تفسير مقاتل بن
سليمان سورة المائدة
(1/427)
[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 120]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ مَا يُتْلى
عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ
اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ
الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ
الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ
وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ
وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ
وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ
وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا
بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْئَلُونَكَ مَاذَا
أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ
وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى
أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ
أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ
الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
(7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ
قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ
الْجَحِيمِ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ
يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (11) وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي
إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً
وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ
وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي
وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ
بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا
قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ
وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ
عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ
فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا
بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ
كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا
عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ
مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ
سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ
شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقالَتِ الْيَهُودُ
وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ
فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ
مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما
بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يا أَهْلَ الْكِتابِ
قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ
الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا
نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ
الْعالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا
تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (21)
قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا
لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا
مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ
يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ
الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى
اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قالُوا
يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ
(24)
قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي
فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25) قالَ
فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً
يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
الْفاسِقِينَ (26) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ
بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ
أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ
لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ
لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ
لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28)
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ
مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29)
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ
فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً
يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ
أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا
الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ
النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي
إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ
فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً
وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ
كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
(32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ
ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (34)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ
مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا
بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ
النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ
مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ
ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ
هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ
شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ
يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ
يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها
حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما
أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا
التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ
وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ
الْكافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ
تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ
الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ
عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ
شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ
أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
(48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا
تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ
بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49)
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى
أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى
أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) وَيَقُولُ
الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ
يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ
لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ
واسِعٌ عَلِيمٌ (54)
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ
راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ
(56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ
اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا
نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ
وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59)
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ
اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ
مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ
أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60)
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ
وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا
يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي
الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا
كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ
السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ
وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ
كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا
بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ (64)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا
التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ
رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
(67) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى
تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ
مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا
تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا
إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى
أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70)
وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ
تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ
مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا
اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ
النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما
مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا
يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ
الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ
ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(76) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ
غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ
ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ
سَواءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ
بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا
يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا
يَفْعَلُونَ (79)
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80)
وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ
كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى
الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا
عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ
يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ
الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ (88) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما
طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا
وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ
بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى
بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً
فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا
عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ
طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ
أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ
فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ
(95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً
لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ (96) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ
وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99)
قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي
الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ
الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ
ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ
مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ
وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذا قِيلَ
لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا
أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا
يَهْتَدُونَ (104)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ
بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ
بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا
نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ
شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ
يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ
الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ
مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ
الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ
عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ
أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ
الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا
إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109)
إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ
نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً
وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً
بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي
وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي
إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ
(110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا
بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا
مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا
مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها
وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا
وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً
مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا
وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
(114)
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ
بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ
أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ مَا
يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ
قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا
أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ
أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ
تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ
فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
(1/429)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة
مدنية، نهارية كلها، عشرون ومائة آية كوفية إِلَّا قوله
تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية «1»
فإنها نزلت بعرفة.
__________
(1) وتمام الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ سورة
المائدة: 3.
أ- تاريخ نزول سورة المائدة:
نزلت سورة المائدة بعد سورة الفتح، وكان نزول سورة الفتح بعد
صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة. فيكون نزول سورة
المائدة فيما بين صلح الحديبية وغزوة تبوك. وقد سميت هذه
السورة بهذا الاسم لأنه ذكر فيها حديث المائدة التي أنزلت من
السماء على حواريي عيسى- عليه السلام.
ب- الغرض منها:
نزلت سورة المائدة بعد صلح الحديبية. فاستهلت بالأمر بوفاء
العقود ثم بيان ما أحله الله- تعالى- من البهائم، وذكر تحريم
المحرمات، وبيان إكمال الدين، وذكر الصيد، والجوارح وحل طعام
الكتاب، وجواز نكاح المحصنات منهن. وتفصيل الغسل والطهارة
والصلاة وحكم الشهادات والبينات وخيانة أهل الكتاب القرآن، ومن
أنزل عليه، وذكر المنكرات من مقالات النصارى، وقصة بنى إسرائيل
مع العمالقة، وحبس الله- تعالى- إياهم فى التيه بدعاء بلعام،
وحديث قتل قابيل أخاه هابيل، وحكم قطاع الطريق وحكم السرقة،
وحد السراق، وذم أهل الكتاب، وبيان نفاقهم وتجسسهم وبيان الحكم
بينهم، وبيان القصاص فى الجراحات، وغيرها، والنهى عن موالاة
اليهود والنصارى، والرد على أهل الردة، وفضل الجهاد، وإثبات
ولاية الله ورسوله للمؤمنين، وذم اليهود فى قبائح أقوالهم.
وذم النصارى بفاسد اعتقادهم، وبيان كمال عداوة الطائفتين
للمسلمين، ومدح أهل الكتاب الذين قدموا من الحبشة وحكم اليمين،
وكفارتها، وتحريم الخمر، وتحريم الصيد على المحرم، والنهى عن
الأسئلة الفاسدة. وحكم شهادات أهل الكتاب وفصل الخصومات،
ومحاورة الأمم رسلهم فى القيامة، وذكر معجزات عيسى ونزول
المائدة، وسؤال الحق- تعالى- إياه فى القيامة تقريعا للنصارى،
وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصادقين.
انظر: «بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز
للفيروزآبادي، تحقيق النجار: 178» .
(1/447)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال
مقاتل: قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ يعني بالعهود التي بينكم وبَيْنَ المشركين
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يعني أحل لَكُمْ أكل
لحوم الأنعام الإبل والبقر والغنم والصيد كله إِلَّا مَا
يُتْلى عَلَيْكُمْ يعني غَيْر ما نهى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن
أكله مما حرم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من الميتة والدم ولحم
الخنزير والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، ثُمّ قَالَ:
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ يَقُولُ من غَيْر أن تستحلوا الصيد
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يَقُولُ إذا كُنْت محرما بحج أو عُمْرَة
فالصيد عليك حرام كله غَيْر صيد البحر فَإنَّهُ حلال لك إِنَّ
اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ- 1- فحكم أن جعل ما شاء من الحلال
حراما، وَجَعَل ما شاء مما حرم فِي الإحرام من الصيد حلالا
قال- تعالى- ذكره: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا
شَعائِرَ اللَّهِ يعنى مناسك الحج والعمرة. وذلك أن الخمس
قريشا وخزاعة وكنانة وعامر بن صَعْصَعَة كانوا يستحلون أن يغير
بعضهم عَلَى بعض فِي الأشهر الحرم وغيرها وكانوا لا يسعون بين
الصفا والمروة وكانوا لا يرون الوقوف بعرفات من شعائر اللَّه.
فَلَمَّا أسلموا أخبرهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بأنها من شعائر
اللَّه، فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعائِرِ اللَّهِ «1» وأمر- سبحانه- أن يسعى بينهما وأنزل «2»
الله- عز وجل- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا
شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ
وَلَا الْقَلائِدَ يَقُولُ لا تستحلوا القتل فِي الشهر الحرام
وذلك أن أبا ثمامة جنادة بن عَوْف بن أميَّة من بني كنانة كان
يقوم كُلّ سنة فِي سوق عكاظ، فيقول: ألا إني قَدْ أحللت المحرم
وحرمت صفرا وأحللت كذا وحرمت كذا ما شاء. وكانت العرب
__________
(1) سورة البقرة: 158.
(2) فى أ: فأنزل.
(1/448)
تأخذ به فأنزل اللَّه- تَعَالَى- «إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ
كَفَرُوا» يعني جنادة بن عَوْف «يُحِلُّونَهُ عَامًا
وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ
اللَّهُ» يعني خلافا عَلَى اللَّه جلَّ اسمه- وعلى ما حرم
فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ «1» من الأشهر الحرم. ثُمّ رجع
إلى الآية الأولى فِي التقديم فَقَالَ تَعَالَى: «وَلَا
الْقَلائِدَ» كفعل أَهْل الْجَاهِلِيَّة وذلك أنهم كانوا
يصيبون من الطريق قَالَ: وكان فِي الْجَاهِلِيَّة من «2» أراد
الحج من غَيْر أَهْل الحرم يقلد نفسه من الشعر والوبر فيأمن به
إلى مكة، وإن كان من أَهْل الحرم قلد نفسه وبعيره من لحيا شجر
الحرم فيأمن به حيث يذهب فهذا فِي غَيْر أشهر الحرم فإذا كان
أشهر الحرم [92 أ] لَمْ يقلدوا أنفسهم وَلا أباعرهم وهم يأمنون
حيث ما ذهبوا قَالَ- عَزَّ وَجَلّ- وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ يعني متوجهين نحو البيت، نزلت فِي الخطيم «3»
يَقُولُ لا تتعرضوا «4» لِحُجَّاج بيت اللَّه يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ يعني الرزق فِي التجارة فِي مواسم الحج
وَرِضْواناً يعني رضوان اللَّه بحجهم فلا يرضى اللَّه عَنْهُمْ
حَتَّى يسلموا فنسخت آية السيف هَذِهِ الآية كلها «5» ، قوله-
سُبْحَانَهُ- وَإِذا حَلَلْتُمْ من الإحرام فَاصْطادُوا
يَقُولُ إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ يَقُولُ وَلا يحملنكم عداوة المشركين من أَهْل
مكة أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعنى منعوكم
من «6»
__________
(1) سورة التوبة: 37.
(2) فى أ: إذا، ل: من.
(3) فى أ: الخطيم، ل: الحطيم. وفى أسباب النزول للواحدي: 107.
نزلت فى الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي. [.....]
(4) فى أ: تعرضوا.
(5) وكم نسخوا بآية السيف هذه؟، والواقع أنه لا نسخ هنا ولا
تعارض.
(6) فى أ: عن.
(1/449)
دخول البيت الحرام أن تطوفوا «1» به عام
الحديبية. أَنْ تَعْتَدُوا يعني أن ترتكبوا «2» معاصيه
فتستحلوا أَخَذَ الهدي والقلائد والقتل فِي الشهر الحرام من
حجاج بكر ابن وائل من أَهْل اليمامة، نزلت فِي الخطيم واسمه
شريح بن ضبيعة بن شرحبيل ابن عُمَر بن جرثوم البكري من بني
قَيْس بن ثَعْلَبَة وَفِي حُجّاج المشركين وذلك
أن شُرَيْح بن ضبيعة جاء إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا محمد، اعرض عَلَيّ دينك. فعرض
عَلَيْه وأخبره بما لَهُ وبما عَلَيْه، فَقَالَ لَهُ شُرَيْح:
إن فِي دينك هَذَا غلظا، فأرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما قُلْتُ
فَإِن قبلوه كُنْت معهم، وإن لَمْ يقبلوه كُنْت معهم. فخرج من
عِنْد النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقَدْ
دخل بقلب كافر وخرج بوجه غادر وما أرى الرجل بمسلم. ثم مر على
سرح المدينة فاستاقها فطلبوه فسبقهم إلى المدينة وأنشأ
يَقُولُ:
قَدْ لفها الليل بسواق حطم لَيْسَ براعي إبل وَلا غَنْم وَلا
بجزار عَلَى ظهر وضم خدلج الساق وَلا رعش القدم
قال أبو محمد «عبد الله بن ثابت: سَمِعْتُ أبي يَقُولُ: قَالَ
أَبُو صَالِح» «3» :
قتله رجل من قومه عَلَى الكفر وقدم الرَّجُل الَّذِي قتله
مسلما «4» . فَلَمَّا سار رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معتمرا عام الحديبية فِي العام الَّذِي
صده المشركون جاء شُرَيْح إلى مكة معتمرا معه تجارة عظيمة فِي
حجاج بَكْر بن وائل فَلَمَّا سَمِع أصحاب رَسُول اللَّهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقدوم شُرَيْح وأصحابه
وعرفوا بنبئهم فأراد
__________
(1) فى أ: يطوفوا.
(2) فى الأصل: تركبوا.
(3) ما بين الأقواس « ... » مختصر فى أ، ومثبت فى ل.
(4) كان ذلك فى آخر حياته.
(1/450)
أَهْل السرح أن يغيروا عَلَيْه كَمَا أغار
عليهم من قبل شُرَيْح وأصحابه فقالوا: نستأمر النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأمروه فنزلت الآية: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ
يعني أمر المناسك وَلا تستحلوا فِي الشهر الحرام أخذ الهدى [92
ب] وَلا القلائد يَقُولُ وَلا تخيفوا من قلد بعيره وَلا
تستحلوا القتل آمِّين البيت الحرام يعني متوجهين قبل البيت
الحرام من حُجّاج المشركين يعنى شريح ابن ضبيعة وأصحابه يبتغون
بتجاراتهم فضلا من اللَّه يعني الرزق والتجارة ورضوانه بحجهم،
فنهى اللَّه- عز وجل- نبيه- صلى الله عليه وسلم- عن قتالهم
ثُمّ لَمْ يرض منهم حَتَّى يسلموا فنسخت هَذِهِ الآية آية
السيف «1» ، فَقَالَ- عز وجل- فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» ثُمّ قَالَ- تَعَالَى-
«وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» «3» - 2- قوله- سبحانه-: حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ يعني أكل الميتة وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعني الَّذِي
ذبح لأصنام المشركين ولغيرهم هَذَا حرام البتة إن أدركت ذكاته
أَوْ لَمْ تدرك ذكاته فَإنَّهُ حرام البتة لأنهم جعلوه لغير
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-. ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-
وَالْمُنْخَنِقَةُ يعني وحرم المنخنقة:
الشاة والإبل والبقر التي تنخنق أَوْ غيره حَتَّى تموت
وَالْمَوْقُوذَةُ يعني التي تضرب بالخشب حَتَّى تموت
وَالْمُتَرَدِّيَةُ يعني التي تردى من الجبل فتقع منه أَوْ تقع
فِي بئر فتموت وَالنَّطِيحَةُ يعني الشاة تنطح صاحبتها فتموت
وَما أَكَلَ السَّبُعُ من الأنعام والصيد يعني فريسة السبع
ثُمّ استثنى فقال- سبحانه-:
__________
(1) أى أن آية السيف هي الناسخة وهذه الآية منسوخة.
(2) سورة التوبة: 5.
(3) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(1/451)
إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ يعني إِلَّا ما
أدركتم ذكاته من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما
أكل السبع فما أدركتم ذكاته من المنخنقة والموقوذة والمتردية
والنطيحة وما أكل السبع مِما «1» أدركتم ذكاته يعني «بطرف أو
بعرق يضرب أو بذنب» «2» بتحرك «ويذكي فهو» «3» حلال وَما
ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ يعني وحرم ما ذبح عَلَى النصب وهي
الحجارة التي كانوا ينصبونها فِي الْجَاهِلِيَّة فيعبدونها فهو
حرام البتة وكان «4» خزان الكعبة يذبحون لها وإن شاءوا بدلوا
تِلْكَ الحجارة بحجارة أخرى وألقوا الأولى ثُمّ قَالَ-
تَعَالَى ذكره-: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ يعنى وأن
تستقسموا الأمور بالأزلام والأزلام قد حان فِي بيت أصنامهم،
فإذا أرادوا أن يركبوا أمرا أتوا بيت أصنامهم فضربوا بالقدحين،
فَمَا خرج من شيء عملوا به، وكان كتب على أحدهما أمرني ربي،
وعلى الآخر نهاني ربي، فإذا أرادوا سفرا أتوا ذَلِكَ البيت
فغطوا عَلَيْه ثوبا ثُمّ يضربون بالقدحين فَإِن خرج السهم
الَّذِي فِيهِ أمرني ربي خرج فِي سفره، وإن خرج السهم الَّذِي
فِيهِ نهاني ربي لَمْ يسافر فهذه الأزلام ذلِكُمْ فِسْقٌ يعني
معصية حراما الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ يعني لا تخشوا الكفار وَاخْشَوْنِ
فِي ترك أمري، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ يعنى يوم عرفة فلم ينزل بعدها حلال وَلا حرام
وَلا حكم [93 أ] وَلا حد وَلا فريضة غَيْر آيتين من آخر سورة
النساء:
يَسْتَفْتُونَكَ ... «5» . الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ يعنى شرائع دينكم: أمر
__________
(1) فى أ: فما، ل: مما.
(2) فى أ: يطرق يعرق يضرب بذنب، والمثبت من ل.
(3) فى أ: فتذكى فهو، ل: ويذكى وهو.
(4) فى أ: وكانت. [.....]
(5) سورة النساء الآية: 176 وهي آية واحدة فى آخر السورة.
(1/452)
الحلال والحرام وذلك أن اللَّه- جلَّ ذكره-
كان فرض عَلَى الْمُؤْمِنِين شهادة أن لا إله إِلَّا اللَّه
وأن محمدا رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والإيمان بالبعث والجنة والنار والصلاة ركعتين غدوة وركعتين
بالعشي شيئًا غَيْر مؤقت والكف عن القتال قبل أن يهاجر «1»
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفرضت الصلوات
«2» الخمس ليلة «المعراج» «3» وَهُوَ بعد بمكة، والزكاة
المفروضة بالمدينة، ورمضان والغسل من الجنابة، وحج البيت، وكل
فريضة «4» فَلَمَّا حج حجة الوداع نزلت هَذِهِ الآية يوم عرفة
فبركت ناقة النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لنزول الوحي بجمع «5» وعاش النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعدها إحدى وثمانين ليلة ثُمّ مات يوم الاثنين
لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، وهي آخر آية نزلت فِي الحلال
والحرام: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني شرائع
دينكم: أمر حلالكم وحرامكم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
يعني الْإِسْلام إذ «6» حججتم وليس معكم مشرك وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِيناً يعني واخترت لَكُم الْإِسْلام دينا فَلَيْس
دين أرضى عِنْد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- من الْإِسْلام قَالَ
سُبْحَانَهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخاسِرِينَ «7» ثُمّ قَالَ:
- عَزَّ وَجَلّ- فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ يعني مجاعة
وجهد شديد أصابه من الجوع غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ غَيْر
متعمد لمعصية فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 3-
__________
(1) فى أ: فلما هاجر.
(2) فى الأصل: الصلاة.
(3) المعراج: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(4) المقصود أن الزكاة المفروضة فرضت بالمدينة، كما فرض
بالمدينة صوم رمضان، والغسل من الجنابة، وحج البيت، وكل فريضة:
فرضت بالمدينة.
(5) ضبطت فى كتب الفقه والحديث بجمع. انظر فقه السنة (صلاة
الجمعة) .
(6) فى أ: إذا، ل: إذ.
(7) سورة آل عمران: 85.
(1/453)
إذ رخص لَهُ فِي أكل الميتة ولحم الخنزير
حين أصابه الجوع الشديد والجهد، وَهُوَ عَلَى غير المضطر حرام
يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ من الصيد. وذلك أن زَيْد
الخير وَهُوَ من بني المهلهل «1» وعدي بن حاتم الطائيان سألا
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالا: يا
رَسُول اللَّه، كِلاب آل درع وآل حورية «2» يصدن الظباء والبقر
والحمر، فمنها ما تدرك ذكاته فيموت وَقَدْ حرم اللَّه- عَزَّ
وجل- الميتة فماذا يحل لنا فنزلت يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ
لَهُمْ من الصيد [قُلْ «3» أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعني
الحلال وذبح ما أحل اللَّه لهم من الصيد مما أدركت ذكاته، ثُمّ
قَالَ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ يعني
الكلاب معلمين للصيد تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
اللَّهُ يَقُولُ تؤدبوهن كَمَا أدبكم اللَّه فيعرفون الخير
والشر، وكذا الكاتم أيضًا فأدبوا كلابكم فِي أمر الصيد
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ يَقُولُ فكلوا مما
أمسكن يعني حبسن عليكم الكلاب المعلمة «4» وَاذْكُرُوا اسْمَ
اللَّهِ عَلَيْهِ إذا أرسلتم بعد أن أمسك عليكم وَاتَّقُوا
اللَّهَ فلا تستحلوا أكل الصيد من الميتة إِلَّا ما ذكي من صيد
الكلب المعلم، ثُمّ خوفهم فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسابِ «5» - 4- لمن يستحل أكل الميتة من الصيد إلا من
اضطر، قوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعنى
الحلال أى الذبائح من الصيد «6» ] .
__________
(1) فى ل: وهو ابن المهلهل.
(2) فى أ: ... كلاب آل ذريح، وآل أبى حذاقة. والمثبت مما ورد
فى أسباب النزول للواحدي ص 109: وقد أورد ما فى تفسير مقاتل
وعزاه إلى سعيد بن جبير.
(3) تفسير الآية 4 من ل.
(4) فى ل: زيادة وإن قتلن.
(5) فى ل: إن الله شديد العقاب.
(6) الآية 4 من سورة المائدة ساقطة من تفسيرا. ترك تفسير ما
بعد الطيبات فى الآية 4 إلى الطيبات فى الآية 5. وذلك بسبب سبق
النظر. فنقلت ذلك من ل. [.....]
(1/454)
وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
حِلٌّ لَكُمْ يعني بالطعام ذبائح الَّذِين أوتوا الكتاب من
اليهود والنصارى: ذبائحهم ونسائهم حلال للمسلمين وَطَعامُكُمْ
حِلٌّ لَهُمْ يعني ذبائح الْمُسْلِمِين وذبائح نسائهم حلال
لليهود والنصارى ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الْمُؤْمِناتِ يعنى وأحل لكم تزويج [93 ب] العفائف من
المؤمنات وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ يعني وأحل تزويج العفائف من حرائر نساء اليهود
والنصارى نكاحهن حلال للمسلمين إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ يعني إذا أعطيتموهن مهورهن مُحْصِنِينَ لفروجهن
من الزنا غَيْرَ مُسافِحِينَ يعني غَيْر معلنات بالزنا علانية
وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ يعني لا تتخذ الخليل فِي السر
فيأتيها فَلَمَّا أحل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- نساء أَهْل
الكتاب، قَالَ المسلمون: كيف تتزوجوهن وهن عَلَى غَيْر ديننا
وقالت نساء أَهْل الكتاب:
ما أحل اللَّه تزويجنا للمسلمين إِلَّا وَقَدْ رضي أعمالنا
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ
يعني من نساء أَهْل الكتاب بتوحيد اللَّه فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ- 5- يعنى من
الكافرين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً يعني إن أصابتكم جنابة
فَاطَّهَّرُوا يعني فاغتسلوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى نزلت فِي
عَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- «1» أَوْ
أصابكم جراحة أَوْ جدري أو كان بكم قروح وأنتم مقيمون فِي
الأهل فخشيتم الضرر والهلاك فتيمموا الصعيد ضربة للوجه وضربة
للكفين أَوْ إن كنتم عَلى سَفَرٍ.
نزلت فِي عَائِشَة- رَضِيَ اللَّه عَنْهَا- حين أسقطت قلادتها
وهي مع النبي
__________
(1) قارن بالواحدى فى أسباب النزول، وبالسيوطى فى لباب النقول.
حيث أوردا ما ذكره مقاتل هنا، وعلق السيوطي عليه.
(1/455)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
غزاة بني أنمار وهم حي من قَيْس عيلان أَوْ جاءَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ فى السفر أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
يعني جامعتم النّساء فِي السَّفَر فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ يعني من الصعيد ضربتين ضربة للوجه وضربه
لليدين إلى الكرسوع وَلَم يؤمروا بمسح الرأس فِي التيمم «1»
مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ يعني
ضيق فِي أمر دينكم إذ رخص لكم فى التيمم وَلكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ فِي أمر دينكم من الأحداث والجنابة
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ يعني إذ رخص لَكُمْ فِي
التيمم: فِي السَّفَر والجراح فِي الحضر لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ- 6- رب هَذِهِ النعم فتوحدونه. فَلَمَّا نزلت
الرخصة قَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-
لعائشة- رضوان اللَّه عليها-: والله ما علمتك إِلَّا مباركة.
قوله- سُبْحَانَهُ- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ يعني بالإسلام يوم أَخَذَ
ميثاقكم عَلَى المعرفة بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- والربوبية إِذْ
قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ذلك أن الله- عز وجل-[94 أ]
أَخَذَ الميثاق الأول عَلَى العباد حين خلقهم من صلب آدم-
عَلَيْه السَّلام- فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا
بَلى شَهِدْنا «2» عَلَى أنفسنا فَمنْ بلغ منهم العمل وأقر
للَّه- عَزَّ وَجَلّ- بالإيمان به وبآياته وكتبه ورسله والكتاب
والملائكة والجنة والنار والحلال والحرام والأمر والنهي أن
يعمل بما أمر وينتهي عما نهى. فإذا أوفى الله: «تعالى بهذا»
«3» أوفى الله له بالجنة.
__________
(1) فى أ: زيادة: منه.
(2) سورة الأعراف: 172 وتمامها ... أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ومثبت من ل.
(1/456)
فهذان ميثاقان: ميثاق بالإيمان بِاللَّه
وميثاق بالعمل. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: فِي البقرة: سَمِعْنا
وَأَطَعْنا «1» سمعنا بالقرآن الَّذِي جاء من عِنْد اللَّه
وأطعنا اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فِيهِ.
وذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فِي التغابن: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا «2» يَقُولُ اسمعوا
القرآن الَّذِي جاء به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من عِنْد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وأطيعوا اللَّه
فيما أمركم فَمنْ بلغ الحلم والعمل وَلَم يؤمن بِاللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- وَلا بالرسول والكتاب فقد نقض الميثاق الأول بالإيمان
بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وبما أَخَذَ اللَّه- تَعَالَى-
عَلَيْه حين خلقه وصار من الكافرين.
ومن أَخَذَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عَلَيْه الميثاق الأول وَلَم
يبلغ الحلم فَإنَّ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أَعْلَم به.
قَالَ: وسئل عَبْد اللَّه بن عَبَّاس عن أطفال المشركين
فَقَالَ: لقَدْ أَخَذَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الميثاق الأول
عليهم فلم يدركوا أجلا وَلَم يأخذوا رزقا ولم يعملوا سيئة وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «3» وماتوا عَلَى الميثاق الأول
فالله أَعْلَم بهم.
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تنقضوا ذَلِكَ الميثاق إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 7- يعني بما فِي قلوبهم من
الْإِيمَان والشك، قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ
يعني قوالين بالعدل شهداء للَّه وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ
قَوْمٍ يَقُولُ لا تحملنكم عداوة المشركين يعني كفار مكة عَلى
أَلَّا تَعْدِلُوا عَلَى حُجّاج رَبِيعَة وتستحلوا منهم محرما
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ
__________
(1) سورة البقرة: 285.
(2) سورة التغابن: 16.
(3) سورة الإسراء: 15.
(1/457)
فاعدلوا فَإِن العدل أقرب للتقوى يعني لخوف
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ- 8- يعظهم ويحذرهم. ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
يعني وأدوا الفرائض لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ
عَظِيمٌ- 9- يعني جزاء حسنا وَهُوَ الجنة وَالَّذِينَ كَفَرُوا
من أَهْل مكة وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن أُولئِكَ
أَصْحابُ الْجَحِيمِ- 10- يعنى ما عظم من النار قوله- سبحانه-:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... [94 ب] الآية
نزلت هَذِهِ الآية
لأن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
قَدْ بعث المنذر بن عمرو الأنصاري فِي أناس من أصحابه إلى بئر
معوتة وَهُوَ ماء بني عامر فساروا حَتَّى أشرفوا عَلَى الأرض
فأدركهم الماء فنزلوا فَلَمَّا كان المساء أضل أربعة منهم
بعيرا لهم فاستأذنوا أن يقيموا فأذن لهم الْمُنْذِر، ثُمّ سار
الْمُنْذِر بمن معه وأصبح القوم وَقَدْ جمعوا لهم على الماء
وكانت بنو سُلَيْم هُم الَّذِين آذنوا بني عامر بهم فالتقوا
فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل الْمُنْذِر بن عمرو ومن معه وأصاب
الأربعة بعيرهم من الغد فأقبلوا فِي طَلِب أصحابهم فلقيتهم
وليدة لبني عامر فِي غنيمة ترعاها، فقالت لهم: أمن أصحاب محمد
أنتم؟ قَالُوا: نعم، رجاء أن تسلم «1» . فقالت: النجاء فَإِن
إخوانكم قَدْ قتلوا حول الماء قتلهم عامر بن الطُّفَيْل بن
مَالِك بن جَعْفَر. فَقَالَ أحد الأربعة: ما ترون؟
قَالُوا: نرى أن نرحل إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنخبره بالذي كان.
قَالَ: لكني، واللَّه، لا أرجع حَتَّى أنتقم من أعداء أصحابي
اليوم فامضوا راشدين واقرأوا على رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- منى السلام كثيرا فأشرف على الخيل
__________
(1) فى حاشية أ: الأصل يسلموا.
(1/458)
فنظر إلى أصحابه مقتلين عِنْد الماء فأخذ
سيفه فضرب به حَتَّى قُتِل- رحِمَه اللَّه-.
ورجع الثلاثة إلى المدينة فأتوها حين أمسوا فلقوا رجلين من بني
سليم وهما خارجان من المدينة فقالوا لهما: من أنتما؟ قالا: نحن
من بني عامر. فقالوا: أنتما مِمَّنْ قتل إخواننا فأقبلوا
عليهما فقتلوهما. ثُمّ دخلوا إِلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه الخبر فوجدوا الخبر قَدْ سبق
إِلَيْهِ فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ غشينا المدينة ممسين
فوجدنا رجلين من بني عامر فقتلناهما وهذا سلبهما «1» . فقال
رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: بئس ما صنعتما فإنهما كانا من
بني سُلَيْم. قَالَ: وكان بين بني سُلَيْم وبَيْنَ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موادعة وعهد فنزلت- يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَقُولُ «2» لا تعجلوا بأمر وَلا بفعل
حَتَّى يأمركم رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «وَاتَّقُوا اللَّهَ» وَلا تخالفوا عَلَى نبيكم-
«إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لما تقولون «عَلِيمٌ» «3» بما تفعلون.
وجاء أَهْل السليميين فقالوا:
يا محمد، إن صاحبينا أتياك فقتلا عندك. فَقَالَ رَسُول
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إن صاحبيكما اعتزيا إلى عدونا حَتَّى قتلا ولكنا سنعقل
صاحبيكم، فانطلق رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في أهل عهده فبدأ ببني النضير [95 أ] فَقَالَ: أنتم
جيراننا وحلفاؤنا والأيام دول وَقَدْ رأيتم الَّذِي أصابنا
فاتخذوا عندنا يدا نجزكم بها غدا إن شاء اللَّه. فقالوا: مرحبا
بك وأهلا، إخواننا بنو قريظة لا نحب أن نسبقهم بأمر وَلَكِن
ائتنا يوم كذا وكذا وَقَدْ جمعنا لك الَّذِي تريد أن نعطيك.
فرجع رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
عندهم فأرسلوا إلى بني قريظة أن محمدا مغرور «4»
__________
(1) أورد السيوطي فى لباب النقول ما ذكره مقاتل، انظر: 86- 87.
(2) فى أ: يقولوا.
(3) سورة الحجرات الآية الأولى.
(4) فى أ: معذور، ل: مغرور.
(1/459)
يأتينا فِي الرَّجُل والرجلين فاجتمعوا
لَهُ فاقتلوه. فأتاهم رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لميعادهم ومعه ثلاثة نفر أَبُو بَكْر وعمر وعلي-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُم- وَهُوَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رابعهم فأجلسوه فِي صفة لهم ثُمّ خرجوا يجمعون
السلاح لَهُ، وكان كَعْب بن الأشرف عِنْد ذَلِكَ بالمدينة، فهم
ينتظرونه حَتَّى يأتيهم فأوحى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إلى نبيه
فأتاه جبريل- عَلَيْه السَّلام- فأخبره بما يراد به وبأصحابه
فقام نَبِيّ اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَم
يؤذن أصحابه مخافة أن يثوروا «1» بهم، فأتى باب الدار، فقام به
فَلَمَّا أبطأ عَلَى أصحابه، خرج علي لينظر ما فعل رَسُول
اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا هُوَ عَلَى
الباب، فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، احتبست علينا حَتَّى خفنا
عليك أن يَكُون قَدْ اغتالك أحد. قَالَ: فَإِن أعداء اللَّه
قَدْ أرادوا ذَلِكَ فقم مكانك بالباب حتى يخرج إليك بعض أصحابك
فأقمه مكانك واخبره بالذي أخبرتك ثُمّ الحقني، ومضى رَسُول
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقام الآخر
بالباب حَتَّى خرج إِلَيْهِ صاحبه «2» . فَقَالَ: احتبست أَنْت
ورسول اللَّه حَتَّى خفنا عليكما، فَأَخْبَرَه الخبر فمكث
مكانه ولحق الآخر، برسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
«3» - فلما أبطأوا عَلَى صاحبهم خرج، فاتبعوا رَسُول اللَّهِ-
صَلَّى الله عليه وسلم-
فذلك قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ وهم اليهود
«أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ» بالسوء «فَكَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ- 11-. قوله- سُبْحَانَهُ-:
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا
مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً يعني شاهدا عَلَى قومهم من
كُلّ سِبْط رجلا ليأخذ هذا
__________
(1) فى أ: يوتروا، ل: يثوروا.
(2) فى أ: صاحبيه. [.....]
(3) أورد الواحدي ذلك فى أسباب النزول: 11. كما أورده السيوطي
فى لباب النقول: 86.
(1/460)
الرَّجُل عَلَى سبطه الميثاق وشهداء «1»
عَلَى قومهم وكانوا اثني عشر سبطا عَلَى كُلّ سِبْط منهم
رَجُلا فأطاع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- منهم خمسة فكان منهم
طالوت، مِمَّنْ أطاع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وعصى منهم سبعة،
فنقبوا عَلَى أن يعبدوا اللَّه وَلا يشركوا به شيئًا وَقالَ
اللَّهُ- عَزَّ وَجَلّ- للنقباء الاثني عشر إِنِّي مَعَكُمْ
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ
وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [95 ب] يعني الَّذِين بعثتهم إليكم
وفيهم عِيسَى ومحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فكفروا بعيسى ومُحَمَّد- صلى الله عليهما وَسَلَّمَ- قَالَ
اللَّه- تَعَالَى-: ولقد أَخَذَ اللَّه ميثاقكم عَلَى أن
تعملوا بما فِي التوراة فكان الْإِيمَان بالنبيين من عمل
التوراة، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَعَزَّرْتُمُوهُمْ يعني
وأعنتموهم حَتَّى يبلغوا الرسالة وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً يعني طيبة بها أنفسكم «2» وَهُوَ التطوع
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يقول أغفر لكم خطاياكم
الذي كان منكم فيما بينكم وبيني وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني البساتين فَمَنْ
كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ-
12- يعني فقد أخطأ قصد الطريق طريق الهدى فنقضوا العهد
والميثاق. فذلك قوله- سُبْحَانَهُ- فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ فبنقضهم ميثاقهم لعناهم بالمسخ
وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يعني قست قلوبهم عن
الْإِيمَان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ والكلم صفة محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا
ذُكِّرُوا بِهِ وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أَخَذَ ميثاق
بني إِسْرَائِيل فِي التوراة أن يؤمنوا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويصدقوا به وَهُوَ مكتوب عندهم فِي
التوراة. فَلَمَّا بعثه اللَّه- عز وجل- كفروا وحسدوه وقَالُوا
إن هَذَا لَيْسَ من وَلَد إسحاق وَهُوَ من وَلَد إسماعيل
فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى
خائِنَةٍ مِنْهُمْ وهو الغش للنبىّ
__________
(1) فى أ: شهدوا، ل: شهداء.
(2) فى أ: نفسه، ل: أنفسكم.
(1/461)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ والقليل مؤمنيهم عَبْد اللَّه بن
سلام وأصحابه. يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاصْفَحْ حتى يأتي اللَّه بأمره فِي أمر بني قريظة
والنضير فكان أمر اللَّه فِيهم القتل والسبي والجلاء يَقُولُ
فاعف عَنْهُمْ حَتَّى يَأْتِي يعني يجئ ذَلِكَ الأمر «1»
فبلغوه فسبوا وأجلوا فصارت [آية] العفو والصفح منسوخة نسختها
آية السيف فِي براءة «2» فَلَمَّا جاء ذَلِكَ الأمر قتلهم
اللَّه- تَعَالَى- وسباهم وأجلاهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ «3» - 13- ثُمّ ذكر أَهْل الإنجيل فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى إِنَّمَا
سموا نصارى لأنهم كانوا من قرية يُقَالُ لها ناصرة كان نزلها
عِيسَى ابْن مريم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ وذلك أن اللَّه كان أخذ عليهم الميثاق
فِي الإنجيل بالإيمان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كَمَا أَخَذَ عَلَى أَهْل التوراة أن يؤمنوا
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتبعوه ويصدقوه
وَهُوَ مكتوب عندهم فِي الإنجيل يَقُولُ اللَّه- تَعَالَى-:
فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعنى فتركوا حظا [96 أ]
مما أمروا به من إيمان بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والتصديق به «4» ولو آمنوا لكان خيرًا لهم وكان لهم
حظا، يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ
يعني بين النصارى الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ النسطورية والمار يعقوبية وعبادة الملك فهم أعداء
بعضهم لبعض إلى يوم القيامة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ فى
الآخرة بِما كانُوا يَصْنَعُونَ- 14- يعني بما يقولون من
الجحود والتكذيب وذلك أن النسطورية
__________
(1) الآية التي فى المائدة ليس فيها «حتى يأتى الله بأمره»
وإنما منطوقها «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» سورة المائدة: 13.
(2) لا مجال للقول بالنسخ هنا.
(3) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(4) فى أ: له.
(1/462)
قالوا: إن عيسى ابن الله. وقالت: المار
يعقوبية إن اللَّه هُوَ المسيح ابْن مريم.
وقالت عبادة الملك: إن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثالث ثلاثة- هو
إله وعِيسَى إله، ومريم إله، افتراء عَلَى اللَّه- تبارك
وتعالى- وإنما اللَّه إله واحد وعيسى عَبْد اللَّه ونبيه-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا وصف اللَّه-
سُبْحَانَهُ- نفسه «أَحَدٌ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» «1» يا أَهْلَ
الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد- صلى الله عليه وسلم-
يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ «2» مِنَ
الْكِتابِ يعنى التوراة اخفوا أمر الرجم وأمر محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ يعني
ويتجاوز عن كثير مما كتمتم فلا يخبركم بكتمانه. قَدْ جاءَكُمْ
مِنَ اللَّهِ نُورٌ يعني ضياء من الظلمة وَكِتابٌ مُبِينٌ- 15-
يعني بين يَهْدِي بِهِ اللَّهُ يعني بكتاب محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ
السَّلامِ يعنى من اتبع دين محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ودين الإسلام يهديه اللَّه إلى طريق الجنة
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك
إلى الْإِيمَان بِإِذْنِهِ يعني بعلمه وَيَهْدِيهِمْ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 16- قوله- سُبْحَانَهُ-: لَقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ نزلت فى نصارى نجران المار يعقوبيين منهم السيد
والعاقب وغيرهما قُلْ لهم يا محمد فَمَنْ يَمْلِكُ فَمنْ يقدر
أن يمتنع مِنَ اللَّهِ شَيْئاً من شيء من عذابه إِنْ أَرادَ
أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً بعذاب أَوْ بموت فَمن الَّذِي يحول بينه
وبَيْنَ ذَلِكَ ثُمّ عظم الرب- جلَّ جلاله- نفسه عن قولهم حين
قَالُوا إن اللَّه هُوَ المسيح ابْن مريم فَقَالَ- سبحانه-:
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ إِلَيْهِ
سلطان السموات والأرض وَما بَيْنَهُما من الخلق يَخْلُقُ ما
يَشاءُ يعني عِيسَى شاء أن يخلقه من غَيْر بشر وَاللَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
__________
(1) سورة الإخلاص.
(2) فى أ: تخفونه.
(1/463)
- 17- من خلق عِيسَى من غَيْر بشر وغيره من
الخلق قدير مثلها فى آخر السورة «1» . وَقالَتِ الْيَهُودُ
يهود المدينة منهم كَعْب بن الأشرف، ومالك بن الضيف وكعب بن
أسيد، وبحري بن عمرو، وشماس بن عمرو، وَغَيْرُهُمْ وَالنَّصارى
من نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما، قَالُوا جميعًا:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وافتخروا على المسلمين
وقالوا [96 ب] ما أحد من الناس أعظم عِنْد اللَّه منزلة مِنَّا
فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قُلْ للمسلمين يردوا عليهم فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ
بِذُنُوبِكُمْ حين زعمتم وقلتم لن تمسنا النار إِلَّا أياما
معدودة يعني عدة ما عبدوا فيها العجل، إن كنتم أبناء اللَّه
وأحباؤه. أفتطيب «2» نفس رَجُل أن يعذب ولده بالنار؟ واللَّه
أرحم من جميع خلقه، فَقَالَ اللَّه- عَزَّ وجل- لنبيه- صلى
الله عليه وسلم- قل لهم: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ
من العباد ولستم بأبناء اللَّه وأحبائه يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ
يعني يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ
فيميته عَلَى الكفر ثُمّ عظم الرب نفسه- عَزَّ وَجَلّ- عن
قولهم: «نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما
بَيْنَهُما من الخلق يحكم فيهما ما يشاء هُمْ عبيده وَفِي ملكه
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ- 18- فِي الآخرة فيجزيكم بأعمالكم يا
أَهْلَ الْكِتابِ يعني اليهود منهم رافع بن أَبِي حريملة ووهب
ابن يهوذا قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد- صلى الله عليه وسلم-
يُبَيِّنُ لَكُمْ الدين عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ «3» فيها
تقديم: وكان بين محمد وعيسى- صَلَّى الله عليهما وسلم- ستمائة
سنة أَنْ تَقُولُوا يعني لئلا تقولوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ
بالجنة وَلا نَذِيرٍ من
__________
(1) يشير إلى آخر آية فى سورة المائدة وهي: لِلَّهِ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ سورة المائدة: 120.
(2) فى أ: فتطيب.
(3) فى أ: (على فترة من الرسل) ... (يبين لكم) فقدم المتأخر.
(1/464)
النار، يقول فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ
وَنَذِيرٌ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وَاللَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 19- إذ بعث محمدا رسولا وَإِذْ قالَ
مُوسى لِقَوْمِهِ وهم بنو إسرائيل يا قَوْمِ اذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعنى بالنعمة إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ
أَنْبِياءَ السبعين الذين جعلهم الله أنبياء بعد موسى وهارون
وبعد ما أتاهم اللَّه بالصاعقة وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً يعني
أغنياء أغنى بعضكم عن بعض فلا يدخل عَلَيْه أحد إِلَّا بإذنه
بمنزلة الملوك فِي الدُّنْيَا ثُمّ قَالَ وَآتاكُمْ يعني
وأعطاكم ما لَمْ يُؤْتِ يعني ما لم يعط أَحَداً مِنَ
الْعالَمِينَ- 20- يعني الخير والتوراة وما أعطاكم اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- فِي التيه من المن والسلوى وما ظلل عليهم من
الغمام وأشباه ذَلِكَ مما فضلوا به عَلَى غيرهم فَقَالَ
مُوسَى: يا قَوْمِ بنى إسرائيل ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ يعنى المطهرة الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
يعني التي أمركم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن تدخلوها وهي أريحا
أرض الأُرْدُنّ وفلسطين وهما من الأرض المقدسة «1» وَلا
تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ يعنى ولا ترجعوا وراءكم بترككم
الدخول فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ- 21- يعني فترجعوا خاسرين
وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ لإِبْرَاهِيم- عَلَيْه
السَّلام- وَهُوَ بالأرض المقدسة: إن هَذِهِ الأرض التي أنَتْ
بها اليوم هِيَ ميراث لولدك من بعدك فَلَمَّا أخرج اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- من مصر مَعَ بنى [97
أ] إِسْرَائِيل وقطعوا البحر وأعطوا التوراة أمرهم مُوسَى أن
يدخلوا الأرض المقدسة فساروا حَتَّى نزلوا عَلَى نهر
الأُرْدُنّ فِي جبل أريحا وكان فِي أريحا ألف قرية فِي كُلّ
قرية ألف بستان وجبنوا أن يدخلوها، فبعث مُوسَى- عَلَيْه
السَّلام- اثني عشر رَجُلا من كُلّ سِبْط رَجُلا يأتونه بخبر
الجبارين وأمرهم أن يأتوه منها بالثمرة، فَلَمَّا أتوها خرج
إليهم عوج بن عناق بِنْت آدم فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم
بين
__________
(1) فى أ: من أرضه المقدسة.
(1/465)
يدي الملك بانوس بن سشرون «1» فنظر إليهم
فأمر بقتلهم فقالت امرأته: أيها الملك، أنعم عَلَى هَؤُلاءِ
المساكين فدعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غَيْر الَّذِي جاءوا
فِيهِ فأرسلهم لها فأخذوا عنقودا من كرومهم وحملوه عَلَى
عمودين بين رجلين وعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين عَلَى بعض
دوابهم فعجزت الدابة عن حملهما حَتَّى أتوا به أصحابهم وهم
بواد يُقَالُ لَهُ جبلان فسموا ذَلِكَ المنزل وادي العنقود.
قالُوا يا مُوسى وجدناها أرضا مباركة تفيض لبنا وعسلا كَمَا
عهد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إليك ولكن إِنَّ فِيها قَوْماً
جَبَّارِينَ يعني قتالين أشداء يقتل الرَّجُل منهم العصابة
مِنَّا فَإِن كان اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أراد أن يجعلها لنا
منزلا وسكنا فليسلطك عليهم فتقتلهم وإلا فَلَيْس لنا بهم قوة.
وحصنهم منيع فتتابع «2» عَلَى ذَلِكَ منهم عشرة فقالوا لموسى:
«إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ» طول كُلّ رَجُل منهم سبعة
أذرع ونصف من بقايا قوم عاد وكان عوج بن عناق بِنْت آدم فيهم
وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها وهي أريحا
فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ- 22- قَالَ يوشع
بن نون- وَهُوَ من سِبْط بنيامين- وكالب بن يوقنا «3» وَهُوَ
من سِبْط يهوذا قالَ رَجُلانِ وهما الرجلان من القوم مِنَ
الَّذِينَ يَخافُونَ من العدو وقد أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمَا بالإسلام قَالا لَيْسَ كَمَا يَقُولُ العشرة سيروا
حَتَّى تحيطوا بالمدينة وبأبوابها فَإِن القوم إذا رأوا كثرتكم
بالباب وكبرتم رعبوا منكم فانكسرت قلوبهم وانقطعت ظهورهم
__________
(1) فى أ: بانوس بن سفشرون، ل: سشرون. [.....]
(2) فى أ: فتبايع، ل: فتتابع.
(3) فى نسخة أمانة: وكالب بن يوها. وهو خطأ وفى مكان آخر ذكر
اسمه: كالب بن مؤقنا. وهو خطأ أيضا، ونسخة أمانة ناقلة عن
غيرها وكثيرة التحريف فلا يعتمد عليها، وفى ل: يوقبا، وفى أ:
يوقنا.
(1/466)
وذهبت قوتهم ف ادْخُلُوا «1» عَلَيْهِمُ
الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى
اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا يقول وبالله فلتتقوا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ- 23- يقتلهم بأيديكم وينفيهم من أرض هِيَ ميراثهم
قالُوا يا مُوسى أتصدق رجلين وتكذب عشرة- يا مُوسَى- إِنَّا
لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ
وَرَبُّكَ ينصرك عليهم فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ- 24-
يعني مكاننا «2» فإننا لا نستطيع قتال الجبابرة فغضب موسى
عليهم وقالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ [97 ب] من الطاعة إِلَّا
نَفْسِي وَأَخِي هَارُون فَافْرُقْ بَيْنَنا يعني فاقض بيننا
وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ- 25- يعني العاصين الَّذِين
عصوا أن يقاتلوا عدوهم، وهم كلهم مؤمنون فأوحى اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- إلى موسى- عليه السلام- أما إذ سميتهم فاسقين فالحق
أقول لا يدخلونها «3» أبدا، وذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ- قالَ
فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ «4» دخولها البتة أبدا.
أَرْبَعِينَ سَنَةً فيها تقديم يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فِي
البرية فأعمى «5» اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عليهم السبيل فحبسهم
بالنهار وسيرهم بالليل يسهرون ليلهم فيصبحون حيث أمسوا «6»
فإذا بلغ أجلهم وَهُوَ أربعون سنة أرسلت عليهم الموت فلا
يدخلها إلا خلوفهم إلا يوشع ابن نون وكالب بن يوقنا فهما
يسوقان بني إِسْرَائِيل إلى تِلْكَ الأرض، فتاه القوم فِي تسع
فراسخ عرض وثلاثين فرسخا طول، وقالوا أيضا ستة فراسخ عرض «7»
فِي اثني عشر فرسخا طول فَقَالَ القوم لموسى- عَلَيْه
السَّلام-: ما صنعت بنا دعوت
__________
(1) فى أ: (فادخلوا) ، والآية (ادخلوا) .
(2) كتبت فى حاشية أوعليها علامة ص.
(3) فى أ: لا يدخلوها، ل: لا يدخلونها.
(4) فى حاشية أ: الأصل دخلوها.
(5) فى أ: (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (أَرْبَعِينَ سَنَةً)
فأخر المتقدم وقدم المتأخر.
(6) فى أ: فيصبحوا حيث أمسوا، ل: فيصبحون حيث أمسوا.
(7) عرض: ساقطة من ل، ومثبتة فى أ.
(1/467)
علينا حَتَّى بقينا فِي التيه وندم مُوسَى-
عَلَيْه السَّلام- عَلَى ما دعا عليهم وشق عَلَيْه حين تاهوا
فأوحى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إليه فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
الْفاسِقِينَ- 26- يعني لا تحزن عَلَى قوم أنت سميتهم فاسقين
أن تاهوا ثُمّ مات هَارُون- عَلَيْه السَّلام- فِي التيه ومات
مُوسَى من بعده بستة أشهر، فماتا جميعًا فِي التيه، ثُمّ إن
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وَقَدْ
هلكت الأمة العصاة كلها وخرجوا مع يوشع ابن نون ابْن أخت
مُوسَى وكالب بن يوقنا بعد وفاة مُوسَى- عَلَيْه السَّلام-
بشهرين فأتوا أريحا فقاتلوا أهلها ففتحوها وقتلوا مقاتلتهم
وسبوا ذراريهم وقتلوا ثلاثة من الجبارين وكان قاتلهم يوشع بن
نون فغابت الشمس فدعا يوشع بن نون فرد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
عَلَيْه الشمس فأطلعت ثانية وغابت الشمس الثانية ودار الفلك
فاختلط عَلَى الحساب حسابهم منذ يومئذ فيما بلغنا ومات فِي
التيه كُلّ ابْن عشرين سنة فصاعدا وموضع التيه «1» بين فلسطين
وإيلة ومصر، فتاه القوم بعصيانهم ربهم- عَزَّ وَجَلّ- وخلافهم
عَلَى نبيهم مَعَ دعاء بلعام بن باعور ابن ماث عليهم فيما بين
ستة فراسخ إلى اثني عشر فرسخا لا يستطيعون الخروج منها أربعين
سنة ومات هَارُون حين أتم ثمانية وثمانين سنة وتوفي مُوسَى
بعده بستة «2» أشهر واستخلف عليهم يوشع بن نون، وحين ماتوا
كلهم أخرج «3» ذراريهم يوشع بن نون وكالب بن يوقنا.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ يَقُولُ اتل يا محمد
عَلَى أَهْل مكة نبأ ابني آدم بِالْحَقِّ ليعرفوا نبوتك [98 أ]
يَقُولُ اتل عليهم حديث ابني آدم هابيل وقابيل
__________
(1) التيه: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2) فى أ: بستة وهو تصحيف لأنه ذكر من قبل أن وفاة موسى بعد
هارون بستة أشهر، فلا بد أن كلمة أشهر سقطت فنطق ستة، سنة.
(3) فى أ: حين ماتوا كلهم فأخرج.
(1/468)
وذلك أن حواء ولدت فِي بطن واحد غلاما
وجارية قابيل وإقليما، ثُمّ ولدت فِي البطن الآخر غلاما
وجارية، هابيل وليوذا، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل،
فَلَمَّا أدركا قَالَ آدم- عَلَيْه السَّلام- ليتزوج كُلّ واحد
منهما أخت الآخر قَالَ قابيل لكن يتزوج كُلّ واحد منهما أخته
التي ولدت معه، قَالَ آدم- عَلَيْه السَّلام-: قربا قربانا
فأيما تقبل قربانه كان أحق بهذه الجارية وخرج آدم- عَلَيْه
السَّلام- إلى مكة فعمد قابيل وكان صاحب زرع فقرب أخبث زرعه
البر المأكول فِيهِ الزوان، وكان هابيل صاحب ماشية فعمد فقرب
خير غنمه مَعَ زبد ولبن ثُمّ وضعا القربان عَلَى الجبل وقاما
يدعوان اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فنزلت نار من السماء فأكلت قربان
هابيل وتركت قربان قابيل، فحسده قابيل، فَقَالَ لهابيل:
لأقتلنك. قَالَ هابيل: يا أخي «1» لا تلطخ يدك بدم بريء فترتكب
أمرا عظيما، إِنَّمَا طلبت رضا والدي ورضاك فلا تفعل فإنك إن
فعلت أخزاك اللَّه بقتلك إياي بغير ذنب وَلا جرم فتعيش فِي
الدُّنْيَا أيام حياتك فِي شقوة ومخافة فِي الأرض حَتَّى تكون
من الخوف والحزن أدق من شعر رأسك ويجعلك إلهي ملعونا. فلم يزل
يحاوره حَتَّى انتصف النهار، وكان فِي آخر مقالة هابيل لقابيل:
إن أنت قتلتني كُنْت أول من كتب عَلَيْه الشقاء، وأول من يساق
إلى النار من ذرِّيَّة والدي، وكنت أنا أوّل شهيد يدخل الجنة.
«فغضب قابيل فَقَالَ: لا عشت فِي الدُّنْيَا. ويُقَالُ قَدْ
تقبل قربانه وَلَم يتقبل قرباني، فَقَالَ لَهُ هابيل: فتشقى
آخر الأبد» «2» .
__________
(1) فى أ: أخى، ل: يا أخى.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل ومثبت فى أ. [.....]
(1/469)
فغضب عِنْد ذَلِكَ قابيل «1» فقتله بحجر دق
رأسه وذلك بأرض الهند عشية وآدم- عَلَيْه السَّلام- بمكة، فذلك
قوله- عَزَّ وَجَلّ-: إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ
أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، قالَ
لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ
- 27- لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا
بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ
رَبَّ الْعالَمِينَ- 28- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ
بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ
وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ- 29- فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ
قَتْلَ أَخِيهِ يَقُولُ فزينت لَهُ نفسه قَتْل أَخِيهِ
فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ- 30- قَالَ وكان
هابيل قَالَ لأخيه قابيل: «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ ...
» إلى قوله:
«بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ» يعني أن ترجع بإثمي بقتلك إياي وإثمك
الَّذِي عملته قبل قتلي «فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ
وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ» يعني جزاء من قَتَل نفسا بغير
جرم فَلَمَّا قتله عشية من آخر النهار لَمْ يدر ما يصنع وندم
وَلَم يَكُنْ يومئذ عَلَى الأرض بناء «2» وَلا قبر فحمله عَلَى
عاتقه فإذا أعيى وضعه بين يديه ثُمّ ينظر إليه ويبكي ساعة ثُمّ
يحمله ففعل ذَلِكَ ثلاثة أيام فَلَمَّا كان فِي الليلة الثالثة
بعث اللَّه غرابين يقتتلان فقتل أحدهما صاحبه وهو ينظر [98 ب]
ثُمّ حفر بمنقاره فِي الأرض فَلَمَّا فرغ منه أَخَذَ بمنقاره
رِجْل الغراب الميت حَتَّى قذفه فِي الحفيرة ثُمّ سوى الحفيرة
بالأرض وقابيل ينظر، فذلك قوله- تَعَالَى-: فَبَعَثَ اللَّهُ
غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي
سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ قابيل يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ
أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ يَقُولُ أعجزت أن أَعْلَم من
العلم مثل ما علم هذا الغراب فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي يقول
فأغطى عورة أخى كما وارى هذا الغراب صاحبه فَأَصْبَحَ مِنَ
النَّادِمِينَ- 31-
__________
(1) فى أ: قابين، ل: قابيل.
(2) فى أ: بغير نفس حرم، ل: بغير جرم.
(1/470)
بقتله أخاه. فعمد عِنْد ذَلِكَ قابيل فحفر
فِي الأرض بيده ثُمّ قذف أخاه فِي الحفيرة فسوى عَلَيْه تراب
الحفيرة كَمَا فعل الغراب بصاحبه فَلَمَّا دفنه ألقى اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- عَلَيْه الخوف يعني عَلَى قابيل لأنه أول من
أخاف فانطلق هاربا، فنودي من السماء:
يا قابيل، أين أخوك هابيل؟ قَالَ: أَوَ رقيبا كُنْت عَلَيْه؟
ليذهب حيث شاء قَالَ المنادي: أما تدري أين هُوَ؟ قَالَ: لا.
قَالَ المنادي: إن لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون
عليك أنَّكَ قتلته ظلما، فَلَمَّا أنكر شهدت عَلَيْه جوارحه.
فَقَالَ المنادي: أَيْنَ تنجو من ربك؟ إن إلهي يَقُولُ: إنك
ملعون بكل أرض وخائف مِمَّنْ يستقبلك وَلا خير فيك، وَلا فِي
ذريتك، فانطلق جائعا حَتَّى أتى ساحل البحر فجعل يأخذ الطير
فيضرب بها الجبل فيقتلها ويأكلها، فَمنْ أجل ذَلِكَ حرم اللَّه
الموقوذة. وكانت الدواب والطير والسباع لا يخاف بعضها من بعض
حَتَّى قَتَل قابيل هابيل فلحقت الطير بالسماء والوحش بالبرية
والجبال، ولحقت السباع بالغياض، وكانت قبل ذَلِكَ تستأنس إلى
آدم- عَلَيْه السَّلام- وتأتيه، وغضبت الأرض عَلَى الكفار من
يومئذ، فَمنْ ثُمّ يضغط الكافر فِي الأرض حَتَّى تختلف أضلاعه
ويتسع عَلَى الْمُؤْمِن قبره حتى ما يرى «1» طرفاه وتزوج شيت
ابن آدم ليوذا «2» التي ولدت مَعَ هابيل، وبعث اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- ملكا إلى قابيل فعلق رجله وَجَعَل عَلَيْه ثلاث
سرادقات من نار كلما دار دارت السرادقات معه فمكث بِذَلِك حينا
ثُمّ حل عَنْهُ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يعنى من أجل ابني آدم
تعظيما للدم كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي التوراة
أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ عمدا
__________
(1) فى أ: حتى يرى، ل: حتى ما يرى.
(2) فى ل: إقليما وهو خطأ، وفى أ: ليوذا وهو صواب لموافقته لما
ذكر أولا.
(1/471)
أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ عمل فيها
بالشرك وجبت لَهُ النار وَلا يعفى عَنْهُ حَتَّى يقتل
فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً أَي كَمَا يجزي النار
لقتله الناس جميعًا لو قتلهم.
ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [99 أ] وذلك أَنَّهُ مكتوب فِي
التوراة أَنَّهُ من قتل رَجُلا خطأ فَإنَّهُ يقاد به إِلَّا أن
يشاء وَلِي المقتول أن يعفو عَنْهُ فإن عفا عَنْهُ وجبت لَهُ
الجنة كَمَا تجب لَهُ الجنة لو عفا عن الناس جميعًا، فشدد
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عليهم القتل ليحجز بِذَلِك بعضهم عن
بعض، ثُمّ قَالَ- سبحانه-: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا
بِالْبَيِّناتِ يعني بالبيان فِي أمره ونهيه ثُمَّ إِنَّ
كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ البيان فِي الْأَرْضِ
لَمُسْرِفُونَ- 32- يعني إسرافا فِي سفك الدماء واستحلال
المعاصي قوله- سُبْحَانَهُ-:
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعني بالمحاربة الشرك نظيرها فِي براءة وَإِرْصاداً لِمَنْ
حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «1» وذلك
أن تسعة نفر من عرينه وهم من بجيلة أتوا النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة فأسلموا فأصابهم وجع
شديد ووقع الماء الأصفر فِي بطونهم فأمرهم النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ليشربوا
من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذَلِكَ فَلَمَّا صحوا عمدوا إِلَى
الراعي فقتلوه وأغاروا عَلَى الإبل فاستاقوها وارتدوا عن
الْإِسْلام فبعث النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-
فِي نفر فأخذوهم، فَلَمَّا أتوا بهم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت
أعينهم فأنزل الله- عَزَّ وَجَلّ- فيهم إِنَّما جَزاءُ
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعني الكفر بعد الْإِسْلام وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً
__________
(1) سورة التوبة: 107.
(1/472)
القتل وأخذ الأموال أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ
خِلافٍ يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى فالإمام فِي ذَلِكَ
بالخيار فِي القتل والصلب وقطع الأيدي والأرجل أَوْ يُنْفَوْا
مِنَ الْأَرْضِ يقول يخرجوا «1» من الأرض- أرض المسلمين-
فينفوا بالطرد ذلِكَ جزاءهم الخزي لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا
قطع اليد والرجل والقتل والصلب فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ- 33- يعني كثيرًا وافرا لا انقطاع
لَهُ ثُمّ استثنى فَقَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من الشرك مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا
عَلَيْهِمْ فتقيموا عليهم الحد فلا سبيل لَكُمْ عليهم يَقُولُ
من جاء منهم مسلما قبل أن يؤخذ فَإِن الْإِسْلام يهدم ما أصاب
فِي كفره من قتل أَوْ أخذ مال فذلك قوله- سبحانه-: فَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما كان منه فِي كفره رَحِيمٌ- 34- به
حين تاب ورجع إلى الْإِسْلام، فأمّا من قُتِل وَهُوَ مُسْلِم
فارتد عن الْإِسْلام ثُمّ رجع مسلما فإنه يؤخذ بالقصاص. وقوله-
سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [99 ب] يعني فِي طاعته
بالعمل الصالح وَجاهِدُوا العدو فِي سَبِيلِهِ يعني فِي طاعته
لَعَلَّكُمْ يعني لكي تُفْلِحُونَ- 35- يعني تسعدون ويُقَالُ
تفوزون. وقوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل
مكة لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ
مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ أَي فقدروا أن يفتدوا به مِنْ عَذابِ
جَهَنَّم يَوْمِ الْقِيامَةِ يَقُولُ لو كان ذَلِكَ لهم وفعلوه
مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 36-
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ بالفداء وَما هُمْ
بِخارِجِينَ مِنْها أبدا وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ- 37- يعنى
دائم. وقوله- سبحانه-: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما يعنى
__________
(1) فى أ: يهربوا.
(1/473)
أيمانهما من الكرسوع يَقُولُ القطع جَزاءً
بِما كَسَبا يعنى سرقا نَكالًا مِنَ اللَّهِ يعنى عقوبة من
الله قطع اليد وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ- 38- فَمَنْ تابَ
مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ يَقُولُ من تاب من بعد سرقته وَأَصْلَحَ
العمل فيما بقي فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ لذنبه رَحِيمٌ- 39- به، وأما المال فلا بد أن
يرده إلى صاحبه. وقوله- سُبْحَانَهُ-: أَلَمْ تَعْلَمْ يا محمد
أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يحكم فيهما
بما يشاء «1» يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ من أهل معصيته وَيَغْفِرُ
لِمَنْ يَشاءُ يعني به الْمُؤْمِنِين وَاللَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ من العذاب والمغفرة قَدِيرٌ- 40-. وقوله- سبحانه-: يا
أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي
الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ يعنى
صدقنا بألسنتهم وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ فِي السر. نزلت
فِي أَبِي لبابة: اسمه مروان بن عبد المنذر الأنصاري من بني
عمرو بن عوف. وذلك أَنَّهُ أشار إلى أهل قريظة إلى حلقه «2» أن
محمدا جاء يحكم فيكم بالموت فلا تنزلوا عَلَى حكم سعد بن
مُعَاذ وكان حليفا لهم ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَمِنَ
الَّذِينَ هادُوا أَيّ وَلا يحزنك الَّذِين هادوا يعني يهود
المدينة سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ يعني قوالون للكذب منهم كَعْب
بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وأبو لبابة، وسعيد بن مَالِك، وابن
صوريا، وكنانة ابن أَبِي الحقيق، وشاس بن قَيْس، وأبو رافع بن
حريملة، ويوسف بن عازر ابن أَبِي عازب، وسلول بن أبي سلول،
والبخام بن عمرو، وهم سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ يعني يهود
خيبر لَمْ يَأْتُوكَ يا محمد يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يعنى أمر
الرجم
__________
(1) فى أ: ما يشاء.
(2) وكانت هذه الإشارة معناها أن محمدا سيحكم فيكم بالقتل
والذبح.
(1/474)
مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ عن بيانه في
التوراة. وذلك أن رَجُلا من اليهود يسمى يهوذا وامرأة «1» تسمى
بسرة من أهل خيبر من أشراف اليهود زنيا وكانا قَدْ أحصنا «2»
فكرهت اليهود رجمهما من أجل شرفهما وموضعهما فقالت يهود خيبر:
نبعث بهذين «3» إلى محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَإِن فِي دينه الضرب وليس فِي دينه الرجم ونوليه الْحُكْم
فيهما فإن [100 أ] أمركم «4» فيهما بالضرب فخذوه وإن أمركم
فيهما بالرجم فاحذروه فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة، إلى
كعب بن الأشرف، وكعب ابن أُسَيْد، ومالك بن الضيف، وأبي لبابة،
وبعثوا نفرا منهم، فقالوا: سلوا لنا محمدا- عَلَيْه السَّلام-
عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما؟ فَإِن أمركم بالجلد فخذوا به
والجلد: الضرب «5» بحبل من ليف مطلي بالقار وتسود وجوههما
ويحملان عَلَى حمار وتجعل وجوههما مما يلي ذنب الحمار فذلك
التجبية «6» يَقُولُونَ أَي اليهود إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا
فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أَي إن أمركم
بالرجم فاحذروه عَلَى ما فِي أيديكم أن يسلبكموه.
قَالَ: فجاء كَعْب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد،
وأَبُو لبابه إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا: أخبرنا عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما،
فأتاه جبريل- عليه
__________
(1) فى أ: وامرأته، ل: وامرأة.
(2) فى أ: اختصما، ل: أحصنا. وقد أورد هذه القصة ابن جرير
ونقلها عنه السيوطي فى كتابه لباب النقول فى أسباب النزول: 87.
كما أوردها الواحدي فى أسباب النزول: 112.
(3) فى أ: بهذا، ل: بهاذين.
(4) فى أ: فإن أمركم.
(5) الضرب: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(6) التجبية: أن يحمل الزانيان على الحمار، ويقابل أقفيهما
ويطاف بهما. انظر هذه القصة فى أسباب النزول للواحدي: 112.
وسواء أكانت وجوههما مما يلي ذنب الحمار أو تقابلت أقفيهما فإن
المقصود الإهانة فى كل. [.....]
(1/475)
السَّلام- فَأَخْبَرَه بالرجم، ثُمّ قَالَ
جبريل- عَلَيْه السَّلام- اجعل بينك وبينهم ابن صوريا وسلهم
عَنْهُ، فمشى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-
حتى أتى أحبارهم فى بيت المدراس فَقَالَ: يا مَعْشَر اليهود،
أخرجوا إلي علماءكم فأخرجوا إِلَيْهِ عَبْد اللَّه بن صوريا،
وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: هَؤُلاءِ علماؤنا
«ثُمّ حصر أمرهم» «1» إلى أن قَالُوا لعبد اللَّه بن صوريا:
هَذَا أعلم من بَقِي بالتوراة فجاء به رَسُول اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وكان ابْن صوريا غلاما شابا ومع
رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْد
اللَّه بن سلام، فَقَالَ رسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أنشدك بِاللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا هُوَ إله
بني إِسْرَائِيل، الَّذِي أخرجكم من مصر، وفلق لَكُم البحر
وأنجاكم، وأغرق آل فرعون، وأنزل عليكم كتابه يبين لَكُمْ حلاله
وحرامه، وظلل عليكم المن والسلوى، هَلْ وجدتم فِي كتابكم أن
الرجم عَلَى من أحصن؟ قَالَ ابْن صوريا:
اللَّهُمَّ نعم «2» ، ولولا أني خفت أن أحترق بالنار أَوْ أهلك
بالعذاب لكتمتك حين سألتني وَلَم أعترف لك. قَالَ رَسُول
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّه أكبر
فأنا أول من أحيا سنة من سنن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثُمّ أمر
بهما فرجما عِنْد باب
__________
(1) فى أ، ثم أحضره وأمره، ل: ثم حصل أمرهم.
(2) ورد فى القانون الموسوي (أن عقوبة الموت للزانيين المحصنين
وسوى القانون بين الرجل الذي يواقع امرأة متزوجة، والمرأة التي
تعبث بالأمانة الزوجية) . وفى سفر تثنية الاشتراع ف 22- 32 وإن
وجد رجل مضاجعا امرأة ذات بعل فليقتلا جميعا، الرجل المضاجع
لها والمرأة واقع الشر من إسرائيل» .
وفى سفر الأحبار ف 10- 10 «وأى رجل زنى بامرأة إن زنى بامرأة
قريبة فليقتل الزاني والزانية) .
عن كتاب (مركز المرأة فى قانون حمر رابى وفى القانون الموسوي)
لجمان أمل ريك: 52.
(1/476)
مسجده فِي بني غَنْم بن مَالِك بن
النَّجّار، فَقَالَ عَبْد اللَّه بن صوريا: واللَّه يا محمد،
إن اليهود لتعلم أنَّكَ نَبِيّ حق، ولكنهم يحسدونك. ثُمّ كفر
ابْن صوريا بعد ذلك فأنزل الله- عز وجل- يا أَهْلَ الْكِتابِ
قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا
كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ- يعنى مما فى التوراة [100
ب] من أمر الرجم ونعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ: وَيَعْفُو عن كَثِيرٍ فلا يخبر به.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لليهود
إن شئتم أخبرتكم بالكثير.
قَالَ ابْن صوريا: أنشدك بِاللَّه أن تخبرنا بالكثير مما أمرت
أن تعفو عَنْهُ. ثُمّ قَالَ ابْن صوريا للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنِي عن ثلاث خصال لا يعلمهن
إِلَّا نَبِيّ. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هات، سل عما شئت.
قَالَ: أَخْبَرَنِي عن نومك. قَالَ: تنام عيني وقلبي يقظان «1»
. قَالَ ابْن صوريا:
صدقت. قَالَ: فأخبرني عن شَبَه الولد: من أَيْنَ يُشَبِه «2»
الأب أو الأم «3» ؟ قَالَ:
أَيُّهُمَا سبقت الشهوة لَهُ «كان الشبه له» . قال «4» : صدقت.
قال: فأخبرنى ما للرجل وما للمرأة من الولد ومن أَيُّهُمَا
يَكُون؟ قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اللحم والدم والظفر والشعر للمرأة، والعظم والعصب والعروق
للرجل.
قَالَ: صدقت. قَالَ: فَمنْ وزيرك من الملائكة ومن يجيئك
بالوحي؟ قَالَ: جبريل- عَلَيْه السَّلام- قَالَ: صدقت يا محمد
وأسلم عِنْد ذَلِكَ. «5»
قوله- سُبْحَانَهُ-: «إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ» -
يَقُولُ ذَلِكَ يهود خيبر ليهود المدينة: كَعْب بن الأشرف،
ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد،
__________
(1) فى أ: يقظان.
(2) فى أ: من، ل: أى ما.
(3) فى أ: والأم، ل: أو الأم.
(4) كان الشبه له ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(5) كانت إجابة النبي على أسئلة ابن صوريا سببا فى إسلامه.
(1/477)
وأبي لبابة: إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوه
«وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ» يعني الجلد، وإن أمركم بالرجم
«فَاحْذَرُوا» فَإنَّهُ نَبِيّ. قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ يعني اليهود لَمْ يُرِدِ
اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ من الكفر حين كتموا أمر
الرجم ونعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ
فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يعني به اليهود وهم أَهْل قريظة: أما
الخزي الَّذِي نزل بهم فهو القتل والسبي وأما خزي أَهْل النضير
فهو الخروج من ديارهم وأموالهم وجناتهم فأجلوا إلى الشام: إلى
أذرعات وأريحا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ- 41-
يعني ما عظم من النار. ثُمّ قَالَ: سَمَّاعُونَ يعني قوالون
لِلْكَذِبِ للزور منهم كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك
بن الضيف، ووهب بن يهوذا أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ يعني الرشوة
فِي الْحُكْم كَانَت اليهود قَدْ جعلت لهم جعلا فِي كُلّ سنة
عَلَى أن يقضوا لهم بالجور، يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-:
فَإِنْ جاؤُكَ يا محمد فِي الرجم فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ
شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ
يعنى بالعدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ- 42- يعني
الَّذِين يعدلون فِي الْحُكْم، ثُمّ نسختها الآية التي جاءت
بعد «1» وهي قوله: «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ [101 أ] إليك» فِي الكتاب أن الرجم عَلَى المحصن
والمحصنة وَلا ترد الْحَكَم «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ»
يعني كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أُسَيْد، ومالك بن الضيف.
__________
(1) فى أ: نسختها الآية التي بعدها. مع أن هناك ست آيات
بينهما. فالآية المذكورة رقم 42، والآية المشار إليها رقم 49.
(1/478)
قَالَ تَعَالَى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ يعني الرجم
عَلَى المحصن والمحصنة والقصاص فِي الدماء سواء ثُمَّ
يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني يعرضون من بعد البيان
فِي التوراة وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ- 43- يعني وما
أولئك بمصدقين حين حرفوا ما فى التوراة ثُمّ أخبر اللَّه عن
التوراة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ وضياء من
الظلمة يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ من لدن مُوسَى- عَلَيْه
السَّلام- إلى عِيسَى ابْن مريم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
ألف نَبِيّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يعني أنهم مسلمون «أَوْ
أسلموا وجوههم للَّه» «1» لِلَّذِينَ هادُوا يعني اليهود
يحكمون بما لهم وما عليهم وَيحكم بها الرَّبَّانِيُّونَ وهم
المتعبدون من أَهْل التوراة من وَلَدِ هَارُون: يحكمون
بالتوراة وَالْأَحْبارُ يعني القراء والعلماء منهم بِمَا
اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ- عز وجل- من الرحم وبعث
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كتابهم ثُمّ
قَالَ يهود المدينة:
كَعْب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وأصحابهم
وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ يَقُولُ
لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرجم ونعت محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاخْشَوْنِ إن كتمتموه وَلا
تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا عرضا يسيرا مما كانوا
يصيبون من سفلة اليهود من الطعام والثمار وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التوراة: بالرجم ونعت محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويشهد به «2» فَأُولئِكَ هُمُ
الْكافِرُونَ- 44-
ولما أرادوا القيام «3» قَالَتْ بنو قريظة، أَبُو لبابة، وشعبة
بن عمرو، ورافع بن حريملة، وشاس بن عمرو
__________
(1) هذه الزيادة لتوضيح المعنى وهي منقولة من المنار: 6/ 398 ط
1.
(2) فى أ: وشهد به، ل: ويشهد به.
(3) فى أ، ل: القيام به.
(1/479)
للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إخواننا- بني النضير، كَعْب بن الأشرف وكعب بن
أُسَيْد، ومالك بن الضيف، وَغَيْرُهُمْ، أبونا واحد وديننا
واحد إذا قَتَل أَهْل النضير مِنَّا قتيلا أعطونا سبعين وسقا
من تمر، وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا مِنَّا مائة وأربعين وسقا
من تمر «1» وجراحاتنا عَلَى أنصاف جراحاتهم فاقض بيننا وبينهم
يا محمد. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إن دم الْقُرَظِيّ وفاء من دم النضيري وليس
للنضيري عَلَى الْقُرَظِيّ فضل فِي الدم وَلا فِي العقل.
قَالَ كَعْب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أُسَيْد،
وأصحابهم:
لا نرضى بقضائك، وَلا نطيع أمرك، ولنأخذن بالأمر الأول، فإنك
عدونا، وما تألو أن تضعنا وتضرنا «2» .
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّه- تعالى- «أَفَحُكْمَ
الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ» [101 ب] يعني حكمهم الأول «وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً» يَقُولُ فلا أحد أحسن من
اللَّه حكما «لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» وعد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
ووعيده «3» ثُمّ أخبر عن التوراة فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها يعني وفرضنا عليهم فِي التوراة
نظيرها فِي المجادلة «كتب اللَّه» «4» يعني قضى، أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ
بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ
«5» لَهُ
__________
(1) فى أ: وسق تمر، ل: وسقا من تمر.
(2) فى ل: تصغرنا وتضعنا، أ: تضعنا وتضرنا.
(3) فى أ، ل ذكر آية (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ...
) بين الآية 43، 45 حتى يهيأ للقارئ أنها بعد آية 44 ترتيبا،
ولذلك لم أضعها بين قوسين هكذا ( ... ) بل وضعتها بين « ... »
لأنها آية رقم 50 من نفس السورة وسيأتى مكان تفسيرها قريبا.
[.....]
(4) سورة المجادلة: 21 وهي كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا
وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
(5) والأذن بالأذن: ساقطة من أ.
(1/480)
يَقُولُ فَمنْ تصدق بالقتل والجراحات فهو
كفارة لذنبه يَقُولُ إن عفى المجروح عن الجارح فهو كفارة
للجارح من الجرح: لَيْسَ عَلَيْه قود وَلا دية وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التوراة من أمر الرجم
والقتل والجراحات فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ- 45- ثُمّ
أخبر عن أَهْل الإنجيل فَقَالَ: وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ
يعني وبعثنا من بعدهم يعني من بعد أَهْل التوراة بِعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التَّوْراةِ يَقُولُ عِيسَى يصدق بالتوراة وَآتَيْناهُ
الْإِنْجِيلَ يعني أعطينا عِيسَى الإنجيل فِيهِ هُدىً من
الضلالة وَنُورٌ من الظلمة وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ التَّوْراةِ يقول الإنجيل يصدق التوراة وَالإنجيل هُدىً
من الضلالة وَمَوْعِظَةً من الجهل لِلْمُتَّقِينَ- 46- الشرك
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ- وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ
من الأحبار والرهبان بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ يعني فِي
الإنجيل من العفو عن القاتل أَو الجارح والضارب وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الإنجيل من العفو واقتص من
القاتل والجارح والضارب فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ- 47-
يعنى العاصين لله- عز وجل-. قوله سبحانه:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ يا محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ يعني القرآن بالحق لَمْ ننزله
عبثا وَلا باطلا لغير شيء مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ يَقُولُ وشاهدًا
عَلَيْه وذلك إن قرآن محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شاهد بأن الكتب التي أنزلت قبله «1» أنها من
اللَّه- عَزَّ وجل- فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ إليك فى القرآن وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ يعني
أهواء اليهود عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ وهو القرآن لِكُلٍّ
جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً يعنى من المسلمين وأهل
__________
(1) فى أ، ل: الذي نزلت قبله.
(1/481)
الكتاب «شِرْعَةً» يعني سنة وَمِنْهاجاً
يعني طريقا وسبيلا فشريعة أَهْل التوراة فِي قَتْل العمد
القصاص لَيْسَ لهم عقل «1» وَلا دية، والرجم عَلَى المحصن
والمحصنة إذا زنيا. وشريعة الإنجيل في القتل العمد العفو
لَيْسَ لهم قصاص وَلا دية، وشريعتهم فِي الزنا الجلد بلا رجم.
وشريعة أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- في قتل العمد
القصاص والدية والعفو، وشريعتهم فِي الزنا: إذا لَمْ يحصن
الجلد، فإذا أحصن فالرجم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ
[102 أ] يا أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهل
الكتاب «2» أُمَّةً واحِدَةً عَلَى دين الْإِسْلام وحدها
وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ يعني يبتليكم فِي مَا آتاكُمْ يعني
فيما أعطاكم من الكتاب والسنة من يطع اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
فيما أمر ونهى ومن يعصه فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يَقُولُ
سارعوا فِي الأعمال الصالحة «يا أمة محمد» «3» فيما ذُكِرَ مَن
السبيل والسنة «4» إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فِي
الآخرة أنتم وأهل الكتاب فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ- 48- من الدّين قوله- سُبْحَانَهُ-: وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ إليك فِي الكتاب
يعني بين اليهود وذلك أن قوما من رءوس اليهود من أَهْل النضير
اختلفوا فَقَالَ بعضهم: لبعض انطلقوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه
ونرده عما هُوَ عَلَيْه، فَإِنَّمَا هُوَ بشر إذن فيستمع،
فأتوه فقالوا لَهُ: هَلْ لك أن تحكم لنا عَلَى أصحابنا أَهْل
قريظة فِي أمر الدماء كَمَا كُنَّا عَلَيْه من قبل، فَإِن فعلت
فإنا نبايعك ونطيعك، وإنا إذا بايعناك تابعك أَهْل الكتاب كلهم
لأنا سادتهم «5» وأحبارهم فنحن نفتنهم ونزّلهم
__________
(1) العقل: هو أن تشترك أسرة القاتل فى سداد دية المقتول وتسمى
الأسرة عاقلة لأنها تعقل عن الجاني جناية وتؤديها عنه.
(2) فى أزيادة: لجعلهم.
(3) من ل.
(4) فى أزيادة: فى الآخرة.
(5) فى أ: نقاوتهم، وفى تفسير ابن كثير: 2/ 67، سادتهم والقصة
بتمامها فى تفسير ابن كثير.
وأسباب النزول للواحدي: 113. ولباب النقول فى أسباب النزول
للسيوطي: 90.
(1/482)
عما هُمْ عَلَيْه حَتَّى يدخلوا فِي دينك.
فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يحذر نبيه- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فى
أمر الدماء وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ يعني أن يصدوك عَنْ
بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ من أمر الدماء بالسوية
فَإِنْ تَوَلَّوْا يَقُولُ فَإِن أبوا حكمك فَاعْلَمْ أَنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ يعني أن يعذبهم فِي
الدُّنْيَا بالقتل والجلاء من المدينة إلى الشام بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ يعني ببعض الدماء التي كَانَتْ بينهم من قبل أن
يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ
كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعني رءوس اليهود لَفاسِقُونَ- 49-
يعني لعاصون حين كرهوا حكم النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي أمر الدماء بالحق. فَقَالَ كَعْب بن الأشرف،
ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لا نرضى بحكمك. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ الَّذِي كانوا عَلَيْه
«1» من الجور من قبل أن يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً يَقُولُ فلا
أحد أحسن من اللَّه حكما لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ- 50- بالله- عز
وجل-.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فِي رجلين من
الْمُسْلِمِين لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى
أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ قَالَ لما كَانَتْ
وقعة أحد خاف ناس من الْمُسْلِمِين أن يدال الكفار عليهم
فَقَالَ رَجُل منهم: أنا آتي فلانا «2» اليهودي فأتهود فإني
أخشى أن يدال الكفار علينا، قَالَ الآخر: أما أنا فَإِنِّي آتي
الشام فأتنصر فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ
__________
(1) فى أ: الذين كانوا عليها، ل: الذين كانوا عليه.
(2) فى أ: فلان.
(1/483)
«1» [102 ب] وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
يعني من الْمُؤْمِنِين فَإِنَّهُ مِنْهُمْ يعني يلحق بهم ويكون
معهم، لأن الْمُؤْمِنِين لا يتولون الكفار إِنَّ اللَّهَ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 51-.
ثُمّ ذكر أَنَّهُ «2» : إِنَّمَا يتولاهم المنافقون لأنهم
وافقوهم عَلَى ما يقولون قَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وهو الشك فهم المنافقون
يُسارِعُونَ فِيهِمْ يعني فِي ولاية اليهود بالمدينة
يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ يعني دولة اليهود
عَلَى الْمُسْلِمِين وذلك أن نفرا من المنافقين: أربعة وثمانين
رَجُلا منهم عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، وأبو نَافِع، وأَبُو
لبابة، قَالُوا: نتخذ عِنْد اليهود عهدا ونواليهم فيما بيننا
وبينهم، فإنا لا ندري ما يَكُون فِي غد ونخشى ألّا ينصر محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينقطع الَّذِي بيننا
وبينهم وَلا نصيب منهم قرضا وَلا ميرة فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ يعني بنصر
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي يئسوا منه
أَوْ يَأْتِيَ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ: قَتْل قريظة وجلاء النضير
إلى أذرعات، فَلَمَّا رَأَى المنافقون ما لقي أَهْل قريظة
والنضير ندموا عَلَى قولهم، قَالَ: فَيُصْبِحُوا عَلى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ- 52- فَلَمَّا أخبر
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- نبيه- صَلَّى الله عليه وسلم- عن
المنافقين أنزل «3»
__________
(1) أورد الواحدي فى أسباب النزول سببا آخر غير ما ذكره مقاتل،
وقد سار السيوطي على طريق الواحدي، فذكر أنها نزلت فى عبد الله
بن أبى سلول حين تشبث بحلف بنى قينقاع وقام دونهم بينما تبرأ
عبادة بن الصامت إلى رسول الله من حلفهم. ففيه وفى عبد الله بن
أبى نزلت الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ.
وأخرج هذا الأثر ابن إسحاق وابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي
عن عبادة بن الصامت. انظر لباب النقول للسيوطي: 90.
(2) فى أ: ثم ذكر فقال.
(3) فى أ: نزلت.
(1/484)
هذه الآية وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا
بعضهم لبعض أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ يعني
المنافقين جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إذ حلفوا بِاللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فهو جهد «1» اليمين إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ عَلَى دينكم
يعني المنافقين حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ يعني بطلت أعمالهم لأنها
كَانَتْ فِي غَيْر اللَّه- عز وجل- فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ-
53- فى الدنيا قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وذلك حين هزموا يوم أحد
شك أناس «2» من الْمُسْلِمِين فقالوا ما قَالُوا فَسَوْفَ
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فارتد
بعد وفاة رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بنو تميم وبنو حنيفة وبنو أسد وغطفان وأناس من كندة منهم
الْأَشْعَث بن قَيْس فجاء اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بخير من
الَّذِين ارتدوا: بوهب «3» بطن من كندة وبأحمس بجيلة وحضرموت
«وطائفة من حِمْيَر» «4» وهمذان، أبدلهم مكان الكافرين ثُمّ
نعتهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
بالرحمة واللين أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يعني عليهم
بالغلظة والشدة فسدد اللَّه «5» - عَزَّ وَجَلّ- بهم الدّين
يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ العدو يعني فِي طاعة اللَّه
وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ يَقُولُ وَلا يبالون غضب من
غضب عليهم ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني دين الْإِسْلام يُؤْتِيهِ
مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ لذلك الفضل عَلِيمٌ- 54- لمن
يؤتى الإسلام، وفيهم نزلت وَفِي الإبدال: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا
يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا
أَمْثالَكُمْ [103 أ] «6» . وقوله: - سُبْحَانَهُ- إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ
راكِعُونَ- 55- وذلك
أن عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه قالوا للنبي-
__________
(1) فى أ: بجهد، ل: جهد. [.....]
(2) فى ل: ناس، أ: أناس.
(3) فى أ، ل: موهوب.
(4) من ل.
(5) فى أ: فشد، ل: فسدد.
(6) سورة محمد: 38.
(1/485)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد
صلاة الأولى: إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الْإِسْلام
وَلا يكلموننا وَلا يخالطوننا فِي شيء ومنازلنا فيهم وَلا نجد
متحدثا دون هَذَا المسجد. فنزلت هَذِهِ الآية فقرأها
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا:
قَدْ رضينا بِاللَّه ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وَجَعَل الناس
يصلون تطوعا بعد المكتوبة. وذلك فِي صلاة الأولى «1» وخرج
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى باب المسجد
فإذا هُوَ بمسكين قَدْ خرج من المسجد وَهُوَ يَحْمَد اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- فدعاه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلْ أعطاك أحد شيئًا؟ قَالَ: نعم يا
نَبِيّ اللَّه. قَالَ: من أعطاك؟ قَالَ: الرَّجُل القائم
أعطانى خاتمه: يعنى على ابن أَبِي طَالِب- رضوان اللَّه
عَلَيْه- فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: عَلَى أَيّ حال أعطاكه؟ قَالَ: أعطاني وَهُوَ
راكع. فكبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقَالَ: الحمد للَّه الَّذِي خص عليا بهذه الكرامة. فأنزل
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
يعني عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب- رَضِيَ اللَّه عنه- فَإِنَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ- 56- يعني شيعة اللَّه
ورسوله والذين آمنوا هُم الغالبون فبدأ بعلي بن أبي طَالِب-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- قبل الْمُسْلِمِين ثُمّ جعل
الْمُسْلِمِين
__________
(1) لا تطوع قبل الصبح بأكثر من سنته ولا تطوع فى الصبح إلى أن
تطلع الشمس. وقد كان مقاتل شيعى زيدي فيؤخذ كلامه فى مدح على
بتحفظ.
وفى تفسير المنار يذهب الشيخ محمد عبده إلى أن الآية عامة فى
جميع المؤمنين يقصد قوله- تعالى-: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
وَهُمْ راكِعُونَ وقصرها على على يحتاج إلى سند صحيح.
لكن ورد فى أسباب النزول للواحدي: 114، روايات تؤيد ما ذهب
إليه مقاتل وفى سندها ضعف. وأورد السيوطي فى الدر المنثور: 90،
91، روايات صحيحة عن عبد الرزاق وغيره تؤيد أن الآية نزلت في
علي بن أبي طالب- رضي الله عنه.
(1/486)
وأهل الكتاب الْمُؤْمِنِين: فيهم عَبْد
اللَّه بن سلام وغيره هُم الغالبون لليهود، حين قتلوهم وأجلوهم
«من المدينة» «1» إلى الشام: وأذرعات وأريحا، قوله- سبحانه-:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني المنافقين الَّذِين أقروا
باللسان وليس الْإِيمَان فِي قلوبهم لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ
اتَّخَذُوا دِينَكُمْ الْإِسْلام هُزُواً وَلَعِباً يعني
استهزاء وباطلا، وذلك أن المنافقين كانوا يوالون اليهود:
فيتخذونهم أولياء، قال: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني
اليهود مِنْ قَبْلِكُمْ لأنهم أعطوا التوراة قبل أمة محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لا تتخذوهم أولياء
وَلا تتخذوا الْكُفَّارَ أَوْلِياءَ يعني كفار اليهود ومشركي
العرب، ثُمّ حذرهم فَقَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ- 57- يعني إن كنتم مصدقين فلا تتخذوهم أولياء يعني
كفار العرب حين، قَالَ عَبْد اللَّه بن أُبَيٍّ، وعبد اللَّه
بن نتيل وأبو لبابة وَغَيْرُهُمْ من اليهود: لئن أخرجتم لنخرجن
معكم، حين كتبوا إليهم، ثُمّ أخبر عن اليهود فَقَالَ-
سُبْحَانَهُ- وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها
هُزُواً وَلَعِباً يعنى [103 ب] استهزاء وباطلا وذلك أن اليهود
كانوا إذا سمعوا الأذان ورأوا الْمُسْلِمِين قاموا إلى صلاتهم
يقولون قَدْ قاموا لا قاموا، وإذا رأوهم ركعوا قَالُوا لا
ركعوا وإذا رأوهم سجدوا ضحكوا وقالوا لا سجدوا واستهزءوا،
يَقُولُ اللَّه- تعالى-: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا
يَعْقِلُونَ- 58- يَقُولُ لو عقلوا ما قَالُوا هَذِهِ المقالة
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ
آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ- 59-
قَالَ: أتى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو
ياسر، وحيى ابن أخطب، ونافع بن أَبِي نَافِع وعازر بن أَبِي
عازر، وخالد وزيد ابنا عمرو، وأزر بن أبى أزر، وأشبع، فسألوه
عن من يؤمن به من الرسل؟ فقال رسول الله
__________
(1) زيادة من ل.
(1/487)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
«نؤمن بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بين أحد منهم ونحن
له مسلمون» «1»
فَلَمَّا ذكر عِيسَى ابْن مريم جحدوا نبوته- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: لا نؤمن بعيسى وَلا بمن آمن به.
فأنزل اللَّه- عز وجل- هذه الآية: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ
هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ يعني
صدقنا بِاللَّه بأنه واحد لا شريك له «وَ» صدقنا ب «ما
أُنْزِلَ إِلَيْنا» يعني قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- «وَ»
صدقنا ب «ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ» قرآن محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتب التي أنزلها الله- عز وجل- على
الأنبياء عليهم السلام «وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ» يعني
عصاة، قَالَت اليهود للمؤمنين: ما نعلم أحدا من أَهْل هَذِهِ
الأديان أقل حظا فِي الدُّنْيَا والآخرة منكم. فأنزل اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ
يعنى المؤمنين مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ يعني ثوابا من عند
اللَّه، قَالَت اليهود: من هُمْ يا محمد؟ فَقَالَ النَّبِيّ-
صَلَّى الله عليه وسلم-: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وهم اليهود
وَغَضِبَ عَلَيْهِ فَإِن لَمْ يقتل أقر بالخراج وغضب عَلَيْه
وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ القردة فِي شأن
الحيتان «2» والخنازير «3» فِي شأن المائدة.
__________
(1) فى أ: نؤمن بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا
أُنْزِلَ إلى إبراهيم ... إلى قوله ... مسلمون وهو يشير إلى
الآية 136 من سورة البقرة وتمامها قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ
وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما
أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ
رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ. والمثبت من ل.
(2) الحيتان هي: الأسماك التي نهوا عن صيدها يوم السبت
فاصطادوها بالحيلة فقال لهم الله:
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ.
(3) وأما المائدة فقد طلبها عيسى من السماء واشترط عليهم
الإيمان بالله وألا يرفعوا شيئا منها فأكلوا منها ثم كفروا
ورفعوا من المائدة فدعا عليهم عيسى: أن يلعنهم الله كما لعن
أصحاب السبت، فمسخهم الله خنازير.
(1/488)
وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ فيها تقديم وعبد
الطاغوت يعني ومن عَبْد الطاغوت وَهُوَ الشَّيْطَان أُولئِكَ
شَرٌّ مَكاناً فِي الدُّنْيَا يعني شر منزلة وَأَضَلُّ عَنْ
سَواءِ السَّبِيلِ- 60- يعني وأخطأ عن قصد الطريق من
الْمُؤْمِنِين فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية عيرت اليهود فقالوا
لهم: يا إخوان القردة والخنازير. فنكسوا رءوسهم وفضحهم اللَّه-
تَعَالَى- وجاء أَبُو ياسر بن أخطب، وكعب بن الأشرف «1» ،
وعازر بن أَبِي عازر ونافع بن أَبِي نَافِع، ورافع بن ابى
حريملة، هم رؤساء اليهود حَتَّى دخلوا عَلَى رسول اللَّه-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: قَدْ صدقنا بك يا
محمد لأنا نعرفك «2» ونصدقك ونؤمن بك. ثُمّ خرجوا من عنده
بالكفر غَيْر أنهم أظهروا الْإِيمَان فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- فيهم وَإِذا جاؤُكُمْ اليهود قالُوا آمَنَّا يعني
صدقنا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم دخلوا
عَلَيْه وهم يسرون الكفر [104 أ] وخرجوا من عنده بالكفر، فذلك
قوله- سُبْحَانَهُ-: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ
خَرَجُوا بِهِ
يعني بالكفر مقيمين عَلَيْه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا
يَكْتُمُونَ- 61- يعني بما يسرون فِي قلوبهم من الكفر بمحمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نظيرها فِي آل عِمْرَانَ
«3» ثُمّ أخبر عَنْهُمْ فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَتَرى
كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ يعني المعصية
وَالْعُدْوانِ يعني الظلم وَهُوَ الشرك وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
يعني كَعْب بن الأشرف لأنه كان يرشي فِي الْحُكْم ويقضي بالجور
لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 62- ثُمّ عاتب اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- الربانيين والأحبار
__________
(1) فى أ: أشرف.
(2) فى أ: لا نعرفك، ل: نعرفك.
(3) تشير الآيتين 118، 119 فى سورة آل عمران وهما: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا
يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ، ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا
يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا
لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
(1/489)
فَقَالَ: لَوْلا يعني فهلا يَنْهاهُمُ
الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ يعني بالربانيين المتعبدين
والأحبار يعني القراء الفقهاء أصحاب القربان من وَلَدِ
هَارُون- عَلَيْه السَّلام- وكانوا رءوس اليهود عَنْ
قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ يعني الشرك وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ يعني
الرشوة فِي الحكم لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ- 63- حين
لَمْ ينهوهم فعاب من أكل السحت: الرشوة فِي الْحَكَم، وعاب
الربانيين الَّذِين لَمْ ينهوهم عن أكله.
وَقالَتِ الْيَهُودُ يعني ابْن صوريا وفنحاص اليهوديين وعازر
بن أَبِي عازر يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعني ممسكة أمسك
اللَّه يده عنا فلا يبسطها علينا بخير وليس بجواد وذلك أن
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بسط «1» عليهم فِي الرزق فَلَمَّا عصوا
واستحلوا ما حرم عليهم أمسك عَنْهُم الرزق، فقالوا عِنْد
ذَلِكَ يد اللَّه محبوسة عن البسط يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ يعني أمسكت أيديهم عن الخير
وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ بالخير
يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ إن شاء وسع فِي الرزق وإن شاء قتر،
هُمْ خلقه وعبيده فِي قبضته، ثُمّ قال: وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيراً مِنْهُمْ يعني اليهود من بني النضير مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني أمر الرجم والدماء ونعت محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طُغْياناً وَكُفْراً
بالقرآن يعني جحودا به «2» وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ يعني
اليهود والنصارى، شر ألقاه- عَزَّ وَجَلّ- بينهم الْعَداوَةَ
وَالْبَغْضاءَ يعني يبغض بعضهم بعضا ويشتم بعضا إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ فلا يحب اليهودي النَّصْرانُّي وَلا النَّصْرانُّي
اليهودي كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا
اللَّهُ يعني كلما أجمعوا أمرهم عَلَى مكر بمحمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أمر الحرب فرقه اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- وأطفأ نار مكرهم فلا يظفرون بشيء أبدا وَيَسْعَوْنَ
فِي الْأَرْضِ فَساداً يعني يعملون فيها بالمعاصي وَاللَّهُ لا
يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ- 64- يعنى العاملين
__________
(1) فى أ: يبسط. [.....]
(2) فى أ: جحدوا به، ل: جحودا به.
(1/490)
بالمعاصي. وقوله- سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ
أَهْلَ الْكِتابِ) يعني اليهود والنصارى آمَنُوا يعني صدقوا
بتوحيد الله وَاتَّقَوْا الشرك لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ يعني لمحونا عَنْهُمْ ذنوبهم وَلَأَدْخَلْناهُمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 65-[104 ب] وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا
التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ فعملوا بما فيهما من أمر الرجم
والزنا «1» وغيره وَلَم يحرفوه عن مواضعه فِي التوراة التي
أنزلها اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فأما فِي الإنجيل فنعت محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «وأما فِي التوراة فنعت
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» «2» - والرجم
والدماء وغيرها، وَلَم يحرفوها عن مواضعها، وَأقاموا ب ما
أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فِي التوراة والإنجيل من
نعت محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن إيمان
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَم يحرفوا نعته
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ يعنى المطر وَمِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِهِمْ يعني من الأرض: النبات ثُمّ قَالَ- عَزَّ وجل-
مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ يعني عصبة عادلة فِي قولها من
مؤمني أَهْل التوراة والإنجيل، فأمّا أَهْل التوراة فعبد
اللَّه بن سلام وأصحابه وأمّا أَهْل الإنجيل فالذين كانوا
عَلَى دين عِيسَى ابن مريم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهم اثنان وثلاثون رَجُلا، ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يعني من أَهْل الكتاب يعني
كفارهم ساءَ مَا يَعْمَلُونَ- 66- يعنى بئس ما كانوا يعملون.
قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ يعنى محمدا-
صلي اللَّه عَلَيْه وسلم- مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر
الدعاء فجعلوا يستهزئون ويقولون «أتريد يا محمد أن نتخذك
حنانا، كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم حنانا» «3» فَلَمَّا
رَأَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
(1) فى ل: والدماء، وفى أ: والزنا.
(2) ما بين الأقواس « ... » زيادة من ل
(3) فى أ: تريد يا محمد أن نتخذك حنانا، والمثبت من ل.
(1/491)
«ذلك» «1» سكت عَنْهُمْ فحرض اللَّه يعني
فحضض الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وَسَلَّمَ- عَلَى
الدعاء إلى اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وألا يمنعه «2» ذَلِكَ
تكذيبهم إياه واستهزاؤهم فَقَالَ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ «3» وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ
يعني من اليهود فلا تُقتل إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكافِرِينَ- 67- يعني اليهود، فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية
أمن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من القتل
والخوف فَقَالَ: لا أبالي من خذلني ومن نصرني «4» . وذلك أنه
كان خشي أن تغتاله اليهود فتقتله، ثُمّ أخبره ماذا يبلغ؟ فقال-
تعالى-: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ يعنى اليهود والنصارى
لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ من أمر الدّين حَتَّى تُقِيمُوا
التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يَقُولُ حَتَّى تتلوهما حق
تلاوتهما كَمَا أنزلهما الله- عز وجل- وَتقيموا ما أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ «5» من أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا تحرفوه عن مواضعه، فهذا الَّذِي أمر
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أن يبلغ «6» أَهْل الكتاب.
وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ يعني ما فِي القرآن من أمر الرجم والدماء طُغْياناً
وَكُفْراً يعني وجحودا بالقرآن فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
يعنى
__________
(1) ذلك: زيادة من ل.
(2) فى أ: ولا يمتعه، ل: وألا يمنعه.
(3) فى أ: إلى قوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وقد
نقلت الآية حتى يتم نقلها كما هي فى المصحف.
(4) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 92- 93، وبه عدة روايات
أخرى فى أسباب نزول الآية.
كذلك أورد الواحدي فى أسباب النزول: 115، ما أورده مقاتل فى
التفسير، وزاد الواحدي روايات أخرى على ما ذكره مقاتل.
(5) فى أ: «ما أنزله الله إليكم» .
(6) فى أ: يتبع، ل: يبلغ.
(1/492)
فلا تحزن يا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى القوم الْكافِرِينَ- 68- يعني أَهْل الكتاب
إذ كذبوك بما تقول. قوله- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا يعني الَّذِين صدقوا وَالَّذِينَ هادُوا يعني اليهود
وَالصَّابِئُونَ هُمْ قوم من النصارى صبأوا إلى دين نوح
وفارقوا هَذِهِ الفرق الثلاث وزعموا أنهم عَلَى دين نوح-
عَلَيْه السَّلام- وأخطأوا لأن دين نوح- عَلَيْه السَّلام- كان
عَلَى دين الْإِسْلام «1» .
وَالنَّصارى إِنَّمَا سموا نصارى لأنهم ابتدعوا هَذَا الدّين
بقرية تسمى ناصرة، قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-: مَنْ آمَنَ من
هؤلاء بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً وأدى
الفرائض من قبل أن يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلَه الجنة ومن بقي منهم إلى أن يبعث محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا إيمان لَهُ إِلَّا أن يصدق
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمنْ صدق
بِاللَّه- عَزَّ وَجَلّ- أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ وبما جاء
به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالبعث الَّذِي
فِيهِ جزاء الأعمال فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب
__________
(1) الصابئة قوم من أصحاب الديانات القديمة غلب عليهم الحياء
والكتمان وقد تعرفت بعدد منهم فى العراق، ورأيت فيهم حبا
للتأله والتدين، وقد انقرضت هذه الطائفة تدريجيا، وقد اختلف
العلماء والمؤرخون فى حقيقة أمرهم:
ففريق ردهم إلى ديانة بابل وآشور، وهي من أقدم الديانات
الوثنية لأن أساسها عبادة النجوم.
وفريق آخر قال إنهم فرقة من المجوس والنصارى. والحق أنهم ليسوا
من المسيحية فى شيء، لأن المسيحي من آمن بألوهية السيد المسيح
والصابئى لا يؤمن بذلك. وهم قوم يؤلهون الكواكب ويعبدون
النجوم.
قال الإمام فخر الدين الرازي: «الصابئة قوم يقولون إن مدبر هذا
العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة فهم عبدة النجوم» . أما
الزمخشري فقد ذهب فى تفسيره الكشاف إلى أنهم قوم عدلوا عن دين
النصارى واليهود وعبدوا الملائكة.
(1/493)
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 69- من الموت.
قوله- سُبْحَانَهُ-: لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي
إِسْرائِيلَ فِي التوراة عَلَى أن يعملوا بما فيها
وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا يعني وأرسل اللَّه- تَعَالَى-
إليهم رسلا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى
أَنْفُسُهُمْ يعني اليهود فَرِيقاً كَذَّبُوا يعني اليهود
فريقا كذبوا عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ومحمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَرِيقاً
يَقْتُلُونَ- 70- يعني اليهود كذبوا بطائفة من الرسل وقتلوا
طائفة من الرسل يعني زَكَرِيّا ويحيى فِي بني إِسْرَائِيل.
قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني
اليهود حسبوا ألا يكون شرك وَلا يبتلوا وَلا يعاقبوا بتكذيبهم
الرسل وبقتلهم الْأَنْبِيَاء: أن لا يبتلوا بالبلاء والشدة من
قحط المطر فَعَمُوا عن الحق فلم يبصروه وَصَمُّوا عن الحق فلم
يسمعوه ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ تجاوز عَنْهُمْ
فرفع عَنْهُم البلاء فلم يتوبوا بعد رفع البلاء ثُمَّ عَمُوا
وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما
يَعْمَلُونَ- 71- من قتلهم الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم الرسل.
قوله- عَزَّ وَجَلّ-: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ «1» نزلت فى نصارى
نجران المار يعقوبيين منهم السيد والعاقب وغيرهما قَالُوا إن
اللَّه هو المسيح ابن مريم وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي
إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ يعني وحدوا
اللَّه ربي وربكم إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فيقول إن
اللَّه هُوَ المسيح ابْن مريم فيموت عَلَى الشرك فَقَدْ
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما
لِلظَّالِمِينَ يعني وما للمشركين مِنْ أَنْصارٍ- 72- يعني من
مانع يمنعهم من النار لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ
اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ يعنى الملكانيين قالوا: الله
__________
(1) فى أ، ل: هو الله المسيح ابن مريم.
(1/494)
والمسيح ومريم «1» يَقُولُ اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- تكذيبا لقولهم وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ
وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ من الشرك
لَيَمَسَّنَّ يعني ليصيبن الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ- 73- يعني وجيع والقتل بالسيف والجزية عَلَى من بقي
منهم عقوبة، ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ- يعيبهم: أَفَلا
يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ يعني أفهلا يتوبون إلى اللَّه
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ من الشرك فَإِن فعلوا «غفر لهم» «2»
وَاللَّهُ غَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ- 74- بهم. ثُمّ أخبر عن
عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فقال- سبحانه-[105 ب] :
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ يعني مؤمنة
كقوله- سُبْحَانَهُ-: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا «3»
يعني مؤمنا نبيا. وذلك حين قَالَ لها جبريل- عليه السلام-
إِنَّما أَنَا
«4» سُولُ رَبِّكِ «5» وَفِي بطنك المسيح فآمنت بجبريل-
عَلَيْه السَّلام- وصدقت بالمسيح ابْن مريم- عَلَيْه السَّلام-
ثُمّ سميت الصديقة وهي يومئذ فِي محراب بيت المقدس كانا
يَأْكُلانِ الطَّعامَ فلو كانا إلهين ما أكلا الطعام انْظُرْ
يا محمد كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ يعني العلامات فِي
أمر عِيسَى ومريم أنهم كانا يأكلان الطعام والآلهة لا تأكل
الطعام «6» ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ- 75- يعني من
أَيْنَ يكذبون فأعلمهم أني واحد قُلْ لنصارى نجران
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني عِيسَى مَا لا يَمْلِكُ
لَكُمْ ضَرًّا فِي الدُّنْيَا وَلا نَفْعاً فِي الآخرة
وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لقولهم إن اللَّه هُوَ المسيح ابن
مريم
__________
(1) فى ل: الله المسيح ومريم، أ: الله والمسيح ومريم.
(2) زيادة اقتضاها السياق. [.....]
(3) سورة مريم: 56.
(4) فى أ: إنى أنا.
(5) سورة مريم: 19.
(6) فى أ: وألا يأكل الطعام. وفى حاشية أ: والإله لا يأكل
الطعام.. محمد. وفى ل:
والآلهة لا تأكل الطعام.
(1/495)
وثالث ثلاثة الْعَلِيمُ- 76- بمقالتهم.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ يعني نصارى نجران لا تَغْلُوا فِي
دِينِكُمْ عن دين الْإِسْلام فتقولوا غَيْرَ الْحَقِّ فِي
عِيسَى ابن مريم وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ
ضَلُّوا عن الهدى مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا عن الهدى كَثِيراً
من الناس وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ- 77- يعني وأخطأوا
عن قصد سبل الهدى نزلت فى برصيصا. لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
اليهود مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ يعني من سِبْط بني إِسْرَائِيل
عَلى لِسانِ داوُدَ ابن أنيشا «1» وذلك أنهم صادوا الحيتان يوم
السبت، وكانوا قَدْ نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت، قَالَ
دَاوُد: اللَّهُمَّ إن عبادك قَدْ خالفوا أمرك وتركوا أمرك
فاجعلهم آية ومثلا لخلقك. فمسخهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قردة،
فهذه لعنة داود- عليه السلام- وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وأما
لعنة عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنهم أكلوا
المائدة ثُمّ كفروا ورفعوا من المائدة، فَقَالَ عِيسَى:
اللَّهُمَّ إنك وعدتني أن من كفر منهم بعد ما يأكل من المائدة
أن تعذبه عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين، اللَّهُمَّ العنهم
كَمَا لعنت أصحاب السبت.
فكانوا خمسة آلاف فمسخهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- خنازير لَيْسَ
فيهم امرأة ولا صبي ذلِكَ بِما عَصَوْا فِي ترك أمره وَكانُوا
يَعْتَدُونَ- 78- فِي دينهم كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ
مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ- 79- حين
لَمْ ينهوهم عن المنكر ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-: تَرى
كَثِيراً مِنْهُمْ «يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «2»
يعني من قريش «3» لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ
لأنهم ليسوا بأصحاب كتاب أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي
الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ- 80- وَلَوْ كانُوا يعنى
__________
(1) فى ل: أنسا، فى أ: غير معجمة النون والباء وعلى الشين ثلاث
نقط.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(3) المراد أن اليهود يتولون كفار قريش.
(1/496)
والمقداد بن الأسود، وأَبُو ذر الغفاري،
وسلمان الفارسي، وحذيفة ابن اليمان، وسالم مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفة ورجل آخر «1» اجتمعوا فِي بيت عُثْمَان بن مَظْعُون-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ- ثُمّ قَالُوا: تعالوا حَتَّى نحرم
عَلَى أنفسنا الطعام واللباس والنساء، وأن يقطع بعضهم مذاكيره
ويلبس المسرح ويبنوا الصوامع فيترهبوا فيها فتفرقوا وهذا
رأيهم.
فجاء جبريل- عَلَيْه السَّلام- فأخبر النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِك فأتى منزل عُثْمَان بن
مَظْعُون- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فلم يجدهم فَقَالَ النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لامرأة عُثْمَان: أحق ما
بلغني عن عُثْمَان وأصحابه؟ قَالَتْ: وما هُوَ يا رَسُول
اللَّهِ؟ فأخبرها النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الَّذِي بلغه، فكرهت أن تكذب النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ تفشي سر زوجها. فقالت: يا
رَسُول اللَّهِ، إن كان عُثْمَان أخبرك بشيء فقد صدقك أَوْ
أخبرك اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بشيء فهو كَمَا أخبرك ربك-
تَعَالَى ذكره. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قولي لزوجك إذا جاء: إنَّه لَيْسَ مني من لَمْ
يستن بسنتي ويهتد بهدينا ويأكل من ذبائحنا فَإِن من سنتنا:
اللباس والطعام والنساء، فأعلمي زوجك، وقولي لَهُ: من رغب عن
سنتي فَلَيْس مني، فَلَمَّا رجع عُثْمَان وأصحابه أخبرته
امرأته بقول النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَمَا أعجبه فذروا الَّذِي ذكره النَّبِيّ- صلى الله عليه
وسلم- فأنزل الله- عز وجل-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا فتحرموا حلاله إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ- 87- من يحرم حلاله ويعتدى
__________
(1) ورد فى أسباب النزول للواحدي: 117، هذه القصة وذكر العشرة
وهم: أبو بكر الصديق وعلى بن أبى طالب، وعبد الله بن مسعود،
وعبد الله بن عمر، وأبو ذر الغفاري، وسالم مولى أبى حذيفة،
والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مضر.
كما وردت هذه القصة فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.
(1/499)
فِي أمره- عَزَّ وَجَلّ- وَكُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً اللباس والنساء والطعام
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تحرموا ما أحل اللَّه لَكُمْ واتقوا
اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ- 88- يقول الذي أنتم
به مصدقون. قوله- سُبْحَانَهُ-:
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَهُوَ
الرَّجُل يحلف عَلَى أمر وَهُوَ يرى أَنَّهُ فِيهِ صادق وَهُوَ
كاذب فلا إثم عَلَيْه وَلا كفارة وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما
عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ يَقُولُ بما عقد عَلَيْه قلبك فتحلف
وتعلم أنك كاذب فَكَفَّارَتُهُ يعنى فكفارة هَذَا اليمين
الَّذِي عقد عَلَيْهَا قلبه وَهُوَ كاذب إِطْعامُ عَشَرَةِ
مَساكِينَ لكل مسكين نصف صاع حنطة مِنْ أَوْسَطِ ما
تُطْعِمُونَ يعني من أعدل ما تطعمون أَهْلِيكُمْ من الشبع
نظيرها فِي البقرة جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «1» يعني عدلا
قَالَ- سُبْحَانَهُ- فِي ن: قالَ أَوْسَطُهُمْ «2» يعني أعدلهم
يَقُولُ لَيْسَ بأدنى ما تأكلون وَلا بأفضله، «3» ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: أَوْ كِسْوَتُهُمْ [107 أ] يعنى كسوة عشرة
مساكين لكل مسكين عبادة أو ثوب أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ما
«سواء أكان المحرر» «4» يهوديا أَوْ نصرانيا أَوْ مجوسيا أَوْ
صابئيا فهو جائز وَهُوَ بالخيار فِي الرقبة أَو الطعام أَو
الكسوة فَمَنْ لَمْ يَجِدْ من هَذِهِ الخصال الثلاث شيئًا
فَصِيامُ «5» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وهي فِي قراءة ابْن مَسْعُود
متتابعات ذلِكَ الَّذِي ذكر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- كَفَّارَةُ
أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ فلا
تتعمدوا اليمين الكاذبة كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 89- ربكم فِي هَذِهِ النعم
إذ جعل لَكُمْ مخرجا فِي أيمانكم فيما ذكر فِي الكفارة قوله-
سبحانه-:
__________
(1) سورة البقرة: 143.
(2) سورة القلم: 28.
(3) أى من وسط ما تأكلون.
(4) زيادة اقتضاها الكلام.
(5) فى أ: فليصم، وفى حاشية أ: التلاوة فصيام.
(1/500)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ نزلت فِي سعد بن أَبِي وَقَّاص-
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وَفِي رَجُل من الأنصار يُقَالُ لَهُ
عتبان بن مَالِك الأنصاري، وذلك أن الْأَنْصَارِيّ صنع طعاما
وشوى رأس بعير ودعا سعد بن أبي وَقَّاص إلى الطعام وهذا قبل
التحريم فأكلوا وشربوا حَتَّى انتشوا وقالوا الشعر، فقام
الْأَنْصَارِيّ إلى سعد فأخذ إحدى لحيي البعير فضرب به وجهه
فشجه فانطلق سعد مستعديا إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنزل تحريم الخمر، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ «1» يعني به القمار كله وَالْأَنْصابُ يعني
الحجارة التي كانوا ينصبونها ويذبحون لها وَالْأَزْلامُ يعني
القدحين الَّذِين كانوا يعملون بهما رِجْسٌ يعني إثم مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ يعني من تزيين الشَّيْطَان
ومثله فِي القصص قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «2»
فَاجْتَنِبُوهُ فهذا النهي للتحريم «3» ، كَمَا قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «4»
فَإنَّهُ حرام:
كذلك فاجتنبوا الخمر فَإِنَّهَا حرام لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ-
90- يعني لكي إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ يعني أن يغري بينكم العداوة
وَالْبَغْضاءَ الَّذِي كان بين سعد وَبَيْنَ الْأَنْصَارِيّ
حَتَّى كسر أنف سعد فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ورث ذَلِكَ
العداوة والبغضاء وَيريد الشَّيْطَان أن يَصُدَّكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ يَقُولُ إذا سكرتم لَمْ تذكروا اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- وَعَنِ الصَّلاةِ يَقُولُ إذا سكرتم لَمْ تصلوا فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ- 91- فهذا وعيد بعد النهي والتحريم
قَالُوا انتهينا يا ربنا.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: «يا أيها
الذين آمنوا إن الله حرم عليكم
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 118، وساق رواية أخرى
طويلة فى سبب نزول الآية، وأورد السيوطي فى لباب النقول: 96
عدة روايات فى أسباب نزول هذه الآية وما بعدها. [.....]
(2) سورة القصص: 15.
(3) فى أ: والتحريم.
(4) سورة الحج: 30.
(1/501)
الخمر فَمنْ كان عنده منها شيء فلا يشربها
وَلا يبيعها وَلا يسقيها غيره» .
قَالَ «1» : وقَالَ أَنَس بن مَالِك لَقَدْ نزل تحريم الخمر
وما بالمدينة يومئذ خمر إِنَّمَا كانوا يشربون الفصيح «2» .
وأما الميسر فهو القمار وذلك أن الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة
كان يَقُولُ أَيْنَ أصحاب الجزور فيقوم نفر فيشترون بينهم
جزورا فيجعلون لكل رَجُل منهم سهم ثُمّ يقرعون فمن خرج سهمه
[107 ب] برىء من الثمن وَلَهُ نصيب فِي اللحم حَتَّى يبقى
آخرهم فيكون عَلَيْه الثمن كله وليس لَهُ نصيب فِي اللحم وتقسم
الجزور بين البقية بالسوية. وأمّا الأزلام فهي القداح التي
كانوا يقتسمون الأمور بها:
قد حين مكتوب عَلَى أحدهما: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي
فإذا أرادوا أمرا أتوا بيت الأصنام فغطوا عَلَيْه ثوبا ثُمّ
ضربوا بالقداح فَإِن خرج أمرني ربي مضى عَلَى وجهه الَّذِي
يريد، وإن خرج نهاني ربي لَمْ يَخْرُج فِي سفره، وكذلك كانوا
يفعلون إذا شكوا فِي نسبة رَجُل، وأمّا الأنصاب فهي الحجارة
التي كانوا ينصبونها حول الكعبة وكانوا يذبحون لها، ثُمّ
قَالَ- عَزَّ وَجَلّ-:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فِي تحريم الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام إلى آخر الآية وَاحْذَرُوا معاصيهما
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني أعرضتم عن طاعتهما فَاعْلَمُوا
أَنَّما عَلى رَسُولِنَا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 92- فِي تحريم ذَلِكَ.
فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الآية فِي تحريم الخمر قَالَ حيي بن أخطب
وأَبُو ياسر وكعب بن الأشرف للمسلمين: فَمَا حال من مات منكم
وهم يشربون الخمر؟ فذكروا «3» ذَلِكَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: إن إخواننا ماتوا وقتلوا وَقَدْ
كانوا
__________
(1) أى قال مقاتل.
(2) فى أ: الفضيخ.
(3) فى أ: فذكر.
(1/502)
يشربونها فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
جُناحٌ يعني حرج فِيما طَعِمُوا يعني شربوا من الخمر قبل
التحريم «1» إِذا مَا اتَّقَوْا المعاصي وَآمَنُوا بالتوحيد
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «يعني أقاموا الفرائض» «2» قبل
التحريم ثُمَّ اتَّقَوْا المعاصي وَآمَنُوا بما يجيء من الناسخ
والمنسوخ «ثُمَّ اتَّقَوْا» المعاصي بعد تحريمها «وَآمَنُوا»
يعني وصدقوا ثُمَّ اتَّقَوْا الشرك وَأَحْسَنُوا العمل بعد
تحريمها فَمنْ فعل ذَلِكَ فهو محسن وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ- 93-
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للذي
سأله: قيل لي إنك من المحسنين.
وقوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ يعني ببعض
الصيد فخص صيد البر خاصة ولم يعم الصيد كله لأن للبحر صيدا «3»
تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ يَقُولُ تأخذون صغار الصيد بأيديكم أخذا
بغير سلاح ثُمّ قَالَ- سُبْحَانَهُ-: وَرِماحُكُمْ يعني
وسلاحكم النبل والرماح بها يصيبون كبار الصيد وَهُوَ عام حبس
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مكة عام
الحديبية وأقام بالتنعيم فصالحهم عَلَى أن يرجع عامه ذَلِكَ
وَلا يدخل مكة فإذا كان العام المقبل أخلوا لَهُ مكة فدخلها
فِي أصحابه- رَضِيَ اللَّه عَنْهم- وأقام بها ثلاثا «4» ورضي
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِك فنحر
البدن مائة بدنة فجاءت السباع والطير تأكل منها فنهى اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- عن قَتْل الصيد فِي الحرم لِيَعْلَمَ اللَّهُ
لكي يرى اللَّه مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ [108 أ] يقول من
يخاف الله-
__________
(1) فى أ: زيادة: إذا ماتوا، ثم وضع فوقها خطا.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: لأن التحريم صيدا، ل: لأن للبحر صيدا.
(4) فى أ: ثلثا.
(1/503)
عَزَّ وَجَلّ- وَلَم يره فلم يتناول الصيد
وهو محرم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ يَقُولُ فَمنْ أخذ الصيد
عمدا بعد النهي، فقتل الصيد وَهُوَ محرم فَلَهُ عَذابٌ
أَلِيمٌ- 94- يعني ضربا وجيعا ويسلب ثيابه ويغرم الجزاء، وحكم
ذَلِكَ إلى الْإِمَام، فهذا العذاب الأليم قوله- سبحانه-: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وذلك أن أبا بشر واسمه: عمرو بن مَالِك
الْأَنْصَارِيّ كان محرما فِي عام الحديبية بعمرة فقتل حمار
وحش فنزلت فِيهِ لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً لقتله ناسيا لإحرامه»
فَجَزاءٌ يعني جزاء الصيد مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
يعني من الأزواج الثمانية إن كان قَتَل عمدا أَوْ خطأ أَوْ
أشار إلى الصيد فأصيب فعليه الجزاء يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ
مِنْكُمْ يعنى يحكم بالكفارة رجلان من الْمُسْلِمِين عدلين
فقيهين يحكمان فِي قاتل الصيد جزاء مثل ما قَتَل من النعم إن
قَتَل حمار وحش أَوْ نعامة ففيها بعيرا بنحره بمكة: يطعم
المساكين وَلا يأكل هُوَ وَلا أحد من أصحابه وإن كان من ذوات
القرون: الأيل «2» والوعل ونحوهما فجزاؤه أن يذبح بقرة
__________
(1) جاء فى حاشية أما يأتى:
قال الهذيل: حدثني من سمع عطاء يقول: العمد والخطأ فيه سواء ثم
قال- عز وجل-:
«ومن قتله منكم متعمدا» أهـ.
أقول: فيكون قوله- سبحانه-: «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ
مُتَعَمِّداً» حكاية للواة؟؟؟ الذي حصل من عمرو ابن مالك. لا
تخصيصا له.
كما فى قوله- سبحانه- وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى
الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً فالإكراه على البغاء محرم
سواء أرادت الأمة إحصان نفسها وحفظ فرجها أو لم ترد.
فالآية كانت تحكى واقعا عند العرب وهو أن يكره السيد أمته على
البغاء طمعا فى كسبها، بينما الأمة راغبة فى العفة والبعد عن
الخبيث كما أن هذا أبلغ فى التنفير من الإكراه على البغاء.
(2) فى أ: الإبل.
(1/504)
للمساكين وفى الطير ونحوها جزاؤه أن يذبح
شاة مسنة «1» وَفِي الحمام شاة وَفِي بيض الحمام إذا كان فِيهِ
فرخ دِرْهَم وإن لَمْ يَكُنْ فِيهِ فرخ فنصف دِرْهَم وَفِي
وَلَد الحمار الوحش وَلَد بعير مثله، وَفِي وَلَد النعامة
وَلَد بعير مثله، وَفِي وَلَد الأيل والوعل ونحو وَلَد بقرة
مثله وفى فرخ الحمام ونحوه وَلَد شاة مثله وَفِي وَلَد الظبي
«وَلَد» «2» شاة مثله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ يعني ينحر
بمكة كقوله- سُبْحَانَهُ- فِي الحج «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى
الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» «3» تذبح بأرض الحرم فتطعم مساكين مكة
أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ لكل مسكين نصف صاع حنطة أَوْ
عَدْلُ ذلِكَ صِياماً يَقُولُ إن لَمْ يقدر عَلَى الهدي وَلا
عَلَى ثمنه «وَلا عَلَى إطعام المساكين» «4» فليصم مكان كُلّ
مسكين يومًا ينظر ثمن الهدي فيجعله دراهم. ثم ينظركم يبلغ
الطعام بتلك الدراهم بسعر مكة فيصوم مكان كُلّ مسكين يومًا
وبكل مسكين نصف صاع حنطة «5» . لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ
__________
(1) المسنة «من البقر» هي التي أكملت سنة ودخلت فى الثانية
وقالت المالكية: المسنة ما أوفت ثلاث سنين ودخلت فى الرابعة.
الفقه على المذاهب الخمسة: 216. ط 2- بيروت.
وفى الاختيار للحنفية المسنة من البقر هي التي طعنت فوق
الثالثة: 1/ 107، ويجزئ فى الأضحية الثنى من الكل وهو من الغنم
ما له سنة ومن البقر ما له سنتان ومن الإبل خمس سنين: 5/ 18،
(فالشاة المسنة هي التي طعنت فى الثانية) .
(2) ولد: ساقط من أ، ومثبت فى ل. [.....]
(3) سورة الحج: 33.
(4) فى أ: أن يطعم المساكين، فى ل: أو يطعم المساكين.
(5) يمكن تقريب المسألة على هذا النحو.
الشاة ثمنها: 300 قرشا (فرضا أو 3000 فلسا) .
ثمن كيلوا الأرز: 10 قروش أو 100 فلس) .
(الصاع 3 كيلو) ثمن الصاع من الأرز: 30 قرشا.
ثمن نصف الصاع: 15 قرشا.
عدد أنصاف الأصوع المشتراة بثمن الشاة هو:
300 قرش 15 20 نصف صاع.
عدل ثمن الشاة صباها؟؟؟ هو 20 يوما.
(1/505)
يعني جزاء ذنبه يعني الكفارة عقوبة لَهُ
بقتله «الصيد» «1» عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ يَقُولُ عفا
اللَّه عما كان منه قبل التحريم يَقُولُ تجاوز اللَّه عما صنع
فِي قتله الصيد متعمدا قبل نزول هَذِهِ الآية وَمَنْ عادَ بعد
النهي إلى قتل الصيد فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ بالضرب
والفدية وينزع ثيابه وَاللَّهُ عَزِيزٌ يعني منيع فِي ملكه ذُو
انْتِقامٍ- 95- من أَهْل معصيته فيمن قَتَل الصيد.
نزلت هَذِهِ الآية «قبل الآية» «2» الأولى: فَمَنِ اعْتَدى
بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ «3» [108 ب] ثُمّ قَالَ-
عَزَّ وَجَلّ-: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ يعني السمك
الطري وشيء يفرخ فِي الماء لا يفرخ فِي غيره فهو للمحرم حلال،
ثُمّ قَالَ: وَطَعامُهُ يعني مليح «4» السمك مَتاعاً لَكُمْ
يعني منافع لَكُمْ يعني للمقيم وَلِلسَّيَّارَةِ يعني للمسافر
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً
يعني ما دمتم محرمين وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تستحلوا الصيد
فِي الإحرام ثُمّ حذرهم قَتْل الصيد، فقال- سبحانه-: الَّذِي
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ «5» - 96- فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
قوله- سبحانه-:
__________
(1) ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2) زيادة من ل.
(3) أى أن الآية: 95 من سورة المائدة نزلت قبل الآية 94 من
سورة المائدة والآية (94) (الأولى) هي التي ذكر فيها «فَمَنِ
اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ» .
وبرغم أن (95) نزلت قبل (94) إلا أنها فى ترتيب المصحف كتبت
(94) أولا وبعدها (95) .
وما أكثر الآيات التي تقدمت نزولا وتأخرت ترتيبا فترتيب المصحف
توقيفى تلقاه النبي (ص) عن جبريل عن رب العزة.
وكانت إذا نزلت آية جديدة يقول النبي (ص) اكتبوها فى سورة كذا
فى مكان كذا.
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.
(4) فى ل: ملح، أ: قليح.
(5) فى حاشية أ، فى الأصل واعلموا أنكم إليه تحشرون.
(1/506)
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ أنها سميت الكعبة لأنها منفردة من البنيان وكل منفرد
من البنيان فهو فِي كَلام العرب الكعبة. قَالَ أَبُو محمد:
قَالَ ثعلب: العرب تسمى كُلّ بيت مربع الكعبة قِياماً
لِلنَّاسِ يعني أرض الحرم أمنا لهم وحياة لهم فِي
الْجَاهِلِيَّة.
قَالَ: كان أحدهم إذا أصاب ذنبا أَوْ أحدث حدثا يخاف عَلَى
نفسه دخل الحرم فأمن فِيهِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ قال: كان
الرجل إذا أراد سفرا نظر فِي أمره فَإِن كان السَّفَر الَّذِي
يريده يعلم أنه يذهب ويرجع قبل أن يمضي الشهر الحرام توجه
آمنا، وَلَم يقلد نفسه وَلا راحلته، وإن كان يعلم أنه لا يقدر
عَلَى الرجوع حَتَّى يمضي الشهر الحرام قلد نفسه وبعيره من لحا
شجر الحرم فيأمن به حيث ما توجه من البلاد، فَمنْ ثُمّ قَالَ-
سُبْحَانَهُ-: وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ كُلّ ذَلِكَ كان
قواما لهم وأمنا في الجاهلية نظيرها فى أول السورة. ذلِكَ
يَقُولُ هَذَا لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قبل أن يكونا ويعلم أَنَّهُ
سيكون من أمركم الَّذِي كان وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ من
أعمال العباد عَلِيمٌ- 97- ثُمّ خوفهم ألا يستحلوا الغارة فِي
حُجّاج اليمامة يعني شريحا وأصحابه فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ إذا عاقب وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ- 98- لمن أطاعه بعد النهي ثُمّ قَالَ- عَزَّ وجل-: ما
عَلَى الرَّسُولِ محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَّا الْبَلاغُ فِي أمر حُجّاج اليمامة شُرَيْح بن ضبيعة
وأصحابه وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعني ما تعلنون
بألسنتكم وَما تَكْتُمُونَ- 99- من أمر حجاج اليمامة والغارة
عليهم قُلْ لهم يا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- لا
يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ يعني بالخبيث الحرام والطيب
الحلال نزلت فِي حُجّاج اليمامة حين أراد المؤمنون الغارة
عليهم وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني الحرام،
ثُمّ حذرهم فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا
تستحلوا منهم محرما يَا أُولِي الْأَلْبابِ يعنى يا أهل اللب
والعقل لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(1/507)
- 100- قوله- سبحانه-: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [109 أ] نزلت فِي عَبْد اللَّه بن جحش بن
رباب الأسدى من بنى غنم ابن دودان وَفِي عَبْد اللَّه بن حذافة
الْقُرَشِيّ ثُمّ السهمي وذلك
أن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- قال: يا أيها الناس
إن اللَّه كتب عليكم الحج «1» . فَقَالَ عَبْد اللَّه بن جحش:
أفي كُلّ عام فسكت عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمّ أعاد قوله، فسكت النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمّ عاد، فغضب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ونخسه بقضيب كان معه، ثُمّ قَالَ: ويحك، لو قُلْتُ
نعم لوجبت فاتركوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بأمر فافعلوه وإذا
نهيتكم عن أمر فانتهوا عَنْهُ.
وقَالَ رَسُول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيها
الناس، إنَّه قَدْ رفعت لي الدُّنْيَا فأنا أنظر إلى ما يَكُون
فِي أمتي من الأحداث إلى يوم الْقِيَامَة، ورفعت لي أنساب
العرب فأنا أعرف أنسابهم رجلا رجلا. فقام رجل، فقال: يا رسول
الله: أَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: أَنْت فِي الجنة. ثُمّ قام آخر
فَقَالَ: أَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الجنة، ثم قام الثالث
فَقَالَ: أَيْنَ أَنَا؟ فَقَالَ: أَنْت فِي النار. فرجع
الرَّجُل حزينا، وقام عَبْد اللَّه بن حذافة وكان يُطعن فِيهِ
فَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ من أَبِي؟ قَالَ: أبوك حُذَافة.
وقام رَجُل من بني عَبْد الدار، فَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ من
أبي؟ قال: أبوك سعد، نسبه إلى غير أبيه، فقام عمر بن الخطاب
فقال: يا رسول الله استر علينا يستر اللَّه عليك إنا قوم قريبو
عهد بالشرك. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خيرا. فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لا
تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
يعني إن تبين لَكُمْ فلعلكم «2» إن تسألوا عما لَمْ ينزل به
قرآنا فينزل به قرآنا
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 96- 97. كما ورد فى
أسباب النزول للواحدي: 121 برواية عبد الله بن أحمد بن حنبل عن
أبيه ... إلى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- برفعه.
(2) فى أ: فعلكم.
(1/508)
مغلظا لا تطيقوه، قوله- سبحانه-: وَإِنْ
تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ يعني عن الأشياء
حين ينزل بها قرآنا تُبْدَ لَكُمْ تبين لَكُمْ عَفَا اللَّهُ
عَنْها يَقُولُ عفا اللَّه عن تِلْكَ الأشياء حين لم يوجبها
عليكم وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ- 101- يعني ذو تجاوز حين لا
يعجل بالعقوبة، ثُمّ قَالَ- عَزَّ وَجَلّ- قَدْ سَأَلَها
قَوْمٌ يَقُولُ قَدْ سَأَلَ عن تِلْكَ الأشياء مِنْ
قَبْلِكُمْ، يعني من بني إِسْرَائِيل فبينت لهم ثُمَّ
أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ- 102- وذلك أن بني إِسْرَائِيل
سألوا المائدة قبل أن تنزل فَلَمَّا نزلت كفروا بها. فقالوا:
ليست المائدة من اللَّه. وكانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا
أخبروهم بها تركوا قولهم وَلَم يصدقوهم فأصبحوا بتلك الأشياء
كافرين.
قوله- سبحانه-: ما جَعَلَ اللَّهُ حراما مِنْ بَحِيرَةٍ لقولهم
إن اللَّه أمرنا بها نزلت فِي مشركي العرب منهم قريش، وكنانة،
عامر بن صَعْصَعَة، وبنو مدلج والحارث وعامر ابني عَبْد مناة،
وخزاعة وثقيف، أمرهم بِذَلِك فِي الجاهلية عمرو بن ربيعة بن
لحى [109 ب] بن قمعة بن خندف «1» الخُزَاعيّ،
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
رَأَيْت عمرو بن رَبِيعَة الخُزَاعيّ رَجُلا قصيرا أشقر لَهُ
وفرة يجر قصبه فِي النار يعني أمعاءه، وَهُوَ أول من سيب
السائبة، واتخذ الوصيلة، وحمى الحامي، ونصب الأوثان حول
الكعبة، وغير دين الحنيفية فأشبه الناس به أكثم بن لجون
الخُزَاعيّ فَقَالَ أكثم: أيضرني شبهه يا رَسُول اللَّهِ؟
قَالَ: لا، أَنْت مؤمن وَهُوَ كافر. والبحيرة الناقة إذا ولدت
خمسة أبطن فإذا كان الخامس سقيا وَهُوَ الذكر ذبحوه للآلهة
فكان لحمه للرجال دون النّساء، وإن كان الخامس ربعة يعني أنثى
شقوا أذنيها. فهي البحيرة، وكذلك من البقر لا يجز لها وبر وَلا
يذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا إن ركبت أَوْ حمل عَلَيْهَا ولبنها
للرجال
__________
(1) فى أ: خندف، ل: جندف.
(1/509)
دون النّساء «1» .
وأما السائبة فهي الأنثى من الأنعام كلها كان الرَّجُل يسيب
للآلهة ما شاء من إبله وبقره وغنمه، «وَلا يسيب إِلَّا الأنثى»
«2» وظهورها «3» وأولادها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها
للآلهة ومنافعها للرجال دون النّساء، وأمّا الوصيلة فهي الشاة
من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع فَإِن كان جديا
ذبحوه للآلهة وكان لحمه للرجال دون النّساء، وإن كَانَتْ عتاقا
استحيوها فكانت من عرض الغنم.
قَالَ عَبْد اللَّه بن ثَابِت: قَالَ أَبِي: قَالَ أَبُو
صَالِح: قَالَ مُقَاتِل: وإن وضعته ميتا أشرك فِي أكله الرجال
والنساء، فذلك قوله- عَزَّ وَجَلّ-: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً
فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ «4» بأن ولدت البطن السابع جديا وعتاقا،
قَالُوا: إن الأخت قَدْ وصلت أخاها فحرمته علينا فحرما جميعًا
فكانت المنفعة للرجال دون النّساء، وأما الحام فهو الفحل من
الإبل إذا ركب أولاد أولاده فبلغ ذَلِكَ عشرة أَوْ أقل من
ذَلِكَ. قَالُوا: قَدْ حمى هَذَا ظهره فأحرز نفسه فيهل للآلهة
وَلا يحمل عَلَيْه وَلا يركب وَلا يمنع من مرعى وَلا ماء وَلا
حمى وَلا ينحر أبدا حَتَّى يموت موتا. فأنزل اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ-: «ما جَعَلَ اللَّهُ» حراما «مِنْ بَحِيرَةٍ» وَلا
سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا من قريش وخزاعة من مشركي العرب يَفْتَرُونَ عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ لقولهم إن اللَّه أمرنا بتحريمه حين قَالُوا
فى الأعراف «وَاللَّهُ أَمَرَنا «5» بِها» يعني بتحريمها، ثُمّ
قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ- 103- أن اللَّه- عَزَّ
وَجَلّ- لَمْ يحرمه. قوله- سبحانه- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعنى
مشركي
__________
(1) هكذا فى أ، ل.
(2) فى أ: ولا يسيب الأنثى.
(3) أى السائبة. [.....]
(4) سورة الأنعام: 139.
(5) سورة الأعراف: 28.
(1/510)
العرب تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ
فِي كتابه من تحليل ما حرم «1» من البحيرة والسائبة والوصيلة
والحام وَإِلَى الرَّسُولِ محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من
أمر الدّين فإنا أمرنا أن نعبد ما عبدوا يقول الله [110 أ] عز
وجل: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ يعني فَإِن كان آباؤهم لا
يَعْلَمُونَ شَيْئاً من الدين وَلا يَهْتَدُونَ- 104- له،
أفتتبعونهم؟ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يقبل
الجزية إِلَّا من أَهْل الكتاب فَلَمَّا أسلم العرب طوعا وكرها
قبل الجزية من مجوس هجر فطعن المنافقون فِي ذلك فنزلت يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ «2»
يَقُولُ أقبلوا عَلَى أنفسكم فانظروا ما ينفعكم فِي أمر آخرتكم
فاعملوا به لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ من أَهْل هجر نزلت فِي
رَجُل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلّ- مَرْجِعُكُمْ فِي
الآخرة جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ-
105- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ نزلت فِي بديل بن أَبِي مارية
مَوْلَى العاص بن وائل السهمي كان خرج مسافرا فِي البحر إلى
أرض النجاشي ومعه رجلان نصرانيان أَحَدهمَا يسمى تميم بن أَوْس
الداري وكان من لخم، وعدي بن بندا «3» ، فمات بديل وَهُمْ فِي
البحر فرمى به فِي البحر، قَالَ: حِينَ الْوَصِيَّةِ وذلك
أَنَّهُ كتب وصيته ثُمّ جعلها فِي متاعه ثُمّ دفعه إلى تميم
وصاحبه وقَالَ لهما: أبلغا هَذَا المتاع إلى أهلي فجاءا ببعض
المتاع وحبسا جاما من فضة مموها بالذهب فنزلت يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ
__________
(1) هكذا فى أ، ل. والمراد وما حرم باطلا وافتراء.
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 121.
(3) فى ل: زيد، أ: بندا.
(1/511)
يَقُولُ عِنْد الوصية يشهدون وصيته اثْنانِ
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ من الْمُسْلِمِين فِي دينهما أَوْ
آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يعني من غَيْر أَهْل دينكم:
النصرانيين تميم الداري وعدي بن بندا إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ يا مَعْشَر الْمُسْلِمِين للتجارة
فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يعنى بديل ابن أَبِي مارية
حين انطلق تاجرا فِي البحر وانطلق معه تميم وعدي صاحباه، فحضره
الموت فكتب وصيته ثُمّ جعلها فِي المتاع فَقَالَ: أبلغا هَذَا
المتاع إلى أهلي فَلَمَّا مات بديل قبضا المتاع، فأخذا منه ما
أعجبهما، وكان فيما أخذا إناء من فضة فِيهِ ثلاثمائة مثقال
منقوش مموه بالذهب فَلَمَّا رجعا من تجارتهما دفعا بَقِيَّة
المال إلى ورثته ففقدوا بعض متاعه فنظروا إلى الوصية فوجدوا
المال فِيهِ تاما لَمْ يبع منه وَلَم يهب فكلموا تميما وصاحبه
فسألوهما: هَلْ باع صاحبنا شيئًا أَوْ اشترى شيئًا فخسر فِيهِ
أَوْ طال مرضه فأنفق عَلَى نفسه؟ فَقَالا: لا قَالُوا، فإنا
قَدْ فقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا فَقَالا: ما لنا بما أبدى،
وَلا بما كان فِي وصيته علم ولكنه دفع إلينا هَذَا المال
فبلغناكم إياه فرفعوا أمرهم إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [110
ب] شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ يعنى
بديل بن أبي مارية اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ يعني من
الْمُسْلِمِين: عَبْد اللَّه بن عمرو ابن العاص والمطلب بن
أَبِي وَدَاعة السهميان. أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ من
غَيْر أهل دينكم يعني النصرانيين إِنْ أَنْتُمْ معشر المسلمين
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ تجارا فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ
الْمَوْتِ يعني بديل بن أَبِي مارية مَوْلَى العاص ابن وائل
السهمي تَحْبِسُونَهُما يعني النصرانيين: تقيمونهما «1» مِنْ
بَعْدِ الصَّلاةِ
__________
(1) هكذا فى أ، ل.
(1/512)
صلاة العصر فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ فيحلفان
بِاللَّه إِنِ ارْتَبْتُمْ يعني إن شككتم- نظيرها فِي النّساء
القصرى «1» - أن المال كان أكثر من هَذَا الَّذِي أتيناكم به
لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً يَقُولُ لا نشتري بأيماننا عرضا من
الدُّنْيَا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى يَقُولُ ولو كان الميت ذا
قرابة مِنَّا وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً إن
كتمنا شيئًا من المال لَمِنَ الْآثِمِينَ- 106- بِاللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- فحلفهما النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْد المنبر بعد صلاة العصر فحلفا أَنَّهُما لَمْ
يخونا شيئًا من المال فخلى سبيلهما، فَلَمَّا كان بعد ذَلِكَ
وجدوا الإناء الَّذِي فقدوه عِنْد تميم الداري، قَالُوا: هَذَا
من آنية صاحبنا الَّذِي كان أبدى بها وَقَدْ زعمتما أَنَّهُ
لَمْ يبع وَلَم يشتر وَلَم ينفق عَلَى نفسه.
فَقَالا: قَدْ كُنَّا اشتريناه منه فنسينا أن نخبركم به.
فرفعوهما إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الثانية. فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ، إنا وجدنا مَعَ هذين إناء
من فضة من متاع صاحبنا، فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فَإِنْ
عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً يَقُولُ فَإِن
اطلع عَلَى أَنَّهُما يعني النصرانيين كتما شيئًا من المال
أَوْ خانا فَآخَرانِ من أولياء الميت يعني عَبْد اللَّه بن
عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان يَقُومانِ
مَقامَهُما يعني مقام النصرانيين مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ
الإثم عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ يعني
فيحلفان بِاللَّه فِي دبر صلاة العصر أن الَّذِي فِي وصية
صاحبنا حق وأن المال كان أكثر مما أتيتمانا به، وأن هَذَا
الإناء لمن متاع صاحبنا الَّذِي خرج به معه وكتبه فِي وصيته
وأنكما خنتما، فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-:
لَشَهادَتُنا يعني عَبْد اللَّه بن عمرو بن العاص والمطلب
أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما
__________
(1) يشير إلى الآية 4 من سورة الطلاق وهي: وَاللَّائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً.
(1/513)
يعني النصرانيين وَمَا اعْتَدَيْنا بشهادة
الْمُسْلِمِين من أولياء الميت إِنَّا إِذاً لَمِنَ
الظَّالِمِينَ- 107- ذلِكَ أَدْنى يعني أجدر نظيرها فِي
النّساء «1» أَنْ يَأْتُوا يعني النصرانيين بِالشَّهادَةِ عَلى
وَجْهِها كَمَا كَانَتْ وَلا يكتمان شيئًا أَوْ يَخافُوا أَنْ
تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ يَقُولُ أَوْ يخافوا أن
يطلع عَلَى خيانتهم فيرد شهادتهما بشهادة الرجلين
الْمُسْلِمَيْن من أولياء الميت فحلف عَبْد اللَّه والمطلب
كلاهما أن الَّذِي فِي وصية الميت حق وأن هَذَا الإناء من متاع
صاحبنا فأخذوا تميم بن «أوس» «2» الداري وعدى بن بندا
النصرانيين [111 أ] بتمام ما وجدا فِي وصية الميت حين اطلع
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عَلَى خيانتهما فِي الإناء، «3» ثُمّ
وعظ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- الْمُؤْمِنِين ألا يفعلوا مثل هَذَا
وألا يشهدوا بما لَمْ يعاينوا ويروا، فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-:
يحذرهم نقمته: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا مواعظه
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ- 108-
وأن تميم بن أَوْس الداري اعترف بالخيانة فقال له النبي- صلى
الله عليه وسلم- ويحك يا تميم، أسلم يتجاوز اللَّه عنك ما كان
فِي شركك، فأسلم تميم الداري وحسن إسلامه ومات عَدِيّ بن بندا
نصرانيا.
قوله- سبحانه-: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ يعني
الْأَنْبِيَاء- عليهم السَّلام- فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ
فى التوحيد قالُوا لا عِلْمَ لَنا وذلك أول ما بعثوا عِنْد
زفرة جَهَنَّم لأن الناس إذا خرجوا من قبورهم تاهت عقولهم،
فجالوا فِي الدُّنْيَا ثلاثين سنة ويُقَالُ أربعين سنة، ثُمّ
ينادي مناد «4» عِنْد صخرة بيت المقدس: يا أهل الدنيا، هاهنا
موضع الحساب فيسمع النداء
__________
(1) يشير إلى الآية 3 من سورة النساء وفيها «ذلِكَ أَدْنى
أَلَّا تَعُولُوا» .
(2) أوس: ساقط من أ، ل.
(3) وردت هذه القصة فى أسباب النزول للواحدي: 121 وفى لباب
النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 97.
(4) فى أ: منادى.
(1/514)
جميع الناس فيقبلون نحو الصوت فإذا اجتمعوا
ببيت المَقْدِس زفرت جَهَنَّم زفرة لا يبقى ملك مقرب وَلا
نَبِيّ مرسل إِلَّا ظن أنه لو جاء بعمل سبعين نبيا ما نجا «1»
فعند ذَلِكَ تاهت عقولهم فيقول لهم عِنْد ذَلِكَ- يعني
المرسلين- «ماذا أُجِبْتُمْ فِي التوحيد قالُوا لا عِلْمَ
لَنا» إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ- 109- ثُمّ رجعت
عقولهم بعد ذَلِكَ إليهم فشهدوا عَلَى قومهم أنهم قَدْ بلغوا
الرسالة عن ربهم فذلك قوله- سُبْحَانَهُ-: «وَيَقُولُ
الْأَشْهادُ» : يعني الأنبياء هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى
رَبِّهِمْ «2» .
قوله- سُبْحَانَهُ-: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ فِي الآخرة اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى
والِدَتِكَ يعني مريم- عليهما السَّلام- «إِذْ أَيَّدْتُكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ» «3» :
فالنعمة عَلَى عِيسَى حين أيده بروح القدس يعني جبريل- عَلَيْه
السَّلام- تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صبيا وَتكلمهم
كَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ يعني خط الكتاب بيده
وَالْحِكْمَةَ يعني الفهم والعلم وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ
يعني علم التوراة والإنجيل وجعله نبيا ورسولا إلى بني
إِسْرَائِيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ «4» يعنى الخفاش بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها يعني
فِي الهيئة فَتَكُونُ طَيْراً «5» بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ
الْأَكْمَهَ «6» يعني الأعمى الَّذِي يَخْرُج من بطن أمه أعمى
وَيبرئ الْأَبْرَصَ يمسحهما بيده فيبرئهما بِإِذْنِي وَإِذْ
تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي أحياء
__________
(1) فى أ: نجا، وفى حاشية أ: ما نجا ومحمد.
(2) سورة هود: 18.
(3) ما بين الأقواس « ... » . ساقط من أ، ل. [.....]
(4) فى أ: اضطراب فسر آخر هذه الآية قبل أولها ثم أعاد
تفسيرها. وكذلك فى ل: خلط بينها وبين آيات أخرى فى معناها من
سور أخرى. وقد حققت الخطأ وأعدت ترتيب الآية حسب وورودها فى
المصحف.
(5) فى أ: طائرا.
(6) خلط فى الكلام فى أ، ل.
(1/515)
وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ
أى عن قتلك إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ «وهي إحياء سام ابن
نوح بإذن اللَّه» «1» .
فيقوم عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
الْقِيَامَة بهؤلاء الكلمات خطيبا عَلَى رءوس الخلائق، ويخطب
إبليس لعنه اللَّه عَلَى أَهْل النار بهذه الآية إِنَّ اللَّهَ
وَعَدَكُمْ ... [111 ب] إلى قوله «بِمُصْرِخِكُمْ» يعني
بمانعكم من العذاب «وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ» يعنى بمانعي
من العذاب «إِنِّي كَفَرْتُ» يعني تبرأت بِما أَشْرَكْتُمُونِ
مِنْ قَبْلُ «2» أى فى دار الدُّنْيَا. وأمّا النعمة عَلَى
مريم- عَلَيْهَا السَّلام- فهي أَنَّهُ اصطفاها يعني اختارها
وطهرها من الإثم واختارها عَلَى نساء العالمين وجعلها زَوْجَة
محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الجنة.
قوله- سبحانه-: «تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ» «3» يعني
تكلم بني إسرائيل صبيا فِي المهد حين جاءت به أمه تحمله،
«وَيكلمهم كَهْلًا» حين اجتمع واستوت لحيته «وَإِذْ
عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ» يعني خط الكتاب بيده «وَالْحِكْمَةَ»
يعني الفهم والعلم «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ
مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» يعني الخفاش «فَتَنْفُخُ
فِيها» يعني فِي الهيئة «فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي
وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ» الَّذِي يَخْرُج من بطن أُمّه أعمى
فكان عِيسَى- عَلَيْه السَّلام «4» - يرد إِلَيْهِ بصره بإذن
اللَّه- تَعَالَى-: «فيمسح بيده عَلَيْه فإذا هُوَ صحيح بإذن
الله» «5» وأحيا سام
__________
(1) هذه الجملة متصيدة من كلام المفسر بعد إصلاحه ونصها «عنك
القتل فى أمر سام بن نوح» .
(2) سورة إبراهيم: 22.
(3) أعاد تفسيره لجزء الآية 110 فكرر تفسير هذا الجزء بأسلوب
آخر فيه تفسير وتعليق.
(4) فى أ: صلى الله عليه وسلم.
(5) ما بين الأقواس زيادة من ل.
(1/516)
ابن نوح بإذن اللَّه حيث كلمه الناس ثُمّ
مات فعاد كَمَا كان «وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ
عَنْكَ» يعني عن قتلك حين رفعه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- إِلَيْهِ
«وَقُتِلَ» «1» شبيهه وَهُوَ الرقيب الَّذِي كان عليه «إِذْ
جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ» يعني بالعجائب التي كان يصنعها من
إبراء الأكمه والأبرص والموتى والطائر ونحوه «2» .
فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يعني من اليهود من بني
إِسْرَائِيل إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 110- يعني ما
هَذَا الَّذِي يصنع عِيسَى من الأعاجيب إِلَّا سحر مبين يعني
بين، نظيرها فى الصف وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ
وهم القصارون مبيضو الثياب وكانوا اثني عشر رَجُلا والوحي
إليهم من اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- هُوَ إلهام قذف فِي قلوبهم
التصديق بِاللَّه- عز وجل- بأنه واحد لا شريك له فذلك قوله-
عَزَّ وَجَلّ- أَنْ آمِنُوا بِي أن صدقوا بأني واحد لَيْسَ معي
شريك وَبِرَسُولِي عِيسَى ابْن مريم أنه نَبِيّ رسول قالُوا
آمَنَّا يعني صدقنا بما جاء به من عِنْد اللَّه ونشهد أن
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- واحد لا شريك لَهُ، وأنك رسوله
وَاشْهَدْ يا عِيسَى بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ- 111- يعني مخلصون
بالتوحيد إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ يَقُولُ هَلْ يقدر عَلَى أن يعطيك
ربك إن سَأَلْتُهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ
السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ فلا تسألوه البلاء إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 112- فَإِنَّهَا إن نزلت ثُمّ كذبتم
عوقبتم قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها فقد جعنا
وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا يعني وتسكن قلوبنا إلى ما تدعونا
إِلَيْهِ وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا بأنك نبى [112 أ]
رسول وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ- 113- يعني عَلَى
المائدة عِنْد بني إِسْرَائِيل إذا رجعنا إليهم وكان القوم
الذين
__________
(1) ما بين القوسين « ... » زيادة من ل.
(2) الجزء السابق من الآية تفسيره مكرر مرتين فى أ، ل.
(1/517)
خرجوا وسألوا المائدة خمسة آلاف بطريق وهم
الَّذِين سألوا المائدة مَعَ الحواريين قالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذَلِكَ
اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ
تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا يَقُولُ تكون عيدا
لمن كان فِي زماننا عِنْد نزول المائدة وتكون عيدا لمن بعدنا
وَتكون المائدة آيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا يعنى المائدة
وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 114- من غيرك يَقُولُ فإنك خير
من يرزق قالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلّ- إِنِّي مُنَزِّلُها يعني
المائدة عَلَيْكُمْ فنزلها يوم الأحد فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ
نزول المائدة مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا
أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ- 115- فنزلت من السماء
عَلَيْهَا سمك طري وخبز رقاق وتمر، وذكروا أن عِيسَى- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأصحابه، وهم جلوس فِي
روضة، هَلْ مَعَ أحد منكم شيء؟ فجاء شمعون بسمكتين صغيرتين
وخمسة أرغفة، وجاء آخر بشيء من سويق فعمد عِيسَى- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقطعهما صغارا وكسر «الخبز
فوضعها» «1» فلقا فلقا ووضع السويق فتوضأ ثُمّ صلى ركعتين ودعا
ربه- عز وجل- فألقى الله- عَزَّ وَجَلّ- عَلَى أصحابه شبه
السبات ففتح القوم أعينهم فزاد الطعام حَتَّى بلغ الركب «2» ،
فَقَالَ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقوم
كلوا وسموا اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَلا ترفعوا، وأمرهم أن
يجلسوا حلقا حلقا فجلسوا فأكلوا حَتَّى شبعوا وهم خمسة آلاف
رَجُل، وهذا ليلة الأحد ويوم الأحد، فنادى عِيسَى- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أكلتم؟ قَالُوا:
نعم. قَالَ: لا ترفعوا. قَالُوا: لا نرفع، فرفعوا فبلغ ما
رفعوا من الْفَضْل أربعة
__________
(1) هكذا فى ل، وفى أ: المرفق ووضعها.
(2) فى أ، ل: بدون إعجام ولا شكل، وتحتمل بلغ الرّكب، أى وصل
الطعام إليهم وعمهم جميعا، أو بلغ الرّكب أى ارتفع حتى صار فى
مستوى ركبة الإنسان.
(1/518)
وعشرين مكتلا «1» فآمنوا عِنْد ذَلِكَ
بعيسى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقوا به، ثُمّ
رجعوا إلى قومهم اليهود من بني إِسْرَائِيل ومعهم فضل المائدة
فلم يزالوا بهم حَتَّى ارتدوا عن الإسلام فكفروا بِاللَّه،
وجحدوا بنزول المائدة فمسخهم اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وهم نيام
خنازير وليس فيهم صبي وَلا امرأة وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ يعني بني
إِسْرَائِيل فِي الدُّنْيَا اتَّخِذُونِي وَأُمِّي مريم
إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ فنزه الرب-
عَزَّ وَجَلّ- أن يَكُون أمرهم بذلك فقال: ما يَكُونُ لِي يعني
ما ينبغي لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ يعني بعدل أن
يعبدوا غيرك إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ لهم فَقَدْ عَلِمْتَهُ
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي يعني ما كان مني وما يَكُون وَلا
أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ يقول ولا أطلع على [112 ب] غيبك.
وقَالَ أيضًا: وَلا أَعْلَم ما فِي علمك، ما كان منك وما
يَكُون إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ- 116- يعني غيب ما
كان وغيب ما يَكُون ما قُلْتُ لَهُمْ وأنت تعلم إِلَّا ما
أَمَرْتَنِي بِهِ فى الدنيا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا
اللَّه رَبِّي وَرَبَّكُمْ قَالَ لهم عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فِي هذه السورة، وَفِي كهيعص «2» ،
وَفِي الزخرف «3» وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يعني عَلَى بني
إِسْرَائِيل بأن قَدْ بلغتهم الرسالة ما دُمْتُ فِيهِمْ يقول
ما كُنْت بين أظهرهم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي يَقُولُ فَلَمَّا
بلغ بي أجل الموت فمت كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ
يعنى
__________
(1) فى أ: مكبلا بدون إعجام.
(2) يشير إلى الآيات 30- 36 من سورة مريم من قوله- تعالى- قالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا
... الآيات. [.....]
(3) يشير إلى الآية 64 من سورة الزخرف وهي قوله تعالى- على
لسان عيسى إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ.
(1/519)
الحفيظ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ- 117- يعني شاهدا بما أمرتهم من التوحيد وشهيد عليهم
بما قَالُوا من البهتان وإنما قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-
«وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» وَلَم يقل
«وإذ يَقُولُ يا عِيسَى ابن مريم» لأنه قَالَ- سُبْحَانَهُ-
قبل ذكر عِيسَى يوم يجمع الله الرسل فيقول: ماذا أجبتم؟
قَالُوا:
يومئذ- وَهُوَ يوم الْقِيَامَة- حين يفرغ من مخاصمة الرسل،
«فينادي» «1» أَيْنَ عِيسَى ابْن مريم فيقوم عِيسَى- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفق فرق يرعد رعدة حَتَّى يقف بين
يدي اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يا عِيسَى، أَأَنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ.
وكما قال- سبحانه-: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «2» فَلَمَّا دخلوا
الجنة قَالَ: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ «3» فنسق بالماضي عَلَى
الماضي والمعنى مستقبل ولو لَمْ يذكر الجنة قبل بدئهم بالكلام
الأول لقال فى الكلام الأول وينادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ
أَصْحابَ النَّارِ «4» . وكل شيء فى القرآن على
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) سورة الأعراف: 43 ... وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وتمامها: وَنَزَعْنا
مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا
وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ
جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ
الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
(3) من سورة الأعراف: 50، وتمامها: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ
أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ
حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ.
(4) سورة الأعراف: 44، وتمامها: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ
أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا
حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا
نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ.
(1/520)
هَذَا النحو «1» .
ثُمّ قَالَ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لربه-
عَزَّ وَجَلّ- فِي الآخرة يا رب غبت عَنْهُمْ وتركتهم عَلَى
الحق الَّذِي أمرتني به فلم أدر ما أحدثوا بعدي ف إِنْ
تُعَذِّبْهُمْ فتميتهم عَلَى ما قَالُوا من البهتان والكفر
فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وأنت خلقتهم وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فتتوب عليهم وتهديهم إلى الْإِيمَان والمغفرة بعد الهداية إلى
الْإِيمَان فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 118- فِي
ملكك، الحكيم فِي أمرك وَفِي قراءة ابْن مَسْعُود «فإنك أنت
الغفور الرحيم» نظيرها فى سورة إِبْرَاهِيم- عَلَيْه السَّلام-
فِي مخاطبة إِبْرَاهِيم «وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ» «2» وهي كذلك أيضا فِي قراءة عَبْد اللَّه بن
مَسْعُود، قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ يعني النبيين بما قَالُوا فِي الدُّنْيَا، فكان
عِيسَى صادقا فيما قَالَ لربه فِي الآخرة «مَا قُلْتُ لَهُمْ
إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ» فصدقه اللَّه بقوله فِي
الدُّنْيَا، وصدقه فِي الآخرة
__________
(1) فجميع النداء كان بالماضي: فى آية 44 من سورة الأعراف، وما
بعدها لأن آية (43) ذكرت دخول المؤمنين الجنة بقولها:
وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فتحدثت الآيات التالية عن نداء أهل الجنة
لأهل النار ونداء أهل النار لأهل الجنة بصيغة الماضي: ولو لم
يذكر دخولهم الجنة قبل بدئهم بالكلام الأول لقال: «وينادى
أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ» فى الآية (44) سورة
الأعراف، ولقال: «وينادي أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ
الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ» .
فى الآية (50) الأعراف فمن شأن القرآن أن ينسق بالماضي مع
الماضي والمعنى مستقبل كما ذكر هنا فى سورة المائدة. فالرسل
لما سئلوا فى الآية (109) المائدة أجابوا بالماضي: «يَوْمَ
يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا
لا عِلْمَ لَنا» فكلمة قالوا فعل ماض. وفى الآية (116) المائدة
قال- تعالى-: «وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ»
وكلمة قال فعل ماض فنسق بالماضي مع الماضي والمعنى مستقبل أى
معناه سيقول الله.
وانظر البرهان للزركشى المجلد الثالث، الالتفات: الحديث عن
الماضي بالمستقبل وعكسه.
(2) سورة إبراهيم: 36.
(1/521)
حين خطب عَلَى الناس ثُمّ قَالَ: لَهُمْ
يعني للصادقين «1» جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ بالطاعة وَرَضُوا عَنْهُ بالثواب ذلِكَ الثواب
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 119- يعني النجاء العظيم. ثُمّ عظم
الرب- جلَّ جلاله- نفسه عما قَالَت النصارى من البهتان والزور
أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا زعمت وأنه واحد لا شريك له فقال-
سبحانه-: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما
فِيهِنَّ من الخلق عِيسَى ابْن مريم وغيره من الملائكة والخلق
عباده وَفِي ملكه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من خلق عِيسَى من
غَيْر أب وغيره قَدِيرٌ- 120-
__________
(1) فى أ: الصادقين.
(1/522)
|