تفسير الطبري
جامع البيان ت شاكر سَيَقُولُ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا
آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ
عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)
القول في تأويل قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا
وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا}
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (سيقول الذين أشركوا) ، وهم
العادلون بالله الأوثان والأصنام من مشركي قريش= (لو شاء الله
ما أشركنا) ، يقول: قالوا احتجازًا من الإذعان للحق بالباطل من
الحجة، لما تبين لهم الحق، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين
من شركهم، وتحريمهم ما كانوا يحرّمون من الحروث والأنعام، على
ما قد بيَّن تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك: (وجعلوا
لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، وما بعد ذلك: لو أراد
الله منا الإيمان به، وإفراده بالعبادة دون الأوثان والآلهة،
وتحليل ما حرم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا، ما
جعلنا لله شريكًا، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا، ولا حرمنا
ما نحرمه من هذه الأشياء التي نحن على تحريمها مقيمون، لأنه
قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك، حتى لا يكون لنا إلى فعل شيء
من ذلك سبيل: إما بأن يضطرنا إلى الإيمان وترك الشرك به، وإلى
القول بتحليل ما حرمنا= وأما بأن يلطف بنا بتوفيقه، فنصير إلى
الإقرار بوحدانيته، وترك عبادة ما دونه من الأنداد والأصنام،
وإلى تحليل ما حرمنا، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة
الأوثان والأصنام، واتخاذ الشريك له في العبادة والأنداد،
وأراد ما نحرّم من الحروث والأنعام، فلم يَحُلْ بيننا وبين ما
نحن عليه من ذلك.
قال الله مكذبًا لهم في قيلهم:"إن الله رضي منا ما نحن عليه من
الشرك، وتحريم ما نحرّم"= ورادًّا عليهم باطلَ ما احتجوا به من
حجتهم في ذلك=
(12/208)
(كذلك كذب الذين من قبلهم) ، يقول: كما كذب
هؤلاء المشركون، يا محمد، ما جئتهم به من الحق والبيان، كذب من
قبلهم من فسقة الأمم الذين طَغَوا على ربهم ما جاءتهم به
أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه، وردُّوا عليهم نصائحهم =
(حتى ذاقوا بأسنا) ، يقول: حتى أسخطونا فغضبنا عليهم، فأحللنا
بهم بأسنا فذاقوه، فعطبوا بذوقهم إياه، فخابوا وخسروا الدنيا
والآخرة. (1) يقول: وهؤلاء الآخرون مسلوك بهم سبيلهم، إن هم لم
ينيبوا فيؤمنوا ويصدقوا بما جئتهم به من عند ربهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14129- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (لو
شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، وقال: (كذلك كذب الذين من
قبلهم) ، ثم قال: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، فإنهم
قالوا:"عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى الله زلفى"، فأخبرهم الله
أنها لا تقربهم، وقوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، يقول الله
سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.
14130- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قال: قول قريش=
يعني: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة.
14131- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قولُ قريش بغير
يقين: إن الله حرّم هذه البحيرة والسائبة.
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((ذاق)) فيما سلف: 11: 420، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(12/209)
فإن قال قائل: وما برهانك على أن الله
تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قولهم:"رضي الله منا
عبادة الأوثان، وارأد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والأنعام"،
دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم: (لو شاء الله ما
أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، وعلى وصفهم إياه بأنه
قد شاء شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون؟
قيل له: الدلالة على ذلك قوله: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ،
فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمدًا صلى
الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله = من النهي عن عبادة
شيء غير الله تعالى ذكره، وتحريم غير ما حرّم الله في كتابه
وعلى لسان رسوله = مسلكَ أسلافهم من الأمم الخالية المكذبة
اللهَ ورسولَه. والتكذيبُ منهم إنما كان لمكذَّب، ولو كان ذلك
خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا
آباؤنا) ، لقال:"كذلك كذَبَ الذين من قبلهم"، بتخفيف"الذال"،
وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله، لا إلى التكذيب
= مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وفيما ذكرنا كفاية لمن
وُفِّق لفهمه.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ
أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام،
المحرِّمين ما هم له محرِّمون من الحُروث والأنعام، القائلين:
(لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، ولكنه
رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم:"هل عندكم"،
(12/210)
قُلْ فَلِلَّهِ
الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
(149)
= بدعواكم ما تدعون على الله من رضاه
بإشراككم في عبادته ما تشركون، وتحريمكم من أموالكم ما تحرمون
= علمُ يقينٍ من خبر مَنْ يقطع خبره العذر، أو حجة توجب لنا
اليقين، من العلم ="فتخرجوه لنا"، يقول: فتظهروا ذلك لنا
وتبينوه، كما بينا لكم مواضع خطأ قولكم وفعلكم، وتناقض ذلك
واستحالته في المعقول والمسموع (1) = (إن تتبعون إلا الظن) ،
يقولُ له: قل لهم: إن تقولون ما تقولون، أيها المشركون،
وتعبدون من الأوثان والأصنام ما تعبدون، وتحرمون من الحروث
والأنعام ما تحرّمون، إلا ظنًّا وحسبانًا أنه حق، وأنكم على
حق، وهو باطلٌ، وأنتم على باطل = (وإن أنتم إلا تخرصون) ،
يقول:"وإن أنتم"، وما أنتم في ذلك كله ="إلا تخرصون"، يقول:
إلا تتقوّلون الباطل على الله، ظنًّا بغير يقين علم ولا برهان
واضح. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام،
القائلين على ربهم الكذبَ، في تحريمهم ما حرموا من الحروث
والأنعام، إن عجزوا عن إقامة الحجة عند قيلك لهم:"هل عندكم من
علم بما تدعون على ربكم فتخرجوه لنا"، وعن إخراج علم ذلك لك
وإظهاره، وهم لا شك عن ذلك عَجَزَة، وعن إظهاره مقصرون، لأنه
باطل لا حقيقة له = (فلله) ، الذي حرم عليكم أن تشركوا به
شيئًا، وأن تتبعوا
__________
(1) انظر تفسير ((الإخراج)) فيما سلف 2: 228.
(2) انظر تفسير ((التخرص)) فيما سلف ص 65.
(12/211)
خطوات الشيطان في أموالكم من الحروث
والأنعام = (الحجة البالغة) ، دونكم أيها المشركون.
ويعني بـ"البالغة"، أنها تبلغ مراده في ثبوتها على مَنْ احتج
بها عليه من خلقه، وقَطْعِ عُذْرِه إذا انتهت إليه فيما جُعِلت
حجة فيه.
* * *
= (فلو شاء لهداكم أجمعين) ، يقول: فلو شاء ربكم لوفَّقكم
أجمعين للإجماع على إفراده بالعبادة، والبراءة من الأنداد
والآلهة، والدينونة بتحريم ما حرم الله وتحليل ما حلله الله،
وترك اتباع خطوات الشيطان، وغير ذلك من طاعاته، ولكنه لم يشأ
ذلك، فخالف بين خلقه فيما شاء منهم، فمنهم كافر ومنهم مؤمن.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14132- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال، لا حجة لأحد عصَى
الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده. وقال: (فلو شاء
لهداكم أجمعين) ، قال: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ) [سورة الأنبياء: 23] .
* * *
(12/212)
قُلْ هَلُمَّ
شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ
هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا
تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ
يَعْدِلُونَ (150)
القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلُمَّ
شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ
هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل، يا محمد، لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الأوثان،
الزاعمين أنّ الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم
= (هلم شهداءكم) ، يقول: هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله
أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم. (1)
* * *
وأهل العالية من تهامة توحِّد"هلم" في الواحد والاثنين
والجميع، وتذكر في المؤنث والمذكر، فتقول للواحد:"هلم يا
فلان"، وللاثنين والجميع كذلك، وللأنثى مثله، ومنه قول الأعشى:
وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً ... هَلُمَّ إلَى أَمْرِكُمْ
قَدْ صُرِمْ (2)
ينشد:"هلم"، و"هلموا". وأما أهل السافلة من نجد، فإنهم
يوحِّدون للواحد، ويثنُّون للاثنين، ويجمعون للجميع. فيقال
للواحد من الرجال:"هلم" وللواحدة من النساء:"هلمي"،
وللاثنين:"هلما"، وللجماعة من الرجال:"هلموا"،
وللنساء:"هَلْمُمْنَ". (3)
* * *
قال الله لنبيه: (فإن شهدوا) ، يقول: يا محمد، فإن جاءوك
بشهداء يشهدون أن الله حَرَّم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم =
(فلا تشهد معهم) ، فإنهم كذبة
__________
(1) انظر تفسير ((الشهداء)) فيما سلف من فهارس اللغة ((شهد)) .
(2) ديوانه 34، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، من قصيدة
طويلة مضت منها أبيات في مواضع متفرقة، وهذا البيت داخل في قصة
((الحضر)) ، وما أصاب أهله، تركت نقل أبياتها لطولها.
(3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، فهذا نص كلامه.
(12/213)
وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك
على الله. وخاطب بذلك جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم،
والمراد به أصحابه والمؤمنون به = (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا) ، يقول: ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي
الله وتنزيله، في تحريم ما حرم، وتحليل ما أحل لهم، ولكن اتبع
ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه = (والذين لا يؤمنون بالآخرة) ، يقول: ولا تتبع
أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة، فتكذب بما هم به مكذبون من
إحياء الله خلقه بعد مماتهم، ونشره إياهم بعد فنائهم = (وهم
بربهم يعدلون) ، يقول: وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات،
وجحودهم قيام الساعة، بالله يعدلون الأوثانَ والأصنامَ،
فيجعلونها له عِدْلا ويتخذونها له ندًّا يعبدونها من دونه. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14133- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن
الله حرم هذا) ، يقول: قل أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا
مما حرمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به. قال الله لرسوله: (فإن
شهدوا فلا تشهد معهم) .
14134- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله
حرم هذا) ، قال: البحائر والسُّيَّب.
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((العدل)) فيما سلف 11: 251 - 254.
(12/214)
قُلْ تَعَالَوْا
أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا
أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ
وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
القول في تأويل قوله: {قُلْ تَعَالَوْا
أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام،
الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم
وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك =: تعالوا، أيها
القوم، (1) أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًا يقينًا، (2) لا الباطل
تخرُّصًا، تخرُّصَكم على الله الكذبَ والفريةَ ظنًّا، (3) ولكن
وحيًا من الله أوحاه إليّ، وتنزيلا أنزله عليّ: أن لا تشركوا
بالله شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا
تعبدوا شيئًا سواه = (وبالوالدين إحسانًا) ، يقول: وأوصى
بالوالدين إحسانًا = وحذف"أوصى" و"أمر"، لدلالة الكلام عليه
ومعرفة السامع بمعناه. (4) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من
الكتاب. (5)
* * *
وأما"أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، فرفعٌ، لأن معنى
الكلام: قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا
به شيئًا.
وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: (تشركوا) ، وجهان:
= الجزم بالنهي، وتوجيهه"لا" إلى معنى النهي.
= والنصب، على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب"تشركوا"، بـ"أن
لا"،
__________
(1) انظر تفسير ((تعالوا)) فيما سلف 11: 137، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير ((تلا)) فيما سلف 10: 201، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(3) في المطبوعة: ((كخرصكم على الله)) ، وأثبت ما في المخطوطة.
(4) انظر تفسير ((الإحسان)) فيما سلف 2: 292 / 8: 334، 514 /
9: 283 / 10: 512، 576.
(5) انظر ما سلف 2: 290 - 292 / 8: 334.
(12/215)
كما يقال:"أمرتك أن لا تقوم".
وإن شئت جعلت"أن" في موضع نصبٍ، ردًّا على"ما" وبيانًا عنها،
ويكون في قوله: (تشركوا) ، أيضًا من وجهي الإعراب، نحو ما كان
فيه منه. و"أن" في موضع رفع.
ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم،
أتلُ أن لا تشركوا به شيئًا.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله (تشركوا) نصبًا بـ"أن
لا"، أم كيف يجوز توجيه قوله:"أن لا تشركوا به"، على معنى
الخبر، وقد عطف عليه بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ،
وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك، كما قال تعالى ذكره:
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) ،
فجعل"أن أكون" خبرًا، و"أنْ" اسمًا، ثم عطف عليه" ولا تكونن من
المشركين "، [سورة الأنعام: 14] ، (1) وكما قال الشاعر: (2)
حَجَّ وَأوْصَى بِسُلَيْمَى الأعْبُدَا ... أَنْ لا تَرَى وَلا
تُكَلِّمْ أَحَدَا
وَلا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا (3)
فجعل قوله:"أن لا ترى" خبرًا، ثم عطف بالنهي فقال:"ولا
تكلم"،"ولا يزل".
* * *
__________
(1) قوله: ((ولا تكونن من المشركين)) ، ساقط في المطبوعة
والمخطوطة، واستظهرت زيادته من معاني القرآن للفراء 1: 364،
وهي زيادة يفسد الكلام بإسقاطها.
(2) لم أعرف قائله.
(3) معاني القرآن للفراء 1: 364، وليس فيه البيت الثالث، وفيه
مكانه: * وَلا تَمْشِ بِفَضَاءٍ بَعَدَا *
(12/216)
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من
إملاق) ، ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم
بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم،
فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجزَ عن أرزاقهم وأقواتهم.
* * *
و"الإملاق"، مصدر من قول القائل:"أملقت من الزاد، فأنا أملق
إملاقًا"، وذلك إذا فني زاده، وذهب ماله، وأفلس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14135- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من
إملاق) ، الإملاق الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر.
14136- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة في قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، أي خشية
الفاقة.
14137- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ،
قال:"الإملاق"، الفقر.
14138- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال،
(12/217)
قال ابن جريج قوله: (من إملاق) ، قال:
شياطينهم، يأمرونهم أن يئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة.
14139- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول،
حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك في قوله: (من إملاق) ، يعني:
من خشية فقر.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء
المحرّمة عليكم، (1) التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها،
والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به، فإن
كل ذلك حرام. (2)
* * *
وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن،
لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا [دون بعض] .
وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليل الظاهر من التنزيل
على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذرَ،
بأنه عنى به بعض دون جميع. وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى
باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها.
* * *
* ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال: الآية خاصُّ المعنى:
14140- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
__________
(1) انظر تفسير ((الفواحش)) فيما سلف 8: 203، تعليق: 2،
والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير ((ظهر)) ، و ((بطن)) فيما سلف ص 72 - 75، ثم
انظر الأثر رقم: 9075.
(12/218)
حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، أما"ما ظهر منها"، فزواني
الحوانيت، وأما"ما بطن"، فما خَفِي. (1)
14141- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول،
حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما
ظهر منها وما بطن) ، كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى، ويرون
ذلك حلالا ما كان سرًّا. فحرّم الله السر منه والعلانية = (ما
ظهر منها) ، يعني: العلانية = (وما بطن) ، يعني: السر. (2)
14142- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: كانوا في الجاهلية لا
يرون بالزنى بأسًا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرَّم
الله الزنى في السرّ والعلانية.
* * *
وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
14143- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، سرَّها
وعلانيتها.
14144- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة، نحوه.
* * *
وقال آخرون:"ما ظهر"، نكاح الأمهات وحلائل الآباء ="وما بطن"،
الزنى.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) ((زواني الحوانيت)) ، كانت البغايا تتخذ حانوتًا عليه
راية، إعلامًا بأنها بغى. وانظر الأثر السالف رقم: 13801.
(2) الأثر: 14141 - مضى هذا الخبر برقم: 13802.
(12/219)
14145- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن
أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما
بطن) ، قال:"ما ظهر"، جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة
أبيه من بعده ="وما بطن"، الزنى. (1)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
14146- حدثني إسحاق بن زياد العطار النصري قال، حدثنا محمد بن
إسحاق البلخي قال، حدثنا تميم بن شاكر الباهلي، عن عيسى بن أبي
حفصة قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما
ظهر منها وما بطن) ، قال:"ما ظهر"، الخمر ="وما بطن"، الزنى.
(2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، (ولا تقتلوا النفس التي حرم
الله إلا بالحق) ، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن
أو مُعاهد = وقوله: (إلا بالحق) ، يعني بما أباح قتلها به: من
أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم،
__________
(1) الأثر: 14145 - مضى برقم: 13803.
(2) الأثر: 14146 - ((إسحاق بن زياد العطار النصري)) ، لم أجد
له ترجمة، وفي المطبوعة ((البصري)) ، وأثبت ما في المخطوطة.
و ((محمد بن إسحاق البلخي الجوهري)) ، لم أجد له غير ترجمة في
ابن أبي حاتم 3 / 2 / 195، قال: ((روى عن مطرف بن مازن، وأبي
أمية بن يعلي، وقيراط الحجام، ومحمد بن حرب الأبرش، وعيسى بن
يونس. كتب عنه أبي بالري)) .
وأما ((تميم بن شاكر الباهلي)) و ((عيسى بن أبي حفصة)) ، فلم
أعثر لهما على ترجمة ولا ذكر.
(12/220)
أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل.
فذلك"الحق" الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على
المؤمنين قتلها به = (ذلكم) ، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا
فيها ربُّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور التي وصَّانا
والكافرين بها أن نعمل جميعًا به = (لعلكم تعقلون) ، يقول:
وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم. (1)
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((وصى)) فيما سلف ص: 189، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(12/221)
وَلَا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ
بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا
قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ
اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ (152)
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم
إلا بالتي هي أحسن) ، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه
وتثميره، كما:-
14147- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن
ليث، عن مجاهد: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ،
قال: التجارة فيه.
14148- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن) ، فليثمر مالَه.
14149- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن
مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم في قوله:
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: يبتغي له
فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا. (1)
__________
(1) الأثر: 14149 - ((فضيل بن مرزوق العنزي)) ، الرقاشي،
الأغر. مضى برقم: 5437. و ((سليط بن بلال)) ، لا أدري من هو،
ولم أجد له ترجمة.
(12/221)
14150- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب
قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي
هي أحسن) ، قال:"التي هي أحسن"، أن يأكل بالمعروف إن افتقر،
وإن استغنى فلا يأكل. قال الله: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ) ، [سورة النساء: 6] . قال: وسئل عن الكسوة،
فقال: لم يذكر الله الكسوة، إنما ذكر الأكل.
* * *
وأما قوله: (حتى يبلغ أشده) ، فإن"الأشُدّ" جمع"شَدٍّ"،
كما"الأضُرّ" جمع"ضر"، وكما"الأشُرّ" جمع"شر"، (1) و"الشد"
القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما"شَدُّ النهار" ارتفاعه
وامتداده. يقال:"أتيته شدَّ النهار ومدَّ النهار"، وذلك حين
امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:
عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا ... خُضِبَ
اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعِظْلِمِ (2)
ومنه قول الآخر: (3)
تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ... طَوِيلَةُ
أَنْقَاءِ اليَدَيْنِ سَحُوقُ (4)
__________
(1) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: ((الأضر)) و ((الأشر)) ،
ولم أجد لشيء من ذلك أصلا في كتب العربية، وهذان اللفظان
محرفان فيما أرجح، ولكني تركتهما على حالهما، حتى أقف على
الصواب في قراءتهما إن شاء الله. ولكنهم مثلوا له بقولهم
((قد)) و ((أقد)) وهو قريب التحريف في الأولى، ولكن الثانية
مبهمة.
(2) من معلقته المشهورة، وهذا البيت من أبيات وصف فيها بطلا
مثله، يقول قبله: لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ ...
أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ
فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُهُ ... بِمُهَنَّدٍ
صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ
و ((اللبان)) الصدر. و ((العظلم)) ، صبغ أحمر. يصفه قتيلا سال
دمه، فخصب رأسه وأطرافه، لا حراك به.
(3) لم أعرف قائله.
(4) ((الظعينة)) ، يعني زوجته. ((الأنقاء)) جمع ((نقو)) (بكسر
فسكون) ، وهو كل عظم فيه مخ، كعظام اليدين والساقين، وامرأة
((سحوق)) : طويلة كأنها نخلة مستوية قد انجرد عنها كربها.
(12/222)
وكان بعض البصريين يزعم أن"الأشد"
مثل"الآنُك". (1)
* * *
فأما أهل التأويل، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه
الإنسان قيل:"بلغ أشدّه".
فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحُلُم.
* ذكر من قال ذلك:
14151- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، أخبرني
يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة في قوله: (حتى يبلغ
أشده) ، قال: الحلم.
14152- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، حدثني
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله = قال ابن وهب: وقال
لي مالك مثله. (2)
14153- حدثت عن الحماني قال، حدثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر:
(حتى يبلغ أشده) ، قال:"الأشد"، الحلم، حيث تكتب له الحسنات،
وتكتب عليه السيئات.
* * *
وقال آخرون: إنما يقال ذلك له، إذا بلغ ثلاثين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
14154- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (حتى يبلغ أشده) ، قال: أما"أشده"،
فثلاثون
__________
(1) ((آنك)) (بالمد وضم النون) هو. الرصاص القلعي، وهو
القزدير. ويعني أنه مفرد لا جمع.
(2) الأثران: 14151، 14152 - ((أحمد بن عبد الرحمن بن وهب
المصري)) ، مضى برقم: 2747، 6613، 10330، وهو ابن أخي ((عبد
الله بن وهب)) و ((عمه)) ، هو: ((عبد الله بن وهب)) .
(12/223)
سنة، ثم جاء بعدها: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا
النِّكَاحَ) . [سورة النساء: 6] .
* * *
وفي الكلام محذوف، ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حذف.
وذلك أن معنى الكلام:"ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
حتى يبلغ أشده"، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدًا، فادفعوا إليه
ماله = لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يُقرب مال اليتيم في حال يُتمه
إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، ليحِلَّ لوليّه بعد بلوغه
أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ، (1) ولكنه نهاهم أن يقرَبوه
حياطةً منه له، وحفظًا عليه، (2) ليسلموه إليه إذا بلغ أشده.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ
بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" = وأن أوفوا الكيل والميزان.
يقول: لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا
وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم
تامة (3) ="بالقسط"، يعني بالعدل، كما:-
14155- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل.
* * *
وقد بينا معنى:"القسط" بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته. (4)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: ((ويحل)) بالواو، والذي في المخطوطة حق
السياق.
(2) في المطبوعة: ((أن يقربوا)) ، والصواب ما في المخطوطة.
(3) انظر تفسير ((الإيفاء)) فيما سلف 9: 426، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير ((القسط)) فيما سلف 10: 334، تعليق: 4،
والمراجع هناك.
(12/224)
وأما قوله: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ،
فإنه يقول: لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما
يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه،
علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما
لا يجبُ عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو
له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه
بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه،
لما في النقصان عنه من ضيق نفسه. فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما
لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) .
وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع، بما
أغنى عن إعادته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ،
وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم، واعدلوا
وأنصفوا ولا تجوروا، (3) ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم،
ذا قرابة لكم، ولا تحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم
بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه =
(وبعهد الله أوفوا) ، يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها
فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن
__________
(1) انظر تفسير ((التكليف)) فيما سلف 5: 45 / 6: 129، 130 / 8:
579.
= وتفسير ((الوسع)) فيما سلف 5: 45 /6: 129، 130.
(2) انظر ما سلف 5: 45، 46 / 6: 129، 130.
(3) انظر تفسير ((العدل)) فيما سلف من فهارس اللغة (عدل) .
(12/225)
يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا
بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد
الله. (1)
وأما قوله: (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى
الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك:
هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي
عهد إلينا ربنا، ووصاكم بها ربكم، وأمركم بالعمل بها = لا
بالبحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، وقتل الأولاد، ووأد
البنات، واتباع خطوات الشيطان (2) = (لعلكم تذكرون) ، يقول:
أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم
بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقبَ أمركم، وخطأ ما أنتم
عليه مقيمون، فتنزجروا عنها، وترتدعوا وتُنيبوا إلى طاعة ربكم.
* * *
وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات، هنَّ الآيات المحكمات.
14156- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن أبي
إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس قال: هن الآيات
المحكمات، قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا
تشركوا به شيئًا) . (3)
__________
(1) انظر تفسير ((العهد)) فيما سلف من فهارس اللغة (عهد) .
= وتفسير ((الإيفاء)) فيما سلف ص: 224، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير ((وصى)) فيما ص: 221، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) الأثر: 14156 - ((على بن صالح بن صالح بن حي الهمداني))
ثقة، مضى برقم: 178، 11975.
وفي المخطوطة والمطبوعة: ((علي بن أبي صالح)) ، وهو خطأ لا شك
فيه، والزيادة سهو من الناسخ، وإنما هو ((علي بن صالح)) ، فهو
الذي يروي عن إسحاق السبيعي، ويروي عنه وكيع، وكما في
المستدرك، كما سيأتي في التخريج.
و ((أبو إسحاق)) هو السبيعي.
و ((عبد الله بن قيس)) ، راوى هذا الخبر، خص براوية هذا الخبر
عن ابن عباس، ورواية أبي إسحاق السبيعي عنه. مترجم في التهذيب
(5: 365) ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 138.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 288، وقال: ((صحيح)) ،
ووافقه الذهبي. وقد أشرت إلى ذلك في تخريج الخبر رقم: 6573،
فراجعه.
ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك 2: 317، بإسناد آخر من طريق
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن ابن عباس،
وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
و ((عبد الله بن خليفة الهمداني)) ، مضى برقم: 5796.
(12/226)
14157- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار
قالا حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب
يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبيد
الله بن عديّ بن الخيار قال، سمع كعب الأحبار رجلا يقرأ: (قل
تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقال: والذي نفس كعب بيده،
إنّ هذا لأوَّل شيء في التوراة: "بسم الله الرحمن الرحيم"، قل
تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم". (1)
14158- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن
مسروق، عن رجل، عن الربيع بن خثيم أنه قال لرجل: هل لك في
صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: (قل تعالوا أتل
ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) .
14159- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان،
عن عمرو بن مرة قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟ = لم يقل:"خاتمها" = فقرأ هذه
الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) .
__________
(1) الأثر: 14157 - ((وهب بن جرير بن حازم الأزدي)) ، الحافظ
الثقة.
وأبو ((جرير بن حازم الأزدي)) ، ثقة، روى له الجماعة.
و ((يحيى بن أيوب الغافقي)) ، ثقة، مضى برقم: 3877، 4330.
و ((يزيد بن أبي حبيب المصري)) ، مضى مرارًا، آخرها: 11871.
و ((مرثد بن عبد الله اليزني)) ، الفقيه المصري، مضى برقم:
2839، 2840، 10890.
و ((عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي)) ثقة، قليل
الحديث، من فقهاء قريش وعلمائهم، أدرك أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم متوافرين. مترجم في التهذيب.
وهذا خبر إسناده صحيح إلى كعب الأحبار.
(12/227)
وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
14160- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن
الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد
جالست أصحابَ محمد، فحدثنا عن الوَحي. فقرأ عليهم هذه الآيات
من"الأنعام": (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا
به شيئًا) ، قالوا: ليس عن هذا نسألك! قال: فما عندنا وحيٌ
غيره.
14161- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من
محكم القرآن.
14162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، قال: قولوا الحق.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (153) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم، أيها
الناس، في هاتين الآيتين من قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم) ، وأمركم بالوفاء به، هو"صراطه" = يعني: طريقه ودينه
الذي ارتضاه لعباده = (مستقيمًا) ، يعني: قويمًا لا اعوجاج به
عن الحق (1) = (فاتبعوه) ، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم
منهاجًا تسلكونه، فاتبعوه (2) = (ولا تتبعوا السبل) ، يقول:
ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا
دينًا خلافه (3) ، من
__________
(1) انظر تفسير ((الصراط المستقيم)) فيما سلف ص: 113، تعليق:
1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير ((الاتباع)) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) .
(3) في المخطوطة: ((دينا خلاه)) ، وعلى ((خلاه)) ، حرف (ط)
دلالة على الخطأ أو الشك، والذي في المخطوطة مستقيم جيد.
(12/228)
اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة
الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات = (فتفرق بكم
عن سبيله) ، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي
ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان، اتباعُكم إياها ="عن سبيله"،
يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي
وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم (1) = (ذلكم وصاكم به)
، يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم:"إن
هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل"، وصاكم به"لعلكم
تتقون"، يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا
ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ولا تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: البدع والشبهات.
14164- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14165- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تتبعوا السبل) ، البدع والشبهات.
14166- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل
__________
(1) انظر تفسير ((السبيل)) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(2) انظر تفسير ((الوصية)) و ((الاتقاء)) فيما سلف من فهارس
اللغة (وصى) و (وقي) .
(12/229)
فتفرق بكم عن سبيله) ، وقوله: (وَأَقِيمُوا
الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى: 13] ، ونحو
هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن
الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم
بالمراء والخصومات في دين الله.
14167- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا تتبعوا السبل
فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: لا تتبعوا الضلالات.
14168- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد، عن
عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن
يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل
منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي
مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . (1)
14169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق
بكم عن سبيله) ، قال:"سبيله"، الإسلام، و"صراطه"، الإسلام.
نهاهم أن يتبعوا السبل سواه = (فتفرق بكم عن سبيله) ، عن
الإسلام.
14170- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟
قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفُه في
الجنة، وعن يمينه جوادُّ، وعن يساره جَوَادُّ، وثمَّ رجال
يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به
__________
(1) الأثر: 14168 - صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند رقم:
4142، 4437، بنحوه. وقد فصل ابن كثير في تفسيره شرح هذا
الإسناد، وما فيه من اختلاف الرواية 3: 427 - 429. وسيأتي
برقم: 14170، موقوفًا على ابن مسعود.
(12/230)
إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به
إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود: (وأن هذا صراطي مستقيمًا) ،
الآية.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وأن هذا صراطي
مستقيمًا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَنَّ)
بفتح"الألف" من"أن"، وتشديد"النون"، ردًّا على قوله: (أن لا
تشركوا به شيئًا) ، بمعنى:"قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن
لا تشركوا به شيئًا"،"وأن هذا صراطي مستقيمًا".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين:"وَإِنَّ" بكسر"الألف" من"أن"،
وتشديد"النون" منها، على الابتداء وانقطاعها عن الأول، إذ كان
الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده
دونه، عندهم. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان
مستفيضتان في قرأة الأمصار وعوامّ المسلمين، (2) صحيح
معنياهما، فبأيِّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في
قراءته.
وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله، كما أمر عباده
الأنبياء. (3) وإن أدخل ذلك مُدْخِلٌ فيما أمر الله نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: (تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم) ، وما أمركم به، ففتح على ذلك"أن"،
__________
(1) يعني بقوله: ((دونه عندهم)) ، دون النبي صلى الله عليه
وسلم، عند من قرأ ذلك كذلك، كما سيظهر ذلك من الآتي بعد، انظر
التعليق رقم: 3.
(2) ((عوام المسلمين)) يعني: عامة المسلمين، لا يعني
((العوام)) كما استعملت بمعنى: الذين لم يتعلموا العلم.
(3) في المطبوعة: ((عباده بالأشياء)) ، وهو كلام ساقط، لم يحسن
قراءة المخطوطة فغير وزاد. وفي المخطوطة: ((عباده الأساء)) ،
والصواب قراءتها ما أثبت. ويعني أن هذا خطاب لرسول الله صلى
الله عليه وسلم وسائر الأنبياء.
(12/231)
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ
رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
(155)
فمصيب = وإن كسرها، إذ كانت"التلاوة" قولا
وإن كان بغير لفظ"القول" لبعدها من قوله:"أتل"، وهو يريد إعمال
ذلك فيه، فمصيبٌ = وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأول
و"التلاوة"، وأن ما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته
على من أُمِر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيب.
* * *
وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصري:"وَأنْ" بفتح الألف
من"أن" وتخفيف النون منها، بمعنى:"قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أن لا تشركوا به شيئًا"،"وأنْ هذا صراطي"، فخففها، إذ
كانت"أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، مخففة، وكانت"أن"
في قوله: (وأن هذا صراطي) ، معطوفة عليها، فجعلها نظيرةَ ما
عطفت عليه.
وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أحب القراءة به، لشذوذها عن قراءة
قرأة الأمصار، وخلاف ما هم عليه في أمصارهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ثم آتينا موسى الكتاب) ،
ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتابَ = فترك ذكر"قل"،
إذ كان قد تقدم في أول القصّة ما يدلّ على أنه مرادٌ فيها،
وذلك قوله: (1) (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقصَّ ما
حرم عليهم وأحلّ، ثم قال: ثم قل: "آتينا موسى"، فحذف"قل"
لدلالة قوله:"قل" عليه، وأنه مراد في الكلام.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((ذلك قوله)) بغير واو، والسياق
يقتضي إثباتها.
(12/232)
وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلام، لأن
محمدًا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بُعث بعد موسى بدهر طويل،
وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه
بعد مبعثه. ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدًا
بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه. و"ثم" في كلام
العرب حرف يدلّ على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي
قبلها.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (تمامًا على الذي أحسن) ،
فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين.
* ذكر من قال ذلك:
14171- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ،
قال: على المؤمنين.
14172- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ، المؤمنين
والمحسنين.
* * *
= وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل
ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين
من عباده.
* * *
فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: (على الذي أحسن) ،
فيوحِّد"الذي"، والتأويل على الذين أحسنوا؟
قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في"الذي" وفي"الألف واللام"، إذا
أرادت به الكل والجميع، كما قال جل ثناؤه: (وَالْعَصْرِ إِنَّ
الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، [سورة العصر: 1،2] ، وكما
قالوا:"كثر الدِّرهم فيه في أيدي الناس". (1)
__________
(1) في المطبوعة: ((أكثر الذي هم في أيدي الناس)) ، وهو كلام
غث لا معنى له، زاد ((فيه)) على ما كان في المخطوطة. وكان
فيها: ((أكثر الدرهم في أيدي الناس)) ، وصواب قراءتها ما أثبت،
أو: ((ما أكثر الدرهم في أيدي الناس)) .
وقد سلف هذا البحث فيما مضى، وفيه نحو هذا الشاهد 4: 263، 270
/ 6: 125.
(12/233)
وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان
يقرأ ذلك:" تمامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا"، وذلك من
قراءته كذلك، يؤيد قول مجاهد.
وإذا كان المعنى كذلك، كان قوله:"أحسن"، فعلا ماضيًا، فيكون
نصبه لذلك.
* * *
وقد يجوز أن يكون"أحسن" في موضع خفض، غير أنه نصب إذ
كان"أفعل"، و"أفعل"، لا يجري في كلامها. (1)
فإن قيل: فبأيِّ شيء خفض؟
قيل: ردًّا على"الذي"، إذ لم يظهر له ما يرفعه = فيكون تأويل
الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي هو أحسن،
ثم حذف"هو"، وجاور"أحسن""الذي"، فعرِّب بتعريبه، (2) إذ كان
كالمعرفة من أجل أن"الألف واللام" لا يدخلانه،"والذي" مثله،
كما تقول العرب:"مررت بالذي خيرٍ منك، وشرٍّ منك"، (3) كما قال
الراجز: (4)
إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلَ الحَلَمْ ... مَسَّى
بِأَسْلابِكُمُ أَهْلَ الْعَلَمْ (5)
__________
(1) الإجراء: الصرف.
(2) في المطبوعة: ((فعرف بتعريفه)) ، وهو كلام لا معنى له، لم
يحسن قراءة المخطوطة، إذ كانت غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها.
و ((التعريب)) ، هو ((الإعراب)) .
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365، وفيها خطأ ظاهر، لأنه
كتب هناك: ((مررت بالذي هو خير منك، وشر منك)) ، فزادوا ((هو))
، والصواب حذفها، فلتصحح هناك.
(4) لم أعرفه.
(5) معاني القرآن للفراء 1: 365، وروايته كما في مطبوعة
المعاني: مَشَّى بِأَسْلابِكَ فِي أَهْلِ الَعَلَمْ
كأنه يعني أنه سلبه ثيابه ولبسهما، وهو يمشي بها في الناس.
((ومشى)) بتشديد الشين. يقال: ((مشى)) و ((تمشي)) و ((مشى))
بمعنى واحد.
وأما رواية أبي جعفر، فهي بالسين لا بالشين، لا شك في ذلك،
كأنه يقول: صبحه بالغارة، ثم أمسى بما سلبه عند ((أهل العلم))
، وهو موضع. و ((العلم)) ، الجبل. و ((الحلم)) (بفتحتين) :
القراد الصغير، يصف هذا الزبيرى الذي سلبه ثيابه وأمواله، بأنه
قميء قصير.
(12/234)
فأتبع"مثل""الذي"، في الإعراب. ومن قال
ذلك، لم يقل: مررت"بالذي عالمٍ"، لأن"عالمًا" نكرة،"والذي"
معرفة، ولا تتبع نكرة معرفة. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: تمامًا على الذي أحسن"، موسى، فيما
امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه.
* ذكر من قال ذلك:
14173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا
على الذين أحسن) ، فيما أعطاه الله.
14174- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن)
، قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الآخرة.
14175- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة
قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، يقول: من
أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة.
* * *
وعلى هذا التأويل الذي تأوّله الربيع، يكون"أحسن"، نصبًا، لأنه
فعل ماض، و"الذي" بمعنى"ما" = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا
موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى = أي: آتيناه الكتاب
لأتمم له كرامتي في الآخرة، تمامًا على إحسانه في الدنيا في
عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته.
* * *
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365.
(12/235)
وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى
الكتاب تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم.
* ذكر من قال ذلك:
14176- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، قال:
تمامًا من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام،
وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا، لنعمته عليه وإحسانه.
* * *
"وأحسن" على هذا التأويل أيضًا، في موضع نصب، على أنه فعل
ماض،"والذي" على هذا القول والقول الذي قاله الربيع،
بمعنى:"ما".
* * *
وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك:"تَمَامًا عَلَى
الَّذِي أَحْسَنُ" رفعًا= بتأويل: على الذي هو أحسن.
14177- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام
قال، حدثنا الحجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، عن يحيى
بن يعمر.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها
في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة
الأمصار.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال:
معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي
أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا = لأن ذلك أظهرُ معانيه في
الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة.
فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل
وحُسن طاعة.
* * *
(12/236)
ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد، كان
الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسنّا = أو: ثم
آتى الله موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن.
وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب، ثم صرفه الخبر
بقوله:"أحسن"، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين =
الدليلُ الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد.
* * *
وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه"الذي" إلى معنى الجميع، فلا
دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك. بل ظاهر الكلام
بالذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام، كان
أولى معانيه به أغلبُه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو
الخبر دليلٌ واضح على أنه معنيٌّ به غير ذلك.
* * *
وأما قوله: (وتفصيلا لكل شيء) ، فإنه يعني: وتبيينًا لكل شيء
من أمر الدين الذي أمروا به. (1)
* * *
= فتأويل الكلام إذًا: ثم آتينا موسى التوراة تمامًا لنعمنا
عنده وأيادينا قِبَله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته
ربَّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه، وتبيينًا لكل ما بقومه
وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم، (2) كما:-
14178- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(وتفصيلا لكل شيء) ، فيه حلاله وحرامه.
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((التفصيل)) فيما سلف 113، تعليق: 2، والمراجع
هناك.
(2) في المطبوعة: ((ما لقومه)) باللام، لم يحسن قراءة
المخطوطة.
(12/237)
القول في تأويل قوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً
لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا
وتفصيلا لكل شيء = (وهدى) ، يعني بقوله"وهدى"، تقويمًا لهم على
الطريق المستقيم، وبيانًا لهم سُبُل الرشاد لئلا يضلوا =
(ورحمة) ، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة، لننجيهم من الضلالة
وَعمى الحيرة. (1)
وأما قوله: (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) ، فإنه يعني: إيتائي
موسى الكتاب تمامًا لكرامة الله موسى، على إحسان موسى، وتفصيلا
لشرائع دينه، وهدًى لمن اتبعه، ورحمة لمن كان منهم ضالا لينجيه
الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي
وعظ بها خلقه فيه، فيرتدع عما هو عليه مقيمٌ من الكفر به،
وبلقائه بعد مماته، فيطيع ربه، ويصدِّق بما جاءه به نبيه موسى
صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ
فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك)
، وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
="كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه"، (2) يقول: فاجعلوه إمامًا
تتّبعونه وتعملون بما فيه، أيها الناس (3) = (واتقوا) ،
__________
(1) انظر تفسير ((الهدى)) و ((الرحمة)) فيما سلف من فهارس
اللغة (هدى) و (رحم) .
(2) انظر تفسير ((مبارك)) فيما سلف 7: 25 /11: 530.
(3) انظر تفسير ((الاتباع)) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) .
(12/238)
أَنْ تَقُولُوا
إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ
قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ
(156)
يقول: واحذروا الله في أنفسكم، أن تضيعوا
العمل بما فيه، وتتعدّوا حدودَه، وتستحلُّوا محارمه. (1) كما:-
14179- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) ، وهو القرآن الذي أنزله الله
على محمد عليه الصلاة والسلام = (فاتبعوه) ، يقول: فاتبعوا
حلاله، وحرّموا حرامه.
* * *
وقوله: (لعلكم ترحمون) ، يقول: لترحموا، فتنجوا من عذاب الله،
وأليم عقابه.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ
الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا
عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في العامل في"أن" التي في
قوله: (أن تقولوا) وفي معنى هذا الكلام.
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك:"ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا
على الذي أحسن"، (2) كراهيةَ أن تقولوا:"إنما أنزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا".
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك في موضع نصب بفعل مضمر. قال:
ومعنى الكلام: فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون = اتقوا أن تقولوا.
قال: ومثله يقول الله
__________
(1) انظر تفسير ((التقوى)) فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .
(2) أرجح أن صواب العبارة: ((معنى ذلك: وهذا كتاب أنزلناه
مبارك، كراهية أن تقولوا ... )) فإنه هو القول الذي اختاره أبو
جعفر بعد. ولعله سهو منه أو من الناسخ.
(12/239)
(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لا تَشْعُرُونَ) ، [سورة الحجرات: 2] .
* * *
وقال آخرون منهم: هو في موضع نصب. قال: ونصبه من مكانين:
أحدهما: أنزلناه لئلا يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا (1) = والآخر من قوله: (اتقوا) . قال: ولا يصلح في
موضع"أن" كقوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)
[سورة النساء: 176] . (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال:
نصب"أن" لتعلقها: بالإنزال، لأن معنى الكلام: وهذا كتاب
أنزلناه مبارك لئلا تقولوا:"إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا".
* * *
فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله، وأخبر أنه إنما أنزل كتابه
على نبيه محمد لئلا يقول المشركون:"لم ينزل علينا كتاب فنتبعه،
ولم نؤمر ولم نُنْه، فليس علينا حجة فيما نأتي ونَذَر، إذ لم
يأت من الله كتاب ولا رسول"، (3) وإنما الحجة على الطائفتين
اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا = فإنهما اليهود والنصارى،
(4) وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14180- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (أن تقولوا
إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم اليهود
والنصارى.
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((إنما أنزل الكتاب على)) وقطع،
وزدت بقية الآية.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 36.
(3) في المطبوعة: ((لم يأت)) ، وفي المخطوطة مثلها، وضرب
عليها، ووضع حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، ورأين قراءتها،
فهذا حق السياق.
(4) انظر تفسير ((الطائفة)) فيما سلف 6: 500، 506 / 9: 141.
(12/240)
14181- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة
قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تقولوا إنما
أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، اليهود والنصارى يُخاف أن
تقوله قريش.
14182- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن
ابن جريج عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين
من قبلنا) ، قال: اليهود والنصارى. قال: أن تقول قريش.
14183- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم
اليهود والنصارى.
14184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا) ، أما الطائفتان: فاليهود والنصارى.
* * *
وأما (وإن كنا عن دِرَاستهم لغافلين) ، فإنه يعني: أن تقولوا:
وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتابَ الذي أنزلتُ عليهم (1)
="غافلين"، لا ندري ما هي، (2) ولا نعلم ما يقرؤون وما يقولون،
وما أنزل إليهم في كتابهم، لأنهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به
ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتخذوا ذلك حجة. فقطع الله
بإنزاله القرآنَ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حجتهم تلك.
(3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14185- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
__________
(1) انظر تفسير ((الدراسة)) فيما سلف 6: 546 / 12: 25 - 31.
(2) في المخطوطة: ((ما هم)) ، ويؤيد ما في المطبوعة، ما سيأتي
بعد في رقم: 14188.
(3) انظر تفسير ((الغفلة)) فيما سلف من فهارس اللغة ((غفل)) .
(12/241)
أَوْ تَقُولُوا لَوْ
أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى
مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ
آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:
(وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول: وإن كنا عن تلاوتهم
لغافلين.
14186- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، أي: عن قراءتهم.
14187- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، قال:"الدراسة"، القراءة
والعلم. وقرأ: (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) ، [سورة الأعراف: 169] .
قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالة.
14188- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول:
وإن كنا عن قراءتهم لغافلين، لا نعلم ما هي.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ
عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ
جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"وهذا كتاب أنزلناه مبارك"،
لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش:"إنما أنزل الكتاب
على طائفتين من قبلنا"، أو: لئلا يقولوا: لو أنّا أنزل علينا
الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه
ونُهِينا، وبُيِّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه = (لكنا
أهدى منهم) ، أي: لكنا أشدَّ استقامة على طريق الحق، واتباعًا
للكتاب،
(12/242)
وأحسن عملا بما فيه، من الطائفتين اللتين
أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. (1) يقول الله: (فقد جاءكم بينة
من ربكم) ، يقول: فقد جاءكم كتابٌ بلسانكم عربيٌ مبين، حجة
عليكم واضحة بيّنة من ربكم (2) = (وهدى) ، يقول: وبيان للحق،
وفُرْقانٌ بين الصواب والخطأ =، (ورحمة) لمن عمل به واتّبعه،
كما:-
14189- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب
لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم) ، يقول: قد جاءكم
بينة، لسانٌ عربي مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين
قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم.
14190- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) ، فهذا
قول كفار العرب = (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ
يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا
يَصْدِفُونَ (157) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشدّ عدوانًا
منكم، أيها المشركون، المكذبون بحجج الله وأدلته = وهي آياته
(3) = (وصدف عنها) ، يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن
بها، ولم يصدِّق بحقيقتها.
__________
(1) انظر تفسير ((الهدى)) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(2) انظر تفسير ((البينة)) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .
(3) انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم)
= وتفسير ((الآية)) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .
(12/243)
وأخرج جل ثناؤه الخبر بقوله: (فمن أظلم ممن
كذب بآيات الله) ، مخرج الخبر عن الغائب، والمعنيّ به
المخاطبون به من مشركي قريش.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وصدف عنها) ، قال أهل
التأويل. (1)
* ذكر من قال ذلك:
14191- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وصدف عنها) ،
يقول: أعرض عنها.
14192- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يصدفون عن آياتنا) ، يعرضون عنها،
و"الصدف"، الإعراض.
14193- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(وصدف عنها) ، أعرض عنها، (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء
العذاب بما كانوا يصدفون) ، أي: يعرضون.
14194- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (وصدف عنها) ، فصدَّ عنها.
* * *
وقوله: (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب) ، يقول:
سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها، (2)
ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله،
وحقيقة نبوة نبيه، (3) وصدق ما جاءهم به من عند
__________
(1) انظر تفسير ((صدف)) فيما سلف 11: 366.
(2) انظر تفسير ((الجزاء)) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .
(3) في المطبوعة: ((وحقية نبوة نبيه)) ، فعل بها ما فعل
بأخواتها من قبل. انظر ما سلف 11: 475 تعليق: 3، والمراجع
هناك. و ((حقيقة)) مصدر بمعنى ((حق)) .
(12/244)
ربهم = (سوء العذاب) ، يقول: شديد العقاب،
وذلك عذاب النار التي أعدَّها الله لكفرة خلقه به = (بما كانوا
يصدفون) ، يقول: يفعل الله ذلك بهم جزاء بما كانوا يعرضون عن
آياته في الدنيا، فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله
عليه وسلم.
* * *
(12/245)
هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ
رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)
القول في تأويل قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ
أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم
الأوثان والأصنام (1) إلا أن تأتيهم الملائكة"، بالموت فتقبض
أرواحهم = أو أن يأتيهم ربك، يا محمد، بين خلقه في موقف
القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك"، يقول: أو أن يأتيهم بعضُ
آيات ربك. وذلك فيما قال أهل التأويل: طلوعُ الشمس من مغربها.
* ذكر من قال من أهل التأويل ذلك:
14195- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، يقول: عند
الموت حين توفَّاهم ="أو يأتي ربك"، ذلك
__________
(1) انظر تفسير (نظر فيما سلف 1: 467 - 469/8: 437، 438)
(12/245)
يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك"،
طلوع الشمس من مغربها.
14196- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، بالموت = "أو يأتي
ربك"، يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك"، قال: آية موجبة،
طلوع الشمس من مغربها، أو ما شاء الله.
14197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة"، يقول: بالموت = "أو
يأتي ربك"، وذلك يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك".
14198- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي، "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة"،
عند الموت = "أو يأتي ربك"= "أو يأتي بعض آيات ربك"، يقول:
طلوع الشمس من مغربها.
14199- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور،
عن أبي الضحى، عن مسروق قال، قال عبد الله في قوله: "هل ينظرون
إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك"،
قال: يصبحون والشمس والقمر من هاهنا من قبل المغرب، كالبعيرين
القَرينين = زاد ابن حميد في حديثه:"فذلك حين لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قَبْل أو كسبت في إيمانها خيرًا"،
وقال:"كالبعيرين المقترنين". . (1)
14200- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة"، تقبض
الأنفس بالموت = "أو يأتي ربك"، يوم القيامة = "أو يأتي بعض
آيات ربك".
__________
(1) ="الأثر: 14199 - خبر عبد الله بن مسعود، لم يخرجه أحد من
أصحاب الكتب الستة، وهذا إسناد صحيح. وخرجه الهيثمي في مجمع
الزوائد 7: 22 وقال: ((رواه الطبراني من طريقين، إحداهما هذه،
وفيها عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف.
والأخرى مختصرة، ورجالها ثقات)) ، قلت: كأنه يعني هذه الطريق،
أو غيرها من الطرق الآتية بعد.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، ونسبة إلى سعيد بن
منصور، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ،
والطبراني. وأغفل ما أخرجه ابن جرير.
ثم انظر خبر ابن مسعود من طرق كثيرة أخرى من رقم: 14227 -
14236.
(12/246)
القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"يوم يأتي بعض آيات ربك"، لا
ينفع من كان قبل ذلك مشركًا بالله، أن يؤمن بعد مجيء تلك
الآية.
* * *
وقيل: إن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه أن الكافر لا
ينفعه إيمانه عند مجيئها: طلوعُ الشمس من مغربها.
* ذكر من قال ذلك، وما ذكر فيه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
14201- حدثني عيسى بن عثمان الرملي قال، حدثنا يحيى بن عيسى،
عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع
نفسًا إيمانها"، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1)
__________
(1) الأثران: 14201، 14202 - حديث الخدري، مروي من طريقين، هذا
والذي يليه.
((عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي)) ، شيخ الطبري، صالح الحديث،
مضى برقم: 300.
و ((يحيى بن عيسى التميمي)) ، عم ((عيسى بن عثمان)) ، وهو ثقة.
مضى برقم: 300، 6317، 9035.
و ((ابن أ [ي ليلى)) ، هو ((محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى))
، كان فقيهًا صدوقًا، غير أنه كان سيئ الحفظ مضطرب الحديث.
تركه أحمد. مضى برقم: 32، 33، 631، 3914، 5434.
و ((عطية)) ، هو ((عطية بن سعد بن جنادة العوفي)) ، مضى تضعيفه
في رقم: 305.
وكان لعطية عن سعيد الخدري أحاديث عدة، قال ابن حبان: سمع من
أبي سعيد ((الخدري)) ، أحاديث، فلما مات، جعل يجالس الكلبي ...
فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ...
فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه. فإن قيل له من حدثك بهذا
فيقول: ((حدثني أبو سعيد)) ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد
الخدري، وإنما أراد الكلبي. قال: لا يحل كتب حديثه إلا على
التعجب.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3: 31، بالإسناد الثاني، ورواه
به أيضًا الترمذي في كتاب التفسير وقال: ((هذا حديث غريب.
ورواه بعضهم ولم يرفعه)) . وهو خبر ضعيف الإسناد.
(12/247)
14202- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن
ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه
وسلم، مثله.
14203- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، وجرير عن
عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. قال:
فإذا رآها الناس آمن من عليها، فتلك،"حين لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا".' (1)
14204- حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري وإسحاق بن شاهين قالا
__________
(1) الأثر: 14203 - خبر أبي هريرة، رواه أبو جعفر من طرق.
الأولى: من طريق: عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، برقم
14203، 14209.
الثانية: من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي
هريرة، برقم: 14210، 14236.
الثالثة: من طريق: ابن عون، عن أبي سيرين، عن أبي هريرة برقم:
14211.
الرابعة: من طريق: أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: 14220.
الخامسة: من طريق جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن
ابي هريرة برقم: 14219.
السادسة: من طريق ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي
هريرة برقم: 14225.
السابعة: من طريق أبي حازم، عن ابي هريرة، رقم 14247، وهو بغير
هذا اللفظ.
ولتفرق هذه الآثار، سأجمع كل متشابهين في التخريج في مكان
واحد. فهذا الأثر رقم: 14203، 14209 رواه البخاري من هذه
الطريق نفسها (الفتح 8: 223 / 11: 304) ، ورواه مسلم في صحيحه
2: 194، ورواه أحمد رقم: 7161، وأبو دادود في سننه 4: 163،
وابن ماجه ص: 1352، وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 433، وخرجه
السيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد،
وعبد الرزاق، والنسائي، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه،
والبيهقي في البعث، والطبراني أبي عدي.
و ((عمارة)) هو ((عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي)) ، روى له
الجماعة، ثقة. مترجم في التهذيب.
و ((أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي)) ، مضى
برقم: 4841، 8155، 9161.
وهذا حديث صحيح الإسناد.
(12/248)
أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان، عن يونس،
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم، يومًا: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا:
الله ورسوله أعلم! قال: إنها تذهب إلى مستقرِّها تحت العرش،
فتخرُّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها:"ارتفعي من حيث
شئت"، فتصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري إلى أن تنتهي إلى
مستقرٍّ لها تحت العرش، فتخرّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال
لها:"ارتفعي من حيث شئت"، فتصبح طالعةً من مطلعها. ثم تجري لا
ينكر الناسُ منها شيئًا، حتى تنتهي فتخرّ ساجدة في مستقر لها
تحت العرش، فيصبح الناسُ لا ينكرون منها شيئًا، فيقال
لها:"اطلعي من مغربك" فتصبح طالعة من مغربها. قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: أتدرون أيّ يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله
أعلم! قال: ذاك يومَ"لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل
أو كسبت في إيمانها خيرًا". (1)
14205- حدثنا مؤمل بن هشام ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن
علية،
__________
(1) الأثر: 14204، 14205 - حديث أبي ذر الغفاري، رواه من طرق
مطولا ومختصرًا، هذان، ثم من رقم 14221 - 14223، وسأذكرها
مفرقة.
((عبد الحميد بن بيان السكري، القناد)) ، شيخ الطبري، مضى
مرارًا، آخرها 10154، وكان في المطبوعة هنا ((اليشكري)) ، وهو
خطأ، صوابه ما في المخطوطة.
و ((إسحاق بن شاهين الواسطي)) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7211،
9788.
و ((خالد بن عبد الله الطحان)) ، مضى مرارًا، آخرها رقم:
11504.
و ((يونس)) ، هو ((يونس بن عبيد بن دينار العبدي)) ، مضى أيضًا
بأرقام آخرها: 10574.
و ((إبراهيم التيمي)) ، هو ((إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي))
تابعي، ثقة. مضى بأرقام آخرها: 10284.
وأبو ((يزيد بن شريك التيمي)) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 2998.
وهو خبر صحيح الإسناد. رواه البخاري (الفتح 6: 214 / 8: 416) ،
ورواه مسلم 2: 195، 196، والطيالسي: 62، والترمذي في التفسير،
وفي الفتن. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 4334، وخرجه السيوطي
في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي
داود، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن
مردويه، والبيهقي. وقد استوفى شرحه في الفتح (8: 416) .
(12/249)
عن يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن
أبيه، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (1)
14206- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن
عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسّال قال، حدثنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إنّ من قِبَل مغرب الشمس بابًا مفتوحًا للتوبة حتى
تطلع الشمس من نحوه. فإذا طلعت الشمس من نحوه، لم ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا. . (2)
14207- حدثنا المفضل بن إسحاق قال، حدثنا أشعث بن عبد الرحمن
بن زبيد الإياميّ، عن أبيه، عن زبيد، عن زر بن حبيش، عن صفوان
بن عسال المرادي قال: ذكرت التوبة، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: للتوبة بابٌ بالمغرب مسيرة سبعين عامًا = أو: أربعين
عامًا = فلا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك. . (3)
__________
(1) الأثر: 14205 - إسناده صحيح، مكرر الذي قبله
(2) الأثر: 14206 - حديث (صفوان بن عسال المرادي)) صاحب رسول
الله، رواه أبو جعفر من طريقين:
الأول: من طريق عاصم بن أبي النجود (عاصم ابن بهدلة) ، عن زر،
عن صفوان، رقم 14206، 14208، 142016 - 14218، 14242.
الثاني: من طريق زبيد الإيامي، عن زر، عن صفوان رقم: 14207.
والخبر، رواه أحمد في المسند 4: 240، والطاليسي: 160، وابن
ماجه ص: 1353، والترمذي، والنسائي. وذكره ابن كثير في تفسيره
3: 435، والسيوطي في الدر المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى سعيد
بن منصور، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن المنذر، وأبي الشيخ،
والبيهقي، وابن مردويه. وقال ابن كثير: ((صححه النسائي)) .
ورواه البخاري في التاريخ الكبير 2 / 2 / 305، من طريق عبد
الرحمن بن مرزوق، عن زر حبيش، عن صفوان بن عسال، ثم قال: ((لا
يعف سماع عبد الرحمن، من زر))
(3) الأثر: 14207 - ((المفضل بن إسحاق)) ، شيخ الطبري، لم أجد
له ترجمة. ((أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الإيامي)) ، ويقال:،
((اليامي)) أيضًا. ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له ابن
خزيمة في صحيحه، وقال أبو حاتم: ((محله صدق)) ، أما النسائي
فقال: ((ليس بثقة، ولا يكتب حديثه)) قال ابن عدي: ((أفرط
النسائي في أمره، وقد تبحرت حديثه، فلم أر له حديثًا منكرًا))
.
وكان في المطبوعة ((اليامى)) ، وأثبت ما في المخطوطة.
وأبوه: ((عبد الرحمن بن زبيد الإيامي)) ، روى عنه يحيى بن عقبة
بن أبي العيزار. قال البخاري: ((منكر الحديث)) وقيل: ((النكارة
هي من يحيى)) ، نقل عن البخاري أيضًا. قال الحافظ في لسان
الميزان: ((وهذا إنما قاله البخاري الراوي عنه. وأما ((عبد
الرحمن)) ، فذكره ابن حبان في الثقات.
وأما أبوه ((زبيد بن الحارث الإيامي)) ، فهو ثقة، مضى برقم:
180، 2521، 5420. و ((زر بن حبيش)) ، مضى مرارًا.
ولم أجد من الخبر من هذه الطريق، في شيء مما بين يدي من الكتب.
(12/250)
14208- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا سهل
بن عامر قال، حدثنا مالك، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن
حبيش، عن صفوان بن عسال أنه قال: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا
للتوبة مسيرة سبعين عامًا، فإذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع
نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا.
(1)
14209- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة بن
القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من
مغربها. فإذا طلعت ورآها الناس، آمن مَنْ عليها، فذلك حين "لا
ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل". (2)
14210- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا
محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلعَ الشمس من
مغربها، فيومئذ يؤمن
__________
(1) الأثر: 14208 - ((محمد بن عمارة الأسدي)) ، شيخ الطبري،
مضى مرارًا. ((سهل بن عامرالبجلي)) ، ضعيف جدًا، منكر الحديث.
مضى برقم: 1971، 5431، 6313.
و ((مالك)) هو ((مالك بن مغول بن عاصم البجلي)) ، ثقة، مضى
برقم: 5431، 10872. وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف ((سهل بن عامر
البجلي)) .
(2) الأثر: 14209 - مكرر الذي سلف برقم: 14203.
(12/251)
الناس كلهم أجمعون، وذلك حين"لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا". (1)
14211- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي عون، عن ابن
سيرين، عن أبي هريرة قال، التوبة مقبولة، ما لم تطلع الشمس من
مغربها. (2)
14212- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا سليمان بن عبد
الرحمن قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح
بن عبيد، عن مالك بن يخامر، عن معاوية بن أبي سفيان وعبد
الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال: لا تزل التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من
مغربها. فإذا طلعت طُبِع على كل قلب بما فيه، وكُفي الناسُ
العمل. (3)
14213- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة وجعفر بن عون،
بنحوه.
__________
(1) الأثر: 14210 - هذه هي الطريق الثانية لأثر أبي هريرة، كما
سلف في صدر التعليق على رقم: 14203.
((خالد بن مخلد القطواني)) ، ثقة من شيوخ البخاري، مضى برقم:
2606، 4577، 8166، 8397.
و ((محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري)) ، ثقة معروف، مضى
برقم: 2606، 8397.
و ((العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة)) ، تابعي
ثقة، مضى برقم: 221. وأبوه ((عبد الرحمن بن يعقوب، مولى
الحرقة)) ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 2: 194، من طريق يحيى بن أيوب،
وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر (أخو محمد بن
جعفر رواى هذا الخبر) ، عن العلاء بن عبد الرحمن. وهو حديث
صحيح الإسناد.
(2) الأثر: 14211 - هذه هي الطريق الثالثة من طرق حديث أبي
هريرة، كما سلف في رقم: 14203. ((ابن عون)) ، هو ((عبد الله بن
عون المزني)) الفقيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10559. وكان في
المطبوعة: ((عن أبي عون)) ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا
إسناد صحيح أيضًا، لم أجد في غير التفسير.
(3) الأثر: 14212 - ((أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي)) ،
الحافظ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7489.
و ((سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي الدمشقي)) ، قال ابن
معين: ((ثقة، إذا روى عن المعروفين)) ، وقال ابن حبان: ((يعتبر
حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير، فأما إذا روى عن المجاهيل،
ففيها منكر)) . مترجم في التهذيب.
و ((ابن عياش)) ، هو ((إسماعيل بن عياش بن مسلم العنسي)) ،
ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 5445، 8164، 10375، 10730، 11108.
و ((ضمضم بن زرعة بن ثوب الحميري)) ، ثقة، وضعفه بعضهم مضى
برقم: 5445.
و ((شريج بن عبيد بن شريح الحضرمي)) ، تابعي ثقة، مضى برقم:
5445، 12194.
و ((مالك بن يخامر السكسكى)) ، تابعي. مترجم في التهذيب.
وهذا خبر صحيح الإسناد، مختصر رواه أحمد في مسنده رقم: 1671،
من طريق الحكم ابن نافع: ((عن إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن
زرعة، يرده إلى مالك بن يخامر، عن ابن السعدي: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل. فقال
معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن
تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع
الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة ... )) إلى آخر
الخبر. وهو في حديث معاوية من المسند 5: 270 من غير هذه
الطريق، بغير هذا اللفظ. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 5:
250، وانظر تخريج أخي السيد أحمد في المسند: 1671. وسيأتي أخي
السيد أحمد في المسند: 1671.
(12/252)
14214- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية،
عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة قال، جلس ثلاثة من المسلمين
إلى مروان بن الحكم بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن
أولها خروجا الدجالُ، فانصرف القوم إلى عبد الله بن عمرو،
فحدثوه بذلك، فقال: لم يقل مروان شيئًا! قد حفظت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا لم أنسَه، لقد سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من
مغربها، أو خروج الدابة على الناس ضُحًى، أيَّتهما ما كانت قبل
صاحبتها، (1) فالأخرى على أثرها قريبًا. ثم قال عبد الله بن
عمرو، وكان يقرأ الكتب: أظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من
مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في
الرجوع، فيؤذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من
مغربها، فعلت
__________
(1) في المطبوعة: ((أيتها كانت)) بغير ((ما)) ، وهي ثابتة في
المخطوطة، ومسند أحمد.
(12/253)
كما كانت تفعل، أتت تحت العرش فسجدت
واستأذنت في الرجوع، فلم يردَّ عليها شيئًا، (1) فتفعل ذلك
ثلاث مرات، لا يردّ عليها بشيء. حتى إذا ذهب من الليل ما شاء
الله أن يذهب، وعرفت أن لو أذن لها لم تدرك المشرق، قالت:"ما
أبعدَ المشرق! ربِّ، منْ لي بالناس"! حتى إذا صار الأفق كأنه
طَوْق، استأذنت في الرجوع، فقيل لها:"أطلعي من مكانك"، فتطلع
من مغربها. ثم قرأ: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا
إيمانها"، إلى آخر الآية. (2)
14215- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا
حماد، عن يحيى بن سعيد أبي حيان، عن الشعبي، أن ثلاثة نفر
دخلوا على مروان بن الحكم، فذكر نحوه، عن عبد الله بن عمرو.
(3)
__________
(1) في المخطوطة: ((وذلك دانها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت
واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيئًا)) ، أسقط ما بين
الكلام، وأثبته ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور فيما
أرجح، ومثله في مسند أحمد. وكان في المخطوطة: ((وذلك دانها))
غير منقوطة، صواب قراءتها ما في المطبوعة والمسند.
(2) الأثر: 14214 - حديث عبد الله بن عمرو، رواه مطولا من
طريقين، هذا والذي يليه، ورواهمختصرًا برقم 14226 - 14243.
((أبو حيان التمي)) هو ((يحيى بن سعيد بن حيان التيمي)) ، ثقة،
مضى مرارًا آخرها رقم: 10883.
و ((أبو زرعة بن عمرو بن جرير)) ، ثقة، مضى قريبًا رقم: 14203.
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند رقم: 6881، من هذه الطريق
نفسها، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 8، 9، وقال: ((في
الصحيح طرف من أوله، رواه أحمد، والبزار، والطبراني، في
الكبير، ورجاله رجال الصحيح)) .
ورواه الحاكم في المستدرك 4: 547، 548، بنحوه، من طريق جعفر بن
عون العمري، عن أبي حيان التيمى، وقال: ((هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين، ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي غير مصرح
بالموافقة.
ورةى الحاكم أيضًا في المستدرك 4: 500، 501، حديث عن عبد الله
بن عمرو هذا بزيادة واختلاف، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن
إسحاق بن وهب، عن جابر الخيواني، قال: ((كنت عند عبد الله بن
عمرو، فقدم عليه قهرمان من الشام، وقد بقيت ليلتان من رمضان
... )) وساق الخبر، ثم قال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،
ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 436، والسيوطي في الدر المنثور 3:
57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبي داود، وابن
ماجه، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي. والذي رواه مسلم،
وأبو داود، وابن ماجه، هو المختصر، لا هذا المطول.
(3) الأثر: 14215 - هذه طريق أخرى للخبر السالف، وهو ضعيف
إسناده. ((أبو ربيعة)) ، لقبه ((فهد)) ، واسمه ((زيد بن عوف
القطعي)) ، متروك، قال البخاري: ((سكتوا عنه)) ، واتهمه أبو
زرعة بسرقة حديثين، كما هو مفصل في ابن أبي حاتم. مترجم في
الكبير 2 / 1 / 369، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 570، وميزان
الاعتدال 1: 364، ولسان الميزان 2: 509.
(12/254)
14216- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد
الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، سمعت عاصم بن أبي النجود، يحدث
عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين
عامًا، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه. (1)
14217- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عاصم،
عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال قال: إذا طلعت الشمس من
مغربها، فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (2)
14218- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا عاصم
بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: غَدَوْتُ إلى صفوان بن عسال
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن باب التوبة
مفتوح من قبل المغرب، عرضه مسيرة سبعين عامًا، فلا يزال
مفتوحًا حتى تطلع من قبله الشمس. ثم قرأ: "هل ينظرون إلا أن
تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك"، إلى:
"خيرًا". (3)
14219- حدثني الربيع بن سليمان قال، حدثنا شعيب بن الليث قال،
__________
(1) الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف
تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241،
في حديث طويل.
(2) الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف
تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241،
في حديث طويل.
(3) الأثر: 14218 - طريق من طرق حديث صفوان السالف تخريجه رقم:
14206 - 14208، ولكن هذا الإسناد ضعيف، لضعف ((أبي ربيعة،
فهد)) ، وقد مضى في رقم: 14215.
(12/255)
حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد
الرحمن بن هرمز: أنه قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من المغرب.
قال: فإذا طلعت الشمس من المغرب آمن الناس كلهم، وذلك حين"لا
ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرًا". (1)
14220- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها قُبِل
منه. (2)
14221- حدثني المثنى قال، حدثنا فهد قال، حدثنا حماد، عن يونس
بن عبيد، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبي ذر: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس إذا غربت أتت تحت العرش
فسجدت، فيقال لها:"أطلعي من حيث غربت"، ثم قرأ هذه الآية: (هل
ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، إلى آخر الآية (3) .
__________
(1) الأثر: 14219 -
هذه هي الطريق الخامسة لحديث أبي هريرة المذكورة في رقم:
14203.
((شعيب بن الليث بن سعد المصري)) ، ثقة معروف، مضى برقم: 3034،
5314. و ((الليث بن سعد المصري)) ، الإمام المشهور، مضى
مرارًا.
و ((جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي)) المصري، ثقة،
مضى برقم 5005، 6897.
و ((عبد الرحمن بن هرمز)) الأعرج، مضى مرارًا. وهذا الخبر رواه
البخاري (الفتح 11: 303 /13: 72) ، من طريق أبي اليمان، عن
شعيب، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
(2) الأثر: 14220 - هذه هي الطريق الرابعة لخبر أبي هريرة،
المذكور في رقم: 14203. رواه أحمد في المسند برقم 7697، ورواه
مسلم في صحيحه من هذه الطريق، وخرجه أخي السيد أحمد هناك.
(3) الأثر: 14221 - هذه إحدى الطرق الخمس، لحديث أبي ذر التي
ذكرتها في تخريج الخبر رقم: 14204.وفي إسناد هذا الخبر انقطاع،
فإن إبراهيم التيمي لم يرو عن أبي ذر. قال أحمد: "لم يلق أبا
ذر "، ولعل هذا المنقطع هو سبب قول مسلم في رواية هذا الحديث
2: 195: "يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، سمعه فيما أعلم، عن
أبيه عن أبي ذر". فهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. وهو أيضا إسناد
ضعيف؛ لضعف "فهد" وهو "أبو ربيعة"، "زيد بن عوف" مضت ترجمته في
رقم 14215، 14218، وكان في المخطوطة: "يوسف بن عبيد " والصواب
ما في المطبوعة.
(12/256)
14222- حدثني المثنى قال، حدثنا يزيد بن
هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن
أبيه، عن أبي ذر قال: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم ذات
يوم على حمارٍ، فنظر إلى الشمس حين غربت فقال: إنها تغرب في
عين حامية، (1) تنطلق حتى تخرّ لربها ساجدة تحت العرش، حتى
يأذن لها، فإذا أراد أن يطلعها من مغربها حبسها، فتقول: يا
ربِّ، إن مسيري بعيد! فيقول لها: اطلعي من حيث غربت! فذلك
حين"لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل". (2)
14223- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة، عن موسى بن المسيب، عن
إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: نظر النبي صلى الله
عليه وسلم يومًا إلى الشمس فقال: يوشك أن تجيء حتى تقف بين يدي
الله، فيقول:"ارجعي من حيث جئت"! فعند ذلك:"لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا". (3)
__________
(1) في المطبوعة: ((في عين حمئة)) ، وأثبت ما في المخطوطة. و
((الحمئة)) : ذات الحمأة، وهي الطين الأسود المنتن. و
((الحامية)) الحارة، وآية سورة الكهف 86: ((حتى إذا بلغ مغرب
الشمس وجدها تغرب في عين حمئة)) ، قرئت أيضًا ((حامية)) ، قال
أبو جعفر في تفسيره 16: 10 (بولاق) : أنهما: ((قراءتان
مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولكل واحدة منهما وجه صحيح، ومعنى
مفهوم)) .
(2) الأثر: 14222 - هذه إحدى الطرق الخمس المذكورة في رقم:
14204. ((سفيان بن حسين الواسطي)) ، ثقة، تكلموا في حديثه عن
الزهري. مضى مرارًا، آخرها رقم: 11285.
و ((الحكم)) ، هو ((الحكم بن عتيبة الكندي)) ، ثقة، مضى
مرارًا، آخرها رقم: 11085.
(3) الأثر: 14223 - هذه آخر طرق حديث أبي ذر المذكورة في رقم:
14204. ((عبدة)) ، هو ((عبدة بن سليمان الكلابي)) ، ثقة من
شيوخ أحمد. مضى مرارًا، آخرها: 8315.
و ((موسى بن المسيب الثقفي)) ويقال: ((موسى بن السائب)) ، لم
يذكر البخاري فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد:
((ما أعلم إلا خيرًا)) ، وضعفه الأزدي. مترجم في التهذيب،
والكبير 4 / 1 / 294، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 161.
(12/257)
14224- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي
قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:
(يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من
قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فهو أنه لا ينفع مشركًا
إيمانه عند الآيات، وينفع أهل الإيمان عند الآيات إن كانوا
اكتسبوا خيرًا قبل ذلك. قال ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم عشيةً من العشيّات فقال لهم: يا عباد الله، توبوا
إلى الله، فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قِبَل المغرب، فإذا
فعلت ذلك، حُبِست التوبة، وطُوِي العمل، وخُتم الإيمان. (1)
فقال الناس: هل لذلك من آية يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إن آية تلكم الليلة، أن تطول كقدر ثلاث ليال،
فيستيقظ الذين يخشون رَبهم، فيصلُّون له، ثم يقضون صلاتهم
والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون. حتى إذا
استيقظوا والليل مكانه، فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون بين يدي
أمرٍ عظيم. (2) فإذا أصبحوا وطال عليهم طلوع الشمس، فبينا هم
ينتظرونها إذ طلعت عليهم من قبل المغرب، فإذا فعلت ذلك لم ينفع
نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (3)
14225- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول:
قال
__________
(1) في المخطوطة: ((وطوى العمل، وختم العمل)) ، وصححه الناشر
الأول من الدر المنثور.
(2) في المطبوعة، والدر المنثور: ((خافوا أن يكون ذلك بين يدي
أمر عظيم)) ، وما في المخطوطة مستقيم.
(3) الأثر: 14224 - ((محمد بن سعد العوفي)) ، وسلسة إسناده،
شرحها أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر رقم: 305، وكل
رواته ضعفاء.
(12/258)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم
الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا
كلهم أجمعون، فيومئذ"لا ينفع نفسًا إيمانها"، الآية. (1)
14226- وبه قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن أبي
عتيق، أنه سمع عبيد بن عمير يتلو: (يوم يأتي بعض آياته ربك لا
ينفع نفسًا إيمانها) ، قال، يقول: [كنّا] نُحدَّث، والله أعلم،
أنها الشمس تطلع من مغربها = قال ابن جريج، وأخبرني عمرو بن
دينار: أنه سمع عبيد بن عمير يقول ذلك = قال ابن جريج، وأخبرني
عبد الله بن أبي مليكة: أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن
الآية التي لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا طلعت الشمس من مغربها.
= قال ابن جريج: وقال مجاهد ذلك أيضًا. (2)
14227- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن
زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع
نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (3)
__________
(1) الأثر: 14225 - هذه هي الطريق السادسة من طرق حديث أبي
هريرة، التي ذكرتها في صدر التعليق على رقم: 14203.
((صالح مولى التوأمة)) هو ((صالح بن نبهان)) . مضى برقم: 1020،
3959، ثقة، ولكنهم تكلموا فيه من قبل خرف أصابه فاختلط، فقال
أحمد: ((من سمع منه قديمًا فذاك)) ، وابن جريج أحد القدماء
الذين رووا عنه، فحديثه هذا لا بأس به. ولم أجد الخبر في مكان
آخر.
(2) الأثر: 14226 - هذه طريق أخرى لخبر عبد الله بن عمرو بن
العاص، مختصر الخبر السالف رقم: 14212، وهو من طريق ابن جريج،
عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو،
وهو إسناد صحيح.
(3) الأثر: 14227، 14228 - خبر عبد الله بن مسعود، رواه الطبري
آنفًا من طريق رقم: 14199، ثم رواه هنا من طرق، من رقم 14227 -
14234، 14239، وهذا بيان طرقه.
الأولى: من طريق أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، برقم:
14199، ثم 14230، 14232، 14233.
الثانية: من طريق قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود،
برقم: 14227، 14228، 14231.
الثالثة: من طريق ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن
مسعود، عن ابن مسعود، برقم: 14229.
الرابعة: من طريق أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبي الشعثاء، عن أبي
مسعود، برقم: 14234، 14239.
وهذا الخبر من الطريق الثانية.
((زرارة أوفى الحرشي)) القاضي، ثقة، روى له أصحاب الكتب الستة.
ولكنه لم يسمع من ابن مسعود، كما قال أبو داود الطيالسي، فهذا
إسناد ضعيف لانقطاعه.
وانظر تخريج الأثر السالف رقم: 14199.
(12/259)
14228- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى
قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث
عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: (يوم
يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
14229- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب، عن
عوف، عن ابن سيرين قال، حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود
قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضَين
غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، والدجال، وخروج
يأجوج ومأجوج، والآية التي تختم بها الأعمال: طلوع الشمس من
مغربها. ألم تر أن الله قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع
نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ،
قال: فهي طلوع الشمس من مغربها. (1)
__________
(1) الأثر: 14229 - هذه هي الطريق الثالثة لخبر ابن مسعود، كما
ذكرت في التعليق على الأثرين السالفين.
و ((عبد الوهاب)) هو ((عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي)) ،
ثقة، مضى مرارًا، آخرها: 10729.
و ((عوف)) هو ((عوف بن أبي جميلة العبدي)) ، ((عوف الأعرابي))
، مضى مرارًا، آخرها رقم: 5473 - 5477. وكان في المطبوعة
والمخطوطة: ((عبد الوهاب بن عوف، عن ابن سيرين)) ، وهو لا يصح،
خطأ محض، وسيتبين ذلك فيما بعد.
((ابن سيرين)) هو ((أنس بن سيرين الأنصاري)) ، كما يتبين من
إسناد الحاكم في المستدرك، ولكن ابن كثير في تفسيره صرح بأنه
((عن محمد بن سيرين)) ، وكلاهما روى عنه عوف الأعرابي، والأرجح
أن هذا الحديث من حديث ((محمد بن سيرين)) .
و ((أنس بن سيرين الأنصاري)) ، كان ثقة قليل الحديث، وهو أخو
((محمد بن سيرين)) ، وأنس دون أخيه محمد، روى له الجماعة.
مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 33، وابن أبي حاتم 1 / 1 /
287
و ((أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود)) ، مضى مرارًا، آخرها
رقم: 10355، وقد سلف مرارًا أنه لم يدرك أن يروي عن أبيه بن
مسعود.
فهذا إسناد منقطع.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 545، من طريق سفيان، عن
عوف، عن أنس ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن
عبد الله بن مسعود. قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه)) وقال الذهبي: ((صحيح)) . ولكن علته انقطاعه كما ثبت.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 437، وخرجه السيوطي في الدر
المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد.
وابن مردويه.
(12/260)
14230- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي
عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال عبد
الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال:
طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كأنهما بعيران مقرونان. (1)
14231-. . . . قال شعبة: وحدثنا قتادة، عن زرارة، عن عبد الله
بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من
مغربها. (2)
14232- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي
الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات
ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كالبعيرين
المقترنين. (3)
14233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور
والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله: (يوم يأتي بعض
آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها
مع القمر، كالبعيرين القرينين. (4)
__________
(1) الأثر: 14230 - هذه رواية الطريق الأولى لحديث ابن مسعود
التي سلف بيانها في تخريج الخبر رقم: 14227، وسلف تخريجها في
رقم: 14199.
(2) الأثر: 14231 - هذه رواية الطريق الثانية لحديث ابن مسعود،
وسلف تخريجه وبيان انقطاع إسناده فيها سلف رقم 14227.
(3) الأثر: 14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى
لحديث ابن مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما
سلف في رقم: 14199.
(4) 14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى لحديث ابن
مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما سلف في
رقم: 14199.
(12/261)
14234-. . . وقال، حدثنا أبي، عن إسرائيل
وأبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن عبد الله قال:
التوبة مبسوطةٌ ما لم تطلع الشمس من مغربها. (1)
14235- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قال: ذكر لنا أن ابن أمِّ عبد كان يقول: لا يزال باب التوبة
مفتوحًا حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رأى الناس ذلك آمنوا،
وذلك حين"لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
إيمانها خيرًا". (2)
14236- حدثنا بشر قال، حدثنا عبد الله بن جعفر قال، حدثنا
العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من
مغربها. فإذا طلعت آمن الناس كلهم، فيومئذ"لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا". (3)
14237- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن
دينار، عن عبيد بن عمير: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع
الشمس من مغربها.
__________
(1) الأثر: 14234 - هذه الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود،
وسيأتي أيضًا برقم: 14239.
((أشعث بن أبي الشعثاء)) ، هو ((أشعث بن أسود المحاربي)) ، ثقة
مضى برقم: 10331، 10333.
وأبوه: ((سليم بن أسود حنظلة المحاربي)) ، ((أبو الشعثاء)) ،
ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب
وهذا إسناد صحيح، لم أجده في شيء مما بين يدي من الكتب.
(2) الأثر: 14235 - ((ابن أم عبد)) هو ((عبد الله بن مسعود)) .
وهذا خبر لم يذكر قتادة إسناده إلى ابن مسعود، وقد مر خبر
قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن مسعود، بغير هذا للفظ برقم:
14227، 14228، 14231 مختصرًا.
(3) الأثر: 14236 - هذه رواية خبر أبي هريرة، من الطريق
الثانية التي ذكرتها في تخريج الأثر رقم 14203. وقد سلف تخريج
هذه الطريق في التعليق على الأثر رقم: 14210.
(12/262)
14238-. . . وقال، حدثنا أبي، عن الحسن بن
عقبة، أبي كيران، عن الضحاك: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع
نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1)
14239- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
إسرائيل قال، أخبرني أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن ابن
مسعود في قوله: (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) ،
قال: لا تزال التوبة مبسوطة ما لم تطلع الشمس من مغربها. (2)
14240- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يوم يأتي بعض
آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
14241- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال،
أخبرني أبو صخر، عن القرظي: أنه كان يقول في هذه الآية: (يوم
يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل)
، يقول: إذا جاءت الآيات لم ينفع نفسًا إيمانها. يقول: طلوع
الشمس من مغربها. (3)
14242- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان
الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن
عسال: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
(4)
__________
(1) الأثر: 14238 - ((الحسن بن عقية المرادي)) ((أبو كيران))
(بالياء) ، ثقة روى عن عبد خير، والشعبي، والضحاك. روى عنه
وكيع، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم. مترجم في الكبير 1 / 2 /
299، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 28، وكان في المطبوعة: ((أبي
كبران)) بالباء، ومعها علامة شك.
(2) الأثر: 14238 - هذه رواية الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود،
كما فصلتها في رقم: 14227. وسلف شرح هذا الإسناد برقم: 14234.
(3) 14241 - ((أبو صخر)) ، هو ((حميد بن زياد الخراط)) ، ونزل
مصر. مضى برقم: 4325، 5386، 8391.
و ((القرظي)) ، هو ((محمد بن كعب القرظي)) ، مضى مرارًا، ومنها
في مثل هذا الإسناد رقم: 8391.
(4) الأثر: 14242 - هذه رواية حديث صفوان بن عسال، من الطريق
الأولى، كما فسرتها في التعليق على رقم: 14206، وسلف الكلام
فيه هناك.
(12/263)
14243- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز
قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد
الله بن عمرو: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من
مغربها. (1)
* * *
وقال آخرون: بل ذلك بعض الآيات الثلاثة: الدابة، ويأجوج
ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها.
* ذكر من قال ذلك:
14244- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن المسعودي،
عن القاسم قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن
قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو
الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج. (2)
14245- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا المسعودي،
عن القاسم بن عبد الرحمن قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على
ابن آدم إن قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: الدابة، وطلوع الشمس
من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج.
__________
(1) الأثر: 14243 - ((أبو إسحاق الهمداني)) ، هو: ((أبو إسحاق
السبيعي)) ، مضى مرارًا.
و ((وهب بن جابر الخيواني الهمداني)) ، روى عن عبد الله بن
عمرو بن العاص، لقيه ببيت المقدس. روى عنه ((أبو إسحاق
الهمداني)) وحده. تابعي ثقة. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص
قصة يأجوج ومأجوج، و ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت)) ،
ولم يرو غير ذين. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 163، 164،
وابن أبي حاتم 4 / 2 / 23.
وهذا الخبران المذكوران في ترجمته، رواهما أبو داود الطيالسي
في مسنده ص 301 رقم: 2281، 2282.
(2) الأثران: 14244، 14245 - ((جعفر بن عون جعفر بن عمرو بن
حريث المخزومي)) ، ((أبو عون)) ثقة، مضى برقم: 9506.
و ((المسعودي)) هو: ((عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد
الله بن مسعود)) ، مضى مرارًا برقم: 2156، 2937، 5563.
و ((القاسم)) ، هو ((القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود)) ، روى عن أبيه وجده عبد الله بن مسعود، مرسلا. ثقة
قليل الحديث. مضى برقم: 9519.
وذكر أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر: 9515، أن
((المسعودي، عن القاسم)) هو ((معن بن عبد الرحمن)) ، وأن
القاسم فيما استظهر، هو أخوه: ((القاسم بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن مسعود)) ، والصواب أن ((المسعودي)) الراوي عن ((القاسم
بن عبد الرحمن)) ، هو ((عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة)) .
كما أسلفت. وإسناد هذا الخبر، ضعيف لانقطاعه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 59، ونسبة إلى عبد بن حميد،
والطبراني.
(12/264)
14246- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن
سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة قالت: إذا خرج أول الآيات،
طُرِحت الأقلام، وحُبِست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال.
(1)
14247- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي
حازم، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثلاث إذا خرجت"لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو
كسبت في إيمانها خيرًا": طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة
الأرض. (2)
14248- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم
قال: حدثنا الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بادروا بالأعمال ستًّا: طلوعَ الشمس من مغربها، والدجال،
والدخَان، ودابة الأرض، وخُوَيِّصة أحدكم، وأمرَ العامة.
__________
(1) الأثر: 14246 - ((منصور)) هو: ((المنصور بن المعتمر)) . و
((عامر)) هو الشعبي.
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 3: 437، وإسناده صحيح. ولم
أجده في شيء من الكتب التي بين يدي.
(2) الأثر: 14247 - هذه هي الطريق السابعة من طرق خبر أبي
هريرة التي ذكرتها في التعليق على الأثر: 14203.
((محمد بن فضيل بن غزوان الضبي)) . روى له الجماعة، مضى
مرارًا، آخرها رقم: 8395.
وأبوه: ((فضيل بن غزوان الضبي)) ثقة، روى له الجماعة. و ((أبو
حازم)) هو الأشجعي، واسمه ((سلمان)) . ثقة، روى له الجماعة.
وهذا إسناد صحيح. رواه مسلم في صحيحه 2: 195، والترمذي في
التفسير، وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 434، وقال: ((رواه أحمد
عن وكيع، عن فضيل بن غزوان)) ، وذكر سائر طرقه. وخرجه السيوطي،
في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن
حميد، وابن مردوبه، والبيهقي.
(12/265)
14249- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول، فذكر نحوه. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما تظاهرت به
الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ذلك حين
تطلع الشمس من مغربها".
* * *
وأما قوله: (أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فإنه يعني: أو عملت
في تصديقها بالله خيرًا، (2) من عمل صالح يصدِّق قِيلَه
ويُحققه، من قبل طلوع الشمس من مغربها. لا ينفع كافرًا لم يكن
آمن بالله قبل طلوعها كذلك، (3) إيمانه بالله إن آمن وصدق
بالله ورسله، لأنها حالة لا تمتنع نفسٌ من الإقرار بالله،
لعظيم الهول الوارد عليهم من أمر الله، فحكم إيمانهم، كحكم
إيمانهم عند قيام الساعة، وتلك حال لا يمتنع الخلق من الإقرار
بوحدانية الله، لمعاينتهم من أهوال ذلك اليوم ما ترتفع معه
حاجتهم إلى الفكر والاستدلال والبحث والاعتبار، ولا ينفع مَنْ
كان بالله وبرسله مصدِّقًا، ولفرائض الله مضيعًا، غير مكتسب
بجوارحه لله طاعة، إذا
__________
(1) الأثران: 14248، 14249 - ((معاوية بن عبد الكريم الثقفي))
، ((الضال)) ، لأنه ضل في طريق مكة. روى عن الحسن. ثقة أحمد
وغيره، وتكلموا فيه. وأخشى أن يكون سقط من الإسناد رجل بينه
وبين ((بشر بن معاذ)) .
وأما الإسناد الثاني ففيه ((بشر)) = يعني ((بشر بن معاذ)) = عن
((يزيد)) ، يعني ((يزيد بن زريع)) عن ((سعيد)) = يعني ((سعيد
بن أبي عروبة)) .
ولكن روى هذا الأثر بهذا اللفظ مسلم في صحيحه 17: 87 مرفوعًا،
من طريق أمية بن بسطام العيشي، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن
قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رياح، عن أبي هريرة.
(2) انظر تفسير ((كسب)) فيما سلف ص: 120، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(3) في المطبوعة: ((لا ينفع كافرًا)) بغير واو، والسياق يقتضي
إثباتها.
(12/266)
هي طلعت من مغربها = أعمالُه إن عمل،
وكسبُه إن اكتسب، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك، كما:-
14250- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، يقول:
كسبت في تصديقها خيرًا، عملا صالحًا، فهؤلاء أهل القبلة. وإن
كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيرًا، فعملت بعد أن رأت الآية،
لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيرًا، ثم عملت بعد الآية
خيرًا، قُبل منها.
14251- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يوم يأتي بعض
آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: مَنْ أدركه بعضُ
الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه، قَبِلَ الله منه العمل
بعدَ نزول الآية، كما قَبِلَ منه قبل ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
(158) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل،
يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام: انتظروا أن
تأتيكم الملائكة بالموت فتقبض أرواحكم، أو أن يأتي ربكم لفصل
القضاء بيننا وبينكم في موقف القيامة، أو أن يأتيكم طلوع الشمس
من مغربها، فتطوى صحف الأعمال، ولا ينفعكم إيمانكم حينئذ إن
آمنتم، حتى تعلموا حينئذ المحقَّ منا من المبطل، والمسيءَ من
المحسن، والصادقَ من الكاذب، وتتبينوا عند ذلك بمن يحيق عذاب
الله وأليم نكاله، ومَنْ الناجي منا ومنكم ومَنْ الهالك - إنا
منتظرو ذلك، ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا إياه، وإخلاصنا
العبادة له، وإفرادناه بالربوبية دون ما سواه، ويفصل بيننا
وبينكم بالحق، وهو خير الفاصلين.
(12/267)
إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي
شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ
مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) }
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة قوله: (فرقوا) .
فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما:
14252- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي
إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن عليًّا رضي الله عنه قرأ:"إنَّ
الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ".
14253- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير قال، قال حمزة الزيات:
قرأها علي رضي الله عنه:"فَارَقُوا دِينَهُمْ".
14254-. . . وقال، حدثنا الحسن بن علي، عن سفيان، عن
قتادة:"فَارَقُوا دِينَهُمْ".
* * *
وكأن عليًّا ذهب بقوله:"فارقوا دينهم"، خرجوا فارتدوا عنه،
من"المفارقة".
* * *
وقرأ ذلك عبد الله بن مسعود، كما:-
14255- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن رافع، عن زهير قال،
حدثنا أبو إسحاق أن عبد الله كان يقرؤها: (فَرَّقوا دِينَهُمْ)
.
* * *
وعلى هذه القراءة = أعني قراءة عبد الله = قرأة المدينة
والبصرة وعامة قرأة الكوفيين. وكأنّ عبد الله تأوّل بقراءته
ذلك كذلك: أن دين الله واحد، وهو دين إبراهيم الحنيفية
المسلمة، ففرّق ذلك اليهود والنصارى، فتهوّد قومٌ وتنصَّر
آخرون، فجعلوه شيعًا متفرقة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان
معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، وهما
متفقتا المعنى غير مختلفتيه. وذلك
(12/268)
أن كل ضالّ فلدينه مفارق، وقد فرَّق
الأحزابُ دينَ الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض وتنصر
آخرون، وتمجس بعض. وذلك هو"التفريق" بعينه، ومصير أهله شيعًا
متفرقين غير مجتمعين، فهم لدين الله الحقِّ مفارقون، وله
مفرِّقون. (1) فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب، غير أني
أختار القراءة بالذي عليه عُظْم القرأة، وذلك تشديد"الراء"
من"فرقوا".
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إن الذين فرّقوا
دينهم) .
فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى.
* ذكر من قال ذلك:
14256- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وكانوا شيعًا)
، قال: يهود.
14257- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
14258- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (فرقوا دينهم) ، قال: هم اليهود والنصارى.
14259- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (إن الذين فرقوادينهم وكانوا شيعًا) ، من اليهود
والنصارى.
14260- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا
لست منهم في شيء) ، هؤلاء اليهود والنصارى. وأما قوله: (فارقوا
دينهم) ، فيقول: تركوا دينهم وكانوا شيعًا. (2)
14261- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
__________
(1) انظر تفسير ((الشيع)) فيما سلف 11: 419.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: ((فرقوا)) في الموضعين، والتفسير
في الأثر، يوجب أن تكون ((فارقوا)) كما أثبتها.
(12/269)
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، وذلك أن اليهود
والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد، فتفرقوا. فلما بعث محمد
أنزل الله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في
شيء) .
14262- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول،
أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، يعني اليهود والنصارى.
14263- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن
قتادة:"فارقوا دينهم"، قال: هم اليهود والنصارى.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا
متشابه القرآن دون محكمه.
* ذكر من قال ذلك:
14264- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: (إن الذين فرقوا
دينهم) ، قال: نزلت هذه الآية في هذه الأمة. (1)
14265- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن
طاوس، عن أبي هريرة: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ،
قال: هم أهل الصلاة. (2)
14266- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد
قال: كتب إليّ عباد بن كثير قال، حدثني ليث، عن طاوس، عن أبي
هريرة
__________
(1) الأثران: 14264، 14265 - إسنادهما صحيح إلى أبي هريرة،
موقوفًا، وانظر التعليق على الأثر التالي.
(2) كان في المطبوعة: ((هم أهل الضلالة)) ، كما سيأتي في الأثر
التالي، غير أن المخطوطة واضحة هنا ((أهل الصلاة)) ، فأثبتها
كما هي، لأنها صحيحة المعنى، أي أنها نزلت في المؤمنين من أهل
القبلة.
(12/270)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في
هذه الآية:" (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في
شيء) ، وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة
من هذه الأمة. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله
أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق
وفرقه، وكانوا فرقًا فيه وأحزابًا شيعًا، وأنه ليس منهم. ولا
هم منه، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام، دين إبراهيم
الحنيفية، كما قال له ربه وأمره أن يقول: (قُلْ إِنَّنِي
هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) [سورة الأنعام: 161] .
فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك
ووثنيّ يهودي ونصرانيّ ومتحنِّف، مبتدع قد ابتدع في الدين ما
ضلّ به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة إبراهيم المسلم،
فهو بريء من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد منه بريء، وهو
داخل في عموم قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست
منهم في شيء) .
* * *
__________
(1) الأثر: 14266 - ((سعيد بن عمرو السكوني)) شيخ الطبري، مضى
برقم: 5563، 6521.
و ((بقية بن الوليد الحمصي)) ، ثقة، نعوا عليه بالتدليس، مضى
برقم: 152، 5563، 6521، 6899، 9224.
و ((عباد بن كثير الرملي الفلسطيني)) ، ضعيف الحديث. مترجم في
التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 85.
وهذا الخبر مرفوعًا لا يصح، وهو ضعيف الإسناد. قال ابن كثير في
تفسيره 3: 438: ((لكن هذا إسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير
متروك الحديث. ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه، فإنه
رواه سفيان الثوري عن ليث = وهو ابن أبي سليم = عن طاوس، عن
ابي هريرة في هذه الآية أنه قال: نزلت في هذه الأمة)) .
ولكن خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 22، 23، ثم قال: ((رواه
الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير معلل بن نفيل،
وهو ثقة)) . وهكذا في مجمع الزوائد ((معلل بن نفيل)) ، وهو
محرف بلا شك.
(12/271)
وأما قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم
إلى الله) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: نزلت هذه الآية على نبيّ الله بالأمر بترك قتال
المشركين قبل وُجوب فرض قتالهم، ثم نسخها الأمر بقتالهم
في"سورة براءة"، وذلك قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) . [سورة التوبة: 5] .
* ذكر من قال ذلك:
14267- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى
الله) ، لم يؤمر بقتالهم، ثم نسخت، فأمر بقتالهم في"سورة
براءة".
* * *
وقال آخرون: بل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إعلامًا من
الله له أنَّ من أمته من يُحْدث بعده في دينه. وليست بمنسوخة،
لأنها خبرٌ لا أمر، والنسخ إنما يكون في الأمر والنهي.
* ذكر من قال ذلك:
14268- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا مالك
بن مغول، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، أنه تلا هذه الآية:
(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، ثم
يقول: بريء نبيكم صلى الله عليه وسلم منهم. (1)
14269- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وابن إدريس وأبو أسامة
ويحيى بن آدم، عن مالك بن مغول، بنحوه.
14270- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا شجاع أبو
__________
(1) الأثر: 14268 - ((مالك بن مغول البجلي) ، ثقة: مضى برقم:
5431، 10872 و ((علي بن الأقمر الهمداني)) ، روى له الجماعة،
مضى برقم 11941. وهو إسناد صحيح.
(12/272)
بدر، عن عمرو بن قيس الملائي قال، قالت أم
سلمة: ليتّق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شيء! ثم قرأت: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم
في شيء) = قال عمرو بن قيس: قالها مُرَّة الطيِّب، وتلا هذه
الآية. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوله: (لست
منهم في شيء) ، إعلام من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه
وسلم أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء، ومن الأحزاب من
مشركي قومه، ومن اليهود والنصارى. وليس في إعلامه ذلك ما يوجب
أن يكون نهاه عن قتالهم، لأنه غير محال أن في الكلام:"لست من
دين اليهود والنصارى في شيء فقاتلهم. فإن أمرهم إلى الله في أن
يتفضل على من شاء منهم فيتوب عليه، ويهلك من أراد إهلاكه منهم
كافرًا فيقبض روحه، أو يقتله بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما
كانوا يفعلون عند مقدَمهم عليه". وإذ كان غير مستحيل اجتماع
الأمر بقتالهم، وقوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله)
، ولم يكن في الآية دليلٌ واضح على أنها منسوخة، ولا ورد بأنها
منسوخة عن الرسول خبرٌ = كان غير جائز أن يُقْضَى عليها بأنها
منسوخة، حتى تقوم حجةٌ موجبةٌ صحةَ القول بذلك، لما قد بينا من
أن المنسوخ هو ما لم يجز اجتماعه وناسخه في حال واحدة، في
كتابنا كتاب:"اللطيف عن أصول الأحكام". (2)
* * *
__________
(1) الأثر: 14270 - ((شجاع، أبو بدر)) ، هو ((شجاع بن الوليد
بن قيس السكوبي)) ثقة صدوق. روى عنه أحمد. مترجم في التهذيب.
((عمرو بن قيس الملائي)) . ثقة مضى مرارًا آخرها: 9646.
وهذا إسناد منقطع، ((عمرو بن قيس)) لم يدرك أم سلمة.
أما خبر ((مرة الطيب)) فهو ((مرة بن سراحيل الهمداني)) ، مضى
مرارًا. آخرها: 7539 وروايته هذه أيضًا منقطعة. لأنه لم يدرك.
وخرج السيوطي في الدر المنثور 3: 63، خبر أم سلمة. ونسبة إلى
ابن منيع في مسنده وأبي الشيخ، وخرج خبر مرة الطيب، ونسبه إلى
ابن أبي حاتم.
(2) انظر ما سلف في ((الناسخ والمنسوخ)) 10: 333 تعليق: 1
والمراجع هناك واسم كتاب أبي جعفر هو ما أثبت، ما ورد في 5:
414، وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة ((اللطيف عن أصول
الأحكام)) ، وهو لا يستقيم.
(12/273)
مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ (160)
وأما قوله: (إنما أمرهم إلى الله) ، فإنه
يقول: أنا الذي إليَّ أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم
وكانوا شيعًا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك، دونك
ودون كل أحد. إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفُرْقتهم
دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل
مني عليهم = (ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) ، (1) يقول: ثم
أخبرهم في الآخرة عند ورودهم عليَّ يوم القيامة بما كانوا
يفعلون، فأجازي كلا منهم بما كانوا في الدنيا يفعلون، المحسنَ
منهم بالإحسان، والمسيء بالإساءة. ثم أخبر جل ثناؤه ما مبلغ
جزائه من جازى منهم بالإحسان أو بالإساءة فقال: (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها
وهم لا يظلمون) .
* * *
القول في تأويل قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا
مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من وافَى ربَّه يوم القيامة في
موقف الحساب، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا،
بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته، وذلك
هو الحسنة التي ذكرها الله فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها.
(2)
ويعني بقوله: (فله عشر أمثالها) ، فله عشر حسنات أمثال حسنته
التي
__________
(1) انظر تفسير ((النبأ)) فيما سلف ص: 37، تعليق: 4، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير ((الحسنة)) فيما سلف 4: 203 - 206 / 8: 555 -
556، وفهارس اللغة (حسن) .
(12/274)
جاء بها = (ومن جاء بالسيئة) ، يقول: ومن
وافى يوم القيامة منهم بفراق الدِّين الحقّ والكفر بالله، فلا
يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيئ
(1) = (وهم لا يظلمون) ، يقول: ولا يظلم الله الفريقين، لا
فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة
والمسيء بالإحسان، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو
له، لأنه جل ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يستحق
أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلا بما يستحقّ من الجزاء.
* * *
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى"الظلم"، وضع الشيء في غير
موضعه، بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. (2)
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما ذكرت، من أن
معنى"الحسنة" في هذا الموضع: الإيمان بالله، والإقرار
بوحدانيته، والتصديق برسوله ="والسيئة" فيه: الشرك به،
والتكذيب لرسوله = أفللإيمان أمثال فيجازى بها المؤمن؟ (3) وإن
كان له مثل، فكيف يجازى به، و"الإيمان"، إنما هو عندك قول
وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة،
والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود،
وذلك أعيان ترى وتعاين وتحسّ ويلتذّ بها، لا قول يسمع، ولا
كسبُ جوارح؟
قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: من جاء
بالحسنة فوافَى الله بها له مطيعًا، فإن له من الثواب ثواب عشر
حسنات أمثالها.
فإن قال: قلت فهل لقول"لا إله إلا الله" من الحسنات مثل؟
__________
(1) انظر تفسير ((السيئة)) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) .
(2) انظر تفسير ((الظلم)) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .
(3) في المطبوعة: ((فللإيمان)) بغير همزة الاستفهام، والصواب
ما في المخطوطة.
(12/275)
قيل: له مثل هو غيره، [ولكن له مثل هو قول
لا إله إلا الله] ، (1) وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من
أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه
قائله. وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أنه لا
يجازى صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14271- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي
المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (من جاء بالحسنة فله
عشر أمثالها) ، قال رجل من القوم: فإنّ"لا إله إلا الله" حسنة؟
قال: نعم، أفضل الحسنات.
14272- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش
والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن
عبد الله: (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله.
14273- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا حفص قال، حدثنا
الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن
هلال، عن عبد الله قال: (من جاء بالحسنة) ، قال: من جاء بلا
إله إلا الله. قال: (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14274- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عبيد
الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من
__________
(1) هذه العبارة التي بين القوسين، هكذا جاءت في المخطوطة،
وغيرها ناشر المطبوعة الأولى فكتب: ((وليس له مثل هو قول لا
إله إلا الله)) ، ولا أدري ما معنى هذا التعبير. وعبارة
المخطوطة غير مفهومة، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء،
فأودعتها بين القوسين لكي يتوقف عندها قارئها، عسى أن يتبين له
ما لم يتبين لي.
(12/276)
جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14275- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاوية بن عمرو المعنَّى، عن
زائدة، عن عاصم، عن شقيق: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا
الله، كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (1)
14276- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر،
عن سعيد= وعن عثمان بن الأسود، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزة:
(من جاء بالحسنة) ، قالوا: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص =
(ومن جاء بالسيئة) ، قالوا: بالشرك وبالكفر.
14277- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن فضيل، عن عبد
الملك، عن عطاء: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله =
(ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14278- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا موسى
بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ،
قال: لا إله إلا الله.
14279- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا
إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (2)
14280- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا
سفيان، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، مثله.
14281- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي
المحجل، عن إبراهيم، مثله.
__________
(1) الأثر: 14275 - ((معاوية بن عمرو المعنى، الأزدي)) ، ثقة
مضى برقم: 4074.
(2) الآثار: 14279 - 14282 - ((أبو المحجل)) ، هكذا في
المطبوعة، وهو في المخطوطة غير منقوط، لم أعرف من يكون، ولم
أجد له ذكرًا، ولا تبين لي وجه في تحريفه!!
(12/277)
14282- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن
أبي المحجل، عن أبي معشر قال: كان إبراهيم يحلف بالله ما
يستثني: أنّ (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله = (ومن جاء
بالسيئة) ، من جاء بالشرك.
14283- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن
عطاء، في قوله: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة الإخلاص، لا إله
إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) قال: بالشرك.
14284- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا المثنى بن
إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم = جميعًا، عن سفيان، عن الأعمش،
عن أبي صالح: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن
جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14285- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عثمان بن
الأسود، عن القاسم بن أبي بزة: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة
الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الكفر.
14286- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك:
(من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14287- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن أشعث،
عن الحسن: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14288- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن
سالم، عن سعيد: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14289- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن
ليث، عن مجاهد، مثله.
14290- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (من جاء
بالحسنة) ،
(12/278)
يقول: من جاء بلا إله إلا الله = (ومن جاء
بالسيئة) ، قال: الشرك.
14291- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة قوله: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة
فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى
الله عليه وسلم كان يقول: الأعمال ستة: مُوجِبة ومُوجِبة،
ومُضْعِفة ومُضْعِفة، ومِثْل ومِثْل. فأما الموجبتان: فمن لقي
الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركًا به دخل
النار. وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمئة
ضعف، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل: فإذا
همّ العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم
عملها كتبت عليه سيئة.
14292- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا الأعمش،
عن شمر بن عطية، عن شيخ من التيم، عن أبي ذرّ قال: قلت: يا
رسول الله، علمني عملا يقرِّبني إلى الجنة ويباعدني من النار.
قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قال: قلت:
يا رسول الله،"لا إله إلا الله" من الحسنات؟ قال: هي أحسن
الحسنات. (1)
* * *
وقال قوم: عني بهذه الآية الأعراب، فأما المهاجرون فإن حسناتهم
سبعمئة ضعف أو أكثر.
* ذكر من قال ذلك:
14293- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا
أبي، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري في
قوله:
__________
(1) الأثر: 14292 - ((شمر بن عطية الأسدي الكاهلي)) ، ثقة، مضى
برقم 11545. وهذا خبر ضعيف، لجهالة ((شيخ من التيم)) .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 64، ونسبة إلى ابن المنذر،
وابن أبي حاتم، وابن مردويه. ولم ينسبه إلى الطبري.
(12/279)
(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال:
هذه للأعراب، وللمهاجرين سبعمئة. (1)
14294- حدثنا محمد أبو نشيط بن هارون الحربي قال، حدثنا يحيى
بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد
الله بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: (من جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها) ، قال: قال رجل: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو
أعظم من ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْرًا عَظِيمًا) ، [سورة النساء: 40] وإذا قال الله
لشيء:"عظيم"، فهو عظيم. (2)
14295- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن
بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع قال: نزلت هذه الآية:
(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، وهم يصومون ثلاثة أيام من
الشهر، ويؤدّون عشر أموالهم. ثم نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم
رمضان والزكاة.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل"عشر أمثالها"، فأضيف"العشر"
إلى"الأمثال"، وهي"الأمثال"؟ وهل يضاف الشيء إلى نفسه؟
__________
(1) الأثر: 14293 - ((أبو الصديق الناجي)) هو ((بكر بن عمرو))
وقيل: ((بكر ابن قيس)) ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في
التهذيب. وهذا إسناد صحيح.
(2) الأثر: 14294 - ((محمد بن هارون الحربي)) ، ((أبو نشيط)) ،
شيخ الطبري، مضى برقم: 9511، 10371، وكان في المطبوعة
والمخطوطة هنا: ((محمد بن نشيط بن هارون الحربي)) ، وهو خطأ
محض تبين من رواية الأثر فيما سلف.
و ((يحيى بن أبي بكير الأسدي)) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 7544،
وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا ((يحيى بن أبي بكر)) ، وهو
خطأ.
وقد سلف هذا الخبر وتخريجه برقم: 9511، وأنه إسناد ضعيف من أجل
((عطية العوفي)) .ووقع في إسناد الخبر هناك خطأ: ((عن عبد الله
بن عمير)) ، وهو خطأ في الطباعة صوابه ((عن عبد الله بن عمر))
، فليصح.
(12/280)
قُلْ إِنَّنِي
هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (161)
قيل: أضيفت إليها لأنه مرادٌ بها: فله عشر
حسنات أمثالها، فـ"الأمثال" حلّت محل المفسّر، وأضيف"العشر"
إليها، كما يقال:"عندي عشر نسوة"، فلأنه أريد بالأمثال مقامها،
فقيل:"عشر أمثالها"، فأخرج"العشر" مخرج عدد الحسنات، (1)
و"المثل" مذكر لا مؤنث، ولكنها لما وضعت موضع الحسنات، (2)
وكان"المثل" يقع للمذكر والمؤنث، فجعلت خلفًا منها، فعل بها ما
ذكرت. ومَنْ قال:"عندي عشر أمثالها"، لم يقل:"عندي عشر
صالحات"، لأن"الصالحات" فعل لا يعدّ، وإنما تعدّ الأسماء.
و"المثل" اسم، ولذلك جاز العدد به.
* * *
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك:"فَلَهُ عَشْرٌ"
بالتنوين،"أَمْثَالُهَا" بالرفع. وذلك على وجه صحيح في
العربية، غير أن القرأة في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز
خلافها فيما هي عليه مُجْمِعة. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنامَ =
(إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، يقول: قل لهم إنني أرشدني
ربي إلى الطريق القويم، هو دين الله الذي
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((عدد الآيات)) ، وبين أنه ((عدد
الحسنات)) ، ولا ذكر للآيات في هذا الموضع.
(2) وكان هنا أيضًا في المخطوطة والمطبوعة: ((موضع الآيات)) ،
والصواب ما أثبت.
(3) في المطبوعة: ((مجتمعة)) ، وأثبت ما في المخطوطة.
(12/281)
ابتعثه به، وذلك الحنيفية المسلمة، فوفقني
له (1) = (دينًا قيمًا) ، يقول: مستقيمًا = (ملة إبراهيم) ،
يقول: دين إبراهيم (2) = (حنيفًا) يقول: مستقيمًا = (وما كان
من المشركين) ، يقول: وما كان من المشركين بالله، يعني إبراهيم
صلوات الله عليه، لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (دينًا قيمًا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض البصريين:"دِينًا قَيِّمًا"
بفتح"القاف" وتشديد"الياء"، إلحاقًا منهم ذلك بقول الله:
(ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة التوبة: 36 / سورة يوسف:
40 / سورة الروم: 30] . وبقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
[سورة البينة: 5] .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (دِينًا قِيَمًا) بكسر"القاف"
وفتح"الياء" وتخفيفها. وقالوا:"القيِّم" و"القِيَم" بمعنى
واحد، وهم لغتان معناهما: الدين المستقيم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان
مشهورتان في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ
فهو للصواب مصيبٌ، غير أن فتح"القاف" وتشديد"الياء" أعجب إليّ،
لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما.
* * *
ونصب قوله: (دينًا) على المصدر من معنى قوله: (إنني هداني ربي
إلى صراط مستقيم) ، وذلك أن المعنى: هداني ربي إلى دين قويم،
فاهتديت له"دينا قيما"= فالدين منصوب من المحذوف الذي
هو"اهتديت"، الذي ناب عنه قوله: (إنني هداني ربي إلى صراط
مستقيم) .
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((الهدى)) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . =
وتفسير ((صراط مستقيم)) فيما سلف ص: 288، تعليق 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير ((الملة)) فيما سلف 2: 563 / 3: 104 / 9: 250.
(12/282)
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ (163)
وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه
لما قال: (هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، قد أخبر أنه عرف
شيئًا، فقال:"دينًا قيمًا"، كأنه قال: عرفت دينًا قيما ملّة
إبراهيم.
* * *
وأما معنى الحنيف، فقد بينته في مكانه في"سورة البقرة"
بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا
شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ (163) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام،
الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة
والأوثان = (إن صلاتي ونسكي) ، يقول: وذبحي (2) = (ومحياي) ،
يقول: وحياتي = (ومماتي) يقول: ووفاتي = (لله رب العالمين) ،
يعني: أن ذلك كله له خالصًا دون ما أشركتم به، أيها المشركون،
من الأوثان = (لا شريك له) في شيء من ذلك من خلقه، ولا لشيء
منهم فيه نصيب، لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصًا =
(وبذلك أمرت) ، يقول: وبذلك أمرني ربي = (وأنا أول المسلمين) ،
يقول: وأنا أوّل من أقرَّ وأذْعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن
ذلك كذلك. (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((الحنيف)) فيما سلف 3: 104 - 108 / 6: 494 /
9: 250، 251 / 11: 487.
(2) انظر تفسير ((النسك)) فيما سلف 3: 77 - 80 / 4: 86، 195.
(3) انظر تفسير ((الإسلام)) فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) .
(12/283)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال:"النسك"، في هذا الموضع، الذبح.
14296- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن
عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (إن صلاتي ونسكي)
، قال:"النسك"، الذبائح في الحج والعمرة.
14297- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ونسكي) ، ذبحي
في الحج والعمرة. (1)
14298- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ونسكي) ، ذبيحتي في الحج والعمرة.
14299- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
سفيان، عن إسماعيل، وليس بابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في
قوله: (صلاتي ونسكي) ، قال: ذبحي.
14300- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
الثوري، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير في قوله: (صلاتي ونسكي) ،
قال: ذبحي. (2)
14301- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن
سفيان، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير= قال ابن مهدي: لا أدري
من"إسماعيل" هذا! = (صلاتي ونسكي) ، قال: صلاتي وذبيحتي.
14302- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق
قال، حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير،
في قوله:
__________
(1) في المطبوعة: ((ذبيحتي)) ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المطبوعة: ((ذبيحتي)) ، غير ما في المخطوطة.
(12/284)
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ
أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)
(صلاتي ونسكي) ، قال: وذبيحتي. (1)
14303- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (ونسكي) ، قال: ذبحي.
14304- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (ونسكي) ، قال: ذبيحتي.
14305- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
الضحاك: (صلاتي ونسكي) ، قال:"الصلاة"، الصلاة، و"النسك"،
الذبح.
* * *
وأما قوله: (وأنا أوّل المسلمين) ، فإن:-
14306- محمد بن عبد الأعلى حدثنا قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وأنا أول المسلمين) ، قال: أول المسلمين من
هذه الأمة.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا
وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا
عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا
محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة
الأصنام واتباع خطوات الشيطان = (أغير الله أبغي ربًّا) ،
يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني؟ (2) = (وهو
__________
(1) الآثار: 14299 - 14302 - ((إسماعيل)) ، الذي روى عنه
((سفيان الثوري)) ، وروى هو ((سعيد بن جبير)) ، والذي جاء في
الخبر الأول أنه ((ليس بابن أبي خالد)) ، وفي رقم: 14302
((إسماعيل بن أبي خالد)) مصرحًا به، والذي جهله ((ابن مهدي))
في رقم: 14301، لم أجد من أشار إليه، إلا أني وجدت في أسماء
الرواة عن ((سعيد بن جبير)) :
((إسماعيل بن مسلم)) ، مولى بني مخزوم، سمع منه وكيع، وابن
المبارك وعمرو العنقزي، مترجم في الكبير 1 / 1 / 372، وابن أبي
حاتم 1 / 1 / 197، فلا أدري أهو هو، أم هو غيره.
(2) انظر تفسير ((بغي)) فيما سلف 11: 337، تعليق: 2، والمراجع
هناك.
(12/285)
رب كل شيء) ، يقول: وهو سيد كل شيء دونه
ومدبّره ومصلحه (1) = (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) ، يقول: ولا
تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله
تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو
المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه (2) = (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم
بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها.
وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه صلى الله عليه
وسلم أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين
بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما
أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: (لَكُمْ
دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون:6] ، وذلك كما:-
14307- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان في ذلك الزمان، لا مخرج
للعلماء العابدين إلا إحدى خَلَّتين: إحداهما أفضل من صاحبتها.
إمَّا أمرٌ ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال = فلا تشارك أهل
الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحبّ لله
وتبغض لله، ولا تشارك أحدًا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية
محكمة: (قل أغير الله أبغي ربًا وهو رب كل شيء) ، إلى قوله:
(فيه تختلفون) ، وفي ذلك قال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ
الْبَيِّنَةُ) [سورة البينة: 4] .
* * *
يقال من"الوزر""وزَر يَزِر"،"و"وزَرَ يَوْزَر"، و"وُزِرَ
يُؤزر، فهو موزور". (3)
* * *
__________
(1) انظر تفسير ((الرب)) فيما سلف 1: 142.
(2) انظر تفسير ((كسب)) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 266،
تعليق 2، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة: ((وزر يوزر فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور))
، غير ما في المخطوطة، وحذف وزاد من عند نفسه، وعذره في ذلك
سوء كتابة ناسخ المخطوطة، وصواب قراءة ما فيها ما أثبت. وهو
المطابق لنص كتب اللغة.
(12/286)
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ إِلَى
رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (164) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب
عمله، وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه - (ثم إلى ربكم) ،
أيها الناس = (مرجعكم) ، يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم (1) =
(فينبئكم بما كنتم فيه) ، في الدنيا، (تختلفون) من الأديان
والملل، (2) إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعضٌ بالنصرانية،
وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام وادِّعاء الشركاء مع الله
والأنداد، ثم يجازي جميعَكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو
شر، فتعلموا حينئذ من المحسنُ منَّا والمسيء.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ
الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، (خلائفَ الأرض) ، بأن
أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم،
فجعلكم خلائف منهم في الأرض،
__________
(1) انظر تفسير ((المرجع)) فيما سلف ص: 37، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير ((النبأ)) فيما سلف ص: 274، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(12/287)
تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم.
* * *
و"الخلائف" جمع"خليفة"، كما"الوصائف" جمع"وصيفة"، وهي من قول
القائل:"خَلَف فلان فلانًا في داره يخلُفه خِلافة، فهو خليفة
فيها"، (1) كما قال الشماخ:
تُصِيبُهُمُ وَتُخْطِئُنِي المَنَايا ... وَأَخْلُفُ فِي
رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ (2)
وذلك كما:-
14308- حدثني الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا
أسباط، عن السدي: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) ، قال:
أما"خلائف الأرض"، فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم.
* * *
وأما قوله: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، فإنه يقول: وخالف بين
أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا، بما بسط
لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا
الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه
من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى، فخالف
__________
(1) انظر تفسير ((الخليفة)) فيما سلف 1: 449 - 453.
(2) ديوانه 58، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 209، واللسان (ربع)
، من قصيدته التي قالها لامرأته عائشة، وكانت تلومه على طول
تعهده ماله، أولها: أَعَائِشَ، مَا لِقَوْمِكِ لا أَرَاهُمْ
... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ
يقول: لها تلوميني على إصلاح مالي، فمالي أرى قومك يقترون على
أنفسهم، ولا يهلكون أموالهم في الكرم والسخاء؟ ثم يقول لها بعد
أبيات: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ...
مَفَاقِرَهُ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ
و ((القنوع)) ، السؤال. وقوله: ((وأخلف في ربوع ... )) ،
((الربوع)) جمع ((ربع وهو جماعة الناس الذين ينزلون ((ربعا))
يسكنونه، يقول: أبقي في قوم بعد قوم. وعندي أن هذا البيت قلق
في قصيدة الشماخ، سقط قبله شيء من شعره.
(12/288)
وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ
رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا،
وخفض من درجة هذا عن درجة هذا. (1) وذلك كالذي:-
14309- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، يقول: في
الرزق.
* * *
وأما قوله: (ليبلوكم فيما آتاكم) ، فإنه يعني: ليختبركم فيما
خوَّلكم من فضله ومنحكم من رزقه، (2) فيعلم المطيع له منكم
فيما أمره به ونهاه عنه، والعاصي؛ ومن المؤدِّي مما آتاه الحق
الذي أمره بأدائه منه، والمفرِّط في أدائه.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه
وسلم:"إن ربك"، يا محمد، لسريع العقاب لمن أسخطه بارتكابه
معاصيه، وخلافه أمره فيما أمره به ونهاه، ولمن ابتلى منه فيما
منحه من فضله وطَوْله، تولِّيًا وإدبارًا عنه، مع إنعامه عليه،
وتمكينه إياه في الأرض، كما فعل بالقرون السالفة = (وإنه
لغفور) ، يقول: وإنه لساتر ذنوبَ مَنْ ابتلى منه إقبالا إليه
بالطاعة عند ابتلائه إياه بنعمة، واختباره إياه بأمره ونهيه،
فمغطٍّ عليه فيها، وتارك فضيحته بها في موقف الحساب
__________
(1) انظر تفسير ((الدرجة)) فيما سلف ص: 25، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير ((الابتلاء)) فيما سلف 10: 582، تعليق: 1
والمراجع هناك.
= تفسير ((الإيتاء)) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .
(12/289)
= (رحيم) بتركه عقوبته على سالف ذنوبه التي
سلفت بينه وبينه، إذ تاب وأناب إليه قبل لقائه ومصيره إليه.
(1)
* * *
آخر تفسير سورة الأنعام
* * *
__________
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. * *
*
عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلته عنه
نسختنا، وفيها ما نصه:
((آخر تفسير سورة الأنعام والحمد لله كما هو أهله، وصلى الله
على سيدنا محمد وآله يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها
الأعراف)) .
ثم يتلوه ما نصه:
((بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر تفسير السورة التي يذكر فيها
الأعراف))
(12/290)
|