذا الإسناد في الخبر: 3324،
وذكرنا هناك أنا نشك في صحة ذلك الموضع، لما فيه من رواية
الطبري عن عبيد الله بن معاذ العنبري سماعا دون واسطة.
وها هو ذا يروي عنه هنا بواسطة"ابن أبي عمران". وابن أبي عمران
هذا: لم نعرف من هو بعد طول البحث والتتبع. فعسى أن نجد في
موضع آخر ما يدل على من هو"ابن أبي عمران" وما يكشف عن سماع
الطبري من عبيد الله أو عدم سماعه منه.
والإسنادان يحتاجان إلى تحقيق.
انظر التعليق على رقم 3324= ص 55
المكوك (بفتح الميم وتشديد الكاف المضمومة) مكيال لأهل العراق
قدره صاع ونصف صاع.
(3/73)
لم تكن عنده قومت الشاة دراهم والدراهم
طعاما، فتصدق به، وإلا صام لكل نصف صاع يوما.
* ذكر من قال ذلك:
3376 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: ذكر
الأعمش، قال: سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الآية:" ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك"، فأجابه بقوله: يحكم عليه إطعام، فإن
كان عنده اشترى شاة، فإن لم تكن قومت الشاة دراهم فجعل مكانه
طعاما فتصدق، وإلا صام لكل نصف صاع يوما. فقال إبراهيم: كذلك
سمعت علقمة يذكر. قال: لما قال لي سعيد بن جبير: هذا ما أظرفه!
قال: قلت: هذا إبراهيم! قال: ما أظرفه! كان يجالسنا. قال:
فذكرت ذلك لإبراهيم، قال: فلما قلت"يجالسنا"، انتفض منها.
3377 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، قال: يحكم على الرجل في الصيد، فإن لم يجد
جزاءه قوم طعاما، فإن لم يكن طعام صام مكان كل مدين يوما،
وكذلك الفدية.
* * *
وقال آخرون: بل هو مخير بين الخلال الثلاث، يفتدي بأيها شاء.
* ذكر من قال ذلك:
3378 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سيف بن
سليمان، عن مجاهد، قال: كل شيء في القرآن"أو"" أو"، فهو
بالخيار، مثل الجراب فيه الخيط الأبيض والأسود، فأيهما خرج
أخذته.
3379 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا
سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: كل شيء في القرآن"أو"" أو"
فصاحبه بالخيار، يأخذ الأولى فالأولى.
(3/74)
3380 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن
إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: كل ما كان في
القرآن:"كذا، فمن لم يجد فكذا"، فالأول فالأول. وكل ما كان في
القرآن"أو كذا"" أو كذا"، فهو فيه بالخيار.
3381 - حدثني نصير بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا المحاربي
عن يحيى بن أبي أنيسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد - وسئل عن
قوله:" ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فقال مجاهد: إذا قال
الله تبارك وتعالى لشيء" أو"" أو"، فإن شئت فخذ بالأول، وإن
شئت فخذ بالآخر.
3382 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن
جريج، قال: قال لي عطاء وعمرو بن دينار- في قوله:" فمن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" -
قالا له أيتهن شاء.
3383 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن
جريج، قال: قال عطاء: كل شيء في القرآن"أو""أو"، فلصاحبه أن
يختار أيّه شاء.
قال ابن جريج: قال لي عمرو بن دينار: كل شيء في القرآن" أو""
أو"، فلصاحبه أن يأخذ بما شاء.
3384 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا ليث عن
عطاء ومجاهد أنهما قالا ما كان في القرآن"أو كذا"،" أو كذا"،
فصاحبه بالخيار، أي ذلك شاء فعل.
3385 - حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا يزيد، عن سفيان، عن ليث
ومجاهد، عن ابن عباس، قال: كل شيء في القرآن"أو"" أو"، فهو
مخير فيه، فإن كان"فمن"" فمن"، فالأول فالأول. (1)
3386 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أسباط بن محمد، قال:
حدثنا داود، عن عكرمة، قال: كل شيء في القرآن"أو"" أو"،
فليتخير أي الكفارات
__________
(1) قوله: "فمن، فمن" أي فمن لم يجد، كما سلف في الأثر: 3380،
3386
(3/75)
شاء، فإذا كان:"فمن لم يجد"، فالأول
فالأول.
3387 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو النعمان عارم، قال: حدثنا
حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال: حدثت عن عطاء، قال: كل شيء في
القرآن"أو""أو" فهو خيار. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما ثبت به الخبر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتظاهرت به عنه الرواية أنه
أمر كعب بن عجرة بحلق رأسه من الأذى الذي كان برأسه، ويفتدي إن
شاء بنسك شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام فرق من طعام بين
ستة مساكين كل مسكين نصف صاع.
وللمفتدي الخيار بين أي ذلك شاء، لأن الله لم يحصره على واحدة
منهن بعينها، فلا يجوز له أن يعدوها إلى غيرها، بل جعل إليه
فعل أي الثلاث شاء.
ومن أبى ما قلنا من ذلك قيل له: ما قلت في المكفر عن يمينه
أمخير -إذا كان موسرا- في أن يكفر بأي الكفارات الثلاث شاء؟
فإن قال:"لا"، خرج من قول جميع الأمة، وإن قال:"بلى"، سئل
الفرق بينه وبين المفتدي من حلق رأسه وهو محرم من أذى به. ثم
لن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
على أن ما قلنا في ذلك إجماع من الحجة، ففي ذلك مستغنى عن
الاستشهاد على صحته بغيره.
وأما الزاعمون أن كفارة الحلق قبل الحلق، فإنه يقال لهم:
أخبرونا عن الكفارة للمتمتع قبل التمتع أو بعده؟ فإن زعموا
أنها قبله قيل لهم: وكذلك الكفارة عن اليمين قبل اليمين. فإن
زعموا أن ذلك كذلك، خرجوا من قول الأمة. وإن قالوا: ذلك غير
جائز.
قيل: وما الوجه الذي من قبله وجب أن تكون كفارة
__________
(1) الأثر: 3387: أبو النعمان عارم هو محمد بن الفضل السدوسي
عارم لقب له.
(3/76)
الحلق قبل الحلق، وهدي المتعة قبل التمتع،
ولم يجب أن تكون كفارة اليمين قبل اليمين؟ وهل بينكم وبين من
عكس عليكم الأمر في ذلك - فأوجب كفارة اليمين قبل اليمين وأبطل
أن تكون كفارة الحلق كفارة له إلا بعد الحلق - فرق من أصل أو
نظير؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
فإن اعتل في كفارة اليمين قبل اليمين أنها غير مجزئة قبل الحلف
بإجماع الأمة. قيل له: فرد الأخرى قياسا عليها، إذ كان فيها
اختلاف. (1)
وأما القائلون إن الواجب على الحالق رأسه من أذى: من الصيام
عشرة أيام، ومن الإطعام عشرة مساكين، فمخالفون نص الخبر الثابت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقال لهم: أرأيتم من أصاب
صيدا فاختار الإطعام أو الصيام، أتسوون بين جميع ذلك بقتله
الصيد صغيره وكبيره من الإطعام والصيام، أم تفرقون بين ذلك على
قدر افتراق المقتول من الصيد في الصغر والكبر؟ فإن زعموا أنهم
يسوون بين جميع ذلك سووا بين ما يجب على من قتل بقرة وحشية،
وبين ما يجب على من قتل ولد ظبية - من الإطعام والصيام. وذلك
قول إن قالوه لقول الأمة مخالف.
وإن قالوا: بل نخالف بين ذلك، فنوجب ذلك عليه على قدر قيمة
المصاب من الطعام والصيام.
قيل: فكيف رددتم الواجب على الحالق رأسه من أذى من الكفارة على
الواجب على المتمتع من الصوم، وقد علمتم أن المتمتع غير مخير
بين الصيام والإطعام والهدي، ولا هو متلف شيئا وجبت عليه منه
الكفارة، وإنما هو تارك عملا من الأعمال، وتركتم رد الواجب
عليه وهو متلف بحلق رأسه ما كان ممنوعا من إتلافه، ومخير بين
الكفارات الثلاث، نظير مصيب الصيد، الذي هو بإصابته إياه له
متلف،
__________
(1) في المطبوعة: "إن كان فيها اختلاف"، والصواب ما أثبت.
(3/77)
ومخير في تكفيره بين الكفارات الثلاث؟ وهل
بينكم وبين من خالفكم في ذلك = وجعل الحالق قياسا لمصيب الصيد،
وجمع بين حكميهما لاتفاقهما في المعاني التي وصفنا، وخالف بين
حكمه وحكم المتمتع في ذلك، لاختلاف أمرهما فيما وصفنا = فرق من
أصل أو نظير؟
فلن يقولوا في ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله، مع أن اتفاق
الحجة على تخطئة قائل هذا القول في قوله هذا كفاية عن
الاستشهاد على فساده بغيره، فكيف وهو مع ذلك خلاف ما جاءت به
الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس عليه بالفساد
شاهد؟
* * *
واختلف أهل العلم في الموضع الذي أمر الله أن ينسك نسك الحلق
ويطعم فديته.
فقال بعضهم: النسك والإطعام بمكة لا يجزئ بغيرها من البلدان.
* ذكر من قال ذلك:
3388 - حدثني يحيى بن طلحة، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن هشام،
عن الحسن، قال: ما كان من دم أو صدقة فبمكة، وما سوى ذلك حيث
شاء.
3389 - حدثني يحيى بن طلحة، حدثنا فضيل، عن ليث، عن طاوس، قال:
كل شيء من الحج فبمكة، إلا الصوم.
3390 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن
جريج، قال: سألت عطاء عن النسك، قال: النسك بمكة لا بد.
3391 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي
نجيح، عن عطاء، قال: الصدقة والنسك في الفدية بمكة، والصيام
حيث شئت.
3392 - حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا ليث، عن طاوس
(3/78)
أنه كان يقول: ما كان من دم أو إطعام
فبمكة، وما كان من صيام فحيث شاء.
3393 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
شبل، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى.
3394 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى، والطعام بمكة.
* * *
وقال آخرون: النسك في الحلق والإطعام والصوم حيث شاء المفتدي.
* ذكر من قال ذلك:
3395 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا
يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد، قال: أخبرني أبو أسماء مولى
ابن جعفر، قال: حج عثمان ومعه علي والحسين بن علي رضوان الله
عليهم، فارتحل عثمان = قال أبو أسماء: وكنت مع ابن جعفر = قال:
فإذا نحن برجل نائم وناقته عند رأسه، قال: فقلنا له: أيها
النائم! فاستيقظ، فإذا الحسين بن علي. قال: فحمله ابن جعفر حتى
أتى به السقيا. قال: فأرسل إلى علي، فجاء ومعه أسماء بنت عميس.
قال: فمرضناه نحوا من عشرين ليلة. قال: فقال علي للحسين: ما
الذي تجد؟ قال: فأومأ إلى رأسه. قال: فأمر به علي فحلق رأسه،
ثم دعا ببدنة فنحرها. (1)
__________
(1) الخبر: 3395 - يحيى بن سعيد: هو الأنصاري النجاري مضت
ترجمته: 2154.
يعقوب بن خالد: ترجم في الكبير 4/2/394، وابن أبي حاتم
4/2/207. والتعجيل ص: 456 باسم"يعقوب بن خالد بن المسيب
المخزومي"، ولكن سيأتي في الإسناد التالي، أنه: "يعقوب بن خالد
بن عبد الله بن المسيب"، فيستفاد منه رفع نسبه، ويكون في تلك
الكتب منسوبا لجده الأعلى. وهو ثقة، لم يذكر فيه البخاري ولا
ابن أبي حاتم جرحا.
أبو أسماء مولى عبد الله بن جعفر: تابعي ثقة. مترجم في الكنى
للبخاري، رقم: 22، وابن أبي حاتم 4/2/333، والتعجيل.
وهذا الخبر نقله ابن كثير 1: 449.
(3/79)
3396 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا
يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد بن عبد الله
بن المسيب المخزومي أخبره أنه سمع أبا أسماء مولى عبد الله بن
جعفر، يحدث: أنه خرج مع عبد الله بن جعفر يريد مكة مع عثمان،
حتى إذا كنا بين السقيا والعرج اشتكى الحسين بن علي، فأصبح في
مقيله الذي قال فيه بالأمس. قال أبو أسماء: فصحبته أنا وعبد
الله بن جعفر، فإذا راحلة حسين قائمة وحسين مضطجع، فقال عبد
الله بن جعفر: إن هذه لراحلة حسين. فلما دنا منه قال له: أيها
النائم! وهو يظن أنه نائم; فلما دنا منه وجده يشتكي، فحمله إلى
السقيا، ثم كتب إلى علي فقدم إليه إلى السقيا فمرضه قريبا من
أربعين ليلة. ثم إن عليا قيل له: هذا حسين يشير إلى رأسه، فدعا
علي بجزور فنحرها، ثم حلق رأسه. (1)
3397 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا
ابن جريج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، قال: أقبل حسين بن علي مع
عثمان حراما - حسبت أنه اشتكى بالسقيا = فذكر ذلك لعلي: فجاء
هو وأسماء بنت عميس، فمرضوه عشرين ليلة، فأشار حسين إلى رأسه،
فحلقه ونحر عنه جزورا. قلت: فرجع به؟ قال: لا أدري.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الخبر يحتمل أن يكون ما ذكر فيه من نحر علي
عن الحسين الناقة قبل حلقه رأسه، ثم حلقه رأسه بعد النحر- إن
كان على ما رواه مجاهد عن يزيد، كان على وجه الإحلال من الحسين
من إحرامه للإحصار عن
__________
(1) الخبر: 3396 -مجاهد بن موسى بن فروخ، شيخ الطبري: مضت
ترجمته: 510 ووقع في المطبوعة هنا"مجاهد بن يونس" وهو خطأ
يقينا، فليس في التراجم من يسمى بهذا. وشيخه"يزيد": هو يزيد بن
هارون.
والخبر مكرر ما قبله، بنحوه.
(3/80)
الحج بالمرض الذي أصابه - وإن كان على ما
رواه يعقوب، عن هشيم: من نحر علي عنه الناقة بعد حلقه رأسه: أن
يكون على وجه الافتداء من الحلق، وأن يكون كان يرى أن نسك
الفدية يجزئ نحره دون مكة والحرم.
3398 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الفدية حيث شئت.
3399 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن
الحكم، عن إبراهيم - في الفدية، في الصدقة والصوم والدم-: حيث
شاء.
3400 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عبيدة، عن
إبراهيم أنه كان يقول، فذكر مثله.
* * *
وقال آخرون: ما كان من دم نسك فبمكة، وما كان من إطعام وصيام
فحيث شاء المفتدي.
* ذكر من قال ذلك:
3401 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا
حجاج، وعبد الملك، وغيرهما، عن عطاء أنه كان يقول: ما كان من
دم فبمكة، وما كان من طعام وصيام فحيث شاء.
* * *
قال أبو جعفر: وعلة من قال:" الدم والإطعام بمكة"، القياس على
هدي جزاء الصيد. وذلك أن الله شرط في هديه بلوغ الكعبة، فقال:
(يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ) [المائدة: 95] . قالوا: فكل هدي وجب من جزاء أو
فدية في إحرام، فسبيله سبيل جزاء الصيد في وجوب بلوغه الكعبة.
قالوا: وإذا كان ذلك حكم الهدي كان حكم الصدقة مثله، لأنها
واجبة
(3/81)
لمن وجب عليه الهدي، وذلك أن الإطعام فدية
وجزاء كالدم، فحكمهما واحد.
وأما علة من زعم أن للمفتدي أن ينسك حيث شاء ويتصدق ويصوم أن
الله لم يشترط على الحالق رأسه من أذى هديا، وإنما أوجب عليه
نسكا أو إطعاما أو صياما، وحيثما نسك أو أطعم أو صام فهو ناسك
ومطعم وصائم، وإذا دخل في عداد من يستحق ذلك الاسم كان مؤديا
ما كلفه الله. لأن الله لو أراد من إلزام الحالق رأسه في نسكه
بلوغ الكعبة، لشرط ذلك عليه، كما شرط في جزاء الصيد، وفي ترك
اشتراط ذلك عليه، دليل واضح، أنه حيث نسك أو أطعم أجزأ.
وأما علة من قال:" النسك بمكة، والصيام والإطعام حيث شاء"،
فالنسك دم كدم الهدي، فسبيله سبيل هدي قاتل الصيد.
وأما الإطعام فلم يشترط الله فيه أن يصرف إلى أهل مسكنة مكان،
كما شرط في هدي الجزاء بلوغ الكعبة. فليس لأحد أن يدعي أن ذلك
لأهل مكان دون مكان، إذ لم يكن الله شرط ذلك لأهل مكان بعينه؛
كما ليس لأحد أن يدعي أن ما جعله الله من الهدي لساكني الحرم
لغيرهم، إذ كان الله قد خص أن ذلك لمن به من أهل المسكنة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أن الله أوجب على حالق
رأسه من أذى من المحرمين، فدية من صيام أو صدقة أو نسك، ولم
يشترط أن ذلك عليه بمكان دون مكان، بل أبهم ذلك وأطلقه، ففي أي
مكان نسك أو أطعم أو صام، فيجزي عن المفتدي. وذلك لقيام الحجة
على أن الله إذ حرم أمهات نسائنا فلم يحصرهن على أنهن أمهات
النساء المدخول بهن لم يحب أن يكن مردودات الأحكام على الربائب
المحصورات على أن المحرمة منهن المدخول بأمها.
فكذلك كل مبهمة في القرآن غير جائز رد حكمها على المفسرة
قياسا.
(3/82)
ولكن الواجب أن يحكم لكل واحدة منهما بما
احتمله ظاهر التنزيل، إلا أن يأتي في بعض ذلك خبر عن الرسول
صلى الله عليه وسلم، بإحالة حكم ظاهره إلى باطنه، فيجب التسليم
حينئذ لحكم الرسول، إذ كان هو المبين عن مراد الله.
* * *
وأجمعوا على أن الصيام مجزئ عن الحالق رأسه من أذى حيث صام من
البلاد.
* * *
واختلفوا فيما يجب أن يفعل بنسك الفدية من الحلق، وهل يجوز
للمفتدي الأكل منه أم لا؟
فقال بعضهم ليس للمفتدي أن يأكل منه، ولكن عليه أن يتصدق
بجميعه.
* ذكر من قال ذلك:
3402 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد
الملك، عن عطاء، قال: ثلاث لا يؤكل منهن: جزاء الصيد، وجزاء
النسك، ونذر المساكين.
3403 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهارون، عن عنبسة، عن
سالم، عن عطاء قال: لا تأكل من فدية ولا من جزاء، ولا من نذر،
وكل من المتعة، ومن الهدي والتطوع.
3404 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون، عن عنبسة، عن
سالم، عن مجاهد، قال: جزاء الصيد والفدية والنذر لا يأكل منها
صاحبها، ويأكل من التطوع والتمتع.
3405 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن الحجاج،
عن عطاء، قال: لا تأكل من جزاء، ولا من فدية، وتصدق به.
3406 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
ابن جريج، قال: قال عطاء: لا يأكل من بدنته الذي يصيب أهله
حراما والكفارات كذلك.
(3/83)
3407 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال:
حدثنا عبد الملك والحجاج وغيرهما، عن عطاء أنه كان يقول: لا
يؤكل من جزاء الصيد، ولا من النذر، ولا من الفدية، ويؤكل مما
سوى ذلك.
3408 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن عطاء
وطاوس ومجاهد أنهم قالوا: لا يؤكل من الفدية = وقال مرة: من
هدي الكفارة، ولا من جزاء الصيد.
* * *
وقال بعضهم: له أن يأكل منه.
* ذكر من قال ذلك:
3409 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال:
أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر،
ويؤكل مما سوى ذلك.
3410 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن
أبي ليلى، قال: من الفدية وجزاء الصيد والنذر. (1)
3411 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد،
قال: الشاة بين ستة مساكين يأكل منه إن شاء، ويتصدق على ستة
مساكين.
3412 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرني
عبد الملك، قال: حدثني من سمع الحسن، يقول: كل من ذلك كله -
يعني من جزاء الصيد والنذر والفدية.
3413 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد بن الحارث،
قال: حدثنا الأشعث عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا بالأكل من
جزاء الصيد ونذر المساكين.
* * *
__________
(1) يعني: يأكل من الفدية وجزاء الصيد والنذر، كما سيأتي قول
الحسن في رقم: 3412، 3413.
(3/84)
قال أبو جعفر: وعلة من حظر على المفتدي
الأكل من فدية حلاقه وفدية ما لزمته منه الفدية، أن الله أوجب
على الحالق والمتطيب ومن كان بمثل حالهم، فدية من صيام أو صدقة
أو نسك، فلن يخلو ذلك الذي أوجبه عليه من الإطعام والنسك من
أحد أمرين: إما أن يكون أوجبه عليه لنفسه أو لغيره أو له
ولغيره.
فإن كان أوجبه لغيره فغير جائز له أن يأكل منه، لأن ما لزمه
لغيره فلا يجزيه فيه إلا الخروج منه إلى من وجب له.
= أو يكون له وحده، وما وجب له فليس عليه. لأنه غير مفهوم في
لغة أن يقال:" وجب على فلان لنفسه دينار أو درهم أو شاة"،
وإنما يجب له على غيره، فأما على نفسه فغير مفهوم وجوبه.
= أو يكون وجب عليه له ولغيره، فنصيبه الذي وجب له من ذلك، غير
جائز أن يكون عليه، لما وصفنا.
وإذا كان ذلك كذلك كان الواجب عليه ما هو لغيره وما هو لغيره
بعض النسك، وإذا كان ذلك كذلك فإنما وجب عليه بعض النسك لا
النسك كله.
قالوا: وفي إلزام الله إياه النسك تاما ما يبين عن فساد هذا
القول.
* * *
وعلة من قال:" له أن يأكل من ذلك"، أن الله أوجب على المفتدي
نسكا، والنسك في معاني الأضاحي، وذلك هو ذبح ما يجزي في
الأضاحي من الأزواج الثمانية. قالوا: ولم يأمر الله بدفعه إلى
المساكين. قالوا: فإذا ذبح فقد نسك، وفعل ما أمره الله، وله
حينئذ الأكل منه، والصدقة منه بما شاء، وإطعام ما أحب منه من
أحب، كما له ذلك في أضحيته.
* * *
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: أن الله أوجب على المفتدي
نسكا إن اختار التكفير بالنسك، ولن يخلو الواجب عليه في ذلك من
أن يكون ذبحه
(3/85)
دون غيره، أو ذبحه والتصدق به. فإن كان
الواجب عليه في ذلك ذبحه، فالواجب أن يكون إذا ذبح نسكا فقد
أدى ما عليه، وإن أكل جميعه ولم يطعم مسكينا منه شيئا، وذلك ما
لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله، أو يكون الواجب عليه ذبحه
والصدقة به. فإن كان ذلك عليه، فغير جائز له أكل ما عليه أن
يتصدق به، كما لو لزمته زكاة في ماله، لم يكن له أن يأكل منها،
بل كان عليه أن يعطيها أهلها الذين جعلها الله لهم. ففي
إجماعهم - على أن ما ألزمه الله من ذلك فإنما ألزمه لغيره -
دلالة واضحة على حكم ما اختلفوا فيه من غيره.
* * *
ومعنى" النسك"، الذبح لله، في لغة العرب، يقال:" نسك فلان لله
نسيكة" = بمعنى: ذبح لله ذبيحة =" ينسكها نسكا"، (1) كما:-
3414 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: النسك: أن يذبح
شاة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: فإذا برأتم من مرضكم الذي أحصركم عن حجكم
أو عمرتكم.
* ذكر من قال ذلك:
3415 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة:" فإذا أمنتم" فإذا
برأتم.
__________
(1) وانظر أيضًا ما سلف في الجزء 3: 75- 80، في معنى"المناسك".
(3/86)
3416 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه في
قوله:" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" يقول: فإذا أمنت
حين تحصر، إذا أمنت من كسرك، ومن وجعك، فعليك أن تأتي البيت،
فيكون لك متعة، فلا تحل حتى تأتي البيت.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإذا أمنتم من خوفكم. (1)
* ذكر من قال ذلك:
3417 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:" فإذا أمنتم" لتعلموا أن القوم كانوا خائفين يومئذ.
3418 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع:" فإذا أمنتم" قال: إذا أمن من خوفه، وبرأ من
مرضه.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول أشبه بتأويل الآية. لأن" الأمن" هو
خلاف" الخوف"، لا خلاف" المرض"، (2) إلا أن يكون مرضا مخوفا
منه الهلاك، فيقال: فإذا أمنتم الهلاك من خوف المرض وشدته،
وذلك معنى بعيد.
وإنما قلنا: إن معناه: الخوف من العدو، لأن هذه الآيات نزلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحديبية وأصحابه من
العدو خائفون، فعرفهم الله بها ما عليهم إذا أحصرهم خوف عدوهم
عن الحج، وما الذي عليهم إذا هم أمنوا من ذلك، فزال عنهم
خوفهم.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "فإذا أمنتم من وجع خوفكم" ولفظ"وجع" مقحمة
ولا شك، وهي تفسد الكلام والتقسيم معا، فذلك طرحتها.
(2) انظر ما سلف في الجزء 3: 29- 30، تفسير معنى"الأمن".
(3/87)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم أيها المؤمنون،
فما استيسر من الهدي، فإذا أمنتم فزال عنكم خوفكم من عدوكم أو
هلاككم من مرضكم فتمتعتم بعمرتكم إلى حجكم، فعليكم ما استيسر
من الهدي.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة" التمتع" الذي عنى الله بهذه
الآية.
فقال بعضهم: هو أن يحصره خوف العدو، وهو محرم بالحج، أو مرض،
أو عائق من العلل، حتى يفوته الحج، فيقدم مكة، فيخرج من إحرامه
بعمل عمرة، ثم يحل فيستمتع بإحلاله من إحرامه ذلك إلى السنة
المستقبلة، ثم يحج ويهدي، فيكون متمتعا بالإحلال من لدن يحل من
إحرامه الأول إلى إحرامه الثاني من القابل.
* ذكر من قال ذلك:
3419 - حدثنا عمران بن موسى البصري، قال: حدثنا عبد الوارث بن
سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، قال: سمعت ابن الزبير وهو
يخطب، وهو يقول: يا أيها الناس، والله ما التمتع بالعمرة إلى
الحج كما تصنعون، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصره عدو
أو مرض أو كسر أو يحبسه أمر حتى تذهب أيام الحج فيقدم فيجعلها
عمرة، فيتمتع بحله إلى العام القابل ثم يحج ويهدي هديا، فهذا
التمتع بالعمرة إلى الحج.
3420 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: كان ابن الزبير
يقول: المتعة لمن أحصر، قال: وقال ابن عباس: هي لمن أحصر ومن
خليت سبيله.
(3/88)
3421 - حدثني ابن البرقي، قال: حدثنا ابن
أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرني ابن جريج
قال: قال عطاء: كان ابن الزبير يقول: إنما المتعة للمحصر وليست
لمن خلي سبيله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فإن أحصرتم في حجكم فما استيسر من
الهدي، فإذا أمنتم = وقد حللتم من إحرامكم، ولم تقضوا عمرة
تخرجون بها من إحرامكم بحجكم ولكن حللتم حين أحصرتم بالهدي
وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة فاعتمرتم في أشهر الحج، ثم
حللتم، فاستمتعتم بإحلالكم إلى حجكم = فعليكم ما استيسر من
الهدي.
* ذكر من قال ذلك:
3422 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة: (1) " فإن أحصرتم"،
قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر، قال: يبعث بما استيسر من
الهدي، شاة. قال: فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله وحلق رأسه،
أو مس طيبا، أو تداوى، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك
=" فإذا أمنتم"، فإذا برأ فمضى من وجهه ذلك حتى أتى البيت، حل
من حجه بعمرة وكان عليه الحج من قابل. وإن هو رجع ولم يتم إلى
البيت من وجهه ذلك، فإن عليه حجة وعمرة ودما لتأخيره العمرة.
فإن هو رجع متمتعا في أشهر الحج، فإن عليه ما استيسر من الهدي،
شاة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال
إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس في
ذلك كله.
3423 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، قال: هذا رجل أصابه
خوف
__________
(1) في المطبوعة: "عن إبراهيم بن علقمة" وهو خطأ والصواب ما
أثبت وانظر ما سلف قريبا رقم: 3415.
(3/89)
أو مرض أو حابس حبسه حتى يبعث بهديه، (1)
فإذا بلغت محلها صار حلالا فإن أمن أو برأ ووصل إلى البيت فهي
له عمرة، وأحل، وعليه الحج عاما قابلا. وإن هو لم يصل إلى
البيت حتى يرجع إلى أهله، فعليه عمرة وحجة وهدي. قال قتادة:
[وهي] والمتعة التي لا يتعاجم الناس فيها أن أصلها كان هكذا.
(2)
3424 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم
في قوله:" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" إلى:" تلك
عشرة كاملة"، قال: هذا المحصر إذا أمن، فعليه المتعة في الحج
وهدي المتمتع، فإن لم يجد فالصيام، فإن عجل العمرة قبل أشهر
الحج، فعليه فيها هدي.
3425 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا بشر بن
السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن
علي:" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" فإن أخر العمرة
حتى يجمعها مع الحج، فعليه الهدي.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك المحصر وغير المحصر.
* ذكر من قال ذلك:
3426 - حدثني ابن البرقي، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال:
أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرني ابن جريج قال: أخبرني عطاء
أن ابن عباس كان يقول:
__________
(1) مضى برقم: 3231، بهذا الإسناد، وفي لفظه خلاف، وهو مختصر
هذا وفيه: ". . أو حابس حبسه عن البيت، يبعث بهديه".
(2) الزيادة التي بين القوسين، لا بد منها. وقوله: "لا يتعاجم
الناس. . . " أي لا يشك الناس ولا يتنازعون ولا يختلفون في
بيانها وفي حديث ابن مسعود: "ما كنا نتعاجم أن ملكا ينطق على
لسان عمر"، أي كنا نفصح بذلك إفصاحا، فلا نكنى ولا نورى وجاء
في حديث على ما يفسره وهو قوله: "كنا أصحاب محمد لا نشك أن
السكينة تنطق على لسان عمر". وأصل هذا الحرف من قولهم: "استعجم
عليه الأمر" أي: استبهم والتبس، فإذا التبس الأمر صار موضعا
للشك والتنازع.
(3/90)
المتعة لمن أحصر، ولمن خُلِّي سبيله. وكان
ابن عباس يقول: أصابت هذه الآية المحصر ومن خليت سبيله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن فسخ حجه بعمرة، فجعله عمرة، واستمتع
بعمرته إلى حجه، فعليه ما استيسر من الهدي.
* ذكر من قال ذلك:
3427 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي قوله:" فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر
من الهدي"، أما المتعة فالرجل يحرم بحجة، ثم يهدمها بعمرة. وقد
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين حاجا، حتى إذا
أتوا مكة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب منكم
أن يحل فليحل، قالوا: فما لك يا رسول الله! قال: أنا معي هدي.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك: الرجل يقدم معتمرا من أفق من الآفاق في
أشهر الحج، فإذا قضى عمرته أقام حلالا بمكة حتى ينشئ منها
الحج، فيحج من عامه ذلك، فيكون مستمتعا بإحلاله إلى إحرامه
بالحج.
* ذكر من قال ذلك:
3428 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" فمن
تمتع بالعمرة إلى الحج"، من يوم الفطر إلى يوم عرفة، فعليه ما
استيسر من الهدي.
3429 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3430 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا
أيوب = وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال:
أخبرنا أيوب = عن نافع، قال: قدم ابن عمر مرة في شوال، فأقمنا
حتى حججنا، فقال: إنكم قد
(3/91)
استمتعتم إلى حجكم بعمرة، فمن وجد منكم أن
يهدي فليهد، ومن لا فليصم ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
3431 - حدثنا ابن بشار، وعبد الحميد بن بيان = قال ابن بشار:
حدثنا، وقال عبد الحميد: أخبرنا = يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن
سعيد، عن نافع، أنه أخبره أنه خرج مع ابن عمر معتمرين في شوال،
فأدركهما الحج وهما بمكة، فقال ابن عمر: من اعتمر معنا في شوال
ثم حج، فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
3432 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن ليث،
عن عطاء في رجل اعتمر في غير أشهر الحج، فساق هديا تطوعا، فقدم
مكة في أشهر الحج، قال: إن لم يكن يريد الحج، فلينحر هديه، ثم
ليرجع إن شاء، فإن هو نحر الهدي وحل، ثم بدا له أن يقيم حتى
يحج، فلينحر هديا آخر لتمتعه، فإن لم يجد فليصم.
3433 - حدثنا ابن حميد، حدثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي
ليلى، مثل ذلك.
3434 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا يزيد، قال:
أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب بأنه كان يقول: من
اعتمر في شوال أو في ذي القعدة ثم أقام بمكة حتى يحج، فهو
متمتع، عليه ما على المتمتع.
3435 - حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء مثل
ذلك.
3436 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية،
عن علي، عن ابن عباس قوله:" فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي" يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج، فما
استيسر من الهدي.
3437 - حدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال:
أخبرنا نافع، قال:
(3/92)
أخبرني ابن جريج، قال: كان عطاء يقول:
المتعة لخلق الله أجمعين، الرجل، والمرأة، والحر، والعبد، هي
لكل إنسان اعتمر في أشهر الحج ثم أقام ولم يبرح حتى يحج، ساق
هديا مقلدا أو لم يسق إنما سميت" المتعة"، من أجل أنه اعتمر في
شهور الحج، فتمتع بعمرة إلى الحج، ولم تسم" المتعة" من أجل أنه
يحل بتمتع النساء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى
بها: فإن أحصرتم أيها المؤمنون في حجكم فما استيسر من الهدي،
فإذا أمنتم فمن تمتع ممن حل من إحرامه بالحج - بسبب الإحصار،
بعمرة اعتمرها لفوته الحج في السنة القابلة في أشهر الحج - إلى
قضاء الحجة التي فاتته حين أحصر عنها ثم دخل في عمرته فاستمتع
بإحلاله من عمرته إلى أن يحج = فعليه ما استيسر من الهدي، وإن
كان قد يكون متمتعا من أنشأ عمرة في أشهر الحج وقضاها ثم حل من
عمرته وأقام حلالا حتى يحج من عامه غير أن الذي هو أولى بالذي
ذكره الله في قوله:" فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" هو ما وصفنا،
من أجل أن الله جل وعز أخبر عما على المحصر عن الحج والعمرة من
الأحكام في إحصاره. فكان مما أخبر تعالى ذكره: أنه عليه - إذا
أمن من إحصاره فتمتع بالعمرة إلى الحج - ما استيسر من الهدي،
فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وكان معلوما (1) بذلك أنه معني
به اللازم له - عند أمنه من إحصاره - من العمل بسبب الإحلال
الذي كان منه في حجه الذي أحصر فيه، دون المتمتع الذي لم يتقدم
عمرته ولا حجه إحصار مرض ولا خوف.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "كان معلومًا بذلك" وزيادة الواو واجبة.
(3/93)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فما استيسر من الهدي، فهديه
جزاء لاستمتاعه بإحلاله من إحرامه الذي حل منه حين عاد لقضاء
حجته التي أحصر فيها، وعمرته التي كانت لزمته بفوت حجته، فإن
لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج في حجه، وسبعة إذا
رجع إلى أهله.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الثلاثة أيام التي أوجب الله عليه
صومهن في الحج: أي في أيام الحج هن.
فقال بعضهم: هن ثلاثة أيام من أيام حجه، أي أيام شاء، بعد أن
لا يتجاوز بآخرهن يوم عرفة.
* ذكر من قال ذلك:
3438 - حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: حدثنا حميد بن
الأسود، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي رضي الله
عنه:" فصيام ثلاثة أيام في الحج"، قال: قبل التروية يوما، ويوم
التروية، ويوم عرفة.
3439 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر،
عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه
قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. (1)
__________
(1) الخبر: 3439 -إبراهيم بن إسماعيل بن نصر: هو التبان. ترجمه
ابن أبي حاتم 1/1/85، وذكر أنه يروي عن إبراهيم بن إسماعيل بن
أبي حبيبة. وستأتي رواية أخرى له، بهذا الإسناد: 3484. ورواية
ثالثة: 3521، وزاد في نسبته هناك"السلمي" ولم تذكر هذه في ابن
أبي حاتم ولم أجد له ترجمة عند غيره.
ابن أبي حبيبة: هو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري
وهو ثقة تكلم فيه البخاري وغيره، ووثقه أحمد وغيره. ورجحنا في
شرح المسند: 2727 أن حديثه حسن على الأقل.
(3/94)
3440 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة،
عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر في قوله:" فصيام ثلاثة أيام
في الحج"، قال: يوم قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة،
وإذا فاته صامها أيام منى.
3441 - حدثنا الحسين بن محمد الذارع، قال: حدثنا حميد بن
الأسود، عن هشام بن عروة، عن عروة، قال: المتمتع يصوم قبل
التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة.
3442 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا
سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام في الحج"، قال: آخرهن يوم عرفة.
3443 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن
شعبة، قال: سألت الحكم عن صوم ثلاثة أيام في الحج، قال: يصوم
قبل التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة.
3444 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن
نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام"
أنه قال: آخرها يوم عرفة.
3445 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا هُشيم، قال: حدثنا أبو بشر،
عن سعيد بن جبير أنه قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي: صام
يوما قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة.
3446 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلم، وهارون عن
عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: يصوم المتمتع الثلاثة
الأيام لمتعته في العشر
(3/95)
إلى يوم عرفة.
قال: وسمعت مجاهدا وطاوسا يقولان: إذا صامهن في أشهر الحج
أجزأه.
3447 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون عن عنبسة، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صوم ثلاثة أيام للمتمتع، إذا لم
يجد ما يهدي، يصوم في العشر إلى يوم عرفة متى صام أجزأه، فإن
صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه.
3448 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا بشر
بن بكر، عن الأوزاعي، قال: حدثني يعقوب بن عطاء، أن عطاء بن
أبي رباح، كان يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من
ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم.
3449 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن
في قوله:" فصيام ثلاثة أيام في الحج" قال: آخرها يوم عرفة.
3450 - حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن داود = وحدثنا
محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود = عن
عامر في هذه الآية:" فصيام ثلاثة أيام في الحج"، قال: قبل يوم
التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة.
3451 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام في الحج" آخرهن يوم عرفة من ذي الحجة.
3452 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3453 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج" قال: كان يقال
عرفة وما قبلها يومين من العشر.
(3/96)
3454 - حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا
عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج"، قال: فآخرها يوم عرفة.
3455 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد،
قال: أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير:" فصيام ثلاثة
أيام في الحج" قال: آخرها يوم عرفة.
3456 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
فطر، عن عطاء:" فصيام ثلاثة أيام في الحج" قال: آخرها يوم
عرفة.
3457 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن
الربيع في قوله:" فصيام ثلاثة أيام في الحج" قال: عرفة وما
قبلها من العشر.
3458 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد
وإبراهيم، قالا" صيام ثلاثة أيام في الحج"، في العشر، آخرهن
عرفة.
3459 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا
شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سألت طاوسا عن صيام ثلاثة أيام في
الحج، قال: آخرهن يوم عرفة.
3460 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج" إلى:" وسبعة إذا رجعتم"، وهذا على المتمتع بالعمرة
إذا لم يجد هديا، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة،
فإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله.
3461 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
زياد بن المنذر، عن أبي جعفر:" فصيام ثلاثة أيام في الحج" قال:
آخرها يوم عرفة.
* * *
(3/97)
وقال آخرون: بل آخرهن انقضاء يوم منى.
* ذكر من قال ذلك:
3462 - حدثني علي بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان،
عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا كان يقول: من فاته صيام
ثلاثة أيام في الحج صامهن أيام التشريق.
3463 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، قال: حدثني
عمي عبد الله بن وهب، قال: حدثني يونس عن الزهري، عن عروة بن
الزبير، قال: قالت عائشة: يصوم المتمتع الذي يفوته الصيام أيام
منى.
3464 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا أيوب، عن
نافع، قال: قال ابن عمر: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج،
فليصم أيام التشريق فإنهن من الحج.
3465 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن
محمد أن نافعا حدثه: أن عبد الله بن عمر قال: من اعتمر في أشهر
الحج فلم يكن معه هدي ولم يصم الثلاثة الأيام قبل أيام
التشريق، فليصم أيام منى.
3466 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا
شعبة، قال: سمعت عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى يحدث عن الزهري،
عن عروة، عن عائشة = وعن سالم، عن عبد الله بن عمر = أنهما
قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصوم إلا لمن يجد هديا.
3467 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا
هشام، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا لم يصم
الثلاثة الأيام قيل النحر صام أيام التشريق، فإنها من أيام
الحج.
وذكر هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال:
3468 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد عن
هشام
(3/98)
بن عروة، عن أبيه في هذه الآية:" فصيام
ثلاثة أيام في الحج" قال: هي أيام التشريق.
3469 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن يونس، عن أبي
إسحاق، عن وبرة، عن ابن عمر قال: يصوم يوما قبل التروية، ويوم
التروية، ويوم عرفة =. قال: وقال عبيد بن عمير: يصوم أيام
التشريق.
* * *
قال أبو جعفر: وعلة من قال:" آخر الثلاثة الأيام التي أوجب
الله صومهن في الحج على من لم يجد الهدي من المتمتعين - يوم
عرفة"، أن الله جل ثناؤه أوجب صومهن في الحج بقوله:" فصيام
ثلاثة أيام في الحج". قالوا: وإذا انقضى يوم عرفة، فقد انقضى
الحج، لأن يوم النحر يوم إحلال من الإحرام. قالوا: وقد أجمع
الجميع أنه غير جائز له صوم يوم النحر. قالوا: فإن يكن إجماعهم
على أن ذلك له غير جائز، من أجل أنه ليس من أيام الحج، فأيام
التشريق بعده أحرى أن لا تكون من أيام الحج، لأن أيام الحج متى
انقضت من سنة، فلن تعود إلى سنة أخرى بعدها. أو يكون إجماعهم
على أن ذلك له غير جائز، من أجل أنه يوم عيد، فأيام التشريق
التي بعده في معناه، لأنها أيام عيد، وأن النبي صلى الله عليه
وسلم قد نهى عن صومهن، كما نهى عن صوم يوم النحر.
قالوا: وإذا كان يفوت صومهن بمضي يوم عرفة، لم يكن إلى صيامهن
في الحج سبيل; لأن الله شرط صومهن في الحج، فلم يجز عنه إلا
الهدي الذي فرضه الله عليه لمتعته.
* * *
وعلة من قال:" آخر الأيام الثلاثة التي ذكرها الله في كتابه
انقضاء آخر أيام منى"، أن الله أوجب على المتمتع ما استيسر من
الهدي، ثم الصيام إن لم يجد إلى الهدي سبيلا. قالوا: وإنما يجب
عليه نحر هدي المتعة يوم النحر، ولو كان له واجدا قبل ذلك.
قالوا: فإذا كان ذلك كذلك فإنما رخص له في الصوم يوم يلزمه نحر
الهدي فلا يجد إليه سبيلا. قالوا: والوقت الذي يلزمه
(3/99)
فيه نحر الهدي يوم النحر والأيام التي بعده
من أيام النحر، فأما قبل ذلك فلم يمكن نحره. قالوا: فإذا كان
النحر لم يكن له لازما قبل ذلك، وإنما لزمه يوم النحر، فإنما
لزمه الصوم يوم النحر، وذلك حين عدم الهدي فلم يجده، فوجب عليه
الصوم. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فالصوم إنما يلزمه أوله في
اليوم الذي يلي يوم النحر. وذلك أن النحر إنما كان لزمه من بعد
طلوع الفجر. ومن ذلك الوقت إذا لم يجده، يكون له الصوم. قالوا:
وإذا طلع فجر يوم لم يلزمه صومه قبل ذلك، إذا كان الصوم لا
يكون في بعض نهار يوم في واجب، علم أن الواجب عليه الصوم من
اليوم الذي يليه إلى انقضاء الأيام الثلاثة بعد يوم النحر من
أيام التشريق.
قالوا: ولا معنى لقول القائل: إن أيام منى ليست من أيام الحج;
لأنهن ينسك فيهن بالرمي والعكوف على عمل الحج، كما ينسك غير
ذلك من أعمال الحج في الأيام قبلها. قالوا: هذا مع شهادة الخبر
الذي:-
3470 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا
يحيى بن سلام أن شعبة حدثه عن ابن أبي ليلى، عن الزهري، عن
سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: رخص رسول الله صلى
الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته
أيام العشر، أن يصوم أيام التشريق مكانها. (1)
__________
(1) الحديث: 3470 - يحيى بن سلام البصري نزيل مصر: ثقة، قال
ابن أبي حاتم 4/2/155: "سألت أبي عنه؟ فقال: كان شيخا بصريا
وقع إلى مصر، وهو صدوق". وله ترجمة جيدة في طبقات علماء
إفريقية لأبي العرب، ص: 37- 39 وقال أبو العرب: "كان ثقة ثبتا،
لقى غير واحد من التابعين وأكثر من لقى الرجال والحمل عنهم.
وله مصنفات كثيرة في فنون العلم، وكان من الحفاظ". وذكر أنه
مات بمصر سنة 200. وفي لسان الميزان أنه ضعفه الدارقطني. ولكن
أهل المغرب أعلم بحال رواتهم وكانت مصر تعتبر من بلاد المغرب.
ابن أبي ليلى: هو عبد الله بن أبي ليلى، وهو ثقة ثبت أخرج له
أصحاب الكتب الستة.
والحديث رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 427، بهذا الإسناد
نفسه: عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مع شيء من الاختصار في
اللفظ.
وأصل معناه ثابت في البخاري 4: 211، موقوفا. فرواه عن محمد بن
بشار عن غندر عن شعبة: "سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري عن
عروة عن عائشة - وعن سالم عن ابن عمر قالا: لم يرخص في أيام
التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي". وروى مالك في الموطأ
ص: 426 نحو معناه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - وعن ابن شهاب
عن سالم عن أبيه.
وقول عائشة وابن عمر"لم يرخص": هو بضم الياء، كما رواه الحافظ
من أصحاب شعبة - فيما ذكر الخافظ في الفتح: وهو عندنا مرفوع
حكما، إن لم يكن مرفوعا لفظا. لأن الصحابي إذا قال ذلك فإنما
يريد به من له حق الترخيص والمنع، وهو رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وقد بحث الحافظ في هذا الموضع بحثا جيدا في ذلك.
وذكر الحافظ رواية يحيى بن سلام هذه، نقلا عن الدارقطني
والطحاوي.
(3/100)
= لصحة ما قلنا في ذلك من القول وخطأ قول
من خالف قولنا فيه.
3471 - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن سفيان بن حسين، عن
الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن
حذافة بن قيس، فنادى في أيام التشريق، فقال: إن هذه أيام أكل
وشرب وذكرٍ لله، إلا من كان عليه صوم من هدي. (1)
* * *
واختلف أهل العلم في أول الوقت الذي يجب على المتمتع الابتداء
في صوم الأيام الثلاثة التي قال الله عز وجل:" فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج"، والوقت الذي يجوز له فيه صومهن،
وإن لم يكن واجبا عليه فيه صومهن.
فقال بعضهم: له أن يصومهن من أول أشهر الحج.
* ذكر من قال ذلك:
3472 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون، عن عنبسة، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاوس: أنهما كانا يقولان: إذا صامهن
في أشهر الحج أجزأه. قال: وقال مجاهد: إذا لم يجد المتمتع ما
يهدي، فإنه يصوم في العشر إلى يوم عرفة، متى ما صام أجزأه. فإن
صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه.
__________
(1) الحديث: 3471 - سفيان بن حسين الواسطي: ثقة، تكلموا في
روايته عن الزهري خاصة"فإن فيها تخاليط يجب أن يجانب، وهو ثقة
في غير الزهري"- كما قال ابن حبان.
وهذا الحديث مرسل، لم يذكر الزهري من رواه عنه.
(3/101)
3473 - حدثني أحمد بن المغيرة، قال: حدثنا
يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن
عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: من صام يوما في شوال
ويوما في ذي القعدة ويوما في ذي الحجة، أجزأه عنه من صوم
التمتع. (1)
3474حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
شريك، عن ليث، عن مجاهد، قال: إن شاء صام أول يوم من شوال.
3475 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد
في قول الله جل وعز:" فصيام ثلاثة أيام في الحج"، قال: إن
شاء صامها في العشر، وإن شاء في ذي القعدة، وإن شاء في
شوال.
* * *
وقال آخرون: يصومهن في عشر ذي الحجة دون غيرها.
* ذكر من قال ذلك:
3476 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون، عن عنبسة،
عن ابن أبي نجيح، عن عطاء: يصوم الثلاثة الأيام للمتعة في
العشر إلى يوم عرفة.
3477 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا
بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: حدثني يعقوب أن عطاء بن أبي
رباح كان يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من
ذي الحجة إلى يوم عرفة، فليصم.
3478 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي،
قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: ولا بأس أن
يصوم المتمتع في العشر وهو حلال.
3479 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا أبو شهاب، عن الحجاج، عن أبي جعفر، قال: لا يصام إلا
في العشر.
__________
(1) الخبر: 3473 - أحمد بن المغيرة، شيخ الطبري: لم أعرف
من هو، ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا.
(3/102)
3480 - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو
نعيم، قال: حدثنا الربيع، عن عطاء أنه كان يقول في صيام
ثلاثة أيام في الحج، قال: في تسع من ذي الحجة أيها شئت،
فمن صام قبل ذلك في شوال وفي ذي القعدة، فهو بمنزلة من لم
يصم.
* * *
وقال آخرون: له أن يصومهن قبل الإحرام بالحج.
* ذكر من قال ذلك:
3481 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا
أيوب، عن عكرمة، قال: إذا خشي أن لا يدرك الصوم بمكة صام
بالطريق يوما أو يومين.
3482 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا بأس أن تصوم
الثلاثة الأيام في المتعة وأنت حلال.
* * *
وقال آخرون: لا يجوز أن يصومهن إلا بعد ما يحرم بالحج.
* ذكر من قال ذلك:
3483 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا
سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يصومهن
إلا وهو حرام.
3484 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن
نصر، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن
عباس أنه قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة.
(1)
3485 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا
يجزيه صوم ثلاثة أيام وهو
__________
(1) الأثر: 3484: انظر التعليق على الأثر السالف رقم:
3439.
(3/103)
متمتع إلا أن يحرم. وقال مجاهد: يجزيه إذا
صام في ذي القعدة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن للمتمتع أن
يصوم الأيام الثلاثة التي أوجب الله عليه صومهن لمتعته إذا
لم يجد ما استيسر من الهدي، من أول إحرامه بالحج بعد قضاء
عمرته واستمتاعه بالإحلال إلى حجه، إلى انقضاء آخر عمل حجه
وذلك بعد انقضاء أيام منى سوى يوم النحر، فإنه غير جائز له
صومه ابتدأ صومهن قبله، أو ترك صومهن فأخره حتى انقضاء يوم
عرفة.
وإنما قلنا: له صوم أيام التشريق، لما ذكرنا من العلة
لقائل ذلك قبل، (1) فإن صامهن قبل إحرامه بالحج فإنه غير
مجزئ صومه ذلك من الواجب عليه من الصوم الذي فرضه الله
عليه لمتعته. وذلك أن الله جل وعز إنما أوجب الصوم على من
لم يجد هديا ممن استمتع بعمرته إلى حجه، فالمعتمر قبل
إحلاله من عمرته وقبل دخوله في حجه غير مستحق اسم" متمتع"
بعمرته إلى حجه. وإنما يقال له قبل إحرامه" معتمر"، حتى
يدخل بعد إحلاله في الحج قبل شخوصه عن مكة. فإذا دخل في
الحج محرما به - بعد قضاء عمرته في أشهر الحج، ومقامه بمكة
بعد قضاء عمرته حلالا حتى حج من عامه - سمي"متمتعا". فإذا
استحق اسم"متمتع" لزمه الهدي، وحينئذ يكون له الصوم بعدمه
الهدي إن عدمه فلم يجده.
فأما إن صامه قبل دخوله في الحج - وإن كان من نيته الحج-
فإنما هو رجل صام صوما ينوي به قضاء عما عسى أن يلزمه أو
لا يلزمه، فسبيله سبيل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي
بصومهن كفارة يمين، ليمين يريد أن يحلف بها ويحنث فيها،
وذلك ما لا خلاف بين الجميع أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف
بها بعد الصوم فحنث.
__________
(1) في المطبوعة: "قيل" مكان"قبل" وهو خطأ وتصحيف بلا
معنى.
(3/104)
فإن ظن ظان أن صوم المعتمر- بعد إحلاله من
عمرته، أو قبله، وقبل دخوله في الحج - مجزئ عنه من الصوم
الذي أوجبه الله عليه إن تمتع بعمرته إلى الحج، نظير ما
أجزأ الحالف بيمين إذا كفر عنها قبل حنثه فيها بعد حلفه
بها فقد ظن خطأ. لأن الله جل ثناؤه جعل لليمين تحليلا هو
غير تكفير، فالفاعل فيها قبل الحنث فيها ما يفعله المكفر
بعد حنثه فيها، محلل غير مكفر. والمتمتع إذا صام قبل تمتعه
صائم، تكفيرا لما يظن أنه يلزمه ولما يلزمه، وهو كالمكفر
عن قتل صيد يريد قتله وهو محرم قبل قتله، وعن تطيب قبل
تطيبه.
ومن أبى ما قلنا في ذلك ممن زعم أن للمعتمر الصوم قبل
إحرامه بالحج، قيل له: ما قلت فيمن كفر من المحرمين عن
الواجب على من ترك رمي الجمرات أيام منى يوم عرفة، وهو
ينوي ترك الجمرات، ثم أقام بمنى أيام منى حتى انقضت تاركا
رمي الجمرات، هل يجزيه تكفيره ذلك عن الواجب عليه في ترك
ما ترك من ذلك؟
فإن زعم أن ذلك يجزيه، سئل عن مثل ذلك في جميع مناسك الحج
التي أوجب الله في تضييعه على المحرم، أو في فعله، كفارة،
فإن سوى بين جميع ذلك قاد قوله، (1)
وسئل عن نظير ذلك في العازم على أن يجامع في شهر رمضان،
وهو مقيم صحيح، إذا كفر قبل دخول الشهر، ودخل الشهر ففعل
ما كان عازما عليه هل تجزيه كفارته التي كفر عن الواجب من
وطئه ذلك، وكذلك يسأل: عمن أراد أن يظاهر من امرأته، فإن
قاد قوله في ذلك، (2) خرج من قول جميع الأمة.
__________
(1) في المطبوعة في الموضعين: "قاد قوله" بالفاء وهو تصحيف
غث جدا، وجاء بعض من علق على تفسير الطبري فقال: "لعله
يريد اضطراب قولهن قال في اللسان: فاد يفيد فيدا: تبختر،
وقيل: هو أن يحذر شيئا فيعدل عنه جانبا"!! فصار معنى
الكلام أعرق في الغثاثة من تصحيف لفظه!
(2) والصواب ما أثبت، يقال: "قاد قوله" أي استقام به على
نهجه الذي نهجه، ولم يخالف منطقته فيه ولا سياقه. وذلك من
قولهم: قاد الفرس قودا. وهذا المجاز قد استعمله قدماء
الفقهاء والمتكلمين والمناطقة يقولون: "هذا لا يستقيم على
قود كلامك" أي: على سياقه ونهجه.
(3/105)
وإن أبى شيئا من ذلك، سئل الفرق بينه وبين
الصائم لمتعته قبل تمتعه وقبل إحرامه بالحج، ثم عكس عليه
القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر
مثله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: فمن لم يجد ما استيسر
من الهدي، فعليه صيام ثلاثة أيام في حجه وصيام سبعة أيام
إذا رجع إلى أهله ومصره.
فإن قال لنا قائل: أو ما يجب عليه صوم السبعة الأيام بعد
الأيام الثلاثة التي يصومهن في الحج إلا بعد رجوعه إلى
مصره وأهله؟
قيل: بل قد أوجب الله عليه صوم الأيام العشرة بعدم ما
استيسر من الهدي لمتعته، ولكن الله تعالى ذكره رأفة منه
بعباده رخص لمن أوجب ذلك عليه، كما رخص للمسافر والمريض في
شهر رمضان الإفطار وقضاء عدة ما أفطر من الأيام من أيام
أخر. ولو تحمل المتمتع فصام الأيام السبعة في سفره قبل
رجوعه إلى وطنه، أو صامهن بمكة، كان مؤديا ما عليه من فرض
الصوم في ذلك، وكان بمنزلة الصائم شهر رمضان في سفره أو
مرضه، مختارا للعسر على اليسر.
وبالذي قلنا في ذلك قالت علماء الأمة.
* ذكر من قال ذلك:
3486 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا
سفيان، عن منصور، عن مجاهد:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: هي
رخصة إن شاء صامها في الطريق.
3487 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان،
(3/106)
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" وسبعة إذا
رجعتم"، قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق، وإن شاء
صامها بعد ما يرجع إلى أهله.
3488 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن
منصور، عن مجاهد، نحوه.
3489 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان، عن منصور:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: إن شاء
صامها في الطريق، وإنما هي رخصة.
3490 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، قال: إن شئت صم السبعة في
الطريق، وإن شئت إذا رجعت إلى أهلك.
3491 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن فطر، عن عطاء،
قال: يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله أحب إلي.
3492 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن
إبراهيم:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: إن شئت في الطريق، وإن
شئت بعد ما تقدم إلى أهلك.
* * *
فإن قال: وما برهانك على أن معنى قوله:" وسبعة إذا رجعتم"
إذا رجعتم إلى أهليكم وأمصاركم = دون أن يكون معناه: إذا
رجعتم من منى إلى مكة؟
قيل: إجماع جميع أهل العلم على أن معناه ما قلنا دون غيره.
* ذكر بعض من قال ذلك:
3493 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا
سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله:" وسبعة إذا رجعتم"،
قال: إذا رجعت إلى أهلك.
(3/107)
3495 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة:" وسبعة إذا رجعتم" إذا رجعتم إلى
أمصاركم.
3496 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع، مثله.
3497 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير:" وسبعة إذا
رجعتم" قال: إلى أهلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" كاملة".
فقال بعضهم: معنى ذلك: فصيام الثلاثة الأيام في الحج
والسبعة الأيام بعد ما يرجع إلى أهله عشرة كاملة من الهدي.
* ذكر من قال ذلك:
3498 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن
في قوله:" تلك عشرة كاملة"، قال: كاملة من الهدي.
3499 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن، مثله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كملت لكم أجر من أقام على
إحرامه، ولم يحل ولم يتمتع تمتعكم بالعمرة إلى الحج.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: الأمر، وإن كان مخرجه مخرج الخبر،
وإنما عنى بقوله:" تلك عشرة كاملة" تلك عشرة أيام فأكملوا
صومها لا تقصروا عنها، لأنه فرض عليكم صومها.
* * *
(3/108)
وقال آخرون: بل قوله:" كاملة"، توكيد
للكلام، كما يقول القائل:" سمعته بأذني، ورأيته بعيني"،
وكما قال: (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ)
[النحل: 26] ولا يكون" الخر" إلا من فوق، فأما من موضع
آخر، فإنما يجوز على سعة الكلام.
* * *
وقال آخرون: إنما قال:" تلك عشرة كاملة"، وقد ذكر"سبعة"
و"ثلاثة"، لأنه إنما أخبر أنها مجزئة، وليس يخبر عن عدتها،
وقالوا: ألا ترى أن قوله:"كاملة" إنما هو وافية؟.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي [بالصواب] قول من
قال: معنى ذلك تلك عشرة كاملة عليكم فرضنا إكمالها. وذلك
أنه جل ثناؤه قال: فمن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجع، ثم قال: تلك عشرة أيام عليكم إكمال
صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج. فأخرج ذلك مخرج الخبر،
ومعناه الأمر بها.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله" ذلك"، أي التمتع
بالعمرة إلى الحج، لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،
كما:-
3500 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"،
يعني المتعة أنها لأهل الآفاق، ولا تصلح لأهل مكة.
(3/109)
3501 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي: أن هذا لأهل الأمصار ليكون عليهم
أيسر من أن يحج أحدهم مرة ويعتمر أخرى، فتجمع حجته وعمرته
في سنة واحدة.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى بقوله:" ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام"، بعد إجماع جميعهم على أن أهل
الحرم معنيون به، وأنه لا متعة لهم.
فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم.
* ذكر من قال ذلك:
3502 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، قال: قال ابن عباس ومجاهد: أهل الحرم.
3503 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا
شريك، عن عبد الكريم، عن مجاهد:" ذلك لمن لم يكن أهله
حاضري المسجد الحرام"، قال: أهل الحرم.
3504 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا
ابن المبارك، عن سفيان، قال: بلغنا عن ابن عباس في قوله:"
حاضري المسجد الحرام"، قال: هم أهل الحرم، والجماعة عليه.
3505 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"، قال
قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة، إنه لا
متعة لكم، أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم، إنما يقطع أحدكم
واديا = أو قال: يجعل بينه وبين الحرم واديا = ثم يهل
بعمرة.
3506 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا
الليث، قال: حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري: أن أهل مكة
كانوا يغزون ويتجرون، فيقدمون
(3/110)
في أشهر الحج ثم يحجون، ولا يكون عليهم
الهدي ولا الصيام، أرخص لهم في ذلك، لقول الله عز وجل:"
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام".
3507 - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أهل الحرم.
3508 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: المتعة للناس،
إلا لأهل مكة ممن لم يكن أهله من الحرم، وذلك قول الله عز
وجل:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"، قال:
وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس. (1) بالكلام
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك أهل الحرم ومن كان منزله دون
المواقيت إلى مكة.
* ذكر من قال ذلك:
3509 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن
مكحول:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"، قال:
من كان دون المواقيت.
3510 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك بإسناده مثله = إلا أنه قال: ما كان دون المواقيت
إلى مكة.
3511 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن رجل، عن عطاء، قال: من كان أهله من دون
المواقيت، فهو كأهل مكة لا يتمتع.
* * *
__________
(1) الأثر: 3508 - في تفسير ابن كثير 1: 453: "المتعة
للناس لا لأهل مكة من لم يكن أهله من الحرم" وفي الدر
المنثور 1: 217: "المتعة للناس، إلا لأهل مكة هي لمن لم
يكن أهله في الحرم". والصواب ما في نص الطبري.
(3/111)
وقال بعضهم: بل عنى بذلك أهل الحرم، ومن
قرب منزله منه.
* ذكر من قال ذلك:
3512 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن سفيان، عن ابن
جريج، عن عطاء في قوله:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام"، قال: عرفة، ومر، وعرنة، وضجنان، والرجيع،
ونخلتان.
3513 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري والمثنى قالا حدثنا أبو
نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء:" ذلك لمن
لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"، قال: عرفة ومر، وعرنة،
وضجنان، والرجيع.
3514 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن معمر، عن الزهري في هذه الآية قال: اليوم
واليومين.
3515 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال:
أخبرنا معمر، قال: سمعت الزهري يقول: من كان أهله على يوم
أو نحوه تمتع.
3516 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا ابن جريج، عن عطاء: أنه جعل أهل عرفة من أهل مكة في
قوله:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام".
3517 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد
في قوله:" ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"، قال:
أهل مكة وفج وذي طوي، وما يلي ذلك فهو من مكة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من
قال: إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من
المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات. لأن"حاضر الشيء"، في
كلام العرب، هو الشاهد له بنفسه. وإذا كان ذلك كذلك = وكان
لا يستحق أن يسمى"غائبا"، إلا من كان مسافرا
(3/112)
شاخصا عن وطنه، وكان المسافر لا يكون
مسافرا إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة،
وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم"غائب" عن وطنه ومنزله =
كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه
الصلاة، غير مستحق أن يقال: هو من غير حاضريه إذ كان
الغائب عنه هو من وصفنا صفته.
وإنما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام، من
أجل أن"التمتع" إنما هو الاستمتاع بالإحلال من الإحرام
بالعمرة إلى الحج، مرتفقا في ترك العود إلى المنزل والوطن
بالمقام بالحرم حتى ينشئ منه الإحرام بالحج. وكان المعتمر
متى قضى عمرته في أشهر الحج، ثم انصرف إلى وطنه، أو شخص عن
الحرم إلى ما تقصر فيه الصلاة، ثم حج من عامه ذلك، بطل أن
يكون مستمتعا. لأنه لم يستمتع بالمرفق الذي جعل للمستمتع،
من ترك العود إلى الميقات، والرجوع إلى الوطن بالمقام في
الحرم. وكان المكي من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك،
من أجل أنه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم، فهو غير
مرتفق بشيء مما يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد
الحرام فيكون متمتعا بالإحلال من عمرته إلى حجه.
* * *
(3/113)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(196) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل اسمه:" واتقوا الله"، بطاعته
فيما ألزمكم من فرائضه وحدوده، واحذروا أن تعتدوا في ذلك
وتتجاوزوا فيما بين لكم من مناسككم، فتستحلوا ما حرم فيها
عليكم."واعلموا": تيقنوا أنه تعالى ذكره شديد عقابه لمن
عاقبه على ما انتهك من محارمه وركب من معاصيه.
* * *
(3/114)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا
رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا
أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وقت الحج أشهر معلومات.
* * *
"والأشهر" مرفوعات بـ "الحج"، وإن كان له وقتا، لا صفة
ونعتا، إذ لم تكن محصورات بتعريف، بإضافة إلى معرفة أو
معهود، فصار الرفع فيهن كالرفع في قول العرب في نظير ذلك
من المحل:" المسلمون جانب، والكفار جانب"، برفع الجانب
الذي لم يكن محصورا على حد معروف. ولو قيل:"جانب أرضهم، أو
بلادهم"، لكان النصب هو الكلام. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في قوله:" الحج أشهر معلومات".
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن لفراء 1: 119.
(4/114)
فقال بعضهم: يعني بـ "الأشهر المعلومات":
شوالا وذا القعدة، وعشرا من ذي الحجة.
* ذكر من قال ذلك:
3518 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله
قوله:" الحج أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي
الحجة.
3519 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان وشريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
3520 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، مثله.
3521 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن
نصر السلمي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة،
عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: أشهر
الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. (1)
3523 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" الحج أشهر
معلومات"، وهن: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، جعلهن
الله سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم
أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر.
3524 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا
شريك، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله:"
الحج أشهر معلومات"، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي
الحجة.
3525 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن وأبو
عامر قالا
__________
(1) سقط من ترقيمنا رقم: 3522.
(4/115)
حدثنا سفيان = وحدثنا الحسن بن يحيى، قال:
أخبرنا عبد الرزاق = قال: أخبرنا الثوري عن المغيرة، عن
إبراهيم مثله.
3526 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي مثله.
3527 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان وإسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
3528 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا إسرائيل، عن جابر،
عن عامر، مثله.
3529 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي، مثله.
3530 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3531 - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني هشيم،
قال: أخبرنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس =
وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي = وأخبرنا يونس، عن
الحسن = وأخبرنا جويبر، عن الضحاك = وأخبرنا حجاج، عن عطاء
ومجاهد، مثله. (1)
3532 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال:
حدثنا حماد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة في" الحج أشهر معلومات".
3533 - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا ورقاء،
__________
(1) الأثر: 3531 - القائل: "وأخبرنا مغيرة. . . = وأخبرنا
جويبر. . . = إلخ" هو هشيم.
(4/116)
عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال:"
الحج أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة.
3534 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: شوال، وذو القعدة،
وعشر من ذي الحجة.
3535 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم
يقول، فذكر مثله.
* * *
وقال آخرون: بل يعني بذلك شوالا وذا القعدة، وذا الحجة
كله.
* ذكر من قال ذلك:
3536 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال:
حدثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أكان عبد الله يسمي أشهر
الحج؟ قال: نعم، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
3537 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال:
حدثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر
الحج؟ قال: نعم، كان يسمي شوالا وذا القعدة، وذا الحجة.
3538 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر،
قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
3539 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء:" الحج أشهر معلومات"، قال
عطاء: فهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
3540 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع، مثله.
3541 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة
(4/117)
قوله:" الحج أشهر معلومات" أشهر الحج:
شوال، وذو القعدة، وذو الحجة = وربما قال: وعشر ذي الحجة.
3542 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" الحج
أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
3543 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، مثله.
3544 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني
الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أشهر الحج:
شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما وجه قائلي هذه
المقالة، وقد علمت أن عمل الحج لا يعمل بعد تقضي أيام منى؟
قيل: إن معنى ذلك غير الذي توهمته، وإنما عنوا بقيلهم:
الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن أشهر الحج لا أشهر العمرة،
وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة. ومما يدل على أن ذلك
معناهم في قيلهم ذلك ما:-
3545 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال:
أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: قال ابن عمر: أن تفصلوا بين
أشهر الحج والعمرة فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم
لحج أحدكم وأتم لعمرته.
3546 - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني أبي، قال:
حدثنا شعبة، قال: ما لقيني - أيوب أو قال: ما لقيت أيوب -
إلا سألني عن حديث قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قلت
لعبد الله: امرأة منا قد حجت، أو هي تريد أن تحج، أفتجعل
مع حجها عمرة؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج. قال:
فيقول لي أيوب ومن عنده: مثل هذا الحديث حدثك قيس
(4/118)
بن مسلم عن طارق بن شهاب أنه سأل عبد الله؟
!.
3547 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن ابن عون، قال:
سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست
بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم؟ فقال: كانوا
يرونها تامة.
3548 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق بن
يوسف، عن ابن عون، قال: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في
أشهر الحج، قال: كانوا لا يرونها تامة.
3549 - حدثنا ابن بيان الواسطي، قال: أخبرنا إسحاق عن عبد
الله بن عون، عن ابن سيرين أنه كان يستحب العمرة في
المحرم، قال: تكون في أشهر الحج؟ قال: كانوا لا يرونها
تامة.
3550 - حدثنا ابن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن عون، عن
محمد بن سيرين، قال: قال ابن عمر للحكم بن الأعرج أو غيره:
إن أطعتني انتظرت حتى إذا أهل المحرم خرجت إلى ذات عرق
فأهللت منها بعمرة.
3551 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال:
حدثنا شعبة، عن أبي يعقوب، قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن
أعتمر في عشر ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشرين.
3552 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سألت ابن
مسعود عن امرأة منا أرادت أن تجمع مع حجها عمرة، فقال:
أسمع الله يقول:" الحج أشهر معلومات" ما أراها إلا أشهر
الحج.
3553 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: حدثنا حزام القطعي،
قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما أحد من أهل العلم شك أن
عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج.
(4/119)
= ونظائر ذلك مما يطول باستيعاب ذكره
الكتاب، مما يدل على أن معنى قيل من قال: وقت الحج ثلاثة
أشهر كوامل، أنهن من غير شهور العمرة، وأنهن شهور لعمل
الحج دون عمل العمرة، وإن كان عمل الحج إنما يعمل في بعضهن
لا في جميعهن.
* * *
وأما الذين قالوا: تأويل ذلك: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي
الحجة، فإنهم قالوا: إنما قصد الله جل ثناؤه بقوله:" الحج
أشهر معلومات" إلى تعريف خلقه ميقات حجهم، لا الخبر عن وقت
العمرة. قالوا: فأما العمرة، فإن السنة كلها وقت لها،
لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر
في بعض شهور الحج، ثم لم يصح عنه بخلاف ذلك خبر. قالوا:
فإذا كان ذلك كذلك، وكان عمل الحج ينقضي وقته بانقضاء
العاشر من أيام ذي الحجة، علم أن معنى قوله:" الحج أشهر
معلومات" إنما هو ميقات الحج، شهران وبعض الثالث.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال:
إن معنى ذلك: الحج شهران وعشر من الثالث; لأن ذلك من الله
خبر عن ميقات الحج، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام
منى، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث، وإذا لم
يكن معنيا به جميعه، صح قول من قال: وعشر ذي الحجة.
* * *
فإن قال قائل: فكيف قيل:" الحج أشهر معلومات" وهو شهران
وبعض الثالث؟
قيل: إن العرب لا تمتنع خاصة في الأوقات من استعمال مثل
ذلك، فتقول:" له اليوم يومان منذ لم أره"، وإنما تعني
بذلك: يوما وبعض آخر، وكما قال جل ثناؤه: (فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة:
203] وإنما يتعجل في يوم ونصف. وقد يفعل الفاعل منهم الفعل
في الساعة، ثم يخرجه
(4/120)
عاما على السنة والشهر، فيقول:" زرته
العام، وأتيته اليوم"، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من
أول الوقت الذي ذكره إلى آخره، ولكنه يعني أنه فعله إذ
ذاك، وفي ذلك الحين، فكذلك" الحج أشهر"، والمراد منه: الحج
شهران وبعض آخر. (1)
* * *
فمعنى الآية إذا: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض
الثالث، وهو شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:" فمن فرض فيهن الحج"،
فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن - يعني: في
الأشهر المعلومات التي بينها. وإيجابه إياه على نفسه،
العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله، وترك
جميع ما أمره الله بتركه.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا
الحج، بعد إجماع جميعهم، على أن معنى" الفرض": الإيجاب
والإلزام.
فقال بعضهم: فرض الحج الإهلال.
* ذكر من قال ذلك:
3554 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا ورقاء، عن عبد الله المدني بن دينار، عن ابن عمر
قوله:" فمن فرض فيهن الحج" قال: من أهل بحج.
3555 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = وحدثنا الحسن بن
يحيى، قال:
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 152.
(4/121)
أخبرنا عبد الرزاق = قال: أخبرنا الثوري،
عن العلاء بن المسيب، عن عطاء، قال: التلبية.
3556 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران = وحدثنا علي،
قال: حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان الثوري:" فمن فرض فيهن
الحج" قال: فالفريضة الإحرام، والإحرام التلبية.
3557 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا
شريك، عن إبراهيم - يعني ابن مهاجر-، عن مجاهد:" فمن فرض
فيهن الحج" قال: الفريضة: التلبية.
3558 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا ورقاء عن عبد الله
بن دينار، عن ابن عمر:" فمن فرض فيهن الحج" قال: أهل.
3559 - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الفرض التلبية،
ويرجع إن شاء ما لم يحرم.
3560 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فمن فرض فيهن
الحج" قال: الفرض: الإهلال.
3561 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:" فمن فرض فيهن الحج"
قال: التلبية.
3562 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، قال: حدثنا أبو
عمرو الضرير، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن جبر بن حبيب،
قال: سألت القاسم بن محمد عن:" من فرض فيهن الحج"، قال:
إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت، فقد فرضت الحج. (1)
__________
(1) الخر: 3562 - إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز،
أبو مسلم الكجي الحافظ: ثقة نبيل، مدحه البحتري. له كتاب
في السنن. مات سنة 292 وقد قارب المئة. مترجم في تذكرة
الحفاظ 2: 176- 177ن وتاريخ بغداد 6: 120- 124. "أبو عمر
الضرير الأكبر": هو حفص بن عمر البصري، وهو ثقة كان غاية
في السنة وكان من العلماء بالفرائض والحساب والشعر وأيام
الناس والفقه. مات سنة 220، عن بضع وسبعين سنة. ووقع في
المطبوعة"أبو عمرو". وهو خطأ. "جبر بن حبيب": ثقة وكان
إماما في اللغة. مترجم في التهذيب والكبير 1/2/242، وابن
أبي حاتم 1/1/533. ولم يذكروا له رواية إلا عن أم كلثوم
بنت أبي بكر الصديق. فيستفاد من هذا الموضع روايته أيضًا
عن ابن أخيها: القاسم بن محمد بن أبي بكر.
(4/122)
وقال آخرون: فرض الحج إحرامه.
* ذكر من قال ذلك:
3563 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني
معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فمن فرض فيهن الحج" يقول:
من أحرم بحج أو عمرة.
3564 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن = وحدثنا
أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد= وحدثني المثنى، قال:
حدثنا أبو نعيم = قالوا جميعا: حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن
إبراهيم:" فمن فرض فيهن الحج" قال: فمن أحرم - واللفظ
لحديث ابن بشار.
3565 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك
والحسن بن صالح، عن ليث، عن عطاء، قال: الفرض: الإحرام.
3566 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم،
قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء وبعض أشياخنا عن الحسن في
قوله:" فمن فرض فيهن الحج" قالا فرض الحج الإحرام.
3567 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا
سعيد، عن قتادة:" فمن فرض فيهن الحج" فهذا عند الإحرام.
3568 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الفرض
الإحرام.
3569 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا
(4/123)
حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك
بن مزاحم يقول، فذكر مثله.
3570 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم:" فمن فرض
فيهن الحج" قال: من أحرم.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما
قلنا من أن يكون الإحرام -كان عند قائله- الإيجاب بالعزم،
ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية، كما قال
القائلون القول الأول.
وإنما قلنا: إن فرض الحج الإحرام، لإجماع الجميع على ذلك.
وقلنا: إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه
على نفسه، على ما وصفنا آنفا، لأنه لا يخلو القول في ذلك
من أحد أمور ثلاثة:
إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية وفعل جميع ما يجب
على الموجب الإحرام على نفسه فعله، فإن يكن ذلك كذلك، فقد
يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للإحرام، وأن يكون من لم
يكن له متجردا فغير محرم. وفي إجماع الجميع على أنه قد
يكون محرما وإن لم يكن متجردا من ثيابه، بإيجابه الإحرام =
ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب، إذ كانت التلبية
بعض مشاعر الإحرام، كما التجرد له بعض مشاعره. وفي إجماعهم
على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه، ما يدل على أن
حكم غيره من مشاعره حكمه.
أو يكون - إذ فسد هذا القول - قد يكون محرما وإن لم يلب
ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا. وفي إجماع الجميع
على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على
نفسه، إذا كان من أهل التكليف، ما ينبئ عن فساد هذا القول.
وإذ فسد هذان الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث، وهو أن
الرجل قد يكون
(4/124)
محرما بإيجابه الإحرام بعزمه على سبيل ما
بينا، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه
عمله من مناسكه. وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج،
هو ما قرن إيجابه بالعزم، (1) على نحو ما بينا قبل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى" الرفث" في هذا
الموضع، (2)
فقال بعضهم: هو الإفحاش للمرأة في الكلام، وذلك بأن يقول:"
إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا"، لا يكني عنه، وما أشبه ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
3571 - حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس قالا حدثنا
سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن الرفث
في قول الله:" فلا رفث ولا فسوق" قال: هو التعريض بذكر
الجماع، وهي"العرابة" من كلام العرب، وهو أدنى الرفث. (3)
3572 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن روح بن
القاسم،
__________
(1) في المطبوعة: "هو ما مر إيجابه بالعزم" وهو تحريف فاسد
لا معنى له. والدليل على صحة ما ذهبت إليه في قراءة هذا
النص قوله في أول تفسير هذه الكلمة من الآية: "وإيجابه
إياه على نفسه، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج
عمله. . . " ثم ما جاء بعد ذلك في تفصيل معنى"الفرض".
فالسياق يقتضي ما أثبت من قراءتي للنص.
(2) انظر ما سلف في معنى: "الرفث" من الجزء 3: 487، 488
(3) الخبر: 3571- أحمد بن حماد الدولابي: مضت ترجمته في:
2593.
والعرابة (بفتح الهين وكسرها) والإعراب والتعريب
والإعرابة: ما قبح من الكلام أو التصريح بالهجر من الكلام
والفاحش منه. وأعرب الرجل وعرب: أفحش. والجيد هنا أن يقال
إن"العرابة" هو التعريض بالنكاح. وأنظر الآثار الآتية من
رقم: 3581 وما بعده.
(4/125)
عن ابن طاوس في قوله:" فلا رفث" قال:
الرفث: العرابة والتعريض للنساء بالجماع.
3573 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عون،
قال: حدثنا زياد بن حصين، قال: حدثني أبي حصين بن قيس،
قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج، وكنت له خليلا فلما كان
بعدما أحرمنا قال ابن عباس، فأخذ بذنب بعيره، فجعل يلويه،
وهو يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا (1)
قال: فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند
النساء.
3574 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن قتادة، عن رجل، عن أبي العالية الرياحي، عن
ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم، ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا (2)
قال: قلت: تتكلم بالرفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل
عند النساء.
3575 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس
أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان
النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء، إذا ذكروا ذلك
بأفواههم.
3576 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو
صخر، عن محمد بن كعب القرظي، مثله.
__________
(1) لم أعرف قائله، وسيأتي في هذا الجزء 127، 130 - ثم في
5: 68/ ثم 16: 157 (بولاق) وهو رجز كثير الدوران في الكتب.
والهمس والهميس: الصوت الخفي الذي لا غور له في الكلام
والوطء والأكل وغيرها. ولميس: اسم صاحبته. ويزيد بقوله:
"إن تصدق الطير" أنه زجر الطير فتيامن بمرها ودلته على قرب
اجتماعه بأصحابه وأهله.
(2) انظر التعليق السالف
(4/126)
3577 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو
عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أيحل للمحرم
أن يقول لامرأته:" إذا حللت أصبتك"؟ قال: لا ذاك الرفث.
قال: وقال عطاء: الرفث ما دون الجماع.
3578 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثني محمد بن بكر، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الرفث الجماع وما دونه من
قول الفحش.
3579 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن
جريج، قال: قلت لعطاء: قول الرجل لامرأته:" إذا حللت
أصبتك"، قال: ذاك الرفث!.
3580 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن
زيادة بن حصين، عن أبي العالية، قال: كنت أمشي مع ابن عباس
وهو محرم، وهو يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا (1)
قال: قلت: أترفث يا ابن عباس وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث
ما روجع به النساء.
3581 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا سفيان ويحيى بن
سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرنا ابن الزبير السبائي وعطاء:
أنه سمع طاوسا قال: سمعت ابن الزبير يقول: لا يحل للمحرم
الإعرابة. فذكرته لابن عباس، فقال: صدق! قلت لابن عباس:
وما الإعراب؟ قال: التعريض. (2)
3582 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: أخبرنا
ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس أنه كان
يقول: لا يحل للمحرم
__________
(1) انظر التعليق السالف: 126 تعليق: 1
(2) الخبر: 3581 -ابن الزبير السبائي: هكذا ثبت في
المطبوعة؛ ولا أدري ما هذا؟ ولا من هو؟ ولولا
كلمة"السبائي" لظننا أنه"أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس
الأسدي المكي" التابعي المشهور، فإنه من هذه الطبقة. وانظر
تفسير"الإعرابة" والإعراب" فيما سلف ص: 125، تعليق: 3.
(4/127)
الإعرابة. قال طاوس: والإعرابة: أن يقول
وهو محرم:" إذا حللت أصبتك".
3583 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا فطر، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، قال: لا يكون
رفث إلا ما واجهت به النساء. (1)
3584 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن عطاء قال: كانوا يكرهون
الإعرابة - يعني التعريض بذكر الجماع - وهو محرم.
3585 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن
جريج، عن ابن طاوس أنه سمع أباه أنه كان يقول: لا تحل
الإعرابة."والإعرابة" التعريض.
3586 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن
ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن قول الله
تعالى:" فلا رفث" قال: الرفث الذي ذكر ههنا، ليس بالرفث
الذي ذكر في: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) [البقرة: 187] ومن" الرفث"،
التعريض بذكر الجماع، وهي الإعرابة بكلام العرب. (2)
3587 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو معاوية: قال:
حدثنا ابن جريج، عن عطاء: أنه كره التعريب للمحرم.
3588 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج،
قال:
__________
(1) الأثر: 3583 - فطر، هو فطر بن خليفة القرشي المخزومي
مولاهم. وكان في المطبوعة"قطر" بالقاف، ومضى مرارا، وظننته
تصحيفا مع الطابع ولكنه تكرر فنبهت هنا عليه، وعلى تصويبه.
(2) انظر ما سلف في الجزء 3: 487
(4/128)
أخبرني ابن طاوس أن أباه كان يقول: الرفث:
الإعرابة مما وراه من شأن النساء، والإعرابة: الإيضاح
بالجماع. (1)
3589 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج،
قال: حدثنا الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول: لا يحل
للمحرم الإعرابة.
3590 - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا أبو صالح، قال:
حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" فلا رفث"
قال: الرفث: غشيان النساء والقبل والغمز، وأن يعرض لها
بالفحش من الكلام ونحو ذلك.
3591 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول
للحادي: لا تعرض بذكر النساء.
3592 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر وابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس،
قال: الرفث في"الصيام": الجماع، والرفث في"الحج" الإعرابة.
وكان يقول: الدخول والمسيس الجماع.
* * *
وقال آخرون:"الرفث" في هذا الموضع: الجماع نفسه.
* ذكر من قال ذلك:
3593 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن
خصيف، عن مقسم، قال: الرفث: الجماع.
3594 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله.
__________
(1) في المطبوعة: "مما رواه من شأن النساء" والصواب ما
أثبت ومعناه: مما كنى به من شأن النساء وما عرض به من
ذكرهن.
(4/129)
3595 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال:
أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس
قال: الرفث: إتيان النساء.
3596 - حدثنا عبد الحميد قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن
أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن الرفث،
فقال: الجماع.
3597 - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن
عاصم الأحول، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الرفث:
هو الجماع، ولكن الله كريم يكني عما شاء.
3598 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن
الأعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: سمعت ابن
عباس يرتجز وهو محرم، يقول:
خرجن يسرين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا (1)
= قال شريك:"إلا أنه لم يكن عن الجماع" - لميسا. (2) فقلت:
أليس هذا الرفث؟ قال: لا إنما الرفث: إتيان النساء
والمجامعة.
3599 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن عون، عن
زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس بنحوه - إلا أن
عونا صرح به.
3600 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، قال: الرفث الجماع.
3601 - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن
أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قوله:" فلا رفث"
قال: الرفث إتيان النساء.
__________
(1) انظر تخريجه فيما سلف: 126 تعليق 1. وهذه رواية تخالف
الماضية: "وهن يمشين".
(2) يريد أن شريكا أنشد البيت: "إن تصدق الطير" ثم قطع
الإنشاد وقال: "ألا إنه لم يكن الجماع" ثم عاد للإنشاد
فقال: "لميسا"، ولم ينطق الكلمة.
(4/130)
3602 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن
مسعدة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:" فلا رفث"، قال:
الرفث: غشيان النساء.
3603 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: الرفث: الجماع
فما دونه من شأن النساء.
3604 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن ابن جريج،
عن عمرو بن دينار بنحوه.
3605 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد
الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله:" فلا رفث" قال:
الرفث الجماع.
3606 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عبد
العزيز بن رفيع، عن مجاهد:" فلا رفث"، قال: الرفث الجماع.
3607 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن
سعيد، عن قتادة في قوله:" فلا رفث" قال: كان قتادة يقول:
الرفث: غشيان النساء.
3608 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن
قتادة مثله.
3609 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس،
قال: الرفث: الجماع.
3610 -حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
أخبرنا إسرائيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن
ابن عباس، قال: الرفث: الجماع.
3611 -حدثنا أحمد، حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن
ليث، عن مجاهد، قال: الرفث: الجماع.
3612 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الرفث: المجامعة.
(4/131)
3613 -حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا
عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" فلا رفث" فلا
جماع.
3614 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر،
عن أبيه، عن الربيع:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع.
3615 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال:
حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فلا رفث" قال:
جماع النساء.
3616 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد
بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في
قوله:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع.
3617 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال:
حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الرفث:
الجماع.
3618 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
الرفث الجماع.
3619 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الرفث: الجماع.
(1)
3620 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي،
عن عكرمة، قال: الرفث: الجماع.
3621 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن حسين بن عقيل =
وحدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم = وحدثنا الحسن
بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق = قالا أخبرنا حسين بن
عقيل، عن الضحاك، قال: الرفث: الجماع.
3622 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم،
قال:
__________
(1) الأثر: 3619 - يحيى بن بشر الخراساني ترجم له البخاري
في الكبير 4/2/263، وذكر أنه سمع عكرمة عن ابن عباس.
(4/132)
أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، مثله -
قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله.
3623 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم،
قال: أخبرنا يونس، عن الحسن = وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم =
قالا مثل ذلك.
3624 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين - وأخبرنا مغيرة،
قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
3625 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث:
النكاح.
3626 - حدثنا أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا إسرائيل، قال: حدثني ثوير، قال: سمعت ابن عمر يقول
الرفث: الجماع.
3627 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الرفث:
غشيان النساء = قال معمر: وقال مثل ذلك الزهري عن قتادة.
3628 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن
زيد: الرفث: إتيان النساء، وقرأ: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ
الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) [البقرة: 187]
3629 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن
مجاهد في قوله:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع.
3630 - حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم،
مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جل
ثناؤه نهى -من فرض الحج في أشهر الحج- عن الرفث، فقال:"
فمن فرض فيهن الحج فلا رفث". و"الرفث" في كلام العرب: أصله
الإفحاش في المنطق على ما قد
(4/133)
بينا فيما مضى، ثم تستعمله في الكناية عن
الجماع. (1) فإذ كان ذلك كذلك، (2) وكان أهل العلم مختلفين
في تأويله، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني"الرفث" أم
عن جميع معانيه؟ - وجب أن يكون على جميع معانيه، إذ لم يأت
خبر = بخصوص"الرفث" الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر
معاني"الرفث" = (3) يجب التسليم له، إذ كان غير جائز نقل
حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة.
* * *
فإن قال قائل: إن حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من
تأويلها، (4) منقول بإجماع. وذلك أن الجميع لا خلاف بينهم
في أن"الرفث" عند غير النساء غير محظور على محرم، فكان
معلوما بذلك أن الآية معني بها بعض"الرفث" دون بعض. وإذا
كان ذلك كذلك، وجب أن لا يحرم من معاني"الرفث" على المحرم
شيء إلا ما أجمع على تحريمه عليه، أو قامت بتحريمه حجة يجب
التسليم لها.
قيل: إن ما خص من الآية فأبيح، خارج من التحريم، والحظر
ثابت لجميع ما لم تخصصه الحجة من معنى"الرفث" بالآية،
كالذي كان عليه حكمه لو لم يخص منه شيء، لأن ما خص من ذلك
وأخرج من عمومه إنما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا
يجوز خلاف أمره، فكان حكم ما شمله معنى الآية - بعد الذي
خص منها- على الحكم الذي كان يلزم العباد فرضه بها لو لم
يخصص منها شيء، لأن العلة فيما لم يخصص منها بعد الذي خص
منها، نظير العلة فيه قبل أن يخص منها شيء.
* * *
__________
(1) انظر ما سلف في الجزء 3: 487، 488.
(2) في المطبوعة: "فإن كان ذلك كذلك" وهو خطأ والصواب ما
أثبت.
(3) السياق: "إذ لم يأت خبر يجب التسليم له".
(4) في المطبوعة: "فإن قال قائل بأن حكمها. . . " والصواب
ما أثبت وانظر مراجع"الظاهر والباطن" في فهارس الأجزاء
السالفة، وهذا الجزء.
(4/134)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا فُسُوقَ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"الفسوق"، التي
نهى الله عنها في هذا الموضع، (1) فقال بعضهم: هي المعاصي
كلها.
* ذكر من قال ذلك:
3631 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن
خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال الفسوق: المعاصي.
3632 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد
الملك بن أبي سليمان، عن عطاء:" ولا فسوق"، قال: الفسوق
المعاصي.
3633 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثني محمد بن بكر، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الفسوق: المعاصي كلها،
قال الله تعالى: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ
بِكُمْ) [البقرة: 282]
3634 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن
ابن جريج، عن عطاء، مثله.
3635 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال:
حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:" ولا فسوق"، قال: الفسوق
المعاصي.
3636 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن
ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: الفسوق: المعصية.
3637 - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن أبي بشر،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي كلها.
3638 - حدثني يعقوب قال: أخبرنا ابن عيينة، عن روح بن
القاسم،
__________
(1) انظر ما سلف في معنى"الفسق" 1: 409-410/ 2: 118، 399.
(4/135)
عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله:" ولا فسوق"،
قال: الفسوق: المعاصي.
3639 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو
صخر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله:" ولا فسوق" قال:
الفسوق المعاصي كلها.
3640 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية = وحدثنا بشر بن
معاذ، قال: حدثنا يزيد = جميعا، عن سعيد بن أبي عروبة، عن
قتادة:" ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي.
3641 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال:
حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا فسوق" قال:
المعاصي.
3642 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3643 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الفسوق
المعاصي = قال: وقال مجاهد مثل قول سعيد.
3644 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الفسوق المعاصي.
3645 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ولا
فسوق"، قال: الفسوق: عصيان الله.
3646 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر،
قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا
فسوق" قال: الفسوق المعاصي.
3647 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال:
حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الفسوق
المعاصي.
3648 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد
الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة وابن أبي
نجيح، عن مجاهد مثله.
(4/136)
3649 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين،
قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء، عن ابن
عباس:" ولا فسوق" قال: المعاصي = قال: وأخبرنا عبد الملك،
عن عطاء مثله.
3650 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع، مثله.
3651 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي،
عن عكرمة، مثله.
3652 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا
ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الفسوق معصية
الله، لا صغير من معصية الله.
3653 - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله بن صالح،
قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" ولا فسوق" قال:
الفسوق: معاصي الله كلها.
3654 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه = وعن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي. وقال مثل ذلك الزهري وقتادة.
* * *
وقال آخرون: بل"الفسوق" في هذا الموضع: ما عصي الله به في
الإحرام مما نهى عنه فيه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر،
وما أشبه ذلك مما خص الله به الإحرام، وأمر بالتجنب منه في
خلال الإحرام.
* ذكر من قال ذلك:
3655 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس
أن
(4/137)
نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول:
الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم.
3656 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
الفسوق: ما أصيب من معاصي الله به، صيد أو غيره. (1)
* * *
وقال آخرون: بل"الفسوق" في هذا الموضع: السباب.
* ذكر من قال ذلك:
3657 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن
شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال:
الفسوق: السباب.
3658 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس،
قال: الفسوق: السباب.
3659 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا أبو نعيم،
قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا ثوير، قال: سمعت ابن عمر
يقول: الفسوق: السباب.
3660 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام عن عمرو، عن عبد
العزيز بن رفيع، عن مجاهد:" ولا فسوق"، قال: الفسوق
السباب.
3661 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي في قوله:" ولا فسوق"، قال: أما الفسوق: فهو السباب.
3662 - حدثني المثنى، قال: حدثنا معلى بن أسد، قال: حدثنا
خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الفسوق السباب.
3663 - حدثني المثنى، قال: حدثنا معلى، قال: حدثنا عبد
العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث
نحوه.
3664 - حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا هشيم،
قال:
__________
(1) قوله: "من معاصي الله به"، أي بالحرم.
(4/138)
أخبرنا يونس، عن الحسن = قال: وأخبرنا
مغيرة، عن إبراهيم = قالا الفسوق السباب.
3665 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال:
الفسوق: السباب.
3666 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن
مجاهد في قوله:" ولا فسوق" قال: الفسوق: السباب.
3667 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور عن
إبراهيم، مثله.
* * *
وقال آخرون:"الفسوق": الذبح للأصنام.
* ذكر من قال ذلك:
3668 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد
في"الفسوق": الذبح للأنصاب، وقرأ: (أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام: 145] فقطع ذلك أيضا، (1)
قطع الذبح للأنصاب بالنبي صلى الله عليه وسلم، حين حج فعلم
أمته المناسك.
* * *
وقال آخرون:"الفسوق": التنابز بالألقاب.
*ذكر من قال ذلك:
3669 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا حسين بن عقيل، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول،
فذكر مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرنا بتأويل الآية في
ذلك، قول من
__________
(1) قوله: "قطع ذلك أيضًا " يشير إلى ما قطع من الرفث
وحرم.
(4/139)
قال: معنى قوله:" ولا فسوق" النهي عن معصية
الله في إصابة الصيد، وفعل ما نهى الله المحرم عن فعله في
حال إحرامه.
وذلك أن الله جل ثناؤه قال:" فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق"، يعني بذلك: فلا يرفث، ولا يفسق، أي لا يفعل ما
نهاه الله عن فعله في حال إحرامه، ولا يخرج عن طاعة الله
في إحرامه. وقد علمنا أن الله جل ثناؤه قد حرم معاصيه على
كل أحد، محرما كان أو غير محرم، وكذلك حرم التنابز
بالألقاب في حال الإحرام وغيرها بقوله: (وَلا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) [الحجرات:
11] وحرم على المسلم سباب أخيه في كل حال، فرض الحج أو لم
يفرضه.
فإذ كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من
الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحج، هو ما لم يكن فسوقا في
حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه، كما أن"الرفث" الذي نهاه عنه
في حال فرضه الحج، هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه. لأنه
لا معنى لأن يقال فيما قد حرم الله على خلقه في كل
الأحوال:"لا يفعلن أحدكم في حال الإحرام ما هو حرام عليه
فعله في كل حال". لأن خصوص حال الإحرام به لا وجه له، وقد
عم به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام.
فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذي نهى عنه المحرم
من"الفسوق" فخص به حال إحرامه، وقيل له:" إذا فرضت الحج
فلا تفعله"، هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الحج، وذلك
هو ما وصفنا وذكرنا أن الله جل ثناؤه خص بالنهي عنه المحرم
في حال إحرامه مما نهاه عنه: من الطيب، واللباس، والحلق،
وقص الأظفار، وقتل الصيد، وسائر ما خص الله بالنهي عنه
المحرم في حال إحرامه.
* * *
(4/140)
فتأويل الآية إذا: فمن فرض الحج في أشهر
الحج فأحرم فيهن، فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن،
ولا يجامعهن، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه
بحجه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وغير ذلك مما حرم
الله عليه فعله وهو محرم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدا.
ثم اختلف قائلو هذا القول.
فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه.
* ذكر من قال ذلك:
3670 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن
شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله:" ولا
جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
3671 - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن
أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن"الجدال"،
فقال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
3672 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيينة، عن خصيف، عن
مقسم، عن ابن عباس، قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
3673 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد
الملك بن سليمان، عن عطاء، قال: الجدال: أن يماري الرجل
أخاه حتى يغضبه.
(4/141)
3674 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام،
عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير:" ولا جدال في
الحج" قال: أن تمحن صاحبك حتى تغضبه. (1)
3675 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن
شعيب بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سألت مجاهدا عن
قوله:" ولا جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
3676 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن
ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: الجدال هو أن تماري صاحبك
حتى تغضبه.
3677 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال:
حدثنا عوف، عن الحسن، قال: الجدال: المراء.
3678 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس،
قال: الجدال: أن تجادل صاحبك حتى تغضبه.
3679 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الجدال: أن
تصخب [على] صاحبك. (2)
3680 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن
منصور، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج" قال: المراء.
__________
(1) أنا في شك من هذه اللفظة: "تمحن"، وإن كان لها وجه في
العربية، من قولهم: محنت الفضة: إذا أذبتها بالنار
لتختبرها، ومحن الفرس بالعدو: جهده ومحنه بالسوط: ضربه. كل
هذا صالح في مجاز المماراة والمخاصمة. ولكني أظن صوابها:
"تمحك" من قولهم: محكه، إذا نازعه في الكلام وتمادى حتى
يغضبه، منه حديث علي: "لا تضيق به الأمور ولا تمحكه
الخصوم". والمحك المشارة والمنازعة في الكلام، واللجاج
والتمادي عند المساومة والغضب وغيرها.
(2) الزيادة بين القوسين لا بد منها، والصخب الصياح
والجلبة، صخب يصخب صخبا، وهو فعل غير متعد. وسيأتي في
الآثار الآتية: أن الجدال هو الصخب والمراء.
(4/142)
3681 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا
عبد الرزاق = وحدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم =
قالا حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك قال: الجدال أن تماري
صاحبك حتى تغضبه.
3682 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا واقد الخلقاني، عن عطاء، قال: أما الجدال: فتماري
صاحبك حتى تغضبه. (1)
3683 - حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع، قال: الجدال: المراء، أن تماري صاحبك حتى
تغضبه.
3684 - حدثني المثنى، قال: حدثنا المعلى بن أسد، قال:
حدثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: الجدال المراء.
3685 - حدثني المثنى، قال: حدثنا المعلى، قال: حدثنا عبد
العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث
نحوه.
3686 - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن أبي جعفر،
قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله.
3687 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال:
حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الجدال:
أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبوا.
3688 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن
__________
(1) الخبر: 3682 - واقد الخلقاني: هو"واقد بن عبد الله
الخلقاني الكوفي الحنظل". ترجمه البخاري في الكبير 4/2/173
وقال: "سمع عطاء". وترجمه ابن أبي حاتم 4/2/33، وزاد
أنه"بياع الغنم" وأنه"روى عنه وكيع، ومروان الفزاري وأبو
نعيم" وأنه سأل عنه أباه، فقال: "شيخ محله الصدق". وله
رواية في المسند: 539"عمن رأى عثمان بن عفان" ولكنه نسب
فيه التميمي". و"الحنظلي": تميمي أيضًا. وقد وهم فيه
الحسيني، وتعقبه الحافظ في التعجيل: 435- 436 فأحسن بيانه.
و"الخلقاني" قال ابن الأثير في اللباب: "بضم الخاء [يعني
المعجمة] وسكون اللام وفتح القاف وفي آخرها نون: هذه
النسبة إلى بيع الخلق من الثياب وغيرها".
(4/143)
يحيى بن بشر، عن عكرمة:" ولا جدال " الجدال
الغضب، أن تغضب عليك مسلما، إلا أن تستعتب مملوكا فتعظه من
غير أن تغضبه، ولا إثم عليك إن شاء الله تعالى في ذلك. (1)
3689 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن النضر بن عربي،
عن عكرمة، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو
تغضبه.
3690 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد
الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا الجدال
هو الصخب والمراء وأنت محرم.
3691 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الجدال ما أغضب صاحبك من
الجدل.
3692 - حدثني علي، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني
معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" ولا جدال في الحج"، قال:
الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله
عن ذلك.
3693 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، قال:
الجدال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
3694 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: الجدال:
المراء.
3695 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
معمر، عن الزهري وقتادة قالا هو الصخب والمراء وأنت محرم.
__________
(1) الأثر: 3688 - في تفسير ابن كثير 1: 460 وفيه"ولا بأس
عليك إن شاء الله". وفي المطبوعة هنا"ولا أمر عليك"، ولعل
الصواب ما أثبت. واستعبه: رده عن الإساءة يعني تأديبه.
(4/144)
3696 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير،
عن منصور، عن إبراهيم:" ولا جدال في الحج"، كانوا يكرهون
الجدال.
* * *
وقال آخرون منهم:"الجدال" في هذا الموضع، معناه: السباب.
* ذكر من قال ذلك:
3697 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس
أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الجدال في
الحج: السباب والمراء والخصومات.
3698 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
الجدال: السباب والمنازعة.
3699 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الجدال:
السباب.
3700 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد = وحدثني يعقوب، قال:
حدثنا ابن علية = جميعا، عن سعيد، عن قتادة، قال: الجدال:
السباب.
* * *
وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصا من الجدال والمراء،
وإنما عنى الاختلاف فيمن هو أتم حجا من الحجاج.
* ذكر من قال ذلك:
3701 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو
صخر، عن محمد بن كعب القرظي، قال:"الجدال"، كانت قريش إذا
اجتمعت بمنى قال هؤلاء:"حجنا أتم من حجكم! "، وقال
هؤلاء:"حجنا أتم من حجكم! ".
* * *
(4/145)
وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلاف كان يكون
بينهم في اليوم الذي فيه الحج، فنهوا عن ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
3702 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد،
عن جبر بن حبيب، عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في
الحج أن يقول بعضهم:"الحج اليوم! "، ويقول بعضهم:"الحج
غدا!.
* * *
وقال آخرون: بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحج أيهم
المصيب موقف إبراهيم.
* ذكر من قال ذلك:
3703 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد
في قوله:" ولا جدال في الحج"، قال: كانوا يقفون مواقف
مختلفة يتجادلون، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم. فقطعه
الله حين أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بمناسكهم.
* * *
وقال آخرون: بل قوله جل ثناؤه:" ولا جدال في الحج"، خبر من
الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه
ولا يتأخره، وبطول فعل النسيء. (1)
* ذكر من قال ذلك:
3704 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد في قوله:" ولا
جدال في الحج"، قال: قد استقام الحج ولا جدال فيه.
__________
(1) ستأتي صفة"النسيء" في الأثر: 3705، وقوله: "بطول" مصدر
بطل الشيء بطولا وبطلانا. وقد أكثر الطبري من استعماله
انظر ما سلف 2: 426 ثم الجزء 3: 205ن تعليق: 6، والتعليق
فيهما.
(4/146)
3705 - حدثني محمد بن عمرو، قال: أخبرنا
أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد"
ولا جدال في الحج"، قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج، قد
بين. كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون:"صفران" لصفر وشهر
ربيع الأول، ثم يقولون:" شهرا ربيع" لشهر ربيع الآخر
وجمادى الأولى، ثم يقولون:"جماديان" لجمادى الآخرة ولرجب،
ثم يقولون لشعبان:"رجب"، ثم يقولون لرمضان:"شعبان"، ثم
يقولون لشوال:"رمضان"، ويقولون لذي القعدة:"شوال"، ثم
يقولون لذي الحجة:"ذا القعدة"، ثم يقولون للمحرم:"ذا
الحجة"، فيحجون في المحرم. ثم يأتنفون فيحسبون على ذلك عدة
مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، (1) فيقولون:"المحرم وصفر
وشهرا ربيع"، فيحجون في المحرم ليحجوا في كل سنة مرتين،
فيسقطون شهرا آخر، فيعدون على العدة الأولى،
فيقولون:"صفران، وشهرا ربيع" نحو عدتهم في أول ما أسقطوا.
3706 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
3707 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صاحب النسيء الذي
ينسأ لهم أبو ثمامة رجل من بني كنانة.
3708 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا ابن إسحاق،
عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا جدال في
الحج" قال: لا شبهة في الحج، قد بين الله أمر الحج.
3709 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي" ولا جدال في الحج"، قال: قد استقام أمر الحج فلا
تجادلوا فيه.
3710 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن
__________
(1) استأنف الشيء وائتنفه: أخذ أوله وابتدأه. من قولهم:
أنف الشيء أي أوله.
(4/147)
ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا جدال في
الحج" قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج قد بين.
3711 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن
العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج"، قال:
قد علم وقت الحج، فلا جدال فيه ولا شك.
3712 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان، عن عبد العزيز والعلاء، عن مجاهد، قال: هو
شهر معلوم لا تنازع فيه.
3713 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
إسرائيل، عن سالم، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج"، قال: لا
شك في الحج.
3714 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم،
قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس:" ولا جدال في
الحج" قال: المراء بالحج.
3715 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،" ولا جدال في
الحج"، فقد تبين الحج. قال: كانوا يحجون في ذي الحجة
عامين، وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين. وكانوا
يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، ثم وافقت حجة أبي بكر من
العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم
بسنة، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي
الحجة، فذلك حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن
الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض".
3716 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن
مجاهد في قوله:" ولا جدال في الحج" قال: بين الله أمر الحج
ومعالمه فليس فيه كلام.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في قوله:" ولا جدال في
الحج" بالصواب،
(4/148)
قولُ من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في
الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك
متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء. وذلك أن الله
تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته
الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه.
وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك، ورأيناه أولى بالصواب
مما خالفه، لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله:"
ولا فسوق"، أنه غير جائز أن يكون الذي خص بالنهي عنه في
تلك الحال [إلا ما هو] مطلق مباح في الحال التي يخالفها،
(1) وهي حال الإحلال. وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال
الإحرام، إن كان سواء فيه حال الإحرام وحال الإحلال، فلا
وجه لخصوصه به حالا دون حال، وقد عم به جميع الأحوال. وإذ
كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله:"
ولا جدال في الحج"، أن تأويله: لا تمار صاحبك حتى تغضبه،
إلا أحد معنيين:
إما أن يكون أراد: لا تماره بباطل حتى تغضبه، فذلك ما لا
وجه له. لأن الله عز وجل، قد نهى عن المراء بالباطل في كل
حال، محرما كان المماري أو محلا فلا وجه لخصوص حال الإحرام
بالنهي عنه، لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي الله
عنه.
أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك أيضا ما لا وجه له.
لأن المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة، كان الواجب عليه مراءه
في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد
غصبه عليه، كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه.
والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين: إما
من قبل ظلم، وإما من قبل حق، فإذا كان من أحد وجهيه غير
جائز فعله بحال، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال، فأي
وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الإحرام؟
__________
(1) هذه الزيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام. وكان في
الأصل أيضًا: "أنه غير جائز أن يكون الله خص. . " واستقامة
الكلام تقتضي ما أثبت.
(4/149)
وكذلك لا وجه لقول من تأوَّل ذلك أنه بمعنى
السباب، لأن الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن
سباب بعض على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام في كل حال،
فقال صلى الله عليه وسلم:
3717 -" سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". (1)
= فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من
أحواله، محرما كان أو غير محرم، فلا وجه لأن يقال: لا تسبه
قي حال الإحرام إذا أحرمت = وفيما روي عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الخبر الذي:-
3718 - حدثنا به محمد بن المثنى، قال: حدثني وهب بن جرير،
قال: حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت
فلم يرفث ولم يفسق، خرج مثل يوم ولدته أمه".
3719 - حدثني علي بن سهل، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا
شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم
يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. (2)
__________
(1) الحديث: 3717 - رواه الطبري بغير إسناد. وهو حديث صحيح
ثابت من روايات كثيرة. فرواه أحمد في المسند: 3647، من
حديث عبد الله بن مسعود. وكذلك رواه الشيخان والترمذي
والنسائي وابن ماجه. وانظر بقية أرقامه في المسند في
الاستدراك: 886. وثبت أيضًا من رواية صحابة آخرين، انظر
الفتح الكبير 2: 150- 151.
(2) الحديث: 3718- 3720"سيار": بفتح السين وتشديد الياء:
مضت ترجمته في: 39.
أبو حازم: هو الأشجعي واسمه"سلمان" مولى عزة الأشجعية. وهو
تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وليس"أبو حازم"
هنا-"أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد" فإن سلمة لم
يسمع من أبي هريرة، كما نص عليه الحافظ في الفتح 3: 302.
والحديث رواه أبو داود الطيالسي: 2519 عن سيار ومنصور-
كلاهما عن أبي حازم.
ورواه أحمد في المسند: 9302 (2: 410 حلبي) والبخاري 3:
302- 303، كلاهما من طريق شعبة، عن سيار به.
وسيأتي مرة رابعة، من طريق شعبة عن سيار: 3725.
(4/150)
3720 - حدثنا أحمد بن الوليد، قال: حدثنا
محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث ابن
المثنى، عن وهب بن جرير.
3721 - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريره، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، مثله أيضا.
3722 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال:
حدثنا شعبة، قال: أخبرني منصور، قال: سمعت أبا حازم يحدث
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (1)
3723 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال:
أخبرنا محمد بن عبيد الله، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج هذا
البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمه". (2)
3724 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن
سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه
__________
(1) الحديثان: 3721، 3722 - منصور: هو ابن المعتمر. وقد
سمع منصور هذا الحديث من أبي حازم، كما صرح بذلك في
الإسناد الثاني. فانتفت بذلك شبهة عدم سماعه هذا الحديث
منه. كما سيأتي بيانه في: 3726، 3727.
* والحديث من هذا الوجه -رواه الطيالسي: 2519، عن شعبة-
كما أشرنا من قبل.
* ورواه أيضًا أحمد في المسند: 9300 (2: 410 حلبي)
والبخاري 4: 17 (فتح) كلاهما من طريق شعبة عن منصور.
(2) الحديث: 3723 -هو في معنى الأحاديث قبله وبعده. وقد
رواه الدارقطني في سننه ص: 282، من طريق حجاج بن أرطأة عن
الأعمش بهذا الإسناد بلفظ: "من حج أو اعتمر، فلم يرفث ولم
يفسق، يرجع كهيئته يوم ولدته أمه". فزاد الحجاج بن أرطأة
لفظ"أو اعتمر".
* وأشار الحافظ في الفتح 3: 302 -إلى رواية الدارقطني هذه،
وقال: "لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف".
(4/151)
وسلم، فذكر مثله - إلا أنه قال: رجع كما
ولدته أمه. (1)
3725 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن
سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فذكر نحوه، إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل
يوم ولدته أمه".
3726 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي
بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن
أبي حازم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال، فذكر نحوه - إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته
أمه.
3727 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي
بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور عن هلال بن يساف، عن
أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من حج هذا البيت - يعني الكعبة- فلم يرفث ولم يفسق،
رجع كيوم ولدته أمه. (2)
__________
(1) الحديث: 3724 -سفيان: هو الثوري. والحديث -من هذا
الوجه- رواه أحمد في المسند: 10279 (2: 484 حلبي) عن وكيع
وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان. وكذلك رواه البخاري
4: 17 (فتح) عن محمد بن يوسف -وهو الفريابي- عن سفيان.
* وقد رواه أحمد أيضًا: 7375 (2: 248 حلبي) عن سفيان عن
منصور. وسفيان هنا: هو ابن عيينة.
(2) الحديثان: 3726، 3727 -هما إسناد واحد مكرر لحديث
واحد. لم يذكر لفظه كاملا في أولهما، وذكره في ثانيهما.
ولا أدري سبب هذا؟
* يعقوب بن إبراهيم: هو الدورقي الحافظ، مضى مرارا، آخرها:
3223. يحيى بن أبي بكير- بضم الباء الموحدة وفتح الكاف-
الأسدي القيسي: ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة مات
سنة 208 أو 209. ووقع في المطبوعة هنا"يحيى بن أبي كثير".
وهو خطأ فإن ابن أبي كثير قديم الوفاة مات سنة 129 أو 132.
ويعقوب الدورقي ولد سنة 166، فلا يعقل أن يروى عنه.
* وإبراهيم بن طهمان الخراساني: ثقة صحيح الحديث، أخرج له
الأئمة الستة. منصور: هو ابن المعتمر، كما مضى في بعض
الأسانيد السابقة.
* هلال بن يساف -ويقال: إساف- الأشجعي الكوفي: تابعي ثقة
كبير، لعله أقدم من أبي حازم. و"يساف": بكسر الياء التحتية
وفتح السين المهملة مخففة. وكذلك"إساف" بالهمزة بدل الياء.
ووقع في المطبوعة هنا في الإسنادين"هلال بن يسار". وهو خطأ
صرف.
* والحديث -من هذا الوجه- رواه البيهقي في السنن الكبرى 5:
262 من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ عن يحيى بن أبي بكير،
بهذا الإسناد.
* ومنصور قد سمع هذا الحديث من أبي حازم مباشرة، كما صرح
بذلك في الرواية الماضية: 3722. فقال الحافظ في الفتح 4:
17"فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور. لأن
البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال
بن يساف، عن أبي حازم زاد فيه رجلا. فإن كان إبراهيم حفظه،
فلعله حمله منصور عن هلال، ثم لقى أبا حازم فسمعه منه،
فحدث به على الوجهين".
* ونزيد هنا أن الحديث رواه أيضًا أحمد في المسند: 10414
(2: 494 حلبي) عن جرير عن منصور عن أبي حاتم وكذلك رواه
مسلم 1: 382 من طريق جرير.
* ورواه مسلم أيضًا من طريق أبي عوانة وأبي الأحوص ومسعر
والثوري وشعبة -كلهم عن منصور عن أبي حازم. وكذلك رواه
النسائي 2: 3- 4 من طريق الفضيل بن عياض عن منصور به.
(4/152)
3728 - حدثنا الفضل بن الصباح، قال: حدثنا
هشيم بن بشير، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج لله فلم يرفث ولم
يفسق، رجع كهيئة يوم ولدته أمه. (1)
* * *
(2)
=دلالة واضحة على أن قوله:" ولا جدال في الحج" بمعنى النفي
عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال
الناس بينهم فيما يعنيهم من الأمور أو لا يعنيهم.
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم
يفسق، استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه،
تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه،
من غير أن يضم إليهما الجدال. فلو كان الجدال الذي ذكره
الله في قوله:" ولا جدال في الحج" مما نهاه الله عنه بهذه
الآية - على نحو الذي تأول ذلك من تأوله: من أنه المراء
والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك - لما كان صلى الله عليه
وسلم ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج
__________
(1) الحديث: 3728 -رواه أحمد في المسند: 7136، عن هشيم
بهذا الإسناد وكذلك رواه مسلم 1: 382- 383، عن سعيد بن
منصور عن هشيم به، وانظر ما سيأتي رقم: +3059.
(2) أول هذا الكلام في ص 150، قوله: "فيما روي عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الخبر. . . دلالة" وفصلت بين
الخبر والمبتدأ الأحاديث المتتابعة.
(4/153)
الذي وصف أمره، باجتناب خلتين مما نهاه
الله عنه في حجه دون الثالثة التي هي مقرونة بهما.
ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها = في أنها
خبر على المعنى الذي وصفنا، وأن الأخريين بمعنى النهي الذي
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مجتنبهما في حجه مستوجب
ما وصف من إكرام الله إياه مما أخبر أنه مكرمه به - إذ
كانتا بمعنى النهي- (1) وكان المنتهي عنهما لله مطيعا
بانتهائه عنهما = ترك ذكر الثالثة، (2) إذ لم تكن في
معناهما، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما.
* * *
فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات
المخالفة بين إعراب "الجدال" وإعراب "الرفث والفسوق"،
ليعلم سامع ذلك - إذا كان من أهل الفهم باللغات- أن الذي
من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما.
وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف
معانيه، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب، مع
اختلاف المعاني، وخاصة في هذا النوع من الكلام.
فأعجب القراءات إلي في ذلك - إذ كان الأمر على ما وصفت -
قراءة من قرأ:" فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"،
برفع"الرفث والفسوق" وتنوينهما، وفتح"الجدال" بغير تنوين.
وذلك هو قراءة جماعة البصريين، وكثير من أهل مكة، منهم عبد
الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء. (3)
* * *
وأما قول من قال: معناه: النهي عن اختلاف المختلفين في
أتمهم حجا،
__________
(1) في المطبوعة: "إذا كانتا بمعنى النهي" وهو خطأ والصواب
ما أثبت.
(2) في المطبوعة: "وترك ذكر الثالثة" وهذه الواو مقحمة من
النساخ بلا شك. وسياق هذه الجملة بطولها: "ولكن لما كان
معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها. . .، إذا كانتا بمعنى
النهي، وكان المنتهى عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما. . .
ترك ذكر الثالثة" وبهذا يتبين صواب التصحيح في لموضعين
السالفين.
(3) انظر تفصيل ذلك مستوعبا في معاني القرآن للفراء 1:
120- 122.
(4/154)
والقائلين:، معناه النهي عن قول
القائل:"غدا الحج" مخالفا به قول الآخر:"اليوم الحج"، فقول
في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه، (1) وذلك
أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفيض أوخبر صادق يوجب
العلم أن ذلك كان كذلك، (2) فنزلت الآية بالنهي عنه؛ أو أن
معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعض، ولا خبر بذلك
بالصفة التي وصفنا.
* * *
وأما دلالتنا على قول ما قلنا من أنه نفي من الله جل وعز
عن شهور الحج، فالاختلاف الذي كانت الجاهلية تختلف فيها
بينها قبل كما وصفنا. (3)
وأما دلالتنا على أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، فالخبر
المستفيض في أهل الأخبار أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، مع
دلالة قول الله تقدس اسمه: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ
فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) [التوبة:
37]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
يَعْلَمْهُ اللَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: افعلوا أيها المؤمنون
ما أمرتكم به في حجكم، من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم
الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث
والفسوق في حجكم، لتستوجبوا به الثواب
__________
(1) هكذا في الأصل"على وهائه" وهو خطأ قديم في كلام
الفقهاء. قال المطرزي في المغرب 2: 265: "قوله: "فإن حاضت
في حال وهاء الملك" لا يعتد به. الوهاء بالمد خطأ وإنما
الوهي (بفتح فسكون) مصدر: "وهي الحبل يهى وهيا" إذا ضعف".
وأخشى أن يكون ذلك من ناسخ التفسير، لا من أبي جعفر وأن
أصله"على وهيه وضعفه" فهو قد استعمل كلمة"الوهي" مرارا
فيما سلف من عباراته، ولكني لم أستطع أن أجدها في هذا
البحر من الكلام، ثم وجدتها بعد ذلك في هذا الجزء 4: 18،
س: 7.
(2) في المطبوعة: "وخبر صادق" بالواو، وهو مخل بالكلام.
(3) في المطبوعة: "الاختلاف" بذف الفاء، والصواب إثباتها
وإلا تخلع الكلام.
(4/155)
الجزيل، فإنكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من
خير وعمل صالح ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي، فأنا به عالم،
ولجميعه محص، حتى أوفيكم أجره، وأجازيكم عليه، فإني لا
تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني ما أردتم بأعمالكم، لأني
مطلع على سرائركم، وعالم بضمائر نفوسكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى}
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يحجون
بغير زاد، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزاد
واستأنف غيره من الأزودة، (1) فأمر الله جل ثناؤه من لم
يكن يتزود منهم بالتزود لسفره، ومن كان منهم ذا زاد أن
يحتفظ بزاده فلا يرمي به.
* ذكر الأخبار التي رويت في ذلك:
3729 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: حدثنا عمرو بن
عبد الغفار، قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن نافع، عن ابن
عمر، قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها
واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد
التقوى" فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق
والسويق.
3730 - حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: حدثنا شبابة،
قال: حدثنا ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن
عباس، قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، فنزلت:" وتزودوا فإن
خير الزاد التقوى" (2)
__________
(1) الأزودة: جمع زاد على غير قياس، وقياسه: أزواد.
(2) الأثر: 3730 -محمد بن عبد الله بن المبارك القرشي
المخرمي (بضم الميم وفتح الخاء، وراء مشددة مكسورة) أبو
جعفر البغدادي المدائني الحافظ، قاضي حلوان. مات سنة 254
ببغداد، كان أحد الثقات جليل القدر. وكان في المطبوعة:
"المخزومي" هو خطأ كما ترى.
(4/156)
3731 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا
سفيان، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير في قوله:" وتزودوا
فإن خير الزاد التقوى"، قال: الكعك والزيت.
3732 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن
ابن عيينة، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: هو الكعك
والسويق.
3733 - وحدثنا عمرو، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو،
عن عكرمة، قال: كان أناس يحجون، ولا يتزودون، فأنزل الله:"
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
3734 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا
عبد الملك بن عطاء، كوفي لنا = (1)
3735 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن
ابن عيينة، عن عبد الملك، عن الشعبي في قوله:" وتزودوا فإن
خير الزاد التقوى" قال: التمر والسويق.
3736 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
حنظلة، قال: سئل سالم عن زاد الحاج، فقال: الخبز واللحم
والتمر. قال عمرو: وسمعت أبا عاصم مرة يقول: حدثنا حنظلة
سئل سالم عن زاد الحاج، فقال الخبز والتمر.
3737 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشيم، عن
المغيرة،
__________
(1) الخبر: 3734 -عبد الملك بن عطاء: هو البكائي العامري،
ختن الشعبي وهو ثقة وثقه ابن معين وغيره. و"البكائي": بفتح
الباء وتشديد الكاف وبعد الألف همزة، نسبة إلى"البكاء"
وهو"ربيعة بن عامر" من بني عامر بن صعصعة.
وقوله هنا"كوفي لنا"- لا أدري ما وجهه؟ ولعل أصله"كوفي جار
لنا" أو نحو ذلك لأن سفيان ابن عيينة كوفي، ثم سكن مكة.
فإني لم أجد لعبد الملك هذا ترجمة إلا عند ابن أبي حاتم
2/2/361 وروى فيها بإسناده إلى ابن نمير، قال: "عبد الملك
بن عطاء، كان شيخا ثقة، روى عنه شيوخنا وهو كوفي له حديث
أو حديثين".
(4/157)
عن إبراهيم، قال: كان ناس من الأعراب يحجون
بغير زاد، ويقولون:" نتوكل على الله! "، فأنزل الله جل
ثناؤه:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
3738 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن
عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كان الحاج منهم لا يتزود، فأنزل
الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
3739 - حدثنا عمرو، قال: حدثنا يحيى، عن عمر بن ذر =
وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا عمر بن ذر = عن مجاهد قال: كانوا يسافرون ولا
يتزودون، فنزلت:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". وقال
الحسن بن يحيى في حديثه: كانوا يحجون ولا يتزودون.
3740 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا
المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد نحوه.
3741 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال:
أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث فذكر نحوه.
3742 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن
أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان أهل الآفاق
يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد، يقولون:" نحن
متكلون". فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
3743 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" وتزودوا"،
قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج، يتوصلون بالناس بغير
زاد، فأمروا أن يتزودوا.
3744 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" وتزودوا فإن خير الزاد
التقوى"، قال: كان أهل اليمن يتوصلون بالناس، فأمروا أن
يتزودوا ولا يستمتعوا. قال: وخير الزاد التقوى.
3745 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن
ليث،
(4/158)
عن مجاهد:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"،
قال: كانوا لا يتزودون، فأمروا بالزاد، وخير الزاد التقوى.
3746 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان الحسن
يقول: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون، ولا
يتزودون، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله، ثم
أنبأهم أن خير الزاد التقوى.
3747 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي
عروبة في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: قال
قتادة: كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون - ثم ذكر
نحو حديث بشر عن يزيد.
3748 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قتادة:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"،
قال: كان ناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة،
فأمرهم الله أن يتزودوا، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى.
3749 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" وتزودوا
فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان ناس يخرجون من أهليهم
ليست معهم أزودة، يقولون:" نحج بيت الله ولا يطعمنا! ".
فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس.
3750 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان ناس
من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله أن يتزودوا،
وأنبأ أن خير الزاد التقوى.
3751 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا
سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير:" وتزودوا" قال:
السويق والدقيق والكعك.
3752 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن
محمد
(4/159)
بن سوقة، عن سعيد بن جبير:" وتزودوا فإن
خير الزاد التقوى"، قال: الخشكانج والسويق. (1)
3753 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن عبد الملك بن
عطاء البكائي، قال: سمعت الشعبي يقول في قوله:" وتزودوا
فإن خير الزاد التقوى"، قال: هو الطعام، وكان يومئذ الطعام
قليلا. قال: قلت: وما الطعام؟ قال: التمر والسويق. (2)
3754 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو
زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد
التقوى"، وخير زاد الدنيا المنفعة من اللباس والطعام
والشراب.
3755 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن
إبراهيم:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان الناس
يتزودون إلى عقبة، فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكلوا ولم
يتزودوا. (3)
3756 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا
المحاربي، قال: قال سفيان في قوله:" وتزودوا"، قال: أمروا
بالسويق والكعك.
3757 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرني أبي أنه سمع عكرمة يقول في قوله:" وتزودوا"، قال:
هو السويق والدقيق.
3758 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد
في
__________
(1) في اللسان (كعك) وفي المغرب لجواليقي: 134"الخشكنان"
قد تكلمت به العرب قال الراجز: يا حبذا الكعك بلحم مثرود
... وخشكنان وسويق مقنود
والخشكنانج هو الخشكنان: وهو طعام من دقيق مصنوع.
(2) الخبر: 3753 - مضت ترجمة"عبد الملك بن عطاء" في: 3734
وأنه"البكائي". ووقع في المطبوعة هنا"البكالي" باللام بدل
الهمزة وهو خطأ وتصحيف.
(3) العقبة (بضم فسكون) قدر ما يسير السائر حتى ينزل.
(4/160)
قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"،
قال: كانت قبائل من العرب يحرمون الزاد إذا خرجوا حجاجا
وعمارا لأن يتضيفوا الناس، فقال الله تبارك تعالى لهم:"
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
3759 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: حدثنا سفيان
عن عمرو، عن عكرمة قال: كان الناس يقدمون مكة بغير زاد،
فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". (1)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: فمن فرض في أشهر الحج
الحج فأحرم فيهن، فلا يرفثن ولا يفسقن. فإن أمر الحج قد
استقام لكم، وعرفكم ربكم ميقاته وحدوده، فاتقوا الله فيما
أمركم به ونهاكم عنه من أمر حجكم ومناسككم، فإنكم مهما
تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إليه، يعلمه. وتزودوا من
أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم
ومناسككم، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود
لأنفسكم ومسألتكم الناس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها،
ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم
لحجكم وفعل ما أمركم به، فإنه خير التزود، فمنه تزودوا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضحاك بن مزاحم.
3760 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو
زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:" فإن خير الزاد
التقوى"، قال: والتقوى عمل بطاعة الله.
وقد بينا معنى"التقوى" فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
الألْبَابِ (197)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أهل العقول
والأفهام بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم في حجكم
ومناسككم وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم = وخافوا عقابي
باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم، تنجوا بذلك مما تخافون
من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي.
* * *
وخص جل ذكره بالخطاب بذلك أولي الألباب، لأنهم هم أهل
التمييز بين الحق والباطل، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة
بحقائق الأشياء التي بالعقول تدرك وبالألباب تفهم، ولم
يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا، إذ كانوا
أشباحا كالأنعام، وصورا كالبهائم، بل هم منها أضل سبيلا.
و"الألباب": جمع"لب"، وهو العقل. (3)
* * *
__________
(1) الخبر: 3759 -عمرو بن عبد الحميد الآملي- شيخ الطبري:
لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة ولعله محرف عن شيء لا
أعرفه.
(2) انظر ما سلف 1: 232، 233، 364.
(3) انظر ما سلف في الجزء 3: 383.
(4/161)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
القول في تأويل قوله تعالى: {لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ
رَبِّكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ذكره: ليس عليكم أيها المؤمنون
جناح.
* * *
و"الجناح"، الحرج، (1) كما:-
3761 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال:
حدثني معاوية، عن
__________
(1) انظر ما سلف في تفسير"الجناح" من الجزء 3: 230، 231.
(4/162)
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، وهو لا حرج عليكم في الشراء
والبيع قبل الإحرام وبعده.
* * *
وقوله:" أن تبتغوا فضلا من ربكم"، يعني: أن تلتمسوا فضلا
من عند ربكم.
يقال منه: ابتغيت فضلا من الله - ومن فضل الله- أبتغيه
ابتغاء"، إذا طلبته والتمسته،" وبغيته أبغيه بغيا"، (1)
كما قال عبد بني الحسحاس:
بغاك، وما تبغيه حتى وجدته ... كأنك قد واعدته أمس موعدا
(2)
يعني طلبك والتمسك.
* * *
وقيل: إن معنى" ابتغاء الفضل من الله"، التماس رزق الله
بالتجارة، وأن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون أن
يتجروا إذا أحرموا يلتمسون البر بذلك، فأعلمهم جل ثناؤه أن
لا بر في ذلك، وأن لهم التماس فضله بالبيع والشراء.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر ما سلف في تفسير: "ابتغي" من الجزء 3: 508.
(2) ديوانه: 41 وسيأتي في التفسير 4: 15- 16/ 5: 45
(بولاق) وهذا البيت متعلق بثلاثة أبيات قبله، هو تمام
معناها في ذكر الموت: رأيت المنايا لم يهبن محمدا ... ولا
أحدا ولم يدعن مخلدا
ألا لا أرى على المنون ممهلا ... ولا باقيا إلا له الموت
مرصدا
سيلقاك قرن لا تريد قتاله ... كمي إذا ما هم بالقرن أقصدا
بغاك وما تبغيه. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
وقوله: "حتى وجدته" رواية الديوان"إلا وجدته". ورواية
الطبري عزيزة فهي شاهد قل أن نظفر به على أن"حتى" تأتي
بمعنى"إلا" في الاستثناء وقد ذكر ذلك ابن هشام في المغني
1: 111 قال بعد ذكر وجوه"حتى": "وبمعنى إلا في لاستثناء،
وهذا أقلها وقل من يذكره".
(4/163)
3762 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي،
قال: حدثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كانوا
يحجون ولا يتجرون، فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم"، قال: في الموسم.
3763 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال:
أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث قال: كان ناس لا
يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم". (1)
3764 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيد الله
بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة في قوله تبارك
وتعالى:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال:
إذا كنتم محرمين، أن تبيعوا وتشتروا.
3765 - حدثنا طليق بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا أسباط،
قال: أخبرنا الحسن ابن عمرو، عن أبي أمامة التيمي قال: قلت
لابن عمر: إنا قوم نكرى، فهل لنا حج؟ قال: أليس تطوفون
بالبيت، وتأتون المعرف وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟
فقلنا: بلى! قال: جاء رجل إلى النبي: صلى الله عليه وسلم
فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يدر ما يقول له، حتى نزل
جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية:" ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم" إلى آخر الآية، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: أنتم حجاج. (2)
__________
(1) في المطبوعة: "فنزلت فيهم: لا جناح عليكم أن تبتغوا. .
" وبين أنه خطأ وسهو.
(2) الحديث: 3765 -طليق بن محمد بن السكن الواسطي شيخ
الطبري: ثقة، قال ابن حبان في الثقات: "مستقيم الحديث
كالأثبات". وهو من شيوخ النسائي وابن خزيمة وغيرهما. وهذا
الباب باب"طليق": نص الذهبي في المشتبه على أنه بفتح الطاء
وتبعه الحافظ ابن حجر في تحرير المشتبه. ولم يذكرا غير هذا
الضبط. ولكن الحافظ في التقريب ضبط أول اسم فيه"بالتصغير"
بالنص على ذلك. وأنا أرجح أنه وهم منه، رحمه الله.
أسباط: هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة وهو
ثقة من شيوخ أحمد وابن راهويه وغيرهما. الحسن بن عمرو
الفقيمي -بضم الفاء- التميمي الكوفي: ثقة أخرج له البخاري
في صحيحه ابو أمامة التيمي: تابعي ثقة. بينا ترجمته
ومراجعها في شرح المسند: 6434.
والحديث رواه أحمد في المسند: 6434 عن أسباط بن محمد بهذا
الإسناد. وقد فصلنا القول في تخريجه هناك. ونقله ابن كثير
1: 463 عن المسند و 464 عن هذا الموضع من الطبري وسيأتي
بإسناد آخر: 3789.
(4/164)
3766 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد
الوهاب، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: كانت تقرأ هذه
الآية:"ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم
الحج".
3767 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن
منصور بن المعتمر في قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا
من ربكم"، قال: هو التجارة في البيع والشراء، والاشتراء لا
بأس به.
3768 - حدثت عن أبي هشام الرفاعي، قال: حدثنا وكيع، عن
طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:" ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج".
3769 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن علي
بن مسهر، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس،
قال: كان متجر الناس في الجاهلية عكاظ وذو المجاز، فلما
جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى أنزل الله جل ثناؤه:"
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم".
3770 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبابة بن سوار،
قال: حدثنا شعبة، عن أبي أميمة، قال: سمعت ابن عمر - وسئل
عن الرجل يحج ومعه تجارة - فقرأ ابن عمر:" ليس عليكم جناح
أن تبتغوا فضلا من ربكم". (1)
3771 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم = وحدثنا
أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيم =
قال: أخبرنا يزيد بن أبي
__________
(1) الخبر: 3770 -أبو أميمة: الراجح الظاهر أنه"أبو أمامة
التيمي" الماضي في الحديث 3765، وأن هذا الخبر مختصر من
ذاك الحديث ولكنه موقوف على ابن عمر.
وقد نقله ابن كثير 1: 463، عن هذا الموضع من الطبري وقال:
"وهذا موقوف، وهو قوي جيد".
(4/165)
زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا
لا يتجرون في أيام الحج، فنزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم".
3772 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال:
أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قرأ: (1) " ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج".
3773 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال:
حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي، عن عطاء قوله:" ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج"، هكذا قرأها
ابن عباس.
3774 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال:
حدثنا ليث، عن مجاهد في قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم"، قال: التجارة في الدنيا، والأجر في الآخرة.
3775 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:" ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: التجارة، أحلت لهم في
المواسم. قال: فكانوا لا يبيعون، أو يبتاعون في الجاهلية
بعرفة.
3776 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3777 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، كان
هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا ضالة ليلة
النفر، وكانوا يسمونها"ليلة الصدر"، ولا
__________
(1) في المطبوعة: "قال" مكان"قرأ" وهو سهو من الناسخ،
وانظر الأثر السالف: 3766، 3768، والآثار التي تلي هذا
الأثر.
(4/166)
يطلبون فيها تجارة ولا بيعا، فأحل الله عز
وجل ذلك كله للمؤمنين، أن يعرجوا على حوائجهم ويبتغوا من
فضل ربهم.
3778 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت
ابن الزبير يقرأ: (1) " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من
ربكم في مواسم الحج". (2)
3779 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال ابن عباس:
كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية، فلما جاء
الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم في مواسم الحج".
3780 - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى، قالا حدثنا أبو نعيم،
قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، قال: سمعت سعيد بن
جبير يقول: كان بعض الحاج يسمون"الداج"، فكانوا ينزلون في
الشق الأيسر من منى، وكان الحاج ينزلون عند مسجد منى،
فكانوا لا يتجرون، حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا
فضلا من ربكم"، فحجوا. (3)
3781 - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا عمر بن ذر، عن مجاهد قال: كان ناس يحجون ولا يتجرون،
حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، فرخص
لهم في المتجر والركوب والزاد.
3782 - حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد،
قال: حدثنا
__________
(1) في المطبوعة: "سمعت ابن الزبير يقول" والصواب من
مخطوطة تفسير عبد الرزاق ص: 21.
(2) الخبر: 3778 - أشار إليه الحافظ في الفتح 3: 473 وذكر
أنه رواه ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد.
ولم يذكر من خرجه وقد عرفنا من رواية الطبري أنه خرجه عبد
الرزاق عن ابن عيينة. وهو في تفسير عبد الرزاق ص: 21، بهذا
الإسناد. وهو صحيح عبيد الله بن ألبي يزيد المكي: تابعي
ثقة.
(3) الداج: هم الذين مع الحجاج من الأجراء والمكارين
والأعوان والخدم، وظاهر أنهم كانوا لا يحجون مع الناس.
(4/167)
أسباط عن السدي، قوله:" ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم"، هي التجارة. قال: اتجروا في الموسم.
3783 - حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: كان الناس إذا
أحرموا لم يتبايعوا حتى يقضوا حجهم، فأحله الله لهم.
3784 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا
سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:
كانوا يتقون البيوع والتجارة أيام الموسم، يقولون:" أيام
ذكر! " فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من
ربكم"، فحجوا.
3785 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو،
عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:" ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج".
3786 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا
شريك، عن منصور، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالتجارة في
الحج، ثم قرأ:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم".
3787 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع بن أنس قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من
ربكم"، قال: كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا
على ضالة ولا ينتظرون لحاجة، وكانوا يسمونها" ليلة الصدر"،
ولا يطلبون فيها تجارة. فأحل الله ذلك كله، أن يعرجوا على
حاجتهم، وأن يطلبوا فضلا من ربهم.
3788 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا مندل، عن عبد الرحمن بن المهاجر، عن أبي صالح مولى
عمر، قال: قلت لعمر: يا أمير
(4/168)
المؤمنين، كنتم تتجرون في الحج؟ قال: وهل
كانت معايشهم إلا في الحج.
3789 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن رجل من بني تيم
الله، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد
الرحمن، إنا قوم نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج! قال: ألستم
تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون؟
قال: بلى! قال: فأنت حاج! جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فسأله عما سألت عنه، فنزلت هذه الآية:" ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". (1)
3790 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
معمر، عن قتادة، قال: كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتجروا
بتجارة، ولم يعرجوا على كسير، ولا على ضالة، فأحل الله
ذلك، فقال:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" إلى
آخر الآية.
3791 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: حدثنا سفيان، عن
عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كانت عكاظ ومجنة وذو
المجاز أسواقا في الجاهلية، فكانوا يتجرون فيها. فلما كان
الإسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبي صلى الله عليه
وسلم، فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
في مواسم الحج. (2)
* * *
__________
(1) الحديث: 3789 -العلاء بن المسيب بن رافع الأسدي: ثقة
مأمون، كما قال ابن معين.
والديث رواه أحمد في المسند: 6435، عن عبد الله بن الوليد
العدني، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد. وقلنا في شرحه: إن
إسناده صحيح، وأن إبهام الرجل من بني تيم الله- لا يضر،
فقد عرف أنه"أبو أمامة التيمي". كما مضى في: 3765. وقد
خرجناه مفصلا في المسند.
(2) الحديث: 3791 -سعيد بن الربيع الرازي- شيخ الطبري: لم
أجد له ترجمة. وقد ذكر في فهارس تاريخ الطبري بهذا الاسم،
فانتفت شبهة التحريف فيه. و"سفيان" -شيخه: هو ابن عيينة.
ويشتبه"سعيد بن الربيع" براو آخر، هو"سعيد بن الربيع
الهروي الجرشي العامري" المترجم في التهذيب. ولكنه قديم
الوفاة، مات سنة 211 قبل ولادة الطبري. وهو من أقدم شيوخ
البخاري.
والحديث رواه البخاري 4: 248، 269، و 8: 139 (فتح) من طريق
سفيان ابن عيينة بهذا الإسناد.
ورواه أيضًا 3: 473- 474 من طريق ابن جريج عن عمرو بن
دينار. وذكره ابن كثير 1: 462، من رواية البخاري.
وهذا الحديث من أفراد البخاري -دون مسلم- كما نص على ذلك
الحافظ في الفتح 3: 475. ولم أجده في مسند أحمد. وهو من
الأحاديث الصحاح القليلة، التي في أحد الصحيحين وليست في
المسند.
وقد مضى نحو معناه مختصرا: 3779، من رواية عبد الرزاق عن
ابن عيينة ومضى كذلك مختصرا: 3771، 3784، من وجه آخر من
رواية مجاهد عن ابن عباس. و 3772، 3785، من وجه ثالث، من
رواية عطاء عن ابن عباس.
(4/169)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:" فإذا أفضتم"، فإذا
رجعتم من حيث بدأتم.
* * *
ولذلك قيل للذي يضرب القداح بين الأيسار:"مفيض"، لجمعه
القداح، ثم إفاضته إياها بين الياسرين. (1) ومنه قول بشر
بن أبي خازم الأسدي: (2)
فقلت لها ردي إليه جنانه ... فردت كما رد المنيح مفيض (3)
* * *
ثم اختلف أهل العربية في"عرفات"، والعلة التي من أجلها
صُرفت وهي
__________
(1) القداح جمع قدح (بكسر فسكون) : هو السهم قبل أن ينصل
ويراش، كانوا يستقسمون بها في الميسر، وهي الأزلام أيضًا.
والأيسار جمع يس (بفتحين) وهم المجتمعون على الميسر من
أشراف الحي. وفي المطبوعة: "المياسرين" والصواب ما أثبت.
والياسر: الضارب بالقداح والمتقامر على الجزور اللاعب
بالقداح.
(2) في المطبوعة: "ابن أبي حازم" وهو خطأ.
(3) لم أجد هذا البيت في مكان، ومن القصيدة ثلاثة أبيات في
الحيوان 6: 343 من هذا الشعر، وهي أبيات جياد. والمنيح:
أحد القداح الأربعة التي ليس لها غرم ولا غنم في قداح
الميسر، ولكن قد يمنح صاحبه شيئا من الجزور. ولا أتبين
معنى البيت حتى أعرف ما قبله، وأعرف الضمائر فيه إلى من
تعود.
(4/170)
معرفة، وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي
لجماعة بقاع؟
فقال بعض نحويي البصريين: هي اسم كان لجماعة مثل"مسلمات،
ومؤمنات"، سميت به بقعة واحدة، فصرف لما سميت به البقعة
الواحدة، إذ كان مصروفا قبل أن تسمى به البقعة، تركا منهم
له على أصله. لأن"التاء" فيه صارت بمنزلة"الياء والواو"
في"مسلمين ومسلمون"، لأنه تذكيره، وصار التنوين
بمنزلة"النون". فلما سمي به ترك على حاله، كما يترك"
المسلمون" إذا سمي به على حاله. (1) قال: ومن العرب من لا
يصرفه إذا سمي به، ويشبه"التاء" بهاء التأنيث، وذلك قبيح
ضعيف، واستشهدوا بقول الشاعر: (2)
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
(3)
ومنهم من لا ينون"أدرعات" وكذلك:"عانات"، وهو مكان.
وقال بعض نحويي الكوفيين: إنما انصرفت"عرفات"، لأنهن على
جماع مؤنث"بالتاء". قال: وكذلك ما كان من جماع
مؤنث"بالتاء"، ثم سميت به رجلا أو مكانا أو أرضا أو امرأة،
انصرفت. قال: ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الجماع إلا
جماعا، ثم تجعله بعد ذلك واحدا.
__________
(1) هو قول الأخفش (اللسان: عرف) ومعجم البلدان (عرفات)
وانظر سيبويه 2: 17- 18.
(2) هو امرؤ القيس بن حجر.
(3) ديوانه: 140، وسيبويه 2: 18 والخزانة 1: 26 وهو من
قصيدته الرائعة المشهورة والضمير في قوله: "تنورتها"
للمرأة التي يذكرها (انظر طبقات فحول الشعراء: 68 تعليق:
3) . وتنورالنار أبصرها من بعيد جعل المرأة تضيء له فيراها
كالنار المشبوبة. وأذرعات: بلد بالشام. ويثرب: مدينة رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان هذا اسمها في الجاهلية. يقول:
لاح له نورها في الظلماء، وهو بالشام وأهلها بالمدينة. ثم
يقول: أقرب ما يرى منها لا يرى إلا من مكان عال في جو
السماء. يصف بعد ما بينه وبينها، ومع ذلك فقد لاحت له في
الليل من هذا المكان البعيد، وأتم المعنى في البيت لتالي:
نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال
(4/171)
وقال آخرون منهم: ليست"عرفات" حكاية، ولا
هي اسم منقول، (1) ولكن الموضع مسمى هو وجوانبه"بعرفات"،
ثم سميت بها البقعة. اسم للموضع، ولا ينفرد واحدها. قال:
وإنما يجوز هذا في الأماكن والمواضع، ولا يجوز ذلك في
غيرها من الأشياء. قال: ولذلك نصبت العرب"التاء" في ذلك،
لأنه موضع. ولو كان محكيا، لم يكن ذلك فيه جائزا، لأن من
سمى رجلا"مسلمات" أو"مسلمين" لم ينقله في الإعراب عما كان
عليه في الأصل، فلذلك خالف:"عانات، وأذرعات"، ما سمي به من
الأسماء على جهة الحكاية.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله
قيل لعرفات"عرفات". فقال بعضهم: قيل لها ذلك من أجل أن
إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه لما رآها عرفها بنعتها
الذي كان لها عنده، فقال: قد عرفت، فسميت عرفات بذلك. وهذا
القول من قائله يدل على أن عرفات اسم للبقعة، وإنما سميت
بذلك لنفسها وما حولها، كما يقال: ثوب أخلاق، وأرض سباسب،
فتجمع بما حولها. (2)
* ذكر من قال ذلك:
3792 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط،
عن السدي، قال: لما أذن إبراهيم في الناس بالحج، فأجابوه
بالتلبية، وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات،
ونعتها فخرج، فلما بلغ الشجرة عند العقبة، استقبله الشيطان
يرده، فرماه بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، فطار فوقع على
الجمرة الثانية، فصده أيضا، فرماه وكبر، فطار فوقع على
الجمرة الثالثة، فرماه وكبر.
__________
(1) الحكاية: الإتيان باللفظ على ما كان عليه من قبل،
وسيظهر معناها في الأسطر الآتية.
(2) انظر ما سلف 1: 433.
(4/172)
فلما رأى أنه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم
أين يذهب، (1) انطلق حتى أتى ذا المجاز، (2) فلما نظر إليه
فلم يعرفه جاز، فلذلك سمي:"ذا المجاز". ثم انطلق حتى وقع
بعرفات، فلما نظر إليها عرف النعت، قال:"قد عرفت! "
فسمي:"عرفات". فوقف إبراهيم بعرفات، حتى إذا أمسى ازدلف
إلى جمع، فسميت:"المزدلفة"، فوقف بجمع. (3)
3793 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد
الرزاق، عن معمر، عن سليمان التيمي، عن نعيم بن أبي هند،
قال: لما وقف جبريل بإبراهيم عليهما السلام بعرفات،
قال:"عرفت! "، فسميت عرفات لذلك.
3794 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا ابن جريج، قال: قال ابن المسيب: قال علي بن أبي
طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريل إلى إبراهيم فحج به،
فلما أتى عرفة قال:"قد عرفت! "، وكان قد أتاها مرة قبل
ذلك، ولذلك سميت"عرفة".
* * *
وقال آخرون: بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها.
* ذكر من قال ذلك:
3795 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن مسلم القرشي،
عن أبي طهفة، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس قال: إنما سميت
عرفات، لأن جبريل عليه السلام، كان يقول لإبراهيم: هذا
موضع كذا، هذا موضع كذا، فيقول:" قد عرفت! "، فلذلك
سميت"عرفات". (4)
__________
(1) في المطبوعة: "فلما رأى أنه لا يطيعه، فلم يدر
إبراهيم" والصواب ما أثبته عن نص الطبري آنفًا، كما سيأتي
في المراجع بعد.
(2) في المطبوعة: "فانطلق" والصواب ما أثبت.
(3) الأثر: 3792 -قد سلف تاما برقم: 2065، والتصويب السالف
منه.
(4) الخبر: 3795 - هذا إسناد مشكل، لا أدري ما وجه صوابه.
أما"وكيع بن مسلم القرشي": فما وجدت راويا بهذا الاسم ولا
ما يشبهه. والذي أكاد أجزم به أنه"وكيع بن الجراح" الإمام
المعروف. وأن كلمة"بن" محرفة عن كلمة"عن" ثم يزيد الإشكال
أن لم أجد من اسمه"مسلم القرشي" وإشكال ثالث، أن"أبا طهفة"
هذا لا ندري ما هو؟
واليقين -عندي- أن الإسناد محرف غير مستقيم.
(4/173)
3796 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد،
قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن
عطاء قال: إنما سميت عرفة أن جبريل كان يري إبراهيم عليهما
السلام المناسك، فيقول:" عرفت، عرفت! " فسمي"عرفات".
3797 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال
ابن عباس: أصل الجبل الذي يلي عرنة وما وراءه موقف، حتى
يأتي الجبل جبل عرفة.
وقال ابن أبي نجيح: عرفات:"النبعة" و"النبيعة" و"ذات
النابت"، وذلك قول الله:" فإذا أفضتم من عرفات"، وهو الشعب
الأوسط.
وقال زكريا: ما سال من الجبل الذي يقف عليه الإمام إلى
عرفة، فهو من عرفة، وما دبر ذلك الجبل فليس من عرفة.
* * *
وهذا القول يدل على أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد
باسم الجماعة المختلفة الأشخاص.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي أن يقال:
هو اسم لواحد سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي
كان له أصلا. وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة
واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار
والقرى المعارف.
* * *
(4/174)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا
اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم فكررتم
راجعين من عرفة، إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه،" فاذكروا
الله"، يعني بذلك: الصلاة، والدعاء عند المشعر الحرام.
* * *
وقد بينا قبل أن"المشاعر" هي المعالم، من قول القائل:"شعرت
بهذا الأمر"، أي علمت، ف"المشعر"، هو المعلم، (1) سمي بذلك
لأن الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء، من معالم الحج
وفروضه التي أمر الله بها عباده. وقد:-
3798 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، قال: يستحب للحاج أن
يصلي في منزله بالمزدلفة إن استطاع، وذلك أن الله قال:"
فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم".
* * *
فأما"المشعر": فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة
إلى محسر.
وليس مأزما عرفة من"المشعر". (2)
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر ما سلف في الجزء 3: 226، 227 (بولاق)
تفسير"شعائر".
(2) المأزم: كل طريق ضيق بين جبلين. ومأزما عرفة: مضيق ين
جمع وعرفة.
(4/175)
3799 - حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا ابن
أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم،
قال: رأى ابن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع فقال:
أيها الناس إن جمعا كلها مشعر.
3800 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج،
عن نافع، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله:" فاذكروا الله عند
المشعر الحرام"، قال: هو الجبل وما حوله.
3801 - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا
إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس قال: ما بين
الجبلين اللذين بجمع مشعر.
3802 - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا
الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير، مثله.
3803 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا الثوري= وحدثني أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم،
قال: حدثنا سفيان= عن السدي، عن سعيد بن جبير، قال: سألته
عن المشعر الحرام فقال: ما بين جبلي المزدلفة.
3804 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال:"المشعر
الحرام" المزدلفة كلها= قال معمر: وقاله قتادة.
3805 - حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، قال: أنبأنا الثوري،
عن السدي، عن سعيد بن جبير:" فاذكروا الله عند المشعر
الحرام"، قال: ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام.
3806 - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا
أبي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: سألت عبد الله
بن عمر عن المشعر الحرام،
(4/176)
فقال: إذا انطلقت معي أعلمتكه. قال:
فانطلقت معه، فوقفنا حتى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه،
حتى إذا هبطت أيدي الركاب، وكنا في أقصى الجبال مما يلي
عرفات قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ أخذت فيه! قلت:
ما أخذت فيه؟ قال: كلها مشاعر إلى أقصى الحرم.
3807 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا إسرائيل= وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو
أحمد، قال: حدثنا إسرائيل= عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون
الأودي، قال: سألت عبد الله بن عمر، عن المشعر الحرام قال:
إن تلزمني أركه. قال: فلما أفاض الناس من عرفة وهبطت أيدي
الركاب في أدنى الجبال، قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟
قال: قلت: ها أنا ذاك، قال: أخذت فيه! قلت: ما أخذت فيه!
قال: حين هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال فهو مشعر إلى
مكة.
3808 - حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن عمارة بن زاذان،
عن مكحول الأزدي، قال: سألت ابن عمر يوم عرفة عن المشعر
الحرام؟ فقال: الزمني! فلما كان من الغد وأتينا المزدلفة،
قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام.
3809 - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا
داود، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: المشعر الحرام:
المزدلفة كلها.
3810 - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا
داود، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال:
إذا أفضت من مأزمي عرفة، فذلك إلى محسر. قال: وليس
المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن مفاضاهما.
قال: قف بينهما إن شئت، وأحب إلي أن تقف دون قزح. هلم
إلينا من أجل طريق الناس!.
3811 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر،
(4/177)
عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رآهم ابن عمر
يزدحمون على قزح، فقال: علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما ههنا
مشعر!.
3812 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المشعر الحرام المزدلفة
كلها.
3813 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا
شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
3814 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله:" فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر
الحرام" وذلك ليلة جمع. قال قتادة: كان ابن عباس يقول: ما
بين الجبلين مشعر.
3815 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي، قال: المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة =
ويقال: هو قرن قزح. (1)
3816 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،
عن الربيع:" فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، وهي
المزدلفة، وهي جمع.
* * *
* وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما:-
3817 - حدثنا به هناد، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن
جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: لم أجد أحدا يخبرني
عن المشعر الحرام.
3818 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا سفيان، عن السدي، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول:
المشعر الحرام: ما بين جبلي مزدلفة.
3819 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قيس،
عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن
المشعر الحرام فقال:
__________
(1) القرن: الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل
الكبير.
(4/178)
ما أدري؟ وسألت ابن عباس، فقال: ما بين
الجبلين.
3820 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال:
الجبيل وما حوله مشاعر.
3821 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
إسرائيل، عن ثوير، قال: وقفت مع مجاهد على الجبيل، فقال:
هذا المشعر الحرام.
3822 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن بن عطية، قال:
حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس،
الجبيل وما حوله مشاعر.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما جعلنا أول حد المشعر مما يلي منى،
منقطع وادي محسر مما يلي المزدلفة، لأن:-
3823 - المثنى حدثني قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن
المبارك، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال:"عرفة كلها موقف إلا عرنة، وجمع كلها موقف
إلا محسرا". (1)
3824 - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن حجاج، عن ابن أبي
مليكة، عن عبد الله بن الزبير، أنه قال: كل مزدلفة موقف
إلا وادي محسر.
3825 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن حجاج، قال:
أخبرني من سمع عروة بن الزبير يقول مثل ذلك.
__________
(1) الحديث: 3823 -هذا حديث مرسل كما قال ابن كثير 1: 467
وقد رواه مالك في الموطأ ص: 388"أنه بلغه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم"- دون إسناد. وذكره ابن عبد البر في
كتاب"التقصي" رقم: 839. وقال: "وهذا الحديث يتصل من حديث
جابر بن عبد الله ومن حديث ابن عباس، ومن حديث علي بن أبي
طالب". وحديث جابر رواه مسلم 1: 348 ولكن ليس فيه
استثناء"عرنة" و"محسر" ورواه ابن ماجه: 3012 من حديث جابر
وفيه هذا الاستثناء. وإسناده ضعيف جدا.
وانظر السنن الكبرى للبيهقي 5: 115، والتلخيص الحبير ص:
216 ونصب الراية 3: 60- 62.
(4/179)
3826 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن
نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن هشام بن عروة،
قال: قال عبد الله بن الزبير في خطبته: تعلمن أن عرفة كلها
موقف إلا بطن عرنة، تعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن
محسر. (1)
* * *
قال أبو جعفر: غير أن ذلك وإن كان كذلك فإني أختار للحاج
أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قزح وما
حوله، لأن:-
3827 - أبا كريب حدثنا، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن
إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن الحارث
المخزومي، عن زيد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن
علي قال: لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمزدلفة، غدا فوقف على قزح، وأردف الفضل، ثم قال: هذا
الموقف، وكل مزدلفة موقف.
3828 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال:
أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن
الحارث، عن زيد بن علي بن الحسين، عن عبيد الله بن أبي
رافع عن أبي رافع، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
(2)
__________
(1) الخبر: 3826 -رواه مالك في الموطأ ص 388، بنحوه عن
هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير.
(2) الحديثان: 3827، 3828 -إبراهيم بن إسمعيل بن مجمع
الأنصاري المدني: ضعيف قال ابن معين: "ليس بشيء" وقال
البخاري: "كثير الوهم". عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله
بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي: ثقة من أهل العلم. ين بن
علي بن أبي طالب: ثقة معروف، لا يحتاج إلى تعريف. وهو الذي
تنسب إليه الزيدية من الشيعة. وكان حربا على الرافضة. وهو
يروى عن عبيد الله بن أبي رافع مباشرة، ولكنه روى هذا
الحديث بعينه -كما سيأتي في التخريج- عن أبيه زين العابدين
علي بن الحسين عن عبيد الله. عبيد الله بن أبي رافع
المدني، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعي ثقة.
وكان كاتبا لعلي بن أبي طالب رضي اله عنه.
وهذا الحديث مختصر من حديث مطول. وقد أخطأ فيه إبراهيم بن
إسماعيل بن مجمع: فحذف من الإسناد [عن أبيه] بين زيد بن
علي وعبيد الله بن أبي رافع. وذكر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم"أردف الفضل" -في هذا الحديث. وإنما"أردف أسامة
بن زيد". وإرداف الفضل بن عباس كان في حادثة أخرى.
والحديث رواه احمد في المسند: 1347، عن يحيى بن آدم عن
سفيان -وهو الثوري-"عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي،
عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: وقف رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذا الموقف وعرفة
كلها موقف ثم أردف أسامة فجعل يعتق على ناقته، والناس
يضربون الإبل يمينا وشمالا، لا يلتفت إليهم". وهذا مختصر
أيضًا. ورواه أبو داود: 1922، عن أحمد بن حنبل بهذا
الإسناد واختصره قليلا.
ورواه أحمد: 562 عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان بهذا
الإسناد مطولا. وفيه -بعد إرداف أسامة-"ثم أتى قزح فوقف
على قزح، فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف. . . "- إلى
آخره مطولا.
ورواه عبد الله بن أحمد، في زيادات المسند: 564 من طريق
المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي عن أبيه. و 613 من طريق
مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الرحمن المخزومي - بهذا
الإسناد مطولا أيضًا.
ورواه الترمذي 2: 100- 101، مطولا من طريق أبي أحمد
الزبيري عن الثوري وقال: "حديث حسن صحيح، لا نعرفه من حديث
علي إلا من هذا الوجه من حديث عبد الرحمن بن الحارث ابن
عياش. وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا".
(4/180)
3829 - حدثنا هناد وأحمد الدولابي، قالا
حدثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن
يربوع عن ابن الحويرث، قال: رأيت أبا بكر واقفا على قزح
وهو يقول: أيها الناس أصبحوا! أيها الناس أصبحوا! ثم دفع.
(1)
__________
(1) الخر: 3829 -سفيان: هو ابن عيينة. ابن المنكدر: هو
محمد بن المنكدر التيمي: أحد الأئمة الأعلام من التابعين.
سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع: ترجمه الحافظ في التعجيل ص:
154 وذكر أنه مخزومي وأشار إلى هذا الخبر من روايته. وقال:
"وقع عند غيره: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع". ويريد: عند
غير الشافعي، لأن هذا الخبر رواه الشافعي كما سيأتي. وقد
رمز لهذه الترجمة في التعجيل بحرف الألف، وهو رمز"أحمد" في
المسند. وهو خطأ مطبعي. وصحته"فع" رمز الشافعي. وعبد
الرحمن ابن سعيد بن يربوع: مترجم في التهذيب 6: 187 وابن
سعد 5: 111 وابن أبي حاتم 2/2/239، ولكن جميع روايات هذا
الخبر فيها"سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع". وأنا أرجح بما
يظهر لي من الترجمتين: أن الراوي هنا غير المترجم في
التهذيب ومن المحتمل أن راوي هذا الخبر ابن +الذي في
التهذيب. خصوصا وأن ابن أبي حاتم ذكره في ترجمة"ابن
الحويرث" راويا عنه. وإن لم يترجم هو ولا البخاري في
الكبير ل"سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع".
ابن الحويرث: هو جبير بن الحويرث. ترجمه ابن أبي حاتم
1/1/512 وقال: "روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. روى
عنه سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع". وكذلك ترجمه ابن عبد
البر في الاستيعاب رقم: 317 ثم قال: "في صحبته نظر".
وترجمه ابن الأثير في أسد الغابة 1: 270 وقال: "وقتل أبوه
يوم فتح مكة قتله علي. وهذا يدل على أن لابنه جبير صحبة أو
رؤية". وكذلك رجح صحبته - الحافظ في الإصابة 1: 235
والتعجيل: 66- 67. وكلهم ذكر أباه باسم"الحويرث" إلا
المصعب الزبيري في نسب قريش ص: 257 فإنه ذكره باسم"الحارث"
و"الحويرث" هو الصواب الموافق لما في سيرة ابن هشام، ص:
819 (طبعة أوربة) وطبقات ابن سعد 1/2/90.
وهذا الخبر رواه الشافعي في الأم 2: 180 عن سفيان بن عيينة
بهذا الإسناد بزيادة في آخره ولكن فيه: "عن أبي الحويرث"
وكذلك ثبت في مسنده بترتيب الشيخ عابد السندي 1: 256. ووقع
في مسند الشافعي المطبوع بهامش الجزء 6 من الأم: "عن جوبير
بن حويرث". وهذا الضطراب يدل على تحريف الاسم في بعض نسخ
الأم ومسند الشافعي. خصوصا وأن الحافظ ابن حجر ذكر اسمه في
التعجيل على الصواب ولم يذكر فيه خلافا، لو كان هذا اختلاف
رواية مع أنه رمز له برمز الشافعي وحده. ولعل هذا الخطأ
كان في بعض نسخ الأم. ومسند الشافعي القديمة وأن هذا حمل
البيهقي على أن يروي الخبر من غير طريق الشافعي خلافا
لعادته الغالبة.
فقد رواه البيهقي 5: 125، من طريق سعدان بن نصر عن سفيان
وهو ابن عيينة -بهذا الإسناد. ورواه ابن حزم في المحلى 3:
215- 216 من طريق محمد بن المثنى عن سفيان به.
(4/181)
3830 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون،
عن عبد الله بن عثمان، عن يوسف بن ماهك، قال: حججت مع ابن
عمر، فلما أصبح بجمع صلى الصبح، ثم غدا وغدونا معه حتى وقف
مع الإمام على قزح، ثم دفع الإمام فدفع بدفعته.
* * *
وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة:" هذا كله
مشاعر إلى مكة"، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك
في كل بقعة منها بعض مناسك الحج = لا أن كل ذلك"المشعر
الحرام" الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا
ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع.
* * *
(4/182)
وأما قول عبد الرحمن بن الأسود:" لم أجد
أحدا يخبرني عن المشعر الحرام" فلأنه يحتمل أن يكون أراد:
لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه.
لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان،
لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها. غير أن ذلك
وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه
ولا نقصان إلا من ذكرت، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به
على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم. وكذلك سائر
مشاعر الحج، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن
ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها
المؤمنون عند المشعر الحرام= بالثناء عليه، والشكر له على
أياديه عندكم، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره، والطاعة له
والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق، لما وفقكم له من سنن
إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى
عن طريق الحق وبعد الضلالة= كذكره إياكم بالهدى، حتى
استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها،
فنجاكم منها. وذلك هو معنى قوله:" كما هداكم".
* * *
وأما قوله:" وإن كنتم من قبله لمن الضالين"، فإن من أهل
العربية من يوجه تأويل" إن" إلى تأويل" ما"، وتأويل اللام
التي في" لمن" إلى" إلا". (1)
__________
(1) هذا توجيه الكوفيين انظر المعنى لابن هشام 1: 191
وغيره.
(4/183)
|