تفسير مقاتل بن
سليمان سورة البقرة
(1/39)
(2) سورة البقرة مدنية وهي ست وثمانون
ومائتا آية
[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 286]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى
سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ
إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ
لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ
مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ
لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ
النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا
خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما
نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ
بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ
(16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ
مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ
اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً
لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا
عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ
لِلْكافِرِينَ (24)
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما
رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي
رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ
فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) إِنَّ
اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً
فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ
أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ
بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ
إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي
خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ
(30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ
لَنا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (32) قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ
(34)
وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ
الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها
جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ
هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39)
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما
أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ
كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً
وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ
بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا
مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ
أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ
إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ
(46) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ
نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ
مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ
نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ
(51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (54)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ
تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ
الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا
ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ
رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ
لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ
السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ
الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ
رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها
قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا
آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ
مِنَ الْخاسِرِينَ (64)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي
السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65)
فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ
أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها
بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ
فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ
يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها
بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ
الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ
لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا
ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ
لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها
وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً
فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ
يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ
الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ
مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ
مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا
بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ
هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ
الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا
يَكْسِبُونَ (79)
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً
مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ
يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا
لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ
إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ
أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا
تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ
وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ
عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى
أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا
بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً
تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا
جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ
وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ
كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89)
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى
غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذا قِيلَ
لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما
أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ
الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ
أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
(91) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ
(92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ
الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا
سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ
الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ
النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ
بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ
اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى
لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ
اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ
الْفاسِقُونَ (99)
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ
ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ
سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ
النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ
حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ
إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا
لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ
أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا
الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ
رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ
كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ
بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ
بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقالُوا لَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى
تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقالَتِ الْيَهُودُ
لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ
الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ
قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ
اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها
أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ
لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ
عَظِيمٌ (114)
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقالَ الَّذِينَ
لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا
آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ
قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ
(119)
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ
(120) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ
تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي
فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا
تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها
عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ
فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ
النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا
أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ
نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ
أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى
بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ
حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ
آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ
لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ
عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما
أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما
أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ
عابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ
رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ
أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا
كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا
كانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ
مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها
قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ
الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ
لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ
اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ
لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ
مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ
وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ
إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ
اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا
اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ
إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (150) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ
يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي
وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا
تَشْعُرُونَ (154)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
(156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ
(158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ
فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللاَّعِنُونَ (159)
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ
أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ
الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها
وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ
لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ
حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ
الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا
مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ
بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ
أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا
مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ
عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يا
أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً
طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ (169)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا
بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ
آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما
لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ
وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174)
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى
وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
(175) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ
بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ
وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ
ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا
عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ
مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ
عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَا
أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ
تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ
بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى
الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ
بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (182) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً
مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ
خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً
لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا
هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذا سَأَلَكَ
عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ
الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ
قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ
بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ
مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ
الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا
تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ
انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ
قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ
فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا
رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ
رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما
هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ
(198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا
آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا
كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) وَاذْكُرُوا
اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ
اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204)
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ
الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ
الْمِهادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ
ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ
(207) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ
كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ
مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ
مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى
اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ
كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ
نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) كانَ
النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ
بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
(214)
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ (216) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ
أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ
أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ
حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ
فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ
لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما
وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
(219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى
قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ
وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى
يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ
يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(221) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً
فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ
حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا
تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا
وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (224)
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ
يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ
يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ
يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(228) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ
يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما
حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ
اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ
اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ
بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ
يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ
لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ
نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ
فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا
أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ مَا
آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ
فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (234)
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ
النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ
سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ
أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
حَلِيمٌ (235) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ (239)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً
وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ
إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا
فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا
عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ
الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ
وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى
الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ
قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا
وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا
إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(246) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ
لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ
عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ
يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247)
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ
إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ
فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي
إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ
إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ
وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا
اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا
أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ
اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ
اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) تِلْكَ
آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ
عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ
اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ
مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ
مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا
اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا
خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(254)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ
حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لا إِكْراهَ
فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ
آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ
أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ
إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي
كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى
عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها
فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ
لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ
لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ
لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ
آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها
ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ
أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ
الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ
سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا
أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ
يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ
صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ
مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ
جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها
ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ
بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ
وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها
إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ
أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ
وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً
مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي
الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا
الْأَلْبابِ (269)
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ
فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ
(270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ
تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ
اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ
وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ
أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي
الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ
التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ
النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ
اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ
تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
(281) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ
بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ
يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا
يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ
يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ
يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا
دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ
كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ
أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا
إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ
تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً
فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ
رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها
فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
(283) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ
تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ
بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً
إِلاَّ وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا
وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لا
طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا
أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
(286)
(1/41)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم-
1- ذلِكَ الْكِتابُ وذلك أن كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أُسَيْد
لما دعاهما النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى
الْإِسْلام قَالا: ما أنزل اللَّه كتابا من بعد مُوسَى تكذيبا
به فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي قولهما: الم، ذلِكَ
الْكِتابُ بمعنى هَذَا الكتاب الَّذِي كفرت به اليهود لا
رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه أَنَّهُ من اللَّه جاء، وَهُوَ
أنزله عَلَى محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ
قَالَ:
هَذَا القرآن هُدىً من الضلالة لِلْمُتَّقِينَ- 2- من الشرك.
ثُمّ نعتهم فَقَالَ سُبْحَانَهُ-: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ يعني يؤمنون بالقرآن أَنَّهُ من اللَّه- تَعَالَى-
جاء وَهُوَ أنزله عَلَى محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويعملون بما فِيهِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ المكتوبة الخمس يعني يقيمون ركوعها
وسجودها فِي مواقيتها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال
يُنْفِقُونَ- 3- يعني الزكاة المفروضة نظيرها فِي لقمان فهاتان
الآيتان نزلتا فِي مؤمني أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين «1» .
ثُمّ ذكر مؤمني أَهْل التوراة عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه
منهم أُسَيْد بن زَيْد، وأسد بن كَعْب، وسلام بن قَيْس، وثعلبة
بن عُمَر، وابن يامين «2» واسمه سلام فَقَالَ:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ يعني يصدقون بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ
يا محمد من القرآن أَنَّهُ من اللَّه
__________
(1) هكذا فى أ، ل. ولعل الأصل المهاجرين والأنصار.
(2) ل: وابن يافين.
(1/81)
__________
(مقصود السورة إجمالا) مدح مؤمنى أهل الكتاب، وذم كفار مكة
ومنافقي المدينة والرد على منكري النبوة، وقصة التخليق
والتعليم وتلقين آدم وملامة علماء اليهود فى مواضع عدة وقصة
موسى، واستسقائه ومواعدته ربه ومنته على بنى إسرائيل، وشكواه
منهم، وحديث البقرة، وقصة سليمان، وهاروت وماروت والسحرة،
والرد على النصارى، وابتلاء إبراهيم- عليه السلام، وبناء
الكعبة، ووصية يعقوب لأولاده وتحويل القبلة، وبيان الصبر على
المصيبة وثوابه، ووجوب السعى بين الصفا والمروة، وبيان حجة
التوحيد، وطلب الحلال وإباحة الميتة حال الضرورة، وحكم القصاص
والأمر بصيام رمضان، والأمر باجتناب الحرام والأمر بقتال
الكفار والأمر بالحج والعمرة وتعديد النعم على بنى إسرائيل،
وحكم القتال فى الأشهر الحرم.
والسؤال عن الخمر والميسر ومال الأيتام والحيض والطلاق
والمناكحات وذكر العدة والمحافظة على الصلاة وذكر الصدقات
والنفقات، وملك طالوت وقتل جالوت، ومناظرة الخليل عليه السلام
ونمروذ وإحياء الموتى بدعاء إبراهيم وإثبات إيمان الرسول
والمؤمنين بربهم.
وعدد كلمات سورة البقرة: ستة آلاف كلمة ومائة وإحدى وعشرون
كلمة (6121) .
(1/82)
نزل وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ «1» عَلَى
الْأَنْبِيَاء يعني التوراة والإنجيل والزبور وَبِالْآخِرَةِ
هُمْ يُوقِنُونَ- 4- يعني يصدقون بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء
الأعمال [4 ب] بأنه كائن.
ثُمّ جمعهم جميعًا فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 5-.
فَلَمَّا سَمِع أَبُو ياسر بن أخطب اليهودي بهؤلاء الآيات،
قَالَ لأخيه جدي بن أخطب: لقَدْ سَمِعْتُ من محمد كلمات أنزلهن
اللَّه عَلَى مُوسَى بن عِمْرَانَ. فَقَالَ جدي لأخيه: لا تعجل
حَتَّى تتثبت «2» فِي أمره. فعمد أبو ياسر وجدي ابنا أخطب،
وكعب ابن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وحيي بن أخطب،
وسعيد «3» بن عمرو الشاعر، وأَبُو لبابة بن عمرو، ورؤساء
اليهود، فأتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال جدي للنبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أبا الْقَاسِم «4» ،
أَخْبَرَنِي أَبُو ياسر بكلمات تقولهن آنفا، فقرأهن النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ جدي: صدقتم «5»
أما الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ
فنحن هم وأما الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ
فهو كتابك وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ فهو كتابنا
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ
رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فأنتم هُمْ قَدْ
آمنتم بما أنزل إليكم وإلينا وآمنتم بالجنة والنار فآيتان فينا
وآيتان فيكم. ثُمّ قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم-:
__________
(1) أ، ل: (ويصدقون بما أنزل من قبلك) مع تميز كلمات القرآن
بالمداد الأحمر. وقد اضطررت إلى كتابة نص القرآن فقط.
(2) فى ل: تثبت، وفى أ: تثبت. وفى حاشية أ: فى الأصل: تثبت.
(3) فى ل: وشعبة. [.....]
(4) أ: القسم.
(5) هكذا فى أ، ل ولو كان الخطاب للنبي وحده لقال: صدقت.
فصدقتم لتعظيم النبي أو يقصد المسلمين معه.
(1/84)
ننشدك بِاللَّه أنها نزلت عليك من السماء.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أشهد بِاللَّه أنها نزلت عليّ من السماء. فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ- فِي يُونُس وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ
قُلْ إِي وَرَبِّي «1» يعني «2» ويستخبرونك أحق هُوَ قُلْ إِي
وَرَبِّي ويعني بلى وربي إنَّه لحق.
فَقَالَ جدي: لئن كُنْت صادقا فإنكم تملكون إحدى وسبعين سنة،
ولقد بعث اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي بني إِسْرَائِيل ألف
نَبِيّ كلهم يخبرون عن أمتك وَلَم يخبرونا كم تملكون حَتَّى
أخبرتنا أَنْت الآن. ثُمّ قَالَ جدي لليهود: كيف ندخل فِي دين
رَجُل منتهى ملك أمته إحدى وسبعون سنة. فَقَالَ عُمَر بن
الخَطَّاب- رضوان اللَّه عَلَيْه: وما يدريك أنها إحدى وسبعون
سنة؟ فَقَالَ جدي: أما ألف فِي الحساب فواحد، واللام ثلاثون،
والميم أربعون سنة. فضحك رسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فَقَالَ جدي: هَلْ غَيْر هَذَا؟ فَقَالَ
النَّبِيّ- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم: نعم المص، كِتابٌ
أُنْزِلَ إِلَيْكَ «3» . فَقَالَ جدي: هَذِهِ أكبر من الأولى
ولئن كنت صادقا فإنكم تملكون مائتي سنة واثنتين وثلاثين سنة.
ثُمّ قَالَ «4» : هَلْ غَيْر هَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الر، كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ
ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ «5» فَقَالَ جدي:
هَذِهِ أكبر من الأولى والثانية وَقَدْ حكم وفصل ولئن كُنْت
صادقا فإنكم تملكون [5 أ] أربعمائة سنة وثلاثا وستين «6» سنة،
فاتق اللَّه وَلا تقولن إِلَّا حقا. فهل غَيْر هَذَا؟ فَقَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المر، تِلْكَ
آياتُ الْكِتابِ «7» . فَقَالَ جدي: لئن كُنْت صادقا فإنكم
تملكون سبعمائة سنة وأربعا «8» وثلاثين سنة.
ثُمّ إن جدي قال: الآن لا نؤمن بما
__________
(1) يونس: 53.
(2) فى أ، ل زيادة: «بلى وربى إنه لحق» .
(3) الأعراف: 1، 2.
(4) أ: فقال.
(5) سورة هود: 1.
(6) أ: وستون.
(7) الرعد: 1.
(8) أ: وأربع.
(1/85)
تَقُولُ ولقد خلطت علينا فَمَا ندري بأي
قولك نأخذ، وأيما أنزل عليك نتبع، ولقد لبست علينا حَتَّى
شككنا فِي قولك الأول، ولولا ذَلِكَ لاتبعناك. قَالَ أَبُو
ياسر:
أما أَنَا فأشهد أن ما أنزل عَلَى أنبيائنا حق وأنهم قَدْ
بينوا لنا ملك هَذِهِ الأمة، فَإِن كان محمد صادقا فيما
يَقُولُ ليجمعن لَهُ هَذِهِ السنون كلها ثُمّ نهضوا من عنده.
فَقَالَوا: كفرنا بقليله وكثيره. فَقَالَ جدي لعبد اللَّه بن
سلام وأصحابه: أما تعرفون الباطل فيما خلط عليكم. فقالوا: بلى،
نعرف الحق فيما يَقُولُ «1» فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي
كفار اليهود بالقرآن الم، اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ:
الَّذِي لا يموت الْقَيُّومُ: يعني القائم على كل شيء نَزَّلَ
عَلَيْكَ الْكِتابَ يا محمد بِالْحَقِّ لَمْ ينزل باطلا
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: يَقُولُ- سُبْحَانَهُ قرآن
محمد يصدق الكتب التي كَانَتْ قبله وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ «2» هُدىً لِلنَّاسِ يعني لبني
إسرائيل من الضلالة. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَأَنْزَلَ
الْفُرْقانَ يعني قرآن محمد بعد التوراة والإنجيل يعني
بالفرقان المخرج من الشبهات والضلالة. نظيرها فِي
الْأَنْبِيَاء وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ
«3» يعني المخرج.
وَفِي البقرة: وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «4» .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ اليهود، كفروا
بالقرآن يعني هَؤُلاءِ النفر الْمُسْلِمِين وأصحابهم لَهُمْ
عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ فِي ملكه وسلطانه ذُو
انْتِقامٍ «5» من أَهْل معصيته.
وأنزلت أيضا فِي اليهود فِي هَؤُلاءِ النفر وما يحسبون من
المتشابه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ
آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ.
__________
(1) هذا الأثر أخرجه ابن إسحاق والبخاري فى تاريخه وابن جرير
بسند ضعيف عن ابن عباس.
وانظر السيوطي فى الدر المنثور 1: 23.
(2) أ: هما.
(3) سورة الأنبياء: 48 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ
الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ.
(4) سورة البقرة: 185، وفى أ: بينات. [.....]
(5) سورة آل عمران: 1- 4.
(1/86)
فأما المحكمات فالآيات الثلاث اللاتي فِي
الأنعام: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ.... إلى قوله سبحانه: ... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
«1» فهن محكمات وَلَم ينسخهن شيء من الكتاب، وإنما سمين أم
الكتاب لأن تحريم هَؤُلاءِ الآيات فِي كُلّ كتاب أنزله اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ.
وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ يعني الم، المص، الر، المر «2» ، شبهوا
عَلَى هَؤُلاءِ النفر من اليهود كم تملك هَذِهِ الأمة من
السنين فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ يعني ميل عن
الهدى وهُمْ هَؤُلاءِ اليهود فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ
مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ يعني الكفر وَابْتِغاءَ
تَأْوِيلِهِ: يعني منتهى كم يملكون.
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ [5 ب] : يعني كم تملك هَذِهِ الأمة من السنين
«3» وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يعني عَبْد اللَّه بن سلام
وأصحابه، يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ: يعني بالقرآن كله. - كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا
الْأَلْبابِ: يعني من كان لَهُ لب أَوْ عقل.
ثُمّ قَالَ ابْن سلام وأصحابه رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا
كَمَا أزغت قلوب اليهود بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى الإسْلام
وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ «4» .
__________
(1) آيات: 151، 152، 153 من سورة الأنعام وهي: قُلْ تَعالَوْا
أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ.
(2) آلم: أول البقرة، وآل عمران. المص: أول الأعراف. الر: أول
يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر. والمر: أول الرعد.
(3) فى أ: وما يعلم تأويل: كم يملكون إلا الله: يعنى هذه الأمة
من السنين.
(4) سورة آل عمران: 7- 8.
(1/87)
فآيتان من أول هذه السورة نزلتا فِي أصحاب
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المهاجرين
(والأنصار «1» .
والآيتان اللتان تليانهما نزلتا فى مشركي العرب.
وثلاث عشرة آية «2» فِي المنافقين من أَهْل التوراة.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 6- يعني لا يصدقون.
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ يعني طبع اللَّه عَلَى قلوبهم
فهم لا يعقلون الهدى وَعَلى سَمْعِهِمْ يعني آذانهم فلا يسمعون
الهدى. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ يعني غطاء فلا يبصرون
الهدى. وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 7- يعني وافر لا انقطاع لَهُ.
نزلت هاتان الآيتان فِي مشركي العرب منهم شَيْبَة وعتبة ابنا
ربيعة، والوليد ابن المُغِيرَة، وأَبُو جهل بن هِشَام- اسمه
عمرو-، وعبد اللَّه بن أَبِي أمية، وأمية بن خلف، وعَمْرو بن
وَهْب، والعاص بن وائل، والحارث بن عمرو «3» ، والنضر بن
الْحَارِث، وعدي بن مطعم بن عَدِيّ، وعامر بن خَالِد، أبو
البختري
__________
(1) روى السيوطي بإسناده عن مجاهد قال: «من أول البقرة أربع
آيات فى نعت المؤمنين، وآيتان فى نعت الكافرين، وثلاث عشرة آية
فى نعت المنافقين ومن أربعين إلى عشرين ومائة فى بنى إسرائيل»
الدر المنثور 1: 23.
وأخرج وكيع عن مجاهد قال: هؤلاء الآيات الأربع فى أول سورة
البقرة إلى المفلحون نزلت فى نعت المؤمنين، واثنتان من بعدها
إلى عظيم نزلت فى نعت الكافرين، وإلى العشرين نزلت فى
المنافقين.
المرجع السابق 1: 23، ومع ذلك ففي نسخة أ، ل: آيتان فى أصحاب
النبي (ص) المهاجرين.
والمقصود بالآيتين آيتي 4، 5 (فى المؤمنين) ، آيتي 6، 7 فى
المشركين، آية 8- 20 فى المنافقين.
(2) فى أ: ثلاثة عشر آية.
(3) فى أ: عمر. وفى ل: عمرو.
(1/88)
ابن هشام، ثُمّ رجع إلى المنافقين فَقَالَ-
عَزَّ وَجَلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ- يعني صدقنا بِاللَّه بأنه
واحد لا شريك لَهُ وصدقنا بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال
بأنه كائن فكذبهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ: وَما هُمْ
بِمُؤْمِنِينَ- 8- يعني بمصدقين بالتوحيد وَلا بالبعث الَّذِي
فِيه جزاء الأعمال يُخادِعُونَ اللَّهَ حين أظهروا الْإِيمَان
بمحمد، وأسروا التكذيب وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ
إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ- 9- نزلت فِي منافقي
أَهْل الكتاب اليهود منهم عبد الله بن أبى بن سلول، وجد بن
قيس، والحارث ابن عمرو، ومغيث بن قشير، وعَمْرو بن زَيْد،
فخدعهم اللَّه فِي الآخرة حين يَقُولُ فِي سورة الحديد:
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً «1» . فَقَالَ لهم
استهزاء بِهِمْ «2» كَمَا استهزءوا فِي الدُّنْيَا بالمؤمنين
حين قَالُوا: آمنا وليسوا بمؤمنين، وذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-:
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
«3» : أيضا عَلَى الصراط حين يُقَالُ لهم ارْجِعُوا وراءكم
فالتمسوا نورا.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الشك بالله وبمحمد نظيرها فى سورة
محمد أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ «4» يعنى
الشك [6 أ] .
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً يعني شكا فِي قلوبهم وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ يعني وجيع فِي الآخرة بِما كانُوا يَكْذِبُونَ-
10- لقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر وذلك أن عَبْد اللَّه بن
أُبَيٍّ المنافق قَالَ لأصحابه: انظروا إليّ وإلى ما أصنع
فتعلموا مني وانظروا دفعي فِي هَؤُلاءِ القوم كيف أدفعهم عن
نفسي وعنكم. فَقَالَ أصحابه:
أَنْت سيدنا ومعلمنا، ولولا أَنْت لَمْ نستطع أن نجتمع مَعَ
هَؤُلاءِ. فَقَالَ عَبْد اللَّه
__________
(1) سورة الحديد: 13.
(2) «بهم» : ساقطة من ل وأ.
(3) سورة النساء: 142.
(4) سورة محمد: 29.
(1/89)
ابن أُبَيٍّ لأبي بَكْر الصِّدِّيق وأخذ
بيده: مرحبا بسيد بني تميم بن مرة، ثاني اثنين، وصاحبه فِي
الغار، وصفيه من أمته الباذل نفسه وماله. ثُمّ أَخَذَ بيد
عُمَر بن الخَطَّاب فَقَالَ: مرحبا بسيد بني عَدِيّ بن كَعْب،
القوي فِي أمر اللَّه الباذل نفسه وماله. ثُمّ أَخَذَ بيد
عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ: مرحبا بسيد بني هَاشِم،
غَيْر رَجُل واحد اختصه اللَّه بالنبوة لما علم من صدق نيته
ويقينه. فَقَالَ عُمَر بن الخطاب- رضي الله عنه-: ويحك يا ابن
أُبَي اتق اللَّه، وَلا تنافق وأصلح، وَلا تفسد، فَإِن المنافق
شر خليقة اللَّه، وأخبثهم خبثا، وأكثرهم غشا. فَقَالَ عَبْد
اللَّه بن أبى بن سلول: يا عُمَر، مهلا فواللَّهِ، لقَدْ آمنت
كإيمانكم، وشهدت كشهادتكم، فافترقوا عَلَى ذَلِكَ. فانطلق
أَبُو بَكْر وعمر وعلي- رحمة اللَّه عليهم- إلى رَسُول
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه بالذي
قاله عَبْد اللَّه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عَلَى نبيه-
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني لا تعملوا فِي الأرض بالمعاصي
قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ- 11- يعنى مطيعين.
يَقُولُ اللَّه- سُبْحَانَهُ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
الْمُفْسِدُونَ يعنى العاصين وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ- 12-
بأنهم مفسدون وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ
نزلت فى منذر ابن معاذ، وأبي لبابة، ومعاذ بن جبل، وأسيد،
قَالُوا لليهود: صدقوا بمحمد أنَّه نَبِيّ، كَمَا صدق به عَبْد
اللَّه بن سلام وأصحابه فقالت اليهود: قالُوا أَنُؤْمِنُ «1»
يعني نصدق كَما آمَنَ السُّفَهاءُ يعني الجهال يعنون عَبْد
اللَّه بن سلام وأصحابه يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ردا
عليهم: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا
يَعْلَمُونَ
__________
(1) فى أ: (أنؤمن) .
(1/90)
- 13- بأنهم السفهاء ثُمّ أخبر عَنْهُمْ
فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا يعني
صدقوا من أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قالُوا لهم: آمَنَّا صدقنا بمحمد وَإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِينِهِمْ يعني رؤساء اليهود كَعْب بن الأشرف وأصحابه
قالُوا لهم: إِنَّا مَعَكُمْ عَلَى دينكم إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ- 14- بمحمد وأصحابه فَقَالَ اللَّه-
سُبْحَانَهُ: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فى الآخرة إذا ضرب
[6 ب] بينهم وبَيْنَ الْمُؤْمِنِين بسور لَهُ باب عَلَى الصراط
فيبقون فِي الظلمة حَتَّى يُقَالُ لهم: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ
فَالْتَمِسُوا نُوراً فهذا من الاستهزاء بهم. ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ:
وَيَمُدُّهُمْ ويلجهم فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 15- يعنى
فى ضلالتهم يترددون ثُمّ نعتهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وذلك أن
اليهود وجدوا نعت محمد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي التوراة قبل أن يبعث فآمنوا به وظنوا أَنَّهُ
من ولد إسحاق- عَلَيْه السَّلام- فَلَمَّا بعث محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العرب من ولد إسماعيل- عَلَيْه
السَّلام- كفروا به حسدا، واشتروا الضلالة بالهدى، يَقُولُ:
باعوا الهدى الَّذِي كانوا فِيهِ من الْإِيمَان بمحمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث بالضلالة التي دخلوا
فيها بعد ما بعث من تكذيبهم بمحمد- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم-
فبئس التجارة فذلك قوله- سُبْحَانَهُ:
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ- 16- من
الضلالة ثُمّ ضرب اللَّه للمنافقين مثلا فَقَالَ- عَزَّ
وَجَلّ-: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا
فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ طفئت ناره، يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- مثل المنافق إذا تكلم بالإيمان كان لَهُ نور
بمنزلة المستوقد نارا يمشي بضوئها ما دامت ناره تتقد «1» فإذا
ترك الْإِيمَان كان فِي ظلمة كظلمة من طفئت ناره فقام لا يهتدى
ولا يبصر فذلك قوله
__________
(1) فى أ: تقد. [.....]
(1/91)
- سبحانه-: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ
يعنى بإيمانهم نظيرها فى سورة النور وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ «1» - يعني به
الْإِيمَان، وقَالَ- سُبْحَانَهُ- فِي الأنعام: وَجَعَلْنا
لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ «2» يعني يهتدي به
الَّذِين تكلموا به وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ يعنى الشرك لا
يُبْصِرُونَ- 17- الهدى ثُمّ نعتهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
صُمٌّ لا يسمعون يعني لا يعقلون بُكْمٌ خرس لا يتكلمون بالهدى
عُمْيٌ «3» فهم لا يبصرون الهدى حين ذهب اللَّه بنورهم يعني
بإيمانهم فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ- 18- عن الضلالة إلى الهدى
ثُمّ ضرب للمنافقين مثلا فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أَوْ
كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ يعنى المطر فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ
وَبَرْقٌ مثل المطر مثل القرآن، كَمَا أن المطر حياة الناس
فكذلك القرآن حياة لمن آمن به. ومثل الظلمات يعني الكافر
بالقرآن يعني الضلالة التي هُمْ فيها، ومثل الرعد ما خوفوا به
من الوعيد فِي القرآن، ومثل البرق الذي في المطر مثل الإيمان
وهو النور الذي في القرآن يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي
آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ يَقُولُ مثل المنافق إذا سَمِع
القرآن فصم أذنيه كراهية للقرآن كمثل الَّذِي جعل أصبعيه فِي
أذنيه من شدة الصواعق حَذَرَ الْمَوْتِ [7 أ] يعني مخافة الموت
يَقُولُ كَمَا كره الموت من الصاعقة فكذلك يكره الكافر القرآن
فالموت خير لَهُ من الكفر بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- والقرآن
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ- 19- يعنى أحاط علمه
بالكافرين ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: يَكادُ الْبَرْقُ الَّذِي
فِي المطر يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يعني يذهب بأبصارهم من شدة
نوره. يَقُولُ- سُبْحَانَهُ مثل الْإِيمَان إذا تكلم به
المنافق مثل نور البرق الذي يكاد أن يذهب بأبصارهم كُلَّما
أَضاءَ لَهُمْ البرق مَشَوْا فِيهِ يقول كلما تكلموا بالإيمان
مضوا فيه
__________
(1) سورة النور: 40.
(2) سورة الأنعام: 122.
(3) فى أ: وعمى.
(1/92)
يَقُولُ: ويضيء لهم نورا يهتدون به «1»
وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ البرق أَي ذهب ضوءه قامُوا فِي
ظلمة لا يبصرون الهدى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ فلا يسمعون وَأَبْصارِهِمْ فلا يرون أبدا عقوبة
لهم إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 20- من ذلك
وغيره.
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ يعني المنافقين
واليهود وحدوا ربكم الَّذِي خَلَقَكُمْ ولم تكونوا شيئا
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «2» من الأمم الخالية لَعَلَّكُمْ
يعني لكي تَتَّقُونَ- 21- الشرك وتوحدوا اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
إذا تفكرتم فِي خلقكم وخلق الَّذِين من قبلكم ثُمّ دل عَلَى
نفسه بصنعه ليوحدوه وذكرهم النعم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- اعبدوا
ربكم الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً يعني بساطا
وَالسَّماءَ بِناءً يعني سقفا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
يعني المطر فَأَخْرَجَ بِهِ يَقُولُ فأخرج بالمطر من الأرض
أنواعا مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَنْداداً يَقُولُ لا تجعلوا مَعَ اللَّه شركاء
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 22- أن هَذَا الَّذِي ذكر كله من صنعه
فكيف تعبدون غيره؟ قَالَت اليهود منهم رِفَاعة بن زَيْد، وزيد
بن عمرو، ما يشبه هَذَا الكلام الوحي وإنا لفي شك منه. فأنزل
اللَّه- عَزَّ وجل- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ يعني فِي شك
مِمَّا نَزَّلْنا من القرآن عَلى عَبْدِنا يعني محمدا- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ اللَّه
مِثْلِهِ يعني مثل هذا القرآن وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ يَقُولُ
واستعينوا بالآلهة التي تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ 23- بأن محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ من تلقاء نفسه، ثُمّ يَقُولُ-
سُبْحَانَهُ-:
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا يعني تجيئوا به فيها
تقديم تقديمها ولن تفعلوا ذلك
__________
(1) هكذا فى ل، وفى أ: ويضيء لهم وكان هذا يهتدون به.
(2) فى أ: وخلق الذين من قبلكم.
(1/93)
فإن تفعلوا فأتوا بسورة من مثل هَذَا
القرآن فلم يجيبوه «1» وسكتوا، يَقُولُ- اللَّه سُبْحَانَهُ-:
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجارَةُ وتلك الحجارة تحت الأرض الثانية مثل الكبريت
تجعل فِي أعناقهم إذا اشتعلت فيها النار احترقت عامة اليوم «2»
فكان وهجها عَلَى وجوههم وذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: أَفَمَنْ
يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ [7 ب] يعني شدة العذاب
يَوْمَ الْقِيامَةِ «3» ثُمّ قَالَ:
أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ- 24- بالتوحيد يخوفهم اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فلم يخافوا فقالوا من تكذيبهم: هَذِهِ النار وقودها
الناس فَمَا بال الحجارة، فرق المؤمنون عند التخويف، فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ يعني البساتين كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ
ثَمَرَةٍ كلما أطعموا منها من الجنة من ثمرة رِزْقاً قالُوا
هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وذلك أن لهم فِي الجنة
رزقهم فيها بكرة وعشيا فإذا أتوا بالفاكهة فِي صحاف الدر
والياقوت فِي مقدار بكرة الدُّنْيَا وأتوا بالفاكهة غيرها
عَلَى مقدار عشاء الدُّنْيَا فإذا نظروا إِلَيْهِ «4» متشابه
الألوان قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل يعني أطعمنا بكرة
فإذا أكلوا وجدوا طعمه غَيْر الَّذِي أتوا به بكرة فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً يعني يشبه بعضه بعضا
فِي الألوان مختلفا فى الطعم وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ
مُطَهَّرَةٌ خلقن فِي الجنة مَعَ شجرها وحللها مطهرة من الحيض
والغائط والبول والأقذار كلها وَهُمْ فِيها «5» خالِدُونَ- 25-
لا يموتون إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا
وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ذكر العنكبوت والذباب فِي
القرآن فضحكت اليهود وقالت: ما يشبه
__________
(1) هكذا فى ل، وفى أ: فلم تجيبوا.
(2) فى أ: يوم.
(3) سورة الزمر 24.
(4) أ: إليها.
(5) (وهم فيها) : ساقط من أ، ل.
(1/94)
هَذَا من الأمثال. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ:
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا يعني أن
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لا يمنعه الحياء أن يصف للخلق مثلا مَا
بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا يعني
يصدقون بالقرآن فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ «1» أَي هَذَا المثل
هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
بالقرآن يعني اليهود فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا
الَّذِي ذكر مَثَلًا إِنَّمَا يقوله محمد من تلقاء نفسه وليس
من اللَّه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يُضِلُّ بِهِ أي يضل
اللَّه بِهَذَا المثل كَثِيراً من الناس يعني اليهود وَيَهْدِي
بِهِ أي بهذا المثل كَثِيراً من الناس يعنى المؤمنين وَما
يُضِلُّ بِهِ أَي بِهَذَا المثل إِلَّا الْفاسِقِينَ- 26- يعني
اليهود ثُمّ أخبر فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ
فنقضوا العهد الأول، ونقضوا ما أَخَذَ عليهم فِي التوراة، أن
يعبدوا اللَّه. وَلا يشركوا به شيئًا، وأن يؤمنوا بالنَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكفروا بعيسى وبمُحَمَّد-
عليهما السَّلام- وآمنوا ببعض الْأَنْبِيَاء، وكفروا ببعض،
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ «2»
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ يعني ويعملون فيها بالمعاصي
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 27- فِي العقوبة يعني اليهود
ونظيرها فِي الرعد الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ
بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ
يُوصَلَ [8 أ] من إيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم-
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «3» .
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ بأنه واحد لا شريك لَهُ
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً يعني نطفا فَأَحْياكُمْ يعني فخلقكم وذلك
قوله- سبحانه-:
__________
(1) أ: فيعلمون، وفى الحاشية: الآية يقولون.
(2) وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ: ساقط
من أ، ل.
(3) سورة الرعد: 25.
(1/95)
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ «1» ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
عِنْد إحيائكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ من بعد الموت يوم الْقِيَامَة
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 28- فيجزيكم بأعمالكم فأما اليهود
فعرفوا وسكتوا وأمّا المشركون فقالوا أإذا كُنَّا ترابا من
يقدر أن يبعثنا من بعد الموت فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من شيء
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فبدأ بخلقهن وخلق الأرض
فَسَوَّاهُنَّ يعني فخلقهن سَبْعَ سَماواتٍ فهذا أعظم من خلق
الْإِنْسَان وذلك قوله- سبحانه-:
لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ
النَّاسِ «2» وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ من الخلق عَلِيمٌ- 29-
بالبعث وغيره وَإِذْ يعني وَقَدْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وذلك أن اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس. وَهُوَ
آدم- عَلَيْه السلام- فجعلهم سكان الأرض وَجَعَل الملائكة سكان
السماوات فوقع فِي الجن الفتن والحسد فاقتتلوا فبعث اللَّه
جندا من أَهْل سماء الدُّنْيَا- يُقَالُ لهم الجن، إبليس عدو
اللَّه منهم، خلقوا جميعًا من نار وهم خزان الجنة رأسهم إبليس-
فهبطوا إلى الأرض فلم يكلفوا من العبادة فِي الأرض ما كلفوا
فِي السماء فأحبوا القيام فِي الأرض فأوحى الله- عَزَّ وَجَلّ-
إليهم إني جاعل فِي الأرض خليفة سواكم ورافعكم إليّ فكرهوا
ذَلِكَ لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالا قالُوا أَتَجْعَلُ
فِيها يَقُولُ أتجعل فِي الأرض مَنْ يُفْسِدُ فِيها يعنى من
يعمل فيها بالمعاصي وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بغير حق كفعل الجن
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ يَقُولُ
نَحْنُ نذكرك بأمرك كقوله- سُبْحَانَهُ-: وَيُسَبِّحُ
الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ «3» يعني يذكره بأمره ونقدس لك ونصلي لك
ونعظم أمرك قالَ
__________
(1) الروم: 19. [.....]
(2) سورة غافر: 57.
(3) سورة الرعد: آية 13 وتمامها ... وَالْمَلائِكَةُ مِنْ
خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ
وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ.
(1/96)
اللَّه- سُبْحَانَهُ-: إِنِّي أَعْلَمُ مَا
لا تَعْلَمُونَ- 30- إن فِي علمي أنكم سكان السماء ويكون آدم
وذريته سكان الأرض ويكون منهم من يسبح بحمدي ويعبدني فخلق آدم-
عَلَيْه السَّلام- من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة فَمنْ
ثَمّ نسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر، فحسد إبليس تِلْكَ
الصورة فَقَالَ للملائكة الَّذِين هُمْ معه أرأيتم هَذَا
الَّذِي لَمْ تروا شيئًا من الخلق عَلَى خلقته إن فضل [8 ب]
عَلَيّ ماذا تصنعون؟ قَالوا: نسمع ونطيع لأمر اللَّه، وأسر عدو
اللَّه إبليس فِي نفسه لئن فضل آدم عليه لا يطيعه وليستفزنه.
فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا فجعل إبليس يدخل من دبره ويخرج
من فِيهِ، وَيَقُولُ أَنَا نار وهذا طين أجوف والنار تغلب
الطين «1» ولأغلبنه فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَلَقَدْ
صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا
فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «2» يعنى قوله يومئذ لأغلبنه
وقوله لأحتنكن يعني لأحتوين عَلَى ذريته إِلَّا قليلا. فَقَالَ
للروح: ادخلي هَذَا الجسد. فقالت:
أَي رب أَيْنَ تدخلني هذا الجسد المظلم؟ فَقَالَ اللَّه- تبارك
وتعالى-: ادخليه كرها فدخلته كرها وهي لا تخرج منه إِلَّا كرها
ثُمّ نفخ فِيهِ الروح من قبل رأسه، فترددت الروح فِيهِ حَتَّى
بلغت نصف جسده موضع السرة فجعل للقعود فذلك قوله- تَعَالَى-:
وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا «3» فجعلت الروح تتردد فِيهِ
حَتَّى بلغت أصابع الرجلين، فأرادت أن تخرج منها فلم تجد
منفذا، فرجعت إلى الرأس فخرجت من المنخرين، فعطس عِنْد ذَلِكَ
لخروجها من منخريه فَقَالَ: الحمد لله.
__________
(1) هذا الأثر أورده بطوله ابن كثير ج 1: 75 رواية عن ابن جرير
بدأه بقوله: وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد
حدثنا بشر بن عمارة عن أبى روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان
إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار
السموم من بين الملائكة وكان اسمه الحارث وكان خازنا من خزان
الجنة وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي.. إلخ.
(2) سورة سبأ: 20
(3) سورة الإسراء: 11- والأثر كله فى ابن كثير ج 1: 75 ولكن
الآية وردت فى تفسير ابن كثير هكذا وخلق الْإِنْسانُ عَجُولًا
وهو خطأ فليصحح.
(1/97)
فكان أول كلامه فرد ربه- عَزَّ وَجَلّ-:
يرحمك اللَّه لهذا خلقتك تسبح بحمدي وتقدس لي. فسبقت رحمته
لآدم- عَلَيْه السَّلام- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها
«1» ثُمّ إن اللَّه- تبارك وتعالى حشر الطير والدواب وهوام
الأرض كلها فعلم آدم- عليه السَّلام- أسماءها فَقَالَ: يا آدم
هَذَا فرس، وهذا بغل، وهذا حمار، حَتَّى سمى لَهُ كُلّ دابة،
وكل طير باسمه ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ثُمّ عرض
أَهْل تِلْكَ الأسماء عَلَى الملائكة الَّذِين هُمْ فِي الأرض
فَقالَ أَنْبِئُونِي يعني أخبروني بِأَسْماءِ هؤُلاءِ يعني
دواب الأرض كلها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 31- بأني جاعل فِي
الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء قالُوا «2» قَالَت الملائكة:
سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ- 32- قال «3» : حدثنا عبيد الله،
قال: حدثني أبي، قَالَ: حدثنا الْهُذَيْلُ، قَالَ: قَالَ
مُقَاتِلٌ:
قال اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: لهم كيف تدعون العلم فيما لَمْ
يخلق بعد وَلَم تروه وأنتم لا تعلمون من ترون قالَ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- لآدم: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ
يَقُولُ أخبر الملائكة بأسماء دواب الأرض والطير كلها ففعل
قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ
بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ
غَيْبَ ما يكون فى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما
تُبْدُونَ يعني ما أظهرت الملائكة لإبليس من السمع والطاعة
للرب وَأعلم ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ- 33- يعني إبليس وحده ما
كان أسر إبليس فِي نفسه من المعصية للَّه- عَزَّ وَجَلّ- فى
السجود لآدم ثُمّ قَالَ: وَإِذْ يعني وَقَدْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ [9 أ] الَّذِين خلقوا من مارج من نار السموم
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ وحده فاستثنى
«4» لَمْ يسجد أَبى وَاسْتَكْبَرَ يعني وتكبر عن السجود لآدم
وإنما
__________
(1) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: ساقط من أ.
(2) قالُوا: ساقطة من أ.
(3) هكذا فى أوفى ل: قال: قال مقاتل: قال الله.
(4) بالأصل فاستثنا بالألف.
(1/98)
أمره اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالسجود لآدم
لما علم اللَّه منه فأحب أن يظهر ذَلِكَ للملائكة ما كان أسر
فى نفسه قالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وَكانَ إبليس مِنَ الْكافِرِينَ- 34-
الَّذِين أوجب اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَهُم الشقاء «1» فِي
علمه فَمنْ ثُمّ لَمْ يسجد وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ يعني حواء خلقا يوم الجمعة وَكُلا
مِنْها رَغَداً حَيْثُ يعني ما شِئْتُما وإذا شئتما من حيث
شئتما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني السنبلة وهي
الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ- 35- لأنفسكما
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها يقول- سبحانه- فاستزلهما
الشيطان عنها يعني عن الطاعة وَهُوَ إبليس فَأَخْرَجَهُما
مِمَّا كانا فِيهِ من الخير في الجنة وَقُلْنَا اهْبِطُوا منها
يعني آدم وحواء وإبليس بوحي منه فهبط آدم بالهند وحواء بجدة
وإبليس بالبصرة وهي الأيلة «2» وهبط آدم فِي واد اسمه نوذ في
شعب يقال له سرنديب فاجتمع آدم وحواء بالمزدلفة فمن ثم جمع
لاجتماعهما بها ثم قال:
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فإبليس لهما عدو وهما لإبليس عدو
ثُمّ قَالَ: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى
حِينٍ- 36- يعنى بلاغا إلى منتهى آجالكم: الموت.
وهبط إبليس قبل آدم فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
بعد ما هبط إلى الأرض يوم الجمعة يعني بالكلمات أن قَالَ رب
أكان هَذَا شيء كُنْت قدرته علي قبل أن تخلقني فسبق لي به
الكتاب أني عامله وسبقت لي منك الرحمة، حين خلقتني قَالَ: نعم،
يا آدم قَالَ: يا رب خلقتني بيدك فسويتني ونفخت من روحك فعطست
فحمدتك فدعوت لي برحمتك فسبقت رحمتك إلي غضبك قَالَ: نعم، يا
آدم. قال: أخرجتنى من الجنة وأنزلتنى الأرض يا رب. إن تبت
وأصلحت ترجعني إلى الجنة قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَهُ:
نعم يا آدم فتاب آدم وحواء يَوْم الجمعة
__________
(1) فى الأصل: الشقا بدون همزة.
(2) فى أ: الأبلة، بالباء.
(1/99)
فعند ذَلِكَ قَالا: رَبَّنا ظَلَمْنا
أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «1» فَتابَ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- عَلَيْهِ يوم الجمعة إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ- 37- لخلقه قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً يعني
من الجنة جميعًا آدم وحواء وإبليس فأوحى الله إليهم بعد ما
هبطوا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ يعني ذرِّيَّة آدم فَإِن
يأتيكم يا ذرِّيَّة آدم مِنِّي هُدىً يعني رسولا وكتابا فِيهِ
البيان ثُمّ أخبر بمستقر من اتبع الهدى فِي الآخرة قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ يعنى رسولي [9 ب] وكتابي
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 38- من الموت
ثُمّ أخبر بمستقر من ترك الهدى فَقَالَ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا
برسلي وَكَذَّبُوا بآياتي القرآن أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ
هُمْ فِيها خالِدُونَ- 39- لا يموتون يَا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ يعني
أجدادهم فكانت النعمة حين أنجاهم من آل فرعون، وأهلك عدوهم
وحين فرق البحر لهم، وحين أنزل عليهم المن والسلوى، وحين ظلل
عليهم الغمام بالنهار من حر الشمس وَجَعَل لهم عمودا من نور
يضيء لهم بالليل إذا لَمْ يَكُنْ ضوء القمر وفجر لهم اثني عشر
عينا من الحجر وأعطاهم التوراة فيها بيان كُلّ شيء فدلهم عَلَى
صنعه ليوحدوه- عَزَّ وَجَلّ- وَأَوْفُوا بِعَهْدِي يعني اليهود
وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عهد إليهم فِي التوراة أن
يعبدوه وَلا يشركوا به شيئا وأن يؤمنوا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالنبيين والكتاب فأخبر اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- عَنْهُمْ فِي المائدة فَقَالَ-: وَلَقَدْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ
اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ
وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعَزَّرْتُمُوهُمْ يعني ونصرتموهم وَأَقْرَضْتُمُ
اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «2» فهذا الَّذِي قَالَ اللَّه
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي الذي عهدت إليكم
__________
(1) سورة الأعراف: 23.
(2) سورة المائدة: 12.
(1/100)
في التوراة فإذا فعلتم ذلك أُوفِ لكم
بِعَهْدِكُمْ يعني المغفرة والجنة فعاهدهم إن أوفوا لَهُ بما
قَالَ المغفرة والجنة، فكفروا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبعيسى- عَلَيْه السَّلام- فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ فهذا وفاء الرب- عَزَّ وَجَلّ- لهم، وَإِيَّايَ
فَارْهَبُونِ- 40- يعني وإياي فخافون فِي محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «1» فَمنْ كذب به فَلَه النار. ثم قال:
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً نزلت فِي كَعْب بن
الأشرف وأصحابه رءوس اليهود يَقُولُ صدقوا بما أنزلت من القرآن
عَلَى محمد مصدقا لِما مَعَكُمْ يَقُولُ محمد تصديقه معكم
أَنَّهُ نَبِيّ رسول وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ يعني
محمدا فتتابع «2» اليهود كلها عَلَى كفر به فَلَمَّا كفروا
تتابعت اليهود كلها: أَهْل خيبر، وأهل فدك، وأهل قريظة،
وَغَيْرُهُمْ عَلَى الكفر بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ثُمّ قال
لرؤوس اليهود: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وذلك
أن رؤوس اليهود كتموا أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي التوراة وكتموا أمره عن سفلة اليهود وكانت
للرؤساء منهم مأكلة «3» فِي كُلّ عام من زرعهم وثمارهم ولو
تابعوا محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحبست
تِلْكَ المأكلة عَنْهُمْ فَقَالَ اللَّه لهم وَلا تَشْتَرُوا
بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [10 أ] : يعني بكتمان بعث محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرضا قليلا من الدُّنْيَا
مما تصيبون من سفلة اليهود ثم يخوفهم وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ-
41- فِي محمد فَمنْ كذب به فله النار. ثُمّ قَالَ لليهود: وَلا
تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وذلك
أن اليهود يقرون ببعض أمر محمد ويكتمون بعضا ليصدقوا فِي
ذَلِكَ فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَلا تخلطوا الحق
بالباطل نظيرها
__________
(1) فى أ: زيادة ثم قال. [.....]
(2) هكذا فى ل، وفى أ: فتايع، ولعل أصلها فتابع.
(3) هكذا فى ل، وفى أ: تأكله.
(1/101)
فِي آل عِمْرَانَ «1» والأنعام وَلَمْ
يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «2» يعني وَلَم يخلطوا بشرك
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ أَي وَلا تكتموا أمر محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 42- أن
محمدا نَبِيّ ونعته فى التوراة.
وقَالَ لليهود: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فِي مواقيتها وَآتُوا
الزَّكاةَ يعني وأعطوا الزكاة من أموالكم وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ- 43- يعني اليهود صلوا مَعَ المصلين يعني مَعَ
الْمُؤْمِنِين من أصحاب النَّبِيّ محمد- صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وذلك أن اليهود قَالُوا
لبعض أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن
محمدا حق فاتبعوه ترشدوا، فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
لليهود أتأمرون الناس بالبر يعنى أصحاب محمد وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ يَقُولُ وتتركون أنفسكم فلا تتبعوه وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتابَ يعني التوراة فيها بيان أمر محمد ونعته
أَفَلا تَعْقِلُونَ- 44- أنتم فتتبعونه ثُمّ قَالَ:
وَاسْتَعِينُوا عَلَى طلب الآخرة بِالصَّبْرِ عَلَى الفرائض
وَالصَّلاةِ الخمس حافظوا عَلَيْهَا فِي مواقيتها وَإِنَّها
لَكَبِيرَةٌ يعني حين صرفت القبلة عن بيت المَقْدِس إلى الكعبة
فكبر ذَلِكَ عَلَى اليهود منهم جدي بن أخطب، وسعيد بن عمرو
الشاعر، وَغَيْرُهُمْ ثُمّ استثنى فَقَالَ: إِلَّا عَلَى
الْخاشِعِينَ- 45- يعني إِلَّا عَلَى المتواضعين من
الْمُؤْمِنِين لَمْ يكبر عليهم تحويل القبلة ثُمّ نعت الخاشعين
فَقَالَ: الَّذِينَ يَظُنُّونَ يعني يعلمون يقينا أَنَّهُمْ
مُلاقُوا رَبِّهِمْ يعنى فى الآخرة وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ
راجِعُونَ- 46- فيجزيهم بأعمالهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ يعني
اليهود بالمدينة اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
عَلَيْكُمْ
__________
(1) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ-
سورة آل عمران: 71.
(2) الأنعام: 82 وتمامها الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ.
(1/102)
يعني أجدادكم والنعمة عليهم «1» حين أنجاهم
من آل فرعون فأهلك عدوهم والخير الَّذِي أنزل عليهم فِي أرض
التيه وأعطاهم التوراة ثم قال:
وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ- 47- يعني عالمي
ذلك الزمان يعني أجدادهم من غير بنى إسرائيل ثُمّ خوفهم
فَقَالَ: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ يَقُولُ لا
تغني نفس كافرة عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً من المنفعة فِي الآخرة
وَلا يُقْبَلُ مِنْها يعني من هَذِهِ النَّفْس الكافرة
شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ يعني فداء كفعل أَهْل
الدُّنْيَا بعضهم من بعض ثم قال: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ- 48-
يقول ولا هم يمنعون من العذاب ثم ذكرهم النعم ليوحدوه [10 ب]
فقال سبحانه: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ يعنى أنفذناكم مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يعنى أهل مصر يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني
يعذبونكم شدة العذاب يعني ذبح الأبناء واستحياء النّساء لأن
فرعون أمر بذبح البنين فِي حجور أمهاتهم ثُمّ بين العذاب
فَقَالَ: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ فِي حجور أمهاتهم
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعني قَتْل البنين وترك البنات
قَتَل منهم فرعون ثمانية عشر طفلا «2» مخافة أن يَكُون فيهم
مولود يَكُون هلاكه «3» فِي سببه يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-:
وَفِي ذلِكُمْ يعني فيما يخبركم من قتل الأبناء وترك البنات
بَلاءٌ يعنى نقمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ- 49- فاذكروا فضله
عليكم حين أنجاكم من آل فرعون وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ
الْبَحْرَ وذلك أَنَّهُ فرق البحر يمينا وشمالا كالجبلين
المتقابلين كُلّ واحد منهما على الآخر وبينهما كوى من طريق إلى
طريق ينظر كُلّ سِبْط إلى الآخر ليكون آنَس لهم
فَأَنْجَيْناكُمْ من الغرق وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ يعنى
أهل مصر يعنى
__________
(1) (عليهم) ساقطة من أ، وفى ل: على.
(2) هكذا فى ل وفى أ: ثمانية عشر ألف طفلا: وهو دليل أن ألف
زيدت من الناسخ بعد كتابة ثمانية عشر طفلا، وإلا لكتبها طفل
لأنها مضاف إليه.
(3) فى أ، ل: هلاكهم.
(1/103)
القبط وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ- 50- أجدادهم
يعلمون أن ذَلِكَ حق وكان ذَلِكَ من النعم.
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى يعني الميعاد أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يعني
ثلاثين من ذِي القعدة وعشر ليال من ذِي الحجَّة فكان الميعاد
الجبل ليعطي التوراة وكان مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- أخبر بني
إِسْرَائِيل بمصر فَقَالَ لهم إذا خَرَجْنَا منها أتيناكم من
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بكتاب يبين لَكُمْ فِيهِ ما تأتون وما
تتقون فَلَمَّا فارقهم مُوسَى مَعَ السبعين واستخلف هَارُون
أخاه عليهم اتخذوا العجل فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ يَقُولُ من بعد
انطلاق مُوسَى إلى الجبل وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ- 51- وذلك أن
مُوسَى قطع البحر يوم العاشر من المحرم فَقَالَ بنو
إِسْرَائِيل: وعدتنا يا مُوسَى أن تأتينا بكتاب من ربنا إلى
شهر فأتنا بما وعدتنا فانطلق مُوسَى وأخبرهم أَنَّهُ يرجع إلى
أربعين يومًا عن أمر ربه- عَزَّ وَجَلّ- فَلَمَّا سار مُوسَى
فدنا من الجبل أمر السبعين أن يقيموا فِي أصل الجبل وصعد
مُوسَى الجبل فكلم ربه- تبارك اسمه- وأخذ الألواح فيها التوراة
فَلَمَّا مضى عشرون يومًا قَالُوا «1» : أخلفنا مُوسَى العهد
فعدوا عشرين يومًا وعشرين ليلة، فقالوا:
هَذَا أربعون يومًا فاتخذوا العجل فأخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
مُوسَى بِذَلِك عَلَى الجبل فَقَالَ مُوسَى لربه: من صنع لهم
العجل؟ قَالَ: السامري صنعه «2» لهم، قَالَ مُوسَى لربه: فمن
نفخ فيه الروح؟ قَالَ الرب- عَزَّ وَجَلّ-: أَنَا. فَقَالَ
مُوسَى:
يا رب، السامري صنع لهم العجل فأضلهم، وصنعت فِيهِ الخوار فأنت
فتنت قومي [11 أ] . فَمنْ ثُمّ قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ
السَّامِرِيُّ «3» يعني الَّذِين خلفهم مَعَ هَارُون سوى
السبعين
__________
(1) فى أ: فقالوا.
(2) فى أ: صنع.
(3) سورة طه: 85.
(1/104)
حين أمرهم بعبادة العجل فَلَمَّا نزل
مُوسَى من الجبل إلى السبعين أخبرهم بما كان وَلَم يخبرهم بأمر
العجل، فَقَالَ السبعون لموسى: نَحْنُ أصحابك جئنا معك، وَلَم
نخالفك فِي أمر، ولنا عليك حق فأرنا اللَّه جهرة- يعني معاينة-
كَمَا رَأَيْته فَقَالَ مُوسَى:
واللَّه ما رَأَيْته، ولقد أردته عَلَى ذَلِكَ فأبى وتجلى
للجبل فجعله دكا. يعني فصار دكا وكان أشد مني وأقوى. فقالوا:
إنا لا نؤمن بك وَلا نقبل ما جئت به حَتَّى تريناه معاينة.
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ أخذتهم الصاعقة، يعني الموت عقوبة.
فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ «1» يعني الموت نظيرها وَخَرَّ
مُوسى صَعِقاً «2» يعني ميتا وكقوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَصَعِقَ
مَنْ فِي السَّماواتِ «3» يعني فمات وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
يعني السبعين ثُمّ أنعم اللَّه عليهم فبعثهم وذلك أنهم لما
صعقوا قام مُوسَى يبكي وظن أنهم إِنَّمَا صعقوا بخطيئة أصحاب
العجل فقال- عز وجل- فى سورة الأعراف: رَبِّ لَوْ شِئْتَ
أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنا بِما
فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا «4» - وقَالَ: يا رب ما أقول لبني
إِسْرَائِيل إذا رجعت إليهم وَقَدْ أهلكت أحبارهم فبعثهم
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لما وجد مُوسَى من أمرهم. فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «5» - 52- يَقُولُ لكي تشكروا ربكم
فِي هَذِهِ النعمة فبعثوا يَوْم ماتوا ثُمّ انصرفوا مَعَ
مُوسَى راجعين فلما دنوا من المعسكر عَلَى ساحل البحر سمعوا
اللغط حول العجل، فقالوا هَذَا قتال فِي المحلة فَقَالَ
مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- لَيْسَ بقتال ولكنه صوت الفتنة
فَلَمَّا دخلوا المعسكر «6» رَأَى مُوسَى ماذا يصنعون حول
العجل، فغضب وألقى الألواح فانكسر منها لوحان
__________
(1) فى أ: فأخذتهم- البقرة 55.
(2) سورة الأعراف: 143.
(3) سورة الزمر: 68.
(4) سورة الأعراف: 155. [.....]
(5) فى أ: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
(6) فى أ، ل: العسكر.
(1/105)
فارتفع من اللوح بعض كلام اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فأمر بالسامري فأخرج من محلة بني إِسْرَائِيل ثُمّ عمد
إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ثُمّ ذراه فِي البحر
فذلك قوله: لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي
الْيَمِّ نَسْفاً «1» فَقَالَ مُوسَى: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ-
أَي ضررتم- أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ إلها من دون
اللَّه- سُبْحَانَهُ وتعالى فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ يعني
خالقكم وندم القوم عَلَى صنيعهم فذلك قوله- سُبْحَانَهُ:
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ
ضَلُّوا يعني أشركوا بالله- عَزَّ وَجَلّ- قالُوا لَئِنْ لَمْ
يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخاسِرِينَ «2» فقالوا كيف لنا بالتوبة يا مُوسَى قَالَ
اقتلوا أنفسكم يعني يقتل بعضكم بعضا كقوله سبحانه فى النساء
[11 ب] وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يقول لا يقتل بعضكم بعضكم
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «3» يعني ذَلِكَ القتل
والتوبة خير لَكُمْ عِنْد بارئكم يعني عند خالقكم قَالُوا قَدْ
فعلنا فَلَمَّا أصبحوا أمر مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- البقية
الاثني عشر ألفا الَّذِين لَمْ يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف
والخناجر فخرج كُلّ بني أب عَلَى حدة من منازلهم فقعدوا بأفنية
بيوتهم فَقَالَ بعضهم لبعض: هَؤُلاءِ إخوانكم أتوكم شاهرين
السيوف فاتقوا اللَّه واصبروا فلعنة اللَّه عَلَى رَجُل حل
جيوبه أَوْ قام من مجلسه أَوْ اتقى بيد أَوْ رَجُل أَوْ حار
إليهم طرفة عين. قَالُوا: آمين فقتلوهم من لدن طلوع الشمس إلى
انتصاف النهار يوم الجمعة وأرسل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عليهم
الظلمة حَتَّى لا يعرف بعضهم بعضا فبلغت القتلى سبعين ألفا
ثُمّ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الرحمة فلم يحد «4» فيهم
السلاح فأخبر الله- عز وجل- موسى- عليه السلام- أنه قد نزلت
__________
(1) سورة طه: 97.
(2) سورة الأعراف: 149. وفى أ: فلما سقط.
(3) سورة النساء: 29.
(4) يحد: يقطع.
وفى الحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا
الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
وفى أ: بحكم.
(1/106)
الرحمة. فَقَالَ لهم: قَدْ نزلت الرحمة
ثُمّ أمر مُوسَى المنادي فنادى أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم
فجعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- القتلى شهداء وتاب اللَّه عَلَى
الأحياء وعفي عن الَّذِين صبروا للقتل فلم يقتلوا فَمنْ مات
قبل أن يأتيهم مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- عَلَى عبادة العجل
دخل النار ومن هرب من القتل لعنهم الله وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، فذلك قوله: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وذلك قوله
سُبْحَانَهُ-: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ
عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ
الْعَذابِ «1» .
فكان الرَّجُل يَأْتِي نادى قومه وهم جلوس فيقتل من العشرة
ثلاثة ويدع البقية ويقتل الخمسة من العشرين ومن كتب عليهم
الشهادة ويبقى الَّذِين لَمْ يقض لهم أن يقتلوا. فذلك قوله-
عَزَّ وَجَلّ- ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ فلم نهلككم جميعا مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ يعني بعد العجل لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَشْكُرُونَ
ربكم فِي هَذِهِ النعم يعني العفو فتاب عليكم إنَّه هو التواب
الرحيم وذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فِي الأعراف: وَالَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها يعني من بعد
عبادة العجل وَآمَنُوا يعني وصدقوا بأن اللَّه واحد لا شريك
لَهُ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «2» لذو
تجاوز عَنْهُمْ رحيم بهم عِنْد التوبة.
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة وَالْفُرْقانَ
يعني النصر حين فرق بين الحق والباطل ونصر مُوسَى وأهلك فرعون
نظيرها فِي الأنفال قوله- سُبْحَانَهُ-:
وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يعنى يوم
النصر يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ «3»
__________
(1) سورة الأعراف: 167.
(2) سورة الأعراف: 153.
(3) سورة الأنفال: 41.
(1/107)
فنصر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين
وهزم المشركين لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «1» - 53-[12 أ] من
الضلالة بالتوراة يعني بالنور «2» .
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى
بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ- 54- وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ- 55- ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 56- «3» .
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ
وذلك أن مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- قَالَتْ لَهُ بنو
إِسْرَائِيل وهم فِي التيه: كيف لنا بالأبنية، وَقَدْ نزلنا
فِي القفر، وخرجنا من العمران، من حر الشمس «4» . فظلل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- عليهم الغمام الأبيض يقيهم حر الشمس ثُمّ إنهم
سألوا مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- الطعام فأنزل اللَّه عليهم
طعام الجنة وَهُوَ الْمَنَّ وَالسَّلْوى أما المن فهو
الترنجبين فكان ينزل بالليل عَلَى شجرهم أبيض كالثلج حلو مثل
العسل، فيغدون عليه لكل إنسان صاع لكل ليلة فيغدون عليه
فيأخذون ما يكفيهم ليومهم ذَلِكَ لكل رَجُل صاع وَلا يرفعون
منه فِي غد ويأخذون»
يوم الجمعة ليومين لأن السبت كان عندهم لا يشخصون فِيهِ وَلا
يعملون «6» كان هَذَا لهم في التيه وتنبت ثيابهم مَعَ أولادهم
فأما الرجال فكانت
__________
(1) هذه آية 53 من سورة البقرة. وبدأ يفسر بعدها مباشرة الآية
57. وكذلك فى ل.
أما الآيات 54، 55، 56 فقد اكتفى بذكر قصتها وموضوعها فيما
تقدم.
(2) فى أ: النور.
(3) هذه الآيات ساقطة من أ، ل.
(4) هكذا فى أ، ل 5 والمقصود كيف سبيلنا إلى الأبنية لتقينا من
حر الشمس.
(5) فى أ: يأخذون. [.....]
(6) هكذا فى أ، ل.
(1/108)
ثيابهم عليهم لا تبلى وَلا تنخرق وَلا
تدنس. وأما السلوى فهو الطير، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى
اللحم، وهم في التيه، فسأل مُوسَى ربه- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ
الله: لأطعمنهم أقل الطير لحما فبعث الله- سبحانه- السماء
فأمطرت لهم السلوى وهي السمانا، وجمعتهم ريح الجنوب. وهي طير
حمر تكون فِي طريق مصر فأمطرت قدر ميل فِي عرض الأرض «1» وقدر
رمح فِي السماء بعضه عَلَى بعض.
فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لهم: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ
يعني من حلال. كقوله:
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» يعني حلالا طيبا فِي
غَيْر مأثم، وإذا وجدوا الماء فهو حرام: فَمنْ ثُمّ قَالَ طيبا
يعني حلالا من ما رَزَقْناكُمْ من السلوى، وَلا تطغوا فِيهِ
يعني تعصوا اللَّه فِي الرزق فيما رزقكم وَلا ترفعوا منه لغد
فرفعوا وقددوا مخافة أن ينفد، وَلو لَم يفعلوا لدام لهم ذَلِكَ
فقددوا منه ورفعوا فدود وتغير ما قددوا منه وما رفعوا فعصوا
ربهم فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَما ظَلَمُونا يعني وما ضرونا
يعني ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئًا حين رفعوا وقددوا منه
فِي غد وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 57- يعني
أنفسهم يضرون نظيرها فِي الأعراف قوله- سبحانه-: مِنْ
طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ «3» إلى آخر الآية.
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ يعني إيلياء وهم
يومئذ من وراء البحر فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً
يعني ما شئتم، وإذ شئتم، وحيث شئتم وَادْخُلُوا الْبابَ
سُجَّداً يعني باب إيلياء سجدا فدخلوا متحرفين عَلَى شق وجوههم
وَقُولُوا حِطَّةٌ
__________
(1) الأرض: ساقطة من ل.
(2) سورة المائدة: 6.
(3) سورة الأعراف: 160، وتمامها وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ
اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ
فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ
كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ
وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ
طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
(1/109)
وذلك أن بني إِسْرَائِيل خرجوا مَعَ يوشع
بن نون بن اليشامع بن عميهوذ بن غيران بن شونالخ بن إفراييم بن
يُوسُف- عَلَيْه السَّلام- من أرض التيه إلى العمران حيال
أريحا وكانوا أصابوا خطيئة فأراد اللَّه- عز وجل- أن [12 ب]
يغفر لهم وكانت الخطيئة أن مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- كان
أمرهم أن يدخلوا أرض أريحا التي فيها الجبارون فلهذا «1» قال
لهم: قولوا حطة، يعني بحطة حط عنا خطايانا. ثُمّ قال: نَغْفِرْ
لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ- 58- الَّذِين
لَمْ يصيبوا خطيئة، فزادهم اللَّه إحسانا إلى إحسانهم،
فَلَمَّا دخلوا إلى الباب فعل «2» المحسنون ما أمروا به وقَالَ
الآخرون: هطا سقماثا يعنون حنطة حمراء. قَالُوا: ذَلِكَ
استهزاء وتبديلا، لما أمروا به فدخلوا مستقلين فذلك قوله-
عَزَّ وَجَلّ-: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ
الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
رِجْزاً يعنى عذابا مِنَ السَّماءِ كقوله فى سورة الأعراف:
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ «3» يعني
عذابا ويُقَالُ الطاعون ويُقَالُ الظلمة شَبَّه النار بِما
كانُوا يَفْسُقُونَ- 59- وأهلك منهم سبعون ألفا فِي يوم واحد
عقوبة لقولهم هطا سقماثا فهذا القول ظلمهم.
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ وهم فِي التيه، قَالُوا: من
أَيْنَ لنا شراب نشرب؟ فدعا مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- ربه أن
يسقيهم فأوحى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إلى مُوسَى- عَلَيْه
السَّلام- فَقُلْنَا «4» اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ وكان
الحجر خفيفا مربعا فضربه فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ «5» من الحجر
اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً فرووا بإذن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
وكانوا اثني عشر سبطا لكل سِبْط من بني إِسْرَائِيل عين تجري
عَلَى حدة لا يخالطهم غيرهم «6» . فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
__________
(1) فى أ: فلها.
(2) فى أ: فعلوا.
(3) سورة الأعراف: 71.
(4) فى أ: أن.
(5) فى أ: وانفجرت.
(6) فى أ: غيره.
(1/110)
يعني كُلّ سِبْط مشربهم يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- كُلُوا من المن والسلوى وَاشْرَبُوا من العيون
وهو مِنْ رِزْقِ اللَّهِ حلالا طيبا فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ يَقُولُ لا تعلوا وَلا تسعوا «1» فِي الأرض
مُفْسِدِينَ- 60- يَقُولُ لا تعملوا فِي الأرض بالمعاصي فرفعوا
من المن والسلوى لغد فذلك قوله- سبحانه- وَلا تَطْغَوْا فِيهِ
«2» يَقُولُ لا ترفعوا منه لغد وكان مُوسَى- عليه السلام- إذا
ظعن حمل الحجر معه وتنصب العيون منه.
ثُمّ إنهم قَالُوا: يا مُوسَى، فأين اللباس؟ فجعلت الثياب تطول
مَعَ أولادهم وتبقى عَلَى كبارهم وَلا تمزق وَلا تبلى وَلا
تدنس، وكان لهم عمود من نور يضيء لهم بالليل إذا ارتحلوا وغاب
«3» القمر، فَلَمَّا طال عليهم المن والسلوى سألوا مُوسَى نبات
الأرض فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى فِي
التيه لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ يعني المن والسلوى
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها يعني الثوم وَعَدَسِها
وَبَصَلِها فغضب مُوسَى- عَلَيْه السلام- قالَ
أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى يَقُولُ الَّذِي هُوَ
دون المن والسلوى من نبات الأرض بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ يعنى
المنّ والسلوى [13 أ] فَقَالَ مُوسَى: اهْبِطُوا مِصْراً من
الأمصار فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ من نبات الأرض
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ يعني عَلَى اليهود الذلة وهي
الجزية وَالْمَسْكَنَةُ يعنى الفقر وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ يعني استوجبوا غضب اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ذلِكَ الذل
والمسكنة الَّذِي نزل بهم بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ يعني القرآن وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ-
61- فِي أديانهم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا
__________
(1) فى أ: يقول لا تسعوا.
(2) سورة طه: 81.
(3) فى أ، ل: مكان القمر. ولكن فى مكان آخر: وغاب القمر.
(1/111)
يعنى اليهود وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ
وهم قوم «1» يصلون للقبلة «2» ، يقرءون الزبور ويعبدون
الملائكة، وذلك
أن سُلَمَان الفارسي كان من جند سابور، فأتى النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم وذَكِر سَلْمان أمر الراهب
وأصحابه، وأنهم مجتهدون فِي دينهم يصلون ويصومون، فَقَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
هُمْ فِي النار
فأنزل الله- عز وجل- فيمن صدق منهم بمحمد- صلى الله عليه وسلم-
وبما جاء به إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا يعني أقروا
وليسوا بمنافقين وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَعَمِلَ صالِحاً يَقُولُ من صدق منهم بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
بأنه واحد لا شريك لَهُ وصدق بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء
الأعمال بأنه كائن فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من نزول العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 62-
عِنْد الموت «3» . يَقُولُ إن الَّذِين آمنوا يعني صدقوا
بتوحيد اللَّه- تَعَالَى- ومن آمن من الَّذِين هادوا ومن
النَّصارى ومن الصابئين من آمن منهم بِاللَّه واليوم الآخر
فيما تقدم إلى آخر الآية وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ فِي
التوراة وأن تعملوا بما فيها فَلَمَّا قرءوا التوراة وفيها
الحدود والأحكام كرهوا أن يقروا بما فيها رفع اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- عليهم الجبل ليرضخ به رءوسهم، وذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ يعني الجبل
فَلَمَّا رأوا ذَلِكَ أقروا بما فيها فذلك قوله: وَإِذْ
نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا
أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
يَقُولُ ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة عَلَيْه
وَاذْكُرُوا يَقُولُ احفظوا ما فِيهِ من أمره ونهيه وَلا
تضيعوه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ- 63- يَقُولُ لكي تتقوا المعاصي
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ يَقُولُ أعرضتم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عن الحق
__________
(1) فى أ: قوما. [.....]
(2) فى أ: القبلة.
(3) فى أ: بالموت.
(1/112)
من بعد الجبل فَلَوْلا «1» فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني نعمته لعاقبكم ولَكُنْتُمْ فِي
الآخرة مِنَ الْخاسِرِينَ- 64- فِي العقوبة وَلَقَدْ
عَلِمْتُمُ يعني اليهود الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي
السَّبْتِ فصادوا فِيهِ «2» السمك وكان محرما عليهم صيد السمك
يوم السبت فأمهلهم اللَّه- سُبْحَانَهُ- بعد صيد السمك سنين
ثُمّ مسخهم اللَّه قردة فذلك قوله: فَقُلْنا لَهُمْ بوحي
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ- 65- يعنى صاغرين فَجَعَلْناها
نَكالًا [13 ب] لبنى إسرائيل لِما بَيْنَ يَدَيْها يَقُولُ
أخذناهم بمعاصيهم قبل صيد الحيتان وَما خَلْفَها ما استنوا من
سنة سيئة فاقتدى بها من بعدهم فالنكال هِيَ العقوبة ثُمّ مسخهم
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي زمان دَاوُد- عَلَيْه السَّلام-
قردة ثُمّ حذر هَذِهِ الأمة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ- 66- يعني تعظهم يا محمد أن
يركبوا ما ركبت بنو إِسْرَائِيل من المعاصي فيستحلوا محرما
أَوْ صيدا فِي حرم اللَّه أَوْ تستحلوا أنتم حراما لا ينبغي
فينزل بكم من العقوبة مثل ما نزل بالذين استحلوا صيد السمك يوم
السبت.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا بني إِسْرَائِيل إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً بأرض مصر قبل
الغرق «3» وذلك أن أخوين كانا فِي بني إِسْرَائِيل فقتلا ابْن
عم لهما ليلا بمصر ليرثاه ثُمّ حملاه فألقياه بين القريتين.
قال: حدثنا عبيد الله، قال:
حدثني أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ عَنْ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
أَنَّهُ قَالَ: قَاسُوا مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ فَكَانَتَا
سَوَاءً فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَخَذُوا أَهْلَ الْقَرْيَةِ «4»
، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلا عَلِمْنَا لَهُ
قَاتِلا. قالوا: يا موسى، ادع
__________
(1) فى أ: ولولا.
(2) فى أ: فيها.
(3) أى قبل غرق فرعون وجنوده.
(4) هكذا فى أ، ل. وصوابها القريتين. وهذه القصة واردة من عدة
طرق فى تفسير الدر المنثور السيوطي أ: 77.
(1/113)
لَنَا رَبَّكَ، يُطْلِعْ عَلَى الْقَاتِلِ
«1» إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا تَزْعُمُ فَدَعَا مُوسَى
رَبَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْه
السَّلامُ- فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ. فَقَالَ لَهُمْ
مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً،
فَتَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا فَيَحْيَا، فَيُخْبِرَكُمْ
بِقَاتِلِهِ. وَاسْمُ الْمَقْتُولِ عَامِيلُ.
فَظَنُّوا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالُوا: نَسْأَلُكَ
عَنِ الْقَاتِلِ لِتُخْبِرَنَا بِهِ فَتَأْمُرُنَا بِذَبْحِ
بَقَرَةٍ اسْتِهْزَاءً بِنَا. فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِمُوسَى:
قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ
أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ- 67- يَعْنِي مِنَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ فَعَلِمُوا أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمَ ذلك
قالُوا يا موسى: ادْعُ لَنا رَبَّكَ أَي سل لنا ربك يُبَيِّنْ
لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إن ربكم يَقُولُ: إِنَّها
بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ يعنى ليست بكبيرة ولا بكر أى
شاب عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ يعني بالعوان بين الكبيرة والشابة
فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ- 68- فانطلقوا ثُمّ رجعوا إلى
مُوسَى قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ أَي سل ربك:
يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها
بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها يعني صافية اللون نقية
تَسُرُّ يعني تعجب النَّاظِرِينَ- 69- يعني من رآها فشددوا
عَلَى أنفسهم فشدد اللَّه عليهم
قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-: إنما أمروا بقرة
ولو عمدوا إلى أدنى بقرة لأجزأت «2» عَنْهُمْ، وَالَّذِي نفس
محمد بيده لو لَمْ يستثنوا ما بينت لَهُم آخر الأبد فانطلقوا
ثُمّ رجعوا قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ
إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا تشكل «3» وَإِنَّا إِنْ
شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
- 70- لو لَمْ يستثنوا لَمْ يهتدوا لها أبدا فعند ذَلِكَ هموا
أن يفعلوا ما أمروا. ولو أنهم عمدوا إلى الصفة الأولى فذبحوها
لأجزأت عنهم.
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ أى قال موسى إن الله يقول [14 أ] :
إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ يَقُولُ ليست
«4» بالذلول التي يعمل عَلَيْهَا فِي الحرث وَلا تَسْقِي
الْحَرْثَ
__________
(1) فى ل: هذا القاتل.
(2) هكذا فى ل، وفى أ: لأجرت.
(3) بعضه يشبه الآخر وفى ل: تشتكل.
(4) هكذا فى ل وفى أ: ليس.
(1/114)
يَقُولُ ليست بالذلول التي يسقي عَلَيْهَا
بالسواقي الماء للحرث مُسَلَّمَةٌ يعني صحيحة لا شِيَةَ فِيها
يَقُولُ لا وضح «1» فيها يَقُولُ لَيْسَ فيها سواد وَلا بياض
وَلا حمرة قالُوا:
الْآنَ يا مُوسَى جِئْتَ بِالْحَقِّ يَقُولُ الآن بينت لنا
الحق، فانطلقوا حتى وجدوها عند امرأة اسمها نور يا بِنْت «2»
رام فاستاموا بها. فقالوا لموسى: إنها لا تباع إِلَّا بملء
مسكها ذهبا. قَالَ مُوسَى: لا تظلموا «3» انطلقوا اشتروها بما
عَزَّ وهان، فاشتروها بملء مسكها ذهبا. فَذَبَحُوها فقالوا
لموسى: قَدْ ذبحناها. قَالَ:
خذوا منها عضوا فاضربوا به القتيل، فضربوا القتيل، بفخذ البقرة
اليمنى فقام القتيل وأوداجه تشخب دما فَقَالَ: قتلني فُلان
وفلان. يعني ابني عمّه. ثُمّ وقع ميتا.
فأخذا فقتلا، فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: فَذَبَحُوها وَما
كادُوا يَفْعَلُونَ- 71- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً
فَادَّارَأْتُمْ فِيها فاختلفتم فِي قتلها فَقَالَ أَهْل
هَذِهِ القرية الأخرى:
أنتم قتلتموه. وقَالَ الآخرون: أنتم قتلتموه فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ-
72- يعني كتمان قَتْل المقتول فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
كَذلِكَ
يقول هكذا يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
فكان ذَلِكَ من آياته وعجائبه لَعَلَّكُمْ
يَقُولُ لكي تَعْقِلُونَ
- 73- فتعتبروا فِي البعث وإنما فعل اللَّه ذَلِكَ بهم لأنه
كان فِي بني إِسْرَائِيل من يشك فِي البعث فأراد اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- أن يعلمهم أَنَّهُ قادر على أن يبعث الموتى. وذلك
قوله- سُبْحَانَهُ-:
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
فتعتبروا فِي البعث.
فقالوا: نَحْنُ لَمْ نقتله، وَلَكِن كذب علينا، فَلَمَّا كذبوا
المقتول ضرب اللَّه لهم مثلا وذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبُكُمْ فى الشدة فلم تطمئن يعنى تلين
__________
(1) وضح: ساقطة من أوفى البيضاوي لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها
يخالف لون جلدها. وهي فى الأصل مصدر وشاه وشيا وشية إذا خلط
بلونه لونا آخر.
(2) هكذا فى ل، وفى أ: ابنت.
(3) هكذا فى أ، ل: بدون ذكر المفعول فيهما.
(1/115)
حَتَّى كذبتم المقتول. ثُمّ قَالَ: مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد حياة المقتول فَهِيَ كَالْحِجارَةِ
فشبه قلوبهم حين لَمْ تلن بالحجارة فِي الشدة ثُمّ عذر الحجارة
وعاب قلوبهم، فَقَالَ فهي كالحجارة فِي القسوة: أَوْ أَشَدُّ
قَسْوَةً ثم قال: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ما هي ألين من
قلوبهم فمنها لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ
مِنْها لَما يعني ما يَشَّقَّقُ يعني يتصدع فَيَخْرُجُ مِنْهُ
الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ يَقُولُ من بعض الحجارة
الَّذِي يهبط من أعلاه فهؤلاء جميعا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
يفعلون ذلك وبنو إِسْرَائِيل لا يخشون اللَّه وَلا ترق قلوبهم
كفعل الحجارة وَلا يقبلون إلى طاعة ربهم ثُمّ وعدهم فَقَالَ-
عَزَّ وَجَلّ-: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ-
74- من المعاصي.
أَفَتَطْمَعُونَ أَي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وحده.
أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أن يصدقوا قولك يا محمد يعني يهود
المدينة وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ على عهد موسى [15 ب] «1»
- عليه السلام- يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ وذلك أن السبعين
الَّذِين اختارهم مُوسَى حين قالوا أرنا الله جهرة فعاقبهم
الله- عَزَّ وَجَلّ- وأماتهم عقوبة، وبقي «2» مُوسَى وحده،
يبكي فَلَمَّا أحياهم اللَّه- سُبْحَانَهُ- قَالُوا: قَدْ
علمنا الآن أنَّكَ لَمْ تر ربك وَلَكِن سَمِعْتَ صوته فأسمعنا
صوته.
قَالَ مُوسَى: أما هَذَا فعسى. قَالَ مُوسَى: يا رب إن عبادك
هَؤُلاءِ بني إِسْرَائِيل يحبون أن يسمعوا كلامك. فَقَالَ: من
أحبّ منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النّساء ثلاثة أيام، وليغتسل
يوم الثالث وليلبس ثيابا جددا «3» ، ثُمّ ليأتي الجبل فأسمعه
كلامي.
ففعلوا ذَلِكَ ثُمّ انطلقوا مَعَ مُوسَى إلى الجبل، فَقَالَ
لهم موسى: إذا رأيتم السحابة
__________
(1) ورقة (14 ب) ، (15 أ) ليس فيهما شيء والكلام متصل بين (14
أ) و (15 أ) . [.....]
(2) هكذا فى ل، وفى أ: بقي.
(3) هكذا فى ل، وفى أ: ثياب جدد.
(1/116)
قَدْ غشيت، ورأيتم فيها نورا وسمعتم فيها
صوتا، فاسجدوا لربكم وانظروا ما يأمركم به، فافعلوا، قَالُوا:
نعم، فصعد مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- الجبل فجاءت الغمامة
فحالت بينهم وبَيْنَ مُوسَى ورأوا النور وسمعوا صوتا كصوت
الصور «1» ، وَهُوَ البوق»
، فسجدوا وسمعوه وَهُوَ يَقُولُ: إني أنا ربكم لا إله إِلَّا
أَنَا الحي القيوم، وأنا الَّذِي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة
«3» وذراع شديد فلا تعبدوا إلها غيري، وَلا تشركوا بي شيئًا
وَلا تجعلوا لي شبها فإنكم لن تروني، وَلَكِن تسمعون كلامي.
فَلَمَّا أن سمعوا الكلام ذهبت أرواحهم من هول ما سمعوا ثُمّ
أفاقوا وَهُم سجود. فقالوا لموسى- عَلَيْه السَّلام-: إنا «4»
لا نطيق أن «5» نسمع كلام ربنا، فكن بيننا وبَيْنَ ربنا، فليقل
لك وقل أَنْت لنا. قَالَ مُوسَى: يا رب إن بني إِسْرَائِيل
لَمْ يطيقوا أن يسمعوا كلامك فقل لي، وأقل لهم. قَالَ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ-: نعم ما رأوا.
فجعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يأمر مُوسَى ثُمّ يخبرهم مُوسَى
ويقولون سمعنا ربنا وأطعنا فَلَمَّا فرغ من أمره ونهيه ارتفعت
السحابة وذهب الصوت فرفع القوم رءوسهم ورجعوا إلى قومهم. قِيلَ
لهم: ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عَنْهُ؟ فَقَالَ بعضهم: أمرنا
بكذا وكذا، ونهانا عن كذا وكذا. وقَالَ آخرون: واتبع فِي آخر
قوله إن لَمْ تستطيعوا ترك ما نهاكم عَنْهُ فافعلوا ما
تستطيعون. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني طائفة من
بني إِسْرَائِيل يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وفهموه وَهُمْ
يَعْلَمُونَ- 75- أنهم حرفوا الكلام وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قالُوا آمَنَّا يعني صدقنا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم- بأنه نبى وذلك أن الرجل
__________
(1) هكذا فى ل، وفى أ: الشبور.
(2) فى ل: البرق.
(3) فى ل: رفيقة، وفى أ: رفيعة.
(4) فى أ: وإنا.
(5) أن: ساقطة من أ، وموجودة فى ل.
(1/117)
المسلم كان يلقى من اليهود حليفة أَوْ أخاه
من الرضاعة [16 أ] فيسأله أتجدون محمدا فِي كتابكم فيقولون نعم
إن نبوة صاحبكم حق وإنا نعرفه فسمع كعب بن الأشرف، وكعب بن
أسيد، ومالك بن الضيف، وجدي بن أخطب، فقالوا لليهود فِي السر:
اتحدثون أصحاب محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما
فتح اللَّه لَكُمْ يعني بما بين لَكُمْ فِي التوراة من أمر
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذلك قوله-
تَعَالَى-: [وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا
أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ «1» ]
لِيُحَاجُّوكُمْ يعنى ليخاصموكم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
باعترافكم أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- نَبِيّ ثُمّ لا
تتابعوه أَفَلا تَعْقِلُونَ- 76- يعني أفلا ترون أن هَذِهِ حجة
لهم عليكم فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: أَوَلا يَعْلَمُونَ
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ فِي الخلا وَما
يُعْلِنُونَ- 77- فِي الملأ فيقول بعضهم لبعض: أتحدثونهم بأمر
محمد- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- أو لا يعلمون حين قَالُوا:
إنا نجد محمدا فِي كتابنا وإنا لنعرفه وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ
لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ يَقُولُ من اليهود
من لا يقرأ التوراة إِلَّا أن يحدثهم عَنْهَا رءوس اليهود
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ- 78- فِي غَيْر يقين ما
يستيقنون به فَإِن كذبوا رءوس اليهود أَوْ صدقوا تابعوهم
باعترافهم فَلَيْس لَهُم بالتوراة علم إِلَّا ما حدثوا عنها.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ سوى
نعت محمد- صلى الله عليه وسلم- وذلك أن رءوس اليهود بالمدينة
محوا نعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التوراة
وكتبوا سوى نعته وقالوا لليهود سوى نعت محمد ثُمَّ يَقُولُونَ
هذا النعت مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً
قَلِيلًا يعني عرضا يسيرا مما يعطيهم سفلة اليهود كُلّ سنة من
زروعهم وثمارهم يَقُولُ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ يعني فِي التوراة من تغيير نعت محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا
يَكْسِبُونَ
__________
(1) ما بين القوسين [-..-] ليس فى أ.
(1/118)
- 79- من تِلْكَ المآكل على التكذيب بمحمد-
صَلَّى الله عليه وسلم- ولو تابعوا محمدا- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لحبست عنهم تلك المآكل وَقالُوا يعني
اليهود لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً
لأنا أبناء اللَّه وأحباؤه يعني ولد أنبياء اللَّه: إِلَّا
أربعين يومًا التي عَبْد آباؤنا فيها العجل «1» . قُلْ
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فعلتم بما عهد إليكم فِي
التوراة فَإِن كنتم فعلتم فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ
أَمْ تَقُولُونَ يعني بل تقولون عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ- 80- فَإنَّهُ لَيْسَ بمعذبكم إِلَّا تِلْكَ
الأيام فإذا مضت تِلْكَ الأيام مقدار كُلّ يوم ألف سنة قَالَت
الخزنة يا أعداء اللَّه ذهب الأجل وبقي الأبد وأيقنوا بالخلود
فَلَمَّا قَالُوا لن تمسنا النار إِلَّا أياما معدودة أكذبهم
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ: بَلى يخلد فيها مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً يعنى الشرك وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [16 ب]
حَتَّى مات عَلَى الشرك فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ
فِيها خالِدُونَ- 81- يعني لا يموتون ثُمّ بين مستقر
الْمُؤْمِنِين فَقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ- 82- لا يموتون وَإِذْ يعني ولقد أَخَذْنا مِيثاقَ
بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعنى برا بهما وَذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى يعني ذوي القرابة صلته وَالْمَساكِينِ واليتيم أن
تصدق عَلَيْه وابن السبيل يعني الضيف أن تحسن إليه. وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْناً يعني حقا نظيرها فِي طه قوله- عَزَّ وجل-
أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً «2» يعنى حقا.
وقوله: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً يعني لِلنَّاسِ أجمعين
صدقا فِي محمد وعن الإيمان.
__________
(1) فى أ، ل زيادة: يعنون آباءهم لقول الله- عز وجل-.
(2) سورة طه: 86.
(1/119)
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني أتموا الصَّلاة
لمواقيتها وَآتُوا «1» وأعطوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
يعني أعرضتم عن الْإِيمَان فلم تقروا ببعث محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» - إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ
وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ- 83- يعني ابْن سلام، وسلام بن قَيْس،
وثعلبة بن سلام، وقيس بن أخت عَبْد اللَّه بن سلام، وأسيد،
وأسد ابني كَعْب ويامين، وابن يامين، وهم مؤمنو أهل التوراة
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ فِي التوراة يعني ولقد أخذنا
ميثاقكم فِي التوراة لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ يَقُولُ لا
يقتل بعضكم بعضا وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ يعني لا
يُخْرُج بعضكم بعضا مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ
بِهَذَا وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ- 84- أن هَذَا فِي التوراة
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ مَعْشَر اليهود بالمدينة تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ يعني يقتل بعضكم بعضا وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً
يعني طائفة مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ يعني تعاونون
عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ يعني بالمعصية وَالْعُدْوانِ يعني
بالظلم ومكتوب عليهم فِي التوراة أن يفدوا أسراهم فيشتروهم إذا
أسرهم «3» أَهْل الروم فِي القتال إن كان عبدا أَوْ أَمَة
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ
عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ
يَقُولُ تصدقون ببعض ما في التوراة لمن يقتل، والإخراج من
الديار، فهو محرم عليكم إخراجهم وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما
جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ يعنى
الهوان فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فكان خزي أَهْل قريظة القتل
والسبي «4» وخزي أَهْل النضير الجلاء والنفي من منازلهم
وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام فكان
هَذَا خزيا لهم «5» وهوانا لهم «6» وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ
__________
(1) ساقطة من أ.
(2) فى أزيادة: كقوله وقولوا للناس أجمعين صدقا فِي محمد وعن
الْإِيمَان.
(3) فى أ: أسروهم.
(4) فى أ: والسبا. [.....]
(5) فى أ: خزيهم.
(6) فى أ: وهوان لهم.
(1/120)
يعنى رءوس اليهود يقول [17 أ] هُمْ أشد
عذابا يعني رءوس اليهود من أهل ملتهم لأنهم أول من كفر بمحمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليهود ثُمّ أوعدهم
فَقَالَ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 85- ثُمّ
نعتهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
يعنى اختاروا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ يَقُولُ باعوا
الآخرة بالدنيا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل فَلا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ فى الآخرة وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ- 86- يعني وَلا هُمْ يمنعون من العذاب وَلَقَدْ
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يَقُولُ أعطينا مُوسَى التوراة
وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ يَقُولُ وأتبعنا من بعد مُوسَى
بِالرُّسُلِ إلى قومهم وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّناتِ يَقُولُ وأعطينا عِيسَى ابن مريم العجائب التي
كان يصنعها من خلق الطير «1» وإبراء الأكمه «2» والأبرص وإحياء
«3» الموتى بإذن اللَّه ثُمّ قَالَ- سبحانه-: وَأَيَّدْناهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ يَقُولُ وقوينا عِيسَى بجبريل- عليهما
السَّلام- فقالت اليهود عِنْد ذَلِكَ فجئنا يا محمد بمثل ما
جاء به مُوسَى من الآيات كَمَا تزعم يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى
أَنْفُسُكُمُ يعني اليهود اسْتَكْبَرْتُمْ يعني تكبرتم عن
الْإِيمَان برسولي يعنى محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ يعني طائفة من
الْأَنْبِيَاء كذبتم بهم منهم عِيسَى ومُحَمَّد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ- 87- يعني
وطائفة قتلتموهم منهم زَكَرِيّا ويحيى والأنبياء أيضا فعرفوا
أن الَّذِي قَالَ لهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حق فسكتوا وَقالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قُلُوبُنا غُلْفٌ يعني فِي غطاء ويعنون فِي أكنة
عَلَيْهَا الغطاء فلا تَفْهم وَلا تفْقَه ما تَقُولُ يا محمد
كراهية لما سمعوا من
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قوله إنكم
كذبتم
__________
(1) فى ل: هي خلق الطير.
(2) فى أ: ويبرى.
(3) فى أ: ويحيى.
(1/121)
فريقا من الْأَنْبِيَاء وفريقا قتلتم فَإِن
كُنْت صادقا فأفهمنا ما تَقُولُ.
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وجل-: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
بِكُفْرِهِمْ فطبع على قلوبهم فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ- 88-
يعني بالقليل بأنهم لا يصدقون بأنه من اللَّه وكفروا بما سواه
مما جاء به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذلك
قوله- عَزَّ وَجَلّ-: فِي النّساء: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا
قَلِيلًا «1» وإنما سمي اليهود من قبل يهوذا بن يَعْقُوب
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني قرآن محمد-
صلى الله عليه وسلم- مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ فِي التوراة
بتصديق محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقرآنه فِي
التوراة نزلت فِي اليهود منهم أَبُو رافع، وابن أَبِي الحقيق،
وأبو نافع وغرار، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ أن يبعث محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُوا نظيرها فِي الأنفال إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
«2» يعني إن تستنصروا بخروج محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على مشركي العرب «3» [17 ب] جهينة، ومزينة، وبني
عذره، وأسد وغطفان، ومن يليهم كَانَت اليهود إذا قاتلوهم
قَالُوا: اللَّهُمَّ إنا نسألك باسم النَّبِيّ الَّذِي نجده
فِي كتابنا تبعثه فِي آخر الزمان أن تنصرنا فينصرون عليهم.
فَلَمَّا بعث اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- محمدا- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غَيْر بني إِسْرَائِيل كفروا به وهم
يعرفونه فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: فَلَمَّا جاءَهُمْ محمد ما
عَرَفُوا أَي بما عرفوا من أمره فِي التوراة كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ- 89- يعنى اليهود
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ يَقُولُ بئسما باعوا
أنفسهم بعرض يسير من الدُّنْيَا مما كانوا يصيبون من سفلة
اليهود من المأكل فِي كُلّ عام ثُمّ قَالَ: أَنْ يَكْفُرُوا
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من القرآن عَلَى محمد- صلى اللَّه
عَلَيْه وسلم- بَغْياً يعني حسدا لمحمد إذ كان من العرب
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ
__________
(1) سورة النساء: 155.
(2) سورة الأنفال: 19.
(3) فى أ: مشركين العرب.
(1/122)
النُّبُوَّة والكتاب عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ
قال- سبحانه-: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ يَقُولُ استوجبوا
بغضب من اللَّه حين كفروا بعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى غضب بكفرهم بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبما جاء به وَلِلْكافِرِينَ من اليهود عَذابٌ
مُهِينٌ- 90- يعنى الهوان. ثم قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني
اليهود منهم أَبُو ياسر، والنعمان بن أوفي آمِنُوا يعني صدقوا
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من القرآن عَلَى محمد قالُوا نُؤْمِنُ
بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعنى التوراة وَيَكْفُرُونَ بِما
وَراءَهُ يعني بما بعد التوراة الإنجيل والفرقان وَهُوَ
الْحَقُّ يعني قرآن محمد مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ يَقُولُ
تصديقا لمحمد بما أنزل اللَّه عَلَيْه من القرآن مكتوبا عندهم
فِي التوراة قُلْ لهم يا محمد: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ
اللَّهِ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دعا اليهود إلى
الْإِيمَان فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
آتنا بالآيات والقربان كَمَا كانت الأنبياء تجيء بها إلى قومهم
يقول اللَّه- سُبْحَانَهُ- فقد كَانَت الأنبياء تجيء إلى
آبائهم فكانوا يقتلونهم فقال الله- عز وجل- قُلْ يا محمد
فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ يَقُولُ
فلم قتلتم أنبياء اللَّه مِنْ قَبْلُ يعني آباءهم وَقَدْ جاءوا
بالآيات والقربان إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 91- يعني إن كنتم
صادقين بأن اللَّه عهد إليكم فِي التوراة ألا تؤمنوا بالرسول
حَتَّى يأتيكم بقربان تأكله النار فقد جاءوا بالقربان فلم
قتلتموهم يعنى آباءهم «1» . ثُمّ قَالَ لمحمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قل لليهود: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى
بِالْبَيِّناتِ يعنى بالآيات التسع ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ
الْعِجْلَ إلها مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد انطلاق مُوسَى إلى
الجبل وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ- 92- لأنفسكم وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَكُمْ يعني وَقَدْ أخذنا ميثاقكم فِي التوراة يعني
اليهود يعنى على
__________
(1) فى أ: فلم قتلتموهم إن كنتم يعنى آباءهم.
(1/123)
أن تعبدوا اللَّه «1» وَلا تشركوا به شيئًا
[18 أ] وأن تؤمنوا بالكتاب والنبيين وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ
الطُّورَ حين لَمْ يقبلوا التوراة قَالَ مُوسَى: يا رب إن
عبادك لَمْ يقبلوا كتابك وعصوا أمرك «2» . فأمر- اللَّه عَزَّ
وَجَلّ- الملائكة «3» وجبريل فرفعوا من الأرض المقدسة جبلا فوق
رءوسهم فحال الجبل بينهم وبَيْنَ السماء فَقَالَ مُوسَى-
عَلَيْه السَّلام- لبني إِسْرَائِيل: إن لَمْ تقبلوا التوراة
طرح هَذَا الجبل فيرضخ به رءوسكم وكان الجبل منهم قدر ميل
فَلَمَّا رأوا ذَلِكَ قبلوها فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَإِذْ
نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا
أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ «4» خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
يعني ما آتيناكم من التوراة بالجد والمواظبة عَلَيْه فرجع
الجبل إلى مكانه فَقَالَ مُوسَى لبني إِسْرَائِيل:
وَاسْمَعُوا يَقُولُ اسمعوا ما فِي التوراة من الحدود والأحكام
والشدة قالُوا سَمِعْنا بِذَلِك الَّذِي تخوفنا به من أمر
الجبل وَعَصَيْنا أمرك فلا نتبع ما جئتنا به من الشدة فِي
التوراة والعجل كان أرفق بنا وأهون علينا مما جئتنا به من
الشدة يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قَالَ لهم مُوسَى أن تحبوا
شيئًا دونه يعدل حبه فِي قلوبكم كحب اللَّه خالقكم قُلْ
بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ- 93- كما تزعمون ثُمّ أخبر أَنَّهُ حين رفع الجبل
عليهم والبحر من ورائهم خافوا الهلكة فقبلوا التوراة قُلْ إِنْ
كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً
يعني الجنة وذلك أن اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وأن
الله لن يعذبنا «5» فقال الله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه
وسلم- قل لهم إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ
اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
__________
(1) الله: ساقط من أ.
(2) فى أ: وعدوا.
(3) فى أ، ل: وهو جبريل عليه السلام.
(4) سورة الأعراف: 171.
(5) فى أ: أن الله لا يعذبنا قال. [.....]
(1/124)
94- يَقُولُ فأحبوا الموت إن كنتم أولياء
اللَّه وأحباؤه وأنكم فِي الجنة «1» قَالَ اللَّه- عَزَّ وجل-
للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ
الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي
السَّبْتِ «2» ألم أمسخهم قردة بمعصيتهم ثم أخبر عنهم بمعصيتهم
«3» ، فقال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً يعني ولن يحبوه أبدا
يعني الموت بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من ذنوبهم وتكذيبهم
بِاللَّه ورسوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ- 95- يعني
اليهود فأبوا أن يتمنوه
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو
تمنوا الموت ما قام منهم رَجُل من مجلسه حَتَّى يغصه اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- بريقه فيموت
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أي وأحرص الناس عَلَى الحياة من الَّذِين
أشركوا أى مشركي العرب يَوَدُّ أَحَدُهُمْ [18 ب] يعني اليهود
لَوْ يُعَمَّرُ فِي الدُّنْيَا أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ
بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ فيها وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ- 96- فأبوا أن يتمنوه
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو
تمنوا الموت ما قام منهم رَجُل من مجلسه حَتَّى يغصه اللَّه-
عز وجل- بريقه فيموت.
فقالت اليهود: إن جبرئيل لنا عدو أمر أن يجعل النُّبُوَّة فينا
فجعلها فِي غيرنا من عداوته إيانا فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ يعني اليهود فَإِنَّهُ
نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ يقول جبرئيل-
عَلَيْه السَّلام- تلاه عليك ليثبت به فؤادك يعني قلبك نظيرها
فِي الشعراء قوله سُبْحَانَهُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «4»
ثم قال: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يعني قرآن محمد- صلى
الله عليه وسلم- يصدق
__________
(1) فى أزيادة وذلك أن اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه
وأن الله لن يعذبنا قال.
(2) سورة الأعراف: 163.
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) سورة الشعراء: 194.
(1/125)
الكتب التي كَانَتْ قبله وَهُدىً «1» أَي
وهذا القرآن هدى من الضلالة وَبُشْرى لمن آمن به من
الْمُؤْمِنِين لِلْمُؤْمِنِينَ- 97- مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ يعني بالملائكة جبريل ورسله
يعني محمدا وعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفرت
اليهود بهم وبجبريل وبميكائيل «2» يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «3» فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ
لِلْكافِرِينَ- 98- يعني اليهود وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ
آياتٍ بَيِّناتٍ يعني القرآن ثُمّ قَالَ بينات يعني ما فِيهِ
من الحلال والحرام وَما يَكْفُرُ بِها يعني بالآيات إِلَّا
الْفاسِقُونَ- 99- يعني اليهود ثُمّ قال- سبحانه-:
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً بينهم وبين النبي- صلى الله عليه
وسلم- نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ من اليهود بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لا يُؤْمِنُونَ- 100- يعني لا يصدقون بالقرآن أَنَّهُ من
اللَّه جاء وَلَمَّا جاءَهُمْ يعني اليهود رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- مُصَدِّقٌ لِما
مَعَهُمْ يعني يصدق محمدا أَنَّهُ نَبِيّ رسول معهم فِي
التوراة نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني
جعل طائفة من اليهود كِتابَ اللَّهِ يعني ما فِي التوراة من
أمر محمد وَراءَ ظُهُورِهِمْ فلم يتبعوه وَلَم يبينوه للناس
كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 101- بأن محمدا رسول نَبِيّ لأن
تصديقه معهم نزلت فِي كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وأبى
ياسر ابن أخطب، وسعيد بن عمرو»
الشاعر، ومالك «5» بن الضيف وحيي بن أخطب وأبي لبابة بن عمرو
وَاتَّبَعُوا يعنى اليهود ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى
مُلْكِ سُلَيْمانَ يعني ما تلت الشياطين عَلَى عهد سُلَيْمَان
وَفِي سلطانه وذلك أن طائفة من الشياطين
__________
(1) فى أ: هدى.
(2) فى أزيادة: «وذلك أنهم قالوا إن جبريل عدوا لميكائيل» .
(3) وجبريل وميكال: ساقط من أ، ل.
(4) فى أ: عمر.
(5) فى أ: ملك.
(1/126)
كتبوا كتابا فِيهِ سحر فدفنوه فِي مصلى
سُلَيْمَان حين خرج من ملكه ووضعوه تحت [19 أ] كرسيه فَلَمَّا
تُوُفّي سُلَيْمَان استخرجوا الكتاب، فقالوا: إن سُلَيْمَان
تملككم بِهَذَا الكتاب به كَانَتْ تجيء الريح وبه سخرت
الشياطين فعلموه الناس فأبرأ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- منه
سُلَيْمَان وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فتركت اليهود كتاب
الْأَنْبِيَاء واتبعوا ما قَالَتْ من السحر وَما أُنْزِلَ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ «1» أَي
واتبعوا ما أنزل عَلَى الملكين: يعني هاروت وماروت «2» وكانا
من الملائكة مكانهما فِي السماء واحد ثُمّ قَالَ: ببابل.
أَي وهما ببابل. وإنما سميت بابل لأن الألسن تبلبلت بها حين
ألقي إِبْرَاهِيم- صلى الله عليه وسلم- فِي النار ثُمّ قَالَ:
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ «3» وذلك أن هاروت وماروت يصنعان من
السحر الفرقة «4» فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما بعد قولهما فلا
تكفر إذا وصفا «5» فيتعلمون منهما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ والفرقة أن يؤخذ الرَّجُل عن
امرأته يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
وَما هُمْ بِضارِّينَ يعني السحرة بِهِ مِنْ أَحَدٍ يعني
بالسحر من أحد إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فِي ضره «6»
وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ فيتعلمون السحر من الشياطين-
والفرقة من هاروت وماروت وَلا يَنْفَعُهُمْ ثُمّ قَالَ:
وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ «7» يَقُولُ لقَدْ علمت
اليهود «8» فِي التوراة لمن اختار السحر مَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ يقول ماله فِي الآخرة من نصيب نظيرها
فِي براءة قوله سُبْحَانَهُ-:
فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ «9» وكقوله: أُولئِكَ لا
خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «10» يعنى نصيب.
__________
(1) هاروت وماروت: ساقط من أ.
(2) فى أ: زيادة سحرا.
(3) اضطراب وخطأ فى نسخة أ، وقد أصلحته من ل.
(4) ساقطة من ل.
(5) ساقطة من أ: (إذا وصفا) . [.....]
(6) فى أ: فى ضيره.
(7) فى أ: زيادة ماله.
(8) فى أ، ل زيادة: أن.
(9) سورة التوبة: 69.
(10) سورة آل عمران: 77
(1/127)
وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا يَقُولُ باعوا بِهِ
أَنْفُسَهُمْ من السحر لَوْ يعني إن كانُوا يَعْلَمُونَ- 102-
ولكنهم لا يعلمون «1» .
كان أَبُو صَالِح يروي عن الْحَسَن فِي قوله- تَعَالَى-: وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ قَالَ: وكان هاروت
وماروت مطيعين للَّه- عَزَّ وَجَلّ-. هبطا بالسحر ابتلاء من
اللَّه لخلقه وعهد إليهما عهدا أن لا يعلما أحدا سحرا حَتَّى
يقولا لَهُ مقدمة إِنَّمَا نَحْنُ فتنة يعني محنة وبلوى فلا
تكفر فإذا أبى عليهما إِلَّا تعليم السحر قَالا له: اذهب إلى
موضع كذا وكذا فإنك إذا أتيته وفعلت كذا وكذا كنت ساحرا «2» .
ثُمّ قَالَ لليهود: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا يعني صدقوا
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاتَّقَوْا الشرك
لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَقُولُ لكان ثوابهم عِنْد
اللَّه خَيْرٌ من السحر والكفر لَوْ يعني إن كانُوا
يَعْلَمُونَ- 103- نظيرها فِي المائدة قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ
بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ «3» يعنى ثوابا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وذلك [19
ب] أن الْمُؤْمِنِين قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- راعنا سمعك كقولهم فِي الْجَاهِلِيَّة بعضهم لبعض.
وراعنا فِي كلام اليهود الشتم فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ اليهود
من المشركين أعجبهم فقالوا: مثل ذَلِكَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رجل من الأنصار- وهو سعد بن عبادة
الْأَنْصَارِيّ- لليهود «4» لئن قالها رَجُل منكم للنبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأضربن عنقه فوعظ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَقُولُوا
__________
(1) فى أ: زيادة نظيرها فى المائدة.
(2) هذا الأثر ذكر فى أبعد تفسير أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبابِلَ.
(3) فى أ: قل هل أنبئكم بهمزة على نبرة والآية 60 سورة
المائدة.
(4) فى أ: فقال رجل من الأنصار لليهود وهو سعد بن عبادة.
(1/128)
للنبي- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم- راعِنا
وَلكن قُولُوا انْظُرْنا قولوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسمع مِنَّا ثُمّ قَالَ: وَاسْمَعُوا ما تؤمرون به
وَلِلْكافِرِينَ يعني اليهود عَذابٌ أَلِيمٌ- 104- يعني وجيعا
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ منهم
قَيْس بن عمرو، وعازار بن ينحوم، وذلك أن الأنصار دعوا خلفاءهم
من اليهود إلى الْإِسْلام، فقالوا للمسلمين: ما تدعونا إلى خير
مما نَحْنُ عَلَيْه وددنا أنكم عَلَى هدى وأنه كَمَا تقولون
فكذبهم اللَّه- سُبْحَانَهُ- فَقَالَ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ
يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ يعني دينه الْإِسْلام مَنْ يَشاءُ
نظيرها فِي- هَلْ أتى يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ «1»
يعني فِي دينه الْإِسْلام فاختص الْمُؤْمِنِين وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- 105- فاختصهم لدينه.
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها «2» يعني نبدل من آية
فنحولها فيها تقديم يقول نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها يَقُولُ نأت
من الوحي مكانها أفضل منها لَكُمْ وأنفع لَكُمْ ثُمّ قَالَ:
أَوْ مِثْلِها يَقُولُ أَوْ نأت بمثل ما نسخنا أَوْ ننسها
يَقُولُ أَوْ نتركها كَمَا هِيَ فلا ننسخها وذلك أن كفار مكة
قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنما تقولت أَنْت يا محمد
هَذَا القرآن من تلقاء نفسك قُلْتُ كذا وكذا ثُمّ غيرت فقلت
كذا وكذا فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يعظم نفسه تبارك اسمه
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ-
106- من الناسخ والمنسوخ قدير.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يحكم فيهما ما يشاء ويأمر بأمر ثُمّ يأمر بغيره:
ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ يعني قريب ينفعكم وَلا نَصِيرٍ- 107- يعني وَلا مانع
يمنعكم من اللَّه لقولهم إن القرآن
__________
(1) سورة الإنسان: 31.
(2) فى أ: ننساها.
(1/129)
لَيْسَ من اللَّه وإنما تقوله محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه نظيرها فِي براءة
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ «1» وقَالَ-
عَزَّ وَجَلّ- فِي النحل: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ
مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ «2» أنَّكَ لن
تَقُولُ إِلَّا ما قِيلَ لك. أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا
رَسُولَكُمْ [20 أ] يعني يَقُولُ تريدون أن تسألوا محمدا أن
يريكم ربكم جهرة كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ محمد يعني
كَمَا قَالتْ بنو إِسْرَائِيل لموسى أرنا الله جهرة وَمَنْ
يَتَبَدَّلِ يعني من يشتر الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ يعنى اليهود
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ- 108- يعني قَدْ أخطأ قصد طريق
الهدى كقوله- سُبْحَانَهُ- فِي القصص: عَسى رَبِّي أَنْ
يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ «3» يعني قصد الطريق وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وذلك أن نفرا من اليهود منهم
فنحاص، وزيد بن قَيْس- بعد قتال أحد- دعوا حُذَيْفة، وعمارا
إلى دينهم وقالوا لهما: إنكما لن تصيبا خيرًا للذي أصابهم يوم
أحد من البلاء. وقالوا لهما «4» : ديننا أفضل من دينكم ونحن
أهدى منكم سبيلا. قَالَ لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟
قَالُوا: شديد. قال عمار:
فإنى عاهدت ربي أن لا أكفر بمحمد أبدا، وَلا أتبع دينا غَيْر
دينه فقالت اليهود: أما عمار فقد ضل، وصبأ عن الهدى، بعد إذ
بصره اللَّه، فكيف أَنْت يا حُذَيْفة، ألا تبايعنا. قَالَ
حُذَيْفة: اللَّه ربي ومُحَمَّد نبيي والقرآن إمامي أطيع ربي،
وأقتدي برسولي، وأعمل بكتاب اللَّه ربي، حَتَّى يأتيني اليقين
على الإسلام
__________
(1) سورة التوبة: 74.
(2) سورة النحل: 101.
(3) سورة القصص: 22. [.....]
(4) فى أ: قالوا لهم.
(1/130)
واللَّه السَّلام ومنه السَّلام. فقالوا:
وإله مُوسَى لقَدْ أشربت قلوبكم حب محمد.
فَقَالَ عمار: ربي أحمده، وربي أكرم محمدا، ومنه اشتق «1»
الجلالة، إن محمدا أَحْمَد هُوَ محمد.
ثُمّ آتيا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأخبراه، فَقَالَ: ما رددتما عليهما. فَقَالا: قُلْنَا اللَّه
ربنا، ومُحَمَّد رسولنا، والقرآن إمامنا، اللَّه نطيع، وبمحمد
نقتدي، وبكتاب اللَّه نعمل. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصبتما أخا الخير، وأفلحتما فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- يحذر الْمُؤْمِنِين: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ
فِي التوراة أن محمدا نَبِيّ ودينه الْإِسْلام ثُمّ قَالَ
سُبْحَانَهُ:
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا يَقُولُ اتركوهم «2» واصفحوا يَقُولُ
وأعرضوا عن اليهود حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فأتى
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بأمره فِي أَهْل قريظة: القتل والسبي
وَفِي أَهْل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي
بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام إِنَّ اللَّهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 109- من القتل والجلاء قدير وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ يَقُولُ وأتموها لمواقيتها وَآتُوا الزَّكاةَ
يَقُولُ آتوا زكاة أموالكم وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ فِي الصدقة، ثُمّ قَالَ: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [20 ب]- 110- وَقالُوا
لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ عَلَى ديننا هُوداً
أَوْ نَصارى يَقُولُ اللَّه- سُبْحَانَهُ-: تِلْكَ
أَمانِيُّهُمْ يَقُولُ تمنوا عَلَى اللَّه فقال الله- عز وجل-
لنبيه- صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُلْ هاتُوا
بُرْهانَكُمْ يعني حجتكم من التوراة والإنجيل إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ- 111- بما تقولون فأكذبهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فَقَالَ: بَلى لكن يدخلها مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني
أخلص دينه للَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي عمله
__________
(1) فى أ: انبثق.
(2) فى أ: اتركهم.
(1/131)
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 112- عِنْد الموت
وَقالَتِ الْيَهُودُ يعني ابْن صوريا وأصحابه لَيْسَتِ
النَّصارى عَلى شَيْءٍ من الدّين فمالك يا محمد والنصارى اتبع
ديننا وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ من
الدين فمالك يا محمد واليهود اتبع ديننا يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-:
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ يَقُولُ وهم يقرءون التوراة
والإنجيل يعني يهود المدينة ونصارى نجران كَذلِكَ يعني هكذا
قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ بتوحيد ربهم يعني مشركي العرب
أن محمدا وأصحابه ليسوا عَلَى شيء من الدّين. يقول الله:
مِثْلَ قَوْلِهِمْ يعني مثل ما قالت اليهود والنصارى بعضهم
لبعض فذلك قوله سُبْحَانَهُ فِي المائدة: فَأَغْرَيْنا
بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
«1» يقول:
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني بين
مشركي العرب وبَيْنَ أَهْل الكتاب فِيما كانُوا فِيهِ من
الدّين يَخْتَلِفُونَ- 113- وَمَنْ أَظْلَمُ نزلت فى أنطياخوس
ابن ببليس الرومي ومن معه من أَهْل الروم يَقُولُ فلا أحد أظلم
مِمَّنْ مَنَعَ يعني نصارى الروم مَساجِدَ اللَّهِ يعنى بيت
المقدس أن يصلى فيه أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يعني التوحيد
وَسَعى فِي خَرابِها وذلك أن الروم ظهروا عَلَى اليهود فقتلوهم
وسبوهم وخربوا بيت المَقْدِس وألقوا فِيهِ الجيف وذبحوا فِيهِ
الخنازير ثُمّ كان عَلَى عهد الروم الثانية ططسر بن سناباتوس
ويُقَالُ اصطفانوس فقتلهم وخرب بيت المَقْدِس فلم يعمر حَتَّى
بناه المسلمون فِي زمان عُمَر بن الخَطَّاب- رضوان اللَّه
عَلَيْه. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: أُولئِكَ يعني أَهْل
الروم ما كانَ ينبغي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها يعني الأرض
المقدسة إذ بعث محمد- صلى الله عليه وسلم-: إِلَّا خائِفِينَ
فلا يدخل بيت المقدس اليوم الرومي إلا
__________
(1) سورة المائدة 14.
(1/132)
خائفا متنكرا فَمنْ قدر عَلَيْه منهم
فَإنَّهُ يعاقب ثُمّ أخبر عن أَهْل الروم فَقَالَ: لَهُمْ فِي
الدُّنْيا خِزْيٌ يعني الهوان إن لَمْ تقتل مُقَاتِلتهم وتسب
ذراريهم بأيدي الْمُسْلِمِين فِي ثلاث مدائن قُسْطَنْطِينيَّة
والرومية ومدينة أخرى وهي عمورية فهذا خزيهم فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [21 أ]- 114- من النار
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وذلك أن ناسا من
الْمُؤْمِنِين كانوا فِي سفر فحضرت الصَّلاة فِي يوم غيم
فتحيروا فمنهم من صلى قبل المشرق ومنهم من صلى قبل المغرب وذلك
قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة فَلَمَّا طلعت الشمس عرفوا أنهم
قَدْ صلوا لغير القبلة فقدموا المدينة فأخبروا النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِك فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما
تُوَلُّوا تحولوا وجوهكم فِي الصَّلاة فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
فثم اللَّه إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ لتوسيعه عليهم فِي ترك القبلة
حين جهلوها عَلِيمٌ- 115- بما نووا وأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ «1» إلى آخر الآية وَقالُوا
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ إِنَّمَا نزلت فِي نصارى
نجران السيد والعاقب ومن معهما من الوفد قدموا عَلَى النبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة فقالوا: عِيسَى
ابْن اللَّه فأكذبهم اللَّه- سُبْحَانَهُ- وعظم نفسه- تَعَالَى
عما يقولون- فَقَالَ: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ- 116- يعني للَّه يعني من
فيهما: يعني عِيسَى- صلى الله عليه وسلم- وغيره عبيده وَفِي
ملكه ثُمّ قَالَ: قانتون يعنى مقرون بالعبودية ثم عظم
__________
(1) سورة البقرة: 177 وتمامها لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ
عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا
عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ.
(1/133)
نفسه فقال: بَدِيعُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ ابتدعهما وَلَم يكونا شيئًا وَإِذا قَضى أَمْراً
فِي علمه أَنَّهُ كائن فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ-
117- لا يثنى «1» قوله كفعل المخلوقين وذلك أن اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- قضى أن يَكُون عِيسَى- عَلَيْه السَّلام- فِي بطن
أُمّه من غَيْر أب، فَقَالَ لَهُ كن فكان. وَقالَ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ بتوحيد ربهم يعني مشركي العرب للنبي- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْلا يعنون هلا يُكَلِّمُنَا
اللَّهُ يخبرنا بأنك رسوله أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَمَا كَانَت
الْأَنْبِيَاء تأتيهم الآيات تجيء إلى قومهم يَقُولُ اللَّه:
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
يقول هكذا قالت بنو إِسْرَائِيل من قبل مشركي العرب فقالوا فِي
سورة البقرة «2» ، والنساء «3» لموسى أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً
وأتوا بالآيات وسمعوا الكلام فحرفوه فهل هَؤُلاءِ إِلَّا مثل
أولئك؟ فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ثُمّ
قَالَ وإن كذب مشركو العرب بمحمد قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ أَي
فقد بينا الآيات فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فِي العنكبوت: بَلْ
هُوَ آياتٌ يعني بيان أمر محمد آيات بَيِّناتٌ «4» يعني واضحات
فِي التوراة أَنَّهُ أمي لا يقرأ الكتاب وَلا يخط بيمينه
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ- 118- يعني مؤمني أَهْل التوراة إِنَّا
أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ يَقُولُ لَمْ نرسلك عبثا لغير شيء
بَشِيراً وَنَذِيراً بشيرا بالجنة ونذيرا من النار وَلا
تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ
__________
(1) فى أ: لابثن.
(2) فى سورة البقرة: 55 وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ
الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
(3) سورة النساء: 153 وتمامها يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ
أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ
سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ
جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ
فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً.
(4) سورة العنكبوت: 49 وتمامها بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي
صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا
إِلَّا الظَّالِمُونَ.
(1/134)
- 119- فَإِن اللَّه قَدْ أحصاها عليهم «1»
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ [21 ب] من أهل المدينة وَلَا
النَّصارى من أَهْل نجران حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وذلك
أنهم دعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى
دينهم وزعموا أنهم عَلَى الهدى فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
قُلْ لهم: إِنَّ هُدَى اللَّهِ يعني الْإِسْلام هُوَ الْهُدى
ثُمّ حذر نبيه- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم- فَقَالَ: وَلَئِنِ
اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ يعني أَهْل الكتاب عَلَى دينهم بَعْدَ
الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ وعلم البيان «2» مَا لَكَ مِنَ
اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعنى من قريب فينفعك وَلا نَصِيرٍ- 120-
يعني وَلا مانع ثُمّ ذكر مؤمني أَهْل التوراة عَبْد اللَّه بن
سلام وأصحابه فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يعني أعطيناهم التوراة يَتْلُونَهُ يعني نعت محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التوراة حَقَّ
تِلاوَتِهِ فِي التوراة وَلا يحرفون نعته أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ
بِهِ يقول أولئك يصدقون بمحمد يعني عَبْد اللَّه بن سلام
وأصحابه ثُمّ قَالَ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يعني بمحمد من أَهْل
التوراة فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 121- فِي العقوبة يَا
بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ- 122-
يعني عالمي ذَلِكَ الزمان يعني عالمي أجدادهم يعني بالمن
والسلوى والحجر والغمام وَاتَّقُوا يَوْماً يعني اخشوا يومًا
يوم الْقِيَامَة لا تَجْزِي نَفْسٌ كافرة عَنْ نَفْسٍ كافرة
شَيْئاً من المنفعة وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ يعني فداء
وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ يعني شفاعة نَبِيّ وَلا شهيد وَلا
صديق وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ- 123- يعني يمتنعون من العذاب.
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ يعني بِذَلِك
كُلّ مسألة فِي القرآن مما سأل إبراهيم
__________
(1) هكذا فى أ، ل ولعل المراد: قد أحصى أعمالهم عليهم.
(2) هكذا، أ، ل والمراد: الكتاب المبين الواضح المبين للهدى
والمحذر من الضلال.
(1/135)
من قوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً
آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ» .
ومن قوله: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا
وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «2» .
وحين قَالَ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ «3» .
وحين قَالَ لقومه حين حاجوه: إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ «4» .
وحين قَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً «5» .
وحين ألقى فِي النار، وحين أراد ذبح ابنه، وحين قَالَ رَبِّ
هَبْ لِي مِنَ الصالحين، وحين سَأَلَ الولد «6» .
وحين قَالَ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
«7» .
وحين قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي
إِلَيْهِمْ «8» .
وحين قَالَ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «9» .
وما كان نحو هَذَا فِي القرآن وما سَأَلَ إِبْرَاهِيم فاستجاب
لَهُ فَأَتَمَّهُنَّ ثُمّ زاده اللَّه مما لَمْ يَكُنْ فِي
مسألته قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فى الدين يقتدى
__________
(1) سورة البقرة: 126.
(2) سورة البقرة: 128.
(3) سورة البقرة: 129. [.....]
(4) سورة الأنعام: 78 وتمامها فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ
بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ
قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.
(5) سورة الأنعام: 79. وفى الأصل: إنى وجهت وجهى لله وهو خطأ
فى الآية.
(6) فى أ: حين سأل الولد.
(7) سورة إبراهيم: الآية 35.
(8) سورة إبراهيم: 37.
(9) سورة البقرة: 127.
(1/136)
بسنتك «1» قالَ إِبْرَاهِيم: يا رب، وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي فاجعلهم أئمة قالَ اللَّه: إن فِي ذريتك الظلمة
يعني اليهود والنصارى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ- 124-
يعني المشركين من ذريتك قَالَ لا ينال طاعتي الظلمة من ذريتك
[22 أ] وَلا أجعلهم أئمة «2» : أنحلها «3» أوليائي وأجنبها
أعدائي وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ يقولون
يثوبون إليه فِي كُلّ عام ليقضوا «4» منه وطرا ثُمّ قَالَ:
وَأَمْناً لمن دخله وعاذ به «5» فِي الْجَاهِلِيَّة ومن أصاب
اليوم حدا ثُمّ لجأ إِلَيْهِ أمن فِيهِ حَتَّى يَخْرُج من
الحرم ثُمّ يقام عَلَيْه ما أحل «6» بنفسه ثُمّ قال:
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى
__________
(1) جرى مقاتل فى تفسيره على أن الابتلاء كان من إبراهيم لربه
وهي قراءة فى الآية: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ على
أنه دعا ربه بكلمات مثل أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى.
اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً فيرى هل يجيبه. وعلى هذه
القراءة معنى فأتمهن أى أعطاه الله جميع ما دعاه.
أما قراءة حفص فهي وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ أى كلفه ربه واختبره بأوامر ونواه (فأتمهن أى
فأداهن كلهن وقام بهن حق القيام لقوله- تعالى- وَإِبْراهِيمَ
الَّذِي وَفَّى. والكلمات قد تطلق على المعاني فلذلك فسرت
بالخصال الثلاثين المحمودة المذكورة فى قوله- تعالى-
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ.. الآية وقوله تعالى: إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ إلى آخر الآيتين وقوله قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... إلى قوله أُولئِكَ هُمُ
الْوارِثُونَ كما فسرت بها فى قوله فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ
رَبِّهِ كَلِماتٍ وبمناسك الحج وبالكواكب والقمرين وذبح الولد
والنار والهجرة على أنه تعالى عامله بها معاملة المختبر بهن.
وأورد ابن جرير الطبري وابن كثير أحاديث كثيرة فى الكلمات التي
ابتلى بها إبراهيم. منها ما وراء ابن كثير عن عبد الرزاق عن
معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن عباس قال: ابتلاه بالطهارة خمس
فى الرأس وخمس فى الجسد فى الرأس: قص الشارب والمضمضة
والاستنشاق والسواك وفرق الرأس.
وفى الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل
أثر الغائط والبول بالماء.
ثم قال ابن كثير: قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله أنه يجوز أن
يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر وجائز أن يكون بعض ذلك ولا
يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو
إجماع قال: ولم يصح فى ذلك خبر بنقل الواحد ولا الجماعة الذي
يجب التسليم له. أهـ انظر ابن كثير ج 1: 166 والبيضاوي ص: 25.
(2) فى أ: ولأجعلنهم أئمة.
(3) أى أنحل الإمامة أوليائى.
(4) فى أ: لا يقضوا.
(5) فى أ: وأعاذ.
(6) فى أ: ما أخذ.
(1/137)
يعني صلاة وَلَم يؤمروا بمسحه وَلا تقبيله
وذلك أَنَّهُ كان ثلاثمائة وستون صنما فِي الكعبة «1» فكسرها
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ:
وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا
بَيْتِيَ من الأوثان فلا تذرا حوله صنما وَلا وثنا يعني حول
البيت لِلطَّائِفِينَ بالبيت من غَيْر أَهْل مكة
وَالْعاكِفِينَ يعني أَهْل مكة مقيمين بها وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ- 125- فِي الصلوات وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ
اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً يعني مكة فَقَالَ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- نعم فحرمه من الخوف «2» .
وَارْزُقْ أَهْلَهُ من المقيمين بمكة مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ
آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ يعني من صدق منهم بِاللَّه
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وصدق بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك
لَهُ، وصدق بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال، فأما مكة
فجعلها اللَّه أمنا وأمّا الرزق فَإِن إِبْرَاهِيم اختص
بمسائلته الرزق للمؤمنين قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ أَي
قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- والذين كفروا أرزقهم أيضا مَعَ
الَّذِين آمنوا ولكنها لهم متعة من الدُّنْيَا قَلِيلًا ثُمَّ
أَضْطَرُّهُ ألجئه إن مات عَلَى كفره «3» إِلى عَذابِ النَّارِ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 126- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ
الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ يعني أساس البيت
الحرام الَّذِي كان رفع ليالي الطوفان عَلَى عهد نوح فبناه
إِبْرَاهِيم وإسماعيل عَلَى ذَلِكَ الأصل وأعانهم اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- بسبعة أملاك على البناء.
ملك إِبْرَاهِيم. وملك إسماعيل، وملك هاجر. والملك الموكل
بالبيت «4» . وملك الشمس. وملك القمر. وملك آخر. فَلَمَّا فرغا
من بناء البيت قَالا: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا يعني بناء
هَذَا البيت الحرام إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ-
127- لدعائهما
__________
(1) الأولى: فى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما.
(2) هكذا فى أ، ل والمراد جعله حرما آمنا لا يخافه من أقام به.
[.....]
(3) فى أ: اضطرهم إن ماتوا على كفرهم.
(4) فى أ: وملك الموكل بالبيت.
(1/138)
ربنا تقبل مِنَّا. ثُمّ قَالا: رَبَّنا
وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ يعني مخلصين لك وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا
يعني علمنا مناسكنا نظيرها بِما أَراكَ اللَّهُ «1» يعني بما
علمك اللَّه ونظيرها وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ «2» يعني يرى
اللَّه ونظيرها أيضا وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «3»
يعنى ويعلم ونظيرها فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا يعني وليرين اللَّه «4» وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ
«5» يعني ويرى.
أَرِنا مَناسِكَنا فنصلي لك وَتُبْ عَلَيْنا يعني إِبْرَاهِيم
وإسماعيل أنفسهما إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ- 128-
ففعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ذَلِكَ به فنزل جبريل- عليه
السلام- فانطلق [22 ب] بإبراهيم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى عرفات وإلى المشاعر ليريه ويعلمه كيف يسأل ربه
فَلَمَّا أراه اللَّه المناسك والمشاعر علم أن اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- سيجعل فِي ذريتهما أَمَة مُسْلِمَةَ كَمَا سألا ربهما
فَقَالا عِنْد ذَلِكَ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ يعني فِي
ذريتنا رَسُولًا مِنْهُمْ يعني محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ يعني يقرأ عليهم آيات
القرآن وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ يَقُولُ يعلمهم ما يتلى
عليهم من القرآن ثُمّ قَالَ: وَالْحِكْمَةَ يعني المواعظ التي
فِي القرآن من الحلال والحرام وَيُزَكِّيهِمْ يعني ويطهرهم من
الشرك والكفر إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 129-
فاستجاب الله له فى سورة الجمعة فَقَالَ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ
فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ «6» . إلى آخر الآية وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
إِبْراهِيمَ وذلك أن عبد الله ابن سلام دعا ابني أَخِيهِ «7»
سَلَمَة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما: ألستما تعلمان
__________
(1) سورة النساء: 105 وتمامها إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ
الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ
اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً.
(2) سورة آل عمران: 142 وتمامها أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
جاهَدُوا مِنْكُمْ
(3) سورة سبأ: 6 وتمامها وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ
وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
(4) فى أ: وليرى الله.
(5) فى أ: سأل والآية سورة العنكبوت: 3.
(6) سورة الجمعة: 2.
(7) فى أ: ابنا أخيه.
(1/139)
أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ لموسى: إني
باعث نبيا من ذرِّيَّة إسماعيل، يُقَالُ لَهُ أَحْمَد يحيد «1»
أمته عن النار، وأنه ملعون من كذب بأحمد النَّبِيّ، وملعون من
لَمْ يتبع دينه، فأسلم سَلَمَة، وأبي مهاجر ورغب عن
الْإِسْلام. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ إِبْراهِيمَ يعني الْإِسْلام ثُمّ استثنى:
إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ يعني إِلَّا من خسر نفسه من أَهْل
الكتاب وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ يعني
إِبْرَاهِيم يعني اخترناه بالنبوة والرسالة فِي الدُّنْيَا
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ- 130- إِذْ
قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ يَقُولُ أخلص قالَ أَسْلَمْتُ يعني
أخلصت لِرَبِّ الْعالَمِينَ- 131- وَوَصَّى بِها يعني بالإخلاص
إِبْراهِيمُ بَنِيهِ الأربعة إسماعيل وإسحاق ومدين ومداين ثُمّ
وصى بها يَعْقُوب بنيه يُوسُف وإخوته اثني عشر ذكرا بنيه
وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ أَي فَقَالَ يَعْقُوب لبنيه الاثني عشر
إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلّ- اصْطَفى يعني اختار لَكُمُ
الدِّينَ يعني دين الْإِسْلام فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ- 132- يعني مخلصون بالتوحيد أَمْ
كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ وذلك أن
اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: يا محمد، ألست تعلم
أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه بدين اليهودية فأنزل الله- عز وجل-
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ.
قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إن اليهود لَمْ يشهدوا وصية
يَعْقُوب لبنيه إِذْ قالَ لِبَنِيهِ يوسف وإخوته ما
تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي أَي بعد موتي «2» قالُوا نَعْبُدُ
إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ- 133- يعني مخلصون
لَهُ بالتوحيد يَقُولُ: تِلْكَ أُمَّةٌ يعني عصبة قَدْ خَلَتْ
لَها مَا كَسَبَتْ
__________
(1) هكذا فى أ، ل- والمراد يميل بأمته عن النار: أو بصرف أمته
عن النار.
(2) فى أ: من بعد موتى.
(1/140)
من العمل يعني الدّين يعني إِبْرَاهِيم
وبنيه ويعقوب وبنيه ثُمّ قَالَ لليهود: وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ
من الدين وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [23 أ]-
134- أولئك وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا
وذلك أن رءوس اليهود كعب ابن الأشرف، وكعب بن أُسَيْد، وأبا
ياسر بن أخطب، ومالك بن الضيف، وعازارا، وإشماويل، وخميشا،
ونصارى نجران السيد والعاقب، ومن معهما قَالُوا للمؤمنين:
كونوا عَلَى ديننا فَإنَّهُ لَيْسَ دين إِلَّا ديننا فكذبهم
اللَّه- تَعَالَى- فَقَالَ: قُلْ بَلْ الَّدين مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ يعني الْإِسْلام ثُمّ قَالَ: حَنِيفاً يعني مخلصا
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 135- يعني من اليهود والنصارى
ثُمّ أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين فَقَالَ:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ بأنه واحد لا شريك لَهُ وَما
أُنْزِلَ إِلَيْنا يعني قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- وَما
أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وهم بنو يَعْقُوب يُوسُف وإخوته
فنزل عَلَى هَؤُلاءِ صحف إِبْرَاهِيم. قَالَ: وَما أُوتِيَ
مُوسى يعني التوراة (و) ما أوتى عِيسى يعني الإنجيل: يَقُولُ
ما أنزل عَلَى مُوسَى وعيسى وصدقنا وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ
مِنْ رَبِّهِمْ وأوتي دَاوُد وسليمان الزبور لا نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فنؤمن ببعض النبيين، ونكفر ببعض، كفعل
أَهْل الكتاب وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ- 136- يعني مخلصون
نظيرها فِي آل عِمْرَانَ. يَقُولُ اللَّه- سُبْحَانَهُ-:
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ يقول فإن صدق «1»
أهل الكتاب بالذي صدفتم به يا مَعْشَر الْمُسْلِمِين من
الْإِيمَان بجميع الأنبياء والكتب «2» فَقَدِ اهْتَدَوْا من
الضلالة
__________
(1) فى أ: صدقوا.
(2) فى أ، ل: يا معشر جميع المسلمين بالإيمان من الأنبياء
والكتب.
(1/141)
وَإِنْ تَوَلَّوْا «1» أَي وإن كفروا
بالنبيين وجميع الكتب فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ يعني فِي ضلال
واختلاف نظيرها وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ
لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ»
يعني لفي ضلال واختلاف لأن اليهود كفروا بعيسى، ومُحَمَّد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِما وَسَلَّمَ- وبما جاءا به، وكفرت
النَّصارى بمحمد- صلى اللَّه عليه وسلم- وبما جاء به،
فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية قرأها النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى اليهود والنصارى، فَقَالَ: إن
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أمرني أن أوصي بهذه الآية، فَإِن انتم
آمنتم يعني صدقتم بالنَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والكتاب، فقد اهتديتم وإن توليتم وأبيتم عن
الْإِيمَان فَإِنَّمَا أنتم فِي شقاق
فَلَمَّا سَمِعْتُ اليهود ذكر عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالُوا: لا نؤمن بعيسى. وقالت النَّصارى: وعيسى
بمنزلتهم مَعَ الْأَنْبِيَاء، ولكنه وَلَدُ اللَّه. يَقُولُ:
إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ
يا محمد يعني أَهْل الكتاب ففعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ذَلِكَ
فقتل أهل قريظة، وأجلى [بني] النضير من المدينة إلى الشام،
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- 137- لقولهم للمؤمنين كونوا
هودا أو نصارى تهتدوا ثُمّ قَالَ العليم بما قَالُوا قل لَهُمْ
صِبْغَةَ اللَّهِ التي صبغ الناس عليها وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ صِبْغَةً يعني الْإِسْلام لقولهم للمؤمنين اتبعوا
ديننا فَإنَّهُ ليس دين إلا ديننا [23 ب] يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- دين اللَّه ومن أحسن من اللَّه دينا يعني
الْإِسْلام وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ- 138- يعني موحدون قُلْ
أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ يَقُولُ أتخاصموننا فِي اللَّه
وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، فَقَالَ لهم: وَلَنا أَعْمالُنا
وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ- 139- يقول
لنا
__________
(1) ساقط من أ. [.....]
(2) سورة البقرة: 176 وتمامها ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ
الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي
الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.
(1/142)
ديننا ولكم دينكم يعني أن يهود أَهْل
المدينة ونصارى أَهْل نجران، قَالُوا للمؤمنين:
إن أنبياء اللَّه كانوا مِنَّا من بني إِسْرَائِيل فكانوا
عَلَى ديننا فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يكذبهم أَمْ
تَقُولُونَ «1» إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ وإنما سموا الأسباط لأنه وُلِد «2»
لكل واحد منهم أمة من الناس «3» كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى
قُلْ لهم يا محمد أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بدينهم أَمِ اللَّهُ
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَمَنْ أَظْلَمُ يَقُولُ فلا أحد
أظلم مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا
اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 140- فكتموا تِلْكَ
الشهادة التي عندهم وذلك أن الله- عز وجل- بين أمر محمد في
التوراة والإنجيل وكتموا تلك الشهادة التي عندهم وذلك قوله
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ «4» لِلنَّاسِ.
يعني أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا
قَالُوا: إن إِبْرَاهِيم وبنيه ويعقوب وبنيه كانوا عَلَى
ديننا، قَالَ اللَّه «5» - تَعَالَى- تِلْكَ أُمَّةٌ يعني عصبة
يعني إِبْرَاهِيم وبنيه ويعقوب وبنيه قَدْ خَلَتْ يعني قَدْ
مضت لَها ما كَسَبَتْ يعني من العمل يعني من الدّين وَلَكُمْ
مَعْشَر اليهود والنصارى ما كَسَبْتُمْ من العمل يعني من
الدّين وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ- 141-
أولئك. سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا بمكة يصلون
ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فلما عرج بالنبي- صلى الله
عليه وسلم- إلى السماء ليلا أمر بالصلوات «6» الخمس، فصارت
الركعتان للمسافر، وللمقيم أربع
__________
(1) فى أ: يقولون.
(2) فى أ: لأنهم إذ، وفى ل: لأنه ولد.
(3) وفى البيضاوي: والأسباط جمع سبط وهو الحافد يريد به حفدة
يعقوب أو أبناؤه وذريتهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق.
(4) فى أ: ليبيننه- 187 سورة آل عمران.
(5) فى أ: يقول.
(6) فى أ: بالصلاة.
(1/143)
ركعات، فَلَمَّا هاجر إلى المدينة لليلتين
خلتا من ربيع الأول أمر أن يصلي نحو بيت المَقْدِس لئلا يكذب
به أَهْل الكتاب إذا صلى «إلى غَيْر) قبلتهم «1» مَعَ ما يجدون
من نعته فِي التوراة فصلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه قبل بيت المَقْدِس من أول مقدمه المدينة
سبعة عشر شهرا وصلت الأَنْصَار قبل بيت المَقْدِس سنتين قبل
هجرة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت
الكعبة أحبّ القبلتين إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقَالَ لجبريل- عَلَيْه السَّلام- وددت أن ربي
صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها. فَقَالَ جبريل- عَلَيْه
السَّلام- إِنَّمَا أَنَا عَبْد مثلك لا أملك شيئًا، فاسأل ربك
ذَلِكَ، وصعد جبريل إلى السماء، وَجَعَل النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديم النظر إلى السماء رجاء أن
يأتيه جبريل- عَلَيْه السَّلام- بما سَأَلَ.
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي رجب عِنْد صلاة الأولى قبل
قتال بدر بشهرين- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «2» - ولما صرفت القبلة إلى الكعبة قَالَ
مشركو مكة: قَدْ تردد عَلَى أمره واشتاق إلى مولد آبائه.
وَقَدْ توجه إليكم وَهُوَ راجع إلى دينكم، فكان قولهم هَذَا
سفها منهم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- سَيَقُولُ السُّفَهاءُ
مِنَ النَّاسِ يعني مشركي مكة ما وَلَّاهُمْ يَقُولُ ما صرفهم
عَنْ قِبْلَتِهِمُ الأولى الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ يا
محمد لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 142- يعني دين الْإِسْلام يهدي
اللَّه نبيه والمؤمنين لدينه وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً وذلك أن اليهود منهم مرحب، ورافع، وربيعة، قالوا
لمعاذ:
__________
(1) فى أل: إذا صلى إلى قبلتهم.
(2) ما بين العلامتين (--) شطر من آية رقم 144. وقد فسرت فى
الأصل قبل آية رقم 142، 143 وقد راعيت فى التحقيق ترتيب الآيات
كما وردت فى المصحف، وأخرت تفسير آية 441 إلى مكانه.
(1/144)
ما ترك محمد قبلتنا إِلَّا حسدا وإن قبلتنا
قبلة الْأَنْبِيَاء، ولقد علم محمد أَنّا عدل بين الناس.
فَقَالَ مُعَاذ «1» : إنا عَلَى حق وعدل، فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فِي قول مُعَاذ وَكَذلِكَ يعني وهكذا جَعَلْناكُمْ
أُمَّةً وَسَطاً يعني عدلا نظيرها فِي ن والقلم قوله-
سُبْحَانَهُ: قالَ أَوْسَطُهُمْ «2» يعني أعدلهم وقوله
سبحانه-: مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ «3» يعني
أعدل فقول اللَّه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
يعني أمة محمد تشهد بالعدل فِي الآخرة بين الْأَنْبِيَاء
وَبَيْنَ أممهم لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يعني
عَلَى الرسل هَلْ بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم «4»
وَيَكُونَ الرَّسُولُ يعني محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَيْكُمْ شَهِيداً يعني على أمته أَنَّهُ بلغهم
الرسالة وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها
«5» يعني بيت المَقْدِس إِلَّا لِنَعْلَمَ إِلَّا لنرى مَنْ
يَتَّبِعُ الرَّسُولَ يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى دينه فِي القبلة ومن يخالفه من اليهود
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ يَقُولُ ومن يرجع إلى دينه
الأول وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً يعني القبلة حين صرفها عن بيت
المقدس إلى الكعبة عظمت عَلَى اليهود، ثُمّ استثنى فَقَالَ:
إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ «6» فَإنَّهُ لا يكبر
عليهم ذَلِكَ.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وذلك أن حيي بن أخطب
اليهودي وأصحابه، قَالُوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت
المَقْدِس، أكانت هدى أم ضلالة فواللَّهِ لئن كَانَتْ هدى،
لَقَدْ تحولتم عَنْهُ. ولئن كَانَتْ ضلالة لقد دنتم الله بها
فتقربتم
__________
(1) فى أ: محمد.
(2) سورة القلم: 28.
(3) سورة المائدة: 89.
(4) فى أ، ل اضطراب وتقديم سطر قبل موضعه.
(5) فى الأصل خطأ فى النقل. حيث فسر النصف الأخير من آية 143
قبل النصف الأول.
وقد أصلحت الخطأ فى التحقيق وراعيت ترتيب المصحف. [.....]
(6) فى أ: إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ من المؤمنين يعنى
المتواضعين من المؤمنين فإنه لا يكبر عليهم ذلك فذلك قوله- عز
وجل-: إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ. وقد خلط بين هذه
الآية والآية رقم 45: البقرة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ.
(1/145)
إليه بها، وإن من مات منكم عَلَيْهَا مات
على الضلالة. فَقَالَ المسلمون: إِنَّمَا الهدى ما أمر اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- به، والضلالة ما نهى اللَّه عَنْهُ. قَالُوا:
فَمَا شهادتكم عَلَى من مات منكم عَلَى قبلتنا، وكان قَدْ مات
«1» قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة أسعد بن زُرَارَة بن عدس بن
عُبَيْد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مالك بن النجار ابن مالك بن
الخزرج من بني النَّجّار «2» ، ومات الْبَرَاء بن معرور بن صخر
بن سِنَان بن عُبَيْد بن عدى بن سلمة بن سعد «3» [24 ب] بْن
علِي بن شاردة بن زَيْد بن جشم ابن الخزرج من بني «4» سَلَمَة،
وكانا من النقباء. ومات رجال فانطلقت عشائرهم فقالوا للنبي-
صلى اللَّه عَلَيْه وسلم-: توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة
الأولى وَقَدْ صرفك «5» اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إلى قبلة
إِبْرَاهِيم عَلَيْه السَّلام- فكيف بإخواننا فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. يعني
إيمان صلاتكم نحو بيت المَقْدِس يَقُولُ لقد تقبّلت منهم إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ يعني يرق لهم رَحِيمٌ- 143- حين
قبلها منهم قبل تحويل القبلة. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ «6»
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ يعنى نرى أنك تديم نظرك إلى [24 أ]
السماء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ يعني لنحولنك إلى قِبْلَةً تَرْضاها
لأن الكعبة كَانَتْ أحبّ إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بيت المَقْدِس فَوَلِّ يعني فحول
وَجْهَكَ شَطْرَ يعني تلقاء الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما
كُنْتُمْ من الأرض فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ يعني فحولوا
وجوهكم فِي الصَّلاة تلقاءه، وقد كان النبي- صلى الله عليه
__________
(1) فى أ: وقد كان قبل.
(2) فى: ابن عدس ابن عبيد، كل ابن بألف رغم وقوعها بين علمين
ثانيهما أب للأول.
(3) ابن سعد ساقط من ل.
(4) كل ابن له ألف فى أ: والألف ساقطة من ل.
(5) فى أ: صرفكم.
(6) نقل تفسير جزء آية 143 الأول بعد الأخير فى الأصل. وقد
أصلحته.
(1/146)
وَسَلَّمَ- يصلي «1» فِي مَسْجِد بني
سَلَمَة فصلى ركعة ثُمّ حولت القبلة إلى الكعبة وفرض اللَّه
صيام رمضان، وتحويل القبلة، والصلاة إلى الكعبة قبل بدر
بشهرين. وحرم الخمر قبل الخندق «2» .
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني أَهْل التوراة وهم
اليهود منهم الحميس بن عمرو قَالَ: يا محمد ما أمرت بهذا
الأمر، وما هذا إلا شيء ابتدعته، يعني فِي أمر القبلة فأنزل
اللَّه- عَزَّ وجل- وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني
أَهْل التوراة لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
بأن القبلة هِيَ الكعبة فأوعدهم اللَّه، فَقَالَ:
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ- 144- يعني عما
يعملون من كفرهم بالقبلة وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ يعني اليهود ينحوم «3» بن سُكَيْن، ورافع بن
سُكَيْن، ورافع بن حريملة، ومن النَّصارى أَهْل نجران السيد
والعاقب. فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ائتنا بآية نعرفها كَمَا كَانَت الْأَنْبِيَاء تأتي بها فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلَئِنْ أَتَيْتَ يَقُولُ ولئن جئت يا
محمد الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا
قِبْلَتَكَ يعنى الكعبة وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ
يعني بيت المَقْدِس ثُمّ قَالَ: وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ
قِبْلَةَ بَعْضٍ يَقُولُ إن اليهود يصلون قبل المغرب لبيت
المَقْدِس والنصارى قبل المشرق فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
يحذر نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويخوفه
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فصليت إلى قبلتهم مِنْ
بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يعنى البيان إِنَّكَ إِذاً
لَمِنَ الظَّالِمِينَ- 145- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يعنى اليهود منهم
__________
(1) فى أ: صلى.
(2) بالأصل فرق بين أول هذه الآية وبين آخرها بآيتين: 142،
143.
(3) فى ل: بيحوم بن سكر.
(1/147)
أَبُو ياسر بن أخطب، وكعب بن الأشرف «1»
وكعب بن أسيد، وسلام بن صوريا، وكنانة بن أَبِي الحقيق، ووهب
بن يهوذا. وأَبُو نَافِع،
فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[25 أ] لَمْ
تطوفون بالكعبة وإنما هِيَ حجارة مبنية. فقال النبي- صلى الله
عليه وسلم-: إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق «2» ، فَإنَّهُ
هُوَ القبلة مكتوب فِي التوراة والإنجيل، ولكنكم تكتمون ما في
كتاب اللَّه من الحق وتجحدونه.
فَقَالَ ابْن صوريا: ما كتمنا شيئًا مما فِي كتابنا فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَقُولُ أعطيناهم التوراة يَعْرِفُونَهُ أَي يعرفون «3» البيت
الحرام أَنَّهُ القبلة كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ
فَرِيقاً مِنْهُمْ يعني طائفة من هَؤُلاءِ الرءوس
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعني أمر القبلة وَهُمْ يَعْلَمُونَ-
146- أن البيت هُوَ القبلة ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ يا محمد إن القبلة التي وليناكها هِيَ القبلة
فَلا يعني لئلا تَكُونَنَّ يا محمد مِنَ الْمُمْتَرِينَ- 147-
يعنى من الشاكين أن البيت الحرام هو «4» القبلة لِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
يَقُولُ لكل أَهْل مَلَّة قبلة هُمْ مستقبلوها، يريدون بها
الله- عز وجل-: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
يَقُولُ سارعوا فِي الصالحات من الأعمال يْنَ ما تَكُونُوا
من الأرض أنتم وأهل الكتاب أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
يوم القيامةنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
- 148- من البعث وغيره قدير وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ يَقُولُ
ومن أَيْنَ توجهت من الأرض فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَقُولُ فحول وجهك فِي الصَّلاة تلقاء
المسجد الحرام وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 149- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
__________
(1) فى أ: أشرف.
(2) فى أ: الحق.
(3) فى أ: التوراة يعرفون.
(4) فى أ: هي. [.....]
(1/148)
يعني الحرم كله فَإنَّهُ مَسْجِد كله
وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ من الأرض فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
يعني فحولوا وجوهكم تلقاءه، ثُمّ قَالَ:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يعني اليهود
[فِي] أن الكعبة هِيَ القبلة وَلا حجة لهم عليكم فِي انصرافكم
إليها ثُمّ استثنى فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ يعني من الناس يعني مشركي «1» العرب وذلك أن مشركي
مكة قَالُوا: إن الكعبة هِيَ القبلة «2» فَمَا بال محمد تركها
وكانت لهم فِي ذَلِكَ حجة. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
فَلا تَخْشَوْهُمْ أن يَكُون لهم عليكم حجة فِي شيء غيرها
وَاخْشَوْنِي فِي ترك أمري فِي أمر القبلة، ثُمّ قَالَ- عَزَّ
وَجَلّ-: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي انصرافكم إلى
الكعبة، وهي القبلة وَلَعَلَّكُمْ ولكي تَهْتَدُونَ- 150- من
الضلالة فَإِن الصَّلاة قبل بيت المَقْدِس بعد ما نسخت
الصَّلاة إِلَيْهِ ضلالة «قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ الْهُذَيْلُ
عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ ابن أَبِي حَبِيبٍ عَنْ
أَبِي الْجَهْمِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ
قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَالرُّومِيَّةَ وحمقلة. قَالَ: حَدَّثَنَا
عبيد الله، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الْهُذَيْلُ عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو [25 ب]
قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ رُومِيَّةَ فَإِذَا
دَخَلْتُمُوهَا فَادْخُلُوا كَنِيسَتَهَا الشَّرْقِيَّةَ
فَعُدُّوا سَبْعَ بَلاطَاتٍ وَاقْلَعُوا الثَّامِنَةَ وَهِيَ
بَلاطَةٌ حَمْرَاءُ فَإِنَّ تَحْتَهَا عَصَا مُوسَى
وَإِنْجِيلَ عِيسَى وَحُلِيَّ إِيلِيَاءَ. يَعْنِي بَيْتَ
الْمَقْدِسِ هَذَا خِزْيُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ. قَالَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عن الْهُذَيْلِ بن حبيب عن مُقَاتِلٍ،
قَالَ: كُلّ من ملك القبط يسمى قبطوس وكل من ملك الروم يسمى
__________
(1) فى أ: بمشركي.
(2) فى أ: قبلة.
(1/149)
قيصر، وكل من ملك الفرس يسمى كسرى» «1»
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يعنى محمدا- صلى
الله عليه وسلم- يَتْلُوا عَلَيْكُمْ «2» آياتِنا القرآن
وَيُزَكِّيكُمْ يعنى ويطهركم من الشرك والكفر وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتابَ يعني القرآن وَالْحِكْمَةَ يعني الحلال والحرام
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ- 151- إذا
فعلت ذَلِكَ بكم «3» فَاذْكُرُونِي يَقُولُ فاذكروني بالطاعة
أَذْكُرْكُمْ بخير وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ- 152-
يَقُولُ اشكروا اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي هَذِهِ النعم لا
تكفروا بها «4» لقوله كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا
مِنْكُمْ إلى آخر الآية.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ يَقُولُ استعينوا عَلَى طلب الآخرة بالصبر عَلَى
الفرائض والصلوات الخمس فِي مواقيتها نحو الكعبة، حين عيرتهم
اليهود بترك قبلتهم. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ- 153-
عَلَى الفرائض والصلاة وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ نزلت فِي قتلى بدر من الْمُسْلِمِين
وهم أربعة عشر رَجُلا من الْمُسْلِمِين. ثمانية من الأَنْصَار،
وستة من المهاجرين فَمن المهاجرين عُبَيْدة بن الْحَارِث بن
عَبْد الْمُطَّلِب، وعمير بن نضلة، وعقيل بن بكير، ومهجع بن
عبد اللَّه مَوْلَى عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-
وصفوان بن بيضاء، فهؤلاء ستة من المهاجرين، ومن الأنصار سعد بن
خيثمة بن الْحَارِث بن النخاط بن كَعْب بن غَنْم بن أسلم بن
مَالِك بن الأوس، ومبشر
__________
(1) ما بين القوسين «» ساقط من ل. وقد ذكر نقاد الحديث أن
الأحاديث التي رويت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ يجب أن نتحفظ فى الأخذ بها خشية أن تكون من الزاملتين
اللتين أصابهما فى بعض الغزوات، والأثر الأول عن عبد الله بن
عمرو، والأثر الثاني عنه وكلاهما مستفاد من الإسرائيليات.
(2) فى أ: آيات.
(3) هكذا فى ل، وفى أ: بهم.
(4) فى أ: زيادة يعنى بها.
(1/150)
ابن عَبْد الْمُنْذِر ويزيد بن الْحَارِث،
وعمر بن الحمام، ورافع بن المعلى، وحارثة ابن سراقة، ومعوذ بن
عفراء، وعوف بن عفراء وهما ابنا الحارث بن مالك ابن سَوَّار،
فهؤلاء ثمانية من الأَنْصَار.
وذلك أن الرَّجُل كان يقتل فِي سبيل اللَّه فيقولون مات فُلان
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا تَقُولُوا مَعْشَر
الْمُؤْمِنِين لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ
بَلْ أَحْياءٌ مرزوقون فِي الجنة عِنْد اللَّه، ثُمّ قَالَ
سُبْحَانَهُ: وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ- 154- بأنهم أحياء
مرزوقون. ومساكن أرواح الشهداء سدرة المنتهى فِي جنة المأوى
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ «1» بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
يعني القحط «2» وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَراتِ يعني قحط المطر وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ- 155-
عَلَى هَذِهِ البلية بالجنة [26 أ] ثُمّ نعت أَهْل المصيبة،
فَقَالَ: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ يعني فيما
ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الآية قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ- 156- أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ يعني مغفرة كقوله سُبْحَانَهُ: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
يعني استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ يعني استغفارك سَكَنٌ لَهُمْ
«3» من ربهم وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ- 157-
للاسترجاع «4» .
«قَالَ عَبْد اللَّه بن ثَابِت: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ:
سَمِعْتُ هَذَا الكتاب من أوله إلى آخره من هذيل أَبِي صَالِح
عن مُقَاتِلٍ بن سُلَيْمَان، ببغداد فى درب السدرة فى المدينة
سنة تسعين ومائة، وسمعته من أوله إلى آخره قراءة عَلَيْه فى
سنة أربعين
__________
(1) فى أ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يعنى ولنبلونكم، وفى ل:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يقول ولنبتليكم.
(2) فى أ، ل: القتل وفى الجلالين القحط.
(3) سورة التوبة: 103.
(4) فى أ: الاسترجاع.
(1/151)
ومائتين ومات وهو ابن خمس وثمانين. قال أبو
عمرو: وسمعت هذا الكتاب من عبد الله بن ثابت سنة أربع وثمانين
ومائتين» «1» إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ
اللَّهِ وذلك أن الخمس: وهم قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن
صعصعة، قَالُوا: ليست الصفا والمروة من شعائر اللَّه، وكان
عَلَى الصفا صنم يُقَالُ لَهُ نائلة، وعلى المروة صنم يُقَالُ
لَهُ يسَاف فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالُوا، إنَّه حرج علينا فِي
الطواف بَيْنَهُمَا «2» . فكانوا لا يطوفون بَيْنَهُمَا فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعائِرِ اللَّهِ يَقُولُ هما من أمر المناسك التي أمر اللَّه
بها فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ
عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما يَقُولُ لا حرج عَلَيْه أن
يطوف بَيْنَهُمَا «3» لقولهم إن علينا حرجا فِي الطواف
بَيْنَهُمَا. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ تَطَوَّعَ
خَيْراً بعد الفريضة فزاد فِي الطواف «4» فَإِنَّ اللَّهَ
شاكِرٌ عَلِيمٌ- 158- لأعمالكم عليم بها وَقَدْ طاف
إِبْرَاهِيم الخليل- عليه السلام- بين الصفا والمروة إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ وذلك أن مُعَاذ بن جبل، وسعد بن مُعَاذ،
وحارثة بن زَيْد، سألوا اليهود عن أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعن الرجم وغيره فكتموهم يعني اليهود،
منهم كَعْب بن الأشرف، وابن صوريا، ما أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ يعني ما بين اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي التوراة
يعني الرجم والحلال والحرام وَالْهُدى يعني أمر محمد- صلى الله
عليه وسلم- في التوراة فكتموه الناس يقول الله- سبحانه-:
__________
(1) ما بين القوسين «» فى ل وليس فى أ. وبعد سبع ورقات من أ.
أى فى ورقة 33 نجد فيها هذا الكلام ولا يوجد فى ل هناك.
ولكن تزيد ل هنا عن أهناك (قال أبو عمرو وسمعت هذا الكتاب من
عبد الله بن ثابت سنة أربع وثمانين ومائتين) .
(2) فى أ: بهما.
(3) فى أ: يطوف.
(4) أى زاد فى السعى بين الصفا والمروة. [.....]
(1/152)
مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ يعني أمر محمد-
صلى الله عليه وسلم- لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ يعني لبني
إِسْرَائِيل فِي التوراة وذلك قوله- سبحانه- فى العنكبوت: وَما
يَجْحَدُ بِآياتِنا أَي بمحمد «1» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَّا الظَّالِمُونَ «2» يعني المكذبون بالتوراة
وهم أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ- 159- وذلك أن الكافر يضرب فِي قبره فيصيح ويسمع
صوته الخليقة كلهم غَيْر الجن والإنس فيقولون: إِنَّمَا كان
يحبس عنا الرزق بذنب هَذَا فتلعنهم الخليقة فهم اللاعنون. ثُمّ
استثنى مؤمني أَهْل التوراة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا من الكفر وَأَصْلَحُوا العمل وَبَيَّنُوا أمر
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للناس فَأُولئِكَ
أَتُوبُ عَلَيْهِمْ يعني أتجاوز عَنْهم وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ- 160- ثُمّ ذَكَرَ مَنْ مات من اليهود عَلَى الكفر،
فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ [26 ب] لعنة
الْمَلائِكَةِ وَلعنة النَّاسِ أَجْمَعِينَ- 161- يعني
الْمُؤْمِنِين جميعًا خالِدِينَ فِيها يعني فِي اللعنة واللعنة
النار لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ-
162- لا يناظر بهم حَتَّى يعذبوا «3» ثُمّ قَالَ لأهل الكتاب:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يَقُولُ ربكم رب واحد فوحد نفسه
تبارك اسمه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ- 163-
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك أن كفار مكة
قَالُوا لرسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ائتنا بآية: اجعل لنا الصفا ذهبا. فَقَالَ اللَّه-
سُبْحَانَهُ-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي يعني السفن التي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ
فِي معايشهم وَما أَنْزَلَ «4» اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ
ماءٍ فَأَحْيا بِهِ يعنى بالماء
__________
(1) فى أ: أى محمدا
(2) سورة العنكبوت: 49.
(3) فى أ: يعذب
(4) فى أ: وفيما أنزل
(1/153)
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يبسها «1»
وَبَثَّ فِيها يعني وبسط «2» مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ فِي العذاب والرحمة وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ
السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 164-
فيما ذُكِرَ مَنْ صنعه فيوحدوه وَمِنَ النَّاسِ يعني مشركي
العرب مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يعني شركاء
وهي الآلهة يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يَقُولُ، يحبون
آلهتهم كَمَا يحب الَّذِين آمنوا ربهم ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
منهم لآلهتهم ثُمّ أخبر عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَلَوْ يَرَى «3»
محمد يوم الْقِيَامَة الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي العرب
ستراهم يا محمد فِي الآخرة إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ فيعلمون
حينئذ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعَذابِ- 165- ثُمّ أخبر- سُبْحَانَهُ- عَنْهُمْ،
فَقَالَ: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا يعني القادة
مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا يعني الأتباع وَرَأَوُا الْعَذابَ
يعني القادة والأتباع وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ- 166-
يعني المنازل والأرحام التي كانوا يجتمعون عَلَيْهَا من معاصي
اللَّه ويتحابون «4» عَلَيْهَا فِي غَيْر عبادة اللَّه انقطع
عَنْهُمْ ذَلِكَ وندموا وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَي
الأتباع لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً يعني رجعة إلى الدُّنْيَا
فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ من القادة كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا فِي
الآخرة وذلك قوله سُبْحَانَهُ: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ
يَكْفُرُ يعني يتبرأ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً «5» كَذلِكَ يَقُولُ هكذا يُرِيهِمُ
اللَّهُ أَعْمالَهُمْ يعني القادة والأتباع
__________
(1) فى أ: البعث، ل: البيت، وفى الجلالين يبسها.
(2) فى الجلالين (وبث) : فرق ونشر به.
(3) قراءة حفص لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أى ولو يعلم
الذين ظلموا باتخاذ الأنداد. وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب ولو
ترى على أنه خطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم- أى ولو ترى ذلك
لرأيت أمرا عظيما. وابن عامر إذ يرون على البناء للمفعول. انظر
تفسير البيضاوي: 34.
وفى الجلالين وَلَوْ يَرَى تبصر يا محمد. فأتى بقراءة حفص
بالياء وفسرها على أنها ترى على قراءة ابن عامر ونافع ويعقوب.
انظر الجلالين: ص 23.
(4) فى أ: يتجاوبون، ل: يتحابون.
(5) سورة العنكبوت: 25 وتمامها: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ
بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
(1/154)
حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ يعني ندامة وَما هُمْ
بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ- 167- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا
مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً يعني مما حرموا من
الحرث والأنعام نزلت فِي ثقيف، وَفِي بني عامر بن صعصعه،
وخزاعة، وبني مدلج، وعامر، والحارث ابني عَبْد مناة، ثُمّ
قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ
يعني تزيين الشَّيْطَان فِي تحريم الحرث والأنعام إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 168- يعني بين إِنَّما يَأْمُرُكُمْ
بِالسُّوءِ يعني بالإثم وَالْفَحْشاءِ [27 أ] يعني وبالمعاصي
لأنه لَكُمْ عدو مبين وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ بأنه حرم
عليكم ما لا تَعْلَمُونَ
- 169- أنتم أَنَّهُ حرمه. ثُمّ أخبر عَنْهُمْ فَقَالَ: وَإِذا
قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ من القرآن فِي
تحليل ما حرموه قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ
آباءَنا من أمر الدّين فَإِن آباءنا أمرونا أن نعبد ما كانوا
يعبدون. قل يا محمد:
أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً من الدّين
وَلا يَهْتَدُونَ- 170- به أفتتبعونهم «1» . ثُمّ ضرب لهم مثلا
فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ
الَّذِي يَنْعِقُ يعني الشاة والحمار بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا
دُعاءً وَنِداءً يعني مثل الكافر كمثل البهيمة إن أمرت أن تأكل
أَوْ تشرب سَمِعَت صوتا وَلا تعقل ما يُقَالُ لها فكذلك الكافر
الَّذِين يسمع الهدى والموعظة إذا دعي إليها فلا يعقل وَلا
يفهم بمنزلة البهيمة يَقُولُ: صُمٌّ فلا يسمعون الهدى بُكْمٌ
فلا يتكلمون بالهدى عُمْيٌ فلا يبصرون الهدى فَهُمْ لا
يَعْقِلُونَ- 171- الهدى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا
مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ من تحليل الحرث والأنعام يعني
بالطيب الحلال «2» وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ- 172- ولا تحرموا ما أحل اللَّه لَكُمْ من الحرث
والأنعام ثُمّ بين ما حرم فَقَالَ: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ
بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
__________
(1) فى أ: لها أفتتبعونه.
(2) فى أ: يعنى الحلال بالطيب.
(1/155)
يَقُولُ وما ذبح للأوثان فَمَنِ اضْطُرَّ
إلى شيء مما حرم اللَّه غَيْرَ باغٍ استحلاله وَلا عادٍ يعنى
ولا متعديا لَمْ يضطر إِلَيْهِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي أكله
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما أكل من الحرام فِي الاضطرار
رَحِيمٌ- 173- إذ رخص لهم فِي الاضطرار مثلها فِي الأنعام «1»
«والمضطر» يأكل عَلَى قدر قوته.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
الْكِتابِ يعني التوراة أنزلت فِي رءوس اليهود منهم كَعْب بن
الأشرف، وابن صوريا، كتموا أمر محمد- صلى الله عليه وسلم- في
التوراة وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعني عرضا من
الدُّنْيَا ويختارون عَلَى الكفر بمحمد ثمنا قليلا يعني عرضا
من الدُّنْيَا يسيرا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل كُلّ
عام ولو تابعوا محمدا لحبست عَنْهُمْ تِلْكَ المآكل.
فَقَالَ اللَّه- تَعَالَى ذكره-: أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ يَقُولُ وَلا يزكي لهم
أعمالهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 174- يعني وجيع ثُمّ اخبر
عَنْهُمْ، فَقَالَ- سبحانه-:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى يعنى
باعوا الهدى الَّذِي كانوا فِيهِ من إيمان بمحمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث بالضلالة التي دخلوا
فيها بعد ما بعث محمد ثُمّ قَالَ: وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ
أَي اختاروا العذاب «2» عَلَى المغفرة.
فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ- 175- يَقُولُ أَي شيء جرأهم
عَلَى عمل يدخلهم
__________
(1) يشير إلى الآية 145 من سورة الأنعام وهي قُلْ لا أَجِدُ
فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ
لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
(2) فى أ: ثم قال واختاروا العذاب على المغفرة. وفى الحاشية
الآية: بالمغفرة.
(1/156)
النار فما أصبرهم عليها [27 ب] إِلَّا
أعمالهم الخبيثة ذلِكَ العذاب الَّذِي نزل بهم فِي الآخرة «1»
بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعني القرآن بِالْحَقِّ
يَقُولُ لَمْ ينزل باطلا لغير شيء فلم يؤمنوا به وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ يعني فِي القرآن لَفِي
شِقاقٍ بَعِيدٍ- 176- يعني لفي ضلال بعيد يعني طويل «2» .
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ يعني لَيْسَ
التقوى أن تحولوا وجوهكم فِي الصَّلاة قِبَلَ يعني تلقاء
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فلا تفعلوا ذَلِكَ وَلكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يعني صدق باللَّه بأنه واحد لا
شريك لَهُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني وصدق بالبعث الَّذِي
فِيهِ جزاء الأعمال. بأنه كائن وَالْمَلائِكَةِ أَي وصدق
بالملائكة وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ يعني
وأعطى المال عَلى حُبِّهِ لَهُ أعطى ذَوِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ يعنى والضيف
نازل عليك وَأعطى السَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ فهذا تطوع.
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَأَقامَ الصَّلاةَ المكتوبة وَآتَى
«3» وأعطى الزَّكاةَ المفروضة وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا
عاهَدُوا فيما بينهم وبَيْنَ الناس وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ يعني الفقر والضراء يعني البلاء
وَحِينَ الْبَأْسِ يعني وعند القتال هُمْ صابرون أُولئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا فى إيمانهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ-
177- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى إذا كان عمدا وذلك أن حيين من العرب
اقتتلوا فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الْإِسْلام بقليل، وكانت بينهم
قتلى وجرحى، حَتَّى قُتِل العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من
بعض الأموال حَتَّى أسلموا، وكان أحد الحيين لَهُ طول على
الآخر «4» فى العدد والأموال، فحلفوا ألا نرضى حَتَّى يقتل
بالعبد مِنَّا الحر منهم،
__________
(1) فى أ: الآخرة ذلك. [.....]
(2) فى أ: الطويل.
(3) فى أ: وَآتَى ساقطة.
(4) فى ل، فى أ: الآخرين.
(1/157)
وبالمرأة مِنَّا الرَّجُل منهم، فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فسوى بينهم فِي الدماء
وأمرهم بالعدل فرضوا فصارت منسوخة نسختها الآية التي فِي
المائدة قوله- سُبْحَانَهُ- وَكَتَبْنا فيما قضينا عَلَيْهِمْ
فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «1» يعني: النَّفْس: المسلم
الحر بالنفس: المسلم الحر، والمسلمة الحرة بالمسلمة الحرة
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ثُمّ رجع إِلَى أول
الآية فِي قوله- سبحانه-: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي
الْقَتْلى إذا كان عمدا إذا عفى وَلِي المقتول عن أَخِيهِ
القاتل ورضي بالدية فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ يعني الطالب
ليطلب ذَلِكَ فِي رفق ثُمّ قَالَ للمطلوب: وَأَداءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسانٍ يَقُولُ ليؤدي الدية إلى الطالب عفوا فِي غَيْر
مشقة وَلا أذى ذلِكَ العفو والدية تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ إذ
جعل فى قتل [28 أ] العمد العفو والدية «2» ثُمّ قَالَ:
وَرَحْمَةٌ يعني وتراحموا وكان اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- حكم
عَلَى أَهْل التوراة أن يقتل القاتل، وَلا يعفى عَنْهُ، وَلا
يقبل منه الدية، وحكم عَلَى أَهْل الإنجيل العفو، وَلا يقتل
القاتل بالقصاص، وَلا يأخذ وَلِيّ المقتول الدية ثُمّ جعل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- التخفيف لأمة محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن شاء وَلِيّ المقتول قَتَل القاتل، وإن
شاء عفا عَنْهُ، وإن شاء أَخَذَ منه الدية.
فكان لأهل التوراة أن يقتل قاتل الخطأ والعمد فرخص اللَّه- عز
وجل- لأمة محمد- صلى الله عليه وَسَلَّمَ- فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ- فِي الأعراف: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ «3» من التشديدات
(وهي أن) يقتل قاتل
__________
(1) سورة المائدة: 45.
(2) ما بعد ذلك ساقط من ل حتى قوله تعالى: وَلا
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ أى من
الآية 179 إلى أواخر الآية 187: فلعل ورقة سقطت من المخطوطة ل،
أو نسى المصور تصويرها.
(3) سورة الأعراف: 157.
(1/158)
العمد وَلا يعفي عَنْهُ وَلا يؤخذ منه
الدية، ثُمّ قَالَ: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ
أَلِيمٌ- 178- يعني وجيع فَإنَّهُ يقتل، وَلا يؤخذ منه دية،
قَالَ «1» النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا
عفو عمن قَتَل القاتل بعد أَخَذَ الدية. وَقَدْ جعل اللَّه
لَهُ عذابا أليما.
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يعني
بقاء يحجز بعضكم عن بعض يا أُولِي الْأَلْبابِ يعني من كان
لَهُ لب أَوْ عقل فذكر القصاص فيحجزه الخوف عن القتل
لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَتَّقُونَ- 179- الدماء مخافة القصاص.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ يعني فرض عليكم، نظيرها كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتالُ «2» يعنى فرض، نظيرها أيضا ما كَتَبْناها يعني ما
فرضناها عَلَيْهِمْ «3» يعني الرهبانية. إِذا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ بعد موته خَيْراً يعني المال
الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
يعني تفضيل الوالدين عَلَى الأقربين فِي الوصية، وليوص
للأقربين بالمعروف، والذين لا يرثون يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- تِلْكَ الوصية حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ- 180- فَمنْ
لَمْ يوص لقرابته عِنْد موته فقد ختم عمله بالمعصية، ثُمّ نزلت
«4» آية الميراث بعد هَذِهِ الآية فنسخت للوالدين «5» ، وبقيت
«6» الوصية للأقربين الَّذِين لا يرثون: ما بينه وبين ثلث ما
له فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ يَقُولُ من بدل وصية
الميت يعني الوصي والولي بعد ما سمعه من الميت فلم يمض وصيته
فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ يعنى الوصي
والولي وبرىء منه الميت إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لوصية الميت
عَلِيمٌ- 181- بها. ثُمّ قَالَ فَمَنْ خافَ يعني الوصي مِنْ
مُوصٍ يعني الميت جَنَفاً ميلا عن الحق خطأ أَوْ إِثْماً
__________
(1) فى أ: وقال.
(2) سورة البقرة: 216.
(3) سورة الحديد: 27.
(4) فى أ: نزل.
(5) وفيه نظر لأن آية المواريث لا تعارض الوصية بل تؤكدها من
حيث أنها تدل على تقديم الوصية مطلقا- القرطبي.
(6) فى أ: فبقيت.
(1/159)
تعمدا للجنف «1» أَي إن جار الميت فِي
وصيته عمدا أَوْ خطأ، فلم يعدل فخاف الوصي أَو الولي من جور
وصيته فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ بين الورثة بالحق والعدل فَلا
إِثْمَ عَلَيْهِ حين خالف جور [28 ب] الميت إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ للمصلح رَحِيمٌ- 182- به إذا رخص فى مخالفة «2» جور
الميت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ وذلك
أن لبيد الْأَنْصَارِيّ من بني عَبْد الأشهل كبر فعجز عن
الصوم، فَقَالَ للنَّبِيّ- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم-: ما علي
من عجز عن الصوم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ
يعني فرض عليكم نظيرها كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ يعني فرض
عليكم القتال «3» كَما كُتِبَ يعني كما فرض عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ يعني أَهْل الإنجيل لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ-
183- يعني لكي تتقون الطعام والشراب والجماع فَمنْ صلى العشاء
الآخرة أَوْ نام قبل أن يصلي العشاء الآخرة حرم عَلَيْه ما
يحرم عَلَى الصائم.. وكان ذَلِكَ «4» عَلَى الَّذِين من قبلنا
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وهي دون الأربعين فإذا كَانَتْ فوق
الأربعين فلا يقال لها معدودات «5» فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ أَي ومن كان يطيق
الصوم، وليس بمريض ولا مسافر،
__________
(1) فى أ: (جنفا) يعنى عمدا (أو إثما) يعنى خطأ.
وكتب التفسير بالمأثور وبالمعقول. على أن الجنف: الميل عن الحق
خطأ والإثم: تعمد ذلك.
انظر الجلالين والبيضاوي وابن كثير. وفى ابن كثير: قال ابن
عباس وأبو العالية ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدى:
الجنف الخطأ، وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها بأن زادوا وارثا
بواسطة أو وسيلة كما إذا أوصى ببيعه الشيء الفلاني مخافات أو
أوصى ليزيدها أو نحو ذلك من الوسائل إما مخطئا غير عامد بل
بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر أو متعمدا آثما فى ذلك فالوصى
والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل فى الوصية على الوجه الشرعي،
ويعدل على الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه
وأشبه الأمور به جمعا بين مقصور الموصى والطريق الشرعي.
(2) فى أ: خلافة. [.....]
(3) فى أ: الصيام: (سورة البقرة: 216) .
(4) فى أ: فهذا كان.
(5) فى أ: فإذا كان فوق الأربعين فلا يقال له معدودة.
(1/160)
فَإِن شاء صام وإن شاء أفطر وعليه فدية «1»
، طَعامُ مِسْكِينٍ «2» لكل مسكين نصف صاع حنطة فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْراً فزاد عَلَى مسكين فأطعم مسكينين أَوْ ثلاثة
«3» مكان كُلّ يوم فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ من أن يطعم مسكينا
واحدًا، ثُمّ قَالَ: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ يعني ولأن تصوموا
خير لَكُمْ من الطعام إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 184- وكان
المؤمنون قبل رمضان يصومون عاشوراء وَلا يصومون غيره. ثُمّ
أنزل «4» اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- صوم رمضان بعد. فنسخ الطعام
«5» ، وثبت الصوم إِلَّا عَلَى من لا يطيق الصوم فليفطر وليطعم
مكان كُلّ يوم مسكينا نصف صاع حنطة ثُمّ بين لهم أي شهر
يصومون، فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ من اللوح المحفوظ فِي عشرين شهرا
وأنزل به جبريل- عَلَيْه السَّلام- عشرين سنة، ثُمّ قَالَ-
سبحانه-: هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى «6»
وَالْفُرْقانِ يعني فِي الدّين من الشبهة والضلالة نظيرها فى
آل عمران الآية 4 وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ من قبل يعني المخرج
من الشبهات فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
فواجب عَلَيْه الصِّيَام. وَلا يطعم «7» وَمَنْ كانَ منكم
مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فلم يصم فإذا برىء المريض من مرضه
فَعِدَّةٌ فليصم عدة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إن شاء صام متتابعا
وإن شاء متقطعا وهكذا المسافر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ يعني الرفق فِي أمر دينكم حين رخص للمريض والمسافر
فِي الفطر وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ يعنى الضيق فى
__________
(1) فى أ: يقول على الذين يطيقون الصوم وليس بمريض وَلا مسافر
فَإِن شاء أفطر وعليه فدية.
(2) فى أ: مساكين.
(3) فى أ: أو ثلاثة يطعم.
(4) أنزل: أى فرض.
(5) كان صيام عاشوراء فرضا فلما فرض الله صيام رمضان نسخ فرضية
صيام عاشوراء. وكان مباحا للمسلم: أن يصوم. أو يطعم مسكينا عن
صوم كل يوم فدية لصيامه. ثم نسخ إطعام المسكين وأصبح الصوم
فرضا على القادر لا يتركه إلى الفدية إلا لعذر.
(6) ساقطة من أ.
(7) فى أ: (فليصمه) فأوجبه ولا يطعم.
(1/161)
الدّين فلو لَمْ يرخص للمريض والمسافر كان
عسرا [29 أ] ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يعني تمام الأيام المعدودات
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ يعني لكي تعظموا اللَّهَ عَلى مَا
هَداكُمْ من أمر دينه وَلَعَلَّكُمْ يعني لكي تَشْكُرُونَ-
185- ربكم فِي هَذِهِ النعم إذ هداكم لأمر دينه، ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي وذلك أَنَّهُ
كان فِي الصوم الأول أن الرَّجُل إذا صلى العشاء الآخرة أو نام
قبل أن يصليها حرم عَلَيْه الطعام والشراب والجماع كَمَا يحرم
بالنهار عَلَى الصائم ثُمّ إن عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ- صلى العشاء الآخرة ثُمّ جامع امرأته «1»
فَلَمَّا فرغ
__________
(1) ذكر ذلك فى كتب التفسير والحديث والأصول وفى أسباب النزول
للواحدي ص 27، 28
وجاء فى أسباب النزول للسيوطي ص 25: روى أحمد وأبو داود
والحاكم من طريق عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن معاذ بن جبل قال:
كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا
امتنعوا. ثم إن رجلا من الأنصار يقال له قيس بن صرمة صلى
العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح. فأصبح مجهودا، وكان
عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فأتى النبي- صلى الله عليه
وسلم- فذكر ذلك له فأنزل الله أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ
الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إلى قوله ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ
ثم علق السيوطي بقوله- هذا الحديث مشهور عن أبى ليلى لكنه لم
يسمع من معاذ وله شواهد فأخرج البخاري عن البراء قال: كان
أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرجل صائما فحضر
الإفطار.
فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وإن قيس بن
صرمة الأنصارى كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال:
هل عندك طعام فقالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل
فغلبته عينه. وجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك. فلما
انتصف النهار غشى عليه. فذكر ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم-
فنزلت هذه الآية- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ
إِلى نِسائِكُمْ ففرحوا بها فرحا شديدا. ونزلت وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.
وأخرج البخاري عن البراء قال: لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا
يقربون النساء رمضان كله، فكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ
فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ الآية.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن كعب
بن مالك عن أبيه قال: كان الناس فى رمضان إذا صام الرجل فأمسى
فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد. فرجع
عمر من عند النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد سمر عنده فأراد
امرأته، فقالت: إنى قد نمت قال:
(1/162)
ندم وبكا فَلَمَّا أصبح أتى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره، فَقَالَ:
يا نَبِيّ اللَّه، إني أعتذر إلى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثُمّ
إليك من نفسي هَذِهِ الخاطئة واقعت أهلي بعد الصَّلاة، فهل تجد
لي رخصة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لَمْ تك جديرا بِذَلِك يا عُمَر، فرجع حزينا: ورأى
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صرمة بن أنس بن
صرمة بن مَالِك من بني عَدِيّ بن النَّجّار «1» عِنْد العشاء،
فَقَالَ النَّبِيّ- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم-: يا أبا قَيْس،
مَالِك طليحا، فَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ، ظللت «2» أمس فِي
حديقتي فَلَمَّا أمسيت أتيت أهلي، وأرادت المرأة أن تطعمني
شيئًا سخنا، فأبطأت «3» علي بالطعام، فرقدت فأيقظتني وَقَدْ
حرم عَلَي الطعام، فأمسيت وَقَدْ أجهدني الصوم. واعترف رجال من
الْمُسْلِمِين عِنْد ذَلِكَ بما كانوا يصنعون بعد العشاء
فقالوا: بتنا ومخرجنا مما عملنا فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ «4» أَي
فأعلمهم أني قريب منهم فى
__________
ما نمت ووقع عليها وصنع كعب مثل ذلك فغدا عمر إلى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه فنزلت الآية،
وهذه الأحاديث نقلها السيوطي عن ابن كثير.
أو اختصرها من عدد كثير فى مضمونها أورده ابن كثير، وعقب ابن
كثير على هذه الروايات بقوله: وهكذا روى عن مجاهد وعطاء وعكرمة
وقتادة وغيرهم فى سبب نزول هذه الآية فى عمر بن الخطاب ومن صنع
كما صنع وفى صرمة بن قيس فأباح الله الجماع والطعام والشراب فى
جميع الليل رحمة ورخصة ورفقا.. ابن كثير: 1- 221.
وما كان عمر خليقا أن يفعل ذلك كما ورد فى حديث ابن عباس
الوارد فى: (ابن كثير 1:
220) ومع ذلك كانت زلة عمر سببا فى تيسير الله ورحمته بنا فى
الصيام.
(1) جاء فى حاشية ابن كثير (1: 220) اختلف فى اسمه لاختلاف
الروايات فقيل صرمة ابن قيس أو ابن أنس وقيل حمزة بن أنس وذكر
هذا فى حاشية نسخة الأزهر. فراجع هذه الأسماء فى الإصابة.
(2) فى أ: ظلت [.....]
(3) فى أ: فأبطت.
(4) فى أ: فأعلمهم أنى قريب.
(1/163)
الاستجابة أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا
دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بالطاعة وَلْيُؤْمِنُوا بِي يعني
وليصدقوا بي فَإِنِّي «1» قريب سريع الإجابة أجيبهم
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ- 186- يعني لكي يهتدون، ثم قال:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ رخصة للمؤمنين بعد صنيع
عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- الرَّفَثُ يعني الجماع إِلى
نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ
يَقُولُ هن سكن لَكُمْ وأنتم سكن لهن عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ يعني عمر بن الخطاب- رضي
الله عنه- فِي جماع امرأته فَتابَ عَلَيْكُمْ يعني فتجاوز عنكم
وَعَفا عَنْكُمْ قوله سُبْحَانَهُ-: تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ
بالمعصية نظيرها فَخانَتاهُما «2» فخالفتاهما يعني بالمعصية.
وكقوله- سُبْحَانَهُ-:
وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ «3» يعني عَلَى
معصية وَعَفا عَنْكُمْ يَقُولُ ترككم فلم يعاقبكم فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ يعني جامعوهن من حيث أحللت لَكُم الجماع الليل
كله وَابْتَغُوا من نسائكم ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ من الولد
يعني واطلبوا ما قضى لَكُمْ وأنزل فِي صرمة بن أنس وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [29 ب] حَتَّى يتبين لَكُمْ وجه
الصبح، يعني بياض النهار من سواد الليل مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ والخيط الأبيض يعني أول
بياض الصبح: الضوء المعترض قبل المشرق، والخيط الأسود أول سواد
الليل وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ نزلت فِي عَلِيّ بْن أبي طَالِب-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وعمار بن ياسر، وأبي عُبَيْدة بن
الجراح، كان أحدهم يعتكف فإذا أراد الغائط من السحر رجع إلى
أهله بالليل، فيباشر ويجامع امرأته ويغتسل ويرجع إلى المسجد،
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ يقول
__________
(1) فى أ: فإنه.
(2) سورة التحريم: 10.
(3) سورة المائدة: 13.
(1/164)
لا تجامعوا النساء ليلا ولا نهارا ما دمتم
معتكفين. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
المباشرة تِلْكَ معصية اللَّه فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ «1»
يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ يعني أمره لِلنَّاسِ وأمر الاعتكاف
لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَّقُونَ- 187- المعاصي فِي الاعتكاف
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعني
ظلما وذلك أن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الْحَضْرَمِيّ
اختصما فِي أرض فكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب فلم
يَكُنْ لعبدان بينة وأراد امرؤ القيس أن يحلف، فقرأ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا
«2» يعني عرضا يسيرا من الدُّنْيَا إلى آخر الآية فَلَمَّا
سمعها امرؤ القيس كره أن يحلف «3» وَلَم يخاصمه فِي أرضه وحكمه
فِيهَا فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى
الْحُكَّامِ يَقُولُ لا يدلين أحدكم بخصومة فِي استحلال مال
أَخِيهِ، وَهُوَ يعلم أَنَّهُ مبطل. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً يعني طائفة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ
بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 188- أنكم تدعون الباطل
فَقَالَ النَّبِيّ- صلى اللَّه عَلَيْه وسلم-: إِنَّمَا أَنَا
بشر مثلكم، فلعل بعضكم أَعْلَم بحجته، فأقضى لَهُ وَهُوَ مبطل،
ثُمّ قَالَ- عَلَيْه السَّلام-:
أيما رَجُل قضيت لَهُ بمال امرئ مُسْلِم. فَإِنَّمَا هِيَ قطعة
من نار جهنم أقطعها فلا تأكلوها.
قوله- سبحانه-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ نزلت فِي
مُعَاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمة وهما من الأَنْصَار فَقَالَ
مُعَاذ: يا رَسُول اللَّهِ، ما بال الهلال
__________
(1) فى أ: هكذا
(2) سورة آل عمران: 77.
(3) فى أ: يحلفه، ل: يحلف. وفى أسباب النزول للواحدي: ص 28،
قال مقاتل بن حيان نزلت آية وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ فى امرئ القيس بن عابس الكندي وفى
عبدان ابن أشوع الحضرمي وذلك إنهما اختصما إلى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- في أرض وكان امرؤ القيس المطلوب
وعبدان الطالب فأنزل الله- تعالى- هذه الآية فحكم عبدان فى
أرضه ولم يخاصمه.
(1/165)
يبدو مثل الخيط ثُمّ يَزِيد حَتَّى يمتلئ
فيستوي ثُمّ لا يزال ينقص حَتَّى يعود كما بدأ «1» فأنزل الله-
عز وجل- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ
لِلنَّاسِ فِي أجل دينهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم والشروط
التي بينهم إلى أجل. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَالْحَجِّ
يَقُولُ وقت حجهم والأهلة مواقيت لهم. وذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ
مِنْ ظُهُورِها وذلك أن الأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي
الْإِسْلام كانوا إذا [30 أ] أحرم أحدهم بالحج أَوْ بالعمرة،
وَهُوَ من أَهْل المدن وَهُوَ مقيم فِي أهله لَمْ يدخل منزله
من باب الدار، وَلَكِن يوضع لَهُ سلم إلى ظهر البيت فيصعد
فِيهِ، وينحدر منه أَوْ يتسور من الجدار، وينقب بعض بيوته،
فيدخل منه ويخرج منه، فلا يزال كذلك حَتَّى يتوجه إلى مكة
محرما. وإذا كان من أهل الوبر دخل وخرج من وراء بيته
وأن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل يومًا
نخلا لبني النجار، ودخل معه قطبة بن عامر ابن حديدة»
الْأَنْصَارِيّ من بني سَلَمَة «3» بن جشم من قبل الجدار،
وَهُوَ محرم فَلَمَّا خرج النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الباب وَهُوَ محرم خرج قطبة من الباب. فَقَالَ
رَجُل هَذَا قطبة خرج من الباب وَهُوَ محرم فَقَالَ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ-:
مَا حملك أن تخرج من الباب وأنت محرم. قال: يا نبى رأيتك خرجت
من الباب وأنت محرم فخرجت معك، وديني دينك. فَقَالَ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-:
__________
(1) في أ: بدأه. وفى أسباب النزول للواحدي قال معاذ بن جبل: يا
رسول الله، إن اليهود تغشانا ويكثرون مساءلتنا عن الأهلة فأنزل
الله الآية.
(2) كتب التفسير وأسباب النزول ذكرت أن اسمه قطبة بن عامر بيد
أن مقاتل يزيد فى ذكر جدود الشخص. وما يتفرد به مقاتل من
الجدود يحصل فيه التصحيف عادة. وفى أ: حديد بدون إعجام فى
الياء. وكذلك ل.
(3) فى أ: سامه، ل: سلمة.
(1/166)
خرجت لأني من أحمس. فَقَالَ قطبة للنبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن كُنْت أحمسيا فَإِنِّي
أحمسي «1» ، وَقَدْ رضيت بهديك «2» ودينك، فاستننت بسنتك.
فأنزل اللَّه فِي قول قطبة بن عامر للنبي- صلى الله عليه وسلم-
لَيْسَ الْبِرُّ يعني التقوى بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى اللَّه واتبع أمره
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تعصوه يحذركم
(لَعَلَّكُمْ) . يَقُولُ لكي تُفْلِحُونَ- 189- والحمس قريش،
وكنانة، وخزاعة وعامر بن صَعْصَعَة، الَّذِين لا يسلون السمن
«3» وَلا يأكلون الأقط ولا يبنون الشعر والوبر. وقوله-
سُبْحَانَهُ-: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقاتِلُونَكُمْ وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- نهى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين عن الشهر الحرام
أن يقاتلوا فِي الحرم إِلَّا أن يبدأهم المشركون بالقتال، وأن
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينا هُوَ
وأصحابه معتمرون إلى مكة فِي ذِي القعدة، وهم محرمون عام
الحديبية، والمسلمون يومئذ ألف وأربعمائة رَجُل. فصدهم مشركو
مكة عن المسجد الحرام وبدأوهم بالقتال، فرخص اللَّه فِي
القتال. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا فتبدءوا بقتالهم فِي الشهر الحرام وَفِي الحرم
فَإنَّهُ عدوان إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ- 190-
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ يعني أَيْنَ أدركتموهم
فِي الحل والحرم وَأَخْرِجُوهُمْ من مكة مِنْ حَيْثُ
أَخْرَجُوكُمْ يعني من مكة وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ
الْقَتْلِ [30 ب]
__________
(1) فى أ: إن كنت أحمس فأنا أحمس. وفى أسباب النزول للواحدي:
29 «إن كنت أحمسيا فإنى أحمسى، ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك
ودينك.
(2) فى أ: بهداك.
(3) هكذا فى أ، ل. قال المفسرون سموا حمسا لشدتهم فى دينهم
(أسباب النزول للواحدي) . [.....]
(1/167)
يعني الشرك أعظم «1» عِنْد اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- جرما من القتل نظيرها أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
«2» يعني فِي الكفر وقعوا فَلَمَّا نزلت وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بعد وَلا
تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني أرض الحرم
كله فنسخت هَذِهِ الآية «3» ثُمّ رخص لهم حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ
فِيهِ يعني حَتَّى يبدءوا «4» بقتالكم فِي الحرم فَإِنْ
قاتَلُوكُمْ فيه فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ-
191- إن بدأوا بالقتال فِي الحرم أن يقاتلوا فِيهِ ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: فَإِنِ انْتَهَوْا عن قتالكم ووحدوا ربهم
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لشركهم رَحِيمٌ- 192- بهم فِي
الْإِسْلام. نظيرها فِي الأنفال وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا
تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ إلى آخر
الآية «5» . ثم قال: وَقاتِلُوهُمْ أبدا حَتَّى لا تَكُونَ
فِتْنَةٌ يَقُولُ حَتَّى لا يَكُون «6» فيهم شرك فيوحدوا ربهم
وَلا يعبدوا غيره يعني مشركي العرب خاصة وَيَكُونَ يعني ويقوم
الدِّينُ لِلَّهِ فيوحدوه وَلا يعبدوا غيره فَإِنِ انْتَهَوْا
عن الشرك ووحدوا ربهم فَلا عُدْوانَ يعني فلا سبيل إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ- 193- الَّذِين لا يوحدون ربهم نظيرها فِي
القصص فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ «7» يعني فلا سبيل علي «8» .
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وذلك أن النبي- صلى
الله عليه وسلم- والمسلمين ساروا إلى مكة محرمين بعمره، ومن
كان معه عام الحديبية، لست
__________
(1) فى أ: عظم، ل: أعظم.
(2) سورة التوبة: 49.
(3) هكذا فى أ، وفى ل: شكل الآية بالفتح.
(4) فى أ: تبدأوا.
(5) سورة الأنفال: 39 وتمامها وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ
انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
(6) فى أ: حتى لا يكون ترى فيهم يعنى شركا. فى ل يقول حتى لا
يكون فيهم. يعنى شرك.
(7) سورة القصص: 28.
(8) فى أ، ل: فلا سبيل إلا على الظالمين.
(1/168)
سنين من هجرته إلى المدينة. فصدهم مشركو
مكة. وأهدى «1» أربعين بدنة «ويُقَالُ مائة بدنة» «2» فردوه
وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت وكانت بيعة الرضوان عامئذ
فصالحهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
أن ينحر الهدي مكانه فِي أرض الحرم ويرجع فلا يدخل مكة، فإذا
كان العام المقبل خرجت قريش من مكة وأخلوا لَهُ مكة ثلاثة
أيام. لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِين «3» سلاح إِلَّا في غمده فرجع
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ توجه من
فوره ذَلِكَ إلى خيبر، فافتتحها فِي المحرم ثُمّ رجع إلى
المدينة فَلَمَّا كان العام المقبل. وأحرم النبي (ص) وأصحابه
بعمرة «4» فِي ذِي القعدة وأهدوا ثُمّ أقبلوا من المدينة فأخلى
«5» لهم المشركون مكة ثلاثة أيام. وأدخلهم اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- مكة فقضوا عمرتهم ونحروا البدن فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- الشَّهْرُ الْحَرامُ الَّذِي دخلتم فِيهِ مكة هَذَا
العام بِالشَّهْرِ الْحَرامِ يعني الَّذِي صدوكم فِيه العام
الأول وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ يعني اقتصصت لك منهم فِي الشهر
الحرام يعني فِي ذِي القعدة كَمَا صدوكم فِي الشهر الحرام وذلك
أنهم فرحوا وافتخروا حين صدوا النَّبِيّ- صلى اللَّه عَلَيْه
وسلم- عن المسجد الحرام، فأدخله اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من
قابل، ثُمّ «6» قَالَ سُبْحَانَهُ: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ وذلك أن أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم- أهلوا إلى مكة محرمين بعمرة
__________
(1) فى أ: وأهدوا، ل: وأهدى.
(2) ما بين الأقواس ساقط من ل.
(3) فى أ، ل: ليس معهم.
(4) فى أ، ل: وحرم بعمرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
(5) فى ل: فخلا، فى أ: فخلو
(6) انظر أسباب النزول للواحدي: 30. ولباب النقول للسيوطي: 28.
وقد ساق أثرا أخرجه ابن جرير عن قتادة.. بأن المشركين افتخروا
على النبي حين ردوه فأقصه الله منهم وأدخله مكة فى ذلك الشهر
الذي كانوا ردوه فيه. [.....]
(1/169)
فخافوا ألا يفي لهم المشركون بدخول المسجد
الحرام وأن يقاتلوهم عنده «1» فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فقاتلكم فِي الحرم فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ يَقُولُ فقاتلوهم فِيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فِيهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ يعني الْمُؤْمِنِين وَلا
تبدءوهم بالقتال فِي الحرم فَإِن بدأ المشركون فقاتلوهم
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ «2» فِي النصر مَعَ الْمُتَّقِينَ-
194- الشرك فخبرهم أنه ناصرهم. قوله- سبحانه: وَأَنْفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمين
ساروا من المدينة إلى مكة محرمين بعمرة فِي العام الَّذِي
أدخله اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مكة، فَقَالَ ناس من العرب
منازلهم حول المدينة: والله مالنا زاد، وما يطعمنا أحد، فأمر
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالصدقة عليهم. فَقَالَ سُبْحَانَهُ-:
«3» وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَي وَلا
تكفوا أيديكم عن الصدقة فتهلكوا.
وقَالَ رَجُل من الفقراء: يا رسول اللَّه ما نجد ما نأكل، فبأي
شيء نتصدق.
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «4» فَإِن
أمسكتم عَنْهَا فهي التهلكة. وَأَحْسِنُوا النفقة فِي سبيل
اللَّه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ- 195- يعني من
أحسن فِي أمر النفقة فِي طاعة الله. وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ «5» من المواقيت وَلا تستحلوا فيهما ما
لا ينبغي لكم. فريضتان واجبتان.
__________
(1) الأثر فى أسباب الواحدي ص 29 برواية عَنِ الْكَلْبِيِّ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس وفى أسباب السيوطي ص 28.
(2) فى أ: فاعلموا.
(3) فى أ: فقال سبحانه: (ولا تكفوا أيديكم عن الصدقة فتهلكوا)
، وهو تحريف للآية، وقد نقلتها من المصحف.
(4) ساق الواحدي أربعة آثار فى أسباب نزول الاية، أسباب
النزول: ص 30. وساق السيوطي ثلاثة آثار فى أسباب نزول الآية فى
لباب النقول: ص 29.
(5) أورد السيوطي أثرا فى أسباب نزول الآية فى لباب النقول: ص
29.
(1/170)
ويُقَالُ العمرة هِيَ الحج الأصغر، وتمام
الحج والعمرة المواقيت والإحرام خالصا لا يخالطه شيء من أمر
الدُّنْيَا وذلك أن أَهْل الْجَاهِلِيَّة كانوا يشركون فِي
إحرامهم. فأمر «1» اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين أن يتموهما للَّه
فَقَالَ «2» : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
وَهُوَ ألّا يخلطوهما «3» بشيء ثُمّ خوفهم أن يستحلوا «4»
منهما ما لا ينبغي «5» فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- فِي آخر الآية
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «6» فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ يقول فإن حسبتم كقوله- سُبْحَانَهُ-: الَّذِينَ
أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ «7» اللَّهِ يعني حبسوا. نظيرها أيضا
وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «8» يعني محبسا.
يَقُولُ إن حبسكم فِي إحرامكم بحج أَوْ بعمرة كسر»
أَوْ مرض أَوْ عدو عن المسجد الحرام فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ يعني فليقم محرما مكانه ويبعث ما استيسر من الهدى
أَوْ بثمن الهدى فيشتري لَهُ الهدى. فإذا نحر الهدى عَنْهُ
فَإنَّهُ يحل من إحرامه مكانه. ثُمّ قَالَ: وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ فى الإحرام حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
يعني حَتَّى يدخل الهدى مكة، فإذا نحر الهدى حل من إحرامه
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً «10» وذلك
أن كَعْب بن عُجْرة الْأَنْصَارِيّ كان محرما بعمرة عام
الحديبية فرأى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى مقدم رأسه قملا كثيرًا، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[31 ب] : يا كَعْب، أيؤذيك هوام
رأسك. قَالَ: «11» نعم، يا نبى الله.
__________
(1) فى أ: ثم أمر
(2) فى أ: ثم قال.
(3) فى أ: لا يخلطوها. وفى الحاشية: أن وفوقها محمد (وهو
الناسخ) وفى ل: ولا يخلطوها بشيء.
(4) فى أ، ل: ألا يستحلوا.
(5) فى أ: ما لا ينبغي ثم خوفهم.
(6) فى أزيادة: فيها تقديم.
(7) سورة البقرة: 273.
(8) سورة الإسراء: 8.
(9) فى أ: بحبس. [.....]
(10) ساق الواحدي خمسة طرق فى أسباب نزول الآية ص 31، 32 أسباب
النزول. وساق السيوطي حديث البخاري عن كعب بن عجرة. ثم رواية
أحمد عن كعب أيضا. لباب النقول: 30.
(11) فى أ: فقال. وفى رواية الواحدي.. عن مجاهد ... عن عبد
الرحمن بن أبى ليلى ... قال نعم.
(1/171)
فأمره رَسُول اللَّهِ «1» - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحلق.
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي كعب فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فحلق رأسه فَفِدْيَةٌ
مِنْ صِيامٍ «2» فعليه فدية صيام ثلاثة أيام إن شاء متتابعا
وإن شاء متقطعا أَوْ صَدَقَةٍ عَلَى ستة مساكين لكل مسكين نصف
صاع من حنطة أَوْ نُسُكٍ يعني شاة أَوْ بقرة أَوْ بعيرا ينحره
ثُمّ يطعمه المساكين بمكة، وَلا يأكل منه، وَهُوَ بالخيار إن
شاء ذبح شاة أَوْ بقرة أَوْ بعيرا. فأما كَعْب فذبح بقرة
فَإِذا أَمِنْتُمْ من الحبس من العدو عن البيت الحرام فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ يَقُولُ وَهُوَ يريد
الحج فَإِن دخل مكة وَهُوَ محرم بعمرة فِي غرة «3» شوال، أَوْ
ذِي القعدة، أَوْ فِي عشر من ذِي الحجة فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ «4» يعني شاة فَمَا فوقها يذبحها «5» فيأكل منها
ويطعم. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة، وسلمان، وأَبُو العرباض
للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا لا نجد الهدي،
فلنصم ثلاثة أيام. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ الهدي فليصم فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي
الْحَجِّ فِي عشر الأضحى فِي أول يَوم من العشر إلى يَوْم عرفة
فَإِن كان يوم عرفة يوم الثالث تَمَّ صومه ثُمّ قَالَ
وَسَبْعَةٍ «6» يعني ولتصوموا سبعة أيام إِذا رَجَعْتُمْ من
منى إلى أهليكم تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ فَمنْ شاء صام فِي
الطريق ومن «7» شاء صام فِي أهله إن شاء متتابعا، وإن شاء
متقطعا، ثُمّ قَالَ:
ذلِكَ التمتع لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقابِ- 196- يعني من لَمْ يَكُنْ منزله فِي أرض
الحرم كله فمن كان
__________
(1) فى أ: نبى الله. وفى أسباب النزول للسيوطي رسول الله.
(2) فى أ: فعلية فدية صيام.
(3) فى أ: عمرة: وفى ل: غرة.
(4) فى أ: فعليه ما استيسر.
(5) فى أ: فيذبحها.
(6) فى أ: ولتصوموا سبعة.
(7) فى أ: وإن.
(1/172)
أهله فِي أرض الحرم فلا متعة عَلَيْه وَلا
صوم. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ يَقُولُ من أحرم بالحج فليحرم فِي شوال أَوْ فِي
ذِي القعدة «1» أَوْ فِي عشر ذِي الحجَّة فَمنْ أحرم فِي سوى
هَذِهِ الأشهر فقد أخطأ السنة، وليجعلها عَمْرَة، ثُمّ قَالَ:
فَمَنْ فَرَضَ يَقُولُ فَمنْ أحرم فِيهِنَّ الْحَجَّ «2» أَي
الحج فَلا رَفَثَ يعني فلا جماع. كقوله- سُبْحَانَهُ- أُحِلَّ
لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ يعني الجماع إِلى
نِسائِكُمْ «3» وَلا فُسُوقَ يعني ولا سباب وَلا جِدالَ فِي
الْحَجِّ «4» يعني وَلا مراء كقوله- سُبْحَانَهُ-: مَا
يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ «5» يعني ما يماري حَتَّى يغضب
وَهُوَ محرم، أَوْ يغضب صاحبه وَهُوَ محرم، فَمنْ فعل ذَلِكَ
فليطعم مسكينا، وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر فِي حجة
الوداع فَقَالَ: من «6» لَمْ يَكُنْ معه هدى، فليحل من إحرامه،
وليجعلها عَمْرَة،
فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا أهللنا
بالحج فذلك جدالهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يعنى
مما نهى [32 أ] من ترك «7» الرفث والفسوق والجدال يَعْلَمْهُ
اللَّهُ فيجزيكم به ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى «8» وذلك أن
ناسا من أَهْل اليمن وَغَيْرُهُمْ كانوا يحجون
__________
(1) فى أ: وفى ذى القعدة، فى ل: أو فى ذى القعدة.
(2) فى أ: بالحج.
(3) سورة البقرة: 187.
(4) فى الحج: ساقطة من أ.
(5) سورة غافر: 4. [.....]
(6) فى أ، ل: فمن.
(7) فى أ: ذلك.
(8) أخرج الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن
يحجون ولا يزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا
الناس. فأنزل الله- عَزَّ وَجَلّ- وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وقال عطاء بن أبى رباح: كان الرجل
يخرج فيحمل كله على غيره فأنزل الله- تعالى- وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى أسباب النزول للواحدي: 32.
وذكر السيوطي فى لباب النقول ص (30) روى البخاري وغيره عن ابن
عباس قال: كان أهل
(1/173)
بغير زاد وكانوا يصيبون من أَهْل الطريق
ظلما فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَتَزَوَّدُوا من الطعام ما
تكفون به وجوهكم عن الناس وطلبهم وخير الزاد التقوى.
يَقُولُ اللَّه- تبارك اسمه- التقوى خير زاد من غيره، وَلا
تظلمون من تمرون عَلَيْه وَاتَّقُونِ وَلا تعصون يا أُولِي
الْأَلْبابِ- 197- يعنى يا أهل اللُّبِّ والعقل
فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تزودوا ما تكفون به
__________
اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فأنزل الله
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وجاء فى
تفسير المنار ج 2/ 225 ط 1.
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى قالوا إن هذا
نزل فى ردع أهل اليمن عن ترك التزود زعما أنه من مقتضى التوكل
على الله. فقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن
عباس أنه قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن
متوكلون ثم يقومون فيسألون الناس فنزلت. فالمراد بالتقوى على
هذا اتقاء السؤال وبذل ماء الوجه. قال الأستاذ الإمام: وهو غير
ظاهر من العبارة بل المتبادر منها أن الزاد هو زاد الأعمال
الصالحة وما تدخر من الخير والبر كما يرشد إليه التعليل فى
قوله فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى والمعنى من التقوى
معروف وهو ما به يتقى سخط الله ليس ذلك إلا البرّ والتنزه عن
المنكر ولا يعلل بأن التقوى خير زاد إلا وهو يريد التزود منها
أما المعنى الذي ذكروه فلا يصلح مرادا من الآية لولا؟؟؟
ما أوردوا من السبب لم يخطر ببال سامع اللفظ، والسبب ليس
مذكورا فى الآية ولا مشارا إليه فيها فلا يصلح قرينة على
المراد من ألفاظها. نعم إن السبب قد ينير السبيل فى فهم الآية
ولكن يجب أن تكون مفهومة بنفسها لأن السبب ليس من القرآن ولذلك
أتمها بقوله وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ يعنى من كان له
لب وعقل فليتقينى فإنه يكون على نور من فائدة التقوى وأهلا
للانتفاع بها. أه.
ولا أدرى لماذا يعدل الشيخ محمد عبده عن تفسير الآية كما رأى
المفسرون مع ورود الحديث الصحيح مؤيدا لتفسيرهم.
أليس هذا من التفسير بالرأى المذموم وهو أن يتبع الإنسان هواه
فى فهم الآية ولا يتقيد بالمأثور فى تفسيرها؟ وقد علق السيد
رشيد رضا على كلام الشيخ محمد عبده بقوله. أقول ويدخل فى فعل
الخير والطاعة الأخذ بالأسباب كالتزود وتحامى وسائل الحاجة إلى
السؤال المذموم والله أعلم.
فكأنه أراد أن يجمع بين رأى المفسرين ورأى الشيخ محمد عبده.
فجعل التزود بالطعام وترك سؤال الناس مندرجا تحت مدلول التزود
بالأعمال الصالحة واتقاء سخط الله.
وأرى أن الحديث إذا صح بسبب؟؟؟ نزول الآية فلا يجوز العدول
عنه. والله أعلم.
(1/174)
وجوهكم عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ
رَبِّكُمْ وذلك أن أَهْل الْجَاهِلِيَّة كانوا يحجون منهم
الحاج والتاجر فَلَمَّا أسلموا قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن سوق عكاظ وسوق منى وذي المجاز فِي
الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ تقوم قبل الحج وبعد الحج فهل يصلح لنا
البيع والشراء «1» في أيام حجنا قبل الحج وبعد الحج، فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ
تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فى مواسم الحج يعنى النجارة
فرخص اللَّه- سُبْحَانَهُ- فِي التجارة فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفاتٍ بعد غروب فَاذْكُرُوا اللَّهَ تِلْكَ الليلة عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرامِ فإذا أصبحتم يعني بالمشعر حيث يبيت
الناس بالمزدلفة فاذكروا اللَّه وَاذْكُرُوهُ «2» كَما
هَداكُمْ لأمر دينه وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ من قبل أن
يهديكم لدينه لَمِنَ الضَّالِّينَ- 198- عن الهدى ثُمَّ
أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وذلك الحمس، قريش،
وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعه كانوا يبيتون بالمشعر الحرام،
وَلا يخرجون من الحرم خشية أن يقتلوا وكانوا لا يقفون بعرفات:
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات
فَقَالَ لهم:
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ يعني رَبِيعَة،
واليمن كانوا يفيضون منْ عرفات قبل غروب الشمس، ويفيضون من جمع
«3» إذا طلعت الشمس فخالف النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم- فى الإفاضة وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لذنوبكم إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب الْمُؤْمِنِين رَحِيمٌ- 199- بهم فَإِذا
قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ بعد أيام التشريق فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ وذلك أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك
وقفوا بين مَسْجِد منى وبَيْنَ الجبل يذكر كل واحد منهم أباه
__________
(1) فى أ، ل: الشرى.
(2) فى أ: فاذكروا الله
(3) أ: جمع، وفى ل: جمع.
(1/175)
ومحاسنه ويذكر صنائعه «1» فِي الجاهلية
أَنَّهُ كان من أمره كذا وكذا، ويدعو لَهُ بالخير. فَقَالَ
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ [32 ب] كذكر «2» الأبناء الآباء فَإِنِّي
أَنَا فعلت ذَلِكَ الخير إلى آبائكم الَّذِين تثنون عليهم ثُمّ
قَالَ سُبْحَانَهُ-: أَوْ أَشَدَّ يعني أكثر ذِكْراً للَّه
منكم لآبائكم وكانوا إذا قضوا مناسكهم، قَالُوا: اللهم أكثر
أموالنا، وأبناءنا، ومواشينا، وأطل بقاءنا، وأنزل علينا الغيث،
وأنبت لنا المرعى، واصحبنا فِي سفرنا، وأعطنا الظفر عَلَى
عدونا، وَلا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئًا. فأنزل اللَّه-
تَعَالَى- فيهم فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا
يعني أعطنا فِي الدُّنْيا يعني هَذَا الَّذِي ذكر. فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ- 200-
يعني من نصيب نظيرها فِي براءة فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ
«3» يعني بنصيبهم فهؤلاء مشركو العرب فَلَمَّا أسلموا وحجوا
دعوا ربهم. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ «4» - 201- أَي دعوا ربهم أن
يؤتيهم فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يعني الرزق الواسع وأن يؤتيهم
فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً فيجعل ثوابهم الجنة وأن يقيهم عَذابَ
النَّارِ.
ثُمّ أخبر عَنْهُمْ فَقَالَ: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا
كَسَبُوا يَقُولُ حظ من أعمالهم الحسنة وَاللَّهُ سَرِيعُ
الْحِسابِ- 202- يَقُولُ كأَنَّه قَدْ كان. فهؤلاء المؤمنون.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ إذا رميتم
الجمار يعني أيام التشريق «والأيام المعلومات يعني يوم النحر
ويومين من أيام التشريق «5» » بعد النحر فكان
__________
(1) فى أ: صنائعه.
(2) فى أ: كذلك.
(3) سورة التوبة: 69.
(4) أ: فيها تحريف فى كتابة الآية.
(5) ما بين الأقواس «» فى ل، وليس فى أ.
(1/176)
عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- يكبر فِي
قبته «1» بمنى، فيرفع صوته فيسمع أَهْل مَسْجِد منى فيكبرون
كلهم حَتَّى يرتج منى «2» تكبيرا، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ يعني بعد يوم النحر بيومين، يَقُولُ من تعجل فنفر
قبل غروب الشمس فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يَقُولُ فلا ذنب عَلَيْه
يَقُولُ ذنوبه مغفورة فَمنْ لَمْ ينفر حَتَّى تغرب الشمس فليقم
إلى الغد يوم الثالث فيرمي الجمار ثُمّ ينفر مَعَ الناس.
قَالَ: وَمَنْ تَأَخَّرَ إلى يوم الثالث حَتَّى ينفر الناس
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يَقُولُ لا ذنب عَلَيْه «3» . يَقُولُ
ذنوبه مغفورة. ثُمّ قَالَ:
لِمَنِ اتَّقى قَتْلَ الصيد «4» وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا
تستحلوا»
قتل الصيد فِي الإحرام وَاعْلَمُوا يخوفهم أَنَّكُمْ «6»
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- 203- فِي الآخرة فيجزيكم بأعمالكم
نظيرها فِي المائدة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ «7» فيجزيكم بأعمالكم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا نزلت فِي
الْأَخْنَس بن شريق بن عمرو بن وَهْب بن أَبِي سَلَمَة
الثَّقَفيّ، وأُمّه اسمها ريطة بِنْت عَبْد اللَّه بن أَبِي
قيس الْقُرَشِيّ من بني عامر بن لؤي، وكان عديد بنى زهرة «8»
وكان يأتى النبي [33 أ]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيخبره «9» أَنَّهُ يحبه ويحلف بِاللَّه عَلَى ذَلِكَ ويخبره
«10» أَنَّهُ يتابعه عَلَى دينه فكان النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- «يعجبه ذلك» «11»
__________
(1) فى أ: فوتته فى قبته.
(2) فى أ: منها. [.....]
(3) فى أ: لا ذنب، ل: لا ذنب عليه.
(4) لا وجه لتخصيص التقوى بترك قتل الصيد. والأولى تفسيرها
بقول الجلالين (لمن اتقى) الله فى حجه لأنه الحاج فى الحقيقة.
(5) فى أ: ولا تخسوا فتستحلوا، وفى ل: ولا تستحلوا.
(6) فى أ: بأنكم.
(7) سورة المائدة: 96.
(8) أى معدودا فيهم.
(9) فى أ: فيخبر، ل: فيخبره.
(10) فى أويخبر، ل: ويخبره.
(11) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ.
(1/177)
ويدنيه فِي المجلس، وَفِي قلبه غَيْر
ذَلِكَ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ
اللَّهَ عَلى ما يَقُولُ يعني يمينه التي حلف بِاللَّه وما فِي
قَلْبِهِ أن الَّذِي يَقُولُ حق وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ-
204- يَقُولُ جدلا بالباطل كقوله- سبحانه: - وَتُنْذِرَ بِهِ
قَوْماً لُدًّا «1» يعني جدلاء خصماء ثُمّ أخبر نبيه- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَإِذا تَوَلَّى يعني
إذا توارى وكان رَجُلا مانعا جريئا «2» عَلَى القتل سَعى فِي
الْأَرْضِ بالمعاصي لِيُفْسِدَ فِيها يعني فِي الأرض
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ يعني كُلّ دابة وذلك أَنَّهُ
عمد إلى كديس بالطائف إلى رَجُل مُسْلِم فأحرقه وعقر دابته
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ- 205- وَإِذا قِيلَ لَهُ
اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ يعنى الحمية
نظيرها فى ص (آية 2) قوله- سُبْحَانَهُ- بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ يعني حمية بالإثم فَحَسْبُهُ
جَهَنَّمُ شدة عذاب وَلَبِئْسَ الْمِهادُ- 206- وكان
الْأَخْنَس يسمى «3» أبي بن شريق من بنى زهرة ابن كَعْب بن لؤي
بن غالب. وإنما سمي الأخنس لأنه يوم بدر رد ثلاثمائة رَجُل من
بني زهرة عن قتال النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وقَالَ لهم: إن محمدا ابْن أختكم وأنتم أحق من كف
عَنْهُ، فَإِن كان نَبِيّا لَمْ نقتله وإن كان كذابا كنتم أحق
من كف عَنْهُ فخنس بهم فَمنْ ثُمّ سمي الْأَخْنَس وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
وذلك أن كفار مكة أخذوا عمارا وبلالا وخبابا وصهيبا فعذبوهم
لإسلامهم حَتَّى يشتموا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأما صُهَيْب بن سِنَان مَوْلَى عَبْد اللَّه بن
جدعان الْقُرَشِيّ وكان شخصا ضعيفا فَقَالَ لأهل مكة: لا
تعذبونى، هل
__________
(1) سورة مريم: 97 وتماما فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ
لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً
لُدًّا.
(2) فى أ، ل: مانعا جريا. ولعل المراد مانعا: أى يمنع نفسه من
عدوه فى الحرب. جريئا:
على الكر والفر.
(3) فى أ: اسمه.
(1/178)
لَكُمْ إليّ خير؟ قَالُوا: وما هُوَ؟
قَالَ: أَنَا شيخ كبير لا يضركم إن كُنْت معكم، أَوْ مَعَ
غيركم، لئن كُنْت معكم لا أنفعكم، ولئن كُنْت مَعَ غيركم لا
أضركم، وإن لي عليكم لحقا لخدمتي وجواري إياكم. فقد علمت أنكم
إِنَّمَا تريدون مالي، وما تريدون نفسي، فخذوا مالي واتركوني
وديني غَيْر راحلة. فَإِن أردت أن ألحق بالمدينة فلا تمنعوني.
فَقَالَ بعضهم «1» لبعض: صدق خذوا ماله فتعاونوا به عَلَى
عدوكم.
ففعلوا ذَلِكَ فاشترى نفسه بماله كله غَيْر راحلة، واشترط ألا
يمنع عن صلاة وَلا هجرة، فأقام بين أظهرهم ما شاء الله، ثُمّ
ركب راحلته نهارا حَتَّى أتى المدينة مهاجرا فلقبه أبو بكر
الصديق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فَقَالَ: ربح البيع يا صُهَيْب.
فَقَالَ: وبيعك لا يخسر. فَقَالَ أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ-: قَدْ أنزل اللَّه [33 ب] فيك وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ
بِالْعِبادِ- 207- يعني للفعل فعل الرومي صُهَيْب بن سنان «2»
مولى عبد الله بن جدعان بن عمرو بن سَعِيد بن تيم بن مرة بن
كَعْب بن لؤي بن غالب الْقُرَشِيّ «قَالَ عَبْد اللَّه بن
ثَابِت: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ هَذَا الكتاب من
أوله إلى آخره من الْهُذَيْلِ أَبِي صَالِح عن مُقَاتِلٍ بن
سُلَيْمَان ببغداد درب السدرة سنة تسعين ومائة. قَالَ: وسمعته
من أوله إلى آخره قراءة عَلَيْه «3» فِي المدينة فِي سنة أربع
ومائتين وَهُوَ ابْن خمس وثمانين سنة رحمنا الله وإياهم» «4» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ
كَافَّةً وذلك أن عَبْد اللَّه بن سلام، وسلام بن قَيْس، وأسيد
وأسد ابنا كَعْب، ويامين بن يامين، وهم مؤمنو أَهْل التوراة
استأذنوا
__________
(1) فى أ: بعض، ل: بعضهم.
(2) فى أ: شبان، ل: سنان. [.....]
(3) فى أ: على، ل: علبة.
(4) ما بين القوسين «» ساقط من ل وموجود فى أ. ويلاحظ أن هذا
السماع سبق أن وجد فى ل مع زيادة قليلة.
(1/179)
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي قراءة التوراة فِي الصَّلاة. وَفِي أمر السبت
«1» وأن يعملوا ببعض ما فِي التوراة. فَقَالَ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- خذوا سنة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وشرائعه، فَإِن قرآن محمد ينسخ كل كتاب كان قبله، فقال:
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً يعني في شرائع الْإِسْلام
كلها وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ يعنى تزيين
الشيطان فإن السنّة الأولى بعد ما بعث محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «2» ضلالة من خطوات الشَّيْطَان إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 208- يعني بين فَإِنْ زَلَلْتُمْ يعني
ضللتم عن الهدى وفعلتم هَذَا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ
الْبَيِّناتُ يعني شرائع محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأمره ثُمّ حذرهم عقوبته. فَقَالَ: فَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ فى نقمته حَكِيمٌ- 209- حكم عليهم
العذاب هَلْ يَنْظُرُونَ يعني ما يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ
يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ يعني كهيئة
الضبابة أبيض وَالْمَلائِكَةُ فِي غَيْر ظلل فِي سبعين حجابا
من نور عرشه والملائكة يسبحون.
فذلك قوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا «3» يعني وليس بسحاب. ثُمّ
قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَقُضِيَ الْأَمْرُ يعني وقع العذاب
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 210- يَقُولُ يصير أمر
الخلائق إِلَيْهِ فِي الآخرة.
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ يعني يهود المدينة كَمْ آتَيْناهُمْ
مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ يعني كم أعطيناهم من آية بينة يعني حين
فرق بهم البحر، وأهلك عدوهم، وأنزل عليهم المن والسلوى والغمام
والحجر، فكفروا برب هَذِهِ النعم، حين كفروا بمحمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ
يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ
__________
(1) فى أ: فى أمر السبت، ل: وفى.
(2) فى أ: وسلم من خطوات الشيطان ضلالة من خطوات الشيطان.
والمثبت من ل.
(3) سورة الفرقان: 25. وفى أ: يوم تشقق.
(1/180)
فخوفهم عقوبته «1» بقوله فَإِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقابِ- 211- إذا عاقب.
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وما بسط لهم
فيها من الخير نزلت فِي المنافقين عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ
وأصحابه [34 أ] وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي أمر
المعيشة بأنهم فقراء نزلت فِي عَبْد اللَّه بن ياسر
الْمَخْزُومِيّ، وصهيب بن سِنَان من بني تيم بن مرة، وبلال بن
رباح مَوْلَى أَبِي بَكْر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وخباب بن
الأرت مَوْلَى ابْن أمَّ بهار الثَّقَفيّ حليف بني زهرة، وسالم
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفة، وعامر بن فهيرة مَوْلَى أَبِي بَكْر
الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-، وعبد اللَّه بن مَسْعُود،
وأبي هُرَيْرَة الدوسي، وَفِي نحوهم من الفقراء يَقُولُ
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
وَالَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك يعني هَؤُلاءِ النفر فَوْقَهُمْ
يعني فوق المنافقين والكافرين يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ
يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ- 212- حين يبسط للكافرين
الرزق ويقدر عَلَى الْمُؤْمِنِين يَقُولُ لَيْسَ فوقي ملك
يحاسبني أَنَا الملك أعطي من شئت بغير حساب حين أبسط للكافرين
فِي الرزق وأقتر عَلَى الْمُؤْمِنِين. كانَ النَّاسُ يعني
أَهْل السفينة أُمَّةً واحِدَةً يعني عَلَى مَلَّة الْإِسْلام
وحدها وذلك أن عَبْد اللَّه بن سلام خاصم اليهود فِي أمر محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ إِبْرَاهِيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ولوط بن
حران بن آزر فبعثهم اللَّه مُبَشِّرِينَ بالجنة وَمُنْذِرِينَ
من النار وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ يعني صحف
إِبْرَاهِيم لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ليقضي الكتاب فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ من الدّين فدعا «2» بها إِبْرَاهِيم وإسحاق
قومهما ودعا بها إسماعيل جرهم فآمنوا به ودعا بها يعقوب
__________
(1) فى ل: فخوفهم واعلموا.
وفى أ: فخوفهم عقوبته فاعلموا. وقد ظن الناسخ أن كلمة فاعلموا
من القرآن.
(2) فى أ: به. ودعا بها أى بالصحف.
(1/181)
أَهْل مصر، ودعا بها لوط سدوم وعامورا
وصابورا ودمامورا «1» فلم يسلم منهم غَيْر ابنتيه ريتا وزعوتا
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا
الَّذِينَ أُوتُوهُ يعني أعطوا الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا
جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يعني البيان بَغْياً بَيْنَهُمْ
يَقُولُ تفرقوا بغيا وحسدا بينهم فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ يَقُولُ حين اختلفوا فِي
القرآن مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ يعني التوحيد وَاللَّهُ
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 213- يعني دين
الإسلام لأن غير دين الإسلام باطل ثم بين للمؤمنين أن لا بد
لهم من البلاء والمشقة فِي ذات اللَّه. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ نظيرها فِي آل
عِمْرَانَ قوله سُبْحَانَهُ-: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ «2» . وَفِي العنكبوت:
الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ «3» . وذلك أن المنافقين
قَالُوا للمؤمنين فِي قتال أحد: لَمْ تقتلون أنفسكم وتهلكون
أموالكم، فإنه لو كان محمد بيننا لَمْ يسلط عليكم «4» القتل.
فرد المؤمنون عليهم فقالوا: قال الله: [34 ب] من قُتِل «5»
مِنَّا دخل الجنة. فَقَالَ المنافقون:
لَمْ تمنون أنفسكم بالباطل. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يَومَ
أحد أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ نزلت فِي
عُثْمَان بن عَفَّان وأصحابه- رحمهم اللَّه. يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ-:
وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ يعني سنة الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ من البلاء يعني مؤمني الأمم الخالية ثُمّ أخبر
عَنْهُمْ ليعظ أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ: مَسَّتْهُمُ يعني أصابتهم
الْبَأْساءُ يعني الشدة وهي «6» البلاء وَالضَّرَّاءُ يعني
البلاء وَزُلْزِلُوا يعني وخوفوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وهو اليسع وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
__________
(1) فى أ: جامورا. والمثبت من ل.
(2) سورة آل عمران 142.
(3) سورة العنكبوت: 1: 2.
(4) فى أ: قبل.
(5) فى أ: قبل.
(6) فى أ: وهو.
(1/182)
وَهُوَ حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه
من الْمُؤْمِنِين مَتى نَصْرُ اللَّهِ فَقَالَ الله- عَزَّ
وَجَلّ-: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ- 214- يعني سريع.
وإن ميشا بن حزقيا قَتَل اليسع واسمه اشعيا يَسْئَلُونَكَ ماذا
يُنْفِقُونَ من أموالهم وذلك أن اللَّه أمر بالصدقة فَقَالَ
عمرو بن الجموح الْأَنْصَارِيّ من بني سلمة ابن جشم بن الخزرج-
قُتِل يوم أحد، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- قَالَ: يا رَسُول
اللَّهِ، كم ننفق، وعلى من ننفق؟ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فِي قول عمرو كم ننفق وعلى من ننفق يَسْئَلُونَكَ ماذا
يُنْفِقُونَ من الصدقة قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ من
مال كقوله- سُبْحَانَهُ-: إِنْ تَرَكَ خَيْراً «1» يعني مالا
فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ فهؤلاء موضع نفقة أموالكم وَما تَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ من أموالكم فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ- 215-
يعني بما أنفقتم عليم، وأنزل فِي قول عمرو يا رَسُول اللَّهِ
كم ننفق من أموالنا وعلى من ننفق قول «2» اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: قُلِ الْعَفْوَ يعني فضل قوتك فَإِن كان الرَّجُل من
أصحاب الذهب والفضة أمسك الثلث وتصدق «3» بسائره، وإن كان من
أصحاب الزرع والنخل أمسك ما يكفيه فِي سنته وتصدق «4» بسائره،
وإن كان مِمَّنْ يعمل بيده أمسك ما يكفيه يومه ذَلِكَ وتصدق
«5» بسائره فبين اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ما ينفقون فِي هَذِهِ
الآية فَقَالَ: قُلِ الْعَفْوَ يعني فضل القوت كَذلِكَ يعظكم
هكذا يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ يعني أمر الصدقات
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ «6» يَقُولُ لكي تتفكروا- فِي- أمر
الدُّنْيَا- فتقولون هِيَ دار بلاء وهي دار فناء ثُمّ تتفكروا
فِي الآخرة فتعرفون فضلها فتقولون هي دار
__________
(1) سورة البقرة: 180. [.....]
(2) فى أ: يقول.
(3، 4، 5) فى أ: وصدق.
(6) الآية 219 من سورة البقرة وتمام الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ
وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما
وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ.
(1/183)
خير ودار بقاء فتعملون لها فِي أيام حياتكم
فهذا التفكر فيهما. فشق عَلَى الناس حين أمرهم أن يتصدقوا «1»
بالفضل حَتَّى نزلت آية الصدقات «2» فى براءة [35 أ] فكان لهم
الْفَضْل وإن كثر إذا أدوا الزكاة «3» قوله- سبحانه-: كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتالُ يعني فرض عليكم، كقوله: كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيامُ يعني فرض وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ يعني مشقة
لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
فيجعل اللَّه عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا
شَيْئاً يعني القعود عن الجهاد وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ فيجعل
اللَّه عاقبته شر فلا تصيبون ظفرا وَلا غنيمة وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 216- أَي واللَّه يعلم من
ذَلِكَ ما لا تعلمون يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
«4» وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث عُبَيْدة بن
الْحَارِث بن عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى سرية فِي جمادى الآخرة
قبل قتال بدر بشهرين عَلَى رأس ستة عشر شهرا بعد قدوم
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة
فَلَمَّا ودع رسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاضت عيناه ووجد من فراق النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد أن عقد له اللواء «5» فَلَمَّا رَأَى
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجده بعث مكانه
عَبْد اللَّه بْن جحش الأَسَديّ من بني غَنْم ابن دودان وأُمّه
عمَّة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أميمة
بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ حليف لبني عبد شمس وكتب لَهُ
كتابا وأمره أن يتوجه قبل مكة
__________
(1) فى أ: يصدقوا.
(2) المراد بآية الصدقات قوله- تعالى-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ
لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ
اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
سورة التوبة: 60.
(3) فى أسباب النزول للسيوطي. وفى أسباب الواحدي. آثار فى سبب
نزول الآية.
(4) أورد الواحدي والسيوطي آثار فى أسباب نزول الآية.
(5) فى أ: لواء.
(1/184)
وَلا يقرأ الكتاب حَتَّى يسير ليلتين
فَلَمَّا سار عَبْد اللَّه ليلتين قرأ «1» الكتاب فإذا فِيهِ:
سر باسم اللَّه إلى بطن نخلة عَلَى اسم اللَّه وبركته، وَلا
تكرهن أحد من أصحابك عَلَى السير، وامض لأمري ومن اتبعك منهم،
فترصد بها عير قريش. فَلَمَّا قرأ الكتاب استرجع عَبْد اللَّه،
واتبع استرجاعه بسمع وطاعة لله- عَزَّ وَجَلّ- ولرسوله- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمّ قَالَ عَبْد اللَّه لأصحابه:
من أحبّ منكم أن يسير معي فليسر ومن أحبّ أن يرجع فليرجع وهم
ثمانية رهط من المهاجرين «2» عَبْد اللَّه بن جحش الأَسَديّ،
وسعد بنى أَبِي وَقَّاص الزُّهْرِيّ، وعتبة بن غزوان المُزَني
حليف لقريش، وأبي حُذَيْفة بن عُتْبَة بن ربيعة بن عبد شمس،
وسهل «3» بن بيضاء الْقُرَشِيّ ويُقَالُ سهل من بني الْحَارِث
بن فهد، وعامر بن رَبِيعَة الْقُرَشِيّ من بني عَدِيّ بن
كَعْب، وواقد بن عَبْد اللَّه التَّميْميّ. فرجع من القوم سعد
بن أَبِي وَقَّاص وعتبة بن غزوان وسار عَبْد اللَّه ومعه خمسة
نفر وَهُوَ سادسهم «4» فَلَمَّا قدموا لبطن نخلة بين مكة
والطائف حملوا عَلَى أهل العير فقتلوا عُمَر بن الْحَضْرَمِيّ
الْقُرَشِيّ قتله واقد بن عَبْد اللَّه التَّميْميّ رماه بسهم
فكان أول قتيل فِي الْإِسْلام من المشركين وأسروا عُثْمَان بن
عَبْد اللَّه بن المُغِيرَة، والحكم بن كَيْسَان مَوْلَى
هِشَام بن المُغِيرَة الْمَخْزُومِيّ فغديا بعد ذَلِكَ فِي
المدينة، وأفلتهم نوفل بن عَبْد اللَّه بن المغيرة [35 ب]
الْمَخْزُومِيّ عَلَى فرس لَهُ جواد أنثى فقدم مكة من الغد
وأخبر الخبر مشركي مكة، وكرهوا الطلب، لأنه أول يوم من رجب
وسار المسلمون بالأسارى والغنيمة حَتَّى قدموا المدينة.
__________
(1) هذه القصة بطولها فى أسباب النزول للواحدي: 38.
(2) فى أ: وهم سبعة نفر. ولم يذكر واقد بن عبد الله فيهم. ثم
ذكر فى أثناء القصة ... أن واقد ابن عبد الله التميمي رمى عمرو
بن الحضرمي القرشي بسهم فقتله (تصحيح هذه الواقعة من أسباب
النزول للواحدي) .
(3) فى الواحدي: سبيل.
(4) فى أ: معه أربعة نفر وهو خامسهم.
(1/185)
فقالوا: يا نَبِيّ اللَّه، أصبنا القوم
نهارا فَلَمَّا أمسينا رأينا هلال رجب، فَمَا ندري أصبناهم فى
رجب أَوْ فِي آخر يوم من جمادى الآخرة وأقبل مشركو مكة عَلَى
مسلميهم فقالوا: يا مَعْشَر الصباة، ألا ترون أن إخوانكم
استحلوا القتال فِي الشهر الحرام وأخذوا أسارانا وأموالنا
وأنتم تزعمون أنكم عَلَى دين اللَّه، أفوجدتم «1» هَذَا فِي
دين اللَّه حيث أمن الخائف، وربطت الخيل، ووضعت الأسنة، وبدأ
الناس لمعاشهم.
فَقَالَ المسلمون: اللَّه ورسوله أَعْلَم. وكتب «2» مسلمو مكة
إلى عَبْد اللَّه بن جحش أن المشركين عابونا فِي القتال وأخذ
الأسرى والأموال فِي الشهر الحرام فاسأل «3» رَسُول اللَّه-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألنا «4» فِي ذَلِكَ
متكلم، أَوْ أنزل اللَّه بِذَلِك قرآنا. فدفع عَبْد اللَّه بن
جحش الأَسَديّ الكتاب إلى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-
فأنزل الله- عز وجل- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَلَم يرخص فِيهِ
القتال، ثُمّ قَالَ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني دين
الْإِسْلام وَكُفْرٌ بِهِ «5» أَي وكفر بالله وَصد عن
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ من عِنْد
المسجد الحرام فذلك صدهم، وذلك أنهم أخرجوا النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من مكة أَكْبَرُ عِنْدَ
اللَّهِ فهذا أكبر عِنْد اللَّه من القتل «6» والأسر وأخذ
الأموال. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَالْفِتْنَةُ يعني
الإشراك الَّذِي أنتم فِيهِ أَكْبَرُ عِنْد اللَّه مِنَ
الْقَتْلِ «7» . ثُمّ أخبر- عَزَّ وَجَلّ- عن رأي مشركي العرب
فِي الْمُسْلِمِين، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلا يَزالُونَ
يُقاتِلُونَكُمْ يعنى مشركي مكة
__________
(1) فى أ: فوجدتم.
(2) فى أ: فكتب. [.....]
(3) فى أ: فسل.
(4) فى أ: لنا.
(5) فى أ: وكفر بالله.
(6) فى أ: الأسل. والمثبت من ل.
(7) فى أ، ل: فسر الآية التالية رقم 218 إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا ... الآية فى هذا المكان. أى فى
منتصف الآية 217 فأتممت تفسير الآية 217 ثم نقلت تفسير الآية
218.
(1/186)
حَتَّى يَرُدُّوكُمْ يا معشر الْمُؤْمِنِين
عَنْ دِينِكُمْ الْإِسْلام إِنِ اسْتَطاعُوا ثُمّ خوفهم،
فَقَالَ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ الْإِسْلام
يَقُولُ، ومن ينقلب كافرا بعد إيمانه فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ
فَأُولئِكَ حَبِطَتْ يعني بطلت أَعْمالُهُمْ الخبيثة فلا ثواب
لهم فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 217- يعنى لا يموتون «1» .
فكتب عَبْد اللَّه بن جحش إلى مسلمي أَهْل مكة بهذه الآية وكتب
إليهم إن عيروكم فعيروهم بما صنعوا. وقَالَ «2» عَبْد اللَّه
ابن جحش وأصحابه أصبنا القوم فِي رجب فنرجو أن يَكُون لنا أجر
المجاهدين فِي سبيل اللَّه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 218- الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هاجَرُوا إلى المدينة وَجاهَدُوا المشركين فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ يعني جنة
اللَّه نظيرها فِي آل عِمْرَان قوله- سُبْحَانَهُ-: وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ «3»
يعني فَفِي جنة اللَّه لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هَلْ لنا أجر المجاهدين فى سبيل الله وَاللَّهُ
غَفُورٌ لاستحلالهم القتل والأسر والأموال فِي الشهر الحرام.
فكانت هَذِهِ أول سرية، وأول غنيمة، وأول خمس، وأول قتيل، وأول
أسر كان فِي الإسلام «4» . فأما نوفل بن عَبْد اللَّه الَّذِي
أفلت يومئذ فَإنَّهُ يوم الخندق ضرب بطن فرسه ليدخل الخندق
عَلَى الْمُسْلِمِين فِي غزوة الأحزاب فوقع فِي الخندق فتحطم
هُوَ وفرسه فقتله الله- تعالى «5» .
وطلب المشركون
__________
(1) فى أ: لا يموتون يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ- 219- وقد نقلت تفسير الآية 218 إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا حيث ترتيبها فى المصحف.
(2) فى أ: فقال.
(3) سورة آل عمران: 107.
(4) أورد السيوطي فى أسباب النزول هذا السبب مختصرا. وأورده
الواحدي من عدة طرق مسهبا
(5) فى أ: فقتله عبد الله. وفى أسباب النزول للواحدي: فقتله
الله تعالى. وفى ل: فقتله الله.
(1/187)
جيفته بثمن فَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خذوه فإنه «1» خبيث الجيفة خبيث الدية
«2» .
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ يعني القمار نزلت
فِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف، وعمر بن الخَطَّاب، وعلي بن
أَبِي طَالِب، ونفر من الأَنْصَار- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ «3»
- وذلك أن الرَّجُل كان يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْنَ
أصحاب الجزور فيقوم نفر فيشترون الجزور فيجعلون لكل رَجُل منهم
سهم «4» ، ثُمّ يقرعون فَمنْ خرج سهمه يبرأ من الثمن حَتَّى
يبقى آخرهم رَجُلا فيكون ثمن الجزور كله عَلَيْه وحده، وَلا حق
لَهُ فِي الجزور ويقتسم الجزور بقيتهم بينهم فذلك الميسر.
قَالَ- سبحانه-: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فِي ركوبهما لأن
فيهما ترك الصَّلاة، وترك ذكر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-، وركوب
المحارم، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ يعني
بالمنافع اللذة والتجارة فِي ركوبهما قبل التحريم فَلَمَّا
حرمهما اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ: وَإِثْمُهُما بعد التحريم
أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما قبل التحريم، وأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- تحريمهما بعد هَذِهِ الآية بسنة.
والمنفعة فِي الميسر أن بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر يعني
المقامر، وإنما سمي الميسر لأنهم قَالُوا يسروا لنا ثمن الجزور
يَقُولُ الرجل أفعل كذا وكذا «5» .
وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ- 219- فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى وذلك أن الله-
__________
(1) فى أ: فهو.
(2) فى أ، ل: بعد أن فسر الآية 218. أكمل تفسير الآية 217 وقد
أصلحت ذلك.
(3) أورد الواحدي هذا السبب فى أسباب النزول: 38.
(4) فى أ: منهما سهما. [.....]
(5) فى ل زيادة: «حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثَابِت قَالَ:
حَدَّثَنِي أبى، قال: حدثني الهذيل عن مقاتل بن سليمان:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ... وذلك أن الله....
(1/188)
عَزَّ وَجَلّ- أنزل فِي أموال اليتامى
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً
إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيراً «1» فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية أشفق المسلمون من
خلطة «2» اليتامى فعزلوا بيت اليتيم وطعامه وخدامه عَلَى حدة
مخافة العذر فشق ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِين، وعلى اليتامى
اعتزالهم. فَقَالَ ثَابِت بن رفاعه للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ سمعنا ما أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فِي اليتامى فعزلناهم، وَالَّذِي لهم، وعزلنا الَّذِي لنا فشق
ذَلِكَ علينا وعليهم، وليس كلنا يجد سعة فِي عزل «3» اليتيم
وطعامه وخادمه، فهل يصلح لنا خلطتهم فيكون البيت والطعام واحد
والخدمة وركوب الدابة، وَلا نرزأهم شيئًا إِلَّا أن نعود عليهم
بأفضل منه فانزل اللَّه- عز وجل-[36 ب] فى قول ثابت بن رفاعة
الأنصارى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى «4» قُلْ إِصْلاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ يَقُولُ ما كان لليتيم فِيهِ صلاح، فهو خير أن
تفعلوه.
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فِي المسكن
والطعام والخدمة وركوب الدابة «5» فَإِخْوانُكُمْ فهم إخوانكم
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ لمال اليتيم مِنَ الْمُصْلِحِ
لماله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ يَقُولُ لآثمكم فِي
دينكم نظيرها «6» فِي براءة قوله- سبحانه- عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما
عَنِتُّمْ «7» يَقُولُ ما أثمتم، فحرم عليكم خلطتهم فِي
الَّذِي لهم، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. فلم تنتفعوا
بشيء منه إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ فى ملكه
__________
(1) سورة النساء: 10، وفى أ: الذين يأكلون.
(2) خلطة أى مخالطة.
(3) فى أ: قبل. وفى حاشية أ: عزل محمد. «ومحمد هو محمد بن أحمد
بن عمر السنبلاوينى ناسخ المخطوطة» . والمثبت من ل.
(4) هذا السبب أورده الواحدي فى أسباب النزول: 38. والسيوطي:
34.
(5) فى أ: دابه، ل: الدابة.
(6) فى أ: نظيرها، ل: نظيرها.
(7) سورة التوبة: 128 وتمامها لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.
(1/189)
حَكِيمٌ- 220- يعني ما حكم فِي أموال
اليتامى وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نزلت فِي أَبِي مَرْثَد
«1» الغَنَويّ «2» واسمه أيمن، وَفِي عناق القرشية وذلك أن أبا
مرثد كان رَجُلا صالحا وكان المشركون أسروا أناسا بمكة. وكان
أَبُو مَرْثَد ينطلق إلى مكة مستخفيا فإذا كان الليل أَخَذَ
الطريق، وإذا كان النهار تعسف الجبال لئلا «3» يراه أحد،
حَتَّى يقدم مكة فيرصد «4» الْمُسْلِمِين ليلا، فإذا أخرجهم
المشركون «5» للبراز تركوهم «6» عِنْد البراز والغائط. فينطلق
أَبُو مَرْثَد فيجعل الرَّجُل منهم عَلَى عنقه حَتَّى إذا
أَخْرَجَهُ من مكة كسر قيده بفهر ويلحقه بالمدينة. كان ذَلِكَ
دأبه فانطلق يومًا حَتَّى انتهى إلى مكة، فلقيته عناق وكان
يصيب منها فِي الْجَاهِلِيَّة. فقالت:
أبا مَرْثَد، مَالِك فِي حاجة. فَقَالَ: إن اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- قَدْ حرم الزنا. فَلَمَّا أيست منه أنذرت به كفار مكة
فخرجوا يطلبونه. فاستتر منهم بالشجر فلم يقدروا «7» عَلَيْه
فَلَمَّا رجعوا احتمل بعض «8» الْمُسْلِمِين حَتَّى أخرجه من
مكة فكسر «9» قيده.
ورجع إلى المدينة فأتى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بالخبر. فَقَالَ:
وَالَّذِي بعثك بالحق لو شئت أن آخذهم وأنا مستتر بالشجرة
لفعلت، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: اشكر ربك أبا مَرْثَد إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
حجزهم عنك. فَقَالَ أَبُو مَرْثَد: يا رَسُول اللَّه، إن عناق
أحبها وكان بيني وبينها فِي الْجَاهِلِيَّة، أفتأذن لي فِي
تزويجها فَإِنَّهَا «10» لتعجبني. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ
__________
(1) ورد هذا فى أسباب النزول للواحدي: 39. والسيوطي: 34.
(2) فى أ: الغونى، وهو تحريف. وفى ل: الغنوي، وكذلك فى الواحدي
والسيوطي: الغنوي.
(3) فى أ: أن لا، ل: لئلا.
(4) فى أ: فرصد، ل: فيرصد.
(5) ساقطة من أ.
(6) فى ل: ينكرهم. [.....]
(7) فى أ: يقدر، ل: يقدروا.
(8) فى أ: يعنى، ل: بعض.
(9) فى ل: وكسر.
(10) فى أ: وأنها، ل: فانها.
(1/190)
يصدقن بتوحيد اللَّه وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ
يعني مصدقة بتوحيد اللَّه خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ لقوله إنها لتعجبني وَلا تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ «1» - 221-.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً يعني قذر
نزلت فِي عمرو بن الدحداح الْأَنْصَارِيّ «2» من قضاعة
فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية «3» لَمْ يؤاكلوهن فِي إناء واحد
وأخرجوهن «4» من البيوت والفرش كفعل العجم
فَقَالَ «5» ناس من العرب للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ شق علينا اعتزال الحائض، والبرد شديد فَإِن
آثرناهم بالثياب هلك سائر البيت [37 أ] وإن آثرنا أهل البيت،
هلكت النّساء بردا. فقال النبي- صلى الله عليه
__________
(1) ما بين الأقواس «» ساقط من أ، ومكتوب فى حاشية ل. وفى
الجلالين وَلا تَنْكِحُوا تزوجوا الْمُشْرِكِينَ أى الكفار
بالمؤمنات حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ لماله وجماله «أولئك» أى أهل
الشرك يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ بدعائهم إلى العمل الموجب لها
فلا تليق مناكحتهم وَاللَّهُ يَدْعُوا على لسان رسله إِلَى
الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ أى العمل الموجب لهما بِإِذْنِهِ
بإرادته فتجب إجابته بتزويج وأوليائه وَيُبَيِّنُ آياتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يتعظون.
(2) فى أسباب النزول للسيوطي: 35.. عن ابن عباس أن ثابت بن
الدحداح سأل النبي (ص) عن الحيض فنزلت وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ الآية وأخرج ابن جرير عن السدى نحوه.
وفى أسباب النزول للواحدي: 40. أن أبا الدحداح سأل رسول الله
(ص) فقال: يا رسول الله، ما نصنع بالنساء إذا حضن. فأنزل الله
هذه الآية.
فمقاتل جعل السائل عمرو بن الدحداح. والسيوطي ذكر أنه ثابت بن
الدحداح. والواحدي روى عن المفسرين أن السائل هو أبو الدحداح.
وفى أ: عمر، وفى ل: عمرو.
(3) فى أ، ل: فلم.
(4) فى أ: وأخرجوهم.
(5) فى أ: قال.
(1/191)
وَسَلَّمَ-: إنكم لَمْ تؤمروا أن تعزلوهن
من البيوت، إِنَّمَا أمرتم باعتزال الفرج إذا حضن، ويؤتين إذا
طهرن، وقرأ عليهم فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ
يعني يغتسلن. فَإِذا تَطَهَّرْنَ يعني اغتسلن من المحيض
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَي يؤتين غَيْر
حيض فِي فروجهن التي نهى عَنْهَا فِي الحيض إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ من الذنوب وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ- 222- من الأحداث والجنابة والحيض
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ وذلك أن حيي بن أخطب ونفرا من اليهود
قَالُوا للمسلمين: إنَّه لا يحل لَكُمْ جماع النّساء إِلَّا
مستلقيات وإنا نجد فِي كتاب اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن جماع
المرأة غَيْر مستلقية ذنبا عِنْد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فَقَالَ المسلمون لرسول اللَّه (ص) : إنا كُنَّا فِي
الْجَاهِلِيَّة وَفِي الْإِسْلام نأتي النّساء عَلَى كُلّ حال
فزعمت اليهود أَنَّهُ ذنب عِنْد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِلَّا
مستلقيات فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ «1»
لَكُمْ يعني مزرعة للولد فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
فِي الفروج وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ من الولد وَاتَّقُوا
اللَّهَ يعظكم فلا «2» تقربوهن حيضا ثُمّ حذرهم فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ فيجزيكم
بأعمالكم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ- 223- يعني المصدقين بأمر
اللَّه ونهيه بالجنة.
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ نزلت فِي
أَبِي بَكْر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وَفِي ابنه
عَبْد الرَّحْمَن. حلف أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- ألا
يصله حَتَّى يسلم.
وذلك أن الرَّجُل كان إذا حلف قَالَ: لا يحل إِلَّا إبرار
القسم. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ
عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ يَقُولُ لا يحلف عَلَى ما هو فِي
معصية:
__________
(1) روى هذا الحديث من عدة طرق صحيحة. اقرأ هذه الطرق
ورواياتها فى أسباب النزول للواحدي:
40 وللسيوطي: 35، 36.
(2) فى أ: ولا.
(1/192)
ألا يصل قرابته وذلك أن الرَّجُل يحلف أن
لا يدخل عَلَى جاره، وَلا يكلمه، وَلا يصلح بين إخوانه، والرجل
يريد الصلح بين الرجلين فيغضبه أَحَدهمَا أو يتهمه فيحلف
المصلح أن لا يتكلم بَيْنَهُمَا. قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
لا تحلفوا ألّا تصلوا القرابة أَنْ «تَبَرُّوا» وَتَتَّقُوا
«1» اللَّه وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ فهو خير لَكُمْ من
وفاء باليمين فِي معصية اللَّه وَاللَّهُ سَمِيعٌ لليمين
لقولهم حلفنا عَلَيْهَا عَلِيمٌ- 224- يَقُولُ عالم بها كان
هَذَا قبل أن تنزل الكفارة فِي المائدة لا يُؤاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَهُوَ الرَّجُل يحلف
«2» على أمر يرى أَنَّهُ فِيهِ صادق وَهُوَ مخطئ فلا يؤاخذه
اللَّه بها ولا كفارة عليه فيها، فذلك اللغو. ثم قال- عَزَّ
وَجَلّ-:
وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ يعني بما عقدت
قلوبكم من المأثم يعني اليمين الكاذبة التي حلف عَلَيْهَا
وَهُوَ يعلم أَنَّهُ فيها كاذب فهذه فيها كفارة «3» وَاللَّهُ
غَفُورٌ يعني ذا تجاوز عن اليمين التي حلف عَلَيْهَا حَلِيمٌ-
225- حين لا يوجب فيها الكفارة. ثم نزلت الكفارة فى سورة
المائدة «4» [37 ب] فبين
__________
(1) ساقطة من أ، ل.
(2) يحلف: ساقطة من أ، وفى حاشية أ: يحلف وفوقها محمد (أى
الناسخ) وموجودة فى ل.
(3) فى أ: فهذه كفارة، ل: فهذه فيها كفارة. أقول والأيمان
ثلاثة: يمين لغو. ويمين غموس. ويمين منعقدة.
واليمين الغموس (وتسمى اليمين الفاجرة) هي الحلف بالله كذبا مع
تعمد الكذب. ولا كفارة لها إلا الاستغفار والتوبة. أما
المنعقدة فهي أن يحلف على شيء أن يفعله أو لا يفعله ثم لا يبر
فى يمينه. فهذه فيها الكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو
تحرير رقبة. أما اللغو فهو أن يحلف الرجل بناء على ظنه الكاذب.
والمعنى لا يعاقبكم الله بما أخطأتم فيه من الأيمان ولكن
يعاقبكم بما تعمدتم الكذب فيها. [.....]
(4) يشير الى الآية 89 من سورة المائدة وهي: لا يُؤاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ
بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ
عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ
أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ
إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
(1/193)
فيها لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ يعني يقسمون
مِنْ نِسائِهِمْ فهو الرَّجُل يحلف أن لا يقرب امرأته
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ يعنى فإن رجع فى
يمينه فجامعها قبل أربعة أشهر فهي امرأته وعليه أن يكفر عن
يمينه فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لهذه اليمين رَحِيمٌ- 226- به
إذ جعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الكفارة فيها لأنه لَمْ يَكُنْ
أنزل الكفارة فِي المائدة. ثُمّ نزلت بعد ذَلِكَ الكفارة فِي
المائدة. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ يعني فَإِن حققوا «الطلاق»
«1» يعني أنفذوا فِي السراح فلم يجامعها أربعة أشهر بانت منه
بتطليقة فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ليمينه عَلِيمٌ- 227- يعني
عالم بها وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ يعني ثلاث حيض إذا كَانَتْ مِمَّنْ تحيض وَلا
يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحامِهِنَّ من الولد إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ يعني
يصدقن بِاللَّه بأنه واحد لا شريك لَهُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يصدقن بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال بأنه كائن ثُمّ
قَالَ- عَزَّ وجل-: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذلِكَ يقول الزوج أحق برجعتها، وهي حبلى نزلت فِي إسماعيل
الغفاري وَفِي امرأته لَمْ تشعر بحبلها، ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً يعني بالمراجعة فيما
بَيْنَهُمَا، فعمد إسماعيل فراجعها وهي حبلى، فولدت منه، ثُمّ
ماتت ومات ولدها، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ لهن من الحق عَلَى أزواجهن مثل ما
لأزواجهن عليهن. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلِلرِّجالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ يَقُولُ لأزواجهن عليهن فضيلة فِي الحق
وبما ساق إليها من الحق وَاللَّهُ عَزِيزٌ فِي ملكه حَكِيمٌ-
228- يعني حكم الرحمة عليها فى الحبل «2» . ثُمّ نسختها الآية
التي بعدها. فأنزل اللَّه بعد ذَلِكَ بأيام يسيرة فبين للرجل
كيف يطلق المرأة، وكيف تعتد، فَقَالَ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ يعنى بإحسان
__________
(1) ساقطة من أ.
(2) هكذا فى ل. وفى أ: حكم الرجعة عليهم فى الحبلى.
(1/194)
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ «1» يعني
التطليقه الثالثة فِي غَيْر ضرار كَمَا أمر اللَّه-
سُبْحَانَهُ- فِي وفاء المهر: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ إذا أردتم
طلاقها أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً وذلك
أن الرَّجُل كان إذا طلق امرأته، أخرجها من بيته فلا يعطيها
شيئًا من المهر ثُمّ استثنى ورخص، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ يعني أمر
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- «فيما أمرهما وذلك أن تخاف المرأة» «2»
الفتنة على نفسها فتعصي الله فيما أمرها زوجها أَوْ يخاف الزوج
إن لم تطعه امرأته أن يعتدي عَلَيْهَا يَقُولُ- سُبْحَانَهُ-:
فَإِنْ خِفْتُمْ يعني علمتم أَلَّا يُقِيما يعني الحاكم
حُدُودَ اللَّهِ يعني أمر الله فى أنفسهما إن نشرت عَلَيْه
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يعني الزوج والزوجة فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ من شيء يَقُولُ لا حرج عليهما إذا رضيا أن تفتدي منه
ويقبل منها الفدية ثُمّ يفترقا وكانت «3» نزلت [38 أ] فِي
ثَابِت بن قَيْس بن شَمَّاس الْأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث
بن الخزرج، وَفِي امرأته أم حبيبة بِنْت عَبْد اللَّه بن
أُبَيٍّ رأس «4» المنافقين، وكان «5» أمهرها حديقة فردتها
عَلَيْه، واختلعت منه، فهي أول خلعة كَانَتْ فِي الْإِسْلام.
ثُمّ قَالَ: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني أمر اللَّه فيهما
فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ يَقُولُ
ومن يخالف أمر اللَّه إلى غيره فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ-
229- لأنفسهم ثُمّ رجع إلى الآية الأولى فِي قوله: الطَّلاقُ
مَرَّتانِ فَإِنْ طَلَّقَها بعد التطليقتين تطليقة أخرى سواء
أكان بها حبل أم لا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فيجامعها فنسخت هَذِهِ الآية، الآية
«6» التي قبلها، فى قوله- عز وجل-
__________
(1) أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ساقط من أ، ل.
(2) فى أ: فيما أمرها وذلك أنه يخاف من المرأة.
(3) فى أ: وكان.
(4) فى أزيادة: ملك.
(5) فى أ: كان.
(6) المراد أن آية فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ نسخت
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ. ولا أرى هنا
وجها للقول بالنسخ فإن الزوج أحق برد زوجته ما دام الطلاق دون
الثلاث. فإذا تم الطلاق ثلاثا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره.
(1/195)
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذلِكَ ونزلت فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجاً غَيْرَهُ فِي تميمة بِنْت وَهْب بن عتيك النَّقْرِيّ
وفى زوجها رفاعة بن عبد الرحمن ابن الزبير- وتزوجها عبد الرحمن
بن الزُّبَيْر الْقُرَظِيّ، يَقُولُ: فَإِنْ طَلَّقَها الزوج
الأخير عَبْد الرَّحْمَن فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يعني الزوج
الأول رِفَاعة وَلا عَلَى المرأة تميمة أَنْ يَتَراجَعا بمهر
جديد ونكاح جديد إِنْ ظَنَّا يعني إن حسبا أَنْ يُقِيما
حُدُودَ اللَّهِ أمر اللَّه فيما أمرهما وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ يعني أمر اللَّه فِي الطلاق يعني ما ذكر مِن أحكام
الزوج والمرأة فِي الطلاق وَفِي «1» المراجعة. يُبَيِّنُها
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 230- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
واحدة فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ يعني انقضاء عدتهن من قبل أن
تغتسل من قرئها الثالث فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «2» يعني بإحسان من غَيْر ضرار
فيوفيها المهر والمتعة، نزلت فِي ثَابِت بن ياسر
الْأَنْصَارِيّ فِي الطعام والكسوة وغير ذَلِكَ. فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً وذلك أَنَّهُ طلق
امرأته، فَلَمَّا أرادت أن تبين منه راجعها فَمَا زال يضارها
بالطلاق ويراجعها يريد بِذَلِك أن يمنعها من الزواج لتفتدي
منه. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
لِتَعْتَدُوا وكان ذَلِكَ عدوانا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ
ظَلَمَ نَفْسَهُ «3» وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً
يعني استهزاء فيما أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي كتابه من
إمساك بمعروف أَوْ تسريح بإحسان، وَلا تتخذوها لعبا،
وَاذْكُرُوا يعني واحفظوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
بالإسلام وَاحفظوا ما أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنَ
الْكِتابِ يعني القرآن وَالْحِكْمَةِ والموعظة التي فِي القرآن
من أمره ونهيه يقول: يَعِظُكُمْ بِهِ
__________
(1) فى أ: فى.
(2) ، (3) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ.
(1/196)
يعني بالقرآن وَاتَّقُوا اللَّهَ يعظكم فلا
تعصوه فيهن ثُمّ حذرهم فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم عَلِيمٌ- 231- فيجزيكم بها وَإِذا
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ تطليقة واحدة فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
يَقُولُ انقضت عدتهن نزلت فِي أَبِي البداح بن عَاصِم ابن
عَدِيّ الْأَنْصَارِيّ من بني العجلان الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ
حي من قضاعة، وَفِي امرأته جمل بِنْت يَسَار «1» المُزَني بانت
منه بتطليقة، فأراد مراجعتها، فمنعها أخوها، وقَالَ:
لئن فعلت لا أكلمك أبدا. أنكحتك وأكرمتك وآثرتك عَلَى قومي
فطلقتها «2» وأجحفت بها واللَّه لا أزوجكها أبدا «3» . فَقَالَ
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يعني معقل فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ
يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ يعنى فلا تمنعوهن أن يراجعن أزواجهن
إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ يعني بمهر جديد
ونكاح جديد ذلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مَن النهي ألا يمنعها من
الزوج ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني يصدق بِاللَّه بأنه واحد
لا شريك لَهُ، ويصدق بالبعث الَّذِي فِيه جزاء الأعمال، فليفعل
ما أمره اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من المراجعة ذلِكُمْ أَزْكى
لَكُمْ يعني خير لَكُمْ من الفرقة وَأَطْهَرُ لقلوبكم من
الريبة وَاللَّهُ يَعْلَمُ حب كُلّ واحد منهما لصاحبه
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 232- ذَلِكَ منهما
فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: يا معقل، إن كُنْت تؤمن بِاللَّه واليوم الآخر فلا
تمنع أختك فلانا.
يعني أبا البداح. قَالَ: فَإِنِّي أنا أؤمن بِاللَّه واليوم
الآخر وأشهدك أني قد أنكحته.
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ يعني إذا طلقن
حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ
يعني يكمل الرضاعة وليس الحولان بالفريضة فَمنْ شاء أرضع فوق
الحولين ومن شاء قصر عَنْهُمَا. ثُمّ قَالَ: وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ إذا طلق امرأته وله ولد رضيع
__________
(1) فى ل: يسار، أ: كيسان أو يسار غير واضحة.
(2) فى أ: فطلقها.
(3) ورد ذلك أيضا فى أسباب النزول للسيوطي: 38، وفى أسباب
النزول للواحدي: 40. [.....]
(1/197)
ترضعه أمه فعلى الأب رزق الأم والكسوة
«رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» «1» بِالْمَعْرُوفِ لا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها يعني إِلَّا ما أطاقت من
النفقة والكسوة. ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: لا تُضَارَّ والِدَةٌ
بِوَلَدِها يقول لا يجعل بالرجل إذا طلق امرأته أن يضارها
فينزع منها ولدها وهي لا تريد ذَلِكَ فيقطعه عن أُمّه فيضارها
بِذَلِك بعد أن ترضى بعطية الأب من النفقة والكسوة «2» ، ثُمّ
ذكر الأم فقال: وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ يعني لا يجمل
بالمرأة أن تضار زوجها «3» وتلقي إِلَيْهِ ولدها ثُمّ قَالَ
فِي التقديم: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ يَقُولُ وعلى من
يرث اليتيم إذا مات الأب مثل ما عَلَى الأب من النفقة والكسوة
لو كان حيا فلا يضار الوارث الأم. وهي بمنزلة الأب إذا لَمْ
يَكُنْ لليتيم ماله فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ
مِنْهُما وَتَشاوُرٍ يَقُولُ واتفقا فَلا جُناحَ عَلَيْهِما
يعني لا حرج ما لَمْ يضار أَحَدهمَا، صاحبه أن يفصلا الولد قبل
الحولين والأم أحق بولدها من المرضع إذا رضيت [39 أ] من النفقة
والكسوة بما يرضى به غيرها فَإِن لَمْ ترض الأم بما يرضى «4»
به غيرها من النفقة فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يَقُولُ- عَزَّ
وَجَلّ- فلا جناح عَلَى الوالد أن يسترضع لولده، ويسلم للظئر
أجرها، وَلا كسوة لها، وَلا رزق، وإنما هُوَ أجرها.
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا
أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ لأمر
اللَّه فِي المراضع ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ 0 ما
أعطيتم الظئر من فضل عَلَى أجرها وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا
تعصوه فيما حذركم الله فى هذه الآية من أمر
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ.
(2) أى بعد أن وافقت على مقدار النفقة التي سيعطيها لها الوالد
فلا يليق أن يأخذ منها وليدها ضرارا بها من غير حاجة لهذا
الضرار.
(3) فى أ: تضار زوجها، فى ل: تضار بزوجها.
(4) فى أ: كما يرضى.
(1/198)
المضارة والكسوة والنفقة للأم وأجر الظئر
ثُمّ حذرهم فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 233- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً من يوم يموت زوجها فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ يعني إذا مضى الأجل مما ذكر فِي هَذِهِ
الآية فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي قراءة ابْن مَسْعُود «لا حرج
عليهن» فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ يعني
لا حرج عَلَى المرأة إذا انقضت عدتها أن تتشوف «1» وتتزين
وتلتمس الأزواج وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 234- من
أمر العدة وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّساءِ يعني لا حرج عَلَى الرَّجُل أن يَقُولُ
للمرأة قبل أن تنقضي عدتها إنك لتعجبينني وما أجاوزك إلى غيرك
فهذا التعريض أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فلا جناح
عليكم أن تسروا فِي قلوبكم تزويجهن فِي العدة عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ
سِرًّا يعني الجماع في العدة ثم استثنى فقال: إِلَّا أَنْ
تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً عدة حسنة نظيرها فِي النّساء
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً «2» يعني عدة حسنة فتقول
وهي فِي العدة إنَّه حبيب إليّ أن أكرمك وأن آتي ما أحببت وَلا
أجاوزك إلى غيرك وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ يعني وَلا
تحققوا عقدة النكاح يعني لا تواعدوهن «3» فِي العدة حَتَّى
يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ يعني حَتَّى تنقضي عدتها ثُمّ
خوفهم، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ يعني ما فِي قلوبكم من أمورهن
فَاحْذَرُوهُ أي فاحذروا أن ترتكبوا فِي العدة ما لا يحل
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يعني ذا تجاوز لَكُمْ
حَلِيمٌ- 235- لا يعجل بالعقوبة لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا
لَهُنَّ فَرِيضَةً يَقُولُ وإن لَمْ تسموا لهن المهر فلا حرج
فِي الطلاق فِي هَذِهِ الأحوال كلها،
__________
(1) فى أ، ل: تشوف.
(2) سورة النساء: 8.
(3) أ: لا ترجعوهن: والمذكور من ل.
(1/199)
وَهُوَ الرَّجُل يطلق امرأته قبل أن
يجامعها وَلَم يسم لها مهرا فلا مهر لها، وَلا عدة عَلَيْهَا،
وَلا المتعة بالمعروف ويجبر الزوج عَلَى متعة هَذِهِ المرأة
التي طلقها قبل أن يسمي لها مهرا وليس بمؤقت «1» [39 ب]
نزلت فِي رَجُل من الأَنْصَار تزوج امرأة من بني حنيفة وَلَم
يسم لها مهرا، ثُمّ طلقها قبل أن يمسها فَقَالَ النبي- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ متعتها بشيء؟ قَالَ: لا.
قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: متعها
بقلنسوتك، أما إنها لا تساوي شيئًا وَلَكِن أحببت أن أحيي سنة.
فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ فِي المال وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ فِي المال
مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ وليس بمؤقت وَهُوَ واجب حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ- 236- ثُمّ إن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كساه ثوبين بعد ذَلِكَ فتزوج امرأة
فأمهرها أحد ثوبيه. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ يعني
من قبل الجماع وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ من المهر فَرِيضَةً
فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ عليكم من المهر. ثُمّ استثنى فَقَالَ:
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يعني إِلَّا أن يتركن يعني المرأة تترك
نصف مهرها فتقول المرأة أما إنَّه لَمْ يدخل بي وَلَم ينظر لي
إلى عورة فتعفو عن نصف مهرها وتتركه لزوجها وهي بالخيار ثم
قال: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ يعني
الزوج فيوفيها المهر كله.
فيقول: كَانَتْ فِي حبالى ومنعتها من الأزواج فيعطيها المهر
كله. وَهُوَ بالخيار ثُمّ قَالَ: وَأَنْ تَعْفُوا يعني ولأن
تعفوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى يعني المرأة والزوج كلاهما أمرهما
«2» أن يأخذا بالفضل فِي الترك ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَلا تَنْسَوُا يعني المرأة والزوج يَقُولُ لا تتركوا
الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ فِي الخير حين أمرها أن تترك
__________
(1) أى بمحدد فهو لكل امرأة بما يناسبها وما يعطى لأمثالها
فليس هناك فى المتعة شيء محدد.
(2) فى أ: يعنى المرأة والزوج أمرهما كلاهما.
(1/200)
نصف المهر للزوج، وأمر الزوج أن يوفيها
المهر كله. إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 237- يعني
بصيرا أن ترك أَوْ وفاها.
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الخمس فِي مواقيتها وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى يعني صلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ- 238-
فِي صلاتكم يعني مطيعين نظيرها وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ «1»
يعني من المطيعين وكقوله- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ إِبْراهِيمَ
كانَ أُمَّةً قانِتاً «2» يعني مطيعا. وكقوله سُبْحَانَهُ
قانِتاتٌ «3» يعني مطيعات وذلك أن أَهْل الأوثان «4» يقومون
فِي صلاتهم عاصين «5» . قَالَ اللَّه قوموا «6» أنتم مطيعين
فَإِنْ خِفْتُمْ العدو فصلوا فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً يَقُولُ
عَلَى أرجلكم أَوْ عَلَى دوابكم فصلوا ركعتين حيث كان وجهه «7»
إذا كان الخوف شديدا فَإِن لَمْ يستطع السجود فليومئ برأسه
إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع وَلا يجعل جبهته عَلَى شيء
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
فَإِذا أَمِنْتُمْ العدو فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَقُولُ فصلوا
للَّه كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ- 239-
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً
وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ يعني
بالمتاع أن ينفق عَلَيْهَا فِي الطعام والكسوة سنة [40 أ] ما
لم تتزوج قَالَ: غَيْرَ إِخْراجٍ يَقُولُ لا تخرج من بيت زوجها
سنة وهي كارهة: فَإِنْ خَرَجْنَ إلى أهلهن طائعة قبل الحول فلا
نفقة لها فعدتها ثلاثة قروء. يَقُولُ:
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي قراءة ابْن مَسْعُود فلا جناح
عليهن فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ يعني
بالمعروف يعني أن تتشوف «8» وتتزين وتلتمس الأزواج
__________
(1) سورة التحريم: 12.
(2) سورة النحل: 120.
(3) سورة النساء: 34.
(4) فى أ: الأديان. والمذكور من ل.
(5) فى أ: خاضعين. والمذكور من ل. [.....]
(6) فى أ: فقوموا. والمذكور من ل.
(7) هكذا فى أ، ل. ولعل المراد حيث ما تُوَلُّوا فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ.
(8) فى أ: تشوف.
(1/201)
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ- 240- عزيز فِي
ملكه. حكيم فيما حكم من النفقة حولا، نزلت فِي حكيم بن الأشرف
«1» قدِم الطائف ومات بالمدينة وَلَهُ أبوان وأولاد فأعطى
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الميراث
الوالدين وأعطى الأولاد بالمعروف وَلَم يعط امرأته شيئًا.
غَيْر أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر
بالنفقة عَلَيْهَا فِي الطعام والكسوة حولا، فَإِن كَانَت
المرأة من أَهْل المدر التمست السكنى فيما بينها وبَيْنَ الحول
وإن كَانَتْ من أَهْل الوبر نسجت ما تسكن فِيهِ إلى الحول فكان
هَذَا قبل أن تنزل آية المواريث ثُمّ نزل وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً نسخت هَذِهِ
الحول. ثُمّ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- آية المواريث، فجعل
لهن الربع والثمن فنسخت نصيبها من الميراث نفقة سنة ثُمّ
قَالَ: وَلِلْمُطَلَّقاتِ اللاتي دخل بهن مَتاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ يعني عَلَى قدر مال الزوج وَلا يجبر الزوج
عَلَى المتعة لأن لها المهر كامل «2» حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ- 241- أن يمتع الرَّجُل امرأته كَذلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يَقُولُ هكذا يبين اللَّه
لَكُمْ أمره فِي المتعة لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَعْقِلُونَ-
242- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
وَهُمْ من بني إِسْرَائِيل أُلُوفٌ ثمانية آلاف حَذَرَ
الْمَوْتِ يعني حذر القتل وذلك أن نبيهم حزقيل بن دوم، وهو ذو
الكفل ابن دوم، ندبهم إلى قتال عدوهم، فأبوا عَلَيْه جبنا عن
عدوهم واعتلوا.
فقالوا: إن الأرض التي نبعث إليها لنقاتل عدونا هِيَ أرض يكون
فيها الطاعون
__________
(1) قارن بأسباب النزول للسيوطي: 40، وللواحدي: 45. وقد ورد
فيهما ما ذكر فى تفسير مقاتل، هذا غير أنهما ذكرا فى أسباب
نزول الآية إن رجلا قدم الطائف ... إلخ. وأوضح مقاتل اسم الرجل
بأنه حكيم بن الأشرف.
(2) فى أ، ل: على المتعة لها لأن المهر كامل.
(1/202)
فأرسل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عليهم الموت
فَلَمَّا رأوا أن الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من
الموت. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ حزقيل قَالَ «1» : اللَّهُمَّ رب
يَعْقُوب وإله مُوسَى قَدْ ترى معصية عبادك، فأرهم آية فِي
أنفسهم حَتَّى يعلموا أنهم لن يستطيعوا فرارا منك. فأمهلهم «2»
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- حَتَّى خرجوا من ديارهم وهي قرية تسمى
دامردان فَلَمَّا خرجوا قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لهم:
فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا عبرة لهم فماتوا جميعًا وماتت
«3» دوابهم كموت رَجُل واحد ثمانية أيام فخرج إليهم الناس
فعجزوا عن دفنهم حَتَّى حظروا «4» عليهم وأروحت «5» أجسادهم.
ثُمَّ إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أَحْياهُمْ بعد ثمانية أيام
«6» [40 ب] وبهن نتن شديد ثُمّ إن حزقيل بكى إلى ربه- عَزَّ
وَجَلّ- فَقَالَ: اللَّهُمَّ رب إِبْرَاهِيم وإله مُوسَى لا
تكن عَلَى عبادك الظلمة كأنفسهم، واذكر فيهم ميثاق الأولين
فسمع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فأمره أن يدعوهم بكلمة واحدة
فقاموا كقيام رَجُل واحد كان وسنانا، فاستيقظ، فذلك قوله-
عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ- 243- رب هذه
النعمة حين أحياهم بعد ما أراهم عقوبته ثُمّ أمرهم- عَزَّ
وَجَلّ- أن يرجعوا إلى عدوهم فيجاهدوا فذلك قوله مُوتُوا ثُمَّ
أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أنه
أحياهم بعد ما أماتهم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَشْكُرُونَ. وقوله- سُبْحَانَهُ-: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لقولهم إن الأرض
التي نبعث إليها فيها الطاعون عَلِيمٌ- 244- بِذَلِك حَتَّى
إنَّه ليوجد فِي ذَلِكَ السِّبْط من اليهود ريح كريح الموتى
وكانوا ثمانية
__________
(1) فى أ: فقال حزقيل.
(2) فى أ: وأمهلهم.
(3) فى أ: ومات.
(4) حظروا عليهم: بنوا الحظائر.
(5) أروحت أجسامهم: صارت لها رائحة كريهة.
(6) فى أ: ثم إن الله- عز وجل-. بعد ثمانية أيام أحياهم.
(1/203)
آلاف مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً طيبة بها «1» نفسه محتسبا فَيُضاعِفَهُ لَهُ
بها أَضْعافاً كَثِيرَةً «2» نزلت فى أبى الدحداح اسمه عُمَر
بن الدحداح الْأَنْصَارِيّ وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: من
تصدق بصدقة فَلَه مثلها فِي الجنة. قَالَ أَبُو الدحداح: إن
تصدقت بحديقتي فلي مثلها فِي الجنة. قَالَ: نعم.
قَالَ: وأم الدحداح معي. قَالَ: نعم. قَالَ: والصبية. قَالَ:
نعم. وكان لَهُ حديقتان فتصدق «3» بأفضلهما واسمها الجنينة
فضاعف اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- صدقته ألفي ألف ضعف «4» فذلك
قوله- عَزَّ وَجَلّ-: أضعافا كثيرة
وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ يعني يقتر ويوسع وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ- 245- فيجزيكم بأعمالكم فرجع أَبُو الدحداح إلى
حديقته فوجد أم الدحداح والصبية فِي الحديقة التي جعلها صدقة
فقام عَلَى باب الحديقة وتحرج أن يدخلها وقَالَ «5» : يا أم
الدحداح. قَالَتْ لَهُ:
لبيك يا أبا الدحداح. قَالَ: إني قَدْ جعلت حديقتي هَذِهِ صدقة
واشترطت مثلها فِي الجنة، وأم الدحداح معي، والصبية معي،
قَالَتْ: بارك اللَّه لك فيما اشتريت فخرجوا منها وسلم الحديقة
إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كم من نخلة مدلا عذوقها لأبي الدحداح فِي الجنة لو اجتمع عَلَى
عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه «6» . قوله- سُبْحَانَهُ-:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسى وذلك أن
__________
(1) فى أ، ل: بها والأنسب به. ولعله ضمن القرض معنى الصدقة
فقال طيبة بها.
(2) فى أ: كبيرة.
(3) هكذا فى ل، وأما فى أ: فصدق أفضلهما. [.....]
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) فى أ: قال.
(6) جاء هذا الأثر فى تفسير ابن كثير 1: 299 وسنده قال ابن أبى
حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج
عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت:
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال أبو
الدحداح الأنصارى:.. إلخ الأثر قال: وقد رواه ابن مردويه من
حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر- رضى الله عنه-
مرفوعا بنحوه.
(1/204)
كفار بني إِسْرَائِيل قهروا مؤمنيهم
فقتلوهم وسبوهم وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم فمكثوا زمانا
لَيْسَ لهم ملك يقاتل عدوهم والعدو بين فلسطين ومصر [41 أ]
إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ
«1» فقالوا لنَّبِيّ لهم- عَلَيْه السَّلام- اسمه اشماويل
وَهُوَ بالعربية إسماعيل بن هلقابا واسم أُمّه حنة وَهُوَ من
نسل هَارُون بن عِمْرَانَ أخو موسى ابْعَثْ لَنا مَلِكاً
نُقاتِلْ عدونا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ «2» لهم نبيهم هَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ بعث اللَّه لَكُمْ ملكا وكُتِبَ يعني وفرض
عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا
أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ
دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ أَي فَلَمَّا فرض
كقوله- سُبْحَانَهُ-: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ يعني فرض
عليكم عَلَيْهِمُ الْقِتالُ يعني عَلَى بنى إسرائيل تَوَلَّوْا
إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ يعني كره القتال العصابة الَّذِين
وقفوا «3» فِي النهر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ- 246-
يعنيهم لقولهم «4» لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ
وَجُنُودِهِ وكان القليل أصحاب الفرقة ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد
أصحاب بدر.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: إنكم عَلَى عدد
أصحاب طالوت
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إسماعيل إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ
وَجَلّ- قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى
يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ يعني من أَيْنَ يَكُون لَهُ الملك
عَلَيْنا وليس طالوت من سِبْط النُّبُوَّة وَلا من سِبْط
الملوك وكان طالوت فيهم حقير الشأن دون وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ مِنَّا الْأَنْبِيَاء والملوك وكانت
النُّبُوَّة فِي سِبْط لاوي بن يَعْقُوب والملوك فِي سِبْط
يهوذا بن يَعْقُوب وَلَمْ يُؤْتَ طالوت سَعَةً مِنَ الْمالِ أن
ينفق علينا قالَ لهم نبيهم إِسْمَاعِيل إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ
وَجَلّ- اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ يعني اختاره كقوله سُبْحَانَهُ-
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ يعني اختاره وَزادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وكان أعلم
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ.
(2) فى أ: فقال.
(3) هكذا فى ل، وفى أ: وقعوا.
(4) فى أ، ل: لقوله.
(1/205)
بني إِسْرَائِيل وكان طالوت من سِبْط
بنيامين وكان جسيما عالما وكان اسمه شارل بن كيس وبالعربية
طالوت بن قَيْس وسمي طالوت لطوله. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ
مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ بعطية الملك عَلِيمٌ- 247- بمن
يعطيه الملك فَلَمَّا أنكروا أن يَكُون طالوت عليهم ملكا
وَقالَ «1» لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أنه من
اللَّه أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الَّذِي أخذ منكم فِيهِ
سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ورأس كرأس الهرة ولها جناحان فإذا
صوتت عرفوا أن النصر لهم فكانوا يقدمونها أمام الصف
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ يعنى
بالبقية رضراضا «2» من الألواح وفقير «3» من فِي طست من ذهب
وعصا مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- وعمامته وكان التابوت يَكُون
مَعَ الأنبياء إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به
عَلَى عدوهم، فَلَمَّا تفرقت بنو إِسْرَائِيل وعصوا
الْأَنْبِيَاء سلط اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عليهم عدوهم فقتلوهم
وغلبوهم عَلَى التابوت فدفنوه فى مخرأة [41 ب] لهم فابتلاهم
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالبواسير فكان الرَّجُل إذا تبرز عِنْد
التابوت أخذه الباسور ففشى ذَلِكَ فيهم فهجروه فقالوا: ما
ابتلينا بهذه إِلَّا بفعلنا بالتابوت فاستخرجوه ثُمّ وجهوه إلى
بني إِسْرَائِيل عَلَى بقرة ذات لبن وبعث اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- الملائكة فساقوا العجلة فإذا التابوت بين أظهرهم فذلك
قوله- سُبْحَانَهُ-: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ يعني تسوقه
الملائكة إِنَّ فِي ذلِكَ يعني فِي رد التابوت لَآيَةً لَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 248- يعني مصدقين بأن طالوت ملكه
من اللَّه- عز وجل- وكان التابوت من عود الشمشاد التي تتخذ منه
الأمشاط الصفر مموه بالذهب فَلَمَّا رأوا التابوت أيقنوا بأن
ملك طالوت من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فسمعوا لَهُ وأطاعوا وكان
موسى- عليه السلام
__________
(1) فى أ: قال.
(2) فى أ: رضراض، ل: رضراضا.
(3) من ل وفى أ: وفقير.
(1/206)
- ترك التابوت فِي التيه قبل موته عِنْد
يوشع بن نون، ثُمّ إن طالوت تجهز لقتال جالوت. وقَالَ
النَّبِيّ إسماعيل «1» لطالوت إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- سيبعث
رَجُلا من أصحابك فيقتل جالوت، وأعطاه النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- درعا «2» فَقَالَ لطالوت: من صلحت
هَذِهِ الدرع عَلَيْه، لَمْ تقصر عَلَيْه وَلَم تطل فَإنَّهُ
قاتل جالوت فاجعل لقاتله نصف ملكك ونصف مَالِك فبلغ ذَلِكَ
دَاوُد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
يرعى الغنم فِي الجبل، فاستودع غنمه ربه- جل وعز- فقال: آتي
الناس وأطالع أخوتي وهم سبعة من طالوت وأنظر ما هَذَا الخبر
فمر دَاوُد عَلَيْه السَّلام عَلَى حجر. فَقَالَ: يا دَاوُد
خذني، فأنا حجر هَارُون الَّذِي قتل به كذا وكذا فارم بي «3»
جالوت الجبار فأقع فِي بطنه فأنفذ من جانبه الآخر. فأخذه
فألقاه في مخلاته.
«ثم مر بحجر آخر فَقَالَ له: يا داود، خذني فأنا حجر موسى الذي
قتل بي كذا وكذا فارم بي جالوت فأقع في قلبه فأنفذ من الجانب
الآخر فألقاه في مخلاته «4» » ثم مر بحجر آخر فقال: يا داود،
خذني فأنا الَّذِي أقتل جالوت الجبار فأستعين بالريح فتلقى
البيضة فأقع فِي دماغه فأقتله فأخذه فألقاه فِي مخلاته. ثُمّ
انطلق «5» حَتَّى دخل عَلَى طالوت، فَقَالَ: أَنَا قاتل جالوت،
بإذن اللَّه وكان دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- رث المنظر هبير
دوير فأنكر طالوت أن يقتله دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- «6»
فَقَالَ دَاوُد تجعل لي نصف ملكك ونصف مَالِك إن قتلت جالوت
الجبار. قَالَ طالوت: لك ذلك
__________
(1) فى أ، ل: وقال النبي صلى الله عليه وسلم إسماعيل.
(2) من ل. وفى أ: وأعطاه النبي- عليه السلام-.
(3) من ل. وفى أ: فارم.
(4) ما بين القوسين «..» : ساقط من أ، ومنقول من ل. [.....]
(5) فى أ: فانطلق.
(6) المعنى أنكر طالوت أن يقتل داود جالوت.
(1/207)
عندي وأزوجك ابنتي ولن يخفى «1» عليّ إن
كُنْت أَنْت صاحبه قَدْ أتاني قومي كلهم يزعم أنه يقتله وَقَدْ
أَخْبَرَنِي إسماعيل أن اللَّه يبعث لَهُ رَجُلا من أصحابي
فيقتله فالبس هَذَا الدرع فلبسها دَاوُد- عَلَيْه السَّلام-
فطالت عَلَيْه فانتفض فيها فتقلص منها وَجَعَل دَاوُد يدعو
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثُمّ انتفض فيها فتقلص منها ثُمّ انتفض
فيها الثالثة فاستوت عَلَيْه، فعلم طالوت أَنَّهُ يقتل جالوت
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ [42 أ] وهم مائة ألف
إنسان فسار فِي حر شديد فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ-
قالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ بين
الأُرْدُنّ «2» وفلسطين فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي
يَقُولُ لَيْسَ معي عَلَى عدوي، كقول إِبْرَاهِيم- عليه
السلام- فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي يعني معي «3»
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي فَإنَّهُ معي عَلَى
عدوي ثُمّ استثنى.
فَقَالَ: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ الغرفة يشرب
منها الرَّجُل وخدمه ودابته ويملأ قربته، ووصلوا إلى النهر من
مفازة وأصابهم العطش فَلَمَّا رَأَى الناس الماء ابتدروا
فوقعوا فيه فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلا عدة أصحاب النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر فَلَمَّا جاوَزَهُ
أَي جاوز النهر هُوَ يعني طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
وَكُلُّهُمْ مؤمنون فَقَالَ «4» العصاة الَّذِين وقعوا فِي
النهر قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ
فرد عليهم أصحاب الغرفة قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ يعني
الَّذِين يعلمون، كقوله- سُبْحَانَهُ- وَظَنَّ أَنَّهُ
الْفِراقُ «5» يعني وعلم، وكقوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مُواقِعُوها «6» .
__________
(1) فى أ: وبر بحقي، وفى ل: ولن يخفى.
(2) فى أ: الأزد، ل: الأردن.
(3) سورة إبراهيم: 36.
(4) فى الأصل. فقالت.
(5) سورة القيامة: 28.
(6) سورة الكهف: 53 وتمامها (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها
مَصْرِفاً) .
(1/208)
وكقوله- عز وجل- أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ «1»
أَي ألا يعلم أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ لأنهم قَدْ طابت
أنفسهم بالموت كَمْ مِنْ فِئَةٍ يعني جند قَلِيلَةٍ عددهم
غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً عددهم بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ
مَعَ الصَّابِرِينَ- 249- يعني بني إِسْرَائِيل فِي النصر
عَلَى عدوهم فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حَتَّى
عاينوا العدو وَلَمَّا بَرَزُوا لقتال لِجالُوتَ «2»
وَجُنُودِهِ قَالَ أصحاب الغرفة قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ
عَلَيْنا صَبْراً يعني ألق: أصبب علينا صبرا. كقوله-
سُبْحَانَهُ-: أَفْرِغْ: يعني أصبب عَلَيْهِ قِطْراً «3»
وَثَبِّتْ أَقْدامَنا عِنْد القتال حَتَّى لا تزول وَانْصُرْنا
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ- 250- يعني جالوت وجنوده وكانوا
يعبدون الأوثان فاستجاب اللَّه لهم وكانوا مؤمنين- أصحاب
الغرفة: فِي العصاة «4» - فَلَمَّا التقى الجمعان «5» وطالوت
فِي قلة وجالوت فِي كثرة، عمد دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- فقام
بحيال جالوت لا يقوم ذَلِكَ المكان إِلَّا من يريد قتال جالوت
فجعل الناس يسخرون من دَاوُد حين قام بحيال جالوت. وكان جالوت
من قوم عاد عَلَيْه بيضة فيها ثلاثمائة رطل فَقَالَ جالوت: من
أَيْنَ هَذَا الفتى؟ ارجع ويحك فَإِنِّي أراك ضعيفا وَلا أرى
لك قوة وَلا أرى معك سلاحا ارجع فإني أرحمك فَقَالَ دَاوُد-
عَلَيْه السَّلام-:
أَنَا أقتلك بإذن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-. فَقَالَ جالوت: بأي
شيء تقتلني؟
وَقَدْ قمت مقام الأشقياء، وَلا أرى معك سلاحا إِلَّا عصاك
هَذِهِ «6» هلم فاضربني بها ما شئت. وهي عصاه التي كان يرد بها
غنمه. قَالَ دَاوُد: أقتلك بإذن الله، بما
__________
(1) سورة المطففّين: 4 وتمامها أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ.
(2) فى أ: جالوت.
(3) سورة الكهف: 96 وتمامها آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى
إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا
جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً.
(4) فى أ: والعصاة قوله سبحانه، والمعنى استجاب الله لأصحاب
الفرقة فى العصاة.
(5) فى أ: زيادة الملكان. والمثبت من ل.
(6) فى أ: إلا عصى كهذه. والمثبت من ل. [.....]
(1/209)
شاء اللَّه. فتقدم جالوت ليأخذه بيده
مقتدرا عَلَيْه فِي نفسه وَقَدْ صارت الحجارة الثلاثة حجرا
واحدا [42 ب] فَلَمَّا دنا جالوت من دَاوُد أخرج الحجر من
مخلاته وألقت الريح البيضة عن رأسه فرماه فوقع الحجر فِي دماغه
حَتَّى خرج من أسفله «1» وانهزم الكفار وطالوت ومن معه وقوف
ينظرون فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ «2»
بحذافة فيها حجر واحد وقُتِل معه ثلاثون ألفا، وطلب دَاوُد نصف
مال طالوت، ونصف ملكه فحسده طالوت عَلَى صنيعه وأخرجه. فذهب
دَاوُد حَتَّى نزل قرية من قرى بني إِسْرَائِيل، وندم طالوت
عَلَى صنيعه، فَقَالَ فِي نفسه: عمدت إلى خير أَهْل الأرض بعثه
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لقتل جالوت فطردته، وَلَم أفِ لَهُ وكان
دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- أحبّ إلى بني إِسْرَائِيل من طالوت
فانطلق فِي طلب دَاوُد فطرق امرأة ليلا من قدماء بني
إِسْرَائِيل تعلم اسم اللَّه الأعظم وهي تبكي عَلَى دَاوُد
فضرب بابها فقالت:
من هَذَا؟ قَالَ «3» : أَنَا طالوت. فقالت: أَنْت أشقى الناس
وأشرهم «4» ، هَلْ تعلم ما صنعت؟ طردت دَاوُد النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أمره من اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- وكانت لك آية فِيهِ من أمر الدرع وصفة أشماويل
وظهوره عَلَى جالوت وقتل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-[به] أَهْل
الأوثان فانهزموا. ثُمّ غدرت بداود وطردته هلكت يا شقي.
فَقَالَ لها: إِنَّمَا أتيتك لأسالك ما توبتي. قَالَتْ توبتك
أن تأتي مدينة بلقاء فتقاتل أهلها وحدك، فَإِن افتتحتها فهي
توبتك فانطلق طالوت فقاتل أَهْل بلقاء وحده فقتل وعمدت بنو
إِسْرَائِيل إلى دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- فردوه وملكوه،
وَلَم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود
__________
(1، 2) فى أ: سفله. والمثبت من ل.
(3) فى أ: فقال.
(4) فى الأصل: أشره.
(1/210)
عَلَيْه السَّلام فكانوا اثني عشر سبطا لكل
سِبْط ملك بينهم «1» فذلك قوله- تبارك وتعالى-: فَهَزَمُوهُمْ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ
الْمُلْكَ يعني ملكه اثنا عشر سبطا وَالْحِكْمَةَ يعني الزبور
وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ علمه صنعة الدروع، وكلام الدواب،
والطير، وتسبيح الجبال، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يَقُولُ اللَّه- سُبْحَانَهُ- لولا دفع
اللَّه المشركين بالمسلمين لغلب المشركون عَلَى الأرض، فقتلوا
الْمُسْلِمِين وخربوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع، فذلك
قوله- سُبْحَانَهُ-: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ يَقُولُ لهلكت الأرض
نظيرها إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها
«2» يعني أهلكوها وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْعالَمِينَ- 251- فِي الدفع عَنْهُمْ تِلْكَ آياتُ اللَّهِ
يعني القرآن نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ- 252- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ
عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَهُوَ مُوسَى-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومنهم [43 أ] من اتخذه
خليلا وَهُوَ إِبْرَاهِيم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ومنهم من أعطى الزبور وتسبيح الجبال والطير وَهُوَ
دَاوُد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، ومنهم من سخرت له
الريح والشياطين وعلم منطق الطير وهو سليمان- صلى الله عليه
وسلم-. ومنهم من يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من
الطين طيرا وَهُوَ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فهذه الدرجات يعني الفضائل. قَالَ تَعَالَى:
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ «3» على بعض وَآتَيْنا
__________
(1) أخذ على مقاتل أنه أخذ علم الكتاب من اليهود والنصارى. وما
أشبه هذه القصة بما أخذه مقاتل عن أهل الكتاب. فلم يرد ذلك عن
المعصوم صلى الله عليه وسلم. بل هو من إسرائيليات أهل الكتاب.
(2) سورة النمل: 34.
(3) وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ساقط من أ، ل.
(1/211)
يقول وأعطينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّناتِ يعني ما كان يصنع من العجائب وما كان يحيي من
الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين ثُمّ قَالَ:
وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَقُولُ- سُبْحَانَهُ-
وقويناه بجبريل- عَلَيْه السَّلام- ثُمّ قَالَ: وَلَوْ شاءَ
اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد
عِيسَى ومُوسَى وبينهما ألف نبى أولهم موسى وآخرهم عِيسَى مِنْ
بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يعني العجائب التي كان
يصنعها «1» الْأَنْبِيَاء وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فصاروا فريقين
فِي الدّين فذلك قوله سُبْحَانَهُ-: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
يعني صدق بتوحيد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ
بتوحيد اللَّه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ
اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ- 253- يعنى أراد ذلك يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ من الأموال
فِي طاعة اللَّه مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ
يَقُولُ لا فداء فِيهِ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ فِيهِ ليعطيه بخلة
«2» ما بَيْنَهُمَا وَلا شَفاعَةٌ فيه للكفار فِيهِ كفعل أَهْل
الدُّنْيَا بعضهم فِي بعض فَلَيْس فِي الآخرة شيء من ذَلِكَ
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ- 254- اللَّهُ لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لا يموت الْقَيُّومُ القائم
عَلَى كُلّ نفس لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ يعني ريح من قبل الرأس،
فيغشى العينين، وَهُوَ وسنان بين النائم واليقظان. ثُمّ قَالَ-
جلَّ ثناؤُهُ-: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق عبيده وَفِي ملكه
الملائكة وعزير وعيسى ابْن مريم وغيره مِمَّنْ يعبد مَنْ ذَا
الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ من الملائكة إِلَّا بِإِذْنِهِ
يَقُولُ إِلَّا بأمره وذلك قوله- سُبْحَانَهُ- وَلا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى يَعْلَمُ ما بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول ما كان قبل خلق
__________
(1) فى أ: يصنعوها.
(2) فى أ: خلة، والمثبت من ل.
(1/212)
الملائكة، وما كان بعد خلقهم. ثُمّ قَالَ:
وَلا يُحِيطُونَ يعني الملائكة بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا
بِما شاءَ الرب فيعلمهم ثم أخبر عن عظمة الرب- جل جلاله- فقال-
سبحانه-: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كلها. كل
قائمة للكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع تحت
الكرسي فى الصغر كحلقة بأرض فلاة. ثم أخبر عن قدرته فقال- عز
وجل-: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما يَقُولُ وَلا يثقل عَلَيْه
وَلا يجهده حملهما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ- 255-[43 ب]
الرفيع فوق كُلّ خلقه العظيم فلا أعظم منه شيء، يحمل الكرسي
أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه، أقدامهم تحت الصَّخرة التي
تحت الأرض السفلى، مسيرة خمس مائة عام، وما بين كُلّ أرض مسيرة
مائة عام، ملك وجهه عَلَى صورة الإِنْسَان وَهُوَ سيد الصور،
وَهُوَ يسأل الرزق للآدميين، وملك وجهه عَلَى صورة سيد الأنعام
يسأل الرزق للبهائم وَهُوَ الثور، لَمْ يزل الملك الَّذِي
عَلَى صورة الثور على وجهه كالغضاضة منذ عُبِدَ العجل من دون
الرَّحْمَن- عَزَّ وَجَلّ-، وملك وجهه عَلَى صورة سيد الطير
وَهُوَ يسأل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الرزق للطير وَهُوَ النسر.
وملك عَلَى صورة سيد السباع وَهُوَ يسأل الرزق للسباع وَهُوَ
الأسد. لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ لأحد بعد إسلام العرب إذا
أقروا بالجزية، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يقبل الجزية إِلَّا من
أَهْل الكتاب فَلَمَّا أسلمت العرب طوعا وكرها قبل الخراج، من
غَيْر أَهْل الكتاب، فكتب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى المنذر بن ساوى، وأهل هجر، يدعوهم إلى
الْإِسْلام فكتب من محمد رسول الله إلى أَهْل هجر، سلام عَلَى
من اتبع الهدى، أما بعد: إن من شهد شهادتنا، وأكل من ذبيحتنا،
واستقبل قبلتنا،
(1/213)
ودان «1» بديننا. فذلك المسلم الَّذِي لَهُ
ذمة اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وذمة رَسُول اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِن أسلمتم فلكم ما أسلمتم
عليه، ولكم عشر الثمر، ولكم نصف عشر الحب فَمنْ أبى الْإِسْلام
فعليه الجزية. فكتب المنذر إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني قرأت كتابك إلى أهل هجر فمنهم من
أسلم، ومنهم من أبى، فأما اليهود والمجوس فأقروا بالجزية،
وكرهوا الْإِسْلام فقبل النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- منهم بالجزية.
فقال منافقوا أَهْل المدينة:
زعم محمد أَنَّهُ لَمْ يؤمر أن يأخذ الجزية إِلَّا من أَهْل
الكتاب فَمَا باله قبل من مجوس أَهْل هجر، وقد أبى ذَلِكَ
عَلَى آبائنا وإخواننا حَتَّى قاتلهم عَلَيْه، فشق عَلَى
الْمُسْلِمِين قولهم، فذكروه «2» للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل اللَّه- عز وجل- يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ... آخر الآية «3»
.
وأنزل الله- عز وجل- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ بعد إسلام العرب
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ يَقُولُ قَدْ تبين
الضلالة من الهدى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ يعني
الشَّيْطَان وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ بأنه واحد لا شريك لَهُ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى يَقُولُ أَخَذَ
الثقة يعني الْإِسْلام التي لَا انْفِصامَ لَها يقول لا انقطاع
له دون الجنة وَاللَّهُ سَمِيعٌ لقولهم عَلِيمٌ- 256- به
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني ولي الْمُؤْمِنِين
بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان [44 أ] نظيرها فِي
إِبْرَاهِيم أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ «4» لأنه سبق لهم السعادة من اللَّه- تَعَالَى- فى
علمه فلما بعث النبي-
__________
(1) فى أ: وأدان، وفى ل: ودان.
(2) فى أ: فذكر.
(3) سورة المائدة: 105 وتمامها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
(4) سورة إبراهيم: 5.
(1/214)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخرجهم
اللَّه- سُبْحَانَهُ- من الشرك إلى الْإِيمَان ثُمّ قَالَ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يعني كَعْب ابن الأشرف يُخْرِجُونَهُمْ يعني يدعونهم مِنَ
النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ نظيرها فِي إِبْرَاهِيم قوله-
سُبْحَانَهُ- أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ «1» ثُمّ قَالَ: يدعونهم من النور الَّذِي كانوا
فِيهِ من إيمان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل
أن يبعث إلى كفر به بعد أن بعث وهي الظلمة أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 257- يعني لا يموتون أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهُوَ
نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ بن كوشى بن نوح وَهُوَ أول من
ملك الأرض كلها وَهُوَ الَّذِي بنى الصرح ببابل أَنْ آتاهُ
اللَّهُ يَقُولُ أن أَعْطَاه اللَّه الْمُلْكَ وذلك أن
إِبْرَاهِيم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين كسر
الأصنام سجنه نمروذ ثُمّ أَخْرَجَهُ ليحرقه بالنار. فَقَالَ
لإبراهيم- عَلَيْه السَّلام-:
من ربك إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي
وَيُمِيتُ وإياه أعبد ومنه أسأل الخير قالَ نمروذ أَنَا
أُحْيِي وَأُمِيتُ «2» قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: أرني بيان
الَّذِي تَقُولُ، فجاء برجلين فقتل أَحَدهمَا، واستحيا الآخر.
وقَالَ «3» :
كان هَذَا حيا فأمته وأحييت هَذَا ولو شئت قتلته قالَ
إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الجبار
الَّذِي كَفَرَ بتوحيد الله- عَزَّ وَجَلّ- يَقُولُ بهت نمروذ
الجبار فلم يدر ما يرد عَلَى إِبْرَاهِيم ثُمّ إن اللَّه-
عَزَّ وجل- سلط على نمروذ بعوضة، بعد ما أنجا اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- إبراهيم من النار، فعضت شفته فأهوى إليها فطارت فِي
منخره فذهب ليأخذها
__________
(1) سورة إبراهيم: 5.
(2) فى أ: فقال. [.....]
(3) فى أ: قال.
(1/215)
فدخلت خياشيمه، فذهب يستخرجها فدخلت دماغه
فعذبه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بها أربعين يومًا ثُمّ مات منها،
وكان يضرب رأسه بالمطرقة، فإذا ضرب رأسه سكنت البعوضة وإذا «1»
رفع عَنْهَا تحركت. فَقَالَ اللَّه- سُبْحَانَهُ-: وعزتي
وجلالي لا تقوم الساعة حَتَّى آتي بها. يعني الشمس من قبل
المغرب فيعلم من يرى ذَلِكَ أني أَنَا اللَّه قادر عَلَى أن
أفعل ما شئت ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَاللَّهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 258- إلى الحجَّة يعني نمروذ مثلها
فِي براءة ... وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ
عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
«2» إلى الحجَّة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ
خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها يعنى ساقطة على سقوفها، وذلك ان بخت
نصر سبا أَهْل بابل، وفيهم عزير بن شرحيا «3» [44 ب] وكان من
علماء بني إِسْرَائِيل وأنه ارتحل «ذات يوم عَلَى حمار أقمر،
فمر عَلَى قرية تدعى سابور عَلَى شاطئ دجلة «4» » بين واسط
والمدائن، وكان هذا بعد ما رفع عيسى بن مريم «5» ، فربط حماره
فِي ظل شجرة، ثُمّ طاف فِي القرية فلم ير فيها ساكنا، وعامة
شجرها حامل، فأصاب من الفاكهة والعنب والتين، ثُمّ رجع إلى
حماره فجلس يأكل من الفاكهة، وعصر من العنب فشرب منه فجعل فضل
الفاكهة فِي سلة، وفضل العصير فى الزق، فلما رأى
__________
(1) فى أ: فإذا.
(2) سورة التوبة: 19 وتمامها أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ
وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا
يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ.
(3) فى أ: شرحيا. ل: سرحيا.
(4) فى ل: ذات يوم من قرية تدعى سابور إباذ على حمار أقمر على
شاطى دجلة. وفى أ: ذات يوم فمر على قرية تدعى سابور على حمار
أقمر فنزل دير هرقل قرية على شاطئ دجلة.
(5) فى أ: زيادة صلى الله عليه وسلم. والمثبت من ل.
(1/216)
خراب القرية وهلاك أهلها قالَ أَنَّى
يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ يعني أَهْل هَذِهِ القرية بَعْدَ
مَوْتِها بعد هلاكهم. لَمْ يشك فِي البعث ولكنه أحبّ أن يريه
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- كيف يبعث الموتى كَمَا سأل إِبْرَاهِيم-
عَلَيْه السَّلام- ربه- عَزَّ وجل- أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ
الْمَوْتى «1» فَلَمَّا تكلم بِذَلِك عزير أراد اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- أن يعلمه كيف يحييها بعد موتها فَأَماتَهُ اللَّهُ-
عَزَّ وَجَلّ- وأمات حماره مِائَةَ عامٍ فحيى والفاكهة والعصير
مَوْضُوع عنده ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي آخر
النهار بعد مائة عام. لَمْ يتغير طعامه وشرابه فنودي في السماء
قالَ كَمْ لَبِثْتَ يا عزير ميتا قالَ لَبِثْتُ يَوْماً فالتفت
فرأى الشمس فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ له بَلْ لَبِثْتَ
مِائَةَ عامٍ ميتا، ثُمّ أخبره ليعتبر، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ يعني الفاكهة فِي السلة وَشَرابِكَ
يعني العصير لَمْ يَتَسَنَّهْ «يَقُولُ لَمْ يتغير طعمه بعد
مائة عام، نظيرها فى سورة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ
لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ «2» » فَقَالَ سبحان اللَّه، كيف
لَمْ يتغير طعمه، ونظر إلى حماره، وَقَدْ «3» ابيضت عظامه،
وبليت وتفرقت أوصاله، فنودي من السماء، أيتها العظام البالية
اجتمعي فَإِن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- منزل عليك روحا، فسعت «4»
العظام بعضها إلى بعض الذراع إلى العضد، والعضد إلى المنكبين
والكتف، وسعت الساق إلى الركبتين والركبتان إلى الفخذين،
والفخذان إلى الوركين والتصق «5» الوركان بالظهر، ثُمّ وقع
الرأس على الجسد
__________
(1) سورة البقرة: 260.
(2) فى أ: يقول لم يتغير نظيرها فى سورة محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ
لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ بعد مائة عام والآية 15:
سورة محمد.
(3) فى أ: قد.
(4) فى أ: فسعى، ل: فسعت.
(5) فى الأصل: التزق.
(1/217)
وعزير ينظر ثُمّ ألقى عَلَى العظام العروق
والعصب، ثُمّ رد عَلَيْه الشعر ثُمّ نفخ فِي منخره الروح. فقام
الحمار ينهق عِنْد رأسه. فأعلم كيف يبعث أَهْل هَذِهِ القبور
بعد هلاكهم وبعث حماره بعد مائة عام كَمَا لَمْ يتغير طعامه
وشرابه، وبعث بعد طوال الدَّهْر ليعتبر بِذَلِك- فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ
يَتَسَنَّهْ يعنى لم يتغير طعمه كقوله فى سورة محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ يعني
عبرة لأنه بعثه شابا بعد مائة سنة وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ
يعني عظام الحمار كَيْفَ نُنْشِزُها يعنى نحييها نظيرها [45 أ]
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ «1»
يعني يبعثون الموتى ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ يعني لعزير كيف يحيي اللَّه الموتى، خر للَّه
ساجدا قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ-
259- يعني من البعث وغيره، فرجع عزير إِلَى أهله وَقَدْ هلكوا
وبيعت داره وبنيت فردت عَلَيْه «2» وانتسب عزير إلى أولاده
فعرفوه وعرفهم وأعطي عزير العلم «من بعد ما بعث بعد مائة عام»
«3» وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ
الْمَوْتى وذلك أَنَّهُ رَأَى جيفة حمار عَلَى شاطئ البحر
تتوزعه دواب البر والبحر والطير فنظر إليها ساعة ثُمّ قَالَ:
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
يا إِبْرَاهِيم، يعني قَالَ أَوَلَمْ تصدق بأني أحيي الموتى يا
إِبْرَاهِيم قالَ بَلى صدقت وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
ليسكن قلبي بأنك أريتني الَّذِي أردت قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً
مِنَ الطَّيْرِ قَالَ خُذْ ديكا وبطة وغرابا وحمامة فاذبحهن
يَقُولُ قطعهن ثُمّ خالف بين مفاصلهن وأجنحتهن فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ بلغة النبط صرهن «4» قطعهن، واخلط
__________
(1) سورة الأنبياء: 21.
(2) فى أ: فردها عليه.
(3) فى أ: بعد ما بعث مائة عام. والمثبت من ل. [.....]
(4) فى أ، ل: صربه.
(1/218)
ريشهن ودماءهن ثُمّ خالف «1» بين الأعضاء
والأجنحة واجعل مقدم الطير مؤخر طير آخر ثُمّ فرقهن عَلَى
أربعة أجبال ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ
جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً فيها تقديم
فدعاهن فتواصلت الأعضاء والأجنحة فأجابته جميعًا لَيْسَ معهن
رءوسهن ثم وضع رءوسهن عَلَى أجسادهن ففقت «2» البطة، وصوت
الديك، ونعق الغراب، وقرقر «3» الحمام يَقُولُ خذهن فصرهن
وادعهن يسعين عَلَى أرجلهن عِنْد غروب الشمس وَاعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «4» - 260- فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ
أعْلَم أن اللَّه عزيز فِي ملكه حكيم يعني حكم البعث يَقُولُ
كَمَا بعث هَذِهِ الأطيار الأربعة من هَذِهِ الجبال «5»
الأربعة فكذلك يبعث اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الناس من أرباع
الأرض كلها ونواحيها وكان هَذَا بالشام وكان أمر الطير قبل أن
يكون له ولد وقبل أن تنزل عليه الصحف وهو ابْن خمس وسبعين سنة
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يعني في طاعة الله- عَزَّ وَجَلّ- كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ يَقُولُ أخرجت سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ
سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ واسِعٌ لتلك الأضعاف عَلِيمٌ- 261- بما تنفقون
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ
لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ- 262-[عند] الموت نزلت فى عثمان ابن عَفَّان-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فِي نفقته فِي غزاة تبوك وَفِي شرائه
«6» رومة ركية بالمدينة وتصدقه «7» بها عَلَى الْمُسْلِمِين،
وَفِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ- رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ- حين تصدق بأربعة آلاف دِرْهَم كُلّ دِرْهَم مثقال وكان
نصف ماله.
__________
(1) فى أ، ل: يخالف.
(2) فى ل: فقت، أ: ففقمت.
(3) الأنسب وقرقرت الحمامة.
(4) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(5) فى أ: الأجبال.
(6) فى أ: شراء.
(7) فى أ: وتصدق.
(1/219)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ يعني قول حسن يعني دعاء
الرجل [45 ب] لأخيه المسلم إذا جاء وهُوَ فقير يسأله فلا يعطيه
شيئًا يدعو بالخير لَهُ وَمَغْفِرَةٌ يعني وتجاوز عَنْهُ
خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يعطيه إياها يَتْبَعُها أَذىً يعني المن
وَاللَّهُ غَنِيٌّ عما عندكم من الصدقة حَلِيمٌ- 263- حين لا
يعجل بالعقوبة عَلَى من يمن بالصدقة ويؤذي فيها المعطى يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالْأَذى يَقُولُ يمن بها فَإِن ذَلِكَ أذى
لصاحبها وكل صدقة يمن بها صاحبها عَلَى المعطى فَإِن المن
يبطلها «1» فضرب اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مثل لذلك: كَالَّذِي
«2» يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
يَقُولُ وَلا يصدق بأنه واحد لا شريك لَهُ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يَقُولُ وَلا يصدق بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال
أَنَّهُ كائن فمثله يعني مثل الَّذِي يمن «3» بصدقته كمثل مشرك
أنفق ماله فِي غَيْر إيمان فأبطل شركه الصدقة كَمَا أبطل المن
والأذى صدقة الْمُؤْمِن ثُمّ أخبر عمن مَنَّ بها عَلَى صاحبه
فلم يعط عَلَيْهَا أجرا وَلا ثوابا ثُمّ ضرب اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- لهما مثلا فَقَالَ فِي مثله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
صَفْوانٍ يعني الصفا عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ يعني
المطر الشديد فَتَرَكَهُ صَلْداً يَقُولُ ترك المطر الصفا صلدا
نقيا أجرد لَيْسَ عَلَيْه تراب فكذلك المشرك الَّذِي ينفق فِي
غَيْر إيمان وينفق رئاء الناس وكذلك صدقة الْمُؤْمِن إذا منَّ
بها، وذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ
مِمَّا كَسَبُوا يقول لا يقدرون على ثواب شيء مما أنفقوا يَوْم
الْقِيَامَة وذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ- مَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ
الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا
عَلى ثواب شَيْءٍ «4» يَوْم الْقِيَامَة كَمَا لَمْ يبق عَلَى
الصفا شيء من التراب حين أصابه المطر
__________
(1) فى أ: فإنه يبطله المن.
(2) فى أ: الذي.
(3) فى أ: ينفق، ل: يمن.
(4) سورة إبراهيم: 18.
(1/220)
الشديد وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكافِرِينَ- 264- ثُمّ ذكر نفقة الْمُؤْمِن الذي يريد بنفقته
وجه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا يمن بها فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ
ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يعني وتصديقا من قلوبهم فهذا مثل نفقة الْمُؤْمِن التي «1»
يريد بها وجه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا يمن بها كَمَثَلِ
جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ يعني بستان فِي مكان مرتفع مستو «2» تجري
من تحتها الأنهار أَصابَها «3» يعني أصاب الجنة وابِلٌ يعني
المطر الكثير الشديد فَآتَتْ أُكُلَها يَقُولُ أضعفت ثمرتها
فِي الحمل ضِعْفَيْنِ فكذلك الذي ينفق ماله للَّه- عَزَّ
وَجَلّ- من غير من يضاعف لَهُ نفقته إن كثرت أَوْ قَلّت كَمَا
أن المطر إذا اشتد أَوْ قل أضعف ثمرة الجنة حين أصابها وابل
فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ أَي أصابها عطش من المطر
وَهُوَ الرذاذ مثل الندى [46 أ] وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
يعني بما تنفقون بَصِيرٌ- 265- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ هَذَا مثل ضربه- عَزَّ وَجَلّ- لعمل
الكافر: جنة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ
الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ يعني عجزة لا حيلة لهم
فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ يعني ريح فيها نار يعني فيها
سموم حارة فَاحْتَرَقَتْ يَقُولُ مثل الكافر كمثل شيخ كبير
لَهُ بستان فِيهِ من كُلّ الثمرات وَلَهُ ذرِّيَّة أولاد صغار
يعني عجزة لا حيلة لهم فمعيشته ومعيشة ذريته من بستانه فأرسل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عَلَى بستانه السموم الحارة فأحرقت
بستانه فلم يَكُنْ لَهُ قوة من كبره أن يدفع عن جنته، وَلَم
تستطع ذريته الصغار أن يدفعوا عن جنتهم التي كانت معيشتهم منها
حين احترقت، وَلَم يكن للشيخ قوة أن يغرس
__________
(1) فى أ: الذي.
(2) فى أ: مستوى. [.....]
(3) ساقطة من أ، ل.
(1/221)
مثل جنته وَلَم يَكُنْ عِنْد ذريته خير
فيعودون به على أبيهم عند ما كان أحوج «1» إلى خير يصيبه، وَلا
يجد خيرًا، وَلا يدفع عن نفسه عذابا كَمَا لَمْ يدفع الشَّيْخ
الكبير وَلا ذريته عن جنتهم شيئًا حين احترقت وَلا يرد الكافر
إلى الدُّنْيَا فيعتب كَمَا لا يرجع الشَّيْخ الكبير شابا
فيغرس جنة مثل جنته وَلَم يقدم لنفسه خيرًا، فيعود عَلَيْه فِي
الآخرة وَهُوَ أحوج ما يَكُون «2» إِلَيْهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ
عِنْد ولده شيئًا فيعودون به عَلَى أبيهم، ويحرم الخير فِي
الآخرة عِنْد شدة حاجته إليه كما حرم «3» جنته عند ما كان أحوج
ما يَكُون إليها عِنْد كبر سنه وضعف ذريته كَذلِكَ يعني هكذا
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ يعني يبين اللَّه أمره
لَعَلَّكُمْ «4» يَقُولُ لكي تَتَفَكَّرُونَ- 266- فِي أمثال
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فتعتبروا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ يَقُولُ أنفقوا من
الحلال مما رزقناكم من الأموال الفضة والذهب وغيره وَمِمَّا
أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وأنفقوا من طيبات الثمار
والنبات.
وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم-: أمر الناس بالصدقة قبل أن تنزل
آية الصدقات فجاء رَجُل بعزق «5» من تمر عامته حشف فوضعه فِي
المسجد مَعَ التمر فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: من جاء بِهَذَا فقالوا لا ندري «فأمر النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعلق العزق» «6»
فَمنْ نظر إِلَيْهِ قَالَ بئس ما صنع صاحب هَذَا «7» فَقَالَ
الله- عز وجل-: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ يَقُولُ وَلا
تعمدوا إلى الحشف من التمر الرديء من طعامكم للصدقات مِنْهُ
تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ
__________
(1) فى أ، ل: عند أحوج ما كان.
(2) فى أ، ل: كان.
(3) فى أ: أحرمه، ل: حرم.
(4) ساقطة من أ، ل.
(5) فى أ: بعذق، ل: بعرق.
(6) فى أ: فأمر النبي- صلى الله عليه فعلق.
(7) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 41. وفى أسباب النزول
للواحدي: 48.
(1/222)
يعني الرديء بسعر الطيب لأنفسكم يَقُولُ لو
كان لبعضكم عَلَى بعض حق لَمْ يأخذ دون حقه، ثُمّ استثنى
فَقَالَ. إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يقول [46 ب] إِلَّا أن
يهضم بعضكم عَلَى بعض حقه فيأخذ دون حقه وَهُوَ يعلم أَنَّهُ
رديء فيأخذه «1» عَلَى علم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عما عندكم من الأموال حَمِيدٌ- 267- عِنْد خلقه فى ملكه
وسلطانه. ثم قال- سبحانه-: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ
عِنْد الصدقة ويأمركم أن تمسكوا صدقتكم: فلا تنفقوا فلعلكم
تفتقرون «2» وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ يعني المعاصي يعني
بالإمساك عن الصدقة وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ عِنْد الصدقة
مَغْفِرَةً مِنْهُ لذنوبكم ويعدكم وَفَضْلًا يعني الخلف من
صدقتكم فيجعل لَكُم الخلف بالصدقة فِي الدُّنْيَا ويغفر لَكُم
الذنوب فِي الآخرة وَاللَّهُ واسِعٌ لذلك الْفَضْل عَلِيمٌ-
268- بما تنفقون. وذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فِي التغابن إِنْ
تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «3» يعني به الصدقة محتسبا
طيبة بها نفسه يضاعفه لَكُمْ فِي الدُّنْيَا، ويغفر لَكُمْ
بالصدقة فِي الآخرة يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ
يُؤْتَ الْحِكْمَةَ يَقُولُ ومن يعط الحكمة وهي علم القرآن «4»
والفقه فيه فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً يَقُولُ فقد أعطى
خيرًا كثيرًا وَما يَذَّكَّرُ فيما يسمع إِلَّا أُولُوا
الْأَلْبابِ- 269- يعني أَهْل اللب والعقل. ثُمّ قَالَ: وَما
أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ من خير من أموالكم فِي الصدقة أَوْ
نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فى حق فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ
يَقُولُ فَإِن اللَّه يحصيه وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصارٍ- 270- يعنى للمشركين من مانع من النار. قوله-
سبحانه-: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ يَقُولُ إن تعلنوها
فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها
__________
(1) فى أ: فيأخذ.
(2) فى أ: فلا تنفقوا ولعلكم تتقون. والمثبت من ل.
(3) سورة التغابن: 17 وتمامها إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً
حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ
شَكُورٌ حَلِيمٌ.
(4) فى أ: على، ل: علم
(1/223)
يعني تسروها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من العلانية وأعظم أجرا يضاعف سبعين ضعفا
«1» وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ بصدقات السر والعلانية مِنْ
سَيِّئاتِكُمْ من ذنوبكم يعنى ذنوبكم أجمع ومن هاهنا صلة: وكل
مقبول: السر والعلانية وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ
سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 271-
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ نزلت فِي المشركين، لأنه يأمر بالصدقة عليهم من غَيْر
زكاة، نزلت فِي أسماء بِنْت أَبِي بَكْر- رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ- سَأَلت النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن صلة جدها أَبِي قحافة وعن صلة امرأته وهما كافران فكأنه شق
عَلَيْه «2» صلتهما فنزلت «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ» يعني أبا
قحافة وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى دينه
الْإِسْلام وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يعني المال
فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ
اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يعني المال يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ يعني توفر لَكُمْ أعمالكم وَأَنْتُمْ لا
تُظْلَمُونَ- 272- فيها ثُمّ بين عَلَى من ينفق فَقَالَ:
النفقة لِلْفُقَراءِ «3» الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يَقُولُ حبسوا نظيرها فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «4» يعني
حبستم. وأيضا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «5»
يعني محبسا. الَّذِينَ أُحْصِرُوا حبسوا أنفسهم بالمدينة [47
أ] فِي طاعة اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فهم أصحاب الصفة. قَالَ
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عن أبيه عن هذيل بن حبيب عن مقاتل ابن
سُلَيْمَان: منهم ابْن مَسْعُود وأَبُو هُرَيْرَة والموالي
أربعمائة رجل لا أموال لهم
__________
(1) فى أ: زيادة يعنى.
(2) فى أ: عليها. وفى أسباب النزول للسيوطي: 42 هذه القصة
وأضاف فيها المشقة إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم. [.....]
(3) فى أ: للفقراء المهاجرين.
(4) سورة البقرة: 196 وأولها وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ.
(5) سورة الإسراء: 8 وتمامها عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ
وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ
حَصِيراً.
(1/224)
بالمدينة، فإذا كان الليل آووا إلى صفة
المسجد فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالنفقة عليهم لا
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يعني سيرا كقوله-
سُبْحَانَهُ- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ «1» يعني إذا
سرتم فِي الأرض يعني التجارة يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ بأمرهم
وشأنهم أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ
يعني بسيما الفقر عليهم لتركهم المسألة لا يَسْئَلُونَ
النَّاسَ إِلْحافاً فيلحفون فِي المسألة وَما تُنْفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ يعني من مال كقوله- عَزَّ وَجَلّ- إِنْ تَرَكَ خَيْراً
«2» يعني مالا للفقراء أصحاب الصفة فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ
عَلِيمٌ- 273- يعني بما أنفقتم عليم. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوالَهُمْ فى الصدقة بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا
وَعَلانِيَةً
نزلت في علي بن أبي طالب- رضي اللَّه عَنْهُ- لَمْ يَمْلك
غَيْر أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا وبدرهم سرا،
وبدرهم علانية، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حملك عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: حملني أن
أستوجب من اللَّه الَّذِي وعدني. فقال النبي- صلى الله عليه
وسلم-:
الآن لك ذَلِكَ قَالَ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِيهِ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ
سِرًّا وَعَلانِيَةً «3»
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 274- عند الموت الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبا استحلالا
__________
(1) سورة النساء: 101.
(2) سورة البقرة: 180.
(3) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 50.
وقال السيوطي فى أسباب النزول: 42 (أخرج عبد الرزاق وابن جرير
وابن أبى حاتم والطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال: نزلت هذه
الآية في علي بن أبي طالب، كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل
درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما.
وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب قال: الآية نزلت فى عبد الرحمن
بن عوف وعثمان بن عفان فى نفقتهما فى جيش العسرة.
فإسناد الإنفاق إلى على سنده ضعيف. ومقاتل نفسه شيعى زيدي وفى
تفسيره: يروى الآثار الواردة فى حق على ولو كان سندها ضعيفا) .
(1/225)
لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ فِي الدُّنْيَا وذلك
علامة أكل الربا ذلِكَ الَّذِي نزل بهم يوم الْقِيَامَة
بِأَنَّهُمْ قالُوا «1» إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا
فأكذبهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ: وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فكان الرَّجُل إذا حل ماله فطلبه
فيقول المطلوب زدني فِي الأجل، وأزيدك عَلَى مَالِك، فيفعلان
ذَلِكَ فإذا قِيلَ لهم إن هَذَا ربا، قالوا: سواء زدت فى أول
البيع أَوْ فِي آخره عِنْد محل المال فهما سواء فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فَقَالَ
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني البيان
فِي القراءة فَانْتَهى عن الربا فَلَهُ ما سَلَفَ يَقُولُ ما
أكل من الربا قبل التحريم وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ بعد
التحريم وبعد تركه. إن شاء عصمه من الربا وإن شاء لَمْ يعصمه
قَالَ: وَمَنْ عادَ فأكله استحلالا، لقولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ
مثل الربا. يخوف أكلة الربا فِي الدُّنْيَا أن يستحلوا أكله
فقال [47 ب] : فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ- 275- لا يموتون. ثم قال- سبحانه-:
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا فيضمحل وينقص وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ
يعني ويضاعف الصدقات «2» وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ- 276- بربه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ المكتوبة فِي
مواقيتها وَآتَوُا الزَّكاةَ يعني وأعطوا الزكاة من أموالهم
لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 277- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَلا تعصوه وَذَرُوا يعني واتقوا مَا بَقِيَ
مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 278-
__________
(1) فى أ: لأنهم. وفى حاشية أ: القراءة بأنهم.
(2) فى أ: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ
فيضمحل وينقص وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يعني ويضاعف الصدقات.
(1/226)
نزلت فِي أربعة إخوة من ثقيف «1» مَسْعُود،
وحبيب، وربيعة، وعبد ياليل، وهم بنو عمرو بن عُمَيْر بن عَوْف
الثَّقَفيّ كانوا يداينون بني المُغِيرَة بن عَبْد اللَّه بن
عُمَر ابن مَخْزُوم. وكانوا يربون «2» لثقيف فَلَمَّا أظهر
اللَّه- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- عَلَى الطائف
اشترطت ثقيف أن كل ربا لهم عَلَى الناس فهو لهم وكل ربا للناس
عليهم فهو مَوْضُوع عَنْهُمْ فطلبوا رباهم إلى بني المُغِيرَة
فاختصموا إلى عتاب بن أسيد بن أَبِي العيص بن أمية-
كان النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمله
عَلَى مكة. وقَالَ لَهُ: أستعملك عَلَى أَهْل اللَّه.
وقالت بنو المُغِيرَة: أجعلنا أشقى الناس بالربا، وَقَدْ وضعه
عن الناس؟ فقالت ثقيف:
إنا صالحنا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
لنا ربانا فكتب عتاب إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي المدينة «3» . بقصة الفريقين. فأنزل الله-
تبارك وتعالى- بالمدينة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني
ثقيفا «اتَّقُوا اللَّهَ» «4» وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا
الآية. لأنه لَمْ يبق غَيْر رباهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
فأقروا بتحريمه فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وتقروا بتحريمه
فَأْذَنُوا يعني فاستيقنوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
يعني الكفر وَإِنْ تُبْتُمْ من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ التي أسلفتم لا تزدادوا لا
تَظْلِمُونَ أحدا إذا لَمْ تزدادوا عَلَى أموالكم وَلا
تُظْلَمُونَ- 279- فتنقصون من رءوس أموالكم. فبعث النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذه الآية إلى عتاب بن
أُسَيْد بمكة فأرسل عتاب إلى بني عمرو بن عُمَيْر فقرأ عليهم
الآية. فقالوا: بل نتوب إلى الله- عز وجل
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 50، 51. وفى أسباب
النزول للسيوطي: 42.
(2) فى أ: يدينون. وفى الواحدي: يربون.
(3) فى أ: إلى.
(4) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أ، ل.
(1/227)
- ونذر ما بقي من الربا فَإنَّهُ لا يدان
«1» لنا بحرب اللَّه ورسوله فطلبوا رءوس أموالهم إلى بني
المُغِيرَة فاشتكوا العسرة. فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
وَإِنْ كانَ المطلوب ذُو عُسْرَةٍ من القوم يعني بني
المُغِيرَة فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ يَقُولُ فأجله إلى غناه
كقوله- سُبْحَانَهُ- أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «2»
يقول أجلنى وَأَنْ تَصَدَّقُوا [48 أ] به كله عَلَى بني
المُغِيرَة وهم معسرون فلا تأخذونه فهو خَيْرٌ لَكُمْ من أخذه
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 280- وَاتَّقُوا يَوْماً يخوفهم
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى يعني «3»
تُوفى كُلُّ نَفْسٍ بر وفاجر ثواب ما كَسَبَتْ من خير وشر
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 281- فِي أعمالهم وهذه آخر آية نزلت من
القرآن، ثُمّ تُوُفّي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم- بعدها بتسع ليال، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ يعني
اكتبوا الدّين والأجل وَلْيَكْتُبْ الكاتب بين البائع والمشترى
بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ يعدل بَيْنَهُمَا فِي كتابه فلا
يزداد عَلَى المطلوب وَلا ينقص من حق الطالب وَلا يَأْبَ
كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ الكتابة وذلك أن
الكتاب كانوا قليلا عَلَى عهد رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فَلْيَكْتُبْ الكاتب وَلْيُمْلِلِ
عَلَى الكاتب الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يعني المطلوب ثُمّ خوف
المطلوب فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ
وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً يعني وَلا ينقص المطلوب من الحق
شيئًا كقوله- عَزَّ وَجَلّ-:
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ «4» فَإِنْ كانَ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً يعني جاهلا بالإملاء أَوْ
ضَعِيفاً يعني أَوْ عاجزا أَوْ به حمق أَوْ لا يَسْتَطِيعُ
أَنْ يُمِلَّ هُوَ لا يعقل الإملاء لعيه أو لخرسه أَوْ لسفهه
ثُمّ رجع إلى الَّذِي لَهُ الحق فقال
__________
(1) فى أ: لا يداين. وفى أسباب النزول للواحدي: لا يدان.
(2) سورة الأعراف: 14. [.....]
(3) هكذا فى أ.
(4) سورة الأعراف: 85.
(1/228)
- سُبْحَانَهُ-: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ
يعني وَلِي الحق فليملل هُوَ بِالْعَدْلِ يعني بالحق وَلا
يزداد شيئًا وَلا ينقص كَمَا قَالَ للمطلوب قبل ذَلِكَ وأمر
كليهما بالعدل، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَاسْتَشْهِدُوا
عَلَى حقكم شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَداءِ يَقُولُ وَلا يشهد الرَّجُل عَلَى حقه إِلَّا
مرضيا إن كان «1» الشاهد رَجُلا أَوْ امرأة. ثُمّ قَالَ: أَنْ
تَضِلَّ المرأة يعني أن تنسى إِحْداهُما الشهادة فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الشهادة الْأُخْرى يَقُولُ تذكرها المرأة الأخرى
التي حفظت شهادتهما ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا يَقُولُ إذا ما دعي
الرَّجُل ليستشهد عَلَى أَخِيهِ فلا يأب إن كان فارغا. ثُمّ
قال: وَلا تَسْئَمُوا يَقُولُ ولا تملوا وكل شيء في القرآن
تسأموا يعني تملوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً
يعني قليل الحق وكثيره إِلى أَجَلِهِ لأن الكتاب أحصى للأجل
وأحفظ للمال ذلِكُمْ يعني الكتاب أَقْسَطُ يعني أعدل عِنْدَ
اللَّهِ وَأَقْوَمُ يعنى وأصوب لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا
تَرْتابُوا يعني وأجدر ألا تشكوا نظيرها «ذلِكَ أَدْنى أَنْ
يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ» «2» أَيّ أجدر «3» .
ونظيرها فِي الأحزاب «ذلِكَ أَدْنى» [48 ب] يعنى أجدر أَنْ
تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ «4» فِي الحق والأجل وَالشَّهَادَةِ إذا
كان مكتوبا ثُمّ رخص فِي الاستثناء فَقَالَ:
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها
بَيْنَكُمْ وليس فيها أجل فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ
__________
(1) فى حاشية أ: يحتمل أنه وامرأتين.
(2) سورة المائدة: 108.
(3) فى أ: ذلك أدنى- أجدر- أن يأتوا بالشهادة.
(4) سورة الأحزاب: 51 وتمامها تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ
وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ
عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ
أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ
كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ
اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً.
(1/229)
يعني حرج أَلَّا تَكْتُبُوها يعني التجارة
الحاضرة إذا كَانَتْ يدا بيد عَلَى كُلّ حال وَأَشْهِدُوا
عَلَى حقكم إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا
شَهِيدٌ يَقُولُ لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد فيدعوهما
إلى الكتابة وَالشَّهَادَةِ ولهما حاجة: فيقول اكتب لي فَإِن
اللَّه أمرك أن تكتب لي فيضاره بِذَلِك وهو يجد غيره،
وَيَقُولُ للشاهد وَهُوَ يجد غيره اشهد لي عَلَى حقي، فَإِن
الله قَدْ أمرك أن تشهد عَلَى حقي، وَهُوَ يجد غيره من يشهد
لَهُ عَلَى حقه فيضاره بِذَلِك، فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن
يتركا لحاجتهما ويلتمس غيرهما وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ
فُسُوقٌ بِكُمْ يَقُولُ وإن تضاروا الكاتب والشاهد وما نهيتم
عَنْهُ فَإنَّهُ إثم بكم، ثُمّ خوفهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تعصوه فيهما وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 282- من أعمالكم عليم. ثُمّ
قَالَ: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً
فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ يَقُولُ إذا لَمْ يَكُن الكاتب والصحيفة
حاضرين «1» فليرتهن الَّذِي عَلَيْه الحق من المطلوب فَإِنْ
أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي السَّفَر فَإِن كان الَّذِي
عَلَيْه الحق أمينا عِنْد صاحب الحق فلم يرتهن منه لثقته به،
وحسن ظنه [فَلْيُؤَدِّ ذَلِكَ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ
يَقُولُ ليرد عَلَى صاحب الحق حقه حين ائتمنه وَلَم يرتهن منه.
ثُمّ خوفه اللَّه- عز وجل- فقال: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ
يعني الَّذِي عَلَيْه الحق «2» ] . ثُمّ رجع إلى الشهود فقال:
وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ عِنْد الحاكم يَقُولُ من أشهد
عَلَى حق فليشهد بها عَلَى وجهها كَمَا كَانَتْ عِنْد الحاكم
__________
(1) فى أ، ل: حاضر.
(2) فى أ، ل: ما بين الأقواس [فخوفه الله- عز وجل- فقال:
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ يعنى الذي عليه الحق «فليؤد» ذلك الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ يَقُولُ ليرد عَلَى صاحب الحق حقه حين
ائتمنه ولم يرتهن منه] وهو مخالف لترتيب القرآن. فعدلته.
(1/230)
فلا تكتموا الشهادة، قال: (وَمَنْ
يَكْتُمْها) ولا يشهد بها عند الحاكم فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من كتمان الشهادة وإقامتها
عَلِيمٌ- 283- لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
من الخلق عبيده وَفِي ملكه يقضي فيهم ما يريد وَإِنْ تُبْدُوا
مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يقول إن تعلنوا بألسنتكم
ما فِي قلوبكم من ولاية الكفار والنصيحة أَوْ تسروه
يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من
العذاب والمغفرة قَدِيرٌ- 284- فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية
قَالَ المسلمون: يا رَسُول اللَّه، إنا نحدث أنفسنا بالشرك
والمعصية، أفيحاسبنا اللَّه بها وَلا نعملها؟ فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- فِي قولهم فِي التقديم لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يَقُولُ لا يكلفها من العمل إِلَّا ما
أطاقت لَها ما كَسَبَتْ من الخير [49 أ] وما عملته وتكلمت به
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من الإثم. فنسخت هَذِهِ الآية
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «1» قَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ:
إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تجاوز عن أمتي ما حدثوا به أنفسهم ما
لم يعملوه أو يتكلموا به. قوله- سُبْحَانَهُ-: آمَنَ
الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ يَقُولُ صدق
محمد بما أنزل إِلَيْهِ من ربه من القرآن، ثُمّ قَالَ:
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ يَقُولُ كُلّ صدق
بِاللَّه بأنه واحد لا شريك له وَصدق ب مَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ يَقُولُ لا يكفر بأحد من رسله فكل
هَذِهِ الرسل صدق بهم المؤمنون لا نُفَرِّقُ «2» بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ رُسُلِهِ كفعل أَهْل الكتاب آمنوا ببعض الكتب وببعض الرسل
فذلك التفريق فأما اليهود فآمنوا بموسى وبالتوراة وكفروا
بالإنجيل والقرآن، وأما النَّصارى فآمنوا بالتوراة والإنجيل
وبعيسى- صلى الله
__________
(1) فى أ: يحاسبكم الله.
(2) فى أ: ثم لم يفرقوا.
(1/231)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكفروا بمحمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالقرآن وَقالُوا «1» فَقَالَ
المؤمنون بعد ذَلِكَ: سَمِعْنا قول ربنا فِي القرآن وَأَطَعْنا
أمره. ثم قال لهم بعد ما أقروا بالنَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكتب: أن غُفْرانَكَ رَبَّنا يَقُولُ
قولوا وأعطنا مغفرة منك يا ربنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ- 285-
يَقُولُ المرجع إليك فى الآخرة. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يَقُولُ لا يكلفها
من العمل إِلَّا ما أطاقت لَها ما كَسَبَتْ من الخير وما عملت
أَوْ تظلمت به وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من الإثم ثُمّ علم
جبريل «2» النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يَقُولُ: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا
يَقُولُ إن جهلنا عن شيء أَوْ أخطأنا، فتركنا أمرك قَالَ
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: ذَلِكَ لك. ثُمّ قَالَ: رَبَّنا وَلا
تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً يعني عهدا كَما حَمَلْتَهُ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ما كان حرم عليهم من لحوم الإبل وشحوم
الغنم ولحوم كُلّ ذِي ظفر يَقُولُ لا تفعل ذَلِكَ بأمتي
بذنوبها كَمَا فعلته ببني إِسْرَائِيل فجعلتهم قردة وخنازير
قَالَ اللَّه- تَعَالَى-: ذَلِكَ لك.
ثُمّ قَالَ: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لا طاقَةَ لَنا بِهِ
وَاعْفُ عَنَّا يَقُولُ واعف عنا من ذَلِكَ وَاغْفِرْ لَنا
يَقُولُ وتجاوز عنا، عن ذنوبنا من ذَلِكَ كله واغفر
وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا يَقُولُ أَنْت ولينا فَانْصُرْنا
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ- 286- يعني كفار مكة وغيرها إلى
يوم الْقِيَامَة قَالَ اللَّه- تَعَالَى-: ذَلِكَ لك. فاستجاب
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَهُ ذَلِكَ فيما سَأَلَ وشفعه فِي أمته
وتجاوز لها عن الخطايا والنسيان وما استكرهوا عَلَيْه.
فَلَمَّا نزلت قرأهن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى أمته وأعطاه الله- عز وجل-[49 ب] هَذِهِ
الخصال كلها فِي الآخرة وَلَم يعطها أحدا من الأمم الخالية.
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) فى أ: جبريل عليه السلام.
(1/232)
قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثابت، قال:
حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ عن مُقَاتِلٍ، قَالَ:
بلغني أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- كتب كتابا قبل أن يخلق السموات
والأرض بألفي عام فهو عنده على العرش فأنزل منه آيتين ختم بهما
سورة البقرة آمَنَ الرَّسُولُ ...
إلى آخرها. فَمنْ قرأها فِي بيته لَمْ يدخله الشَّيْطَان ثلاثة
أيام ولياليهن.
قَالَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عن
الْهُذَيْلِ أَبِي صَالِح عن مُقَاتِلٍ بن سُلَيْمَان فِي
قوله:
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضاعِفَهُ لَهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الدحداح:
يا رَسُول اللَّهِ إن تصدقت بصدقة أفلي مثلها فِي الجنة؟
قَالَ: نعم. قَالَ: والصبية معي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وأم
الدحداح معي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وكان لَهُ حديقتان إحداهما
تسمى الجنة، والأخرى الجنينة وكانت الجنينة أفضل من الجنة.
قَالَ:
يا رَسُول اللَّهِ، أشهد بأني قَدْ تصدقت بها عَلَى الفقراء
أَوْ بعتها من اللَّه ورسوله فَمنْ يقبضها (قَالَ وجاء إلى باب
الحديقة فتحرج أن يدخلها إذ جعلها للَّه ورسوله فصاح «1» » :
«يا أم الدحداح هداك الهادي إلى سبيل القصد والرشاد بيني من
الحائط الَّذِي بالوادي» «2» فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته
اللَّه عَلَى اعتماد طوعا بلا من وَلا ارتداد إِلَّا رجاء
الضعف فِي الميعاد «فودعي الحائط وداع العاد» «3»
__________
(1) فى ل: ... عن مقاتل بن سليمان قال: فوقف أبى (كذا) الدحداح
على باب الحديقة ومعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليستلمها
منه فنادى يا أم الدحداح هداك الهادي ... والمثبت من أ.
(2) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أومثبت فى ل. [.....]
(3) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أومثبت فى ل.
(1/233)
واستيقني وفقت للرشاد فارتحلي بالفضل
والأولاد إن التقى والبر خير زاد قدمه المرء إلى المعاد «1»
فأجابته: ربح بيعك واللَّه لولا شرطك ما كان لك منه إِلَّا
مَالِك. وأنشأت تَقُولُ «2» مثلك أحيا ما لديه ونصح وأشهر الحق
إذا الحق وضح قَدْ منح اللَّه عيالي ما صلح بالعجوة السوداء
والزهر «3» البلح واللَّه أولى بالذي كان منح مَعَ واجب الحق
ومع ما قد صرح والعبد يسعى وَلَهُ ما قَدْ كدح طول الليالي
وعليه ما اجترح قَالَ: ثُمّ خرجت وجعلت تنفض ما فِي أكمام
الصبيان، وتخرج ما فِي أفواههم، ثُمّ خرجوا وسلموا الحديقة إلى
النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كم من نخلة [150 أ] لأبي الدحداح مدلا
عذوقها فِي الجنة لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما
أقلوه «4» .
__________
(1) فى أ: للمعاد، والمثبت من ل.
(2) فى أ: وأنشأ، ل: وأنشأت.
(3) فى أ: الزهو، ل: الزهر.
(4) قصة أبى الدحداح أوردها ابن كثير ج 1: 229 عند تفسيره
لقوله- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً
حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ
يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
سورة البقرة: 245.
(1/234)
|