تفسير مقاتل بن
سليمان سورة آل عمران
(1/235)
[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 200]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
(2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما
بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا
فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ
كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ
مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ
تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا
الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا
رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ
وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ
وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ
بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ
لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ
الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ
وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا
ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ
وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا
الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسابِ (19)
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ
اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ
اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ
(21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ
إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى
فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ
وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (24)
فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
(25) قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ
تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ
تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ
وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ
مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي
صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) قُلْ إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ
عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ
بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ
مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ
إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ
الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما
دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها
رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ
حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ
لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ
الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ
يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ
ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ
أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكارِ (41) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ
الْعالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي
وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ
وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى
يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ
اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما
يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً
إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ
اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ
الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ
وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ
وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ
عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ
قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنا
آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا
مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54)
إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ
إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ
الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ
أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ
نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ
مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا
وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ
اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ
(63) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ
بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً
أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما
أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ
أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ
بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
(66) مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا
وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ
أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (69)
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ
إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا
أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ
واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ
لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ
سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً
أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ
لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (78) مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ
الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ
كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا
رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ
وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ
إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ
النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى
ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ
ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ
اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ
عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ
مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) كَيْفَ
يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ
وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ
جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ
الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا
كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ
الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ
ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ
شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعامِ
كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ
إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ
التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(94)
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ
حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ
بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً
لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ
وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) قُلْ يا
أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ
شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ
لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها
عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (99)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ
كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى
عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ
يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ
النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (104)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ
بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ
فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ
آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الْأُمُورُ (109)
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً
لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ
(110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ
يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ
مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا
يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ
وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ
الصَّالِحِينَ (114)
وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ
الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا
يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا
يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا
لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119)
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ
سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ
تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ
تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ
أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ
آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ
فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ
مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ
إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا
النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
(126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ
يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ
وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا
أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(134)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ
جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً
وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (139)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ
مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَما مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ
مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ
قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما
أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا
اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ
قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا
ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا
وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ
اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى
أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149)
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً
وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي
الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا
تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ
لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ
عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ
فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا
فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ
الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ
بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ
هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ
كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ
لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما
قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ
الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ
وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا
فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا
كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا
ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا
عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ
حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ
وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ
أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِما
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ
يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَما
كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما
غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ
رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ
وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ
عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163)
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(164)
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَما
أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ
نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً
لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ
لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا
مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
(170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ
وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ
وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ
اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا
تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلا
يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ
يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ
بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ (177) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما
نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ
لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) مَا كانَ
اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي
مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ
سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ
سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما
قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ
لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ
إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا
بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ
مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ
قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) فَإِنْ
كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (184)
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ
أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا
إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
(187) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا
وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا
تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلاً سُبْحانَكَ
فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ
النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي
لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا
فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا
وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا مَا
وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ
إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194)
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا
فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ
الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198)
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ
لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً
أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ
سَرِيعُ الْحِسابِ (199)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا
وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
(1/237)
سورة آل عمران «1»
__________
(1) (مضمون السورة) ومضمون هذه السورة مناظرة وفد نجران (بلد
فى اليمن من ناحية مكة) ، إلى نحو ثمانين آية من أولها، وبيان
المحكم والمتشابه، وذم الكفار، ومذمة الدنيا وشرف العقبى، ومدح
الصحابة وشهادة التوحيد، والرد على أهل الكتاب وحديث ولادة
مريم، وحديث كفالة زكريا، ودعائه، وذكر ولادة عيسى ومعجزاته،
وقصة الحواريين آية (52) وخبر المباهلة آية (61) والاحتجاج على
النصارى، ثم أربعون آية فى ذكر المرتدين ثم خيانة علماء
اليهود، وذكر الكعبة ووجوب الحج، واختيار هذه الأمة الفضلى
والنهى عن موالاة الكفار، وأهل الكتاب ومخالفي الملة الإسلامية
ثم خمس وخمسون آية فى قصة حرب أحد (من الآية 121) وفى الشكوى
من أهل المركز، وعذر المنهزمين، ومنع الخوض فى باطل المنافقين.
والطعن على علماء اليهود والشكوى منهم فى نقض العهد وترك
بيانهم نعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المذكور فى التوراة
ثم دعوات الصحابة، وجدهم فى حضور الغزوات واغتنامهم درجة
الشهادة، وختم السورة بآيات الصبر والمصابرة والرباط (انظر:
بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي تحقيق
الأستاذ محمد على النجار ص 159، 160.) .
(1/261)
سورة آل عمران مدنية كلها وهي مائتا آية
باتفاق بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ،
حَدَّثَنِي أَبِي عن الْهُذَيْلِ عن مُقَاتِلٍ، أَنَّهُ «1»
اجتمعت نصارى نجران، فمنهم السيد والعاقب، فقالوا: نشهد أن
عِيسَى هُوَ اللَّه. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تكذيبا
لقولهم الم- 1- يخبره «2» أَنَّهُ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ- 2- يعني الحي الَّذِي لا يموت،
القيوم يعني القائم عَلَى كُلّ نفس بما كسبت نَزَّلَ عَلَيْكَ
الْكِتابَ يا محمد بِالْحَقِّ لَمْ ينزله باطلا يعني القرآن
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتاب يَقُولُ محمد-
عَلَيْه السَّلام-:
مصدق للكتب التي كَانَتْ قبله وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى
موسى وَالْإِنْجِيلَ- 3- على عيسى مِنْ قَبْلُ هَذَا القرآن
ثُمّ قَالَ: «التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» هما:
هُدىً لِلنَّاسِ يعني لبني إسرائيل من الضلالة. قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ يعني القرآن بعد التوراة
والإنجيل، والفرقان: يعني به المخرج فِي الدّين من الشبهة
والضلالة، فِيهِ بيان كُلّ شيء يَكُون إلى يوم الْقِيَامَة
نظيرها فِي الْأَنْبِيَاء وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ
الْفُرْقانَ «3» يعنى المخرج من الشبهات وفى البقرة.
__________
(1) فى ل: وذلك حين اجتمعت ... بدون ذكر السند. والمثبت من أ.
(2) أى يخبر النبي- صلى الله عليه وسلم.
(3) سورة الأنبياء: 48 وتمامها وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى
وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ.
(1/262)
وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ
«1» . ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِآياتِ اللَّهِ يعني القرآن وهم اليهود كفروا بالقرآن منهم
حيى وجدي وأبو ياسر بنو أخطب. وكعب بن الأشرف، وكعب بن
أُسَيْد، وزيد بن التابوه، وَغَيْرُهُمْ لَهُمْ عَذابٌ فِي
الآخرة شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ- 4- يعنى عزيز
فى ملكه منيع شديد الانتقام من أهل مكة هَذَا وعيد لمن خالف
أمره إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ
وَلا فِي السَّماءِ- 5- يعني شيء من أَهْل السماء، وَلا من
أَهْل الأرض: كُلّ ذَلِكَ عنده هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي
الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ نزلت فِي عِيسَى ابْن مريم- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلقه من غَيْر أب. ذكرا «2» وأنثى
سويا وغير سوي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ فِي ملكه
الْحَكِيمُ- 6- فِي أمره نزلت هَذِهِ الآية فِي قولهم وما
قَالُوا من البهتان والزور لعيسى «3» - صلى الله عليه وسلم. ثم
قال- سبحانه-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ
مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ يعمل بهن وهن الآيات التي فِي الأنعام
قوله- سُبْحَانَهُ- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [50 ب] إلى ثلاث آيات آخرهن
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «4» . يَقُولُ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ
يعنى أصل
__________
(1) سورة البقرة: 185 وأولها شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى
وَالْفُرْقانِ....
(2) فى أ: ولذكر. وفى ل: من غير أب ذكر وأنثى سويا وغير سوى.
(3) هكذا فى أ. ل، والأنسب عن عيسى.
(4) سورة الأنعام: 151، 152، 153 وهي: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ
مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِراطِي
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) .
(1/263)
الكتاب لأنهن فِي اللوح المحفوظ مكتوبات
وهن محرمات عَلَى الأمم كلها فِي كتابهم. وإنما تسمين أم
الكتاب لأنهن مكتوبات فِي جميع الكتب التي أنزلها اللَّه-
تبارك وتعالى- عَلَى جميع الْأَنْبِيَاء، وليس من أَهْل دين
إِلَّا وَهُوَ يوصي بهن. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَأُخَرُ
مُتَشابِهاتٌ آلم. المص. المر. الر.
شَبَّه عَلَى اليهود كم تملك هَذِهِ الأمة من السنين
والمتشابهات هَؤُلاءِ الكلمات الأربع فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ يعني ميل عن الهدى وَهُوَ الشك فهم اليهود
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ
يعني ابتغاء الكفر وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ يعني منتهى ما
يَكُون وكم يَكُون يريد بِذَلِك الملك. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ كم يملكون
من السنين يعني أمة محمد يملكون إلى يوم الْقِيَامَة إِلَّا
أياما يبتليهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالدجال. ثُمّ استأنف
فَقَالَ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يعني المتدارسون علم
التوراة فهم عَبْد الله بن سلام، وأصحابه [من] مؤمني أَهْل
التوراة يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا
يعني قليله وكثيره من عِنْد ربنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا
أُولُوا الْأَلْبابِ- 7- فما يسمع إلا أولو الألباب يعني من
كان لَهُ لب وعقل يعني ابْن سلام وأصحابه: فيعلمون أن كُلّ شيء
من هَذَا وغيره من عِنْد اللَّه، قَالَ ابْن سلام وأصحابه:
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا لا تمل
قلوبنا يعني لا تحول قلوبنا عن الهدى بعد ما هديتنا كَمَا أزغت
اليهود عن الهدى وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يعني من
عندك رحمة إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ- 8- للرحمة.
ثُمّ قَالَ ابْن سلام وأصحابه، رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ
النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ يعني ليوم الْقِيَامَة
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ- 9- فِي البعث بأنك تجمع
«1» الناس فِي الآخرة
__________
(1) فى أ: جامع وعليها شطب. والمثبت من ل. [.....]
(1/264)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود خاصة
نزلت فِي كَعْب بن الأشرف لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ يعني لا «1»
أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ- 10- يعنى اليهود كَدَأْبِ
آلِ فِرْعَوْنَ يعني كأشباه آل فرعون فِي التكذيب وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية قبل آل فرعون «2» والأمم
الخالية «3» قبل آل فرعون قوم نوح، وعاد، وثمود وقوم إبراهيم،
وقوم لوط، وقوم شعيب، كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بأنهم كذبوا
أيضا بالعذاب فِي الدُّنْيَا بأنه غَيْر نازل بهم فَأَخَذَهُمُ
اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ يعني فِي الدُّنْيَا فعاقبهم اللَّه
وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ- 11- يعنى إذا عاقب قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا [51 أ] من أَهْل مكة يوم بدر
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ فِي الآخرة
وَبِئْسَ الْمِهادُ- 12- يَقُولُ بئسما مهدوا لأنفسهم.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
للكفار. يوم بدر: إن اللَّه غالبكم وسوف يحشركم إلى جَهَنَّم
فَقَالَ أَبُو جهل: يا ابْن أَبِي كبشة هَلْ هَذَا إِلَّا مثل
ما كُنْت تحدثنا به، وقوله- سُبْحَانَهُ-: قَدْ كانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ وذلك أن بني قينقاع من اليهود أتوا
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد قتال بدر
يوعدونه القتال كَمَا قُتِل كفار مكة يوم بدر فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ مَعْشَر اليهود يعني
عبرة «فِي فِئَتَيْنِ» الْتَقَتا فئة المشركين وفئة
الْمُؤْمِنِين يوم بدر التقتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَهُوَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه يوم بدر وَأُخْرى كافِرَةٌ أَبُو جهل والمشركين
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رأت اليهود أن الكفار مثل
الْمُؤْمِنِين فِي الكثرة رَأْيَ الْعَيْنِ وكان الكفار يومئذ
سبعمائة رجل عليهم
__________
(1) المراد: لا تغنى عنهم، وفى ل: يعنى اليهود.
(2) فى أ: قوم فرعون. والمثبت من ل.
(3) فى أ: فى الأمم الخالية. والمثبت من ل.
(1/265)
أَبُو جهل وذلك أن النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم- وأصحابه كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلا
بين كُلّ أربعة بعير، ومعهم فرسان أَحَدهمَا مَعَ أبي مَرْثَد
الغَنَويّ، «1» والآخر مَعَ المقداد بن الأسود الكِنْديّ،
ومعهم ستة أدراع والمشركون ألف رجل سبعمائة دارع عليهم أَبُو
جهل، وثلاثمائة حاسر ثُمّ حبس الأخنس بن شريق ثلاثمائة رَجُل
من بني زهرة عن قتال النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فبقي المشركون فِي سبعمائة رَجُل يَقُولُ اللَّه-
تَعَالَى-: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ يعني بنصره مَنْ
يَشاءُ فينصره اللَّه- عَزَّ وجل- القليل على الكثير إِنَّ فِي
ذلِكَ يعني يقوى فِي نصرهم:
نصر الْمُؤْمِنِين وهم قليل وهزيمة الكفار وهم كثير لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصارِ- 13- يعني الناظرين فِي أمر اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- وطاعته لعبرة وتفكرا لأولي الأبصار حين أظهر
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- القليل على الكثير (زُيِّنَ لِلنَّاسِ)
يعني الكفار حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ
وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ يعنى المال الكثير مِنَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فأما الذهب فهو ألف دينار ومائتا دينار
والفضة ألف ومائتا مثقال وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ يعني
السائمة وهي الراعية وَالْأَنْعامِ وهي الإبل والبقر والغنم
وَالْحَرْثِ ذلِكَ الَّذِي ذكر فِي هَذِهِ الآية مَتاعُ
الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ- 14-
يعنى حسن المرجع وهي الجنة قُلْ للكفار:
أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ يعني ما ذكره فِي
هَذِهِ الآية «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» «2»
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وذلك أن العيون
تجري من تحت البساتين خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَأَزْواجٌ
مُطَهَّرَةٌ من الحيض والغائط والبول والبزاق والمخاط ومن [51
ب] القذر كله وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكبر يعني رَضِيَ اللَّه
عَنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ- 15- يعنى بأعمالهم.
ثم أخبر- سبحانه- عن فعلهم، فقال:
__________
(1) فى أ: العنوى.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل.
(1/266)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا
آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ- 16-
ثُمّ نعت أعمالهم فَقَالَ الجنة هِيَ ل الصَّابِرِينَ عَلَى
أمر اللَّه وفرائضه وَالصَّادِقِينَ بكتاب اللَّه ورسله «1»
وَالْقانِتِينَ يعني المطيعين للَّه وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم
فِي حق اللَّه وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ- 17-
يَقُولُ المصلين للَّه بالأسحار يعني المصلين من آخر الليل
قوله- سُبْحَانَهُ-: شَهِدَ اللَّهُ وذلك أن عَبْد اللَّه بن
سلام وأصحابه مؤمني أَهْل التوراة قَالُوا لرءوس اليهود: إن
محمدا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ودينه الحق، فاتبعوه. فقالت اليهود: ديننا أفضل من دينكم «2» .
فَقَالَ اللَّه- تبارك وتعالى-: «شَهِدَ اللَّهُ» أَنَّهُ لا
إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ يشهدون بها وَأُولُوا
الْعِلْمِ بالتوراة ابْن سلام وأصحابه يشهدون أَنَّهُ لا إله
إِلَّا هُوَ، ويشهدون أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قائِماً
بِالْقِسْطِ يعني: قائم عَلَى كُلّ شيء بالعدل لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 18- فى أمره شهدوا إِنَّ الدِّينَ
يعني التوحيد عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ثُمّ قَالَ: وَمَا
اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى
فِي هَذَا الدّين إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ
يعني بيان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم
كانوا مؤمنين بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
قبل أن يبعث رسولا فَلَمَّا بعث محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من ولد إسماعيل تفرقوا بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ
يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ يعني القرآن يعني اليهود ثُمّ خوفهم
فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 19- كأنه قد جاء فَإِنْ
حَاجُّوكَ يعني اليهود خاصموك يا محمد فى الدين فَقُلْ
أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ يَقُولُ أخلصت ديني للَّه وَمَنِ
اتَّبَعَنِ عَلَى ديني فقد أخلص وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ يعنى أهل التوراة والإنجيل
__________
(1) استعمل الصادقين بمعنى المصدقين.
(2) أى قالت اليهود ذلك لمن دخل الإسلام من اليهود.
(1/267)
اليهود والنصارى أَأَسْلَمْتُمْ والإسلام
اسم مشتق من اسم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أمر اللَّه- تَعَالَى-
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يدعوهم إلى
الْإِسْلام فَقَالَ: أسلمت يعني أخلصت يَقُولُ فَإِنْ
أَسْلَمُوا يعني فَإِن أخلصوا لَهُ يعني للَّه- عَزَّ وَجَلّ-
بالتوحيد فَقَدِ اهْتَدَوْا من الضلالة وَإِنْ تَوَلَّوْا
يَقُولُ فَإِن أبوا أن يسلموا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ
يعنى بلاغ الرسالة وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ- 20- بأعمال
العباد إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعني
بالقرآن وهم ملوك بني إِسْرَائِيل من اليهود ممن «1» لا يقرأ
الكتاب وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ
النَّاسِ يعني بالعدل بين الناس من مؤمني بني إِسْرَائِيل من
بعد مُوسَى فَبَشِّرْهُمْ يا محمد بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 21- يعني
وجيع يعني اليهود لأن هؤلاء على دين أوائلهم [52 أ] الذين
قتلوا الأنبياء والآمرين بالقسط ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
أُولئِكَ الَّذِينَ فعلوا ذَلِكَ حَبِطَتْ يعني بطلت
أَعْمالُهُمْ فلا ثواب لهم فِي الدُّنْيا وَلا فى الْآخِرَةِ
لأن أعمالهم كَانَتْ فِي غَيْر طاعة اللَّه- عز وجل- وَما
لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 22- يعني من مانعين يمنعونهم من النار
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يعني أعطوا حظا من التوراة يعني اليهود: كعب بن الأشرف، وكعب
بن أسيد، ومالك ابن الضيف، ويحيى بن عمرو، ونعمان بن أَوْفَى،
وأبو ياسر بن أخطب، وأبو نَافِع بن قيس، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وَسَلَّمَ- قَالَ لهم: أسلموا تهتدوا
وَلا تكفروا. فقال للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
نَحْنُ أهدى وأحق بالهدى منكم، ما أرسل اللَّه نبيا بعد
مُوسَى. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
لَمْ تكذبون، وأنتم تعلمون أن الَّذِي أقول حق، فأخرجوا
التوراة نتبع نحن،
__________
(1) فى أ: من، ل: ممن.
(1/268)
وأنتم ما فيها، وهي بينكم فَإِنِّي مكتوب
فيها أني نَبِيّ ورسول. فأبوا ذَلِكَ فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فيهم «1» أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ يعني التوراة لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ يعني ليقضي بينهم ثُمَّ يَتَوَلَّى يعنى بأبى
فَرِيقٌ يعني طائفة مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ- 23- ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ بأن العذاب واجب
عليهم فيها تقديم لقولهم إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ يعني
الأربعين يومًا التي «2» عَبْد آباؤهم فيها العجل لأنهم
قَالُوا: إنهم أبناء اللَّه وأحباؤه. يقول: وَغَرَّهُمْ فِي
دِينِهِمْ عفو الله ما كانُوا يَفْتَرُونَ- 24- يعني الَّذِين
كذبوا لقولهم نَحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه. خوفهم اللَّه،
فَقَالَ:
فَكَيْفَ بهم إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ
وَوُفِّيَتْ يعني يوم الْقِيَامَة لا شك فِيهِ بأنه كائن
«وَوُفِّيَتْ» كُلُّ نَفْسٍ بر وفاجر ما كَسَبَتْ من خير أَوْ
شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 25- فِي أعمالهم قُلِ اللَّهُمَّ
مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ وذلك أن النبي- صلى الله
عليه وسلم- سَأَلَ ربه- عَزَّ وَجَلّ- أن يجعل لَهُ ملك فارس
والروم فِي أمته فنزلت قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشاءُ يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأمته وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ يعنى الروم وفارس
وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ محمدا وأمته وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ يعني
الروم وفارس بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من
الملك والعز والذل قَدِيرٌ- 26- تُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعني ما تنقص فِي
الليل داخل فِي النهار حَتَّى يصير الليل تسع ساعات والنهار
خمس عشرة ساعة. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- يُكَوِّرُ اللَّيْلَ
عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ يعنى يسلط النَّهارَ عَلَى
اللَّيْلِ «3» وهما هكذا إلى أن تقوم الساعة. قوله- سبحانه-:
وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فهو
__________
(1) فى ل: فيهم، أ: فيهما.
(2) فى أ: الذين عبدوا، ل: الذي عبد.
(3) سورة الزمر: 5.
(1/269)
الناس والدواب والطير خلقهم من نطفة وهي
ميتة وخلق الطير من البيضة وهي ميتة [52 ب] وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ يعني يَخْرُج اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
هَذِهِ النطفة من الحي وهم الناس والدواب والطير وَتَرْزُقُ
مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ- 27- يَقُولُ- سُبْحَانَهُ-
لَيْسَ فوقي ملك يحاسبني، أَنَا الملك أعطي من شئت بغير حساب،
لا أخاف من أحد يحاسبني. قوله- سُبْحَانَهُ-: لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ نزلت فِي حاطب بن أَبِي بلتعة وغيره كانوا
يظهرون المودة لكفار مكة فنهاهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن
ذَلِكَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فيتخذونهم أولياء من غَيْر قهر
فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ثُمّ استثنى- تَعَالَى-
فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً فيكون «1» بين
أظهرهم فيرضيهم بلسانه من المخافة وَفِي قلبه غَيْر ذَلِكَ.
ثُمّ خوفهم، فَقَالَ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ يعني
عقوبته فِي ولاية الكفار وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ- 28- فى
الآخرة فيجزيكم بأعمالكم قُلْ لهم يا محمد إِنْ تُخْفُوا مَا
فِي صُدُورِكُمْ يعني إن تسروا ما فِي قلوبكم من الولاية
للكفار أَوْ تُبْدُوهُ يعني أَوْ تظهروا وَلايتهم يعني حاطب
وأصحابه يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ
وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من المغفرة
والعذاب قَدِيرٌ- 29- نظيرها فِي آخر البقرة. ثُمّ خوفهم
ورغبهم، فَقَالَ: «2» يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ
مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً يعجل لها كُلّ خير عملته، وَلا يغادر
منه شيء وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها
وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً يعني أجلا بعيدا بين المشرق
والمغرب وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ يعنى عقوبته فى عمل
السوء وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ- 30- يعني بربهم حين لا
يعجل عليهم بالعقوبة لما دعا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعبا وأصحابه إلى الإسلام قالوا: نحن
__________
(1) المراد: فيكون المسلم.
(2) فى أ: ثم قال.
(1/270)
أبناء اللَّه وأحباؤه، ولنحن أشد حبا للَّه
مما تدعونا إِلَيْهِ، فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه-
صلى الله عليه وسلم- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي عَلَى ديني يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ما كان فِي الشرك وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ- 31- ذو تجاوز لما كان فِي الشرك رحيم بهم فى الإسلام
قُلْ لليهود أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
يعني أعرضوا عن طاعتهما فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْكافِرِينَ- 32- يعني اليهود إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ
وَنُوحاً يعني اختار من الناس «1» لرسالته آدم ونوحا وَآلَ
إِبْراهِيمَ يعني إِبْرَاهِيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب
والأسباط، ثُمّ قَالَ: وَآلَ عِمْرانَ يعني مُوسَى، وهارون،
ذرِّيَّة آل عِمْرَانَ اختارهم للنبوة والرسالة عَلَى
الْعالَمِينَ- 33- يعني عالمي ذَلِكَ الزمان وهي:
ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وكل هَؤُلاءِ من ذرِّيَّة
آدم، ثُمّ من ذرية نوح، ثم من ذرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ- 34- لقولهم نَحْنُ أبناء الله وأحباؤه ونحن
[53 أ] أشد حبا لله، عليم بما قالوا يعنى اليهود إِذْ قالَتِ
امْرَأَتُ عِمْرانَ بن ماثان اسمها «2» حنة بِنْت فاقوز وهي أم
مريم وهي حبلى، لئن نجاني اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ووضعت ما فِي
بطني، لأجعلنه محررا، وبنو ماثان من ملوك بني إِسْرَائِيل من
نسل دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- والمحرر الَّذِي لا يعمل للدنيا
وَلا يتزوج، ويعمل للآخرة، «3» ويلزم المحراب فيعبد اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- فِيهِ، وَلَم يَكُنْ يحرر «4» فى ذلك
__________
(1) فى أ: زيادة آدم. والمثبت من ل. [.....]
(2) فى أ: جنة.
(3) فى أ: الآخرة.
(4) فى أ: يجرد، ل: يحرن. وصوابها يحرر. أخرج ابن جرير وابن
أبى حاتم عن مجاهد فى قوله (محررا) قال: خادما للبيعة. وأخرج
ابن أبى حاتم من وجه آخر فى قوله (محررا) قال: خالصا لا يخالطه
شيء من أمر الدُّنْيَا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة
فى الآية قال: كانت امرأة عمران حررت لله ما فى بطنها وكانوا
إنما يحررون الذكور وكان المحرر إذا حرر جعل فى الكنيسة لا
يبرحها يقوم عليها ويكنسها وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها
ذلك لما يصيبها من الأذى فعند ذلك قالت وليس الذكر كالأنثى.
الدر المنثور للسيوطي 2: 19.
(1/271)
الزمان إِلَّا الغلمان فَقَالَ زوجها:
أرأيت إن كان الَّذِي فِي بطنك أنثى؟ والأنثى عورة، كيف
تصنعين؟ فاهتمت لذلك. فقالت حنة: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ
مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- 35- لدعائهما العليم ببذرهما يعني
بالتقبل والاستجابة لدعائهما فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ
إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى والأنثى عورة «فيها تقديم» «1»
يَقُولُ اللَّه- تَعَالَى- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ «2» ثم قالت حنة:
وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وكذلك كان اسمها عِنْد اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها يعني
عِيسَى مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ- 36- يعني الملعون فاستجاب
اللَّه لها فلم يقربها وَلا ذريتها شيطان وخشيت حنة ألا تقبل
الأنثى محررة، فلفتها فِي خرق ووضعتها فِي بيت المَقْدِس عِنْد
المحراب حيث يدرس «3» القراء، فتساهم «4» القوم عَلَيْهَا
لأنها بِنْت إمامهم وسيدهم «5» ، وهم الأحبار من ولد هَارُون
أيهم يأخذها. قَالَ زَكَرِيّا وَهُوَ رئيس الأحبار أَنَا
آخذها، أَنَا أحقكم بها، لأن أختها أمَّ يحيى عندي. فَقَالَ
القراء: وإن كان فِي القوم من هُوَ أقرب إليها منك؟ فلو تركت
لأحق الناس بها لتركت لأمها، ولكنها محررة وَلَكِن هلم نتساهم
عَلَيْهَا من خرج سهمه فهو أحق بها. فاقترعوا فقال الله- عز
__________
(1) ما بين الأقواس ساقط من ل. وفى أ: «فيها تقديم وتأخير» ثم
شطب على كلمة تأخير.
(2) فى أ: وصفت، والمثبت من ل.
(3) فى أ، ل: يدرسون.
(4) تساهم القوم واستهموا: اقترعوا أى عملوا قرعة: كل يريد أن
يأخذ مريم فى كفالته ورعايته.
وفى البخاري يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لو يعلم
الناس ما فى الآذان والصف الأول لاستهموا عليهما. أى لو علموا
فضلهما وثوابهما ثم لم يجدوا وسيلة للحصول عليهما إلا أن
يعملوا قرعة لاقترعوا واستهموا عليهما.
انظر مختار الصحاح مادة سهم.
(5) كان عمران يؤمهم فى الصلاة. الدر المنثور للسيوطي 2: 19
(1/272)
وَجَلّ- لمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ» يعنى عندهم فتشهدهم
«إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ» حين اقترعوا ثلاث مرات بأقلامهم
التي كانوا يكتبون بها الوحي أيهم يكفلها؟ أيهم يضمها. فقرعهم
زَكَرِيّا فقبضها، ثُمّ قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لمحمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ يَخْتَصِمُونَ «1» فِي مريم فذلك قوله وَكَفَّلَها
زَكَرِيَّا فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً يَقُولُ رباها «2» تربية حسنة
فِي عبادة وطاعة لربها فبنى لها زَكَرِيّا محرابا فِي بيت
المَقْدِس، وَجَعَل بابه وسطه، لا يصعد إِلَيْهِ أحد إِلَّا
بسلم واستأجر لها ظئرا ترضعها حتى تحركت فكان يغلق عليها [53
ب] الباب ومعه المفتاح لا يأمن عَلَيْهَا أحدا، يأتيها بطعامها
ومصالحها وكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله فتكون مَعَ أختها
أيليشفع بِنْت عِمْرَانَ- وهي مريم بِنْت عِمْرَانَ- أم يحيى
«3» فإذا طهرت ردها إلى محراب بيت المَقْدِس، وكان زَكَرِيّا
يرى عندها العنب فِي الشِّتَاء الشديد البرد فيأتيها به جبريل-
عَلَيْه السَّلام- من السماء وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما
دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها
رِزْقاً قالَ لها زَكَرِيّا: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا
يعني من أَيْنَ هَذَا فِي غَيْر حينه قالَتْ هَذَا الرزق هُوَ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ
بِغَيْرِ حِسابٍ- 37- فطمع عِنْد ذَلِكَ زَكَرِيّا فِي الولد
فَقَالَ: إن الَّذِي يَأْتِي مريم بهذه الفاكهة فِي غَيْر
حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي ويهب لي منها ولدا. فذلك قوله:
هُنالِكَ يعني عِنْد ذَلِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ
رَبِّ هَبْ «4» لِي مِنْ لَدُنْكَ يعني من عندك ذُرِّيَّةً
طَيِّبَةً تقيا زكيا كقوله وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا «5»
إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ- 38-
__________
(1) سورة آل عمران: 44.
(2) فى أ: ورباها، ل: رباها.
(3) المراد أن أيليشفع هي أم يحيى.
(4) ساقطة من أ.
(5) سورة مريم: 6.
(1/273)
فاستجاب اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وكانا قَدْ
دخلا فِي السن فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ
يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ فبينما هُوَ يصلي فِي المحراب حيث
يذبح القربان إذا «1» برجل عَلَيْه بياض حياله وَهُوَ جبريل-
عَلَيْه السلام- فقال: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى
اشتق يحيى من أسماء اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مُصَدِّقاً
بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ يعني من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وكان
يحيى أول من صدق بعيسى- عليهما السَّلام- وَهُوَ ابْن ثلاث
سنين، قوله الأول وَهُوَ ابْن ستة أشهر «2» فَلَمَّا شهد يحيى
أن عِيسَى من الله- عز وجل- عجبت بنو إِسْرَائِيل لصغره،
فَلَمَّا سَمِع زَكَرِيّا شهادته قام إلى عِيسَى فضمه
إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي خرقة وكان يحيى أكبر من عِيسَى بثلاث
سنين، يحيى وعيسى ابنا خالة. ثُمّ قَالَ اللَّه- سُبْحَانَهُ-:
وَسَيِّداً
يعني حليما وَحَصُوراً لا ماء له «3» وَنَبِيًّا مِنَ
الصَّالِحِينَ- 39- والحصور الذي
__________
(1) أ: فإذا [.....]
(2) هكذا فى أ، ل. والمراد أن عيسى حين نطق فى المهد كان ابن
ستة أشهر (أى أشهر الحمل) وقد صدقه يحيى وكان عمر يحيى حينئذ
ثلاث سنوات.
(3) جاء فى تفسير ابن كثير 1: 361، 362.
قال القاضي عياض فى كتابه الشفاء: اعلم ان ثناء الله- تعالى-
على يحيى أنه كان (حصورا) ليس كما قال بعضهم أنه كان هيوبا أو
لا ذكر له. بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء
وقالوا:
هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء- عليهم السلام- وإنما معناه
أنه معصوم من الذنوب أى لا يأتيها كأنه حصور عنها. وقيل ليست
له شهوة فى النساء وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح
نقص وإنما الفضل فى كونها موجودة ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى
أو بكفاية من الله- عز وجل- كيحيى- عليه السلام- ثم هي فى حق
من قدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه: درجة عليا
وهي درجة نبينا- صلى الله عليه وسلم- الذي لم يشغله كثرتهن عن
عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن وإكسابه
لهن وهدايته إياهن بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن
كانت من حظوظ دنيا غيره
فقال «حبب إلى من دنياكم»
هذا لفظه. والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتى
النساء بل معناه كما قال هو وغيره: أنه معصوم من الفواحش
والقاذورات ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن
وإيلادهن. بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث
قال هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً كأنه قال
ولدا له ذرية ونسل وعقب. والله أعلم.
(1/274)
لا حاجة له فى النساء فَلَمَّا بشر
زَكَرِيّا بالولد. قَالَ لجبريل- عَلَيْه السلام- فى المخاطبة
قالَ رَبِّ أَنَّى يعني من أَيْنَ يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ
بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ «1» يَقُولُ ذَلِكَ
تعجبا، لأنه كان قَدْ «2» يبس جلده عَلَى عظمه من الكبر قالَ
جبريل- عليه السلام- كَذلِكَ يعني هكذا قال ربك إنَّه يَكُون
لك ولد اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ «3» - 40- أن يجعل ولدا من
الكبير والعاقر لقوله قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي
عاقِرٌ قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً يعني علما للحبل قالَ
آيَتُكَ إذا جامعتها عَلَى طهر فحبلت فإنك تصبح لا تستنكر من
نفسك خرسا وَلا سقما، وَلَكِن تصبح لا تطيق الكلام أَلَّا
تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً يعني
إِلَّا إشارة يومئ بيده، أَوْ برأسه من غَيْر مرض وَلَم يحبس
لسانه عن ذكر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ولا عن الصلاة [54 أ]
فكذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكارِ- 41- يَقُولُ صل بالغداة والعشي، فأتى امرأته
عَلَى طهرها فحملت وكان آية الحبل أَنَّهُ وضع يده عَلَى
صدرها، فحملت فاستقر الحمل فِي رحمها فحبلت بيحيى»
. فأصبح لا يستطيع الكلام فعرف أن امرأته قَدْ حبلت فولدت
يحيى- عَلَيْه السَّلام- فلم يعص اللَّه قطّ وَإِذْ قالَتِ
الْمَلائِكَةُ وَهُوَ جبريل- عَلَيْه السَّلام- وحده يا
مَرْيَمُ وهي فى المحراب إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ يعني اختارك
وَطَهَّرَكِ من الفاحشة والألم وَاصْطَفاكِ يعنى واختارك عَلى
نِساءِ الْعالَمِينَ- 42- بالولد من غير بشر
__________
(1) فى أ: وامرأتى عاقر وقد بلغني الكبر.
(2) فى أ: قد كان.
(3) فى أ: ويفعل ما يشاء.
(4) كان الحمل بيحيى بعد جماع زكريا لزوجته. أما أنه وضع يده
على صدرها فحملت- فأمر تتوقف فى قبوله ولم أجده فى كتب التفسير
الموثوق بها. أنظر ابن كثير والقرطبي.
(1/275)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ يعنى لربك
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي «1» مَعَ الرَّاكِعِينَ- 43- يعني مَعَ
المصلين فِي بيت المَقْدِس ذلِكَ أن الَّذِي ذكر فِي هَؤُلاءِ
الآيات مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ يعني حديثًا من الغيب لَمْ
تشهده يا محمد، فذلك قوله: نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ فى القرعة أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ يعني يضم مريم إلى نفسه وَما كُنْتَ
لَدَيْهِمْ يا محمد إِذْ يَخْتَصِمُونَ- 44- فِي مريم يعني
القراء أيهم يكفلها إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ
وَهُوَ جبريل وحده- عَلَيْه السَّلام- إِنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً يعني مكينا عِنْد اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فيها تقديم وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ- 45- عِنْد اللَّه فِي الآخرة وَيُكَلِّمُ
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ يعني حجر أُمّه فِي الخرق طفلا
وَيكلمهم كَهْلًا يعني إذا اجتمع «2» قبل أن يرفع إلى السماء
وَمِنَ الصَّالِحِينَ- 46- قالَتْ رَبِّ أَنَّى يعني من أَيْنَ
يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يعني الزوج قالَ
كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ ويخلق من يشاء، فشاء أن
يخلق وَلَدا من غَيْر بشر. لقولها وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
إِذا قَضى أَمْراً كان فِي علمه أن يَكُون عِيسَى فِي بطن مريم
من غَيْر بشر فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- 47- لا
يثنى وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ يعني خط الكتاب بيده بعد ما بلغ
أشده، وَهُوَ ابْن ثماني عشرة سنة، والمرأة بعد ما تبلغ الحيض
وَالْحِكْمَةَ يعني الحلال والحرام والسنة وَالتَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ- 48- ويجعله وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ
أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ يعني بعلامة
ثُمّ بين الآية أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ يعني أجعل لَكُمْ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْراً فخلق الخفاش بِإِذْنِ اللَّهِ
__________
(1) فى أ: واركعى واسجدي.
(2) هكذا فى أ، ل، ولعل المراد إذا اجتمع بهم
(1/276)
لأنه أشد الخلق إِنَّمَا هُوَ لحم وشيء
يطير بغير ريش فطار بإذن اللَّه وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ
الَّذِي ولدته أمه أعمى الَّذِي لَمْ ير «1» النور قط [54 ب]
فيرد اللَّه بصره وَأبرئ الْأَبْرَصَ فيبرأ بإذن الله وَأُحْيِ
الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ فتعيش. ففعل ذلك وهم ينظرون وكان
صنيعه هَذَا آية من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بأنه نَبِيّ ورسول
إلى بني إِسْرَائِيل «فأحيا سام بن نوح بن ملك من الموت بإذن
اللَّه» «2» فقالوا لَهُ: إن هَذَا سحر فأرنا آية نعلم أنَّكَ
صادق. وقَالَ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أرأيتم إن أَنَا أخبرتكم وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ فِي
بيوتكم من الطعام فيها تقديم وَما تَدَّخِرُونَ فِي
بُيُوتِكُمْ يعني وما ترفعون فِي غد تعلمون أني صادق. قَالُوا:
نعم قَالَ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فُلان
أكلت كذا وكذا، وشربت كذا وكذا، وأنت يا فُلان أكلت كذا وكذا،
وأنت يا فُلان. فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني
لعلامة لَكُمْ فيما أخبرتكم به «3» إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ-
49- يعني مصدقين بعيسى بأنه رسول وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ من اللحوم والشحوم وكل ذِي ظفر والسمك فهذا
البعض الَّذِي أحل لهم غَيْر السبت فإنهم يقومون عَلَيْه فوضع
عَنْهُمْ فِي الإنجيل ذلك وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
بعلامة من ربكم يعني العجائب التي كان يصنعها اللَّه «4» .
فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني فوحدوا اللَّه وَأَطِيعُونِ- 50- فيما
آمركم به من النصيحة فَإنَّهُ لا شريك له. وقال لهم عيسى- صلى
الله
__________
(1) فى أ: يدر.
(2) فى أ، ل: وكان صنيعه هَذَا آية من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
بأنه نبى. فأحيا سام بن نوح ابن ملك بإذن الله. ورسولا إلى بنى
إسرائيل. فقالوا..
(3) فى أ: يعنى لعلامة نبى لكم فيما أخبركم به. والمثبت من ل.
(4) أى يصنعها عيسى بإذن الله.
(1/277)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعنى فوحدوه هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ-
51- يعني هَذَا التوحيد دين مستقيم وَهُوَ الْإِسْلام فكفروا
فَلَمَّا أَحَسَّ يعني فَلَمَّا رَأَى عِيسى مِنْهُمُ
الْكُفْرَ يعني من بني إِسْرَائِيل كقوله- عَزَّ وَجَلّ- «هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ «1» » يعنى هل ترى منهم من أحد
فمر عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الحواريين يعني عَلَى القصارين غسالى الثياب قالَ مَنْ
أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ يعني من يتبعني مَعَ اللَّه. كقوله
فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «2» يعني معي هَارُون وكقوله-
سُبْحَانَهُ- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ
«3» يعني مَعَ أموالكم قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ
اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ يعني بتوحيد اللَّه وَاشْهَدْ يا
عِيسَى بِأَنَّا مُسْلِمُونَ- 52- يعني مخلصين بتوحيد اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- ثم قالوا:
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ يعني صدقنا بالإنجيل الَّذِي
أنزلت عَلَى عِيسَى وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ يعني عِيسَى
عَلَى دينه فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ- 53- يَقُولُ
فاجعلنا مَعَ الصادقين نظيرها فِي المائدة. هذا قول الحواريين
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وذلك أن كفار بني إِسْرَائِيل
عمدوا إلى رجل فجعلوه رقيبا على عيسى ليقتلوه [55 أ] فجعل
اللَّه شَبه عِيسَى عَلَى الرقيب فأخذوا الرقيب فقتلوه وصلبوه،
وظنوا أَنَّهُ عِيسَى، ورفع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عِيسَى إلى
سماء الدُّنْيَا من بيت المَقْدِس، ليلة القدر فِي رمضان، فذلك
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَمَكَرُوا بعيسى ليقتلوه يعني اليهود
وَمَكَرَ اللَّهُ بهم حين قُتِل رقيبهم وصاحبهم وَاللَّهُ
خَيْرُ الْماكِرِينَ- 54- يعني أفضل مكرا منهم إِذْ قالَ
اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ
__________
(1) سورة مريم: 98.
(2) سورة الشعراء: 13. [.....]
(3) سورة النساء: 2 وتمامها وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ
وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً.
(1/278)
فيها تقديم يَقُولُ رافعك إليّ من
الدُّنْيَا ومتوفيك حين «1» تنزل من السماء عَلَى عهد الدجال
«يَقُولُ إني رافعك إلي الآن ومتوفيك بعد قتل الدجال» «2» .
يَقُولُ رافعك إليّ فِي السماء وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا يعنى اليهود وغيرهم [وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ
عَلَى دينك يا عِيسَى وَهُوَ الْإِسْلام فَوْقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا يعني اليهود وَغَيْرُهُمْ. وأهل «3» دين عِيسَى هُم
المسلمون فوق الأديان كلها إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ «4» ]
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فِي الآخرة فَأَحْكُمُ يعني فأقضي
بَيْنَكُمْ يعني بين الْمُسْلِمِين وأهل الأديان فِيما
كُنْتُمْ فِيهِ من الدّين تَخْتَلِفُونَ- 55- وَهُوَ
الْإِسْلام فأسلمت طائفة وكفرت طائفة ثُمّ أخبر اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- عن منزلة الفريقين فِي الآخرة، فَقَالَ: فَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار أَهْل الكتاب فَأُعَذِّبُهُمْ
عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا يعني القتل أَو الجزية وَفى
الْآخِرَةِ عذاب النار وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 56- يعني
من مانعين يمنعونهم من النار وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فَيُوَفِّيهِمْ
أُجُورَهُمْ يعني فيوفوا أجورهم فِي الآخرة وَاللَّهُ لا
يُحِبُّ الظَّالِمِينَ- 57- ذلِكَ الَّذِي ذكره اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فِي هَذِهِ الآيات نَتْلُوهُ عَلَيْكَ يا محمد مِنَ
الْآياتِ يعني من البيان وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ- 58- يعني
المحكم من الباطل إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ وذلك
أن وفد نصارى نجران قدموا عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة منهم السيد والعاقب،
__________
(1) فى أ: حيث، ل: حين.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل.
(3) فى أ، ل: وهم أهل.
(4) ما بين الأقواس [..] من ل. وهو مضطرب فى أ.
(1/279)
والأسقف، والرأس، والحارث، وقيس، وابنيه
وخالد، وخليد، وعَمْرو، «1» فَقَالَ السيد والعاقب وهما سيدا
أَهْل نجران: يا محمد لَمْ تشتم صاحبنا وتعيبه؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا صاحبكم؟
قَالُوا: عِيسَى ابْن مريم العذراء البتول. قال: أبو محمد عبيد
الله بن ثَابِت. قَالَ: العذراء البتول. المنقطعة إلى اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- لقوله- عَزَّ وَجَلّ- وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلًا «2» قَالُوا فأرنا فيما خلق اللَّه عبدا مثله [55
ب] يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين طيرا
وَلَم يقولوا بإذن اللَّه. وكل آدمي لَهُ أب وعيسى لا أب لَهُ
فتابعنا فِي أن عِيسَى ابن اللَّه ونتابعك. فإما أن تجعل
عِيسَى ولدا وإما إلها، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُعَاذ اللَّه أن يَكُون لَهُ ولد، أَوْ
يَكُون معه إله. فَقَالا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَنْت أَحْمَد؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَا أحمد، وأنا محمد. فَقَالا: فيم «3»
أَحْمَد؟ قَالَ: أَحْمَد الناس عن الشرك. قَالا: فإنا نسألك عن
أشياء. قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لا أخبركم حَتَّى تسلموا فتتبعوني. قَالا: أسلمنا قبلك. قَالَ
النَّبِيّ-
__________
(1) فى تفسير ابن كثير: 1/ 368. قال ابن إسحاق قدم على رسول
الله (ص) وفد نصارى نجران ستون راكبا. فيهم أربعة عشر رجلا من
أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم: العاقب واسمه عبد المسيح والسيد
وهو الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس بن
الحارث وزيد وقيس ويزيد وابناه وخويلد وعمرو وخالد وعبد الله
ومحسن وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم وهم العاقب وكان أمير
القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه.
والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم. وأبو حارثة بن علقمة
وكان أسقفهم وصاحب مدارستهم ... وذكر حديثا طويلا موافقا فى
جملته لما فى تفسير مقاتل.
وانظر أسباب النزول للواحدي: 58. والسيوطي: 45، 46.
(2) سورة المزمل: 8.
(3) فى أ: فيما.
(1/280)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إنكما لَمْ تسلما حجزكما عن الْإِسْلام ثلاثة أكلكما الخنزير،
وشربكما الخمر، وقولكما إن للَّه- عَزَّ وَجَلّ- ولدا، فغضبا
عِنْد ذَلِكَ. فَقَالا: من أَبُو عِيسَى؟ ائتنا لَهُ بمثل
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ
اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ
- 59- هَذَا الذي قَالَ الله فِي عِيسَى هُوَ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ- 60- يا محمد يعني من
الشاكين فِي عِيسَى أن مثله كمثل آدم. فقالوا للنبي- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَيْسَ كَمَا تَقُولُ، ما هذا له
بمثل. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ يعني فَمنْ خاصمك فِي عِيسَى مِنْ
بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يعني من البيان من أمر عِيسَى
يعني ما ذكر فِي هَذِهِ الآيات فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ يعني نخلص
الدعاء إلى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ- 61- إِنَّ هَذَا الَّذِي ذكرته
فِي عِيسَى لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَالَّذِي تقولون هُوَ
الباطل وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ فِي ملكه الْحَكِيمُ- 62- فِي أمره حكم عِيسَى فِي
بطن أُمّه فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني فَإِن أبوا إِلَّا أن
يلاعنوا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ- 63- فى
الأرض بالمعاصي. قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: قُلْ لهم يا
محمد: يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ
يعني كلمة العدل وهي الإخلاص بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا
نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً من خلقه
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
لأنهم اتخذوا عِيسَى ربا فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني فإن أبوا
التوحيد فَقُولُوا لهم أنتم اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ-
64- يعني مخلصين بالتوحيد فَقَالَ العاقب: ما نصنع بملاعنته
شيئا، فو الله لئن كان كاذبا ما ملاعنته بشيء، ولئن كان صادقا
(1/281)
لا يَأْتِي علينا الحول حَتَّى يهلك اللَّه
الكاذبين.
قَالُوا: يا محمد نصالحك عَلَى ألا تغزونا وَلا تخيفنا وَلا
تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك ألف حلة [56 أ] فِي صَفَر،
وألف حلة فِي رجب. وعلى ثلاثين درعا من حديد عادية. فصالحهم
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ،
فَقَالَ: وَالَّذِي نفس محمد بيده، لولا عنوني ما حال الحول،
ويحضرني منهم أحد ولأهلك اللَّه الكاذبين. قَالَ عُمَر- رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ-: لو لاعنتهم بيد من كُنْت تأخذ. قَالَ: «آخذ
بيد علي وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السلام- وحفصة وعائشة-
رحمهما الله-» «1» .
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ يعني تخاصمون فِي
إِبْراهِيمَ وذلك
أن رؤساء اليهود كَعْب بن الأشرف، وأبا ياسر، وأبا الحقيق وزيد
بن التابوه، ونصارى نجران، يقولون: إِبْرَاهِيم أولى بنا
والأنبياء مِنَّا كانوا عَلَى ديننا، وما تريد إِلَّا أن نتخذك
ربا كَمَا اتخذت النَّصارى عيسى ربا، وقالت النَّصارى: ما تريد
__________
(1)
ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 58- 59. وسنده: أخبرنى عبد
الرحمن ابن الحسن الحافظ فيما أذن لي فى روايته. حدثنا أبو حفص
عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الأشعث، حدثنا
يحيى بن حاتم العسكري، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن
دينار، عن داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله
قال: قدم وفد أهل نجران ... فغدا رسول الله (ص) فأخذ بيد على
وفاطمة وبيد الحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا-
ومقاتل بن سليمان شيعى زيدي وهذا يجعلنا نتحفظ فى آثاره
المروية فى هذه الناحية ونقارنها بطرق أخرى.
وفى تفسير ابن كثير: 1/ 381، قال جابر ... وفيهم نزلت نَدْعُ
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ قال جابر (أنفسنا وأنفسكم) رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- وعلي بن أبي طالب (وأبناءنا) الحسن
والحسين (ونساءنا) فاطمة وهكذا رواه الحاكم فى مستدركه عن على
بن عيسى عن أحمد بن محمد الأزهرى عن على بن حجر عن على بن مسهر
عن داود ابن أبى هندية بمعناه ثم قال صحيح على شرط مسلم، ولم
يخرجاه هكذا قال: وقد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن
المغيرة عن الشعبي مرسلا، وهذا أصح. وقد روى عن ابن عباس
والبراء نحو ذلك.
(1/282)
بأمرك إِلَّا أن نتخذك ربا كَمَا اتخذت
اليهود عزيرا ربا. قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: مُعَاذ اللَّه من ذَلِكَ، ولكني أدعوكم إلى أن
تعبدوا اللَّه جميعًا، وَلا تشركوا به شيئًا،
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ
تُحَاجُّونَ يعني تخاصمون «فِي إِبْرَاهِيم» فتزعمون أَنَّهُ
كان عَلَى دينكم وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ
إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أى بعد موت إبراهيم أَفَلا تَعْقِلُونَ-
65- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ يعنى خاصمتم فِيما لَكُمْ
بِهِ عِلْمٌ مما جاء فِي التوراة والإنجيل فَلِمَ تُحَاجُّونَ
فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ بما لَيْسَ فِي التوراة
والإنجيل وَاللَّهُ يَعْلَمُ أن إِبْرَاهِيم لَمْ يَكُنْ
يهوديا وَلا نصرانيا وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 66- أَنَّهُ
ما كان يهوديا وَلا نصرانيا، ثُمّ أخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فَقَالَ: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا
وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً يعني حاجا مُسْلِماً يعني مخلصا وَما
كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 67- يعنى من اليهود ولا من النصارى،
ثم قال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لقولهم إنَّه
كان عَلَى دينهم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى دينه واقتدوا به
وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا يَقُولُ من اتبع محمدا-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على دينه. ثم قال- عز وجل-:
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ- 68- الَّذِين يتبعونهما
عَلَى دينهما وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ يعنى يستنزلونكم عن دينكم الْإِسْلام وَما
يُضِلُّونَ يعني وما يستنزلون إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما
يَشْعُرُونَ- 69- إنما يضلون أنفسهم نزلت فِي عمار بن ياسر،
وحُذَيْفة بن اليمان وذلك أن اليهود جادلوهما ودعوهما إلى
دينهم. وقالوا: إن ديننا أفضل من دينكم ونحن أهدى منكم سبيلا
فنزلت وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... إلى آخر
الآية.
ونزلت يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ
[56 ب] يعني القرآن وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ- 70- أن محمدا
رَسُول الله ونعته معكم فى التوراة يا أَهْلَ
(1/283)
الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَ
يعني لَمْ تخلطون الحق بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وذلك أن اليهود أقروا ببعض أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وكتموا «1» بعضا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 71- أن
محمدا نَبِيّ ورسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- «2» .
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كَعْب بن الأشرف،
ومالك بن الضيف اليهوديان لسفلة اليهود آمِنُوا بِالَّذِي
أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالقرآن وَجْهَ
النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ أول النهار يعني صلاة الغداة.
وإذا كان العشي قولوا لهم نظرنا فِي التوراة فإذا النعت
الَّذِي فِي التوراة لَيْسَ بنعت محمد- صلى الله عليه وسلم-
فذلك قوله- سبحانه-: وَاكْفُرُوا آخِرَهُ يعني صلاة العصر
فلبسوا عليهم دينهم لعلهم يشكون فِي دينهم. فذلك قوله:
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ- 72- يعني لكي يرجعوا عن دينهم إلى
دينكم وقالا لسفلة اليهود:
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ فَإنَّهُ لن
يؤتي أحد من الناس مثل ما أوتيتم من الْفَضْل والتوراة والمن
والسلوى والغمام والحجر اثبتوا عَلَى دينكم. وقالوا لهم:
لا تخبروهم بأمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيحاجوكم يعني فيخاصموكم عِنْد ربكم. قَالُوا «3» : ذَلِكَ
حسدا لمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن تكون
النُّبُوَّة فِي غيرهم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قُلْ إِنَّ
الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا
أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ «4» قُلْ يا
محمد إِنَّ الْفَضْلَ يعني الْإِسْلام والنبوة
__________
(1) بعضا: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2) فى أ، ل تفسير للآيات 99، 100، 101. بعد آية 71. فقد فسر
آية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ الآية 99 من آل
عمران وآيتين بعدها. فسر الآيات الثلاث فى هذا المكان. ثم أعاد
تفسيرها فى مكانها.
وقد أسقطت تفسير الآيات الثلاث من هنا اكتفاء بورودها فى
مكانها حسب ترتيب المصحف.
(3) فى أ: قال و.
(4) ساقط من الأصل.
(1/284)
بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ واسِعٌ لذلك عَلِيمٌ- 73- بمن يؤتيه الْفَضْل
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ [57 أ] يعني بتوبته مَنْ يَشاءُ فاختص
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- به الْمُؤْمِنِين وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ يعني الْإِسْلام الْعَظِيمِ- 74- عَلَى
الْمُؤْمِنِين وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني أَهْل التوراة
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ يعني
عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
يعني كفار اليهود يعني كَعْب بن الأشرف وأصحابه، يَقُولُ منهم
من يؤدي الأمانة ولو كثرت، ومنهم من لا يؤديها ولو ائتمنته
عَلَى دينار لا يؤده إليك إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
عِنْد رأسه مواظبا عَلَيْه تطالبه بحقك ذلِكَ استحلالا للأمانة
بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ يعنى
فى العرب سَبِيلٌ وذلك أن الْمُسْلِمِين باعوا «1» اليهود فِي
الْجَاهِلِيَّة «2» . فَلَمَّا تقاصهم المسلمون فِي
الْإِسْلام، قَالُوا: لا حرج علينا فِي حبس أموالهم لأنهم
ليسوا عَلَى ديننا يزعمون أن ذَلِكَ حلال لهم فِي التوراة،
فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 75- أنهم كذبة وأن فِي التوراة
تحريم الدماء والأموال إِلَّا بحقها، وَلكن أمرهم بالإسلام،
وأداء الأمانة، وأخذ عَلَى ذَلِكَ ميثاقهم، فذلك قوله-
سبحانه-: بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ الَّذِي أخذه اللَّه
عَلَيْه فِي التوراة وأدى الأمانة وَاتَّقى محارمه فَإِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ- 76- يَقُولُ الَّذِين يتقون
استحلال المحارم إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا يعني عرضا من الدُّنْيَا
يسيرا يعني رءوس اليهود أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ يعني لا نصيب لهم فِي الآخرة وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا
يُزَكِّيهِمْ بعد العرض والحساب
__________
(1) فى أ: بايعوا، ل: باعوا. [.....]
(2) أى باعوا لهم.
(1/285)
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 77- يعني وجيع
وَإِنَّ مِنْهُمْ يعني من اليهود لَفَرِيقاً يعني طائفة منهم
يعنى كَعْب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وأَبُو ياسر، جدي ابن
أخطب، وشعبة بن عمرو، يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ
يعني باللَّيِّ التحريفَ بالألسن فِي أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ يعني
التوراة يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَما هُوَ مِنَ
الْكِتابِ كتبوا يعنى من التوراة غَيْر نعت محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومحوا نعته وَيَقُولُونَ هُوَ
هَذَا النعت مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ ولكنهم كتبوه وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 78- أنهم كذبة وليس ذلك نعت محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا كانَ لِبَشَرٍ يعني عِيسَى
ابن مريم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أَنْ يُؤْتِيَهُ
اللَّهُ يعني أن يعطيه اللَّه الْكِتابَ يعني التوراة والإنجيل
وَالْحُكْمَ يعني الفهم وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ
لِلنَّاسِ يعني بني إِسْرَائِيل كُونُوا عِباداً لِي مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ يَقُولُ لهم كُونُوا رَبَّانِيِّينَ
يعني متعبدين للَّه- عز وجل-[57 ب] بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ
الْكِتابَ يعني التوراة والإنجيل وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ-
79- يعني تقرءون وَلا «1» يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا
الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً يعني عِيسَى وعزير
ولو أمركم بِذَلِك لكان كفرا. فذلك قوله: أَيَأْمُرُكُمْ «2»
بِالْكُفْرِ يعني بعبادة الملائكة والنبيين بَعْدَ إِذْ
أَنْتُمْ «3» مُسْلِمُونَ- 80- يعني مخلصين لَهُ بالتوحيد
فَقَالَ: الإصبغ بن زَيْد، وكردم بن قَيْس، أيأمرنا «4» بالكفر
بعد الْإِيمَان فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ على أن يعبدوا الله،
__________
(1، 2) فى أ: وما كان. وفى الحاشية ولا.
(3) فى أ: بعد إذ كنتم، وفى الحاشية: أنتم.
(4) فى أ: أيأمركم أيأمركم: مرتين. وفى ل: أيأمرنا.
(1/286)
ويبلغوا الرسالة إلى قومهم، ويدعوا الناس
إلى دين اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فبعث اللَّه مُوسَى ومعه «1»
التوراة إلى بني إِسْرَائِيل، فكان مُوسَى أول رسول بعث إلى
بني إِسْرَائِيل وَفِي التوراة بيان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقروا به لَما يعني للذي آتَيْتُكُمْ
يعني بني إِسْرَائِيل مِنْ كِتابٍ يعني التوراة وَحِكْمَةٍ
يعني ما فيها من الحلال والحرام ثُمَّ جاءَكُمْ يعني بني
إِسْرَائِيل رَسُولٌ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم-
مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ يعني تصديق محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما معكم فِي التوراة لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
يعني لتصدقن به إن بعث وَلَتَنْصُرُنَّهُ إذا خرج يَقُولُ-
عَزَّ وَجَلّ- لهم قالَ أَأَقْرَرْتُمْ بمحمد فِي التوراة
بتصديقه ونصره وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي يَقُولُ
وقبلتم عَلَى الْإِيمَان بمحمد عهدي، وميثاقي فِي التوراة
قالُوا أَقْرَرْنا يَقُولُ اللَّه: قالَ فَاشْهَدُوا عَلَى
أنفسكم بالإقرار. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَأَنَا
مَعَكُمْ أَي إقراركم بمحمد- صَلَّى الله عليه وسلم- مِنَ
الشَّاهِدِينَ- 81- ثُمّ قَالَ: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ
«2» يعني فَمنْ أعرض عن الْإِيمَان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد إقراره فِي التوراة فَأُولئِكَ هُمُ
الْفاسِقُونَ- 82- يعني العاصين أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ
يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ يعني الملائكة
وَالْأَرْضِ يعني الْمُؤْمِنِين طَوْعاً ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَكَرْهاً يعني أَهْل الأديان يقولون اللَّه
هُوَ ربهم وَهُوَ خلقهم، فذلك إسلامهم وهم فى ذلك مشركون «3»
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- 83- ثُمّ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فِي آل عمران «إن لم يؤمن
__________
(1) فى أ: معه.
(2) ساقطة من أ. وفى الحاشية: ذلكم.
(3) أى مشركون مع الله آلهة أخرى.
(1/287)
أَهْل الكتاب» بهذه الآية التي فِي البقرة
«1» . وأمر الْمُؤْمِنِين أن يقرءوها فنزل قُلْ آمَنَّا
بِاللَّهِ»
يعني صدقنا بتوحيد اللَّه وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعني الإقرار
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَما أُنْزِلَ عَلى
إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى «3» يعني وما أعطى مُوسَى
وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لا نكفر ببعض ونؤمن ببعض وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ- 84- يعني مخلصين وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ- 85- نزلت فِي طعمة بن أبيرق
الْأَنْصَارِيّ من الأوس من بني صقر، ارتد عن الْإِسْلام ولحق
بكفار مكة كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ
الْبَيِّناتُ يعني البيان وَاللَّهُ لا يَهْدِي إلى دينه
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 86- أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَلعنة الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ- 87- يعني والعالمين كلهم خالِدِينَ فِيها فِي
اللعنة مقيمين فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْظَرُونَ- 88- يعني لا يناظر بهم العذاب نزلت فِي اثني عشر
رَجُلا ارتدوا عن الْإِسْلام وخرجوا من المدينة كهيئة البداة
«4» ثُمّ انصرفوا إلى طريق مكة، فلحقوا بكفار مكة منهم طعمة بن
أبيرق الْأَنْصَارِيّ، ومقيس بن ضبابة الليثي، وعبد اللَّه بن
أَنَس بن خطل من بنى ثيم ابن مرة الْقُرَشِيّ. ووجوج بن الأسلت
الْأَنْصَارِيّ، وأَبُو عامر بن النعمان الراهب،
__________
(1) سورة البقرة: 136 وهي قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما
أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما
أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ
رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ.
(2) فى أ، ل: قولوا آمنا بالله. وفى حاشية أ: التي فى آل عمران
هنا: قل.
(3) فى أ: ويحى. والمثبت من ل.
(4) فى أ: البد، ل: البداة.
(1/288)
والحارث بن سُوَيْد بن الصَّامِت
الْأَنْصَارِيّ من بني عمرو بن عَوْف، أخو الجلاس بن سُوَيْد
بن الصَّامِت، ثُمّ أن الْحَارِث ندم فرجع تائبا من ضرار «1»
ثُمّ أرسل إلى أَخِيهِ الجلاس إني قَدْ رجعت تائبا فسل
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل لي من توبة
وإلا لحقت بالشام فانطلق الجلاس إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه فلم يرد عَلَيْه شيئًا فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي الْحَارِث فاستثنى إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا فلا يعذبون مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد الكفر «2»
وَأَصْلَحُوا فِي العمل فيما بقي فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
لكفره رَحِيمٌ- 89- به فيما بقي «3» فبلغ أمر الْحَارِث الأحد
عشر الَّذِين بمكة. فقالوا: نقيم بمكة ما أقمنا ونتربص بمحمد
الموت، فإذا أردنا المدينة فسينزل فينا ما نزل فِي الْحَارِث
ويقبل مِنَّا ما يقبل منه. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا
كُفْراً قَالُوا: نقيم بمكة كفارا، فإذا أردنا المدينة فسينزل
فينا كَمَا نزل فِي الْحَارِث لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ
وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ- 90- ثُمّ أخبرهم عَنْهُمْ وعن
الكفار وما لهم فِي الآخرة. فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فيود أحدهم أن
يَكُون لَهُ ملء الأرض ذهبا، يقدر عَلَى أن يفتدى به نفسه من
العذاب لافتدى به فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ
الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ ما قبل منه أُولئِكَ
لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَهُ عذاب وجميع نظيرها فِي المائدة
«4» وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 91- يعني من مانعين يمنعونهم
من العذاب. قوله- سبحانه-:
__________
(1) هكذا (ضرار) بفتح الراء فى الأصل.
(2) فى أ، ل: (إلّا الذين تابوا) فلا يعذبوا بعد الكفر يعنى
(من بعد) الكفر.
(3) (غفور رحيم) لكفر فيما بقي، والمثبت من ل. [.....]
(4) يشير إلى الآية 36 من سورة المائدة وهي إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ
الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
(1/289)
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا
يَقُولُ لن تستكملوا التقوى حَتَّى تنفقوا فِي الصدقة مِمَّا
تُحِبُّونَ من الأموال وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ «1» يعني
من صدقة فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ- 92- يعنى عالم به يعنى
بنياتكم [58 ب] كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي
إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ «2»
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ وذلك أن يَعْقُوب بن
إسحاق خرج ذات ليلة، ليرسل الماء فِي أرضه، فاستقبله ملك فظن
أَنَّهُ لص يريد أن يقطع عَلَيْه الطريق فعالجه فِي المكان
الَّذِي كان يقرب فِيهِ القربان يدعى شانير «3» فكان أوّل
قربان قربه بأرض المَقْدِس. فَلَمَّا أراد الملك أن يفارقه،
غمز فخذ يَعْقُوب برجليه ليريه أَنَّهُ لو شاء لصرعه، فهاج به
عرق النساء، وصعد الملك إلى السماء، ويعقوب ينظر إِلَيْهِ فلقي
منها البلاء، حَتَّى لَمْ ينم الليل من وجعه، وَلا يؤذيه
بالنهار، فجعل يَعْقُوب للَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحريم لحم الإبل
وألبانها- وكان من أحبّ الطعام والشراب إِلَيْهِ- لئن شفاه
اللَّه. قَالَت اليهود جاء هَذَا التحريم من اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- «فِي التوراة قَالُوا:
حرم اللَّه عَلَى يَعْقُوب وذريته» «4» لحوم الإبل وألبانها.
قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قُلْ لليهود فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها
فاقرءوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 93- بأن تحريم لحوم الإبل
فِي التوراة فلم يفعلوا. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يعيبهم
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بأن اللَّه حرمه فِي التوراة مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
البيان فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
- 94- قُلْ صَدَقَ اللَّهُ وذلك
__________
(1) فى أ: ومن، ل: وما.
(2) إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ: ساقط من أ،
ومثبت فى ل.
(3) فى ل: شانين، أ: شانير.
(4) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ومثبت فى ل.
(1/290)
حين قَالَ اللَّه- سُبْحَانَهُ- مَا كانَ
إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ... إلى آخر الآية
«1»
وقالت اليهود والنصارى: كان إِبْرَاهِيم والأنبياء عَلَى
ديننا، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقد كان إِبْرَاهِيم يحج البيت وأنتم تعلمون ذَلِكَ فلم تكفرون
بآيات اللَّه يعني بالحج
فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- «قُلْ صَدَقَ اللَّهُ» فَاتَّبِعُوا
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً يعنى حاجا وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ- 95- يَقُولُ لَمْ يَكُنْ يهوديا وَلا نصرانيا.
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ يعني أول مَسْجِد وُضِعَ لِلنَّاسِ يعني
للمؤمنين لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وإنما سمي بكة لأنه يبك
الناس بعضهم بعضا فِي الطواف. ومباركا فِيهِ البركة: مغفرة
للذنوب وَهُدىً لِلْعالَمِينَ- 96- يعني الْمُؤْمِنِين من
الضلالة لمن صلى فِيهِ. وضلالة لمن صلى قبل بيت المَقْدِس.
وذلك أن الْمُسْلِمِين واليهود اختصموا فِي أمر القبلة.
فَقَالَ المسلمون: القبلة الكعبة. وقالت اليهود:
القبلة بيت المَقْدِس. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن الكعبة
أول مَسْجِد كان فِي الأرض، والبيت قبلة لأهل المسجد الحرام،
والحرم كله قبلة الأرض ثُمّ قَالَ- عَزَّ وجل- فِيهِ آياتٌ
بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ يعني علامة واضحة أثر مقام
إِبْرَاهِيم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ
دَخَلَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة كانَ آمِناً حَتَّى يَخْرُج منه
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ يعني الْمُؤْمِنِين حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعنى [59 أ] بالاستطاعة
الزاد والراحلة وَمَنْ كَفَرَ من أَهْل الأديان بالبيت وَلَم
يحج واجبا، فقد كفر. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: «وَمَنْ كَفَرَ»
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- 97- قُلْ يا
أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعنى
بالقرآن «2» وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ- 98- قُلْ
يا أَهْلَ الْكِتابِ يعنى
__________
(1) سورة آل عمران: 67 وتمامها مَا كانَ إِبْراهِيمُ
يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً
مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
(2) فى أ: يعنى القرآن.
(1/291)
اليهود لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ أهل الإيمان نزلت في حذيفة، وعمار بن ياسر حين دعوهما
إلى دينهم. فقالوا لهما: ديننا أفضل من دينكم، ونحن أهدى منكم
سبيلا. فقال- عز وجل-: «لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»
عن دين الْإِسْلام مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً يعني بملة
الْإِسْلام زيغا وَأَنْتُمْ شُهَداءُ «1» أن الدّين هُوَ
الْإِسْلام وأن محمدا رَسُول اللَّهِ ونبى وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 99- يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ يعني طائفة من الَّذِين أوتوا الكتاب يعني أعطوا
التوراة يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ- 100-
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ
اللَّهِ يعني القرآن وَفِيكُمْ رَسُولُهُ يعني محمدا- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرهم وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ يعنى يحترز بِاللَّه فيجعله ثقته فَقَدْ هُدِيَ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 101- يعنى إلى دين الإسلام يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا يعنى الأنصار اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقاتِهِ وَهُوَ أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن
يشكر فلا يكفر، نسختها «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
«2» وذلك أَنَّهُ «3» كان بين الأوس والخزرج عداوة فِي
الْجَاهِلِيَّة فِي دم شمير وحاطب فقتل بعضهم بعضا حينا
فَلَمَّا هاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى المدينة أصلح بينهم فلما كان بعد ذلك افتخر منهم رجلان
أَحَدهمَا ثَعْلَبَة بن غنيمة من الأوس، والآخر سعد بن
زُرَارَة من بني الخزرج، من بني سَلَمَة بن جشم، فجرى الحديث
بينهما فغضبا. فقال الخزرجي: أما واللَّه لو تأخر الْإِسْلام
عنا وقدوم رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
علينا لقتلنا سادتكم، واستعبدنا أبناءكم، ونكحنا نساءكم، بغير
مهر.
فَقَالَ الأوسي: قَدْ كان الْإِسْلام متأخرا زمانا طويلا فهلا
فعلتم فقد ضربناكم بالمرهفات حَتَّى أدخلناكم الديار. وذكرا
الأشعار والموتى، وافتخرا وانتسبا
__________
(1) فى الأصل تشهدون. نقلا عن حاشية أ.
(2) سورة التغابن: 16.
(3) فى أ: أن.
(1/292)
حَتَّى كان بَيْنَهُمَا دفع وضرب بالأيدي
والسعف «1» والنعال، فغضبا فناديا فجاءت الأوس إلى الأوس،
والخزرج إلى الخزرج بالسلاح وأسرع بعضهم إلى بعض بالرماح فبلغ
ذَلِكَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب
حمارا، وأتاهم فَلَمَّا أن عاينهم ناداهم يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [59 ب]
وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ- 102- يعنى
معتصمين بالتوحيد وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ يعنى بدين
الله جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا يعني وَلا تختلفوا فِي الدّين
كَمَا اختلف أهل الكتاب وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ الإسلام إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فِي الْجَاهِلِيَّة
يقتل بعضكم بعضا فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً يعني برحمته إخوانا فِي الْإِسْلام
وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ
مِنْها يَقُولُ للمشركين الميت منكم فِي النار، والحي منكم
عَلَى حرف النار. إن مات دخل النار. «فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها»
يعني من الشرك إلى الْإِيمَان كَذلِكَ يعني هكذا يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني علاماته فِي هَذِهِ النعمة: أعداء
فِي الْجَاهِلِيَّة إخوانا فِي الْإِسْلام لَعَلَّكُمْ لكي
تَهْتَدُونَ- 103- فتعرفوا علاماته فِي هَذِهِ النعمة.
فَلَمَّا سَمِع القوم القرآن من النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحاجزوا ثُمّ عانق بعضهم بعضا وتناول
بخدود بعض بالتقبيل والالتزام. يَقُولُ جَابِر بن عَبْد اللَّه
وَهُوَ فِي القوم: لقَد اطلع إلينا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما أحد هُوَ أكره طلعة إلينا منه
لما كنا هممنا به فَلَمَّا انتهى إليهم النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اتقوا اللَّه وأصلحوا ذات
بينكم.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يعني عصبة يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 104- فوعظ الله
المؤمنين لكي لا يتفرقوا، وَلا يختلفوا كفعل أَهْل الكتاب،
فَقَالَ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا فى الدين
__________
(1) فى أ: والسقف.
(1/293)
بعد موسى فصاروا أديانا مِنْ بَعْدِ مَا
جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ يعنى البيان وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ- 105- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمانِكُمْ بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قبل أن يبعث فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ-
106- وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي
رَحْمَتِ يعني فِي جَنَّة اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 107-
يعني لا يموتون تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ
بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ-
108- فيعذب عَلَى غَيْر ذنب وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ
وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 109-
يعني تصير أمور العباد إِلَيْهِ فِي الآخرة. وافتخرت
الأَنْصَار، فقالت الأوس «1» :
مِنَّا خُزَيْمة بن ثَابِت صاحب «2» الشهادتين، ومنا حَنْظَلة
غسيل الملائكة، ومنا عَاصِم بن ثَابِت بن الأفلح الَّذِي حمت
رأسه الدبر، يعنى الزنابير، ومنا سعد ابن مُعَاذ الَّذِي اهتز
العرش لموته، ورضي اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بحكمه، والملائكة فِي
أَهْل قريظة وقالت الخزرج: منا أربعة [60 أ] أحكموا القرآن،
أبىّ ابن كعب ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثَابِت، وأَبُو زَيْد.
ومنا سعد بن عبادة صاحب راية الأنصار وخطيبهم الَّذِي ناحت
الجن عَلَيْه فقالوا:
نَحْنُ قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... فرميناه بسهمين فلم
تخط فؤاده «3»
__________
(1) فى أ: وافتخرت الأوس فقار فقالت الأوس. والمثبت من ل.
(2) فى أ: ذو، وفى ل: صاحب.
(3) فى ل: قتلنا، بدون نحن. أقول: وقد كان نزول الآيات السابقة
ردا على افتخار الأوس والخزرج وهي قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما
جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ...
وانظر أسباب النزول للسيوطي: 48. والواحدي: 66، 67. [.....]
(1/294)
قوله سُبْحَانَهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يعني خير الناس للناس وذلك أن مَالِك بن
الضيف، ووهب بن يهوذا، قَالا لعبد اللَّه بن مَسْعُود، ومعاذ
بن جبل، وسالم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفة: إن ديننا خير مما
تدعونا إِلَيْهِ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فِي زمانكم كَمَا فضل بني
إِسْرَائِيل فِي زمانهم تَأْمُرُونَ الناس بِالْمَعْرُوفِ يعني
بالإيمان وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بتوحيد
الله وتنهوهم عن الظلم وأنتم خير الناس للناس وغيركم من أَهْل
الأديان لا يأمرون أنفسهم وَلا غَيْرهم بالمعروف وَلا ينهونهم
عن المنكر «1» ، ثُمّ قَالَ: وَلَوْ آمَنَ يعني ولو صدق أَهْلُ
الْكِتابِ يعني اليهود بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وما جاء به من الحق لَكانَ خَيْراً لَهُمْ من
الكفر. ثم قال: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ يعني عَبْد اللَّه بن
سلام وأصحابه وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ- 110- يعني العاصين
يعني اليهود لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وذلك أن رؤساء
اليهود كَعْب بن مَالِك، وشعبة «2» ، وبحري «3» ، ونعمان، وأبا
ياسر، وأبا نَافِع، وكنانة بن أبي الحقيق، وابن صوريا. عمدوا
إلى مؤمنيهم فآذوهم لإسلامهم وهم عَبْد اللَّه بن سلام
وأصحابه. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- «لَنْ يَضُرُّوكُمْ»
اليهود «إِلَّا أَذىً» باللسان «4» وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ
يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ- 111- ثُمّ
أخبر عن اليهود، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ يعنى المذلة أَيْنَ ما
ثُقِفُوا يعني وجدوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ
مِنَ النَّاسِ يَقُولُ لا يأمنوا حيث ما توجهوا إِلَّا بعهد من
الله، وعهد من
__________
(1) روى الواحدي فى أسباب النزول: 67. رأى مقاتل هذا فى هذه
الآية.
(2) فى أ: سفيه، ل: شعبة.
(3) فى أ، ل: بحرى، م: وتحرى.
(4) روى الواحدي قول مقاتل هذا فى أسباب نزول الآية: ص 68.
أسباب النزول للواحدي.
(1/295)
الناس يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحده وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يعني
استوجبوا الغضب من اللَّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة
والْمَسْكَنَةُ يعني الذل والفقر ذلِكَ الَّذِي نزل بهم
بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ الذي أصابهم بِما عَصَوْا
وَكانُوا يَعْتَدُونَ- 112- فى دينهم بما خبر عنهم، فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وذلك أن
اليهود قَالُوا لِابْن سلام وأصحابه: لقَدْ خسرتم حين استبدلتم
بدينكم «دينا غيره» «1» وَقَدْ «2» عاهدتم اللَّه بعهد ألا
تدينوا إِلَّا بدينكم، فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
«لَيْسُوا سَواءً» يَقُولُ لَيْسَ كفار اليهود، والذين فِي
الضلالة بمنزلة ابن سلام وأصحابه الذين هم [60 ب] عَلَى دين
اللَّه منهم أُمَّةٌ عصابة قائِمَةٌ بالحق عَلَى دين اللَّه
عادلة يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ يعني يقرءون كلام اللَّه آناءَ
اللَّيْلِ يعني ساعات الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ- 113- يعني
يصلون بالليل يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني
يصدقون بتوحيد اللَّه والبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ يعني إيمانا بمحمد- صلى الله
عليه وسلم- وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعني عن تكذيب
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وَيُسارِعُونَ فِي
الْخَيْراتِ يعنى شرائع الإسلام وَأُولئِكَ مِنَ
الصَّالِحِينَ- 114- وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ فلن يضل عَنْهُمْ بل يشكر ذَلِكَ لهم وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ- 115- يعنى ابن سلام وأصحابه،
فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ
أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 116- ثُمّ
ذكر نفقة سفلة اليهود من الطعام والثمار عَلَى رءوس اليهود
كَعْب بن الأشرف وأصحابه يريدون بها الآخرة فضرب
__________
(1) الزيادة من أسباب النزول للواحدي حيث أورد قول ابن عباس
ومقاتل فى الآية ص 68.
(2) فى أ: ولقد وقد، ل: وقد.
(1/296)
الله- عز وجل- مثلا لنفقاتهم، فقال: ثَلُ
ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا
وهم كفار يعنى سفلة اليهودمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
يعنى بردا شديداصابَتْ
الريح الباردةرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَأَهْلَكَتْهُ
فلم يبق منه شيئًا كَمَا أهلكت الريح الباردة حرث الظلمة فلم
ينفعهم حرثهم، فكذلك أهلك اللَّه «نفقات» سفلة اليهود ومنهم
كفار مكة التي أرادوا بها الآخرة فلم تنفعهم نفقاتهم، فذلك
قوله- عز وجل-: ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
حين أهلك نفقاتهم فلم تتقبل منهم لكِنْ أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ
- 117- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني المنافقين عَبْد
اللَّه بن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم الْأَنْصَارِيّ، وأصحابه
دعاهم اليهود إلى دينهم منهم إصبغ ورافع ابني حَرْمَلَة وهما
رءوس اليهود فزينوا لهما ترك الْإِسْلام حَتَّى أرادوا أن
يظهروا الكفر فأنزل اللَّه- عَزَّ وجل- يحذرهما ولاية اليهود
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً «1»
يعني اليهود مِنْ دُونِكُمْ يعني من دون المؤمنين لا
يَأْلُونَكُمْ خَبالًا يعنى غيا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ يعني ما
أثمتم لدينكم فِي دينكم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ يعني ظهرت
البغضاء مِنْ أَفْواهِهِمْ يعني قَدْ ظهرت العداوة بألسنتهم
وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ يعنى ما تسر قلوبهم من الغش
__________
(1) جاء فى الدر المنثور للسيوطي 2/ 22 أخرج ابن إسحاق وابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال: كان رجال من
المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار
والحلف فى الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف
الفتنة عليهم منهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ... الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن
مجاهد فى الآية قال نزلت فى المنافقين من أهل المدينة نهى
المؤمنين أن يتولوهم. وقيل هم الخوارج.
وفى أسباب النزول للواحدي: 68 نزلت هذه الآية فى قوم من
المؤمنين كانوا يصادقون المنافقين ويواصلون رجالا من اليهود
لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع
فأنزل الله- تعالى- هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة
منهم عليهم. وهو قول ابن عباس ومجاهد.
(1/297)
أَكْبَرُ مما بدت بألسنتهم قَدْ بَيَّنَّا
لَكُمُ الْآياتِ يَقُولُ فَفِي هَذَا بيان لَكُمْ منهم إِنْ
كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ- 118- ثم قال- سبحانه-: ها أَنْتُمْ
مَعْشَر الْمُؤْمِنِين أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ تحبون هَؤُلاءِ
اليهود- فِي التقديم- لما أظهروا من الْإِيمَان بمحمد- صلى
الله عليه وسلم- وبما جاء به وَلا يُحِبُّونَكُمْ [61 أ] لأنهم
ليسوا عَلَى دينكم وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ كتاب
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكتب كلها التي
كَانَتْ قبله وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا يعني صدقنا
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما جاء به، وهم
كذبة يعني اليهود مثلها فى المائدة- وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا
آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ ... إلى آخر الآية «1»
ثُمّ قَالَ: وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ
يعني أطراف الأصابع مِنَ الْغَيْظِ الَّذِي فِي قلوبهم ودوا لو
وجدوا ريحا يركبونكم بالعداوة قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يعني
اليهود إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 119- يعني
يعلم ما فِي قلوبهم من العداوة والغش للمؤمنين ثُمّ أخبر عن
اليهود. فَقَالَ- سبحانه-: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ يعني
الفتح والغنيمة يوْم بدر تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ
سَيِّئَةٌ القتل والهزيمة يوْم أحد يَفْرَحُوا بِها ثُمّ قَالَ
للمؤمنين: وَإِنْ تَصْبِرُوا عَلَى أمر اللَّه وَتَتَّقُوا
معاصيه لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً يعني قولهم إِنَّ
اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ- 120- أحاط علمه بأعمالهم
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ عَلَى راحلتك يا محمد يوْم
الأحزاب تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ يعني «2» توطن لهم مَقاعِدَ
لِلْقِتالِ فِي الخندق قبل أن يستبقوا إِلَيْهِ ويستعدوا
للقتال وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ- 121- إِذْ هَمَّتْ
طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا
__________
(1) سورة المائدة: 61 وهي: وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا
وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ.
(2) فى حاشية أ: توطئ، محمد، وفى أ، ل: توطن.
(1/298)
يعني ترك المركز: منهم بنو حارثة بن
الْحَارِث، ومنهم أَوْس بن قيظي، وأَبُو عربة بن أَوْس بن
يامين، وبنو سَلَمَة بن جشم، وهما حيان من الأَنْصَار
وَاللَّهُ وَلِيُّهُما حين عصمها فلم يتركا المركز وقالوا: ما
يسرنا أَنَا لَمْ نهم بالذي هممنا إذا كان اللَّه ولينا
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ- 122- يعني
فليثق المؤمنون به وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ وأنتم قليل يذكرهم النعم فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَلا تعصوه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 123- ربكم فِي
النعم إِذْ تَقُولُ يا محمد لِلْمُؤْمِنِينَ يوم أحد أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ
مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ- 124- عليكم من السماء وذلك
حين سألوا المدد فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
بَلى يمددكم ربكم بالملائكة إِنْ تَصْبِرُوا لعدوكم
وَتَتَّقُوا معاصيه وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يعني من
وجههم هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ فزادهم ألفين مُسَوِّمِينَ- 125- يعني معلمين
بالصوف الأبيض فِي نواصي الخيل، وأذنابها عَلَيْهَا البياض
معتمين بالبياض وَقَدْ أرخوا أطراف العمائم بين أكتافهم. وَما
جَعَلَهُ اللَّهُ يَقُولُ وما جعل المدد من الملائكة إِلَّا
بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ يعني ولكي تسكن قُلُوبُكُمْ «1»
بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَقُولُ
النصر لَيْسَ بقلة العدد وَلا بكثرته وَلَكِن النصر من عِنْد
اللَّه الْعَزِيزِ يعني المنيع في ملكه الْحَكِيمِ- 126- في
أمره [61 ب] حكم النصر للمؤمنين، نظيرها فِي الأنفال «2» ،
لِيَقْطَعَ لكي يقطع طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل
مكة أَوْ يَكْبِتَهُمْ يعني يخزيهم فَيَنْقَلِبُوا إلى مكة
خائِبِينَ- 127- لم يصيبوا
__________
(1) فى أ: (قلوبكم) إليه وفى الحاشية (قلوبكم به) إليه.
(2) سورة الأنفال: 10 وهي وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
(1/299)
ظفرا، ولا خيرا فلم يصبر المؤمنون وتركوا
المركز، وعصوا فرفع عَنْهُم المدد، وأصابتهم الهزيمة بمعصيتهم،
فيها تقديم لَيْسَ لَكَ يا محمد مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وذلك أن
سبعين رَجُلا من أصحاب الصفة فقراء، كانوا إذا أصابوا طعاما
فشبعوا منه تصدقوا «1» بفضله، ثُمّ إنهم خرجوا إلى الغزو
محتسبين إلى قتال قبيلتين من بني سُلَيْم: عصبة وذكوان،
فقاتلوهم فقتل السبعون جميعًا فشق عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه قتلهم. فدعا عليهم
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين يومًا
فِي صلاة الغداة فأنزل اللَّه- تَعَالَى- «لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ» «2» أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فيهديهم لدينه
أَوْ يُعَذِّبَهُمْ على كفرهم فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ- 128-
ثُمّ عظم نفسه تَعَالَى فَقَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق عبيده وفى ملكه
__________
(1) فى أ: فتصدقوا.
(2)
جاء فى أسباب النزول للسيوطي: 50. روى أحمد ومسلم عن أنس: أن
النبي- صلى الله عليه وسلم- كسرت رباعيته يوم أحد وشج فى وجهه
حتى سال الدم على وجهه فقال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم
وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ» .
وروى أحمد والبخاري عن ابن عمر سمعت رَسُول اللَّه- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اللهم العن فلانا،
اللهم، العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم
العن صفوان بن أمية. فنزلت هذه الآية «لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ» إلى آخرها فتيب عليهم كلهم.
وروى البخاري عن أبى هريرة نحوه قال الحافظ بن حجر. طريق الجمع
بين الحديثين أنه- صلى الله عليه وسلم- دعا على المذكورين فى
صلاته بعد ما وقع له من الأمر المذكور يوم أحد فنزلت الآية فى
الأمرين معا. لكن يشكل على ذلك ما وقع فى مسلم من
حديث أبى هريرة أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يقول فى الفجر
اللهم العن رعلا وذكوان وعصية حتى أنزل الله عليه «لَيْسَ لَكَ
مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ»
ووجه الإشكال أن الآية نزلت فى قصة أحد وقصة رعل وذكوان بعدها،
ثم ظهرت لي علة الخبر وأن فيه إدراجا فإن قوله حتى أنزل الله
منقطع من رواية الزهري عمن بلغه. بين ذلك مسلم وهذا البلاغ لا
يصح فيما ذكرته قال: ويحتمل أن يقال أن قصتهم كانت عقب ذلك.
وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت فى جميع ذلك.
(1/300)
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 129- فِي تأخير العذاب عن
«1» هذين الحيين من بنى سليم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وذلك أن الرَّجُل
كان إذا حل ماله طلبه من صاحبه، فيقول المطلوب أخر عني وأزيدك
عَلَى مَالِك، فيفعلون ذَلِكَ، فوعظهم اللَّه- تَعَالَى-
وقَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي الربا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ- 130- ثُمّ خوفهم، فَقَالَ: وَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ- 131- وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 132- يعني لكي ترحموا
فلا تعذبوا ثُمّ رغبهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَسارِعُوا
بالأعمال الصالحة إِلى مَغْفِرَةٍ لذنوبكم مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ يقول عرض الجنة
كعرض سبع سماوات وسبع أرضين جميعًا لو ألصق بعضها إلى بعض
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ- 133- ثُمّ نعتهم، فَقَالَ:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ يعني فِي
«اليسر» «2» والعسر «3» وَفِي الرخاء والشدة وَالْكاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَهُوَ الرَّجُل يغضب فِي أمر فإذا فعله وقع فِي
معصية، فيكظم الغيظ ويغفر. فذلك قوله:
وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ومن يفعل هَذَا فقد أحسن فذلك
قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ- 134-
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني
أرى هَؤُلاءِ فِي أمتي قليلا «4» ، وكانوا أكثر فِي الأمم
الخالية
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً وذلك
أن رَجُلا خرج غازيا وخلف رَجُلا فِي أهله وولده، فعرض لَهُ
الشَّيْطَان فِي أهله، فهوى المرأة فكان منه ما ندم، فأتى أبا
بَكْر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فقال:
هلكت. قال: وما هلاك. قال: ما من شيء يناله الرجل [62 أ] من
المرأة إلا وَقَدْ نلته غَيْر الجماع فَقَالَ أَبُو بَكْر- رضى
الله عنه-: ويحك أما علمت
__________
(1) فى أ: على. [.....]
(2) ليست فى النسخ.
(3) فى أ: العيش، وفى ل: والعسر.
(4) فى أ: قليل، ل: قليلا.
(1/301)
أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يغار للغازي ما
لا يغار للقاعد، ثُمّ لقي عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-
فَأَخْبَرَه. فَقَالَ لَهُ مثل مقالة أَبِي بَكْر- رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ- ثُمّ أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له،
مثل مقالتهما فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِيهِ «وَالَّذِينَ
إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً» يعنى الزنا أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ما كان نال منها «1» دون الزنا ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا يقيموا عَلى ما فَعَلُوا
وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 135- أنها معصية فَمنْ استغفر ف أُولئِكَ
جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها يعني
مقيمين فِي الجنان لا يموتون وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ-
136- يعني التائبين من الذنوب. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ظلمت نفسك، فاستغفر الله، وتب إِلَيْهِ. فاستغفر الرَّجُل،
واستغفر لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نزلت هَذِهِ الآية فِي عُمَر بن قَيْس «2» ويكنى أبا مقبل.
وذلك حين أقبل إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَدْ صدمه حائط، وإذا الدم يسيل عَلَى وجهه عقوبة
لما فعل. فانتهى إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأذن بلال بالصلاة: صلاة الأولى. فسأل أَبُو مقبل
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما توبته فلم
يجبه ودخل المسجد وصلى الأولى، ودخل
__________
(1) فى أ: منهم، ل: منها.
(2)
جاء فى أسباب النزول للواحدي: 70 قوله تعالى وَالَّذِينَ إِذا
فَعَلُوا فاحِشَةً الآية قال ابن عباس فى رواية عطاء: نزلت فى
نبهان التمار أتته امرأة حسناء باع منها تمرا فضمها إلى نفسه
وقبلها، ثم ندم على ذلك، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- وذكر
ذلك له فنزلت هذه الآية.
وقال فى رواية الكلبي: إن رجلين: أنصاريا وثقفيا آخى رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- بينهما، فكانا لا يفترقان. فخرج
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه، وخرج معه
الثقفي وخلف الأنصارى فى أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي..
وأتم القصة بما يوافق كلام مقاتل المذكور آنفا.
(1/302)
أَبُو مقبل، وصلى معه، فنزل جبريل- عَلَيْه
السَّلام- بتوبته وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يعني الصلوات
الخمس يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «1» يعني الذنوب التي لَمْ تختم
«2» بالنار وليس عَلَيْه حد فِي الزنا «3» وما بين الحدين فهو
اللمم والصلوات الخمس تكفر هَذِهِ الذنوب وكان ذنب أَبِي «4»
مقبل من هَذِهِ الذنوب فَلَمَّا صلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأبي مقبل: أما توضأت قبل أن
تأتينا. قَالَ: بلى. قَالَ: أما شهدت معنا الصَّلاة. قَالَ:
بلى. قَالَ فَإِن الصَّلاة قَدْ كفرت ذنبك، وقرأ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الآية «5» .
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ يعني عذاب الأمم الخالية
فخوف هَذِهِ الأمم بعذاب الأمم ليعتبروا فيوحدوه قوله-
سُبْحَانَهُ-: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ- 137- للرسل بالعذاب كان عاقبتهم
الهلاك ثُمّ وعظهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: هَذَا القرآن بَيانٌ
لِلنَّاسِ من العمى وَهُدىً من الضلالة وَمَوْعِظَةٌ من الجهل
لِلْمُتَّقِينَ- 138- وَلا تَهِنُوا وَلا تضعفوا عن عدوكم وَلا
تَحْزَنُوا عَلَى ما أصابكم من القتل والهزيمة يوم أحد
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يعني العالين إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ- 139-[62 ب] يعنى إن كنتم مصدقين ثُمّ عزاهم
فَقَالَ: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ
قَرْحٌ مِثْلُهُ يعني إن تصبكم «6» جراحات يوم أحد فقد مس
القوم يعني كفار قريش قرح مثله يَقُولُ قَدْ أصاب المشركين
جراحات مثله يوم بدر «7» وذلك قوله- سبحانه-:
__________
(1) سورة هود: 114
(2) فى أ: تحتم، فى ل: تختم.
(3) فى أ: الدنيا، ل: الزنا.
(4) فى أ: أبو وهو مضاف إليه وصوابه: أبى.
(5) أى الآية المذكورة قريبا وهي أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ....
(6) فى الأصل: يصيبكم.
(7) فى أسباب النزول للواحدي: 71 ما يوافق ذلك.
(1/303)
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ
النَّاسِ يوم لَكُمْ ببدر ويوم عليكم بأحد مرة للمؤمنين ومرة
للكافرين. بديل للكافرين من الْمُؤْمِنِين ويبتلى
الْمُؤْمِنِين بالكافرين وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ يعني وليرى
إيمان الَّذِينَ آمَنُوا منكم عِنْد البلاء فيتبين إيمانهم
أيشكوا فِي دينهم أم لا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ- 140- يعنى المنافقين
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالبلاء ليرى صبرهم
وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ- 141- يعني ويذهب دعوة الكافرين الشرك
يعني المنافقين فيبين «1» نفاقهم وكفرهم ثُمّ بين للمؤمنين
أَنَّهُ نازل بهم الشدة والبلاء فِي ذات اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فَقَالَ: أَمْ حَسِبْتُمْ يعني أحسبتم وذلك أن المنافقين
قَالُوا للمؤمنين يوم أحد بعد الهزيمة: لم تقتلون أنفسكم،
وتهلكون أموالكم، فَإِن محمدا لو كان نبيا لَمْ يسلط عَلَيْه
القتل. قَالَ المؤمنون: بلى من قُتِل مِنَّا دخل الجنة.
فَقَالَ المنافقون: لَمْ تمنون أنفسكم الباطل، فأنزل اللَّه-
تَعَالَى- أَمْ حَسِبْتُمْ مَعْشَر الْمُؤْمِنِين أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ يعني ولما
يرى اللَّه الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ فى سبيل الله وَلما
يَعْلَمِ يعني يرى الصَّابِرِينَ- 142- عِنْد البلاء. وليمحص
أَيّ يَقُولُ إذا جاهدوا وصبروا رَأَى ذَلِكَ منهم، وإذا لَمْ
يفعلوا لَمْ ير ذَلِكَ منهم وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ
الْمَوْتَ وذلك حين أخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن قتلى بدر
وما هُمْ فِيهِ من الخير. قَالُوا: يا نَبِيّ اللَّه أرنا
يومًا كيوم بدر. فأراهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يوم أحد
فانهزموا فعاتبهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ يعني القتال من قبل أن تلقوه فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ- 143- وقالوا يومئذ إن
محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قُتِل.
فَقَالَ بشر بن النَّضْر الْأَنْصَارِيّ- وَهُوَ عم أنس بن
مَالِك-: إن كان محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ قتل فإن رب
__________
(1) فى أ: فتبين.
(1/304)
محمد حي، أفلا تقاتلون عَلَى ما قاتل
عَلَيْه رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى تلقوا اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-. ثُمّ قَالَ النَّضْر:
اللَّهُمَّ إني أعتذر إليك مما يَقُولُ هَؤُلاءِ، وأبرأ إليك
مما جاء به هَؤُلاءِ ثُمّ شد عليهم بسيفه فقتل منهم من قتل.
وقَالَ المنافقون يومئذ: ارجعوا إلى إخوانكم فاستأمنوهم،
فارجعوا إلى دينكم الأول. فَقَالَ النَّضْر عند قول المنافقين
تلك المقالة «1» [63 أ] فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
يَقُولُ وهل محمد- عَلَيْه السَّلام- لو قُتِل إِلَّا كَمَن
قُتِل قبله من الْأَنْبِيَاء أَفَإِنْ ماتَ محمد أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ يعني رجعتم إلى دينكم الأول
الشرك. ثُمّ قال: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ يَقُولُ
ومن يرجع إِلَى الشرك بعد الْإِيمَان فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ
شَيْئاً بارتداده من الْإِيمَان إلى الشرك إِنَّمَا يضر بذلك
نفسه وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ- 144- يعني الموحدين
للَّه فِي الآخرة وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ يعنى أن
تقتل إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ حتى يأذن الله فى موته كِتاباً
مُؤَجَّلًا فِي اللوح المحفوظ وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا
نُؤْتِهِ مِنْها يعني الَّذِين تركوا المركز يوم أحد وطلبوا
الغنيمة. وقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها الَّذِين
ثبتوا مَعَ أميرهم عَبْد اللَّه بن جُبَيْر الْأَنْصَارِيّ من
بني عمرو حَتَّى قتلوا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ- 145- يعني
الموحدين فِي الآخرة ثُمّ أخبر بما لقيت الْأَنْبِيَاء
والمؤمنون قبلهم يعزيهم ليصبروا، فقال- سبحانه-:
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ وكم من نَبِيّ «قاتَلَ مَعَهُ قبل
محمد» «2» رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ يعني الجمع الكثير فَما
وَهَنُوا يعني فَمَا عجزوا لما نزل بهم من قبل أنبيائهم
وأنفسهم
__________
(1) أى قال: اللَّهُمَّ، إني أعتذر إليك مما يَقُولُ هَؤُلاءِ،
وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء.. والحديث فى البخاري فى باب
الجهاد. وانظر أسباب النزول للواحدي: 71، 72 [.....]
(2) فى أ: قاتل معه قتل معه قبل محمد. والمثبت من ل.
(1/305)
لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما
ضَعُفُوا يعني خضعوا لعدوهم وَمَا اسْتَكانُوا يعني وما
استسلموا يعني الخضوع لعدوهم بعد قَتْل نبيهم فصبروا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ- 146- وَما كانَ قَوْلَهُمْ عِنْد قَتْل
أنبيائهم إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا
وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا يعني الخطايا الكبار فِي أعمالنا
وَثَبِّتْ أَقْدامَنا عِنْد اللقاء حَتَّى لا تزل وَانْصُرْنا
عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
- 147- أفلا تقولون كَمَا قَالُوا، وتقاتلون كَمَا قاتلوا،
فتدركون من الثواب فِي الدُّنْيَا والآخرة مثل ما أدركوا، فذلك
قوله- عَزَّ وَجَلّ- فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا
يَقُولُ أعطاهم النصر والغنيمة فِي الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوابِ
الْآخِرَةِ جنة اللَّه ورضوانه فَمنْ فعل ذَلِكَ فقد أحسن.
فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ-
148- وأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي قول المنافقين للمؤمنين،
عِنْد الهزيمة:
ارجعوا إلى إخوانكم فادخلوا فى دينهم. فقال- سبحانه-: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا
يعني المنافقين فِي الرجوع إلى أَبِي سُفْيَان يَرُدُّوكُمْ
عَلى أَعْقابِكُمْ كفارا بعد الإيمان فَتَنْقَلِبُوا
خاسِرِينَ- 149-[63 ب] إلى دينكم الأول بَلِ اللَّهُ
مَوْلاكُمْ «1» يعني يَقُولُ فأطيعوا اللَّه مولاكم يعني وليكم
وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ- 150- من أبي سُفْيَان وأصحابه
ومن معه من كفار العرب يوم أحد سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فانهزموا إلى مكة من غَيْر شيء
بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً
يعني ما لَمْ ينزل به كتابا فِيهِ حجة لهم بالشرك وَمَأْواهُمُ
النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ- 151- يعني مأوى
المشركين النار وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ يعني تقتلونهم بإذنه يوم أحد ولكم
النصر عليهم حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ يعنى ضعفتم عن ترك المركز
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ.
(1/306)
وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ
كان تنازعهم أنه قال بعضهم: ننطلق فتصيب الغنائم، وقَالَ
بعضهم: لا نبرح المركز كَمَا أمرنا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما
تُحِبُّونَ من النصر عَلَى عدوكم فقتل أصحاب الألوية من
المشركين مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا الَّذِين طلبوا
الغنيمة وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الَّذِين ثبتوا
فِي المركز حَتَّى قتلوا ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ من بعد أن
أظفركم عليهم لِيَبْتَلِيَكُمْ بالقتل والهزيمة وَلَقَدْ عَفا
عَنْكُمْ حيث لَمْ تقتلوا جميعًا عقوبة بمعصيتكم وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ فِي عقوبته عَلَى الْمُؤْمِنِينَ- 152- حيث لَمْ يقتلوا
جميعًا إِذْ تُصْعِدُونَ من الوادي إلى أحد وَلا تَلْوُونَ
عَلى أَحَدٍ يعني بأحد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ يعني
يناديكم من ورائكم يا مَعْشَر الْمُؤْمِنِين أَنَا رَسُول
اللَّه. ثُمّ قَالَ: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ وذلك أنهم
كانوا يذكرون فيما بينهم بعد الهزيمة ما فاتهم من الفتح
والغنيمة، وما أصابهم بعد ذَلِكَ من المشركين، وقتل إخوانهم
فهذا الغم الأول والغم الآخر إشراف خَالِد بن الْوَلِيد عليهم
من الشعب فِي الخيل، فَلَمَّا أن عاينوه ذعرهم «1» ذَلِكَ
وأنساهم ما كانوا فِيهِ من الغم الأول والحزن. فذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ من الفتح
والغنيمة وَلا ما أَصابَكُمْ من القتل والهزيمة وَاللَّهُ
خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- 153- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ
مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يعني من بعد غم الهزيمة
أمنة نعاسا، وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ألقى عَلَى بعضهم
النعاس فذهب غمهم، فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: يَغْشى النعاس
طائِفَةً مِنْكُمْ نزلت فِي سبعة نفر، فى أبى بكر [64 أ]
الصِّدِّيق، وعمر بن الخَطَّاب، وعلي بن أَبِي طَالِب، والحارث
بن الصمة، وسهل بن ضيف ورجلين من الأنصار- رضى الله عنهم-
__________
(1) فى أ: وغرهم، ل: ذعرهم.
(1/307)
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَطائِفَةٌ قَدْ
أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يعني الَّذِين لَمْ يلق عليهم
النعاس يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ كذبا يَقُولُ
المؤمنون إن محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ
قُتِل ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُ كظن جهال المشركين أَبُو
سُفْيَان «1» وأصحابه وذلك أنهم قَالُوا إن محمدا قَدْ قُتِل
يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ هَذَا قول
معتب بن قشير يعني بالأمر النصر يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
لنبيه- صَلَّى الله عليه وسلم- قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ يعني
النصر كُلَّهُ لِلَّهِ ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: يُخْفُونَ
فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ «يَقُولُونَ لَوْ كانَ
لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا» «2» يقول
يسرون فى قلوبهم ما لا يظهرون لك بألسنتهم وَالَّذِي أخفوا فِي
أنفسهم أنهم قَالُوا: لو كُنَّا فِي بيوتنا ما قتلناها هنا،
قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قُلْ لهم يا محمد: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ
لَبَرَزَ كَمَا تقولون لخرج من البيوت الَّذِينَ كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ فَمنْ كتب عَلَيْه
القتل لا يموت أبدا ومن كتب عَلَيْه الموت لا يقتل أبدا.
وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا
فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 154-
يَقُولُ اللَّه عليم بما فِي القلوب من الْإِيمَان والنفاق
والذين أخفوا فِي أنفسهم قولهم إن محمدا قَدْ قُتِل، وقولهم لو
كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا «3» هاهنا، يعني هَذَا المكان
فهذا الَّذِي قَالَ اللَّه- سُبْحَانَهُ- لهم: قل لهم يا محمد
لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا تقولون لَبَرَزَ
الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ
قوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يعني
انهزموا عن عدوهم مدبرين منهزمين يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
جمع الْمُؤْمِنِين وجمع المشركين يوم أحد إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ يعنى استفزهم الشيطان بِبَعْضِ ما
كَسَبُوا
__________
(1) فى أ: أبو سفين.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى حاشية أو فى الأصل: حرجنا.
(1/308)
من الذنوب يعني بمعصيتهم النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتركهم المركز منهم عُثْمَان بن
عَفَّان، ورافع بن المعلى، وخارجة بن زَيْد، وحذيفة ابن
عُبَيْد بن رَبِيعَة، وعثمان بن عُقْبة وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ
عَنْهُمْ حين لَمْ يقتلوا جميعًا عقوبة بمعصيتهم النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
لذنوبهم حَلِيمٌ- 155- عَنْهُمْ فِي هزيمتهم فلم يعاقبهم ثُمّ
وعظ اللَّه الْمُؤْمِنِين ألا يشكوا كشك المنافقين. فقال
سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا فِي القول
كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني المنافقين وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ
يعني عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، وذلك أَنَّهُ قَالَ يوم أحد
لعبد اللَّه بن رباب «1» الْأَنْصَارِيّ وأصحابه: إِذا
ضَرَبُوا يعني ساروا فِي الْأَرْضِ [64 ب] تجارا أَوْ كانُوا
غُزًّى جمع غاز «2» لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا يعني
التجار وَما قُتِلُوا يعني الغزاة قَالَ عَبْد اللَّه بن
أُبَيٍّ ذَلِكَ حين انهزم المؤمنون وقتلوا. يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ-: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ القتل حَسْرَةً يعني
حزنا فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي الموتى وَيُمِيتُ
الأحياء لا يملكهما غيره، وليس ذلك بأيديهم وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 156- وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ فى غير قتل لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ
لذنوبكم وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «3» - 157- من
الأموال ثُمّ حذرهم الْقِيَامَة فَقَالَ: وَلَئِنْ مُتُّمْ فِي
غير قتل أَوْ قُتِلْتُمْ فِي سبيله لَإِلَى اللَّهِ
تُحْشَرُونَ- 158- فيجزيكم بأعمالكم فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ فبرحمة اللَّه كان «4» إذ لنت لهم فِي
القول، وَلَم تسرع إليهم بما كان منهم يوم أحد
__________
(1) فى أ: دياب، ل: رباب.
(2) جمع غاز. هكذا كتب فى حاشية أ. ولا أدرى هل سقط من الأصل
فتداركه الناسخ أم هي زيادة للشرح والتوضيح. والمرجح أنه سقط
سهوا ثم تداركه الناسخ. لأنه لم يكتب بجواره محمد كعادته فيما
يزيده من نفسه.
(3) فى أ: تجمعون.
(4) فى أ: إذا:، فى ل: إذ.
(1/309)
يعنى المنافقين وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
باللسان غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرقوا
عنك يعني المنافقين فَاعْفُ عَنْهُمْ يَقُولُ اتركهم
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ لما كان منهم يوم أحد وَشاوِرْهُمْ فِي
الْأَمْرِ وذلك أن العرب فِي الْجَاهِلِيَّة كان إذا أراد
سيدهم أن يقطع أمرا دونهم وَلَم «1» يشاورهم شق ذَلِكَ عليهم.
فأمر اللَّه- عَزَّ وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- أن
يشاورهم فِي الأمر إذا أراد فَإِن ذَلِكَ أعطف لقلوبهم
عَلَيْه، وأذهب لضغائنهم فَإِذا عَزَمْتَ يَقُولُ فإذا فرق
اللَّه «2» لك الأمر بعد المشاورة فامض لأمرك فَتَوَكَّلْ «3»
عَلَى اللَّهِ يَقُولُ فثق بِاللَّه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ- 159- عَلَيْه يعني الَّذِين يثقون به إِنْ
يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ يعنى يمنعكم فَلا غالِبَ لَكُمْ يعني لا
يهزمكم أحد وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي
يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ يعني يمنعكم من بعد الله وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ- 160- وَما كانَ
لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ يعني أن يخون فِي الغنيمة يوم أحد وَلا
يجور فِي قسمته فِي الغنيمة
نزلت فِي الَّذِين طلبوا الغنيمة يوم أحد، وتركوا المركز،
وقالوا: إنا نخشى أن يَقُولُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أَخَذَ شيئًا فهو له ونحن هاهنا وقوف
فَلَمَّا رآهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: ألم أعهد إليكم ألا تبرحوا من المركز حَتَّى يأتيكم
أمري. قَالُوا: تركنا بَقِيَّة إخواننا وقوفا فَقَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ظننتم أَنَا
نغل فنزلت وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ
ثُمّ خوف اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من يغل فَقَالَ: وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ بر وفاجر ما كَسَبَتْ من خير أَوْ شر وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ- 161- فى أعمالهم. ثُمّ قال- سُبْحَانَهُ-:
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ
__________
(1) فى أ، ل: لم.
(2) لفظ الجلالة ليس فى ل ومثبت من أ.
(3) فى أ: وتوكل.
(1/310)
يعنى رضى ربه- عَزَّ وَجَلّ- وَلَم يغلل
كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ [65 أ] يعني استوجب السخط
من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي الغلول «ليسوا سواء ثُمّ بين
مستقرهما «1» فَقَالَ: وَمَأْواهُ يعني ومأوى من غل جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 162- يعني أَهْل الغلول» «2» .
ثُمّ ذكر- سُبْحَانَهُ- من لا يغل فَقَالَ: هُمْ يعني لهم
دَرَجاتٌ يعني لهم فضائل عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِما يَعْمَلُونَ- 163- من غل منكم ومن لَمْ يغل فهو بصير
بعمله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ يعني القرآن وَيُزَكِّيهِمْ يعني ويصلحهم
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ يعني القرآن وَالْحِكْمَةَ يعني
المواعظ التي فِي القرآن من الحلال والحرام والسنة وَإِنْ
كانُوا مِنْ قَبْلُ أن يبعث محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 164- يعني بين مثلها فِي
الجمعة «3» أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ وذلك أن سبعين
رَجُلا من الْمُسْلِمِين قتلوا يوم أحد يوم السبت فِي شوال
لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وقُتِل من المشركين قبل ذَلِكَ بسنة
فِي سبع عشرة ليلة خلت من رمضان ببدر سبعين رجلا، وأسروا سبعين
رَجُلا من المشركين. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ: قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْها من المشركين يوم بدر بمعصيتكم النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وترككم المركز «قُلْتُمْ أَنَّى
هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» «4» إِنَّ اللَّهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 165- من النصرة والهزيمة قدير وَما
أَصابَكُمْ من القتل والهزيمة بأحد
__________
(1) أى من يغل ومن لا يغل. [.....]
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل، من الغلول إلى الغلول.
ولعله سبق نظر من الناسخ.
(3) يشير إلى الآية الثانية من سورة الجمعة وهي هُوَ الَّذِي
بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ.
(4) ساقط من أ، ل.
(1/311)
الَّذِين قتلوا ببدر فأنزل اللَّه-
تَعَالَى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يعني قتلى بدر أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ- 169- الثمار فِي الجنة وذلك أن اللَّه-
تَعَالَى- جعل أرواح الشهداء طيرا خضرا ترعى فِي الجنة لها
قناديل معلقة بالعرش تأوي إلى قناديلها فاطلع اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- عليهم فَقَالَ- سبحانه-: هل تستزيدونى شيئا فأزيدكم؟
قالوا: أو لسنا نسرح فِي الجنة حيث نشاء ثُمّ اطلع عليهم أخرى
فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: هَلْ تستزيدوني شيئًا فأزيدكم؟ ثُمّ
اطلع الثالثة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- هَلْ تستزيدوني شيئًا
فأزيدكم؟
قَالُوا: ربنا نريد أن ترد أرواحنا فِي أجسادنا فنقاتل فِي
سبيلك مرة أخرى، لما نرى من كرامتك إيانا ثُمّ قَالُوا فيما
بينهم: ليت إخواننا الَّذِين فِي دار الدُّنْيَا يعلمون ما
نَحْنُ فِيهِ من الكرامة والخير والرزق فَإِن شهدوا قتالا
سارعوا بأنفسهم إلى الشهادة: فسمع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
كلامهم [66 أ] فأوحى إليهم أني منزل عَلَى نبيكم ومخبر إخوانكم
بما أنتم فِيهِ فاستبشروا بِذَلِك فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
يحبب الشهادة إلى الْمُؤْمِنِين وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ من الثمار. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ يعني راضين بما أعطاهم اللَّه
مِنْ فَضْلِهِ يعني الرزق وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ يعني من بعدهم من إخوانهم
فِي الدُّنْيَا أنهم لو رأوا قتالا لاستشهدوا ليلحقوا بهم. ثم
قال- سبحانه-: أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ- 170- عند الموت يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ يعني رحمة من اللَّه وَفَضْلٍ «1» ورزق وَأَنَّ
اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ- 171- يعنى أجر
المصدقين بتوحيد الله
__________
(1) ساقط من أ. وفى حاشية أعلامه على كلمة ورزق وتحت العلامة:
التلاوة وفضل.
(1/314)
- عز وجل- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ وذلك
أن المشركين انصرفوا يوم أحد ولهم الظفر فَقَالَ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني سائر فِي أثر القوم.
وكان النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أحد
عَلَى بغلة شهباء فدب المنافقون إلى الْمُؤْمِنِين. فقالوا:
أتوكم فِي دياركم فوطئوكم قتلا، وكان لَكُم النصر يوم بدر،
فكيف تطلبونهم وهم اليوم عليكم أجرأ، وأنتم اليوم أرعب. فوقع
فِي أنفس الْمُؤْمِنِين قول المنافقين، فاشتكوا ما بهم من
الجراحات فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنْ يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ... إلى آخر
الآية «1» . وأنزل اللَّه- تَعَالَى- إِنْ تَكُونُوا
تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ ... - يعني تتوجعون من
الجراحات إلى آخر الآية «2» . فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأطلبنهم ولو بنفسي. فانتدب مَعَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعون رَجُلا
من المهاجرين والأنصار حَتَّى بلغوا صفراء بدر الصغرى «3» فبلغ
أبا سُفْيَان «4» أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يطلبه فأمعن عائدا «5» إلى مكة مرعوبا ولقي أَبُو
سُفْيَان «6» نُعَيْم بن مَسْعُود الأشْجَعيّ، وَهُوَ يريد
المدينة. فَقَالَ: يا نُعَيْم: بلغنا أن محمدا فِي الأثر
فَأَخْبَرَه أن أَهْل مكة قَدْ جمعوا جمعا كثيرًا من قبائل
العرب لقتالكم، وأنهم لقوا أبا سُفْيَان فلاموه بكفه عنكم، بعد
الهزيمة حَتَّى هموا به، فردوه فَإِن رددت عنا محمدا فلك عشر
ذود من الإبل إذا رجعت إلى مكة فسار نُعَيْم فلقي النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى الصفراء.
__________
(1) سورة آل عمران: 140 وتمامها إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ
فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ
نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ.
(2) سورة النساء: 104 وتمامها وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ
الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ
كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
(3) فى أ: الصفراء، ل: الصغرى.
(4) فى أ: أبا سفين.
(5) فى أ، ل: عوادا.
(6) فى أ: أبا سفين.
(1/315)
فَقَالَ: ما وراءك يا نُعَيْم؟ فَأَخْبَرَه
بِقَوْلِ أَبِي سُفْيَان. ثُمّ قَالَ: أتاكم الناس. فَقَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَسْبُنَا
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نعم الملتجأ ونعم الحرز فأنزل
اللَّه- سُبْحَانَهُ-: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ [مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ
يعنى الجراحات لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ الفعل
وَاتَّقَوْا معاصيه أَجْرٌ عَظِيمٌ- 172- وَهُوَ الجنة «1» ]
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعنى نعيم بن مسعود وحده [66
ب] إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الجموع لقتالكم
فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً يعني تصديقا وَقالُوا
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ- 173- يعني النبي- صلى
الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- فأصابوا
فَانْقَلَبُوا يعني فرجعوا إلى المدينة بِنِعْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ وَفَضْلٍ يعني الرزق وذلك أنهم أصابوا سرية فِي
الصفراء، وذلك فِي ذِي القعدة لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ من
عدوهم فِي وجوههم وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ يعنى رضى
اللَّه فِي الاستجابة للَّه- عَزَّ وَجَلّ- وللرسول- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طلب المشركين يَقُولُ اللَّه-
سُبْحَانَهُ-:
[وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ- 174- على أهل طاعته] . «2»
__________
(1) ما بين الأقواس [ ... ] ساقط من أ، ل. وهو تمام الآية التي
يفسرها. وقد نقلته من مكان آخر فى صحيفة (66 ب) وكان مكانه (66
أ) : إن المذكور ختام الآية 172 آل عمران، ولكنه مذكور فى
الأصل فى ختام الآية 174 آل عمران.
(2) ما بين الأقواس [ ... ] من الجلالين.
وما فى أهو: يقول الله- سبحانه-: مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ
الْقَرْحُ يعنى الجراحات لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ الفعل
وَاتَّقَوْا معاصيه أَجْرٌ عَظِيمٌ وَهُوَ الجنة. والآية التي
يفسرها هي الآية 174 من آل عمران وخاتمتها وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ عَظِيمٍ. وقد ترك هذه الخاتمة وأتى بخاتمة آية أخرى
مشابهة وهي: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا
أَجْرٌ عَظِيمٌ وهي تمام الآية 172 آل عمران أى تمام الآية قبل
السابقة. فلم يذكرها فى ختام آية 172 بل ذكرها فى غير مكانها
فى ختام هذه الآية 174.
(1/316)
قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثابت، قال:
حَدَّثَنِي أبي، قال: حدثنا هُذَيْل:
قَالَ مُقَاتِلٌ: فنزلت هَذِهِ الآيات فِي ذِي القعدة بذي
الحليفة حين انصرفوا عن طلب أَبِي سُفْيَان وأصحابه بعد قتال
أحد إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ندب الناس يوم أحد فِي طلب
المشركين فَقَالَ المنافقون للمسلمين: قَدْ رأيتم ما لقيتم
لَمْ ينقلب إِلَّا شريد، وأنتم فِي دياركم تصحرون «1» وأنتم
أكلة رأس، واللَّه لا ينقلب منكم أحد، فأوقع الشَّيْطَان قول
المنافقين فِي قلوب الْمُؤْمِنِين. فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ
يعني يخوفهم بكثرة أوليائه من المشركين فَلا تَخافُوهُمْ
وَخافُونِ فى ترك أمرى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 175- يعني
إذ كنتم يَقُولُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فلا تخافوهم. ثُمّ
قَالَ: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
يعني المشركين يوم أحد إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ
شَيْئاً يقول لن ينقصوا اللَّه شيئًا من ملكه وسلطانه
لمسارعتهم «2» فِي الكفر، إنما يضرون أنفسهم بِذَلِك يُرِيدُ
اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ يعني
نصيبا فِي الجنة وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 176- ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ- يعنيهم: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ
بِالْإِيْمانِ يعني باعوا الْإِيمَان بالكفر لَنْ يَضُرُّوا
اللَّهَ يعني لن ينقصوا اللَّه من ملكه وسلطانه شَيْئاً حين
باعوا الْإِيمَان بالكفر إِنَّمَا ضروا أنفسهم بذلك وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ- 177- يعنى وجيع وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا أبا سُفْيَان وأصحابه يوم أحد أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ
حين ظفروا خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ فِي
الكفر لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ- 178-
يعني الهوان مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ يا
مَعْشَر الكفار عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
__________
(1) فى ل: تصحرون لكم، أ: تصحرون. ولعل معناه تنفرقون فى
الصحراء.
(2) فى أ: لسارعتم. [.....]
(1/317)
من الكفر حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ فِي علمه حَتَّى يميز أَهْل الكفر من أهل الإيمان
[67 أ] نظيرها فِي الأنفال «1» . ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وذلك أن
الكفار قَالُوا: إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن مِنَّا،
ومن يكفر. فأنزل الله- عز وجل-: وَما كانَ اللَّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ يعني ليطلعكم عَلَى غيب ذَلِكَ
إِنَّمَا الوحي إلى الْأَنْبِيَاء بِذَلِك.
فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي يستخلص
مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فيجعله رسولا فيوحي إِلَيْهِ ذَلِكَ
لَيْسَ الوحي إلا إلى الأنبياء فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
يعني صدقوا بتوحيد اللَّه- تَعَالَى- وبرسالة محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ تُؤْمِنُوا يعني تصدقوا
بتوحيد اللَّه- تَعَالَى- وَتَتَّقُوا الشرك فَلَكُمْ أَجْرٌ
عَظِيمٌ- 179- وَلا يَحْسَبَنَّ «2» الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني بما أعطاهم اللَّه من
فضله يعني من الرزق وبخلوا بالزكاة أن ذَلِكَ هُوَ خَيْراً
لَهُمْ بَلْ البخل هُوَ «3» شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا
بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وذلك أن كنز أحدهم يتحول
شجاعا أقرع ذكر، ولفيه زبيبتان كَأَنَّهما جبلان فيطوق به فِي
عنقه فينهشه فيتقيه بذراعيه فيلتقمهما «4» حَتَّى يقضى بين
الناس فلا يزال معه حَتَّى يساق إلى النار ويغل، وذلك قوله-
سُبْحَانَهُ-
__________
(1) يشير إلى قوله- تعالى-: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ
فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ
هُمُ الْخاسِرُونَ سورة الأنفال: 37.
(2) فى أ: تحسبن.
(3) هو: ساقطة من أ، ل.
(4) فى أ: فيلتقعهما.
(1/318)
سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
الْقِيامَةِ «1» » ، ثم قال- سبحانه-: وَلِلَّهِ مِيراثُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ إن بخلوا بالزكاة فالله يرثهم
ويرث أَهْل السموات وأهل الأرضين فيهلكون ويبقى وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ «2» خَبِيرٌ- 180- يعني فِي ترك الصدقة يعني
اليهود لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ
اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وذلك أن النبي- صلى الله
عليه وسلم- كتب مَعَ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ- إلى يهود قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصَّلاة وإيتاء
الزكاة وأن يقرضوا اللَّه قرضا حسنا. قَالَ فنحاص اليهودي:
إن اللَّه فقير حين يسألنا القروض ونحن أغنياء. وَيَقُولُ
اللَّه- عز وجل- سَنَكْتُبُ ما قالُوا فأمر الحفظة أن تكتب «3»
كُلّ ما قَالُوا وَتكتب قَتْلَهُمُ «4» الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ وَنَقُولُ «5» أَي تَقُولُ لهم خزنة جَهَنَّم فِي الآخرة
ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ- 181- ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ
أَيْدِيكُمْ من الكفر والتكذيب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ
بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 182- فيعذب على غير ذنب، ثُمّ أخبر عن
اليهود حين دعوا إلى الْإِيمَان فَقَالَ- تبارك وتعالى-:
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا
نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ
النَّارُ فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم-[67 ب] قُلْ لهم
__________
(1) قارن بأسباب النزول للسيوطي 76، 57.
وفى أسباب النزول للواحدي ص: 276 علق على هذه الآية بقوله:
جمهور المفسرين على أنها نزلت فى مانعي الزكاة. وروى عطية عن
ابن عباس أن الآية نزلت فى أحبار اليهود كتموا صفة محمد- صلى
الله عليه وسلم- ونبو. وأراد بالبخل كتمان العلم الذي أتاهم
الله.
(2) فى أ: (والله بما يعملون خبير) .
(3) فى أ: يكتبوا، ل: تكتب.
(4) فى أ: قتل.
(5) وتقول. وفى القرطبي: 98 (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ
الْحَرِيقِ) أى وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق
وفيه مبالغات فى الوعيد. ولم يذكر سوى هذا الوجه.
(1/319)
قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي
بِالْبَيِّناتِ يعني التبيين بالآيات وَبِالَّذِي قُلْتُمْ من
أمر القربان فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ فلم قتلتم «1» أنبياء
اللَّه من قبل محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ- 183- بما تقولون فَإِنْ كَذَّبُوكَ يا
محمد يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم فلست
بأول رسول كذب. فذلك قوله- سبحانه-: فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ
مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ يعني بالآيات وَالزُّبُرِ
يعني بحديث ما كان قبلهم والمواعظ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ-
184- يعني المضيء البين الذي فيه أمره ونهيه، ثُمّ خوفهم
فَقَالَ: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يعني جزاء أعمالكم يَوْمَ الْقِيامَةِ
فَمَنْ زُحْزِحَ يعني صرف عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
فَقَدْ فازَ يعني فقد نجى. ثُمّ وعظهم فَقَالَ: وَمَا
الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ- 185- يعني
الفاني الَّذِي لَيْسَ بشيء لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ نزلت في النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي بَكْر
الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- يعني بالبلاء والمصيبات
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ حين قَالُوا: إن اللَّه فقير. ثُمّ قَالَ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني مشركي العرب أَذىً كَثِيراً باللسان
والفعل وَإِنْ تَصْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ الأذى وَتَتَّقُوا
معصيته فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 186- يعني
ذَلِكَ الصَّبْر والتقوى من خير الأمور التي أمر اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- بها وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ يعنى أعطوا التوراة وَلا تَكْتُمُونَهُ «2» أَي أمره
وأن تتبعوه فَنَبَذُوهُ يعني فجعلوه وَراءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ بكتمان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثَمَناً قَلِيلًا وذلك أن
__________
(1) فى أ: تقتلون. فى الأصل تقديم لكلمة (فلم قتلتموهم) على
كلمة وبالذي قلتم. فأصلحت ذلك.
(2) كتب فى أ: (ولا تكتموا) أمره.
(1/320)
سفلة اليهود كانوا يعطون رءوس اليهود من
ثمارهم وطعامهم عِنْد الحصاد. ولو تابعوا محمدا- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذهب عَنْهُمْ ذَلِكَ المأكل.
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ- 187-
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وذلك أن
اليهود قالوا للنبي- صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين دخلوا
عَلَيْه: نعرفك نصدقك وليس ذَلِكَ فِي قلوبهم. فَلَمَّا خرجوا
من عِنْد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
لهم المسلمون: ما صنعتم؟ قَالُوا: عرفناه وصدقناه. فَقَالَ
المسلمون: أحسنتم بارك اللَّه فيكم. وحمدهم المسلمون عَلَى ما
أظهروا من الْإِيمَان بالنَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-[68 أ]
فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما
لَمْ يَفْعَلُوا يا محمد فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ
الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 188- يعنى وجيع ثُمّ عظم
اللَّه نفسه فَقَالَ: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وما بَيْنَهُمَا من الخلق عبيده وَفِي ملكه
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 189- إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقين عظيمين وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ- 190- يعني أهل اللب
والعقل ثُمّ نعتهم فَقَالَ- سبحانه-:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا يَقُولُ عبثا
لغير شيء لقَدْ خلقتهما لأمر قد كان سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ
النَّارِ- 191- رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ
أَخْزَيْتَهُ يعني من خلدته فِي النار فقد أهنته وَما
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ- 192- يعني وما للمشركين من مانع
يمنعهم من النار. قَالُوا: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً
يُنادِي لِلْإِيمانِ فهو محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- داعيا يدعو إلى التصديق أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ
يعني صدقوا بتوحيد ربكم فَآمَنَّا أَي فأجابه المؤمنون فقالوا:
ربنا آمنا «1» يعنى
__________
(1) فى أ: آمنا. وفى حاشية أ: التلاوة فآمنا.
(1/321)
صدقنا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا
وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا يعني امح عنا خطايانا
وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ- 193- يعني المطيعين قَالُوا:
رَبَّنا وَآتِنا يعني وأعطنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ
يَقُولُ أعطنا من الجنة ما وعدتنا عَلَى ألسنة رسلك وَلا
تُخْزِنا يعني وَلا تعذبنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا
تُخْلِفُ الْمِيعادَ- 194- فأخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بفعلهم
وبما أجابهم. وأنجز اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لهم موعوده فذلك
قوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَقَالَ: أَنِّي
لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ فِي الخير مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا إلى
المدينة وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وذلك أن كفار مكة أخرجوا
مؤمنيهم من مكة ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَأُوذُوا فِي
سَبِيلِي يعني فِي سبيل دين الْإِسْلام وَقاتَلُوا المشركين
وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ يعني لأمحون عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ يعني خطاياهم وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني بجنات البساتين،
ذَلِكَ الَّذِي ذكر كان ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ- 195- يعني الجنة نزلت فِي أم
سَلَمَة- أم الْمُؤْمِنِين رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- ابنة أبي
أمية المخزومي حين قالت:
مالنا مَعْشَر النساء عِنْد اللَّه خير وما يذكرنا بشيء ففيها
«1» نزلت
__________
(1) أى أن كلام أم سلمة كان سببا فى نزول آية إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ..
الآية: سورة الأحزاب 35. ونزول الآية التي معنا فى آل عمران
وهي: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ
عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ
بَعْضٍ سورة آل عمران: 195.
وفى علم أسباب النزول، يذكرون: أن السبب قد يكون واحدا ويتعدد
ما ينزل من القرآن بسببه، ويستشهدون لذلك بكلام أم سلمة حين
قالت: مالنا معشر النساء عند الله خير هو وما يذكرنا بشيء فنزل
بسبب ذلك ثلاث آيات:
أ- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ ... سورة الأحزاب: 35.
ب- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ
عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ... سورة آل عمران:
195.
ج- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ سورة النحل: 97.
(1/322)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فى الأحزاب إلى آخر الآية
«1» [68 ب] فأشرك اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الرجال مَعَ النّساء
فِي الثواب كَمَا شاركن الرجال فِي الأعمال الصالحة فى الدنيا
لا يَغُرَّنَّكَ يا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-
تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ- 196- نزلت فِي
مشركي العرب وذلك أن كفار مكة كانوا فِي رخاء ولين عيش حسن
فَقَالَ بعض الْمُؤْمِنِين: أعداء اللَّه فيما ترون من الخير
وَقَدْ أهلكنا الجهد. فأخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بمنزلة
الكفار فِي الآخرة، وبمنزلة الْمُؤْمِنِين فِي الآخرة،
فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: لا يَغُرَّنَّكَ يا محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما فِيهِ الكفار من الخير والسعة
فَإِنَّمَا هُوَ مَتاعٌ قَلِيلٌ يمتعون بها إلى آجالهم ثُمَّ
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ- 197- فبين الله-
تعالى- مصيرهم ثُمّ بين منازل الْمُؤْمِنِين فِي الآخرة،
فَقَالَ- سبحانه-: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ وحدوا
ربهم لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها لا يموتون كان ذَلِكَ نُزُلًا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ- 198- يعنى
المطيعين وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى ابن سلام لَمَنْ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ «2» يعنى يصدق بالله وَما أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- من القرآن وَما
أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من التوراة، ثُمّ نعتهم فَقَالَ:
خاشِعِينَ لِلَّهِ يعني متواضعين للَّه لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ
اللَّهِ يعني بالقرآن ثَمَناً قَلِيلًا يعني عرضا يسيرا من
الدُّنْيَا كفعل اليهود بما أصابوا من سفلتهم من المأكل من
الطعام والثمار عِنْد الحصاد ثُمّ قَالَ يعني»
مؤمني أَهْل التوراة
__________
(1) سورة الأحزاب: 35 وتمامها. إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ
وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. [.....]
(2) فى أ: ليؤمن بالله.
(3) يعنى: بمعنى يقصد.
(1/323)
ابن سلام وأصحابه أُولئِكَ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ يعني جزاؤهم فِي الآخرة عِنْدَ رَبِّهِمْ وهي الجنة
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 199- يقول كأنه قد جاء يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا على أمر اللَّه- عز وجل-
وفرائضه وَصابِرُوا مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي المواطن وَرابِطُوا العدو فِي سبيل اللَّه
حَتَّى يدعوا دينهم لدينكم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تعصوا ومن
يفعل ذَلِكَ فقد أفلح فذلك قوله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ-
200-.
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يُحَدِّثُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأَهْلِ نَجْرَانَ. هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ
لأَهْلِ نَجْرَانَ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ، وَكُلِّ صَفْرَاءَ
وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ فَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ
وَتَرَكَ ذلك كله على ألفى حلة كل حُلَلِ الأَلْوَانِ «1» فِي
كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ «وَفِي
كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ» «2»
فَمَا زَادَ مِنْ حلل الخراج [69 أ] عَلَى الأَوَاقِ
فَبِحِسَابِهِ، وَمَا قَصُرَ مِنْ دِرْعٍ أَوْ حُلَّةٍ أَوْ
خَيْلٍ «3» أَوْ رِكَابٍ أَوْ عِرْضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ
بِحِسَابِهِ، وَعَلَى نَجْرَانَ مَثُوبَةُ رُسُلِ رَسُولِ
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِشْرِينَ
لَيْلَةً وَلا تَحْبِسُ رَسُولِي فَوْقَ شَهْرٍ وَعَلَيْهِمْ
عَارِيَةُ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا وَثَلاثِينَ
بَعِيرًا إِذَا كَانَ «كُبِّدَ «4» بِالْيَمَنِ» ذُو
مَعْذِرَةٍ وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللَّهِ-
عَزَّ وَجَلَّ- وَذِمَّةُ محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
«5» علي أنفسهم
__________
(1) فى أ: الأواق، ل: الألوان.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أومثبت فى ل.
(3) فى ل: زيادة أو حلى.
(4) فى ل: كيد بالتمرد.
(5) فى أ: وذمة محمد رسوله- صلى الله عليه وسلم. وفى ل:
وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم.
(1/324)
وما لهم وأرضهم وأمولهم وَغَائِبِهِمْ
وَشَاهِدِهِمْ وَتَابِعِهِمْ ولا يُغَيَّرُ مَا كَانُوا
عَلَيْه وَلا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلا مِلَّةٌ
مِنْ مِلَلِهِمْ، وَلا يُغَيَّرُ أُسْقُفُّ عَنْ
أُسْقُفُيَّتِهِ، وَلا رَاهِبٌ عَنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَعَلَى
«1» مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. وَلَيْسَ
عَلَيْهِمْ رِبًا وَلا دَمُ جَاهِلِيَّةٍ وَلَا يُحَسَّرُونَ
وَلا يُعَشَّرُونَ وَلا يَطَأُ أَرْضَهُمْ حَاشِرٌ وَمَنْ
سَأَلَ فِيهِمْ حَقًّا أُنْصِفَ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلا
مَظْلُومِينَ وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي
مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَلا يُؤْخَذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِطَلَبِ
آخَرَ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ
اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مَا
نَصُحوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ غَيْرَ
مُتَغَلِّبِينَ بِظُلْمٍ. شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ،
وغيلان ابن عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ،
وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَالْمُغِيرَةُ. وَكَتَبَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام. وَزَعَمَ «2» أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا مِنْ
كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا
الهذيل: سَمِعْتُ الْمُسَيِّبَ وَالضَّرِيرَ يُحَدِّثَانِ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: لَوْ
كَانَ عَلِيًّا طَاعِنًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- لَطَعَنَ عَلَيْهِ حِينَ جَاءَ «3»
أَهْلُ نَجْرَانَ وَمَعَهُمْ قِطْعَةُ أَدِيمٍ فِيهِ كِتَابٌ
عَلَيْه خَاتَمُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالُوا لِعَلِيٍّ- عَلَيْه السَّلامُ-:
نَنْشُدُكَ اللَّهَ كِتَابُكَ بِيَدِكَ وَشَفَاعَتُكَ
بِلِسَانِكَ أَلا مَا رَدَدْتَنَا إِلَى نَجْرَانَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَعُونِي فَإِنَّ
عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ.
قَالَ الأَعْمَشُ: فَسَأَلْتُ «4» سَالِمًا كَيْفَ كَانَ
إِخْرَاجُ عمر- رضى الله
__________
(1) أى وذمة الله ورسوله على ما تحت أيديهم.
(2) أى زعم على (رضى الله عنه) أن أبا بكر كتب لهم كتابا آخر
يشبه كتاب رسول الله.
(3) فى أ: جاءوا.
(4) فى ل: فسألته يعنى سالما والمثبت من أ.
(1/325)
عَنْهُ- إِيَّاهُمْ قَالَ كَثُرُوا حَتَّى
صَارُوا أَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ
أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْهِمْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ
فَجَاءُوا إِلَى عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالُوا:
قَدْ فَسَدَ الَّذِي بَيْنَنَا فَذَهَبُوا فَاغْتَنَمَهَا
عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ثُمَّ جاءوا [69 ب] إليه
فَقَالُوا:
قَدِ اصْطَلَحْنَا فَأَقِلْنَا. فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا
أُقِيلُكُمْ أَبَدًا فَأَخْرَجَ فِرْقَةً إِلَى الشَّامِ
وَفِرْقَةً إِلَى الْعِرَاقِ وَفِرْقَةً إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى.
قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثابت، قال: حَدَّثَنِي أَبِي،
قَالَ: حدثنا الْهُذَيْلُ فِي قوله- عَزَّ وَجَلّ-:
[لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ «وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ» «1» ] فيها تقديم «2» ولم أسمع مقاتل.
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » هكذا فى أ: أذى كثيرا بعضكم من
بعض.
(2) فيها تقديم أى تقديم تفسيرها فى أول هذا الربع الأخير من
السورة- ولم أسمع مقاتل:
أى أن هذيلا لم يسمع هذه الرواية من مقاتل بل رواها عن غيره.
وفى هذا دليل على أن هذا التفسير لمقاتل وأنه برواية هذيل بن
حبيب. وأن هذيلا كان يضيف زيادات قليلة إلى التفسير وما زاده
على تفسير مقاتل كان ينص على أنه لم يسمعه من مقاتل.
(1/326)
|