تفسير مقاتل بن سليمان

سورة النساء

(1/327)


[سورة النساء (4) : الآيات 1 الى 176]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14)
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39)
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64)
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69)
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74)
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79)
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (84)
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89)
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94)
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99)
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104)
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119)
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124)
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129)
وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139)
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144)
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164)
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169)
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)

(1/329)


بسم الله الرحمن الرحيم [سورة النساء] «1» مدنية وهي مائة وستة وسبعون آية كوفية
__________
(1) مجمل ما اشتملت عليه السورة اشتملت سورة النساء إجمالا على الآتي:
بيان خلقة آدم وحواء، والأمر بصلة الرحم، والنهى عن أكل مال اليتيم وما يترتب عليه من عظم الإثم والعذاب لآكليه، وبيان المناكحات، وعدد النساء وحكم الصداق، وحفظ المال من السفهاء، وتجربة اليتيم قبل دفع المال إليه، والرفق بالأقارب وقت قسمة الميراث، وحكم ميراث أصحاب الفروض وذكر ذوات المحارم وبيان طول الحرة، وجواز التزوّج بالأمة واجتناب الكبائر، وفضل الرجال على النساء، وبيان الحقوق، وحكم السكران وقت الصلاة. وآية التيمم، وذم اليهود وتحريفهم التوراة، ورد الأمانات إلى أهلها (آية 58) وصفة المنافقين فى امتناعهم عن قبول أوامر القرآن الآيات (60- 68) والأمر بالقتال الآيات (71- 85) ، ووجوب رد السلام والنهى عن موالاة المشركين.
وتفصيل قتل العمد والخطأ (الآيات 92، 93) .
وفضل الهجرة ووزر المتأخرين عنها، والإشارة إلى صلاة الخوف حال القتال (آية 102) . [.....]

(1/353)


والنهى عن حماية الخائنين، وإيقاع الصلح بين الأزواج والزوجات وإقامة الشهادات، ومدح العدل (آية 135) .
وذم المنافقين. وذم اليهود، وذكر قصدهم من قتل عيسى- عليه السلام- فى الآيات (141- 161) .
وفضل الراسخين فى العلم وإظهار فساد اعتقاد النصارى وافتخار الملائكة والمسيح بمقام العبودية، وذكر ميراث الكلالة.
(بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي، مع كتب التفسير وعلوم القرآن، وينبغي الإمساك بالمصحف عند قراءة المقصد الإجمالى للسورة) .

(1/354)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ يخوفهم يقول اخشوا ربكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها «1» يعني من نفس آدم من ضلعه حواء، وإنما سميت حواء لأنها خلقت من حي آدم. قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً «2» يَقُولُ وخلق من آدم وحواء رجالا كثيرًا ونساء، هُمْ ألف أمة وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ يَقُولُ تسألون بِاللَّه بعضكم ببعض الحقوق والحوائج واتقوا الأرحام أن تقطعوها وصلوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً 1- يعنى حفيظا لأعمالكم وَآتُوا الْيَتامى يعني الأوصياء يعني أعطوا اليتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ يَقُولُ وَلا تتبدلوا الحرام من أموال اليتامى بالحلال من أموالكم، ولا تذرو الحلال وتأكلوا الحرام وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ يعني مع أموالكم، كقوله- سُبْحَانَهُ-: فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «3»
__________
(1) ورد فى تفسير الدر المنثور للسيوطي: 2/ 116. ما يأتى:
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ قال آدم وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها قال حواء من قصيراء آدم وهو نائم. وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها قال:
خلق حواء من ضلع الخلف وهو أسفل الأضلاع.
وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها فى الرجال فاحبسوا نساءكم، وخلق الرجل من الأرض فجعل نهمته فى الأرض.
(2) أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية. المرجع السابق.
(3) الآية 13 من سورة الشعراء وتمامها: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ.

(1/355)


يعني معي «1» هَارُون إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً 2- يعني إثما كبيرا بلغة الحبش، وَقَدْ كان أَهْل الْجَاهِلِيَّة يسمون الحوب الإثم.
نزلت فِي رَجُل من غطفان، يُقَالُ لَهُ المنذر بن رِفَاعة، كان معه مال كبير ليتيم وَهُوَ ابْن أَخِيهِ، فَلَمَّا بلغ طلب ماله، فمنعه فخاصمه إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر، أن يرد عَلَيْه ماله، وقرأ عَلَيْه الآية. فَلَمَّا سمعها قَالَ: أطعنا اللَّه وأطعنا الرَّسُول، ونعوذ بِاللَّه من الحوب الكبير. فدفع إِلَيْهِ ماله فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هكذا من يطع ربه- عَزَّ وَجَلّ- ويوق شح نفسه فَإنَّهُ يحل داره» يعني جنته. فلما قبض الفتن ماله أنفقه فى سبيل الله [70 أ] قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثبت الأجر وبقي الوزر» .
فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ عرفنا ثبت الأجر فكيف بقي الوزر، وَهُوَ ينفق فِي سبيل اللَّه؟ فَقَالَ: الأجر للغلام والوزر عَلَى والده
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى نزلت فِي خميصة «2» بن الشمردل وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
أنزل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً يعني بغير حق إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «3» فخاف المؤمنون الحرج فعزلوا كُلّ شيء لليتيم من طعام أَوْ لبن أَوْ خادم أَوْ ركوب فلم يخالطوهم فِي شيء منه فشق ذَلِكَ عليهم وعلى اليتامى فرخص اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من أموالهم فِي الخلطة «4» ، فَقَالَ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فنسخ من ذَلِكَ الخلطة «5» فسألوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عما لَيْسَ به بأس وتركوا أن يسألوه عما هُوَ أعظم منه، وذلك أنه كان يكون عند
__________
(1) فى أ: مع، ل: معى.
(2) فى أ: حميضه، ل خميصة.
(3) سورة النساء: 10.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) أى أن مخالطة اليتامى كان منهيا عنها ثم نسخ النهى عن الخلطة بقوله تعالى: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ سورة البقرة: 220.

(1/356)


الرَّجُل سبع نسوة أو ثمان أَوْ عشر حرائر لا يعدل بينهن، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى يَقُولُ ألا تعدلوا فِي أمر اليتامى فخافوا الإثم فِي أمر النّساء، واعدلوا بينهن فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ يعني ما يحل لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ وَلَم يطب «1» فوق الأربع. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَإِنْ خِفْتُمْ الإثم أَلَّا تَعْدِلُوا فى الاثنتين والثلاث والأربع فِي القسمة والنفقة فَواحِدَةً يَقُولُ فتزوج واحدة، وَلا تأثم فَإِن خفت أن لا تحسن إلى تِلْكَ الواحدة أَوْ مَا «2» مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الولائد فاتخذ منهن ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا- 3- يَقُولُ ذَلِكَ أجدر ألا تميلوا عن الحق فِي الواحدة وَفِي إتيان الولائد بعضهم عَلَى بعض، ولما نزلت مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ
كان يومئذ تحت قَيْس بن الْحَارِث ثمان نسوة، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خل سبيل أربعة منهن، وأمسك أربعة. فَقَالَ للتي يريد إمساكها: أقبلي. وللتي لا يريد إمساكها: أدبري فأمسك أربعة وطلق أربعة
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً وذلك أن الرَّجُل كان يتزوج بغير مهر. فيقول: أرثك وترثيني وتقول المرأة: نعم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَآتُوا النِّساءَ يعني أعطوا الأزواج «3» النّساء صَدُقاتِهِنَّ يعني مهورهن نِحلة يعني فريضة فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ يعني أحللن لَكُمْ يعني الأزواج عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ [70 ب] يعنى المهر نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً- 4- يعني حلالا مريئا يعني طيبا وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ يعني الجهال بموضع الحق فِي الأموال يعني لا تعطوا نساءكم وأولادكم أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً يعني قواما لمعاشكم «4» فإنهن سفهاء يعني جهالا بالحق نظيرها فى البقرة
__________
(1) فى أ: ولم يطيب.
(2) فى أ: فما. وفى الحاشية التلاوة «أومأ» .
(3) فى أ: يعنى الأزواج.
(4) فى الأصل: لمعايشكم.

(1/357)


سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً «1» وَلا يدري الصغير ما عَلَيْه من الحق فِي ماله وَلَكِن وَارْزُقُوهُمْ فِيها يَقُولُ أعطوهم منها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 5- يعني العدة الحسنة «2» أني سأفعل، وكنت أَنْت القائم على مالك «3» . وَابْتَلُوا الْيَتامى يَقُولُ اختبروا عقولهم حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ يعنى الحلم فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً معشر الأولياء والأوصياء صلاحا فِي دينهم وحفظا لأموالهم فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ التي معكم وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً يعني بغير حق وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا يَقُولُ يبادر أكلها خشية أن يبلغ اليتيم الحلم فيأخذ منه ماله، ثُمّ رخص للذي معه مال اليتيم، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ عن أموالهم وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعنى بالفرض فَإِن أيسر رد عَلَيْه، وإلا فلا إثم عَلَيْه فَإِذا دَفَعْتُمْ يعني الأولياء والأوصياء إِلَيْهِمْ يعني إلى اليتامى أَمْوالَهُمْ إذا احتلموا فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بالدفع إليهم وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً- 6- يعني شهيدا فلا شاهد أفضل من اللَّه بينكم وبينهم، نزلت فِي ثَابِت بن رِفَاعة وعمه وذلك أن رِفَاعة تُوُفّي وترك ابنه ثَابِت فولي ميراثه، فنزلت فيه وَابْتَلُوا الْيَتامى يقول واختبروا يعني به عم ثابت بن رفاعة «اليتامى» يعني ثَابِت بن رِفَاعة. الآية كلها حَتَّى قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً وقوله- سُبْحَانَهُ-: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ نزلت فِي أوس بن مَالِك الْأَنْصَارِيّ وذلك أن أوس بن مالك الأنصاري تُوُفّي وترك امرأته أم كحة الأنصارية، وترك ابنتين إحداهن صفية «4» وترك ابني عمّه عرفطة وسويد ابني الحارث «فلم يعطياها
__________
(1) سورة البقرة: 282.
(2) أخرج ابن جرير عن ابن زيد فى قوله تعالى وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أى قل له عافانا الله وإياك. وبارك الله فيك. [.....]
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) فى أ، ل: صفيه.

(1/358)


وَلا ولداها شيئًا «1» » من الميراث. وكان أهل الْجَاهِلِيَّة لا يورثون النّساء وَلا الولدان الصغار شيئًا ويجعلون الميراث لذوي الأسنان منهم، فانطلقت أم كحة وبناتها إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن أباهن تُوُفّي، وإن سُوَيْد بن الْحَارِث، وعرفطة منعاهن حقهن من الميراث. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي أم كحة وبناتها لِلرِّجالِ نَصِيبٌ يعنى حظا [71 أ] وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ يعنى حظا مِمَّا قَلَّ مِنْهُ يعني من الميراث أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً- 7- يعني حظا مفروضا يعني معلوما فأخذت أم كحة الثمن وبناتها الثلثين وبقيته لسويد وعرفطة وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ يعني قسمة المواريث فيها تقديم «2» .
وإذا حضر أُولُوا الْقُرْبى يعني قرابة الميت وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ قسمة المواريث فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ يعني فأعطوهم من الميراث وإن قل وليس بموقت «3» هَذِهِ قبل قسمة المواريث وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 8- يَقُولُ- سُبْحَانَهُ- إن كَانَت الورثة صغارا فليقل أولياء الورثة لأهل هَذِهِ القسمة: إن بلغوا أمرناهم أن يدفعوا حقكم ويتبعوا وصية ربهم- عز وجل- وإن ماتوا وورثناهم وأعطيناكم حقكم فهذا القول المعروف يعني العدة الحسنة، ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً فهو الرَّجُل يحضر الميت فيقول لَهُ قدِم لنفسك أوص لفلان وفلان حَتَّى يوصي بعامة ماله فيزيد عَلَى الثلث فنهى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن ذَلِكَ فَقَالَ: وليخش الَّذِين يأمرون الميت بالوصية بأكثر من الثلث، فليخش عَلَى ورثة الميت الفاقة والضيعة، كَمَا يخشى عَلَى ذريته الضعيفة
__________
(1) فى أ: فلم يعطيا هؤلاء لها شيئا.
(2) أى تقدم الكلام عن المواريث.
(3) أى ليس هناك توفيت للإعطاء قبل القسمة أو بعدها فيجوز إعطاء الأقارب قبل تقسيم التركة أو بعده.

(1/359)


من بعده، فكذلك لا يأمر الميت بما يؤثمه فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً يعني عجزة لا حيلة لهم نظيرها فِي البقرة «1» .
خافُوا عَلَيْهِمْ الضيعة فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا إذا جلسوا إلى الميت قَوْلًا سَدِيداً- 9- يعني عدلا فليأمره بالعدل فِي الوصية فلا يحرفها وَلا يجر فيها إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً بغير حق إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً- 10- وذلك أن خازن النار يأخذ شفتيه وهما أطول من مشفري البعير وطول شفتيه أربعون ذراعا إحداهما بالغة عَلَى منخره، والأخرى عَلَى بطنه فيلقمه جمر جَهَنَّم ثُمّ يقول كُل بأكلك أموال اليتامى ظلما. فنسخت هَذِهِ الآية وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
«2» ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «3» فرخص فِي المخالطة وَلَم يرخص فِي أكل أموال اليتامى ظلما. ثُمّ بين قسمة المواريث بين الورثة. فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يعني بنات أم كحة فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ ابنة واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [71 ب] الميت إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
__________
(1) يقصد الآية 266- من سورة البقرة وهي: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
(2) سورة الأنعام: 152.
(3) الآية 220 من سورة البقرة وتمامها: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
يقصد أن آية البقرة نسخت آيتي النساء. فأباحت المخالطة بالمعروف. وليس هنا نسخ ولكنه تخصيص للعام فآية النساء نهت عن المخالطة عامة وآية البقرة أباحت المخالطة بالمعروف. وظل النهى قائما عن كل مخالطة بغير التي هي أحسن.

(1/360)


وبقية المال للأب فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وما بقي فللأب مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ يعني إلى الثلث أَوْ دين عَلَيْه فَإنَّهُ يبدأ بالدين من ميراث الميت بعد الكفن ثُمّ الوصية بعد ذَلِكَ ثُمّ الميراث.
آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً «1» يعني فِي الآخرة فيكون معه فِي درجته، وذلك أن الرَّجُل يَكُون عمله دون عمل ولده أَوْ يَكُون عمله دون عمل والده، فيرفعه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي درجته لتقر أعينهم. ثُمّ قَالَ فِي التقديم لهذه القسمة فَرِيضَةً ثابتة مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً- 11- فِي الميراث «حَكِيماً» حكم قسمته. وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إذا متن إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ عليهم. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ بعد الموت من الميراث إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من المال مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ فيها تقديم يُورَثُ كَلالَةً والكلالة الميت يموت، وليس لَهُ وَلَد وَلا والد وَلا جد وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ فهم الإخوة لأم والذكر والأنثى فِي الثلث سواء وَلا يوصي لوارث وَلا يقر بحق لَيْسَ عَلَيْه مضارة للورثة فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ يعني هَذِهِ القسمة فريضة من اللَّه وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالضرار يعني من يضار فِي أمر الميراث حَلِيمٌ- 12- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني هَذِهِ القسمة فريضة من اللَّه وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى قسمة
__________
(1) فى أ: فسر هذا الجزء فى آخر الآية 11 فوضعته فى مكانه.

(1/361)


المواريث يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَذلِكَ الثواب الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 13- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي قسمة المواريث فلم يقسمها وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يعني يخالف أمره وقسمته إلى غيرها يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ- 14- يعني الهوان. فَلَمَّا فرض اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لأم كحة وبناتها انطلق سُوَيْد وعرفطة وعيينة بن حصن إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [72 أ] ، فقالوا: إن المرأة لا تركب فرسا وَلا تجاهد، وليس عِنْد الصبيان الصغار منفعة فِي شيء. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي ذَلِكَ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ يعني ما بين فِي قسمة المواريث فِي أول السورة ويفتيكم فِي بنات أم كحة فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ (مَا كُتِبَ لَهُنَّ) «1» وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ... إلى قوله- سُبْحَانَهُ-: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً «2» .
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ يعني المعصية وهي الزنا وهي المرأة الثيب تزني ولها زوج فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ عدولا فَإِنْ شَهِدُوا عليهن بالزنا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ وإن كان لها زوج وَقَدْ زنت أَخَذَ الزوج المهر منها من غَيْر طلاق وَلا حد وَلا جماع وتحبس فِي السجن حَتَّى تموت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا- 15- يعني مخرجا من الحبس وَهُوَ الرجم يعني الحد فنسخ الحد فى سورة النور الحبس
__________
(1) ما بين الأقواس ( ... ) ساقط من أ.
(2) الآية 127 سورة النساء وتمامها. وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً.

(1/362)


فِي البيوت. ثُمّ ذكر البكرين اللذين لَمْ يحصنا فقال- عز وجل-:
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ يعني الفاحشة وَهُوَ الزنا منكم فَآذُوهُما باللسان يعني بالتعيير والكلام القبيح، بما عملا وَلا حبس عليهما لأنهما بكران فيعيران ليندما ويتوبا يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَإِنْ تابا من الفاحشة وَأَصْلَحا العمل فيما بقي فَأَعْرِضُوا عَنْهُما يعني فلا تسمعوهما الأذى بعد التوبة إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً- 16- ثُمّ أنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي البكرين فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «1» فنسخت هَذِهِ الآية «2» التي فِي النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «3»
فَلَمَّا أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالجلد قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّه أكبر، جاء اللَّه بالسبيل البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم «4» بالحجارة، فأخرجوا من البيوت فجلدوا مائة، وحدوا فلم يحبسوا «5» .
فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ- أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا يعنى مخرجا من الحبس «يجلد البكر ورجم المحصن» «6» إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ يعني التجاوز عَلَى اللَّه لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ فكل ذنب يعمله الْمُؤْمِن فهو جهل منه ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ يعني قبل الموت فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني يتجاوز عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً- 17- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني الشرك حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ
__________
(1) سورة النور: 2.
(2) فى أ: الآية، ل الآية:
(3) ما بين الأقواس « ... » من ل. وليس فى أ. [.....]
(4) فى أ: ورجما
(5) أى أن آية النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ... الآية. نسخت آيتي النساء 15- 16 الداعيتين إلى الحبس والإيذاء لمن ارتكب الفاحشة.
(6) ما بين الأقواس « ... » ليس فى ل.
وفى أ: مخرجا من الحبس ورجم المحصن وقد زدت ما اقتضاه المقام.

(1/363)


فلا توبة له عند الموت وَلَا توبة الَّذِينَ «1» يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً- 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [72 ب]
نزلت في محصن بن أبي قيس بن الأسلت الْأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بن الخزرج، وَفِي امرأته هند بِنْت صبرة، وَفِي الأسود ابن خلف الجزاعى، وَفِي امرأته حبيبة بِنْت أَبِي طَلْحَة، وَفِي منظور بن يسار الفزاري وفى امرأته ملكة بِنْت خَارِجَة بن يَسَار المري، تزوجوا نساء آبائهم بعد الموت وكان الرَّجُل من الأَنْصَار «إذا مات لَهُ حميم» «2» عمد الَّذِي يرث الميت وألقى عَلَى امرأة الميت ثوبا فيرث تزويجها رضيت أَوْ كرهت عَلَى مثل مهر الميت فأن ذهب المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عَلَيْهَا ثوبا فهي أحق بنفسها فأتين النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن: يا رَسُول اللَّهِ، ما يدخل بنا، وَلا ينفق علينا، لا نترك أن نتزوج. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي هَؤُلاءِ النفر لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً
يعنى وهن كارهات، ولكن تزوجوهن برضى منهن، وكان أحدهم يَقُولُ: أنا أرثك لأني ولي زوجك، فأنا أحق بك. ثُمّ انقطع الكلام.
ثُمّ قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ كان الرَّجُل يفر بامرأته لتفتدى منه، وَلا حاجة لَهُ فيها يَقُولُ لا تحبسوهن لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ يَقُولُ ببعض ما أعطيتموهن من المهر ثُمّ رخص واستثنى إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني العصيان البين وَهُوَ النشوز فقد حلت الفدية إذا جاء العصيان من قبل المرأة. ثُمّ قَالَ- تبارك وتعالى-: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ صاحبوهن بإحسان فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ وأردتم فراقهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً- 19- يعنى فى الكره خيرا كثيرا
__________
(1) فى أ: للّذين.
(2) فى أ: إذا مات حميم له.

(1/364)


يَقُولُ عسى الرَّجُل يكره المرأة فيمسكها عَلَى كراهية فلعل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يرزقه منها ولدا ويعطفه عَلَيْهَا، وعسى أن يكرهها فيطلقها فيتزوجها غيره فيجعل اللَّه للذي يتزوجها فيها خيرا كثيرا، فيرزقه منها لطفا وولدا. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ يَقُولُ وإن أراد الرَّجُل طلاق امرأته ويتزوج «1» أخرى غيرها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً يَقُولُ وآتيتم إحداهن من المهر قنطارا من ذهب، والقنطار «2» ألف ومائتا دينار فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً إذا أردتم طلاقها يَقُولُ فَلَيْس لَهُ أن يضربها حَتَّى تفتدى منه يَقُولُ:
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً- 20- يعنى بينا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ تعظيما له [73 أ] يعني المهر وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ يعني به الجماع وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً- 21- يعني بالميثاق الغليظ ما أمروا به من قوله- تبارك وتعالى- فيهن: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «3» والغلظ يعني الشديد وكل غليظ فِي القرآن يعني به الشديد.
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ نزلت في محصن بن أبي قيس ابن الأسلت بن الأفلح الْأَنْصَارِيّ. وَفِي امرأته كبشة بنت معن بن معبد ابن عَدِيّ بن عَاصِم الأنصاري من الأوس من بنى خطمة ابن الأوس إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ لأن العرب كَانَتْ تفعل ذَلِكَ قبل التحريم، وذلك أن مِحْصَن مات أبوه فشد عَلَى امرأته فتزوجها، وَهُوَ مِحْصَن بن أبي قَيْس بن الأسلت الْأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بن الخزرج وكبشة بِنْت معن بن مَعْبَد، وَفِي شريك
__________
(1) الأنسب وتزوج ليكون عطف المصدر على المصدر.
(2) فى حاشية أ: فى الأصل ت: أى قنتارا، بالتاء بدل الطاء.
(3) سورة البقرة: 231.

(1/365)


وفى امرأته كحة إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعني معصية وَمَقْتاً يعني وبغضا وَساءَ سَبِيلًا- 22- يعني وبئس المسلك وقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء، ثُمّ حرم النسب والصهر وَلَم يقل إِلا مَا قد سلف لأن العرب كَانَتْ لا تنكح النسب والصهر. وقال- عَزَّ وَجَلّ- فِي الأختين: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ «1» لأنهم كانوا يجمعون بينهما ثُمّ بين ما حرم فَقَالَ- تَعَالَى ذكره- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ فهذا النسب، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يعني جامعتم أمهاتهن فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يَقُولُ إن لَمْ تكونوا جامعتم أمهاتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يقول فلا حرج عليكم فى تزويج البنات وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ يَقُولُ وحرم ما تزوج الابن الَّذِي خرج من صلب الرَّجُل- وَلَم يتبناه «2» - فهذا الصهر وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فحرم جمعهما إِلَّا أن يَكُون إحداهما بملك فزوجها غيره فلا بأس إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ قبل التحريم إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً- 23- لما كان من جماع الأختين قبل التحريم وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني وكل امرأة أيضا فنكاحها حرام مَعَ ما حرم من النسب والصهر ثُمّ استثنى من المحصنات. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الحرائر مثنى وثلاث ورباع كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني فريضة اللَّه لَكُمْ بتحليل أربع وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ
__________
(1) سورة النساء: 23.
(2) أى ولا تحرم زوجة الابن الذي تبناه الرجل- وهو الابن المتبنى- قال- تعالى-:
(وما جعل أدعياءكم أبناءكم) سورة الأحزاب: 4.

(1/366)


يعني ما وراء الأربع أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ لفروجهن غَيْرَ مُسافِحِينَ بالزنا علانية ثُمّ ذكر المتعة فقال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى [73 ب] فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً يعني أعطوهن مهورهن وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ يَقُولُ لا حرج عليكم فيما زدتم من المهر وازددتم فِي الأجل بعد الأمر الأول إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً- 24- فِي أمره نسختها آية الطلاق وآية المواريث ثُمّ إن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المتعة بعد نزول هَذِهِ الآية مرارا، واللَّه- تَعَالَى- يَقُولُ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يَقُولُ من لَمْ يجد منكم سعة من المال أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ يعني الحرائر فليتزوج من الإماء فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى الولائد «2» فتزوجوا مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ يعني الولائد «3» . ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ من غيره فيكره للعبد المسلم أن يتزوج وليدة من أَهْل الكتاب لأن ولده يصير عبدا فَإِن تزوجها وولدت لَهُ فَإنَّهُ يشتري من سيده رَضِيَ أَوْ كره، ويسعى فِي ثمنه بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يتزوج هَذَا وليدة هَذَا، وهذا وليدة هَذَا. ثم قال- سبحانه-: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يَقُولُ تزوجوا الولائد بإذن أربابهن وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَقُولُ وأعطوهن مهورهن بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ عفائف لفروجهن غَيْرَ مُسافِحاتٍ غَيْر معلنات بالزنا وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ يعني أخلاء فِي السر فيزني بها سرا فَإِذا أُحْصِنَّ يعني أسلمن فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ يَقُولُ فَإِن جئن بالزنا فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ يعنى خمسين جلدة نصف
__________
(1) سورة الحشر: 7.
(2) ، (3) فى أ: الولائد.

(1/367)


ما عَلَى الحرة إذا زنت «1» ذلِكَ التزويج للولائد لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ يعني الإثم فِي دينه وَهُوَ الزنا وَأَنْ يعني ولئن تَصْبِرُوا عن تزويج الأمة خَيْرٌ لَكُمْ من تزويجهن وَاللَّهُ غَفُورٌ لتزويجه الأمة رَحِيمٌ- 25- به حين رخص لَهُ فِي تزويجها إذا لَمْ يجد طولا يعني سعة فِي تزويج الحرة يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ يعني أن يبين لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
يعني شرائع هدى من كان قبلكم من الْمُؤْمِنِين من تحريم النسب والصهر وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يعنى ويتجاوز عنكم من نكاحكم يعنى من تزويجكم إياهن من قبل التحريم. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 26- وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ يعني به الزنا وذلك أن اليهود زعموا أن نكاح ابنة «2» الأخت من الأب حلال فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: أَنْ تَمِيلُوا عن الحق مَيْلًا عَظِيماً- 27- فِي استحلال نكاح ابنة «3» الأخت من الأب يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إذ رخص فى تزويج [74 أ] الأمة لمن لَمْ يجد طولا لحرة، وذلك قوله- سبحانه-: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً- 28- لا يصبر عن النكاح ويضعف عن تركه فلذلك أحل لهم تزويج الولائد لئلا يزنوا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يَقُولُ لا تأكلوها إلا بحقها وَهُوَ الرَّجُل يجحد حق أَخِيهِ المسلم أَوْ يقتطعه بيمينه ثُمّ استثنى ما استفضل «4» الرَّجُل من مال أَخِيهِ من التجارة فلا بأس. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يَقُولُ لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أَهْل دين واحد إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً- 29- إذ نهى عن ذلك
__________
(1) فى أ: زينت.
(2) ، (3) فى ل: بنت، أ: أبنة. [.....]
(4) هكذا فى أ، ل. والمراد باستفضل: أى ما أخذه الرجل فاضلا أى زائدا من مال أخيه بسبب التجارة.

(1/368)


وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يعني الدماء والأموال جميعًا عُدْواناً وَظُلْماً يعني اعتداء بغير حق وظلما لأخيه فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً- 30- يقول كان عذابه على الله هينا. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ من أول هذه السورة إلى هذه الآية نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ذنوب ما بين الحدين وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً- 31- يعني حسنا وهي الجنة لما نزلت لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قالت «1» النساء: لَم هَذَا؟ نَحْنُ أحق أن يَكُون لنا سهمان ولهم سهم لأنا ضعاف الكسب والرجال أقوى عَلَى التجارة والطلب والمعيشة مِنَّا، فإذا لَمْ يفعل اللَّه ذَلِكَ بنا فإنا نرجو أن يَكُون الوزر عَلَى نحو ذَلِكَ علينا وعليهم فأنزل اللَّه فِي قولهم كنا نحن أحوج إلى سهمين، قول- سُبْحَانَهُ-:
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ «2» يَقُولُ فضل الرجال عَلَى النّساء فِي الميراث، ونزل فِي قولهن نرجو أن يَكُون الوزر عَلَى نحو ذَلِكَ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ يعني حظا مِمَّا اكْتَسَبُوا من الإثم وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ يعني حظا مِمَّا اكْتَسَبْنَ من الإثم وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ يعني الرجال والنساء إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ من قسمة الميراث عَلِيماً- 32- به وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ يعني العصبة:
بني العم «3» والقربى مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ كان الرَّجُل يرغب فِي الرَّجُل فيحالفه ويعاقده عَلَى أن يَكُون معه وَلَهُ من ميراثه كبعض ولده. فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية آية المواريث وَلَم يذكر أَهْل العقد فأنزل اللَّه- عز وجل- وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «4» أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يقول أعطوهم
__________
(1) فى أ، ل: فلن.
(2) بنى العم: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(3) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 61- 62.
وفى أسباب النزول للواحدي: 85- 86.
(4) فى أ: عاقدت.

(1/369)


الَّذِي سميتم لهم من الميراث إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم شَهِيداً- 33- إن أعطيتم نصيبهم أَوْ لَمْ تعطوهم فلم يأخذ هَذَا الرَّجُل شيئًا حتى نزلت وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «1» فنسخت هذه الآية وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «2» أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قوله- عَزَّ وَجَلّ-: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [74 ب]
نزلت فِي سعد بن الرَّبِيع بن عمرو من النقباء وَفِي امرأته حبيبة بِنْت «3» زَيْد بن أَبِي زهير وهما من الأَنْصَار من بني الْحَارِث بن الخزرج وذلك أَنَّهُ لطم امرأته فأتت أهلها فانطلق أبوها معها إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
أنكحته وأفرشته كريمتي فلطمها. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لتقتص من زوجها فأتت مَعَ زوجها لتقتص منه. ثُمّ قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ارجعوا هَذَا جبريل- عَلَيْه السَّلام- قَدْ أتاني
وَقَدْ أنزل اللَّه- عَزَّ وجل-:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ. يَقُولُ مسلطون عَلَى النّساء «4» بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وذلك أن الرَّجُل لَهُ الْفَضْل عَلَى امرأته فى الحق وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ يعني وفضلوا بما ساق إليها من المهر فهم مسلطون فِي الأدب والأخذ عَلَى أيديهن فَلَيْس بين الرَّجُل وَبَيْنَ امرأته قصاص إِلَّا فِي النَّفْس والجراحة.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ: أردنا أمرا وأراد اللَّه أمرا وَالَّذِي أراد اللَّه خيرًا.
ثُمّ نعتهن فقال- سبحانه-: فَالصَّالِحاتُ
__________
(1) سورة الأنفال: 75.
(2) فى أ: عاقدت.
(3) فى أ: ابنت. وفى الواحدي: بنت، وهو الصواب.
(4) أورد السيوطي فى أسباب النزول: 62، عدة شواهد- يقوى بعضها بعضا- فى أن سبب نزول الآية كما ذكره مقاتل.
أما الواحدي فى أسباب النزول ص: 86. فقد روى ما قاله مقاتل فى الآية بعد أن نسبه إليه.
ثم روى عدة شواهد من عدة طرق تؤيد ما ذهب إليه مقاتل.

(1/370)


فِي الدّين قانِتاتٌ يعني مطيعات لَهُ ولأزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ لغيبة أزواجهن فِي فروجهن وأموالهم بِما حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ اللَّه لهن، ثُمّ قَالَ: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ يعني تعلمون عصيانهن من نسائكم يعني سعدا «1» . يَقُولُ تعلمون معصيتهن لأزواجهن فَعِظُوهُنَّ بِاللَّه فَإِن لم يقبلن العظة وَاهْجُرُوهُنَّ «2» فِي الْمَضاجِعِ يَقُولُ لا تقربها للجماع، فَإِن رجعت إلى طاعة زوجها بالعظة والهجران وإلا وَاضْرِبُوهُنَّ «3» ضربا غَيْر مبرح يعني غَيْر شائن فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى عللا «4» . يقول لا تكلفها من الحب لك ما لا تطيق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا يعني رفيعا فوق خلقه كَبِيراً- 34- وَإِنْ خِفْتُمْ يعني علمتم شِقاقَ بَيْنِهِما يعني خلاف بَيْنَهُمَا بين سعد وامرأته، وَلَم يتفقا، وَلَم يدر من قبل من منهما النشوز من قبل الرَّجُل أَوْ من قبل المرأة؟
فَابْعَثُوا يعني الحاكم يَقُولُ للحاكم فابعثوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها فينظرون فِي أمرهما فِي النصيحة لهما. إن كان من قبل النفقة أَوْ إضرار «5» وعظا الرَّجُل. وإن كان من قبلها وعظاها لعل اللَّه أن يصلح عَلَى أيديهما فذلك قوله- عز وجل-: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يعنى الحكمين يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما للصلح فَإِن لَمْ يتفقا وظنا أن الفرقة خير لهما فِي دينهما فرق الحكمان بَيْنَهُمَا برضاهما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بحكمهما خَبِيراً- 35- بنصيحتهما فِي دينهما وَاعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا اللَّه وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً لأن أهل الكتاب [75 أ] يعبدون اللَّه فِي غَيْر إخلاص فلذلك قَالَ الله: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
__________
(1) فى أ: شهدا، ل: سعدا.
(2) فى أ: فاهجروهن.
(3) فى أ: فاضربوهن.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) المراد أومن قبل إضرار. [.....]

(1/371)


من خلقه وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعني برا بهما وَبِذِي الْقُرْبى والإحسان إلى ذِي القربى: يعني صلته (و) الإحسان إلى الْيَتامى وَالْمَساكِينِ أن تتصدقوا عليهم والإحسان إلى وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى يعني جارا بينك وبينه قرابة وَالْجارِ الْجُنُبِ يعني من قوم آخرين وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ يَقُولُ الرفيق فِي السَّفَر والحضر وَابْنِ السَّبِيلِ يعني الضيف ينزل عليك أن تحسن إليه (و) إلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الخدم وغيره وعن علي وعبد الله قالا: الصاحب بالجنب المرأة. فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالإحسان إلى هَؤُلاءِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا يعني بطرا مرحا فَخُوراً- 36- فِي نعم اللَّه لا يأخذ ما أعطاه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيشكر «1» الَّذِينَ يَبْخَلُونَ يعني رءوس اليهود وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وذلك أن رءوس اليهود كَعْب بن الأشرف وغيره كانوا يأمرون سفلة اليهود بكتمان أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية «أن يظهروه ويبينوه. ومحوه من التوراة» «2» وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلّ- يعني ما أعطاهم مِنْ فَضْلِهِ فِي التوراة من أمرُ محمدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونعتُه «3» ثُمّ أخبر عما لهم فِي الآخرة.
فَقَالَ «4» : وَأَعْتَدْنا يا محمد لِلْكافِرِينَ يعني لليهود عَذاباً مُهِيناً- 37- يعني الهوان. ثُمّ أخبر عَنْهُمْ، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ يعني اليهود وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يَقُولُ لا يصدقون بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ، وَلا يصدقون بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال، بأنه كائن
__________
(1) أى لا يشكر الله على ما أعطاه.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل ومثبت فى أ.
(3) فى أسباب النزول للواحدي: 87، والسيوطي: 62- 63 تأييد ذلك.
(4) فى أ: ثم قال.

(1/372)


وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً يعني صاحبا فَساءَ قَرِيناً- 38- يعني فبئس الصاحب. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَماذا عَلَيْهِمْ يعني وما كان عليهم لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى بالبعث وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ من الأموال فِي الْإِيمَان ومعرفته وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً- 39- أنهم لن يؤمنوا إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ يعني لا ينقص وزن أصغر من الذرة «1» من أموالهم وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً واحدة يُضاعِفْها حسنات كثيرة فلا أحد أشكر من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً- 40- يَقُولُ ويعطي من عنده فِي الآخرة جزاء كثيرًا وهي الجنة ثُمّ خوفهم، فَقَالَ- تَعَالَى-: فَكَيْفَ بهم إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يعني نبيهم وَهُوَ شاهد عليهم بتبليغ الرسالة إليهم من ربهم وَجِئْنا بِكَ يا محمد عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً- 41- يعني كفار أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- بتبليغ الرسالة، ثُمّ أخبر عن كفار أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» - فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وذلك بأنهم قَالُوا فِي الآخرة: وَاللَّهِ رَبِّنَا [75 ب] ما كنا مشركين، فشهدت «3» عليهم الجوارح بما كتمت ألسنتهم من الشرك، فودوا عِنْد ذَلِكَ أن الأرض انشقت فدخلوا فيها فاستوت عليهم وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً- 42- يعنى الجوارح حين شهدت عليهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى
لما نزلت هَذِهِ الآية قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ قَدَّم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحريم الخمر إلينا. وذلك أن عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ صنع طعاما، فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وسعد بن أبى وقاص
__________
(1) فى أ: الذر، ل: الذرة.
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) فى أ: شهدت.

(1/373)


- رحمهم اللَّه جميعًا- فأكلوا وسقاهم خمرا فحضرت صلاة المغرب فأمهم عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رضي الله عنه- فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «1» . فَقَالَ فِي قراءته نَحْنُ عابدون ما عبدتم فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وأصحابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى
حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فِي صلاتكم. فتركوا شربها إِلَّا من بعد صلاة الفجر إلى الضحى الأكبر فيصلون الأولى وهم أصحياء «2» ثُمّ إن رَجُلا من الأنصار يسمى عتبان ابن مَالِك دعا سعد بن أبي وَقَّاص إِلَى رأس بعير مشوي فأكلا ثُمّ شربا فسكرا فغضب الْأَنْصَارِيّ فرفع لحي البعير فكسر أنف سعد، فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحريم الخمر فِي المائدة «3» بعد غزوة الأحزاب «4» ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ «5» وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ثُمّ استثنى المسافر الَّذِي لا يجد الماء فقال- سبحانه-: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ نزلت فِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف أصابته جنابة وَهُوَ جريح فشق عَلَيْه الغسل وخاف منه شرًا. أو يَكُون به قرح أَوْ جدري فهو بهذه المنزلة
__________
(1) سورة الكافرون.
(2) ورد هذا أيضا فى أسباب النزول للواحدي: 78، وفى أسباب النزول للسيوطي: 63.
(3) يشير إلى آية 90، 91، من سورة المائدة وهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(4) وقعت غزوة الأحزاب فى السنة الخامسة للهجرة.
(5) يوهم الكلام أن آية النساء هذه نزلت بعد آية المائدة وليس كذلك فقد نزلت آية النساء من باب التدرج فى التشريع. فقد بين الله أن فى الخمر والميسر منافع ومضار وإثمهما أكبر من نفعهما (البقرة آية 219) ثم حرم السكر عند الصلاة فى هذه الآية (النساء آية 43) ثم حرم الخمر تحريما قطعيا فى المائدة (آية 90- 91) .

(1/374)


«فذاك «1» قوله» سبحانه: «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى» يعني به جرحا فوجدتم الماء فعليكم التيمم وإن كنتم عَلى سَفَرٍ وأنتم أصحاء نزلت فِي عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِين «2» - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ يعنى الخلاء أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ يعني جامعتم فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا يَقُولُ الصحيح الَّذِي لا يجد الماء والمريض الَّذِي يجد الماء يتيمموا «3» صَعِيداً طَيِّباً يعني حلالا طيبا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إلى الكرسوع إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا عنكم غَفُوراً- 43- لما كان منكم قبل النهي عن السكر والصلاة والتيمم «بغير وضوء» «4» وَقَدْ نزلت آية التيمم فِي أمر عَائِشَة- رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- بين الصلاتين أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً يعني حظا ألم تر إِلَى فعل الَّذِين أعطوا نصيبا يعني حظا مِنَ الْكِتابِ يعني التوراة يَشْتَرُونَ
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أو هو من ل.
(2) ورد فى أسباب النزول للسيوطي: 63- 64. عدة آثار فى سبب إباحة التيمم للمسافر والمريض.
وذكر الواحدي حديث البخاري، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبى بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبالناس معه وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبنى أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعن بيده فى خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي فخذي، فنام رسول الله- صلى الله وسلم- حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله- تعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبى بكر، قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أويس، ورواه مسلم عن يحيى كلاهما عن مالك (وانظر أسباب النزول للواحدي: 87- 88) .
[.....] (3) فى أ: فتيمموا.
(4) ما بين الأقواس « ... » من ل وليس فى أ.

(1/375)


[76 أ] يعنى يختارون وهم اليهود منهم إصبع «1» ، ورافع ابنا حريملة، وهما من أحبار اليهود يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يعني باعوا إيمانا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث، بتكذيب بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد بعثته وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ- 44- يعني أن تخطئوا قصد طريق الهدى كَمَا أخطأوا الهدى نزلت فِي عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم حين دعوهما إلى دين اليهودية وعيروهما بالإسلام وزهدوهما فِيهِ وفيهما نزلت وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ يعني بعداوتهم إياكم يعني اليهود وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا فلا ولي أفضل من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً- 45- فلا ناصر أفضل من اللَّه- جلَّ ذكره- وفيهما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ... إلى آخر الآيتين «2» - نزلت فى عبد الله ابن أُبَيٍّ ومالك بن دخشم وَفِي بني حريملة مِنَ الَّذِينَ هادُوا يعنى اليهود يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يعنى بالتحريف: نعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مواضعه: عن بيانه فِي التوراة، ليا بألسنتهم- وَيَقُولُونَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْنا قولك وَعَصَيْنا أمرك فلا نطيعك وَاسْمَعْ مِنَّا يا محمد نحدثك غَيْرَ مُسْمَعٍ منك قولك يا محمد. غَيْر مقبول ما تقول وَراعِنا يعني ارعنا سمعك لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ يعني دين الْإِسْلام يقولون «3» إن دين محمد لَيْسَ بشيء وَلَكِن الَّذِي نَحْنُ عَلَيْه هُوَ الدين. يقول الله- عز وجل-:
__________
(1) فى أ: اصبغ، ل: إصبع.
(2) سورة آل عمران: 118، 119 وهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
(3) فى أ: يقول.

(1/376)


وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا قولك وَأَطَعْنا أمرك وَاسْمَعْ مِنَّا وَانْظُرْنا حَتَّى نحدثك يا محمد لَكانَ خَيْراً لَهُمْ من التحريف والطعن فِي الدّين ومن راعنا وَأَقْوَمَ يعني وأصوب من قولهم الَّذِي قَالُوا: وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا- 46- والقليل الَّذِي آمنوا به: إذ يعلمون أن اللَّه ربهم، وَهُوَ خالقهم ورازقهم، ويكفرون بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به نزلت فِي رفاعة بن زَيْد بن السّائب، ومالك بن الضيف، وكعب بن أُسَيْد، كلهم يهود مثلها فى آخر السورة. ثم خوفهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني كَعْب بن الأشرف يعني الَّذِين أعطوا التوراة آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني بما أنزل اللَّه من القرآن عَلَى محمد مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يَقُولُ تصديق محمد معكم فِي التوراة أَنَّهُ نَبِيّ رسول مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً يَقُولُ نحول الملة عن الهدى والبصيرة التي- كانوا عَلَيْهَا من إيمان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يبعث فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها بعد الهدى الَّذِي كانوا عَلَيْه «1» كفارا ضلالا أَوْ نَلْعَنَهُمْ يعني نعذبهم كَما لَعَنَّا يعني كما عذبنا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول فنمسخهم [76 ب] قردة كَمَا فعلنا بأوائلهم وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا- 47- يَقُولُ أمره كائن لا بد. هَذَا وعيد إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فيموت عَلَيْه يعني اليهود وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ الشرك لِمَنْ يَشاءُ لمن مات موحدا فمشيئته- تبارك وتعالى- لأهل التوحيد.
قَالَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثَابِت، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي «عن» «2» الهذيل عن مقاتل ابن سُلَيْمَان عن رَجُل عن مُجَاهِد أن الاستثناء لأهل التوحيد وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
__________
(1) فى أ، ل: عليها.
(2) عن: ساقطة من أومثبتة فى ل.

(1/377)


معه غيره فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً «1» - 48- يَقُولُ فقد قَالَ ذنبا عظيما أَلَمْ تَرَ يعني ألم تنظر إِلَى يعني فعل الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يعنى اليهود
منهم بحرى ابن عمرو، ومرحب بن زَيْد دخلوا بأولادهم إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: أَهْل «2» لهؤلاء ذنوب؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا. فقالوا:
وَالَّذِي تحلف به ما نَحْنُ إِلَّا كهيئتهم نَحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه، وما من ذنب نعمله بالنهار إِلَّا غفر لنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إِلَّا غفر لنا بالنهار، فزكوا أنفسهم،
يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ يعني يصلح من يشاء من عباده وَلا يُظْلَمُونَ يعني وَلا ينقصون من أعمالهم»
فَتِيلًا- 49- يعني الأبيض الَّذِي يَكُون فِي شق النواة من الفتيل يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: يا محمد انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لقولهم نَحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه، وَكَفى بِهِ يعني بما قَالُوا إِثْماً مُبِيناً- 50- يعني بينا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ وذلك أن كَعْب بن الأشرف اليهودي وكان عربيا من طيئ، وحيى ابن أخطب انطلقا فِي ثلاثين من اليهود إلى مكة «4» بعد قتال أحد، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان ابن حرب: إن أحبّ الناس إلينا من يعيننا عَلَى قتال هَذَا الرَّجُل حَتَّى نفنى أَوْ يفنوا، فنزل كَعْب عَلَى أَبِي سُفْيَان فأحسن مثواه، ونزلت اليهود فِي دور قريش. فَقَالَ كعب لأبى سفيان: ليجيء منكم ثلاثون رَجُلا ومنا ثلاثون رَجُلا، فنلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هَذَا البيت لنجتهدن عَلَى قتال محمد، ففعلوا ذلك. قَالَ أَبُو سفيان
__________
(1) «عظيما» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: هل، ل: أهل.
(3) وفى أ: ولا ينقصون فى أعمالهم ... أكمل.
وفى ل: ولا ينقصون فى أعمالهم.
(4) ورد ذلك أيضا فى أسباب النزول للواحدي: 88- 89. وأسباب النزول للسيوطي:
65- 66.

(1/378)


لكعب بن الأشرف: أَنْت امرؤ من أَهْل الكتاب تقرأ الكتاب فنحن أهدى أم ما عَلَيْه محمد. فَقَالَ: إلى ما يدعوكم محمد؟ قَالَ: إِلَى أن نعبد اللَّه وَلا نشرك به شيئًا. قَالَ: فأخبروني ما أمركم؟ وَهُوَ يعلم ما أمرهم. قَالُوا: ننحر الكوماء «1» ، ونقري الضيف، ونفك العاني- يعني الأسير، ونسقي الحجيج الماء، ونعمر بيت ربنا، ونصل أرحامنا، ونعبد إلهنا ونحن أهل الحرم. فقال كعب: أنتم واللَّه أهدى مما عَلَيْه محمد فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَقُولُ أعطوا حظا من التوراة يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ يعنى حيى بن أخطب القرظي وَالطَّاغُوتِ [77 أ] وكعب بن الأشرف وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل مكة هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا- 51- يعنى طريقا. يقول الله أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني كعبا وأصحابه وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً- 52- فَلَمَّا رجع كَعْب إلى المدينة بعث النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى نفر من أصحابه بقتله فقتله محمد بن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ من بنى حارثة بن الحاراث تِلْكَ الليلة فَلَمَّا أصبح النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سار فِي الْمُسْلِمِين فحاصر أَهْل النضير حَتَّى أجلاهم من المدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام أَمْ لَهُمْ تَقُولُ ألهم والميم هاهنا صلة فلو كان لهم- يعنى اليهود- نَصِيبٌ «2» يعنى حظ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً- 53- يعني لا يعطون الناس من بخلهم وحسدهم وقلة خيرهم نقيرا يعني بالنقير النقرة التي فِي ظهر النواة التي ينبت منها النخلة أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحده عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني ما أعطاهم من فضله، وذلك أن اليهود قَالُوا انظروا إلى هَذَا الَّذِي لا يشبع من الطعام ماله هم إلا النساء
__________
(1) الناقة العظيمة.
(2) فى أ: نصيبا يعنى حظا.

(1/379)


يعنون النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحسدوه عَلَى النُّبُوَّة وعلى كثرة النّساء، ولو كان نبيا ما رغب فِي النّساء يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ يعنى النبوة وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً- 54- وكان يُوسُف منهم عَلَى مصر وداود وسليمان منهم، وكان لداود تسعة وتسعون امرأة وكان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية فكيف تذكرون محمدا فِي تسع نسوة وَلا تذكرون دَاوُد وسليمان- عليهما السَّلام- فكان هَؤُلاءِ أكثر نساء، وأكثر ملكا من محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . ومُحَمَّد أيضا من آل إبراهيم وكان إبراهيم ولوطا، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب- عليهم السَّلام- يعملون بما فِي صحف إِبْرَاهِيم فَمِنْهُمْ يعني من آل إبراهيم مَنْ آمَنَ بِهِ يَقُولُ صدق بالكتاب الَّذِي جاء به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ يعني أعرض عن الْإِيمَان بالكتاب وَلَم يصدق به وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً- 55- يَقُولُ وكفى بوقودها وعذابها وقودا لمن كفر بكتاب إِبْرَاهِيم فلا وقود أحر من جَهَنَّم لأهل الكفر ثُمّ أخبر بمستقر الكفار. فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود بِآياتِنا يعني القرآن سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ يعنى احترقت جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها جددنا «2» لهم جلودا غيرها وذلك أن النار إذا أكلت جلودهم بدلت كُلّ يوم سبع مرات عَلَى مقدار كُلّ يوم من أيام الدُّنْيَا (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) عذاب النار جديدا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً [77 ب] فى نقمته حَكِيماً- 56- حكم لهم النار ثم
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 66، قال: أخرج ابن أبى حاتم من طريق العوني عن ابن عباس قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتى ما أوتى فى تواضع، وله تسع نسوة وليس همه إلّا النكاح فأى ملك أفضل من هذا؟ فأنزل الله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ الآية. وأخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة نحوه أبسط منه- قلت أى أطول منه. [.....]
(2) فى أ: جدلنا. وأصلحته إلى جددنا، وفى ل: بدلنا.

(1/380)


أخبر بمستقر الْمُؤْمِنِين، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ يعني البساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون، لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ يعني النّساء مُطَهَّرَةٌ يعني المطهرات من الحيض والغائط والبول والقذر كله وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا يعني أكنان القصور ظَلِيلًا- 57- يعني لا خلل فيها إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها نزلت فى عثمان ابن طَلْحَة بن عَبْد اللَّه الْقُرَشِيّ «1» ، صاحب الكعبة فِي أمر مفاتيح الكعبة وذلك
أن الْعَبَّاس بن عَبْد الْمُطَّلِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- قَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اجعل فينا السقاية والحجابة، لنسود بها الناس، وَقَدْ كان أَخَذَ المفتاح من عُثْمَان حين افتتح مكة. فَقَالَ عُثْمَان بن طَلْحَة للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن كُنْت تؤمن بِاللَّه واليوم الآخر فادفع إليّ المفتاح» . فدفع النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المفتاح ثُمّ أخذه ثلاث مرات ثُمّ إن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف بالبيت فأنزل اللَّه- تبارك وتعالى- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعثمان: خذه بأمانة اللَّه حين دفع إِلَيْهِ المفتاح.
فَقَالَ الْعَبَّاس- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جعلت السقاية فينا والحجابة لغيرنا. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما ترضون
__________
(1) هذا الأثر ورد فى الدر المنثور للسيوطي، 2/ 174: أخرج ابن مردويه من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.. إلى آخر الأثر المذكور. وفى أسباب النزول للواحدي 90:
أخبرنا أبو حسان المزكى، قال: أخبرنا هارون بن محمد الأسترابادي، قال: حدثنا أبو محمد الخزاعي، قال:
حدثنا أبو الوليد الأزرقى، قال: حدثني جدي عن سفيان عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد فى قول الله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قال: نزلت فى ابن طلحة ... وساق الأثر المذكور. وفى أسباب النزول للسيوطي ص 66: أثر عن ابن عباس وثان عن ابن جريج يوافقان ما ذكره مقاتل.

(1/381)


أني جعلت لَكُمْ ما تدرون، ونحيت عنكم ما لا تدرون، ولكم أجر ذَلِكَ. قَالَ الْعَبَّاس: بلى. قَالَ: بشرفهم بذَلِكَ أَيّ تفضلون عَلَى الناس، وَلا يفضل الناس عليكم.
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً- 58- فلا أحد أسمع منه «بصيرا» فلا أحد أبصر منه فكان من العدل أن دفع السقاية إلى الْعَبَّاس بن عَبْد الْمُطَّلِب والحجابة إلى عُثْمَان بن طَلْحَة لأنهما كانا أهلها فى الجاهلية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث خَالِد بن الْوَلِيد عَلَى سرية فيهم عمار بن ياسر فساروا حَتَّى دنوا من الماء فعرسوا قريبا وبلغ العدو أمرهم فهربوا، وبقي منهم رَجُل فجمع متاعه، وجاء ليلا فلقي عمارا، فَقَالَ: يا أبا اليقظان، إن القوم سمعوا بكم، فهربوا وَلَم يبق غيري، وَقَدْ أسلمت، وشهدت ألا إله إِلَّا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله فهل الْإِسْلام نافعي.
فَقَالَ عمار: ينفعك فأقم فَلَمَّا أصبح خَالِد غار بخيله، فلم يجد إلا هذا الرجل وما له.
فَقَالَ عمار: خل عن هَذَا الرَّجُل وماله فقد أسلم وَهُوَ فِي أماني. قَالَ خَالِد: فيم أَنْت تجير دوني وأنا أمير عليك «1» . فاستبا فلما رجعا إلى المدينة أجاز [78 أ] النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية عَلَى أمير، فَقَالَ خَالِد:
يا نَبِيّ اللَّه يسبني هَذَا العبد الأجدع وشتم خَالِد عمارا. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لخالد لا تسب عمارا فَمنْ سب عمارا سب اللَّه، ومن أبغض عمارا أبغضه اللَّه، ومن لعن عمارا لعنه اللَّه، فغضب عمار، فقام فذهب. فَقَالَ النبي- صلى الله
__________
(1) القصة بطولها فى أسباب النزول للواحدي: 91. ولفظ هذه الجملة، فقال خالد: أنت تجير على وأنا الأمير؟
وذكر السيوطي فى أسباب النزول ص 67: أن ابن جرير قد أخرجها.

(1/382)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالد: قم فاعتذر إِلَيْهِ. فأتاه خَالِد فأخذ بثوبه، فاعتذر إِلَيْهِ، فأعرض عَنْهُ، فأنزل الله- عز وجل- فى عمار يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يعني خَالِد بن الْوَلِيد
لأن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ولاه أمرهم فأمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بطاعة أمراء سرايا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ من الحلال والحرام يعني خالدا وعمارا فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ يعنى إلى القرآن وإلى الرَّسُولَ يعني سنة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نظيرها فِي النور «1» ثُمّ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني تصدقون بِاللَّه بأنه واحد لا شريك لَهُ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني باليوم الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال فليفعل ما أمر اللَّه ذلِكَ الرد إليهما خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا- 59- يعني وأحسن عاقبة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا يعني صدقوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن وَصدقوا ب ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من الكتاب «2» على الأنبياء وذلك
أن بشر المنافق إلى كَعْب، ثُمّ إنهما اختصما إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى لليهودي عَلَى المنافق «3» . فَقَالَ المنافق لليهودي: انطلق أخاصمك إلى عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. فَقَالَ اليهودي لعمر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إني خاصمته إلى محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى لي فلم يرض بقضائه فزعم أَنَّهُ مخاصمني إليك. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- للمنافق: أكذلك. قَالَ: نعم أحببت أن أفترق
__________
(1) يشير إلى آيتي 51- 52 من سورة النور وهما: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.
(2) فى أ: الكتاب.
(3) فى أ: لليهود على المنافقين.

(1/383)


عن حكمك. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: مكانك حَتَّى أخرج إليكما. فدخل عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فأخذ السيف، واشتمل عَلَيْه، ثُمّ خرج إلى المنافق فضربه حَتَّى برد. فَقَالَ عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: هكذا أقضي عَلَى من لَمْ يرض بقضاء اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وقضاء رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتى جبريل- عَلَيْه السَّلام- إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا محمد قَدْ قتل عمر الرجل «1» وفرق
__________
(1) كيف يقتل عمر رجلا بدون حق،
وقد قال- عليه الصلاة والسلام-: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو النفس بالنفس، ومن بدل دينه فاقتلوه.
فإن قيل إنه كان منافقا كان الجواب ما الذي أعلم عمر بنفاقه.
حقا إن عدم رضاه بحكم الرسول جريمة يستحق أن يعذر بسببها وهذا هو ما
ورد فى كتب علوم القرآن وأسباب النزول: جاء فى أسباب النزول للواحدي ص 92: وقال الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نزلت فى رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي:
انطلق بنا إلى محمد. وقال المنافق: بل نأتى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله- تعالى- الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاختصما إليه، فقضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بى فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟
قال: نعم. فقال لهما: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد. وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية. وقال جبريل- عليه السلام-: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق.
وأورد الواحدي عدة روايات فى أسباب نزول الآية.. والذي أراه- إن صح سبب النزول الذي أورده الكلبي ومقاتل- أن عمر ضرب المنافق حتى يرد كما روى الكلبي ولم يقتله. وفى لهجات العراق يطلقون كلمة قتله بمعنى أوجعه ضربا. وفى لهجات صعيد مصر يطلقون كلمة قتله بمعنى ضربه ضربا شديدا. بينما فى لهجة الدلتا فى مصر كلمة قتله بمعنى أزهق روحه وهو الموافق لما فى العربية الفصحى قال- تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً سورة النساء: 93.
ومقاتل بن سليمان رحل إلى العراق وأقام به فلعله روى الأثر بالمعنى فأطلق: قتل عمر الرجل بمعنى أوجعه ضربا.

(1/384)


اللَّه بين الحق والباطل فسمي عُمَر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- الفاروق فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي بشر المنافق أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ يعني كَعْب بن الأشرف وكان يتكهن وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [78 ب] يعنى أن يتبرأوا من الكهنة وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن الهدى ضَلالًا بَعِيداً- 60- يعني طويلا وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فى كتابه وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يعنى بشرا يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً- 61- يعني يعرضون عنك يا محمد إعراضا إلى غيرك مخافة أن تحيف عليهم فَكَيْفَ بهم يعنى المنافقين: إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فى أنفسهم بالقتل بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي فِي التقديم، ثُمّ انقطع الكلام، ثُمّ ذكر الكلام، فَقَالَ- عَزَّ ذكره-: ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ نظيرها «1» فى سورة براءة. إِنْ أَرَدْنا ببناء مسجد القرار إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً- 62- يعني إِلَّا الخير والصواب وفيهم نزلت وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى يعني إِلَّا الخير وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فِي قولهم الَّذِي حلفوا به أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ بلسانك
__________
(1) نظيرها: ساقطة من أ، ل. وهي زيادة اقتضاها السياق. وهو يشير إلى الآية 107 فى سورة التوبة وهي: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
وفى سورة التوبة عدة آيات تندد بحلف المنافقين كذبا لإرضاء رسول الله والمسلمين منها:
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ سورة التوبة: 42. وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ سورة التوبة 56. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ
سورة التوبة: 62. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ سورة التوبة: 74. سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ سورة التوبة: 95. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ سورة التوبة: 96.

(1/385)


وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً- 63- نسختها آية السيف وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ يعني إِلَّا لكي يطاع بِإِذْنِ اللَّهِ يَقُولُ لا يطيعه أحد حَتَّى يأذن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لَهُ فِي طاعة رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ بالذنوب يعني حين لَمْ يرضوا بقضائك جاءوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذنوبهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً- 64- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وذلك
أن الزُّبَير بن الْعَوَّام- رَضِيَ اللَّه عنه- «وهو» «1» من بنى أسد ابن عَبْد العزى، وحاطب بن أَبِي بلتعة العنسي «2» من مذحج وهو حليف لبنى أسد ابن عَبْد الْعُزَّى، اختصما إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الماء وكانت أرض الزُّبَير فوق أرض حاطب، وجاء السيل. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير: «اسق، ثُمّ أرسل الماء إلى جارك» «3» . فغضب حاطب وقَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما إنَّه ابْن عمتك. فتغير وجه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومر حاطب عَلَى المقداد بن الأسود الكِنْديّ، فَقَالَ: يا أبا بلتعة لمن كان القضاء، فَقَالَ: قضى لِابْن عمته، ولوي شدقه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فأقسم «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ» حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني اختلفوا بينهم يَقُولُ لا يستحقون الْإِيمَان حَتَّى يرضوا بحكمك فيما اختلفوا فِيهِ من شيء ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ يَقُولُ لا يجدون فِي قلوبهم شكا مما قضيت أَنَّهُ الحق وَيُسَلِّمُوا لقضائك لهم وعليهم تَسْلِيماً- 65-.
فقالت اليهود: قاتل اللَّه هَؤُلاءِ، ما أسفههم! يشهدون أن محمدا رسول اللَّه ويبذلون لَهُ دماءهم وأموالهم، ووطئوا عقبه، ثُمّ يتهمونه فى القضاء، فوالله لقد
__________
(1) فى أ: يعنى، فأبدلتها: وهو.
(2) فى أ: غير معجمة تحتمل أن تكون: العبسي والعنسي، وفى ل: العنسي.
(3) ورد بذلك فى أسباب النزول للواحدي: 94. كما ورد أيضا فى أسباب النزول للسيوطي: 68.

(1/386)


أمرنا موسى- عليه السلام-[79 أ] فِي ذنب واحد أتيناه فقتل بعضنا بعضا فبلغت القتلى سبعين ألفا حَتَّى رضي اللَّه عنا، وما كان يفعل ذَلِكَ غيرنا، فَقَالَ:
عِنْد ذَلِكَ ثَابِت بن قَيْس بن شَمَّاس الْأَنْصَارِيّ: فوالله، إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ليعلم أَنَّهُ لو أمرنا أن نقتل أنفسنا لقتلناها. فانزل الله- عز وجل- في قول ثابت:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا يَقُولُ لو أَنَا فرضنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ فكان من ذَلِكَ القليل عمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مَسْعُود وثابت بن قَيْس، فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: واللَّه لو فعل ربنا لفعلنا.
فالحمد للَّه الذيّ لَمْ يفعل بنا ذَلِكَ.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نفسي بيده للإيمان أثبت فِي قلوب الْمُؤْمِنِين من الجبال الرواسي.
ثُمّ قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ من القرآن لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فِي دينهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً- 66- يعني تصديقا فِي أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا أَجْراً عَظِيماً- 67- يعني الجنة وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 68-
فَلَمَّا نزلت «إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: «لعمار بن ياسر، وعبد اللَّه بن مَسْعُود، وثابت بن الشماس من أولئك القليل» وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ نزلت فِي رَجُل من الأَنْصَار يسمى عَبْد اللَّه بن زَيْد بن عَبْد ربه الْأَنْصَارِيّ قَالَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَهُوَ الَّذِي رَأَى الأذان فِي المنام مَعَ عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا» «1» : إذا خَرَجْنَا من عندك إلى أهالينا اشتقنا إليك فلم ينفعنا شيء حَتَّى نرجع إليك، فَذَكَرَتْ درجاتك فِي الجنة، فكيف لنا برؤيتك إن دخلنا الجنة «2» . فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ «3»
__________
(1) ما بين القوسين « ... » جملة اعتراضية للتعريف بعبد الله بن زيد الأنصارى.
(2) فى أ: الخلة، فى حاشية أ: الجنة: محمد.
(3) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي. [.....]

(1/387)


فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ بالنبوة وَالصِّدِّيقِينَ بالتصديق وهم أول من صدق بالأنبياء- عليهم السَّلام- حين عاينوهم وَالشُّهَداءِ يعني القتلى فِي سبيل اللَّه بالشهادة وَالصَّالِحِينَ يعني المؤمنين أهل الجنة وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً- 69- ذلِكَ يعني هَذَا الثواب هُوَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً- 70- فَلَمَّا تُوُفّي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاه ابنه وَهُوَ فِي حديقة لَهُ فَأَخْبَرَه بموت النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اعمني فلا أرى شيئًا بعد حبيبي أبدا. فعمي مكانه وكان يحب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حبا شديدا فجعله اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- فى الجنة «1» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ يعني عدتكم من السلاح فَانْفِرُوا ثُباتٍ عصبا سرايا «جماعة» «2» إلى عدوكم أَوِ انْفِرُوا إليهم جَمِيعاً- 71- مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نفر [79 ب] وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ يعني ليتخلفن النفر. نزلت فِي عَبْد اللَّه بن أُبَيّ بن ملك بن أَبِي عَوْف بن الخزرج رأس المنافقين فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يعني بلاء من العدو أَوْ شدة من العيش قالَ المنافق قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً- 72- يعني شاهدا فيصيبني من البلاء ما أصابهم. وَلَئِنْ أَصابَكُمْ «3» فَضْلٌ يعني رزق مِنَ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- يعني الغنيمة لَيَقُولَنَّ ندامة فِي التخلف كَأَنْ لَمْ تَكُنْ «4» بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ فى الدين
__________
(1) انظر قصة نزول (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ..) الآية فى أسباب النزول للسيوطي: 69- 70.
وأسباب النزول للواحدي: 94. وقد ورد فيهما ما رواه مقاتل. وهناك روايات أخرى فى الآية.
(2) «جماعة» من حاشية ل، كتبت أسفل كلمة عصبا.
(3) فى أ: تفسير عجز هذه الآية قبل صدرها.
(4) فى أ: يكن.

(1/388)


والولاية يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً- 73- فألحق من الغنيمة نصيبا وافرا. فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فيقتل فِي سبيله أَوْ يغلب عدوه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً- 74- فِي الجنة
لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن نقاتل فنقتل وَلا نقتل؟
فنزلت هَذِهِ الآية
فأشركهم جميعًا فِي الأجر وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وتقاتلون عن وَالْمُسْتَضْعَفِينَ «1» يعني المقهورين مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ المقهورين بمكة حَتَّى يتسع الأمر ويأتي إِلَى الْإِسْلام من أراد منهم ثُمّ أخبر عَنْهُمْ فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعني مكة الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يعني من عندك وليا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً- 75- عَلَى أَهْل مكة والمستضعفين من الرجال يعني الْمُؤْمِنِين قَالَ ابْن عَبَّاس- رحِمَه اللَّه: كُنْت أنا وأمي من المستضعفين من النّساء والولدان.
ثُمّ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني طاعة اللَّه وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ يعني فِي طاعة الشَّيْطَان ثُمّ حرض اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين فَقَالَ: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ يعني المشركين بمكة إِنَّ كَيْدَ يعني إن مكر الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً- 76- يعني واهنا كقوله- سُبْحَانَهُ-:
مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «2» يعني مضعف كيد الكافرين. فسار النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكة ففتحها وَجَعَل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- للمستضعفين مخرجا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عن القتال. نزلت فِي عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف وسعد بن أَبِي وَقَّاص- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا- وهما من بني زهرة وقدامة بن مظعون
__________
(1) فى أ: المستضعفين. بدون الواو.
(2) سورة الأنفال الآية: 18 وتمامها ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ.

(1/389)


الْجُمَحِيّ والمقداد بن الأسود الكِنْديّ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُم- وذلك
أنهم استأذنوا فِي قتال كفار مكة سرا، مما كانوا يلقون منهم من الأذى فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهلا كفوا أيديكم عن قتالهم
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَإِنِّي لَمْ أومر بقتالهم، فَلَمَّا [80 أ] هاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالقتال فكره بعضهم «1» فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ يعني فرض القتال بالمدينة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ نزلت فِي طَلْحَة بن عُبَيْدُ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- يَخْشَوْنَ النَّاسَ يعني كفار مكة كَخَشْيَةِ اللَّهِ فلا يقاتلونهم أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ «2» يعني لَم فرضت علينا القتال لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ هلا تركتنا حَتَّى نموت موتا وعافيتنا من القتل قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ تتمتعون فيها يسيرا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ من الدُّنْيَا يعني الجنة أفضل من الدُّنْيَا لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ من أعمالكم «3» الحسنة فَتِيلًا- 77- يعني الأبيض الَّذِي يَكُون فِي وسط النواة حَتَّى يجازوا بها ثُمّ أخبر عن كراهيتهم للقتال ذاكرا لهم أن الموت فِي أعناقكم، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أَيْنَما تَكُونُوا من الأرض يُدْرِكْكُمُ يعني يأتيكم الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ يعني القصور الطوال المشيدة إلى السماء فِي الحصانة حين»
لا يخلص إِلَيْهِ ابْن آدم يخلص إليه الموت حين يفر منه. وقَالَ «5» عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ- لما قتلت الأَنْصَار يوم أحد-
__________
(1) هكذا فى أ، ل. والمراد فكره بعضهم القتال.
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 95.
(3) فى أ: (ولا يظلمون) من أعمالهم.
(4) فى أ: حين. وفى حاشية أ: حيث محمد.
(5) فى أ: فقال.

(1/390)


قَالَ «1» : لو أطاعونا ما قتلوا. فنزلت أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ يعني القصور ثُمّ أخبر- سُبْحَانَهُ- عن المنافقين- عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ وأصحابه- فَقَالَ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ببدر يعني نعمة وهي الفتح والغنيمة يَقُولُ هَذِهِ الحسنة من عِنْد اللَّه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بلية وهي القتل والهزيمة يوم أحد يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ يا محمد أَنْت حملتنا عَلَى هَذَا، وَفِي سببك كان هَذَا. فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْ كُلٌّ يعني الرخاء والشدة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ يعنى المنافقين لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً- 78- أن الشدة والرخاء والسيئة والحسنة من اللَّه ألا يسمعون ما يحذرهم ربهم فِي القرآن؟ يعنى عبد الله بن أبى. فقال الله- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ يعني الفتح والغنيمة يوم بدر فَمِنَ اللَّهِ كان وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ يعني البلاء من العدو، والشدة من العيش يوم أحد فَمِنْ نَفْسِكَ يعني فبذنبك، يعني ترك المركز، وَفِي مصحف عَبْد اللَّه بن مَسْعُود وأبي بن كَعْب «فبذنبك وأنا كتبتها عليك» وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً- 79- يعني فلا شاهد أفضل من اللَّه بأنك رسوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «2» وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال [80 ب] فِي المدينة «من أحبني فقد أحبّ اللَّه، ومن أطاعنى
__________
(1) فى أ: قالوا.
(2) لم يرد سبب لنزول هذه الآية فى كتاب أسباب النزول للواحدي. وكذلك لم يرد لها ذكر فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.
لكن
جاء فى تفسير ابن كثير 1: 528. عند تفسير هذه الآية: أن أورد حديثا فى الصحيحين: عن الأعمش عن أبى صالح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: «من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعنى، ومن عصى الأمير فقد عصاني» .

(1/391)


فقد أطاع اللَّه» . فَقَالَ المنافقون: ألا تسمعون إلى هَذَا الرَّجُل وما يقُولُ؟ لقَدْ قارب الشرك وَهُوَ ينهي ألا يعبد إِلَّا اللَّه، فَمَا حمله عَلَى الَّذِي قَالَ إِلَّا أن نتخذه حنانا- يعنون ربا- كَمَا اتخذت النَّصارى عِيسَى ابْن مريم حنانا. فأنزل اللَّه- عَزَّ وجل- تصديقا لقوله نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى عرض عن طاعتهما فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً- 80- يعني رقيبا ثُمّ أخبر عن المنافقين فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- وَيَقُولُونَ طاعَةٌ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أمرهم بالجهاد، وذلك أنهم دخلوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: مرنا بما شئت، فأمرك طاعة. فإذا خرجوا من عنده «1» خالفوا. وقالوا غَيْر الَّذِي قال لهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَيَقُولُونَ طاعَةٌ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ يعني خرجوا من عندك يا محمد بَيَّتَ طائِفَةٌ يَقُولُ «2» ألفت طائفة مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ يعني الحفظة فيكتبون ما يقولون من الكذب فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ يعني الجلاس بن سُوَيْد، وعَمْرو بن زَيْد فلا تعاتبهم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني وثق بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا- 81- يعني وكفى به منيعا فلا أحد أمنع من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ويُقَالُ وكيلا يعني شهيدا لما يكتمون، ثُمّ وعظهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ يعني أفلا يسمعون الْقُرْآنَ فيعلمون أَنَّهُ وَلَوْ «3» كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً- 82- يعني كذبا كبيرا لأن الِاخْتِلاف فِي قول الناس،
__________
(1) فى أ، ل: عندك. [.....]
(2) فى أ، ل: ألقت. وهي محرفة عن ألفت فى البيضاوي (بيت طائفة منهم غير الذي تقول) أى زورت خلاف ما قلت لها وما قالت لك من القبول وضمان الطاعة.
(3) فى أ: لو، فى الحاشية: ولو.

(1/392)


وقول اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لا اخْتِلاف فِيهِ وَإِذا جاءَهُمْ يعني المنافقين أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ يعنى شيئا من الأمر يسر الْمُؤْمِنِين من الفتح والخير، قصروا عما جاءهم من الخير «1» . ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: أَوِ الْخَوْفِ يعني فَإِن جاءهم بلاء أو شدة نزلت بالمؤمنين أَذاعُوا بِهِ يعني أفشوه فإذا سَمِع ذَلِكَ المسلمون كاد أن يدخلهم الشك «2» وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ حَتَّى يخبر الرَّسُول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما كان من الأمر أوردوه وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ «3» يَقُولُ أمراء السرايا فيكونون هُم الَّذِين يخبرون ويكتبون به لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يعنى الذين يتبينونه منهم يعني الخير عَلَى وجهه ويحبوا أن يعلموا ذَلِكَ فيعلمونه. ثُمّ قَالَ- سبحانه- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني ونعمته فعصمكم من قول المنافقين لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا- 83-[81 أ] نزلت فِي أناس كانوا يحدثون أنفسهم بالشرك ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فأمره أن يقاتل بنفسه لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ يعني لَيْسَ عليك ذنب غيرك وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ يعنى وحضض عَلَى القتال يعني عَلَى قتال العدو عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ يعني قتال الَّذِينَ كَفَرُوا «4» وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً يعني أخذا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا- 84- يعني نكالا يعني عقوبة من الكفار ولو
__________
(1) هكذا فى أوفى ل.
وفى البيضاوي «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ» مما يوجب الأمن أو الخوف «أَذاعُوا بِهِ» أفشوه كان يفعله قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خير عن سرايا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أخبرهم الرسول بما أوحى إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوا به لعدم جزمهم فكانت إذاعته مفسدة.
(2) فى أزيادة: ثم استثنى فى التقديم فقال «إلا قليلا منهم» لا يذيعون الخبر فلو سكتوا أوردوا الخبر.
(3) فى أ: إلى، وفى المصحف: وإلى» .
(4) فى أ: الذين كفروا من العذاب. والمثبت من ل.

(1/393)


لَمْ يطع النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدا من الكفار لكفاه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ.
وقوله- سبحانه-: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً لأخيه المسلم بخير يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها يعني حظا من الأجر من أجل شفاعته وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً وَهُوَ الرَّجُل يذكر أخاه بسوء عِنْد رَجُل فيصيبه عنت منه، فيأثم المبلغ فذلك قوله- سبحانه-:
يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها يعني إثما من شفاعته وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً- 85- من الحيوان، عَلَيْه قوت كُلّ دابة لمدة رزقها وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها نزلت فِي نفر بخلوا بالسلام «1» . فحيوا بأحسن منها أَوْ رُدُّوها يَقُولُ فردوا عَلَيْه أحسن مما قَالَ، قَالَ: فيقول وعليك ورحمة اللَّه وبركاته، أو يرد عَلَيْه مثل ما سلم عَلَيْه «2» . إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أمر التحية إن رددت عَلَيْهَا أحسن منها أَوْ مثلها حَسِيباً- 86- يعني شهيدا. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ نزلت في قوم شكوا في البعث فأقسم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بنفسه ليبعثهم إلى يوم القيامة لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فِي البعث وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً- 87- يَقُولُ فلا أحد أصدق من اللَّه حديثًا إذا حدَّث يعني فِي أمر البعث فَما لَكُمْ صرتم فِي الْمُنافِقِينَ نزلت فِي تسعة نفر- منهم- مَخْرَمَة بن زَيْد الْقُرَشِيّ- هاجروا من مكة إلى المدينة فقدموا وأرادوا الرجعة، فَقَالَ بعضهم: نخرج كهيئة البداة فإذا غفل عنا مضينا إلى مكة فجعلوا يتحولون منقلة منقلة حَتَّى تباعدوا من المدينة ثُمّ إنهم أدلجوا حَتَّى أصبحوا قَدْ قطعوا أرضا بعيدة فلحقوا بمكة فكتبوا إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- إنا على ما فرقناك عليه، ولكنا اشتقنا إلى بلادنا وإخواننا بمكة،
__________
(1) فى أ، م: بالسلم. وفى ل: بالسلام. والمثبت من ل.
(2) فى أ: عليك. والمراد: أن من ألقى عليه السلام يجب أن يرد التحية بأحسن منها. فيقول وعليك ورحمة اللَّه وبركاته. أو يرد عليه بمثلها. أى بمثل ما سلم عليه.

(1/394)


ثُمّ إنهم خرجوا تجارا إلى الشام واستبضعهم أَهْل مكة بضائعهم، فقالوا لهم: أنتم عَلَى دين محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فلا بأس عليكم فساروا وبلغ الْمُسْلِمِين «أمرهم» «1» ، فَقَالَ بعضهم لبعض: اخرجوا إلى هَؤُلاءِ فنقاتلهم، ونأخذ ما معهم فإنهم تركوا دار الهجرة وظاهروا عدونا. وقال آخرون [81 ب] :
ما حلت دماؤهم وَلا أموالهم ولكنهم فتنوا، ولعلهم يرجعوا للتوبة والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساكت، فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يخبر عن التسعة رهط ويعظ الْمُؤْمِنِين ليكون أمرهم جميعًا عليهم. فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: «فَما لَكُمْ» صرتم «فِي الْمُنافِقِينَ» فِئَتَيْنِ تختصمون وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ «2» يعني أضلهم فردهم إلى الكفر بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا- 88- ثُمّ أخبر عن التسعة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً أنتم وهم عَلَى الكفر فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني حَتَّى يهاجروا إلى دار الهجرة بالمدينة فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِن أبوا الهجرة فَخُذُوهُمْ يعني فأسروهم وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ يعني أَيْنَ وَجَدْتُمُوهُمْ من الأرض فِي الحل والحرم وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً- 89- يعني وَلا ناصرا. ثُمّ استثنى فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ يعني التسعة المرتدين إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يعني عهد خزاعة وبني خُزَيْمة وفيهم نزلت إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «3» إن وصل هَؤُلاءِ التسعة إلى أهل عهدكم وهم خزاعة منهم: هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جشم
__________
(1) أورد الواحدي فى أسباب النزول: 96- 97 عدة آثار فى أسباب نزول الآية، من بينها ما أورده مقاتل وعزاه الواحدي إلى مجاهد.
(2) فى حاشية أ: مأخوذ من الركس، وهو رجيع: أى روث الحيوان فكأنهم رجعوا إلى حالة شنبعة.
(3) سورة التوبة: 4.

(1/395)


وبنو مدلج وبنو جذيمة «1» وهما حيان من كنانة. فلا تقتلوا التسعة لأن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَالَح هَؤُلاءِ عَلَى أن من يأتيهم من الْمُسْلِمِين فهو آمن. يَقُولُ:
إن وصل هَؤُلاءِ وغيرهم إلى أهل عهدكم فإن لهم مثل الَّذِي لحلفائهم. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ- أَوْ جاؤُكُمْ يعني بني جذيمة حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ يعني ضيقة قلوبهم أَنْ يُقاتِلُوكُمْ يعني ضاقت قلوبهم أن يقاتلوكم أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ من التسعة ثُمّ قَالَ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ يخوف الْمُؤْمِنِين ثُمّ قَالَ:
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ يعني الصلح يعني هلالا وقومه خزاعة فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا- 90- فِي قتالهم سَتَجِدُونَ آخَرِينَ
منهم أسد غطفان أتوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجئتم مهاجرين؟ قَالُوا: بل جئنا مسلمين- فإذا رجعوا إلى قومهم قَالُوا آمنا بالعقرب والخنفساء إذ تعود، فَقَالَ: «سَتَجِدُونَ آخَرِينَ» يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ
يعني يأمنوا فيكم مَعْشَر الْمُؤْمِنِين بأنهم مقرون بالتوحيد وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ المشركين لأنهم عَلَى دينهم كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ يعني كلما دعوا إلى الشرك أُرْكِسُوا فِيها يَقُولُ عادوا فِي الشرك فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ فى القتال وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ يعني الصلح وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ عن قتالكم فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ [82 أ] يعنى: أأسروهم واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ يعني أدركتموهم من الأرض فِي الحل والحرم وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً- 91- يعنى حجة بيّنة ثم صارت منسوخة وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عَيَّاش بن أَبِي رَبِيعَة بن المغيرة المخزومي يقول ما كان
__________
(1) هكذا فى أ، وفى ل بدون إعجام هكذا حديمة فتحتمل خذيمة وجذيمة.
وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي ص 72: أن الآية نزلت فى بنى جذيمة بن عبد مناف وفى هلال بن عويمر الأصلى وسراقة بن مالك المدلجي.

(1/396)


ينبغي لمؤمن أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً يعني الْحَارِث بن يزيد بن أَبِي أنيسة من بنى عامر ابن لؤي إِلَّا خَطَأً وذلك أن الْحَارِث أسلم فِي موادعة أَهْل مكة فقتله عَيَّاش خطأ وكان عَيَّاش قَدْ حلف عَلَى الْحَارِث بن يَزِيد ليقتلنه وكان الْحَارِث يومئذ مشرك فأسلم الْحَارِث وَلَم يعلم به عَيَّاش فقتله بالمدينة «1» وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي التي قَدْ صلت للَّه ووحدت اللَّه وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ أى المقتول إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا يَقُولُ إِلَّا أن يصدق أولياء المقتول بالدية عَلَى القاتل فهو خير لَهمْ فَإِنْ كانَ هذا المقتول مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ من أَهْل الحرب وَهُوَ يعني المقتول مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ نزلت فى مرداس بن عُمَر القَيْسيّ «2» وَلا دية لَهُ [وَإِنْ كانَ هَذَا المقتول وكان ورثته مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يعنى عهد فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ «3» ] أَيّ إلى أهل المقتول يعني إلى ورثته بمكة وكان بين النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبَيْنَ أَهْل مكة يومئذ عهد. وَعليه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الدية فعليه فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ تِلْكَ الكفارة تجاوز من اللَّه فِي قتل الخطأ لهذه الأمة لأن الْمُؤْمِن كان يقتل بالخطأ فِي التوراة عَلَى عهد مُوسَى- عَلَيْه السلام- وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً- 92- حكم الكفارة والرقبة وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً نزلت فِي مقيس بن ضبابة الكناني، ثُمّ الليثي قتل رَجُلا من قريش يُقَالُ لَهُ عمر ومكان أَخِيهِ هِشَام بن ضبابة، وذلك
أن مقيس بن ضبابة وجد أخاه قتيلا فِي الأَنْصَار فِي بني النَّجّار، فانطلق إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بِذَلِك فأرسل النَّبِيّ- صلى الله
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 97، والسيوطي: 72.
(2) فى ل: القرشي. [.....]
(3) ما بين الأقواس [ ... ] من ل، وهو مضطرب فى أ.

(1/397)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأنصار رَجُلا من بني فهر مَعَ مقيس فَقَالَ: ادفعوا إلى مقيس قاتل أَخِيهِ، إن علمتم ذَلِكَ، وإلا فادفعوا إِلَيْهِ ديته. فَلَمَّا جاءهم الرَّسُول، قَالُوا:
السمع والطاعة للَّه ولرسوله واللَّه ما نعلم لَهُ قاتلا، ولكنا نؤدي ديته، ودفعوا «1» إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه، فَلَمَّا انصرف مقيس عمد إلى رسول رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقتله وفر «2» وارتد عن الْإِسْلام «ورحل من المدينة» «3»
وساق معه الدية ورجع «4» إلى مكة كافرا، وَهُوَ يَقُولُ فِي شعره [82 ب] :
قتلت به فهرا وحملت عقله ... سراة بني النَّجّار أرباب فارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسدا ... وكنت إلى الأوثان أوّل راجع
فنزلت فِيهِ بعد ما قتل النَّفْس وارتد عن الْإِسْلام وساق معه الدية إلى مكة نزلت فِيهِ الآية «5» وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً يعني الفهري مُتَعَمِّداً لقتله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً- 93- وافر الانقطاع لَهُ بقتله النَّفْس، وبأخذه الدية «6» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث سرية، وبعث عَلَيْهَا غالب بن عَبْد اللَّه الليثي أخا ثميلة بن عَبْد اللَّه. فَلَمَّا أصبحوا رأوا رَجُلا يسمى مِرْداس بن عمرو «7» بن نهيك العنسي من بني تيم بن مرة من أَهْل فدك معه غنيمة لَهُ، فَلَمَّا رَأَى الخيل ساق غنيمته حَتَّى أحرزها فِي الجبل- وكان قَدْ أسلم من الليل وأخبر أهله بِذَلِك- فَلَمَّا دنوا منه كبروا فسمع التكبير فعرفهم فنزل إليهم. فَقَالَ: سلام عليكم، إنى مؤمن.
__________
(1) فى أ: فدفعوا.
(2) فى أ: ففر.
(3) فى أ: ورحل منها.
(4) فى أ: فرجع.
(5) فى أ: بالمدينة.
(6) وقد أمر النبي بقتل مقيس فى الحل والحرم فقتل يوم فتح مكة. وقد ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 98.
(7) فى أ: عمر، ل: عمرو.

(1/398)


فحمل عَلَيْه أُسَامَة بن زَيْد بن حارثة الكلبي من بنى عبدود، فَقَالَ مِرْداس: إني منكم أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
فطعنه أُسَامَة برمحه فقتله وسلبه وساق غنمه.
فَلَمَّا قدِم المدينة أخبر أُسَامَة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلامه النَّبِيّ ملامة شديدة. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- قتلته وَهُوَ يَقُولُ لا إله إِلَّا اللَّه؟ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أراد أن يحرز نفسه وغنمه؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أفلا شققت عن قلبه فتنظر صدق أم لا؟ قال يا رسول الله: كيف يتبين لي؟ وإنما قلبه بضعة من جسده فَقَالَ: فلا صدقته بلسانه وَلا أنت شققت عن قلبه فيبين لك. فَقَالَ: استغفر لي يا رسول الله. قَالَ: فكيف لك بلا إله إِلَّا اللَّه يَقُولُ ذَلِكَ ثلاث مرات.
فاستغفر لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرابعة.
قَالَ أُسَامَة فِي نفسه: وددت أني لَمْ أسلم حَتَّى كان يومئذ فأمره النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم- أن يعتق رقبة. قَالَ مُقَاتِلٌ- رحِمَه اللَّه-: فعاش أُسَامَة زمن أَبِي بَكْر وعمر وعثمان- رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ- حَتَّى أدرك عَلِيّ بْن أبي طَالِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فدعاه علي- رحِمَه اللَّه- إلى القتال. فَقَالَ أُسَامَة: ما أحد أعز علي منك، وَلَكِن لا أقاتل مسلما بعد قول النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف لك بلا إله إِلَّا اللَّه؟
«فَإِن أتيت بسيف إذا ضربت به مسلما، قَالَ السيف: هَذَا مُسْلِم. وإن ضربت به كافرا، قَالَ لي: هَذَا كافر، قاتلت معك. فَقَالَ لَهُ علي» «1» : اذهب حيث شئت. فانزل الله- عز وجل-: «2» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » من ل وهو ناقص فى أ.
(2) أى فى قتل أسامة مرداس.

(1/399)


«1»
: يعني سرتم غزاة فِي سبيل اللَّه. فَتَبَيَّنُوا من تقتلوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ يعني مِرْداس وذلك أَنَّهُ قَالَ لهم: السَّلام عليكم إني مؤمن لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني غَنْم مِرْداس فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ فِي الآخرة والجنة كَذلِكَ يعني هكذا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ الهجرة بمنزلة مِرْداس تأمنون فِي قومكم بالتوحيد من أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لقوكم.
فلا تخيفون أحدا بأمر كان فيكم تأمنون بِمِثْلِهِ قبل هجرتكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالهجرة فهاجرتم فَتَبَيَّنُوا إذا خرجتم فلا تقتلوا مسلما إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً- 94- فَقَالَ أسامة واللَّه لا أقتل رَجُلا بعد هذا يقول لا إله إلّا الله. وقوله- سبحانه-: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الغزو مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعني عَبْد اللَّه بن جحش الأَسَديّ، وابن أم مَكْتُوم من أَهْل العذر «2» .
قَالَ أَبُو محمد «3» : هُمْ ثلاثة منهم عَبْد اللَّه بن جحش، عقد لَهُ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعُبَيْدُ اللَّهِ مات نصرانيا، وعبد اللَّه بن جحش هُوَ الضرير الَّذِي نزل فِيهِ قوله- عز وجل-: «غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ» «4» .
__________
(1) فى أ، ل: فى الأرض.
(2)
ورد فى تفسير ابن كثير: 1/ 540 قال البخاري: وقال عبد الرزاق عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: أكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فجاء عبد الله بن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله إنى أحب الجهاد فى سبيل الله، ولكن بى من الزمانة ما قد ترى، قد ذهب بصرى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي فخذي حتى خشيت أن ترضها، ثم سرى عنه. ثم قال: أكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رواه ابن أبى حاتم وابن جرير بمعناه ورد فى صحيح البخاري.
وقال ابن عباس لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ عن بدر والخارجين إلى بدر.
(3) هو عبد الله بن ثابت.
(4) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل. [.....]

(1/400)


يَقُولُ «1» -: عَزَّ وَجَلّ-: لا يَسْتَوِي فِي الْفَضْل القاعد الَّذِي لا عذر لَهُ، والمجاهد بنفسه وماله فِي سبيل اللَّه. وهي غزوة تبوك قَالَ-: عَزَّ وَجَلّ-:
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ من أَهْل العذر دَرَجَةً يعني فضيلة عَلَى القاعدين وَكُلًّا يعني المجاهد والقاعد المعذور وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يعني الجنة، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ الَّذِين لا عذر لهم أَجْراً عَظِيماً- 95- دَرَجاتٍ مِنْهُ يعني فضائل من اللَّه فِي الجنة سبعين درجة بين كُلّ درجتين مسيرة سبعين سنة وَمَغْفِرَةً لذنوبهم وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً- 96- يعني أبا لبابة، وأوس بن حزام، ووداعة بن ثعلب، وكعب بن مَالِك، وهلال بن أُمَيَّة، ومرارة بن رَبِيعَة من بني عمرو ابن عَوْف كلهم من الأَنْصَار إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني ملك الموت وحده ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ وذلك أنه كان نفر أسلموا بمكة مَعَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والوليد بن عُقْبة بن رَبِيعَة بن عبد شمس، وعمرو بن أمية ابن سُفْيَان بن أُمَيَّة بن عَبْد شمس، والعلاء «2» بن أُمَيَّة بن خلف الْجُمَحِيّ ثُمّ إنهم أقاموا عن «3» الهجرة وخرجوا مَعَ المشركين إلى قتال بدر، فَلَمَّا رأوا قلة الْمُؤْمِنِين شكوا فى النبي- صلى الله عليه وسلم-[83 ب] وقالوا: غر هَؤُلاءِ دينهم، وكان بعضهم نافق بمكة فَلَمَّا قُتِل هَؤُلاءِ ببدر قالُوا أَي قَالَت الملائكة لهم وَهُوَ ملك الموت وحده: فِيمَ كُنْتُمْ؟ يَقُولُ فِي أَيّ شيء كنتم قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ يعني كُنَّا مقهورين بأرض مكة لا نطيق أن نظهر الإيمان،
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) فى أ: وعمرو العلا، ل: والعلاء.
(3) فى أ: على، ل: عن.

(1/401)


قالُوا أَي قَالَت الملائكة لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً من الضيق يعني أرض اللَّه المدينة فَتُهاجِرُوا فِيها؟ يعني إليها ثُمّ انقطع الكلام فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً- 97- يعني وبئس المصير صاروا، ثُمّ استثنى أَهْل العذر فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ فليس مأواهم جهنم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً يَقُولُ لَيْسَ لهم سعة للخروج إلى المدينة وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا- 98- يعني وَلا يعرفون طريقا إلى المدينة فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ والعسى من اللَّه واجب وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا عَنْهُمْ غَفُوراً- 99- فلا يعاقبهم لإقامتهم عن الهجرة فِي عذر. فَقَالَ ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَا يومئذ من الولدان، وأمي من النّساء.
فبعث النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذه الآية إلى مسلمي مكة. فَقَالَ جُنْدُب ابن حمزة الليثي ثُمّ الجندعي لبنيه: احملوني فَإِنِّي لست من المستضعفين وإني لهاد بالطريق ولو مت لنزلت فِي الآية «1» . وكان شيخا كبيرا «2» فحمله بنوه عَلَى سريره متوجها إلى المدينة فمات بالتنعيم فبلغ أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موته، فقالوا: لو لحق بنا لأتم اللَّه أجره فأراد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن يعلمهم أَنَّهُ لا يخيب من التمس رضاه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «3» يعني في طاعة الله إِلَى المدينة يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً يعنى
__________
(1) فى أ: لنزلت الآية، ل: لنزلت فى الآية، والمراد انطبق على وعيد هذه الآية.
(2) فى أ، ل: وكان شيخا كبيرا ولو مت لنزلت فى الآية، فاضطررت إلى تعديلها ليستقيم الكلام.
(3) فى أ، ل: فسر عجز هذه الآية قبل صدرها، أى فسرها هكذا: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.

(1/402)


متحولا عن الكفر وَسَعَةً فِي الرزق وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً- 100- ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَإِذا ضَرَبْتُمْ يعني سرتم فِي الْأَرْضِ يعني غزوة بني أنمار ببطن مكة فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أن يقتلكم. كقوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ «1» يعني أن يقتلكم الَّذِين «2» كفروا من أَهْل مكة فيصيبوا منكم طائفة إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً- 101- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حذرهم من عدوهم وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ [84 أ] يعنى تذرون عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ يعني فيحملون عَلَيْكُمْ جميعًا مَيْلَةً واحِدَةً يعني حملة واحدة يعني كرجل واحد عِنْد غفلتكم ثُمّ رخص لهم فِي وضع السلاح عِنْد المطر أَو المرض «3» فَقَالَ: وَلا جُناحَ يعني لا حرج عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ
من عدوكم عِنْد وضع السلاح إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً- 102- يعنى الهوان. وكان «4» تقصير الصَّلاة بعسفان «5» - بين مكة والمدينة- والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإزاء الَّذِين خافوه وهم غطفان فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ يعني صلاة الخوف فَاذْكُرُوا اللَّهَ باللسان قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
__________
(1) سورة يونس الآية: 83.
(2) فى أ: يقتلهم.
(3) فى أ: أو مرض.
(4) فى أ: فكان.
(5) فى أ: زيادة- وهو الأولى.

(1/403)


إذا أقمتم فِي بلادكم فأقيموا الصَّلاة يعني فأتموا الصَّلاة كاملة وَلا تقصروا إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً- 103- يعني فريضة معلومة كقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ «1» يعني فرض عليكم القتال.
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ يَقُولُ وَلا تعجزوا: كقوله: فَما وَهَنُوا «2» يعني فَمَا عجزوا فِي طلب أَبِي سُفْيَان وأصحابه يوم أحد بعد القتل بأيام فاشتكوا إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجراحات فأنزل الله- عز وجل- إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ يعنى تتوجعون فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ يعني يتوجعون كَمَا تتوجعون وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ من الثواب والأجر ما لا يَرْجُونَ يعني أبا سُفْيَان وأصحابه وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً- 104- فِي أمره. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وذلك أن يهوديا يسمى زَيْد بن السمين، كان استودع طعمة بن أبيرق الْأَنْصَارِيّ- من الأوس من بني ظفر بن الْحَارِث- درعا «3» من حديد ثُمّ إن زَيْدا اليهودي طلب درعه فجحده طعمة، فَقَالَ زَيْد لقومه:
قَدْ ذكر لي أن الدرع عنده فانطلقوا حَتَّى نلتمس داره فاجتمعوا ليلا فأتوا داره، فَلَمَّا سَمِع جلبة القوم أحس «4» قلبه أن القوم إِنَّمَا جاءوا من أجل الدرع فرمى به فِي دار أَبِي مليك فدخل القوم داره فلم يجدوا الدرع فاجتمع الناس، ثُمّ إن طعمة اطلع فِي دار أَبِي مليك «5» ، فَقَالَ: هَذَا درع فِي دار أَبِي مليك، فلا أدري: هِيَ لَكُمْ أم لا؟ فأخذوا الدرع ثُمّ إن قوم طعمة- قَتَادَة بن النُّعْمَان وأصحابه- قَالُوا:
انطلقوا بنا إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنبرئ صاحبنا، ونقول إنهم أتونا
__________
(1) سورة البقرة: 216.
(2) سورة آل عمران: 146.
(3) فى أ: درع. [.....]
(4) فى أ: حس، ل: أحس.
(5) فى أزيادة: فدخل القوم داره.

(1/404)


ليلا ففضحونا، وَلَم يَكُنْ معهم رسول من قبلك ونأمرهم [84 ب] أن يبرءوا صاحبنا لتنقطع ألسنة الناس عنا بما قذفونا به، ونخبره أنها وجدت فِي دار أبي مليك.
فأتوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه فصدق النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعمة وأبرأه من ذَلِكَ، وَهُوَ يرى أنهم قَدْ صدقوا فأنزل الله- تعالى- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ يعني القرآن «بِالْحَقِّ» لَمْ ننزله باطلا عبثا لغير شيء لِتَحْكُمَ يعني لكي تحكم بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ يعني بما علمك اللَّه فِي كتابه كقوله- سبحانه-: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «1» وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً- 105- يعني طعمة، ثُمّ قَالَ: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ يا محمد عن جدالك عن طعمة حين كذبت عَنْهُ فأبرأته من السرقة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً- 106- فاستغفر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
يعني طعمة إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً
- 107- فِي دينه أثيما بربه يَسْتَخْفُونَ
يعني يستترون بالخيانة مِنَ النَّاسِ
يعني طعمة وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
وَلا يستترون بالخيانة من اللَّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ
يعني إذ يؤلفون مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
لقولهم إنا نأتي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنقول لَهُ كذا وكذا، فألقوا قولهم بينهم يعني قَتَادَة وأصحابه ليدفعوا عن صاحبهم ما لا يرضي اللَّه من القول وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
- 108- يعني أحاط علمه بأعمالهم يعني قوم الخائن قَتَادَة بن النُّعْمَان وأصحابه ثُمّ قَالَ يعنيهم: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ
قوم الخائن جادَلْتُمْ عَنْهُمْ
نبيكم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
عن طعمة فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
- 109- يعني به قومه يَقُولُ أم من يَكُون لطعمة مانعا فِي الآخرة، ثُمّ عرض عَلَى طعمة التوبة فقال:
__________
(1) سورة سبأ: 6.

(1/405)


وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
يعنى إثما أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
يعني قذف البريء أبا مليك ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
- 110- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
يعني طعمة فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
- 111- فِي أمره وَمَنْ يَكْسِبْ
لنفسه خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً
يعني قذف البريء ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
يعني أَنَّهُ رمى به فِي دار أَبِي مليك الأنصارى «1» فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً
يعني قذفه البريء بما لَمْ يَكُنْ وَإِثْماً مُبِيناً
- 112- يعني بينا، ثُمّ قَالَ لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
يعني ونعمته بالقرآن حين بين لك أمر طعمة فحولك عن تصديق الخائنين بالقرآن لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ
يقول لكادت طائفة من قوم الخائنين [85 أ] أن يستنزلوك عن الحق وَما يُضِلُّونَ
يعني وما يستنزلون إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
يعنى وما ينقصونك من شيء لَيْسَ ذَلِكَ بأيديهم، إِنَّمَا ينقصون «2» أنفسهم، ثُمّ قَالَ:
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
يعني الحلال والحرام وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
من أمر الكتاب وأمر الدّين وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
- 113- يعنى النبوة والكتاب ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ يعني قوم طعمة قَيْس بن زَيْد، وكنانة بن أبي الحقيق، وأبو رافع، وكُلُّهُمْ يهود حين تناجوا فِي أمر طعمة. ثُمّ استثنى فَقَالَ: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ يعني القرض أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً- 114- يعني جزاء عظيما فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فى قولهم:
__________
(1) وردت قصة نزول هذه الآيات بطولها فى أسباب النزول للسيوطي: 78- 79. كما وردت فى أسباب النزول للواحدي: 103. وكلاهما يوافق ما ذكره مقاتل فى تفسير هذه الآيات.
(2) فى أ: ثم ينقضون.

(1/406)


وَمَنْ يُشاقِقِ يعني يخالف الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ يعني غَيْر دين الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى من الآلهة وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً- 115- يعني وبئس المصير فَلَمَّا قدِم طعمة مكة نزل عَلَى الحَجَّاج بن علاط السُّلَمِيّ «1» فأحسن نزله فبلغه أن فِي بيته ذهبا فَلَمَّا كان من الليل خرج فنقب حائط البيت وأراد «2» أن يأخذ الذهب وَفِي البيت مسوك يابسة مسوك الشاء «3» قَدْ أصابها حر الشمس «4» وَلَم تدبغ فَلَمَّا دخل البيت من النقب وطئ المسوك، فسمعوا قعقعة المسوك فِي صدره عِنْد النقب، وأحاطوا بالبيت، ونادوه اخرج فإنا قَدْ أحطنا بالبيت، فَلَمَّا خرج إذا هُمْ بضيفهم «5» طعمة، فأراد أَهْل مكة أن يرجموه فاستحيا الحَجَّاج لضيفه، وكانوا يكرمون الضيف فأهزوه وشتموه، فخرج من مكة فلحق بحرة بني سُلَيْم يعبد صنمهم، ويصنع ما يصنعون حَتَّى مات عَلَى الشرك فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ يعني يعدل به فيموت عَلَيْه وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يعني مادون الشرك لمن يشاء فمشيئته لأهل التوحيد وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ عن الهدى ضَلالًا بَعِيداً- 116- ثُمّ إن أبا مليك عاش حَتَّى استخلف عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فحلف بِاللَّه لعمر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- لا يولي راجعا، فَلَمَّا كان يوم القادسية انهزم المشركون إلى الفرات وجاءت أساورة كسرى فهزموا الْمُسْلِمِين إلى قريب من الجيش فثبت أَبُو مليك حَتَّى قُتِل فبلغ ذَلِكَ عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فَقَالَ أَبُو مليك:
صدق اللَّه وعده إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً يعنى أوثانا يعنى أمواتا: اللات
__________
(1) فى ل: الأسلمى. أ: السلمى.
(2) فى أ: فأراد.
(3) فى ل: الشاة. أ: الشاء.
(4) فى ل: ولم. أ: لم.
(5) فى أ: بضيفه، ل: بضيفهم.

(1/407)


[85 ب] والعزى وهي الأوثان لا تحرك وَلا تضر وَلا تنفع فهي ميتة وَإِنْ يَدْعُونَ يعني وما يعبدون من دونه إِلَّا شَيْطاناً يعني إبليس، زين لهم إبليس طاعته فِي عبادة الأوثان مَرِيداً- 117- يعني عاتيا تمرد عَلَى ربه- عَزَّ وَجَلّ- فِي المعصية لَعَنَهُ اللَّهُ حين كره السجود لآدم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقالَ إبليس لربه- جلَّ جلاله- لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً- 118- يعني حظا معلوما من كُلّ ألف إنسان، واحد فِي الجنة وسائرهم فِي النار فهذا النصيب المفروض وَقال إبليس لَأُضِلَّنَّهُمْ عن الهدى وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ بالباطل ولأخبرنهم ألّا بعث وَلا جنة وَلا نار وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ يعني ليقطعن آذانَ الْأَنْعامِ وهي البحيرة للأوثان وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ يعني ليبدلن دين اللَّه وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ يعني إبليس وَلِيًّا يعني ربا مِنْ دُونِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً- 119- يَقُولُ فقد ضل ضلالا بينا يَعِدُهُمْ إبليس الغرور: ألا بعث وَيُمَنِّيهِمْ إبليس الباطل وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً- 120- يعني إِلَّا باطلا: الَّذِي لَيْسَ بشيء، وقَالَ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا أُولئِكَ «1» مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً- 121- يعنى مقرا يلجئون إليه يعنى القرار ثُمّ أخبر بمستقر من لا يتولى الشَّيْطَان فَقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
يعني صدقا أَنَّهُ منجز لهم ما وعدهم وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا- 122- فَلَيْس أحد أصدق قولا منه- عَزَّ وَجَلّ- فى أمر الجنة والنار والبعث وغيره لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ نزلت فى المؤمنين واليهود والنصارى، «2»
__________
(1) فى أ: فأولئك.
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 103- 104. وفى أسباب النزول للسيوطي: 80.

(1/408)


قَالَت اليهود: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن أهدى وأولى بِاللَّه منكم.
وقالت النَّصارى: نبينا كلمة اللَّه وروح اللَّه، وكلمته، وكان يحيى الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، وَفِي كتابنا العفو وليس فِيه قصاص، فنحن أولى بِاللَّه منكم مَعْشَر اليهود ومعشر الْمُسْلِمِين.
فَقَالَ المسلمون: كذبتم كتابنا نسخ كُلّ كتاب، ونبينا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتم الأنبياء، وآمنا بنبيكم وكتابكم، وكذبتم نبينا وكتابنا وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم، ونعمل بكتابنا، فنحن أهدى منكم وأولى بِاللَّه منكم. فأنزل- عَزَّ وَجَلّ- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ مَعْشَر الْمُؤْمِنِين وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً- 123- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً- 124- مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ نزلت فِي الْمُؤْمِنِين مجازات الدُّنْيَا تصيبهم فِي النكبة بحجر، والضربة واختلاج عرق أَوْ خدش عود «أو عثرة قدم فيديمه» «1» أَوْ غيره فبذنب قدم وما يعفو اللَّه عَنْهُ أكبر، فذلك قوله سُبْحَانَهُ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «2» ثُمّ قَالَ: وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يعني قريبا ينفعه «وَلا نَصِيراً» يعني وَلا مانعا يمنعه من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ. فَلَمَّا افتخرت اليهود على المؤمنين بالمدنية بين اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أمر الْمُؤْمِنِين- فَقَالَ سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ بتوحيد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً يعني وَلا ينقصون من أعمالهم الحسنة نقيرا حَتَّى يجازوا بها يعني النقير الَّذِي فِي ظهر النواة التي تنبت منه النخلة «3» .
__________
(1) من ل وليس فى أ.
(2) سورة الشورى: 30. [.....]
(3) فسر الآيتين: 123، 124 فى غير مكانهما فأعدتهما إلى مكانهما.

(1/409)


ثُمّ اختار من الأديان دين الْإِسْلام- فَقَالَ عَزَّ وَجَلّ-: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني أخلص دينه للَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي عمله وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [86 أ] يعنى مخلصا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا- 125- يعني محبا وأنزل اللَّه «1» - عَزَّ وَجَلّ- فيهم «هذانِ خَصْمانِ» يعني كفار أَهْل الكتاب.
«اخْتَصَمُوا» يعني ثلاثتهم: الْمُسْلِمِين واليهود والنصارى «فِي رَبِّهِمْ» أنهُمْ أولياء اللَّه ثُمّ أخبر بمستقر الكافر فَقَالَ: «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ» يعني جعلت لهم ثياب من نار إلى آخر الآية «2» . ثُمّ أخبر- سُبْحَانَهُ- بمستقر الْمُؤْمِنِين «3» فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... إلى آخر الآية «4» .
قوله «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» والخليل «الحبيب» لأن اللَّه أحبه فِي كسره الأصنام، وجداله قومه، واتخذ اللَّه إِبْرَاهِيم خليلا قبل ذبح ابنه فَلَمَّا رأته الملائكة حين أمر بذبح ابنه أراد المضي عَلَى ذَلِكَ- قَالَت الملائكة: لو أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- اتخذ عبدا خليلا لاتخذ هَذَا خليلا محبا، وَلا يعلمون أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- اتخذه خليلا. وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأصحابه- رَضِيَ اللَّه عَنْهُم-: إن صاحبكم خليل الرَّحْمَن. يعني نفسه. فَقَالَ المنافقون لليهود: ألا تنظرون إلى محمد يزعم أَنَّهُ خليل الله لقد اجتزأ. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا»
وإنما إِبْرَاهِيم عَبْد من عباده مثل محمد واتخذ
__________
(1) فى أ: فأنزل، ل: وأنزل.
(2) سورة الحج الآية 19.
(3) فى أ: المؤمنين المسلمين.
(4) سورة الحج: 23.

(1/410)


إِبْرَاهِيم خليلا: حين ألقي فِي النار فذهب حر النيران يومئذ من الأرض كلها «1» .
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق [86 ب] عبيده وَفِي ملكه وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً- 126- يعنى أحاط علمه وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ نزلت فِي سُوَيْد وعرفطة ابني الْحَارِث وعيينة بن حصن الفزاري ذلك أَنَّهُ لما فرض اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لأم كحة وبناتها الميراث انطلق سُوَيْد وعرفطة وعيينة بن حصن الفَزَاريّ إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن المرأة لا تركب فرسا وَلا تجاهد وليس عِنْد الولدان الصغار منفعة فِي شيء- فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم «وَيَسْتَفْتُونَكَ» يعني يسألونك عن النّساء يعني سويدا وصاحبيه قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ يعني ما بين من القسمة فِي أوّل هذه السورة قال: ويفتيكم فِي يَتامَى النِّساءِ يعني بنات أمَّ كحة اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ يعني ما فرض لهن من أنصبائهن من الميراث فى أول السورة «2» . ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يعني بنات أم كحة وكان الرَّجُل يَكُون فِي حجره اليتيمة ولها مال، ويكون فيها «3» موق فيرغب عن تزويجها، ويمنعها من الأزواج من أجل مالها رجاء أن تموت، فيرثها، فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: «وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ» «4»
__________
(1) ذهاب حر النيران من الأرض كلها غيب لا يعلم إلا من الكتاب أو السنة الصحيحة، وما دام لم يرد فى الكتاب إلا أن النار صارت بردا وسلاما على إبراهيم فيجب أن نقتصر عليه ولا يجوز أن نضيف إليه حكايات إسرائيلية أو غير إسرائيلية. (المحقق)
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 105. وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.
(3) موق: أى محب.
(4) قال النسفي فى تفسيره: 1/ 197 «وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ» أى فى أن تنكحوهن لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن. وقد ورد فى التفسير المأثور ما يؤيده.

(1/411)


لدمامتهن وَيفتيكم فى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ أن تعطوهم حقوقهم وكانوا لا يورثونهم وَيفتيكم أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى فِي الميراث بِالْقِسْطِ يعني بالعدل وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ مما أمرتم به من قسمة المواريث فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً- 127- فيجزيكم به وَإِنِ امْرَأَةٌ واسمها خويلة بِنْت «1» محمد بن مَسْلَمَةَ خافَتْ يعني علمت مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً يعني زوجها أَوْ إِعْراضاً عَنْهَا لما بها من؟؟؟
إلى الأخرى نزلت فِي رافع بن خَدِيج الْأَنْصَارِيّ وَفِي امرأته خويلة بِنْت محمد بن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ وذلك أن رافعا طلقها ثُمّ راجعها وتزوج عَلَيْهَا أشب منها، وكان يأتي الشابة ما لا يأتي الكبيرة «2» يقول فَلا جُناحَ عَلَيْهِما الزوج والمرأة الكبيرة أَنْ يُصْلِحا «3» بَيْنَهُما صُلْحاً أن ترضى المرأة الكبيرة بِمَالِهِ، عَلَى أن يأتي الشابة ما لا يأتي الكبيرة، يقول فلا بأس بِذَلِك فِي القسمة فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ من المفارقة وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ يعني الحرص على المال: يعني الكبيرة، يرضيها الزوج من بعض ماله، فتحرص عَلَى المال، وتدع نصيبها من زوجها «4» وَإِنْ تُحْسِنُوا الفعل فلا تفارقها وَتَتَّقُوا الميل والجور فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً- 128- فِي أمرهن من الإحسان والجور، ثُمّ قَالَ- عز وجل-: [87 أ] . وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ فِي الحب: أن يستوي حبهن فِي قلوبكم «5» وَلَوْ حَرَصْتُمْ فلا تقدرون عَلَى ذَلِكَ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ إلى التي تحب وهي الشابة فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أى فتأتيها وتذر الأخرى
__________
(1) فى أ: ابنت، ل، بنت.
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 105، برواية البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك، ورواه مسلم عن كريب وأبى أسامة كلاهما عن هشام، كما ورد فى السيوطي: 81.
(3) فى أ: يصالحا.
(4) فى أ: مالها، ل: زوجها.
(5) فى أ: القلوب، ل: قلوبكم. [.....]

(1/412)


يعني الكبيرة كالمعلقة لا أيم وَلا ذات بعل وَلَكِن اعدلوا فِي القسمة «1» وَإِنْ تُصْلِحُوا أمرهن وَتَتَّقُوا الميل والجور فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً حين ملت إِلَى الشابة برضى الكبيرة رَحِيماً- 129- بك حين رخص لك فِي الصلح فَإِن أبت الكبيرة الصلح إِلَّا أن تسوي بينها وبين الشابة أَوْ تطلقها كان ذَلِكَ لها. ثُمّ إنَّه طلقها فنزلت وَإِنْ يَتَفَرَّقا يعني رافع وخويلة المرأة الكبيرة يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا يعني الزوج والكبيرة مِنْ سَعَتِهِ يعني من فضله الواسع وَكانَ اللَّهُ واسِعاً لهما فِي الرزق جميعًا حَكِيماً- 130- حين حكم فرقتهما وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق عبيده وَفِي ملكه «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» «2» وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا عن عباده وخلقه حَمِيداً- 131- عِنْد خلقه فِي سلطانه وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا- 132- يعني شهيدا فلا شاهد أفضل من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن من فيهما عباده وَفِي ملكه ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بالموت أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ يعني بخلق غيركم أطوع منكم وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً- 133- أن يذهبكم ويأت بغيركم إذا عصيتموه مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا بعمله فليعمل لآخرته فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا يعني الرزق فِي الدُّنْيَا وثواب وَالْآخِرَةِ يعني الجنة وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً- 134- بأعمالكم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ يعنى قوالين بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ يَقُولُ- سُبْحَانَهُ- أقيموا الشهادة للَّه بالعدل وَلَوْ كانت الشهادة عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ على الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ أَحَدهمَا غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما بالغني والفقير من غيره فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى
__________
(1) السطور السابقة مضطربة فى أ، ل فاضطررت لإصلاحها.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.

(1/413)


فِي الشهادة والقرابة واتقوا أَنْ تَعْدِلُوا عن الحق إلى الهوى ثُمّ قَالَ:
وَإِنْ تَلْوُوا يعني التحريف بالشهادة: يلجلج بها لسانه فلا يقيمها ليبطل بها شهادته أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا فلا تشهدوا بها فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من كتمان الشهادة وإقامتها خَبِيراً- 135- نزلت فِي رجل كانت عنده شهادته عَلَى أَبِيهِ فأمره اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن يقيمها لله «1» [87 ب]- عَزَّ وَجَلّ- وَلا يَقُولُ «2» إني إن شهدت عَلَيْه أجحفت بماله، وإن كان فقيرا هلك وازداد فقره، ويُقَالُ إنَّه أَبُو بكر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- الشاهد عَلَى أَبِيهِ أَبِي قحافة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فِي مؤمني أَهْل الكتاب كان بينهم وبَيْنَ اليهود كلام لَما أسلموا قَالُوا نؤمن بكتاب محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونكفر بما سواه فَقَالَ- تَعَالَى-: آمِنُوا بِاللَّهِ وصدقوا بتوحيد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَرَسُولِهِ أَيّ وصدقوا برسوله محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ نزول كتاب محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ ذكر كفار أَهْل الكتاب فحذرهم الآخرة يعني البعث فَقَالَ اللَّه- تَعَالَى ذكره-: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ يعني بتوحيد اللَّه وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني البعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال فَقَدْ ضَلَّ عن الهدى ضَلالًا بَعِيداً- 136- وبما أعد الله- عز وجل- من الثواب والعقاب. ثُمّ ذكر أَهْل الكتاب فَقَالَ:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالتوراة وبموسى ثُمَّ كَفَرُوا من بعد مُوسَى ثُمَّ آمَنُوا بعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالإنجيل ثُمَّ كَفَرُوا من بعده ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالقرآن لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ على ذلك
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 106. كما ورد فى لباب النقول للسيوطي: 81.
(2) فى أ: لا يقول، ل: ولا يقول.

(1/414)


وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا- 137- إلى الهدى منهم عمرو بن زَيْد وأوس بن قَيْس، وقيس بن زَيْد.
ولما نزلت المغفرة للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين فى سورة الفتح قَالَ عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ ونفر معه، فَمَا لنا؟ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ يعني عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم، وجد بن قَيْس بِأَنَّ لَهُمْ فِي الآخرة عَذاباً أَلِيماً- 138- يعني وجيعا، ثم نعتهم فقال:
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ من اليهود أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وذلك أن المنافقين قَالُوا لا يتم أمر محمد، فتابعوا اليهود وتولوهم فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يعني المنعة، وذلك أن اليهود أعانوا مشركي العرب عَلَى قتال النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليتعززوا «1» بِذَلِك فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- «أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ» يَقُولُ أيبتغي المنافقون عِنْد اليهود المنعة فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً- 139- يَقُولُ جميع من يتعزز فَإِنَّمَا هُوَ بإذن الله وكان المنافقون يستهزءون بالقرآن فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالمدينة وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ يعنى فى سورة الأنعام بمكة «2» أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ يقول حتى يكون حديثهم يعنى المنافقين [88 أ] فِي غَيْر ذكر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فنهى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن مجالسة كفار مكة ومنافقي المدينة عِنْد الاستهزاء بالقرآن ثُمّ خوفهم: إن جالستموهم ورضيتم باستهزائهم إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ فى الكفر إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ يعني عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم،
__________
(1) فى أ: فتعززوا.
(2) يشير للآية 68 من سورة الأنعام وهي: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

(1/415)


وجد بن قَيْس من أَهْل المدينة وَالْكافِرِينَ من أهل مكة فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً- 140- ثُمّ أخبر- سُبْحَانَهُ- عن المنافقين فَقَالَ- عَزَّ وجل-: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ الدوائر فَإِنْ كانَ لَكُمْ معشر المؤمنين فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ يعني النصر عَلَى العدو يوم بدر قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ عَلَى عدوكم فأعطونا من الغنيمة فلستم أحق بها، فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فِي العنكبوت وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ على عدوكم «1» وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ يعني دولة عَلَى الْمُؤْمِنِين يوم أحد قالُوا أى المنافقون للكفار أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ يعني ألم نحط بكم من ورائكم وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ونجادل الْمُؤْمِنِين عنكم فنحبسهم عنكم ونخبرهم أَنَّا معكم، قَالُوا ذَلِكَ جبنا وفرقا منهم. قَالَ اللَّه- تَعَالَى-: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا- 141- يعني حجة أبدا نزلت فِي عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ وأصحابه إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
حين أظهروا الْإِيمَان وأسروا التكذيب «2» وَهُوَ خادعهم عَلَى الصراط فِي الآخرة حين يُقَالُ لهم:
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً «3» فبقوا فِي الظلمة فهذه خدعة اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لهم فِي الآخرة ثُمّ أخبر عن المنافقين فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
يعني المنافقين متثاقلين لا يروا أنها حق «4» عليهم نظيرها فى براءة «5» .
__________
(1) سورة العنكبوت: 10.
(2) فى أ: وأسروا الكفر التكذيب، ل: التكذيب.
(3) سورة الحديد: 13.
(4) فى أ: حقا.
(5) عله يشير إلى الآيات 75، 76، 77 من سورة التوبة وهي فى بعض المنافقين الذين منعوا الزكاة وجحدوا وجوبها عليهم. قال- تعالى-: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ فالمنافق لا يرى أن الصلاة حق عليه ولا يعتقد أن الزكاة واجبة عليه.

(1/416)


يُراؤُنَ النَّاسَ
بالقيام بالنهار وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
يعني فِي الصَّلاة إِلَّا قَلِيلًا
- 142- يعني بالقليل، الرياء وَلا يصلون فِي السر مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ يَقُولُ إن المنافقين ليسوا مَعَ اليهود فيظهرون ولايتهم وَلا مَعَ الْمُؤْمِنِين فِي الولاية لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا- 143- إليه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يرغبهم، نزلت فِي المنافقين منهم عَبْد اللَّه ابن أُبَيٍّ، ومالك بن دخشم وذلك أن مواليهما من اليهود: أصبع ورافع عيروهما «1» بالإسلام وزينوا لهما ترك دينهما وتوليهما اليهود فصانعا اليهود. فَقَالَ اللَّه:
لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ من اليهود أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً [88 ب]- 144- يعني حجة بينة يحتج بها عليكم «2» حين توليتم اليهود ونصحتموهم إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يعنى الهاوية وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً- 145- يعني مانعا من العذاب ولما أخبر بمستقر المنافقين قَالَ ناس للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فقد كان فُلان وفلان منافقين فتابوا منه، فكيف يفعل اللَّه بهم؟ «3» فأنزل اللَّه- جل ذكره- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من المنافقين وَأَصْلَحُوا العمل وَاعْتَصَمُوا يعني احترزوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ الإسلام بِاللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- وَلَم يخلطوا بشرك فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الولاية وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً- 146- يعني جزاء وافرا مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ نعمته وَآمَنْتُمْ يعني صدقتم فَإنَّهُ لا يعذب شاكرا وَلا مؤمنا وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً- 147- بهم لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لأحد من الناس إِلَّا مَنْ ظُلِمَ يعني اعتدى عَلَيْه فينتصر من القول مثل ما ظلم
__________
(1) فى أ: عيروهم.
(2) فى أ: عليه.
(3) فى أ: فكيف الله فيهم. ل: فكيف يفعل الله بهم. [.....]

(1/417)


وَلا حرج عَلَيْه أن ينتصر بمثل مقالته
نزلت فِي أَبِي بَكْر- «1» رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- شتمه رَجُل والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فسكت عَنْهُ مرارا ثُمّ رد عَلَيْه أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فقام النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بكر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: يا رَسُول الله، شتمني وأنا ساكت، فلم تقل لَهُ شيئًا حَتَّى إذا رددت عَلَيْه قمت. قَالَ: إن ملكا كان يجيب عنك، فَلَمَّا أن رددت عَلَيْه ذهب الملك وجاء الشَّيْطَان، فلم أكن لأجلس عِنْد مجيء الشَّيْطَان
وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بجهر السوء عَلِيماً- 148- به ثُمّ أخبر أن العفو والتجاوز خير عِنْد اللَّه من الانتصار فقال- سبحانه-: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً يعني تعلنوه أَوْ تُخْفُوهُ يعني تسروه أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فعل بك فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً- 149- يَقُولُ فَإِن اللَّه أقدر عَلَى عفو ذنوبك منك عَلَى العفو عن صاحبك «2» .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يعني اليهود منهم عامر بن مَخْلَد، ويزيد ابن زَيْد كفروا بعيسى وبمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ الرسل يعني مُوسَى وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ الرسل يعني عِيسَى ومحمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا- 150- يعنى دينا يعنى إيمانا ببعض الرسل وكفرا ببعض الرسل أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا حين كفروا ببعض الرسل لا ينفعهم إيمان ببعض وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ فِي الآخرة عَذاباً مُهِيناً- 151- يعنى الهوان ثُمّ ذكر الْمُؤْمِنِين فَقَالَ- سُبْحَانَهُ- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يعني بين الرسل وصدقوا بالرسل جميعًا أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ [89 أ] يعني جزاء أعمالهم وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
__________
(1) أورد السيوطي فى لباب النقول: 81، سببا آخر غير الذي ذكره مقاتل.
(2) فى أ: على عفو صاحبك.

(1/418)


- 152- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ نزلت فِي اليهود وذلك أن كَعْب بن الأشرف، وفنحاص اليهودي قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن كُنْت صادقا بأنك رسول فأتنا بكتاب غَيْر هَذَا، مكتوب فِي السماء جملة واحدة كَمَا جاء به مُوسَى، فذلك قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ ... إلى قوله- سُبْحَانَهُ «1» -: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً يعني معاينة «2» فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ يعني الموت بِظُلْمِهِمْ لقولهم أرنا اللَّه جهرة: معاينة ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يعنى الآيات التسع فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ فلم نستأصلهم جميعًا عقوبة باتخاذهم العجل وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً- 153- يعني حجة بينة يعني اليد والعصى وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ يعني الجبل فوق رءوسهم رفعه جبريل- عَلَيْه السَّلام- وكانوا فِي أصل الجبل فرفع الطور فوق رءوسهم بِمِيثاقِهِمْ لأن يقروا بما فِي التوراة وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً يعني باب حطة وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ أَيّ لا تعدوا فِي أَخَذَ الحيتان يوم السبت وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً- 154- يعني شديدا والميثاق إقرارهم بما عهد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي التوراة فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ يعني فبنقضهم إقرارهم بما فِي التوراة وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ يعني الإنجيل والقرآن وهم اليهود وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ وذلك حين سمعوا من النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ عرفوا أن الَّذِي قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- حق وقالوا قُلُوبُنا غُلْفٌ يعني فِي أكنة عَلَيْهَا الغطاء فلا تَفْقَه وَلا تفهم ما تَقُولُ يا محمد، كراهية ما سمعوا من
__________
(1) هكذا فى أ، وفى ل: إلى ما بعد ذلك من قوله سبحانه: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى..) إلخ.
(2) فى أزيادة: وهم السبعون.

(1/419)


النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كفرهم بالإنجيل والفرقان يَقُولُ اللَّه- تَعَالَى-:
بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ يعني ختم عَلَى قلوبهم فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا- 155- يَقُولُ ما أقل ما يؤمنون فإنهم لا يؤمنون البتة وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً- 156- وذلك أن اليهود قذفوا مريم- عَلَيْهَا السَّلام- بيوسف بن ماثان بالزنا وكان ابْن عمها وكان قَدْ خطبها، ومريم ابنة عِمْرَانَ بن ماثان وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَلَم يقولوا رَسُول اللَّه وَلَكِن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ:
رَسُولَ اللَّهِ ثُمّ قَالَ- تَعَالَى-: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ بصاحبهم الذي قتلوه [89 ب] . وكان اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَدْ جعله «1» عَلَى صورة عِيسَى فقتلوه، وكان المقتول لطم عِيسَى، وقَالَ لعيسى حين لطمه: أتكذب عَلَى اللَّه حين تزعم أنك رسوله. فَلَمَّا أخذه «2» اليهود ليقتلوه قَالَ لليهود: لست بعيسى أنا فُلان، واسمه يهوذا فكذبوه، وقالوا لَهُ: أَنْت عِيسَى، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيبا عَلَى عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فألقى اللَّه- تَعَالَى ذكره- شبهه عَلَى الرقيب فقتلوه، ثُمّ قَالَ سبحانه: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ يعني فِي عِيسَى وهم النَّصارى، فَقَالَ بعضهم قتله اليهود، وقَالَ بعضهم لَمْ يقتل لَفِي شَكٍّ مِنْهُ فِي شك من قتله مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً- 157- يَقُولُ وما قتلوا ظنهم يقينا «3» يَقُولُ لَمْ يستيقنوا قتله كقول الرَّجُل قتلته علما «4» ، فأكذب الله- عز وجل-
__________
(1) فى أ: وكان قد جعله الله- عز وجل. فى ل: وكان الله- عز وجل- قد جعله.
(2) فى أ، ل: أخذوه.
(3) فى أ: وما قتلوه ما ظنهم يقينا، فى ل: وما قتلوا ظنهم يقينا.
(4) فى حاشية أما يأتى: فى الكشاف والقرطبي وغيرهما فى أحد الأوجه: وما قتلوه يعنى العلم.

(1/420)


اليهود في قتل عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ- بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إلى السماء حيا فِي شهر رمضان فِي ليلة القدر «وَهُوَ ابْن ثلاث وثلاثين سنة رفع إلى السماء من جبل بيت المَقْدِس» «1» فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً- 158- يعني عزيزا منيعا حين منع عِيسَى من القتل، حكيما حين حكم رفعه. قَالَ وترك عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد رفعه خفين ومدرعة وحذافة يحذف بها الطير. وقالت عَائِشَة- رَضِيَ اللَّه عَنْهَا-:
وترك رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته إزارا غليظا وكساء ووسادة أدم حشوها ليف وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ يعني وما من أَهْل الكتاب يعني اليهود إِلَّا ليؤمنن بِهِ يعني بعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَوْتِهِ أَنَّهُ نَبِيّ رسول قبل موت اليهودي يعني عِنْد موته لأن الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم وتقول: يا عدو اللَّه إن المسيح الَّذِي كذبتم به هُوَ عَبْد اللَّه ورسوله حقا، فيؤمن به وَلا ينفعه، ويؤمن به من كان منهم حيا إذا نزل عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فينزل عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ثنية يُقَالُ لها أفيق «2» دهين الرأس عَلَيْه ممصرتان ومعه حربة يقتل بها الدجال. فَقِيل لِابْن عَبَّاس- رحِمَه اللَّه-: فَمنْ غرق من اليهود أَوْ أحرق بالنار أَوْ أكله السبع. قَالَ: لا تخرج روحه حَتَّى يؤمن بعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ- تَعَالَى-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً- 159- أنه قد بلغهم الرسالة. قوله- سبحانه-: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ يعني فِي الأنعام: يعني اللحوم والشحوم وكل ذِي ظفر لهم حلال فحرمها اللَّه- عَزَّ وجل- عليهم بعد موسى.
__________
(1) فى ل: فصعد به الملك إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة إلى السماء الدنيا من جبل بيت المقدس. والمثبت من أ.
(2) فى أ: فتق، ل: أفيق.

(1/421)


وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً- 160- فيها إضمار يقول [90 أ] وبصدهم عن سبيل الله كثيرا يعني دين الْإِسْلام وعن محمد- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَهُوَ محرم بغير حق وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ يعني اليهود عَذاباً أَلِيماً- 161- يعني وجيعا فهذا الظلم الَّذِي ذكره فِي هَذِهِ الآية. ثُمّ ذكر مؤمني أَهْل التوراة، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وذلك أن عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إن اليهود لتعلم أن الَّذِي جئت به حق، وإنك لمكتوب عندهم فِي التوراة. فقالت اليهود: لَيْسَ كَمَا تقولون: وإنهم لا يعلمون شيئًا وإنهم ليغرونك ويحدثونك بالباطل «1» .
فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وجل-: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ يعني المتدارسين علم التوراة يعني ابْن سلام وأصحابه «مِنْهُمْ» يعني من اليهود وَالْمُؤْمِنُونَ يعني أصحاب محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غَيْر أَهْل الكتاب يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من الكتاب عَلَى الْأَنْبِيَاء: التوراة والإنجيل. ثُمّ نعتهم فَقَالَ- سبحانه- وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني المعطون الزكاة وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ والبعث الَّذِي فيه جزاء الأعمال أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً يعنى جزاء عَظِيماً- 162- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وذلك أن عَدِيّ بن زَيْد وصاحبيه اليهود قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واللَّه ما أوحى اللَّه إليك، وَلا إلى أحد من بعد موسى فكذبهم الله
__________
(1) أسلوب العبارة ركيك ومضمونها: أن اليهود كذبت عبد الله بن سلام وأصحابه وأخبرت النبي أنهم جهلة لا يعلمون شيئا وأنهم يغرون النبي ويحدثونه بالباطل.

(1/422)


- عَزَّ وَجَلّ- فَقَالَ: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ «1» كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد نوح هود وصالح وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ يعني بني يَعْقُوب يُوسُف وإخوته وأوحينا إليهم فِي صحف إِبْرَاهِيم ثُمّ قَالَ وَأوحينا إلى عِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً- 163- لَيْسَ فِيهِ حد وَلا حكم وَلا فريضة ولا حلال ولا حرام خمسين ومائة سورة فَأَخْبَرَه اللَّه بهن ليعلموا أنه نَبِيّ فقالت اليهود: ذكر محمد النبيين وَلَم يبين لنا أمر مُوسَى أكلمه اللَّه أم لَمْ «2» يكلمه؟ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِي قول اليهود وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ هَؤُلاءِ بمكة فِي الأنعام «3» وَفِي غيرها لأن هَذِهِ مدنية وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً- 164- يعني مشافهة وَهُوَ ابن أربعين سنة ليلة النار ومرة أخرى حين أعطي التوراة رُسُلًا مُبَشِّرِينَ بالجنة وَمُنْذِرِينَ من النار [90 ب] لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فيقولوا «4» : يوم الْقِيَامَة لَمْ يَأتِنا لك رسول وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً- 165- حكم إرسال الْأَنْبِيَاء إلى الناس
فَقَالَ لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: إنكم لتعلمون حق ما أقول، وإنه لفي التوراة فَإِن تتوبوا وترجعوا «5» يغفر لَكُمْ ذنوبكم. قَالُوا: لو كان ما تقول فى التوراة لتابعناك. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: واللَّه إنكم لتشهدون بما أقول.
قَالُوا: ما عندنا بِذَلِك شهادة قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَإِن لم يشهد لك أحد منهم
__________
(1) ورد ذلك فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 82. ولم يرد فى أسباب النزول للواحدي.
(2) فى أ: أو.
(3) يشير إلى الآيات (83- 87) من سورة الأنعام وبدايتها وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.. الآيات. [.....]
(4) فى أ: فيقولون.
(5) فى أ: وتراجعوا.

(1/423)


فَإِن اللَّه وملائكته يشهدون بِذَلِك «1» فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ- لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القرآن أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ بذلك وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً- 166- يَقُولُ فلا شاهد أفضل من اللَّه بأنه أنزل عليك القرآن «ثُمّ قَالَ يعنيهم» «2» إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود كفروا بمحمد والقرآن وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الْإِسْلام قَدْ ضَلُّوا عن الهدى ضَلالًا بَعِيداً- 167- يعني طويلا ثُمّ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود كفروا بمحمد والقرآن وَظَلَمُوا يعني وأشركوا بِاللَّه لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً- 168- إلى الهدى ثُمّ استثنى إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها يعني طريق الكفر، فهو يقود إلى جَهَنَّم خالدين فيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً
- 169- يعنى عذابهم على الله هينا يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ يعنى محمدا بِالْحَقِّ يعنى بالقرآن مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ يعني صدقوا بالقرآن فهو خير لَكُمْ من الكفر وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً- 170- يا أَهْلَ الْكِتابِ يعني النَّصارى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ يعني الْإِسْلام فالغلو فِي الدّين أن تقولوا عَلَى اللَّه غَيْر الحق فِي أمر عِيسَى ابْن مريم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وليس للَّه- تبارك وتعالى- ولدا وَكَلِمَتُهُ يعني بالكلمة قَالَ كن فكان أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ يعني بالروح أَنَّهُ كان من غَيْر بشر نزلت فِي نصارى نجران فِي السيد والعاقب ومن معهما ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَآمِنُوا يعني صدقوا بِاللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- بأنه واحد لا شريك لَهُ وَرُسُلِهِ يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عليه
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 106. كما ورد فى لباب النقول للسيوطي: 82.
(2) هذه من ل. وليست فى أ.

(1/424)


وَسَلَّمَ- بأنه نَبِيّ ورسول وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ يعني لا تقولوا إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثالث ثلاثة انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يعني عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق عبيده وَفِي ملكه عِيسَى وغيره وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا- 171- يعنى شهيدا بذلك ثم قال- عز وجل-: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
يعنى لن يأنف نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا
[91 أ] يستنكفْ مَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
أن يكونوا عَبِيدا للَّه ليعتبروا بكون الملائكة «1» أقرب إلى- اللَّه عَزَّ وَجَلّ- منزلة من عِيسَى ابْن مريم «2» وغيره فَإِن عِيسَى عَبْد من عباده ثُمّ أوعد النَّصارى فَقَالَ: مَنْ يَسْتَنْكِفْ
يعنى ومن يأنف نْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
يعني ومن يأنف عن عبادة اللَّه يعني التوحيد ويستكبر يعنى ويتكبر عن العبادةسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
- 172- فلم يستنكف ويستكبر غير إبليس وأخبر الْمُؤْمِنِين بمنزلتهم فِي الآخرة ومنزلة المستنكفين فَقَالَ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ يعني فيوفي لهم جزاءهم وَيَزِيدُهُمْ عَلَى أعمالهم مِنْ فَضْلِهِ الجنة.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا يعنى أنفوا وَاسْتَكْبَرُوا عن عبادة اللَّه بالتوحيد «3» فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً يعني وجيعًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يعني قريبا ينفعهم وَلا نَصِيراً- 173- يعني مانعا يمنعهم من الله- عز وجل- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعني بيان وَهُوَ القرآن وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً- 174- يعني ضياء بينا من العمى وَهُوَ القرآن فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
__________
(1) فى أ: أن يكون الملائكة، ل: أن الملائكة.
(2) فى أ: زيادة «صلى الله عليه وسلم» ، ل: ليس فيها هذه الزيادة.
(3) فى أ: التوحيد.

(1/425)


يعني صدقوا بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بأنه واحد لا شريك لَهُ وَاعْتَصَمُوا بِهِ يعني احترزوا به يعني بالله- عز وجل- فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ يعني الجنة وَفَضْلٍ يعني الرزق فِي الجنة وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 175- يَسْتَفْتُونَكَ نزلت فِي جَابِر بن عَبْد اللَّه الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن سعد ابن عَلِيّ بن شاردة «1» بن يَزِيد بن جشم بن الخزرج وَفِي أخواته قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ يعني به الميت الَّذِي يموت وليس لَهُ وَلَد وَلا والد فهو الكلالة، وذلك أن جَابِر بن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ- رحِمَه اللَّه- مرض بالمدينة فعاده رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ، إني كلالة لا أب لي وَلا وَلَد فكيف أصنع فِي مالي فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعني مات لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ الميت من الميراث وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ إذا ماتت قبله فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ يعني أختين فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا يَقُولُ لئلا تخطئوا قسمة المواريث وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من قسمة المواريث عَلِيمٌ- 176- نظيرها فِي الأنفال.
__________
(1) فى أ: ساردة.

(1/426)