تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الأنعام
(1/523)
[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 165]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ
أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ
وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ
مَا تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ
رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4)
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ
يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ
وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا
الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ
بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ
(6) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ
فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ
ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً
لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ
(9)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ
(10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا
رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ
أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ
أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(14)
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ
وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ
بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ
بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ
الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ
لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ
أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ
إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ (19)
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما
يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى
عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ
فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى
قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ
وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى
إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ
أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا
عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ
بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا
لَهُمْ مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا
لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28)
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ (29)
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هَذَا
بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ
بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً قالُوا يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها
وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ
مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ
وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ
الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ
كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا
وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ
اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)
وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ
أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي
السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ
لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ
(35) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ
إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ
أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ
إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ
يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(39)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ
أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ
مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا
تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ
قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ
بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطانُ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ
شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ
بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى
قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ
انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
(46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ
بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ
الظَّالِمُونَ (47) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا
يَفْسُقُونَ (49)
قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا
أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ
بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ
لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ (51) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ
مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ
مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ
رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ
مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ
الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ
أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي
وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ
الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ
الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا
تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ
الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ
يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ
وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا
جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى
أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ
يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ
الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا
وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ
الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
(63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ
ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)
قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً
مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ
يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ
انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
(65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ
عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ
وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا
فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا
تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً
وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ
تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا
يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا
لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا
يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا
يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ
إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ
فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى
الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى
وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) وَأَنْ
أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ
قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ
الْخَبِيرُ (73) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ
أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ (74)
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا
رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ
الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ
بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ
قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ
هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ
رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا
تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا
تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ
أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ
لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ
نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ
وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
(84)
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ
الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ
وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ
آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ
وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى
اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ
أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (88)
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا
بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89)
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى
لِلْعالَمِينَ (90) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ
قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ
مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً
وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها
وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ
مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ
أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ
يُحافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى
اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ
إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ
الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما
كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ
عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا
فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا
خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ
شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ
تَزْعُمُونَ (94)
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ
اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ
وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً
ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا
الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا
مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ
وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ
مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا
أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (99)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا
لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى
عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ
رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ
فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)
وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ
وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا
أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ
عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً
بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما
كانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ
إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها
إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109)
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي
طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا
إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا
عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا
إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ
(111) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ
الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ
الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ
فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ
أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ
بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ
تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ
يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ
عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ
بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ
مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ
وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ
يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ
(120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ
إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ
مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ
(122) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ
مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ
بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ
آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ
رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124)
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ
ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ
يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
(125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا
الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دارُ السَّلامِ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ
(127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ
مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ
وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ
مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ
الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ
مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ
لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى
أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) ذلِكَ أَنْ
لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها
غافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما
رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ
الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ
مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ
لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ
مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا
هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ
لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ
فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ
أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا
عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ
فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ
وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ
بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا
يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ
سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا مَا فِي
بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ
عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى
اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) وَهُوَ
الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ
وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ
ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ
الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ
اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ
حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ
أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ
اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ
كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ
النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (144)
قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى
طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً
مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ
فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى
الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ مَا
حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ
بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا
لَصادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو
رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ
شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ
شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى
ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ
أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ
الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ
اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا
وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ
يَعْدِلُونَ (150) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ
مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا
تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ
بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ
وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِراطِي
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ
يُؤْمِنُونَ (154)
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما
أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ
كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا
لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى
مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً
وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ
وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا
سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ
يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها
خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ
مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (159)
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما
كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا
شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا
وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ
عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى
رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (164)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ
بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا
آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ (165)
(1/525)
بسم الله الرحمن الرحيم [سورة الأنعام] «1»
__________
(1) الأهداف والمقاصد التي اشتملت عليها سورة الأنعام من أهداف
سورة الأنعام: بيان خلق السموات والأرض، وتقدير النور والظلمة،
وقضاء آجال الخلق والرد على منكري النبوة وذكر إنكار الكفار فى
القيامة وتمنيهم الرجوع إلى الدنيا، وذكر تسلية الرسول- صلى
الله عليه وسلم- عن تكذيب المكذبين، وإلزام الحجة على الكفار،
والنهى عن إيذاء الفقراء، واستعجال الكفار بالعذاب واختصاص
الحق- تعالى- بالعلم المغيب، وقهره، وغلبته على المخلوقات،
وإثبات البعث والقيامة، وولادة الخليل- عليه السلام- وعرض
الملكوت عليه، واستدلاله حال خروجه من الغار، ووقوع نظره على
الكواكب والشمس والقمر ومناظرة قومه، وشكاية أهل الكتاب،
وإظهار برهان التوحيد ببيان البدائع والصنائع والأمر بالإعراض
عن المشركين والنهى عن سب الأصنام وعبادها ومبالغة الكفار فى
الطغيان، والنهى عن أكل ذبائح الكفار ومناظرة الكفار،
ومحاورتهم فى القيامة.
وبيان شرع عمرو بن لحى فى الأنعام بالحلال والحرام، وتفصيل
محرمات الشريعة الإسلامية، ومحكمات آيات القرآن والأوامر
والنواهي من قوله- تعالى-: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.. إلى آخر ثلاث آيات.
(1/545)
__________
وظهور أمارات القيامة وعلاماتها فى الزمن الأخير. وذكر جزاء
الحسنة بعشر أمثالها، وتبرؤ الرسول من الشرك والمشركين، ورجوعه
إلى الحق فى محياه ومماته وذكر خلافة الخلائق وتفاوت درجاتهم
وختم السورة بذكر سرعة عقوبة الله لمستحقيها، ورحمته ومغفرته
لمستوجبيها بقوله: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
[وعدد كلمات سورة الأنعام 3052 ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون
كلمة] .
[وفواصل آياتها: (ل م ن ظ ر) يجمعها (لم نظر) ] .
(انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي ص 186) .
(1/546)
بسم الله الرحمن الرحيم [سورة الأنعام]
مكية كلها إِلَّا هَذِهِ الآيات. نزلت بالمدينة ونزلت ليلا،
وهي خمس وستون ومائة آية كوفي.
والآيات المدنية هِيَ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... إلى قوله « ... لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ» .
وهي الآيات المحكمات «1» .
وقوله: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... » إلى آخر
الآية «2» .
__________
(1) يشير إلى الآيات 151، 152، 153 من سورة الأنعام، وتمامها:
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- 151- وَلا تَقْرَبُوا مالَ
الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا
نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ
فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ
أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
- 152- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ- 153-.
وفى كتاب تاريخ القرآن لأبى عبد الله الزنجاني: سورة الأنعام
مكية إلا الآيات: 20، 23، 91، 93، 114، 141، 151، 152، 153
فمدنية. وهو موافق لما فى رأس المصحف الشريف.
فالزنجاني يرى أن الآيتين: 22، 141 مدنيتان ومقاتل يذكر أنهما
مكيتان وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز
للفيروزآبادي سورة الأنعام مكية سوى ست آيات منها:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... إلى آخر ثلاث آيات
(91، 92، 93) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ...
إلى آخر ثلاث آيات (وهي 151، 152، 153) .
(2) سورة الأنعام: 91، وتمامها: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ
شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى
نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها
وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا
أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.
(1/547)
وقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى
عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ ... «1» نزلت
فِي مسيلمة، وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ
اللَّهُ ... نزلت فى عهد عبد الله ابن سعد بن أَبِي سرح.
وقوله: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ
... «2» .
وقوله: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ
مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ... «3» ،
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ... «4» .
هَذِهِ الآيات مدنيات، وسائرها مكّيّ.
نزل بها جبريل- عَلَيْه السَّلام- ومعه سبعون ألف ملك طبقوا ما
بين السماء والأرض لهم زجل بالتسبيح والتمجيد والتحميد حَتَّى
كادت الأرض أن ترتج فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سبحان الله العظيم وبحمده وخر النبي
ساجدا، فيها خصومة مشركي العرب وأهل الكتاب، وذلك أن قريشا
قَالُوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ربك!
فَقَالَ: «ربي الأحد الصَّمد الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَم
يُولَدْ وَلَم يَكُنْ لَهُ كفوا أحد» فقالوا: أَنْت كَذَّاب ما
اختصك اللَّه بشيء وما أنت عَلَيْه بأكرم منا فأنزل الله- عز
وجل.
__________
(1) سورة الأنعام: 93 وتمامها: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ
وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي
غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ
أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ
بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ.
(2) جزء من الآية 93 سورة الأنعام وقد تقدم ذكرها فى الهامش
السابق. [.....]
(3) جزء من الآية 114، سورة الأنعام وتمامها أَفَغَيْرَ
اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ
الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.
(4) سورة الأنعام: 20 وتمامها الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.
(1/548)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فحمد نفسه ودل بصنعه عَلَى توحيده الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يخلقهما باطلا خلقهما
لأمر هُوَ كائن وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ يعني الليل
والنهار ثُمّ رجع إلى أَهْل مكة فقال: ثُمَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا من أَهْل مكة بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ- 1- يعني
يشركون هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعني آدم- عَلَيْه
السَّلام- لأنكم من ذريته ثُمَّ قَضى أَجَلًا يعني أجل ابْن
آدم من يوم [113 ب] وُلِد إلى أن يموت وَأَجَلٌ مُسَمًّى
عِنْدَهُ يعني البرزخ منذ يوم وُلِد إلى يوم يموت، إلى يوم
الْقِيَامَة ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ- 2- يعني تشكون فِي
البعث يعني كفار مكة وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ أَنَّهُ
واحد وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ يعني سر
أعمالكم وجهرها وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ- 3- يعنى ما تعملون
من الخير والشر وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ
رَبِّهِمْ يعني انشقاق القمر إِلَّا كانُوا عَنْها
مُعْرِضِينَ- 4- فلم لا يتفكرون فيها فيعتبروا فِي توحيد
اللَّه فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ يعني
القرآن حين جاءهم به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
استهزءوا بالقرآن بأنه لَيْسَ من اللَّه، يعني كفار مكة منهم
أَبُو جهل بن هِشَام، والوليد بن المُغِيرَة، ومنبه ونبيه ابنا
الحَجَّاج والعاص بن وائل السهمي، وأبى بن خلف، وعقبة
(1/549)
ابن أَبِي معيط، وعبد اللَّه بن أَبِي
أُمَيَّة، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البختري ابن هِشَام بن
أسد، والحارث بن عامر بن نوفل، ومخرمة بن نوفل وهشام بن عمرو
ابن رَبِيعَة، وأَبُو سُفْيَان بن حرب، وسهل بن عمرو، وعمير بن
وَهْب بن خلف، والحارث بن قَيْس، وعدى بن قيس، وعامر بن خَالِد
الْجُمَحِيّ، والنضر بن الْحَارِث، وزمعة بن الأسود، ومطعم بن
عَدِيّ، وقرط بن عَبْد عمرو بن نوفل، والأخنس ابن شريق، وحويطب
بن عَبْد العزي، وأمية بن خلف كلهم من قريش، يَقُولُ اللَّه-
عَزَّ وجل-: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ يعنى حديث ما
كانُوا بِهِ بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 5- بأنه غَيْر نازل بهم
ونظيرها فِي الشعراء، فنزل بهم العذاب ببدر، ثُمّ وعظهم
ليخافوا فَقَالَ: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ
قَبْلِهِمْ كفار مكة مِنْ قَرْنٍ من أمة مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ يَقُولُ أعطيناهم من الخير
والتمكين فِي البلاد ما لَمْ نعطكم يأَهْل مكة وَأَرْسَلْنَا
السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً بالمطر يعني متتابعا
وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ
فَأَهْلَكْناهُمْ يعني فعذبناهم بِذُنُوبِهِمْ يعني بتكذيبهم
رسلهم وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ- 6-
يَقُولُ وخلقنا من بعد هلاكهم قوما آخرين وَلَوْ نَزَّلْنا
عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ما
صدقوا به ولَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل مكة إِنْ هَذَا
يَقُولُ ما هَذَا القرآن إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 7- يعني بين
وَقالُوا لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يعينه
ويصدقه بما أرسل به نظيرها فِي الفرقان «1» نزلت فِي النَّضْر
بن الْحَارِث وعبد الله ابن أُمَيَّة بن المُغِيرَة، ونوفل بن
خويلد، كلهم من قريش يَقُولُ اللَّه: وَلَوْ أَنْزَلْنا
مَلَكاً
__________
(1) يشير إلى الآية 7 من سورة الفرقان وهي:
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي
فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيراً.
(1/550)
فعاينوه لَقُضِيَ الْأَمْرُ يعني «لنزل
العذاب بهم» «1» ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ- 8- يعني ثُمّ لا يناظر
بهم حَتَّى يعذبوا لأن الرسل إذا كُذبت جاءت الملائكة بالعذاب
يقول الله: وَلَوْ جَعَلْناهُ هذا الرسول مَلَكاً لَجَعَلْناهُ
رَجُلًا يعني فِي صورة رَجُل حَتَّى يطيقوا النظر إليه لأن
الناس لا يطيقون النظر [114 أ] إلى صورة الملائكة، ثُمّ قَالَ:
وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ يعني ولشبهنا عليهم ما يَلْبِسُونَ-
9- يعني ما يشبهون عَلَى أنفسهم بأن يقولوا ما هَذَا إِلَّا
بشر مثلكم «2» وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
وذلك أن مكذبي الأمم الخالية، أخبرتهم رسلهم بالعذاب فكذبوهم،
بأن العذاب لَيْسَ بنازل بهم. فَلَمَّا كذب كفار مكة
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعذاب حين
أوعدهم استهزءوا منه، فأنزل الله يعزي نبيه- صلى الله عليه
وَسَلَّمَ- ليصبر عَلَى تكذيبهم إياه بالعذاب فَقَالَ:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ يا محمد كَمَا
استهزئ بك فِي أمر العذاب فَحاقَ يعني فدار بِالَّذِينَ
سَخِرُوا مِنْهُمْ يعنى من الرسل ما كانُوا بِهِ يعنى بالعذاب
يَسْتَهْزِؤُنَ- 10- بأنه غَيْر نازل بهم، ثُمّ وعظهم ليخافوا،
فَقَالَ: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ- 11- بالعذاب كان عاقبتهم
الهلاك يحذر كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية قُلْ لكفار مكة:
لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق، فردوا
عَلَيْه فِي الرعد «3» قَالُوا: «اللَّه» «4» فِي قراءة أَبِي
بن كَعْب وابن مَسْعُود فِي تكذيبهم بالبعث قَالُوا اللَّه.
قُلْ «5» لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فى تأخير
__________
(1) من ل، وفى أ: لنزل الأمر: العذاب بهم.
(2) ما بين القوسين « ... » زيادة من الجلالين لتوضيح الكلام.
(3) فى أ: فى الوعد، ل: فى الرعد.
(4) الله: ساقط من أ، ومثبت فى ل.
(5) فى أ، ل: قالوا.
وقد أشار إلى الآية 16 من سورة الرعد وبدايتها قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ....
(1/551)
العذاب عَنْهُمْ فأنزل اللَّه فِي تكذيبهم
بالبعث لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أنتم والأمم
الخالية لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه يعني فِي البعث بأنه
كائن، ثُمّ نعتهم فَقَالَ: الَّذِينَ خَسِرُوا يعني غبنوا
أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 12- يعنى لا يصدقون
بالبعث بأنه كائن، ثُمّ عظم نفسه لكي يوحد، فَقَالَ: وَلَهُ ما
سَكَنَ يعنى ما استقر فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من الدواب
والطير فِي البر والبحر فمنها ما يستقر بالنهار وينتشر ليلا،
ومنها ما يستقر بالليل وينتشر نهارا، ثُمّ قَالَ: وَهُوَ
السَّمِيعُ لما سألوا من العذاب الْعَلِيمُ- 13- به قُلْ
أَغَيْرَ اللَّهِ وذلك أن كفار قريش قَالُوا: يا محمد، ما
يحملك عَلَى ما أتيتنا به، ألا تنظر إلى مَلَّة أبيك عَبْد
اللَّه وملة جدك عَبْد الْمُطَّلِب وإلى سادات قومك يعبدون
اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، وتدع ما أنت عَلَيْه، وما يحملك
عَلَى ذَلِكَ إلا الحاجة فنحن نجمع لك من أموالنا.
وأمروه «1» بترك عبادة اللَّه، فأنزل اللَّه «قُلْ أَغَيْرَ
اللَّهِ» أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
فعظم نفسه ليعرف توحيده بصنعه وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ
وَهُوَ يرزق وَلا يرزق لقولهم نجمع لك من أموالنا ما يغنيك
قُلْ لهم إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ
يعني أوّل من أخلص من أَهْل مكة بالتوحيد ثُمّ أوحى «2» إلى
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 14- لقولهم للنبي- عَلَيْه
السَّلام- ارجع إلى مَلَّة آبائك قُلْ لهم يا محمد: إِنِّي
أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي إن رجعت إلى ملة آبائي [114 ب]
عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 15-
__________
(1) فى أ: فأمروه، ل: وأمروه.
(2) فى ل: أوحى، أ: أعز. ولعلها محرفة عن أوعز.
(1/552)
يعني بالعظيم الشديد يوم الْقِيَامَة
وَقَدْ نسخت- «إِنَّا فَتَحْنا» : «إِنِّي أَخافُ إِنْ
عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» يعني الشديد يوم
الْقِيَامَة «1» .
مَنْ يُصْرَفْ اللَّه عَنْهُ العذاب يَوْمَئِذٍ يوم
الْقِيَامَة فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الصرف يعني صرف العذاب
الْفَوْزُ الْمُبِينُ- 16- يعني النجاة العظيمة المبينة ثُمّ
خوف النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليتمسك
بدين اللَّه- تعالى- فقال:
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ يعني يصبك اللَّه بضر يعني
بلاء وشدة فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ يَقُولُ لا يقدر أحد
من الآلهة وَلا غَيْرهُمْ كشف الضر إِلَّا اللَّه وَإِنْ
يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ يعني يصبك بفضل وعافية فَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ- 17- من ضر وخير وأنزل اللَّه فِي قولهم «قُلْ»
يا محمد «إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني يعبدون من دون اللَّه من الآلهة
«قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ» فِي ترك دين اللَّه «قَدْ
ضَلَلْتُ إِذاً» إن اتبعت دينكم «وَما أَنَا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ» يعنى من المرشدين. و «قُلْ» لهم «إِنِّي عَلى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» «2» يعني عَلَى بيان من ربي. وأنزل
اللَّه فى ذلك: «قُلْ لهم أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا ...
» إلى آخر السورة وَهُوَ الْقاهِرُ «3» لخلقه فَوْقَ عِبادِهِ
قد علاهم وقهرهم وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أمره الْخَبِيرُ- 18-
بخلقه.
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً وذلك أن كفار قريش قالوا
للنبي- صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما وجد اللَّه رسولا
غيرك ما نرى أحدا يصدقك بما تَقُولُ وقد
__________
(1) كان النبي لا يدرى ما يفعل به فى الآخرة أعذاب أم نعيم،
فلما نزلت: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» . نسخت
جميع الآيات التي تتحدث عن خوف النبي من عذاب الآخرة.
هذا رأى مقاتل. وفيه مبالغة فى التقول بالنسخ فلا تعارض بين
الآيتين. فهناك مقام الخوف ومقام الرجاء وكلاهما جناحان لا
زمان لسير العبد فى الدنيا آملا فى رحمة الله خائفا من عقابه.
وقريب من هذا ما ورد فى كتاب الخوف والرجاء، الوارد فى كتاب
إحياء علوم الدين للغزالى.
(2) سورة الأنعام: 56- 57.
(3) سورة الأنعام: 164- 165.
(1/553)
سألنا عنك أَهْل الكتاب، فزعموا أَنَّهُ
لَيْسَ لك عندهم ذكر فَمنْ يشهد لك أن اللَّه هُوَ الَّذِي
أرسلك؟ فَقَالَ اللَّه للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «قُلْ» لهم «أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً»
قَالُوا: اللَّه أكبر شهادة من غيره. فَقَالَ اللَّه: قُلْ لهم
يا محمد:
اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بأنى رسول وَأنه أُوحِيَ
إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ من عِنْد اللَّه لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
يعني لكي أنذركم بالقرآن يأهل مكة «1» وَمَنْ بَلَغَ القرآن من
الجن والإنس فهو نذير لهم يعني القرآن إلى يوم القيامة، ثم
قال: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً
أُخْرى؟ قَالُوا: نعم نشهد. قَالَ اللَّه للنبي- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
قُلْ لهم لا أَشْهَدُ بما شهدتم، وَلَكِن أشهد قُلْ إِنَّما
هُوَ إِلهٌ واحِدٌ قل لهم: وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ- 19- به غيره. وأنزل فِي قولهم لَقَدْ سألنا عنك
أَهْل الكتاب فزعموا أَنَّهُ لَيْسَ لك عندهم ذكر، فَقَالَ:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ أَي صفة محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى كتبهم كَما يَعْرِفُونَ
أَبْناءَهُمُ.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ
عَنْ مُقَاتِلٍ، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ
قَالَ: لأَنَا أَعْرَفُ بِمُحَمَّدٍ- عَلَيْه السَّلامُ-
مِنِّي بِابْنِي، لأَنِّي لا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَتْ فِيهِ
أُمُّهُ، ثُمّ نعتهم فَقَالَ: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
يعنى غبنوا أنفسهم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 20- يعني لا يصدقون
بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- بأنه رسول الله [115 أ]
وأنزل اللَّه فِي قولهم أيضًا «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ» يعني القرآن «مُنَزَّلٌ مِنْ
رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» «2»
يعني من الشاكين بأن القرآن جاء من اللَّه نظيرها فِي يُونُس.
وَمَنْ أَظْلَمُ يَقُولُ فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى
اللَّهِ كَذِباً بأن معه شريكا لقولهم إن مَعَ اللَّه آلهة
أخرى، ثم
__________
(1) فى أ: أهل مكة. [.....]
(2) سورة الأنعام: 114.
(1/554)
ثم قال: أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني
بالقرآن أَنَّهُ لَيْسَ من اللَّه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ- 21- يعني المشركين فِي الآخرة يعيبهم نظيرها
فِي يُونُس «1» وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ
لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا وذلك أن المشركين في الآخرة لما رأوا
كيف يتجاوز الله عن أهل التوحيد فقال بعضهم لبعض إذا سئلنا
قولوا: كنا موحدين فلما جمعهم الله وشركاءهم: قال لهم: أَيْنَ
شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ- 22- في الدنيا
بأن مع الله شريكا ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ
قالُوا يعني معذرتهم إلا الكذب حين سئلوا فتبرءوا من ذلك،
فقالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ- 23- قال
الله:
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ
في الآخرة مَا كانُوا يَفْتَرُونَ- 24- من الشرك في الدنيا
فختم على ألسنتهم وشهدت الجوارح بالكذب عليهم والشرك
وَمِنْهُمْ يعني كفار مكة مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وأنت تتلو
القرآن يعنى يعني النضر بن الحارث إلى آخر الآية وَجَعَلْنا
عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ يعني الغطاء عن
القلب لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يعني ثقلا
فلا يسمعوا يعني النضر، ثم قال: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا
يُؤْمِنُوا بِها يعني انشقاق القمر، والدخان فلا يصدقوا بأنها
من الله- عز وجل- حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ في القرآن
بأنه ليس من الله، يَقُولُ الله قال: الَّذِينَ كَفَرُوا يعني
النضر إِنْ هذا القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 25-
يعنى أحاديث الأولين حديث رستم وإسفنديار وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وذلك أن النبي- صلى الله عليه
وسلم- كان عند أبي طالب بن عبد المطلب يدعوه إلى الإسلام
فاجتمعت قريش إلى أبي طالب ليريدوا بالنبي- عليه السلام-
سوءًا، فسألوا أبا طالب
__________
(1) يشير إلى الآية 17 من سورة يونس وهي: «فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ» .
(1/555)
أن يدفعه إليهم فيقتلوه، فقال أبو طالب: ما
لي عنه صبر. قالوا: ندفع إليك من سبايانا من شئت مكان ابن
أخيك، فقال أبو طالب: حين تروح الإبل فإن جاءت ناقة إلى غير
فصيلها دفعته إليكم، وإن كانت الناقة لا تحن إلا إلى فصيلها
فأنا أحق من الناقة، فلما أبى عليهم اجتمع منهم سبعة عشر رجلا
من أشرافهم ورؤسائهم فكتبوا بينهم كتابًا ألا يبايعوا بني عبد
المطلب ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم ولا يؤاكلوهم حتى يدفعوا
إليهم محمدًا- صلى الله عليه وسلم- فيقتلوه فاجتمعوا في دار
شيبة بن عثمان صاحب الكعبة وكان هو أشد الناس على النبي- صلى
الله عليه وسلم- فقال أبو طالب: [115 ب]
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أغيب في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك غضاضة «1» ... أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت قدمًا «2» أمينًا
وعرضت دينًا قد علمت بأنه ... من خير أديان البرية دينًا
لولا الدمامة أو أخادن سبة «3» ... لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
فأنزل الله في أبي طالب واسمه: عبد مناف بن شيبة وهو عبد
المطلب- «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» كان
ينهى قريش عن أذى النبي- صلى الله عليه وسلم- وبتباعد هو عن
النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا يتبعه على دينه وَإِنْ
يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ- 26- يعني
أبا طالب وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ
__________
(1) ل: فامضه بنى فما عليك غضاضة.
(2) روى: ثم.
(3) كما وردت هذه الشطرة: لولا الملامة أو حذار مسبة.
(1/556)
يعني كفار قريش هؤلاء الرؤساء تمنوا
فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا
يعني القرآن بأنه من الله وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 27-
يعني المصدقين بالقرآن في قولهم بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا
يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وذلك أنهم حين قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا
مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ أوحى الله إلى الجوارح فشهدت عليهم بما
كتموا من الشرك فذلك قوله: «بَلْ بَدا لَهُمْ» يعني ظهر لهم من
الجوارح «مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ» بألسنتهم من قبل
أن تنطق الجوارح بالشرك فتمنوا عند ذلك الرجعة إلى الدنيا
«فَقالُوا: يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ
رَبِّنا ... » إلى آخر الآية، فأخبر الله عنهم فقال: وَلَوْ
رُدُّوا إلى الدنيا كما تمنوا وعمروا فيها لَعادُوا لِما يعني
«لرجعوا لما» «1» نُهُوا عَنْهُ من الشرك والتكذيب وَإِنَّهُمْ
لَكاذِبُونَ
- 28- في قولهم حين قالوا «وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا
وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» بالقرآن. لما أخبر النبي- صلى
الله عليه وسلم- كفار مكة بالبعث كذبوه وَقالُوا إِنْ هِيَ
إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ- 29-
بعد الموت، فأخبر الله بمنزلتهم في الآخرة فقال: وَلَوْ تَرى
يا محمد إِذْ وُقِفُوا يعني عرضوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ
أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا إنه الحق
قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- 30-
بالعذاب بأنه غير كائن نظيرها في الأحقاف «2» .
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ يعني بالبعث
حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني يوم القيامة
بغتة يعني فجأة قالُوا يا حَسْرَتَنا يعني كفار قريش عَلى مَا
فَرَّطْنا فِيها يقولون «3» يا ندامتنا على ما ضيعنا في الدنيا
من ذكر الله، ثم قال: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى
ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ- 31- وذلك أن الكافر إذا
بعث
__________
(1) ما بين القوسين « ... » زيادة اقتضاها السياق لتوضيح
المعنى.
(2) يشير إلى الآية 34 من سورة الأحقاف وهي: وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ
قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ.
(3) فى أ: يقول.
(1/557)
في الآخرة أتاه عمله الخبيث في صورة حبشي
أشوه منتن الريح كريه المنظر فيقول له الكافر: من أنت؟ فيقول:
أنا عملك الخبيث قد كنت أحملك في الدنيا بالشهوات واللذات!
فاحملني اليوم. فيقول: وكيف أطيق حملك؟ فيقول: كما حملتك،
فيركب ظهره، فذلك قوله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى
ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ يعني ألا بئس ما يحملون
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ يعني إلا باطل
وَلَهْوٌ يكون في الدنيا وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ يثني
على الجنة يقول: ولدار الجنة أفضل من الدنيا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ الشرك أَفَلا يعني فهلا تَعْقِلُونَ- 32- أن الدار
الآخرة أفضل من الدنيا لأنها بعد دار الدنيا وإنما سميت الدنيا
لأنها أدنى إلينا من دار الآخرة قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ
لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ نزلت فى الحارث بن عامر ابن
نوفل بن عبد مناف بن قصي. كان الحارث يكذب النبي- صلى الله
عليه وسلم- في العلانية فإذا خلا مع أهل ثقته، قال: ما محمد من
أهل الكذب، وإني لأحسبه صادقًا وكان إذا لقي النبي- صلى الله
عليه وسلم- قال: إنا لنعلم أن هذا الذي تقول حق وإنه لا يمنعنا
«1» أن نتبع الهدى معك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس يعني العرب
من أرضنا إن خرجنا فإنما نحن أكلة رأس ولا طاقة لنا بهم
[نظيرها في القصص «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا» «2» فأنزل الله: قَدْ نَعْلَمُ
إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ- في العلانية بأنك
كذاب مفتر] «3» . فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ في السر بما
تقول بأنك نبي رسول، بل يعلمون أنك صادق وقد جربوا منك الصدق
فيما مضى «4» وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ
يَجْحَدُونَ- 33- يعني بالقرآن بعد المعرفة وَلَقَدْ كُذِّبَتْ
رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
__________
(1) فى أ: ليعمنا. ل: لا يمنعنا.
(2) سورة القصص: 57
(3) ما بين الأقواس [ ... ] من ل، وهي فى أمع تقديم المتأخر
وتأخير المتقدم.
(4) فى أزيادة: بأنك نبى رسول، وليست فى ل.
(1/558)
وذلك قبل كفار مكة لأن كفار مكة قالوا: يا
محمد ما يمنعك أن تأتينا بآية كما كانت الأنبياء تجيء بها إلى
قومهم، فإن فعلت صدقناك وإلا فأنت كاذب. فأنزل الله يعزي نبيه-
صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه وأن يقتدي بالرسل
قبله «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» «1»
فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ
نَصْرُنا في هلاك قومهم، وأهل مكة بمنزلتهم فذلك قوله:
وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ يعني لا تبديل لقول الله
بأنه ناصر محمد- صلى الله عليه وسلم-، ألا وقوله حق كما نصر
الأنبياء قبله وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ يعني من حديث
الْمُرْسَلِينَ- 34- حين كذبوا وأوذوا ثم نصروا وَإِنْ كانَ
كَبُرَ عَلَيْكَ يعني ثقل عليك إِعْراضُهُمْ عن الهدى ولم تصبر
على تكذيبهم إياك فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً
فِي الْأَرْضِ يعنى سربا أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ أي فإن
لم تستطع فأت بسلم ترقى فيه إلى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ
فافعل إن استطعت «2» .
ثم عزى نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم فقال:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ- 35- فإن الله لو شاء لجعلهم
مهتدين، ثم ذكر إيمان المؤمنين فقال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الهدى يعني القرآن، ثم قال: وَالْمَوْتى
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يعني كفار مكة يبعثهم الله في الآخرة
ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- 36- يعني يردون فيجزيهم وَقالُوا
لَوْلا يعني هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ محمد كما أنزل على الأنبياء
آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ للكفار إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى
أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ-
37- بأن الله قادر على أن ينزلها
__________
(1) فى أ: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى قوله «أَتاهُمْ
نَصْرُنا» . والمثبت من ل.
(2) المعنى: أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله. الجلالين.
[.....]
(1/559)
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا في
بر ولا في بحر «1» وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ يعني خلقًا أصنافًا مصنفة تعرف بأسمائهم
مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ يعنى ما ضيعتنا في اللوح المحفوظ
مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ- 38- في الآخرة
ثم يصيرون من بعد ما يقتص بعضهم من بعض ترابًا: يقال لهم كونوا
ترابا وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن صُمٌّ لا
يسمعون الهدى وَبُكْمٌ لا يتكلمون به فِي الظُّلُماتِ يعني
الشرك مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ عن الهدى نزلت في بني
عبد الدار ابن قصي وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ- 39- يعني على دين الإسلام منهم علي بن أبي طالب،
والعباس، وحمزة، وجعفر ثم خوفهم فقال للنبي- صلى الله عليه
وسلم- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ في
الدنيا كما أتى الأمم الخالية أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ثم
رجع إلى عذاب الدنيا فقال أَغَيْرَ اللَّهِ من الآلهة
تَدْعُونَ أن يكشف عنكم العذاب فى الدنيا إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ- 40- بأن معه آلهة، ثم رجع إلى نفسه فقال: بَلْ
إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ
شاءَ وَتَنْسَوْنَ يعني وتتركون مَا تُشْرِكُونَ- 41- بالله من
الآلهة فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم ولكنكم تدعون الله وَلَقَدْ
أَرْسَلْنا الرسل إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فكذب بهم قومهم
كما كذب بك «2» كفار مكة فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ
وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ لكي يَتَضَرَّعُونَ- 42- إلى ربهم
فيتوبون إليه، يقول فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا يعني
الشدة والبلاء تَضَرَّعُوا إلى الله وتابوا إليه «3» لكشف ما
نزل بهم من البلاء وَلكِنْ قَسَتْ يعني جفت قُلُوبُهُمْ فلم
تلن وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 43-
__________
(1) فى أ: ولا بر ولا بحر. والمثبت من ل.
(2) فى أ: فكذبوهم قومهم بما كذبوا بك كفار مكة. والمثبت من ل.
(3) فى أزيادة: وتابوا، وليست فى ل.
(1/560)
من الشرك والتكذيب فَلَمَّا نَسُوا مَا
ذُكِّرُوا بِهِ يعني فلما تركوا ما أمروا به يعني وعظوا به
يعني الأمم الخالية مما دعاهم الرسل فكذبوهم ف فَتَحْنا
عَلَيْهِمْ يعني أرسلنا عليهم أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ يعني
أنواع الخير من كل شيء بعد الضر الذي كان نزل بهم، نظيرها في
الأعراف «1» حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا يعني بما أعطوا
من أنواع الخير وأعجبهم ما هم فيه [117 أ] أَخَذْناهُمْ
بَغْتَةً يعني أصبناهم بالعذاب بغتة يعني فجأة أعز ما كانوا
فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ- 44- يعني فإذا هم مرتهنون آيسون من
كل خير. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ يعني أصل القوم الَّذِينَ
ظَلَمُوا يعني أشركوا فلم يبق منهم أحد وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ- 45- في هلاك أعدائه يخوف كفار مكة.
قُلْ لكفار مكة يا محمد: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ
سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ فلم تسمعوا شيئًا وَخَتَمَ يعني
وطبع عَلى قُلُوبِكُمْ فلم تعقلوا شيئًا مَنْ إِلهٌ غَيْرُ
اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ يعني هل أحد يرده إليكم دون الله
انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ يعني العلامات في
أمور شتى فيما ذكر من تخويفهم من أخذ السمع والأبصار والقلوب
وما صنع بالأمم الخالية ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ- 46- يعني
يعرضون فلا يعتبرون، ثم قال يعنيهم: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ
أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً يعني فجأة لا تشعرون حتى
ينزل بكم أَوْ جَهْرَةً أو معاينة ترونه حين ينزل بكم: القتل
ببدر هَلْ يُهْلَكُ بذلك العذاب إِلَّا الْقَوْمُ
الظَّالِمُونَ- 47- يعني المشركون وَما نُرْسِلُ
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالجنة وَمُنْذِرِينَ من
النار فَمَنْ آمَنَ يعني فمن صدق وَأَصْلَحَ العمل فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 48- نظيرها فى الأعراف «2»
،
__________
(1) يشير إلى الآية 96 من سورة الأعراف وهي وَلَوْ أَنَّ
أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ
بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
(2) لعله يشير إلى الآيات 94، 95، 96 من سورة الأعراف.
(1/561)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني
بالقرآن يعني كفار مكة يَمَسُّهُمُ يعني يصيبهم الْعَذابُ بِما
كانُوا يَفْسُقُونَ- 49- يعني يعصون فلما خوفهم النبي- صلى
الله عليه وسلم- بالعذاب سألوه العذاب استهزاء وتكذيبًا إلى
متى يكون هذا العذاب الذي تعدنا به إن كنت من الصادقين؟ فقال
الله للنبي- صلى الله عليه وسلم-: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ يعني مفاتيح الله بنزول العذاب وَلا
أَعْلَمُ الْغَيْبَ يعني غيب نزول العذاب متى ينزل بكم وَلا
أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ لقولهم في حم السجدة: لَوْ شاءَ
رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً «1» رسلا فنؤمن بهم، فأما أنت
يا محمد فلا نصدقك فيما تقول، إِنْ أَتَّبِعُ يقول ما أتبع
إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ من القرآن قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الْأَعْمى بالهدى فلا يبصره وهو الكافر وَالْبَصِيرُ بالهدى
وهو المؤمن أَفَلا يعنى فهلا يتفكّرون- 50- فتعلمون أنهما لا
يستويان. ثم قال: وَأَنْذِرْ بِهِ يعني بالقرآن الَّذِينَ
يَخافُونَ يعني يعلمون «أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ» «2»
يعني الموالي وفقراء العرب ويعلمون أنه لَيْسَ لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ يعني من دون الله وَلِيٌّ يعني قريب ينفعهم وَلا
شَفِيعٌ في الآخرة يشفع لهم إن عصوا الله لَعَلَّهُمْ يعني لكي
يَتَّقُونَ- 51- المعاصي: نزلت في الموالي عمارة، وأبي ذر
الغفاري، وسالم، ومهجع، والنمر بن قاسط وعامر بن فهيرة، وابن
مسعود، وأبي هريرة، ونحوهم، وذلك أن أبا جهل وأصحابه قالوا:
انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدًا من موالينا وأعرابنا
رذالة كل حي وسفلتهم، يعنون الموالي، ولو كان لا يقبل إلا
سادات
__________
(1) سورة «حم السجدة» (فصلت) : 14.
وفى أ: لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً، وفى ل: «لو
شاء ربنا» . وفى حاشية أ: التلاوة «لو شاء ربنا» .
(2) فى أ: «أن» هم «يحشروا إلى ربهم» .
(1/562)
الحي وسراة «1» الموالي تابعناه [117 ب]
وذكروا ذلك لأبي طالب، فقالوا: قل لابن أخيك أن يطرد هؤلاء
الغرباء «2» والسفلة حتى يجيبه سادات قومه وأشرافهم قال أبو
طالب للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لو طردت هؤلاء عنك لعل سراة
قومك يتبعونك، فأنزل الله وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ يعني الصلاة له بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ طرفي
النهار يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يعني يبتغون بصلاتهم وجه ربهم مَا
عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ
عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
الظَّالِمِينَ- 52- قال: وكانت الصلاة يومئذ ركعتين بالغداة
وركعتين بالعشي ثم فرضت الصلوات «3» الخمس بعد ذلك وَكَذلِكَ
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يقول وهكذا ابتلينا فقراء
المسلمين من العرب والموالي بالعرب من المشركين: أبي جهل،
والوليد، وعتبة، وأمية، وسهل بن عمرو، ونحوهم «لِيَقُولُوا
أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» «4» يعني أنعم الله عليهم
بالإسلام مِنْ بَيْنِنا يقول الله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ- 53- يعني بالموحدين منكم من غيره، وفيهم نزلت
فى الفرقان «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ... »
إلى آخر الآية «5» ، ثم قال يعنيهم: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا يعني يصدقون بالقرآن أنه من الله فَقُلْ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ يقول مغفرة الله عليكم،
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال:
الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم وأسلم عليهم،
وقال:
__________
(1) فى ل: سرات، أ: سراة
(2) فى أ: الفقراء، ل: الغرباء
(3) فى أ: الصلاة.
(4) فى أ: «أهؤلاء الله من الله عليهم» .
(5) يشير إلى الآية 20 من سورة الفرقان وتمامها: وَما
أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ
وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ
رَبُّكَ بَصِيراً.
(1/563)
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ
ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ نزلت في عمر بن الخطاب تاب من بعد
السوء يعني الشرك وَأَصْلَحَ العمل فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ-
54- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني نبين الآيات يعني هكذا
نبين أمر الدين وَلِتَسْتَبِينَ يعني وليتبين لكم سَبِيلُ
الْمُجْرِمِينَ- 55- يعني طريق الكافرين من المؤمنين حتى
يعرفهم يعني هؤلاء النفر أبا جهل وأصحابه قُلْ إِنِّي نُهِيتُ
أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من
الآلهة قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً
وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ- 56- إن اتبعت أهواءكم وذلك
حين دعي إلى دين آبائه، قوله: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي يعني بيان من ربي بما أمرني من عبادته وترك عبادة
الأصنام، حين قالوا له ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين
وَكَذَّبْتُمْ بِهِ يعني بالعذاب فقال لهم- عليه السلام-: ما
عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب يعني كفار مكة إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يعني ما القضاء إلا لله في نزول
العذاب بكم في الدنيا يَقُصُّ الْحَقَّ يعني يقول الحق ومن
قرأها «يقضي الحق» يعني يأتي بالعذاب ولا يؤخره إذا جاء وَهُوَ
خَيْرُ الْفاصِلِينَ- 57- بيني وبينكم يعني خير الحاكمين في
نزول العذاب بهم [118 أ] قُلْ لهم لَوْ أَنَّ عِنْدِي يعنى
بيدي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب لَقُضِيَ الْأَمْرُ
يعني أمر العذاب بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وليس ذلك بيدي وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ- 58- وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ
يعني وعند الله خزائن العذاب. متى ينزله بكم لا يَعْلَمُها أحد
إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ من شجرة إِلَّا يَعْلَمُها وَلا
حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ كلها وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ
إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 59- يقول هو بين في اللوح المحفوظ
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ يعني يميتكم بالليل
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ يعني ما كسبتم من خير
أو شر بالنهار
(1/564)
ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ يقول يبعثكم من
منامكم بالنهار لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى يعنى منتهيا إليه
ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 60- في الدنيا من خير أو شر، هذا
وعيد قوله: وَهُوَ الْقاهِرُ لخلقه فَوْقَ عِبادِهِ قد علاهم
وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً من الملائكة يعني الكرام
الكاتبين يحفظون أعمال بني آدم حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ عند منتهى الأجل تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا يعني ملك
الموت وحده- عليه السلام- وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ- 61- يعني لا
يضيعون ما أمروا به، يعني ملك الموت وحده ثم قال: ثُمَّ
رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ثم ردوا من الموت
إلى الله في الآخرة فيها تقديم أَلا لَهُ الْحُكْمُ يعنى
القضاء وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ- 62- يقول هو أسرع حسابًا
من غيره وذلك قوله: «وَكَفى بِنا حاسِبِينَ» «1» قُلْ يا محمد
لكفار مكة: مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ يعني الظلل والظلمة والموج تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً
يعني مستكينين «2» وَخُفْيَةً يعني في خفض وسكون لَئِنْ
أَنْجانا مِنْ هذِهِ الأهوال لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ-
63- لله في هذه النعم فيوحدوه قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ
مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ يعني من أهوال كل كرب يعني من كل
شدة ثُمَّ أَنْتُمْ «3» تُشْرِكُونَ- 64- في الرخاء قُلْ هُوَ
الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ
فَوْقِكُمْ يعني الحصب بالحجارة كما فعل بقوم لوط فلا يبقى
منكم أحد، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني الخسف كما فعل
بقارون ومن معه، ثم قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً يعني فرقًا
أحزابًا أهواء مختلفة كفعله بالأمم الخالية، وَيُذِيقَ
بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ يقول يقتل بعضكم بعضًا فلا يبقى منكم
أحد إلا قليل
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يجر
__________
(1) سورة الأنبياء: 47.
(2) فى أ: مسكس، وهي غير معجمة فى أ. [.....]
(3) فى أ: ثم أنتم، ثم أنتم: كررها مرتين.
(1/565)
رداءه، وذلك بالليل وهو يقول لئن أرسل الله
على أمتي عذابًا من فوقهم ليهلكنهم أو من تحت أرجلهم فلا يبقى
منهم أحد فقام- صلى الله عليه وسلم- فصلى ودعا ربه أن يكشف ذلك
عنهم فأعطاه الله اثنتين الحصب والخسف كشفهما عن أمته «1» ،
ومنعه اثنتين الفرقة والقتل، فقال: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ
بمعافاتك من غضبك، وأعوذ بك منك جل وجهك لا أبلغ مدحتك [118 ب]
والثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قال فجاءه جبريل- عليه
السلام- فقال: إن الله قد استجاب لك وكشف عن أمتك اثنتين
ومنعوا اثنتين «2» .
انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ يعني العلامات في
أمور شتى من ألوان العذاب لَعَلَّهُمْ يقول لكي يَفْقَهُونَ-
65- عن الله فيخافوه ويوحدوه وَكَذَّبَ بِهِ بالقرآن قَوْمُكَ
خاصة وَهُوَ الْحَقُّ جاء من الله قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ
بِوَكِيلٍ- 66- يقول بمسيطر نسختها آية السيف «3» لِكُلِّ
نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ يقول لكل حديث حقيقة ومنتهى يعنى
__________
(1) فى ل: فكشفه عن أمته، أ: وكشف عن أمته.
(2) ورد فى أسباب النزول للسيوطي: 100، ما يتعلق بسبب نزول
الآية وفيه طرف مما ذكره مقاتل. وملخص ما ذكره مقاتل: أن رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- أكثر الدعاء لله أن يكشف عن أمته
العذاب بألوانه الأربعة الحصب، والخسف، والفرقة، والقتل، وأن
الله استجاب فى اثنتين فكشف عن أمته عذاب الحصب والخسف، ولم
يستجب له فى اثنتين هما الفرقة والقتل. فالله لا يعذب أمة محمد
بالحصب ولا بالخسف. ولكن يعذبها بالفرقة والقتل. نسأل الله
السلامة والعناية لنا وللمسلمين آمين.
(3) لا نسخ هنا، وإنما هو تدرج فى التشريع فأمر المسلمون
بالصبر والاحتمال والمسألة فى أول الدعوة ثم أمروا بالدفاع عن
أنفسهم ثم بقتال المشركين كافة لأنهم وقفوا بقوتهم وجبروتهم فى
سبيل تبليغ الدعوة فكان قتالهم، ردا للعدوان، وإزالة للعقبات
من وجه تبليغ الدعوة وتمكينا لدين الله أن يسمعه كل فرد دون
ضغط عليه.
وكان تشريع الله لكل مرحلة بما يناسبها، مرحلة الصبر والمسألة
فى حالة الضعف ثم مرحلة رد العدوان وإزالة قوى الشر فى حالة
القوة.
(1/566)
العذاب منه في الدنيا وهو القتل ببدر، ومنه
في الآخرة نار جهنم، وذلك قوله:
وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ- 67- أوعدهم العذاب مثلها في «اقتربت»
وَإِذا رَأَيْتَ يعني سمعت يا محمد الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي
آياتِنا يعنى يستهزءون بالقرآن وقالوا ما لا يصلح قال الله
لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ يعني فقم عنهم لا تجالسهم حتى
يكون حديثهم في غير أمر الله وذكره وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ
الشَّيْطانُ يقول فإن أنساك الشيطان فجالستهم بعد النهي فَلا
تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى يقول إذا ذكرت فلا تقعد مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 68- يعني المشركين، فقال المؤمنون
عند ذلك، لو قمنا عنهم إذا خاضوا واستهزءوا فإنا نخشى الإثم في
مجالستهم يعني حين لا نغير عليهم «1» فأنزل الله وَما عَلَى
الَّذِينَ يَتَّقُونَ يعني يوحدون الرب مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ يعني من مجازاة عقوبة خوضهم واستهزائهم من شيء، ثم قال:
وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ- 69- إذا قمتم عنهم
منعهم من الخوض والاستهزاء الحياء منكم والرغبة في مجالستكم
فيذكرون قيامكم عنهم ويتركون الخوض والاستهزاء ثم نسختها الآية
التي في النساء «2» وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ
أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها
وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... الآية «3» .
__________
(1) فى أ: إنا تخشى فى مجالستهم الإثم يعنى حين لا نغير عليهم.
وفى تفسير القرطبي ص 179: روى أن المسلمين قالوا: لئن كنا نقوم
كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطيع أن نجلس فى المسجد الحرام
ونطوف فنزلت:
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً
وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا.. سورة الأنعام: 70.
(2) وهذه أيضا لأنسخ فيها وإنما هو تقييد المطلق فسماه مقاتل
نسخا على مقتضى مدلول النسخ عنده فإنه يطلق النسخ على تقييد
المطلق أو تخصيص العام أو تفسير المجمل. كما يطلق على التدرج
فى التشريع نسخا.
(3) سورة النساء: 140 وتمامها:.. إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ
إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي
جَهَنَّمَ جَمِيعاً.
(1/567)
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ
الإسلام لَعِباً يعني باطلا وَلَهْواً يعني لهوًا عنه
وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن دينهم الإسلام وَذَكِّرْ
بِهِ يعني وعظ بالقرآن أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ يعني لئلا تبسل
نفس بِما كَسَبَتْ يعني بما عملت من الشرك والتكذيب فترتهن
بعملها في النار لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ يعني
قريبًا ينفعهم وَلا شَفِيعٌ في الآخرة يشفع لهم وَإِنْ
تَعْدِلْ يعني فتفتدي هذه النفس المرتهنة بعملها كُلَّ عَدْلٍ
فتعطى كل فداء: ملء الأرض ذهبًا لا يُؤْخَذْ مِنْها يعني لا
يقبل منها أُولئِكَ يعنيهم الَّذِينَ أُبْسِلُوا يعني حبسوا في
النار بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ يعني النار
التي قد انتهى حرها وَعَذابٌ أَلِيمٌ يعنى وجيع بِما كانُوا
يَكْفُرُونَ- 70- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا
يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا [119 أ] وذلك أن كفار مكة عذبوا
نفرًا من المسلمين على الإسلام وأرادوهم على الكفر يقول الله
لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ من آلهة يعني الأوثان مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلا نَفْعاً «1» في الآخرة ولا يملك لنا ضرًا في الدنيا
وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا يعني ونرجع إلى الشرك بَعْدَ إِذْ
هَدانَا اللَّهُ إلى دينه الإسلام فهذا قول المسلمين للكفار
حين قالوا لهم اتركوا دين محمد- صلى الله عليه وسلم- واتبعوا
ديننا. يقول الله للمؤمنين ردوا عليهم فإن مثلنا إن اتبعناكم
وتركنا ديننا كان مثلنا كَالَّذِي «2» اسْتَهْوَتْهُ
الشَّياطِينُ وأصحابه على الطريق يدعونه إلى الهدى أن ائتنا
فإنا على الطريق فأبى ذلك الرجل أن يأتيهم فذلك مثلنا أن تركنا
دين محمد- صلى الله عليه وسلم- ونحن على طريق الإسلام وأما
الذي استهوته الشياطين يعنى أضلته فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لا
يدري أين يتوجه فإنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أضلته
الشياطين عن الهدى فهو حيران لَهُ أَصْحابٌ
__________
(1) سورة المائدة: 76.
(2) فى أ: كمثل الذي.
(1/568)
مهتدون يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى يعني
أبويه قالا له: ائْتِنا فإنا على الهدى وفيه نزلت وَالَّذِي
قَالَ لِوَالِدَيْهِ «أُفٍّ لكما» «1» فذلك قوله: قُلْ «2»
إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى يعني الإسلام هو الهدى،
والضلال الذي تدعونا «3» الشياطين إليه هو الذي أنتم عليه، قل
لهم: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ يعني لنخلص لِرَبِّ الْعالَمِينَ-
71- فقد فعلنا ثُمّ أمرهم بالعمل فَقَالَ لنبيه- صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم-: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ لمواقيتها
يخبرهم أَنَّهُ «4» لا تنفعهم الصَّلاة إلا مَعَ الإخلاص «5»
وَاتَّقُوهُ يعني وحدوه وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ-
72- ثم خوفهم فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يعني بأنه لَمْ يخلقهما باطلا لغير شيء
وَلَكِن خلقهما لأمر هُوَ كائن وَيَوْمَ يَقُولُ اللَّه للبعث
مرة واحدة كُنْ فَيَكُونُ لا يثني الرب القول مرتين قَوْلُهُ
فِي البعث بِالْحَقِّ يعني الصدق وأنه كائن وَلَهُ الْمُلْكُ
يَوْمَ يُنْفَخُ أَي ينفخ إسرافيل فِي الصُّورِ عالِمُ
الْغَيْبِ يعلم غيب ما كان وما يَكُون، ثُمّ قَالَ:
وَالشَّهادَةِ يعني شاهد كُلّ نجوى وكل شيء وَهُوَ الْحَكِيمُ
يعني حكم البعث الْخَبِيرُ- 73- بالبعث مَتَى يبعثهم وَإِذْ
قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ اسمه بكلام قومه تارح
«أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ» «6» - 74- وولد إِبْرَاهِيم بكوتى، وذلك أن
الكهنة قَالُوا لنمروذ الجبار: إنَّه يولد فِي هَذِهِ السنة
__________
(1) سورة الأنبياء: 67. وقد هدى الله عبد الرحمن بن أبى بكر
إلى الإسلام بعد ذلك وصار من سادات المسلمين.
(2) قل: ساقطة من أ، ل.
(3) هكذا فى أ، ل والأنسب تدعو.
(4) فى أ: أنهم، ل: أنه.
(5) أى أن إقامة الصلاة كاملة يستلزم الإخلاص فيها لأنه روحها
الذي تقوم عليه. [.....]
(6) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، ل.
(1/569)
غُلام يفسد آلهة أَهْل الأرض ويدعو إلى
غَيْر آلهتكم ويكون هلاك ملكك وهلاك أَهْل بيتك بسببه، فَقَالَ
نمروذ: إن دواء هَذَا لهين نعزل الرجال عن النّساء، ونعمد إلى
كُلّ غُلام يولد فِي هَذِهِ السنة فنقتله إلى أن تنقضي السنة.
فقالوا:
إن فعلت ذَلِكَ وإلا كان الَّذِي قُلْنَا لك. فعمد نمروذ [119
ب] فجعل عَلَى كُلّ عشرة رجال رَجُلا، وقَالَ لهم: إذا طهرت
المرأة فحولوا بينها وبَيْنَ زوجها إلى أن تحيض ثُمّ يرجع إلى
امرأته إلى أن تطهر ثُمّ يحال بَيْنَهُمَا فرجع آزر إلى امرأته
فجامعها عَلَى طهر فحملت، قَالَت الكهنة: قَدْ حمل به الليلة.
قَالَ نمروذ:
انظروا إلى كُلّ امرأة استبان حملها فخلوا سبيلها، وانظروا
بقيتهن. فَلَمَّا دنا مخاض أم إِبْرَاهِيم- عَلَيْه السَّلام-
دنت إلى نهر يابس «1» فولدت فِيهِ ثُمّ لفته فِي خرقة فوضعته
فِي حلفا ثُمّ رجعت إلى بيتها، فأخبرت زوجها بمكانه، فعمد أبوه
فحفر لَهُ سربا فِي الأرض ثُمّ جعله فِيهِ وسد عَلَيْه بصخرة
مخافة السباع فكانت أُمّه تختلف إِلَيْهِ وترضعه حَتَّى فطمته
«2» وعقل، وكان ينبت فِي اليوم نبات شهر، وَفِي الشهر نبات
سنة، وَفِي السنة نبات سنتين، فَقَالَ لأمه: من ربي؟ قَالَتْ:
أَنَا. قَالَ: من ربك؟ قَالَتْ: أبوك؟ قَالَ: فَمنْ رب أَبِي؟
فضربته، وقالت لَهُ: اسكت فسكت الصبي، ورجعت إلى زوجها، فقالت:
أرأيت الغلام الَّذِي كُنَّا نخبر أَنَّهُ يغير دين أَهْل
الأرض؟ فهو ابْنَك وأخبرته الخبر فأتاه أبوه وهو فِي السرب،
فَقَالَ:
يا أبت، من ربي؟ قَالَ: أمك. قَالَ: فَمنْ رب أمي؟ قَالَ:
أَنَا. قَالَ فَمنْ ربك؟
فضربه، وقَالَ لَهُ: اسكت وَكَذلِكَ يعنى هكذا نُرِي
إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ يعنى خلق السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما
بَيْنَهُمَا من الآيات وَلِيَكُونَ إِبْرَاهِيم مِنَ
الْمُوقِنِينَ
__________
(1) فى م: بإنس، وبدون إعجام فى أ، ل.
(2) هذا من الإسرائيليات التي وضعها مقاتل فى تفسيره ولا سند
لها من كتاب أو سنة.
(1/570)
- 75- بالرب أنه واحد [120 أ] «1» لا شريك
لَهُ وذلك أن إِبْرَاهِيم سَأَلَ ربه أن يريه ملكوت السموات
والأرض فأمر اللَّه جبريل- عَلَيْه السَّلام- فرفعه إلى
الملكوت ينظر إلى أعمال العباد فرأى رَجُلا عَلَى معصية،
فَقَالَ: يا رب، ما أقبح ما يأتي هَذَا العبد اللَّهُمَّ اخسف
به. ورأى آخر فأعاد الكلام قَالَ: فأمر اللَّه جبريل- عَلَيْه
السَّلام- أن يرده إلى الأرض فأوحى الله إليه: مهلا بإبراهيم
فلا تدع عَلَى عبادي فَإِنِّي من عبادي عَلَى إحدى خصلتين: إما
أن يتوب إليّ قبل موته فأتوب عَلَيْه، وإما أن يموت فيدع خلفا
صالحا فيستغفر لأبيه فأغفر لهما بدعائه.
فَلَمَّا»
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ دنا من باب السرب وذلك فِي آخر الشهر
فرأى الزهرة أوّل الليل من خلال «3» السرب ومن وراء الصخرة،
والزهرة من أحسن الكواكب «رَأى كَوْكَباً» «4» قالَ هَذَا
رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ يعني غاب قالَ إِبْرَاهِيم لا أُحِبُّ
الْآفِلِينَ- 76- يعني الغائبين الذاهبين وربي لا يذهب وَلا
يغيب فَلَمَّا كان آخر الليل رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً يعني
طالعا أعظم وأضوأ من الكواكب قالَ هذا رَبِّي وَهُوَ ينظر
إِلَيْهِ فَلَمَّا أَفَلَ يعني غاب قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي
رَبِّي لدينه لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ- 77-
عن الهدى فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً يعني طالعة فِي
أول ما رآها ملأت كُلّ شيء ضوءا قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا
أَكْبَرُ
__________
(1) فى أ: اضطراب وتقديم آيات متأخرة. فاضطررت إلى إصلاحها حسب
ترتيب المصحف.
فبعد أن أنقل جزءا من ورقة (120 أ) سأعود لأنقل جزءا من (119
ب) تمشيا مع ترتيب الآيات فى المصحف الشريف.
(2) عود إلى ورقة (119 ب) مراعاة لترتيب الآيات كما وردت فى
المصحف.
(3) فى الأصل: خلل.
(4) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل.
(1/571)
يعني أعظم من الزهرة والقمر فَلَمَّا
أَفَلَتْ يعني غابت عرف أن الَّذِي خلق هَذِهِ الأشياء دائم
باق. ورفع الصَّخرة، ثُمّ خرج فرأى قومه يعبدون الأصنام،
فَقَالَ لهم: ما تعبدون؟ قَالُوا: نعبد ما ترى قالَ: يَا
قَوْمِ عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب كثيرة وإِنِّي
بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ- 78- بالله من الآلهة قالوا فمن
تعبد يإبراهيم؟ قَالَ: أعبد اللَّه الَّذِي خلق السموات والأرض
حنيفا يعني مخلصا لعبادته وما أَنَا من المشركين. وذلك قوله:
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ «يعنى ديني لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً يعنى مخلصا وَما أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ- 79-» «1» .
ثُمّ إن نمروذ بن كنعان الجبار خاصم إِبْرَاهِيم، فَقَالَ: من
ربك؟ قَالَ إِبْرَاهِيم:
ربي الَّذِي يحيي ويميت، وَهُوَ قوله «وَحاجَّهُ قَوْمُهُ»
فعمد نمروذ إلى إنسان فقتله وجاء بآخر فتركه، فَقَالَ: أنا
أحييت هَذَا وأمت ذَلِكَ، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس
من الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ. فَبُهِتَ
الَّذِي كفر «2» يعني نمروذ قوله وَحاجَّهُ قَوْمُهُ وذلك أنهم
لما سمعوا إِبْرَاهِيم- عَلَيْه السَّلام- عاب آلهتهم وبرىء
منها، قَالُوا لإِبْرَاهِيم: إن لَمْ تؤمن بآلهتنا فإنا نخاف
أن تخبلك وتفسدك فتهلك. فذلك قوله «وَحاجَّهُ قَوْمُهُ» يعني
وخاصمه قومه قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ
لدينه وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ يعني بِاللَّه من
الآلهة وهي لا تسمع وَلا تبصر شيئًا وَلا تنفع وَلا تضر
وتنحتونها بأيديكم إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً فيضلنى
عن
__________
(1) ما بين القوسين « ... » زيادة من ل وليست فى أ.
(2) فى أ: قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس ... إلى قوله فبهت
الذي كفر، وهي الآية 258 من سورة البقرة وتمامها:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ
أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ
إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي
كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
(1/572)
الهدى فأخاف آلهتكم أن تصيبني بسوء وَسِعَ
يعنى ملأ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فعلمه أَفَلا يعني فهلا
تَتَذَكَّرُونَ- 80- فتعتبرون. ثُمّ قال لهم: وَكَيْفَ أَخافُ
ما أَشْرَكْتُمْ بِاللَّه من الآلهة وَلا تَخافُونَ أنتم ب
أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ غيره مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً يعني كتابا فِيهِ حجتكم بأن معه
شريكا، ثُمّ قَالَ لَهُم: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ
بِالْأَمْنِ أنا أو أنتم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
- 81- من عَبْد إلها واحدًا أحق بالأمن أم من عَبْد أربابا شتى
يعني آلهة صغارا وكبارا ذكورا وإناثا فكيف لا يخاف من الكبير
إذا سوى بالصغير؟ وكيف لا يخاف من الذكر إذا سوى بالأنثى؟
أخبروني أَيّ الفريقين أحق بالأمن من الشر، إن كنتم تعلمون فرد
عَلَيْه قومه. فَقَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا برب واحد وَلَمْ
يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني وَلَم يخلطوا تصديقهم
بشرك فلم يعبدوا غيره أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ- 82- من الضلالة فأقروا بقول إِبْرَاهِيم وفلح «1»
عليهم، فذلك قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ
عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ فِي أمره عَلِيمٌ- 83- بخلقه، ثُمّ قَالَ: وَوَهَبْنا
لَهُ يعنى لإبراهيم إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا
للإيمان وَنُوحاً هَدَيْنا إلى الْإِسْلام مِنْ قَبْلُ
إِبْرَاهِيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ يعني من ذرِّيَّة نوح [120 ب]
داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ
وَكَذلِكَ يعني هكذا نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 84- يعني
هَؤُلاءِ الَّذِين ذكرهم اللَّه وَزَكَرِيَّا «2» وَيَحْيى
وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ- 85-
وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا
فَضَّلْنا بالنبوة «3» من الجن والإنس عَلَى الْعالَمِينَ- 86-
__________
(1) فى أ: وفلج، ل: وفلح.
(2) فى أ: إلى قوله « ... وكلا فضلنا» ، وفى ل نص الآية.
(3) هكذا فى أ: ل.
(1/573)
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ يعني واستخلصناهم بالنبوة
وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 87- يعني الْإِسْلام
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ يعني ثمانية عشر
نبيا مِنْ عِبادِهِ فيعطيه النُّبُوَّة وَلَوْ أَشْرَكُوا
بِاللَّه لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- 88- ثُمّ
ذكر ما أعطى النبيين فَقَالَ:
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني أعطيناهم
الكتاب يعني كتاب إِبْرَاهِيم والتوراة والزبور والإنجيل
وَالْحُكْمَ يعني العلم والفهم وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ
بِها هؤُلاءِ من أَهْل مكة بما أعطى اللَّه النبيين من الكتب
فَقَدْ وَكَّلْنا بِها يعنى بالكتب قَوْماً لَيْسُوا بِها
بِكافِرِينَ- 89- يعني أهل المدينة من الأَنْصَار ثُمّ ذكر
النبيين الثمانية عشر فَقَالَ: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ لدينه فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ يَقُولُ للنبي- صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم- فبسنتهم اقتد قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ يعني عَلَى الْإِيمَان بالقرآن أَجْراً يعني جميلا
إِنْ هُوَ يعني ما القرآن إِلَّا ذِكْرى يعني تذكرة
لِلْعالَمِينَ- 90- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يعني
ما عظموا اللَّه حق عظمته إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ يَقُولُ عَلَى رسول من كتاب فَمَا
عظموه حين كذبوا بأنه لَمْ ينزل كتابا عَلَى الرسل نزلت فِي
مَالِك بن الضيف اليهودي حين خاصمه عُمَر بن الخَطَّاب فِي
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مكتوب
فِي التوراة، فغضب مَالِك فَقَالَ: ما أنزل اللَّه على أحد
كتابا وكان ربانيا فِي اليهود فعزلته اليهود عن الربانية «1» .
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْ
مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً يعني
ضياء من الظلمة وَهُدىً لِلنَّاسِ من الضلالة تَجْعَلُونَهُ
قَراطِيسَ يعنى صحفا
__________
(1) ورد ذلك فى: أسباب النزول للواحدي: 126. وفى كتاب لباب
النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 101.
(1/574)
لَيْسَ فيها شيء تُبْدُونَها تعلنونها
وَتُخْفُونَ يعني وتسرون كَثِيراً فكان مما أخفوا أمر محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمر الرجم فِي التوراة
وَعُلِّمْتُمْ فِي التوراة ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا
وَلَم يعلمه آباؤُكُمْ ثُمّ قَالَ فِي التقديم: قُلِ اللَّهُ
أنزل عَلَى مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- ثُمَّ ذَرْهُمْ يعني خل
عَنْهُمْ إن لَمْ يصدقوك فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ- 91- فِي
باطلهم يلهون يعني اليهود نزلت هَذِهِ الآية بالمدينة ثُمّ إن
مَالِك بن الضيف تاب من قوله فلم يقبلوا منه وجعلوا مكانه
رَجُلا فِي الربانية.
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ عَلَى محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبارَكٌ لمن عمل به وَهُوَ مُصَدِّقُ
الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ يصدق لما قبله من الكتب التي
أنزلها الله- عز وجل- على الأنبياء [121 أ] وَلِتُنْذِرَ أُمَّ
الْقُرى يعني لكي تنذر بالقرآن أصل القرى يعني مكة وإنما سميت
أمَّ القرى لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة وَتنذر بالقرآن
مَنْ حَوْلَها يعنى حول مكة يعني قرى الأرض كلها وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني يصدقون بالبعث الَّذِي فِيهِ
جزاء الأعمال يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني يصدقون بالقرآن أنه جاء من
اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- ثُمّ نعتهم فَقَالَ: وَهُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ- 92- عَلَيْهَا فِي مواقيتها لا
يتركونها وَمَنْ أَظْلَمُ هَذِهِ الآية مدنية، فلا أحد أظلم
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ
إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ نزلت فِي مسيلمة بن حبيب
الكذاب الحنفي حيث زعم أن اللَّه أوحى إِلَيْهِ النُّبُوَّة
«1» .
وكان مسيلمة أرسل إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-
رسولين فقال
__________
(1) ورد ذلك فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي:
101. كما ورد فى كتاب أسباب النزول للواحدي: 126. [.....]
(1/575)
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لهما أتشهدان أن مسيلمة نبى؟ قال: نعم. فقال النبي-
صلى الله عليه وسلم-: لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما.
ثُمّ قَالَ:
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فلا أحد أيضا أظلم منه نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح
الْقُرَشِيّ من بني عامر بن لؤي وكان أخا عثمان ابن عفان من
الرضاعة، كان يتكلم بالإسلام وكتب للنبي- صَلَّى الله عليه
وسلم- يوما سورة النّساء فإذا أملى عَلَيْه النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم- «غفورا رحيما» كتب «عليما حكما» وإذا أملى
عَلَيْه «سميعا بصيرا» كتب «سميعا عليما» فَقَالَ لقوم من
المنافقين: كتبت غَيْر الَّذِي أملى عليّ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ
فلم يغيره فشك عَبْد اللَّه بن سعد فِي إيمانه فلحق بمكة كافرا
فَقَالَ لهم: لئن كان محمد صادقا فيما يَقُولُ لقَدْ أنزل عليّ
كَمَا أنزل عَلَيْه ولئن كان كاذبا لقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ.
وإنما شك لسكوت النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ فلم يغير ذَلِكَ، وذلك أن النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أميا لا يكتب «1» .
ثُمّ قَالَ. وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ يعنى مشركي
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 126. كما ورد فى لباب
لنقول للسيوطي: 101.
وهذا الأثر سنده مطعون فيه. فأسانيده فى السيوطي: أخرج ابن
جرير عن عكرمة وأخرج عن السدى وأسانيده فى الواحدي كما يأتى:
1- رواية الكلبي عن ابن عباس.
2- أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله،
قال: حدثني محمد بن يعقوب الأموى، قال: حدثنا أحمد بن عبد
الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني
شرحبيل بن سعد، قال: نزلت فى عبد الله بن سعد.
(1/576)
مكة فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ يعني فِي سكرات
الموت إذ قتلوا ببدر وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ
عِنْد الموت تضرب الوجوه والأدبار يعني ملك الموت وحده
__________
وقد جرح رجال الحديث: عكرمة صاحب الإسناد الأول للسيوطي كما
جرحوا السدى صاحب الإسناد الثاني.
كما جرحوا الكلبي صاحب الإسناد الأول للواحدي. وجرحوا محمد بن
إسحاق وغيره فى سلسلة الإسناد الثاني للواحدي.
هذا من ناحية السند.
أما من ناحية المتن فهو غير صحيح.
فإن الحديث الصحيح يشترط فى متنه: أن يكون خاليا من الشذوذ
والعلة القادحة، فضلا عن سلامة سنده.
وهذا الأثر يخالف المقطوع به من أن القرآن ثبت بطريق التواتر
بكلماته وحروفه.
قال السيوطي: «والأمة كما هي متعبدة بفهم معاني القرآن وأحكامه
متعبدة بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من
أئمة القراء، وهي الصفة المتصلة بالحضرة النبوية» أى أنه لا
يكفى الأخذ من المصاحف وحدها ولا بد من التلقي والمشافهة عن
المتقنين للتلاوة، يدل على ذلك ما رواه الطبراني وغيره عن
مسعود بن زيد الكندي قال: كان عبد الله بن مسعود يقرئ رجلا،
فقرأ الرجل الآية: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها..» سورة التوبة: 60،
قراءة مرسلة خطف فيها الممدود فلم يشبعها كما ينبغي، فقال عبد
الله بن مسعود: ما هكذا أقرأنيها «محمد- صلى الله عليه وسلم» :
وقرأ ابن مسعود «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... » ومد
الفقراء المد اللازم المعروف.
لقد كانت هناك جيوش من القراء تهدر بالقرآن فى جوف الليل وفى
الصلوات وفى الزحف وفى شهر رمضان، وفى غزوة القراء: استشهد
سبعون حافظا لكتاب الله.
فالقرآن كان محفوظا فى الصدور متلوا على الألسنة متواترا على
الأسماع.
فإن خالف قارئ أدنى مخالفة فإن سامعه يرشده أو يحتكمان إلى
رسول الله أو غيره من الصحابة والحفاظ.
(1/577)
وهو يقول لهم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ يعني
أرواحكم منهم أَبُو جهل وعتبة بن رَبِيعَة وشيبة والوليد بن
عُتْبَة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث
__________
وقد تمسك المستشرقون بهذه الروايات التي ذكرها مقاتل وأمثاله
وحرصوا على التعليق عليها «كما فى كتاب المصاحف لأبى داود»
وغيره ليشككوا فى ثبوت القرآن ومدى حجية كل حرف فيه. وهي دعوة
مغرضة يجب أن نتنبه لها ونفند مغالطتها فليس فى العالم كله
كتاب هيئ له من وسائل الحفظ والصون لكل كلمة من كلماته ولكل
حرف من حروفه ما هيئ للقرآن الكريم. وصدق الله العظيم: إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ سورة
الحجر: 9.
وأخيرا فإن أحسن روايات الحديث هي الرواية الثانية للواحدي
وتمامها: «نزلت فى عبد الله بن سعد ابن أبى سرح قال: سأنزل مثل
ما نزل الله، وارتد عن الإسلام فلما دخل رسول الله (ص) مكة أتى
به عثمان رسول الله (ص) فاستأمن له» وهذه الرواية ليس فيها طعن
فى ثبوت آيات القرآن ولا ذكر لتحريفه.
وفى هذا المقام يجب التنبيه إلى أن هناك مرويات فى كتب السنة
تؤكد ما رواه مقاتل. ولكن إذا علمنا أن شرط الحديث الصحيح
سلامة سنده وسلامة متنه من الشذوذ والعلة القادحة فهذه
الأحاديث وإن قبلت شكلا لسلامة سندها رفضت موضوعا لمخالفتها ما
ثبت بالتواتر واليقين.
فقد ذكر السيوطي فى كتابه الإتقان «فى صدر الحروف السبع التي
نزل بها القرآن» قال: روى أبو داود عن أبى بن كعب، قلت: سميعا
عليما، عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو رحمة بعذاب.
وعند أحمد من حديث أبى هريرة أنزل القرآن على سبعة أحرف: عليما
حكيما، غفورا رحيما.
وعنده أيضا من حديث عمر بأن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا،
وعذابا مغفرة. قال وأسانيدها جياد.
إن المستشرقين قد تلقفوا هذه الأحاديث وبنوا عليها ركاما هائلا
من تشكيك المسلمين فى حجية كتابهم وتواتره.
مع أن هذه الروايات تخالف المقطوع به من الأمة سلفا عن خلف.
وتراثنا العلمى فى حاجة إلى يقظة وتحقيق وتنقية.
(1/578)
وأَبُو قَيْس بن الفاكه والوليد بن
المُغِيرَة وقريبا من سبعين قتيلا فَلَمَّا بعثوا فِي الآخرة
وصاروا فِي النار، قَالَتْ لهم خزنة جهنم: «1» الْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ يعني الهوان بغير رأفة وَلا رحمة،
نظيرها فِي الأنفال، بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
فِي الدُّنْيَا غَيْرَ الْحَقِّ بأن معه شريكا وَكُنْتُمْ عَنْ
آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ- 93- يعني وكنتم «2» تتكبرون عن
الْإِيمَان بالقرآن وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فِي الآخرة فُرادى
لَيْسَ معكم من الدنيا شيء [121 ب] كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ حين ولدوا وليس لهم شيء وَتَرَكْتُمْ مَا
خَوَّلْناكُمْ فِي الدُّنْيَا وَراءَ ظُهُورِكُمْ يعني ما
أعطيناكم من الخير من بعدكم فِي الدُّنْيَا وَما نَرى مَعَكُمْ
شُفَعاءَكُمُ من الملائكة الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فِي الدُّنْيَا
أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ يعني أنهم لَكُمْ شفعاء عِنْد
اللَّه لقولهم فى يونس: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «3»
يعني الملائكة، ثُمّ قَالَ:
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وبين شركاءكم يعني من الملائكة من
المودة والتواصل وَضَلَّ عَنْكُمْ فى الآخرة ما كُنْتُمْ
تَزْعُمُونَ- 94- فِي الدُّنْيَا بأن مَعَ اللَّه شريكا.
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ يعني خالق الحب يعني البر
والشعير والذرة والحبوب كلها، ثُمّ قَالَ: وَالنَّوى يعني كُلّ
ثمرة لها نوى: الخوج والنبق والمشمش والعنب «4» والإجاص وكل ما
كان من الثمار لَهُ نوى.
ثُمّ قَالَ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يَقُولُ أخرج
الناس والدواب من النطف وهي ميتة ويخرج الطير كلها من البيضة
وهي ميتة، ثُمّ قَالَ: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ
__________
(1) جهنم: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2) وكنتم: ساقطة من أ، ومثبتة ل فى.
(3) سورة يونس: 18.
(4) فى أ: السين. ومن الجائز أن المراد به التين. وفى ل:
العنب.
(1/579)
يعني النطف والبيض من الحي يعني الحيوانات
«1» كلها ذلِكُمُ اللَّهُ الَّذِي ذكر فِي هَذِهِ الآية من
صنعه وحده يدل عَلَى توحيده بصنعه، ثُمّ قَالَ:
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 95- يَقُولُ أنى يكذبون بأن اللَّه وحده
لا شريك لَهُ، ثُمّ ذكر أيضا فِي هَذِهِ من صنعه ليدل عَلَى
توحيده بصنعه، فَقَالَ: فالِقُ الْإِصْباحِ يعنى خالق النهار
من حين يبدو أوله وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً لخلقه يسكنون فيه
لراحة أجسادهم وَجعل الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً يَقُولُ
جعلهما فِي مسيرهما كالحسبان فِي الفلك يَقُولُ لتعلموا عدد
السنين والحساب وذلك أن اللَّه قدر لهما منازلهما فِي السماء
الدُّنْيَا، فذلك قوله: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ فِي ملكه
يصنع ما أراد الْعَلِيمِ- 96- بما قدر من خلقه نظيرها فِي
يُونُس «2» .
ثُمّ قال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ نورا
لِتَهْتَدُوا بِها بالكواكب ليلا يَقُولُ لتعرفوا الطريق إذا
سرتم فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا
الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 97- بأن اللَّه واحد لا شريك
لَهُ، ثُمّ أخبر عن صنعه فَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني خلقكم من نفس واحدة يعني آدم وحده
فَمُسْتَقَرٌّ فِي أرحام النّساء وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أصلاب
الرجال مما لَمْ يخلقه وَهُوَ خالقه قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ
يعني قَدْ بينا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ- 98- عن اللَّه-
عَزَّ وَجَلّ- ثُمّ أخبر عن صنعه ليعرف توحيده فَقَالَ: وَهُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
__________
(1) فى الأصل: الحيوان.
(2) يشير إلى الآية الثالثة من سورة يونس إِنَّ رَبَّكُمُ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ... الآية.
(1/580)
يعنى المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ يعني بالمطر
«1» نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ يعني الثمار والحبوب وألوان النبات
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً يعني أول النبات نُخْرِجُ مِنْهُ
يعني من الماء حَبًّا مُتَراكِباً يعني السنبل قَدْ ركب بعضه
بعضا وَأخرجنا بالماء مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها يعنى من
ثمرها قِنْوانٌ يعنى [122 أ] قصار النخل دانِيَةٌ يعني ملتصقة
«2» بالأرض تجنى «3» باليد وَأخرجنا بالماء جَنَّاتٍ يعني
البساتين، ثُمّ نعت البساتين فَقَالَ: مِنَ نخيل وأَعْنابٍ
وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً ورقها فِي المنظر
يشبه ورق الزيتون وورق الرمان، ثُمّ قَالَ:
وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ فِي اللون مختلف فِي الطعم انْظُرُوا إِلى
ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ حين يبدو غضا أوله صيصا وَيَنْعِهِ
إِنَّ فِي ذلِكُمْ يعني إن فِي هَذَا الَّذِي ذكرَ من صنعه
وعجائبه لعبرة لَآياتٍ «4» لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 99- يعنى
يصدقون بالتوحيد وَجَعَلُوا يعني وصفوا لِلَّهِ الَّذِي خلقهم
فِي التقديم شُرَكاءَ الْجِنَّ من الملائكة وذلك أن جهينة وبني
سَلَمَة وخزاعة وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا أن حيا من الملائكة
يُقَالُ لهم الجن بنات الرحمن. فقال الله: وَخَلَقَهُمْ
وَخَرَقُوا لَهُ يعني وتخرصوا يعني يخلقوا للَّه بَنِينَ
وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمونه أن لَهُ بنين وبنات وذلك أن
اليهود قالوا عزير ابن الله. وقالت النصارى المسيح ابْن
اللَّه. وقالت العرب الملائكة بنات اللَّه يَقُولُ اللَّه
سُبْحانَهُ نزه نفسه عما قَالُوا من البهتان، ثُمّ عظم نفسه
فَقَالَ: وَتَعالى يعني وارتفع عَمَّا يَصِفُونَ- 100- يعني،
يقولون من الكذب، فعظم نفسه وأخبر عن قدرته فقال: بَدِيعُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَمْ يكونا فابتدع خلقهما، ثُمّ قَالَ
أَنَّى يعني من أَيْنَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ
صاحِبَةٌ يعنى
__________
(1) فى أ: المطر.
(2) فى الأصل: ملزقة.
(3) فى الأصل: تجتنى.
(4) فى أ: وآيات، وفى حاشية أ: التلاوة لآيات.
(1/581)
زوجة وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ يعني من
الملائكة وعزير وعيسى وَغَيْرُهُمْ فهم «خلقه وعباده وَفِي
ملكه» «1» ، ثُمّ قَالَ: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 101-
ثُمّ دل عَلَى نفسه بصنعه ليوحدوه فَقَالَ: ذلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ الَّذِي ابتدع خلقهما «2» وخلق كُلّ شيء وَلَم
يَكُنْ لَهُ صاحبه وَلا ولد ثُمّ وحد نفسه إذ لَمْ يوحده كفار
مكة فَقَالَ: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
فَاعْبُدُوهُ يعني فوحدوه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ-
102- وهو رب كل شيء ذكر من بنين وبنات وغيرهم، ثُمّ عظم نفسه
فَقَالَ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ يَقُولُ لا يراه الخلق فِي
الدُّنْيَا وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ يرى الخلق فِي
الدُّنْيَا وَهُوَ اللَّطِيفُ لطف علمه وقدرته حين يراهم فِي
السموات والأرض الْخَبِيرُ- 103- بمكانهم قَدْ جاءَكُمْ يا أهل
مكة بَصائِرُ يعني بيان مِنْ رَبِّكُمْ يعني القرآن نظيرها فِي
الأعراف «3» فَمَنْ أَبْصَرَ إيمانا بالقرآن فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ عَمِيَ عن إيمان بالقرآن فَعَلَيْها يعني فعلى نفسه
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ- 104- يعني برقيب يعني محمد-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذلِكَ يعني وهكذا
نُصَرِّفُ الْآياتِ فِي أمور شتى يعني ما ذكر وَلِيَقُولُوا
دَرَسْتَ يعني قابلت ودرست يعني تعلمت من غيرك يا محمد فأنزل
اللَّه «وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ» [122 ب] لئلا يقولوا
درست وقرأت من غيرك وَلِنُبَيِّنَهُ يعنى القرآن لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ- 105- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه وَسَلَّمَ- إلى مَلَّة
آبائه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- «اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ- 106-
__________
(1) فى الأصل ما بين القوسين: «خلقي وعبادي وفى ملكي» .
[.....]
(2) الضمير عائد إلى السماوات والأرض فى قوله- سبحانه-
«بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» .
(3) يشير إلى الآية 201 من سورة الأعراف وهي: إِنَّ الَّذِينَ
اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.
(1/582)
يقول الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- أعرض
عنهم إذا أشركوا، ثم قال: «1» وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما
أَشْرَكُوا يَقُولُ ولو شاء اللَّه لمنعهم من الشرك وَما
جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً يعني رقيبا إن لَمْ يوحدوا
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ- 107- يعني بمسيطر فنسختها
آية السيف «2» وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا
يذكرون أوثان أَهْل مكة بسوء فقالوا: لينتهين محمد عن شتم
آلهتنا أَوْ لنسبن ربه فنهى اللَّه الْمُؤْمِنِين عن شتم
آلهتهم فيسبوا ربهم لأنهم جهلة بِاللَّه. وأنزل اللَّه «وَلا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني
يعبدون من دون اللَّه من الآلهة فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً
بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمونه أنهم يسبون اللَّه يعني أَهْل مكة
كَذلِكَ يعني هكذا زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ يعنى
ضلالتهم ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فى الآخرة
فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 108- فلما نزلت هذه
الآية قال النبي- صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: لا
تسبوا ربكم فأمسك المسلمون عِنْد ذَلِكَ عن شتم آلهتهم
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فَمنْ حلف
بِاللَّه فقد اجتهد فِي اليمين وذلك أن كفار مكة حلفوا للنبي-
صَلَّى الله عليه وسلم- لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ كما كانت
الأنبياء تجيء بها إلى قومهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها: ليؤمنن
بالآية «3» ، قَالَ اللَّه لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ إن شاء
أرسلها وليست بيدي وَما يُشْعِرُكُمْ وما يدريكم
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) ليس هنا نسخ وإنما هو تدرّج فى التشريع، فأمر هنا بالصبر
والمسالمة فى حالة ضعف المسلمين ثم أمر بالسيف عند قوتهم
والعدوان عليهم.
(3) فى أ: يعنى بالله، ل: ليؤمن بالآية.
(1/583)
أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ- 109-
يعني لا يصدقون، لما سبق فِي علم اللَّه من الشقاء وَنُقَلِّبُ
أَفْئِدَتَهُمْ يعني قلوبهم وَأَبْصارَهُمْ عن الْإِيمَان كَما
لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَقُولُ كَمَا لَمْ يؤمن
بها أوائلهم من الأمم الخالية بما سألوا من الآيات قبلها فكذلك
كفار أَهْل مكة لا يصدقون بها إن جاءتهم آية، ثُمّ قَالَ:
وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 110- يعني فِي
ضلالتهم يترددون لا نخرجهم منها أبدا، ثُمّ أخبر عما علمه فيهم
فَقَالَ: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ
وأخبروهم أن محمدا رسول كَمَا سألوا، لقولهم «1» فى الفرقان
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ «2» يعني المستهزئين
من قريش أبا جهل وأصحابه ثُمّ قَالَ: وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى
لقولهم «3» ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا فنسألهم عما
أمامهم مما تحدثنا «4» أَنَّهُ يَكُون بعد الموت أحق هُوَ؟
ثُمّ قَالَ: وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا [123
أ] يعني عيانا «قَالَ أَبُو محمد «5» ومن قرأه «قبلا» أراد
قبيلا قبيلا رواه عن ثعلب» «6» فعاينوه كله، فلو فعلت هَذَا
كله فأخبروهم بأن الَّذِي يَقُولُ محمد حق مَا كانُوا
لِيُؤْمِنُوا يعنى ليصدقوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لهم
الْإِيمَان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أكثر أَهْل مكة يَجْهَلُونَ-
111- ثُمّ قَالَ: وَكَذلِكَ يعني وهكذا جَعَلْنا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوًّا من قومه يعني أبا جهل عدوا للنبي- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كقولهم فِي الفرقان: «وَقالُوا
مالِ هذَا الرَّسُولِ ... » إلى آخر الآية «7» - قوله:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ
وذلك أن إبليس
__________
(1) فى ل: لقولهم، أ: لقولهم.
(2) سورة الفرقان: 21.
(3) فى الأصل زيادة: فى الرعد.
(4) عن إمامهم ما تحدثنا.
(5) أبو محمد: هو عبد الله بن ثابت.
(6) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل.
(7) يشير إلى الآية 7 من سورة الفرقان وتمامها: وَقالُوا مالِ
هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ
لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً.
(1/584)
وكَّل شياطين بالإنس يضلونهم، ووكل شياطين
بالجن يضلونهم فإذا التقى شيطان الإنس مَعَ شيطان الجن قَالَ
أَحَدهمَا لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فاضلل أَنْت
صاحبك بكذا وكذا فذلك قوله: «يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ»
يقول يزين بعضهم زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً يَقُولُ ذَلِكَ
التزيين بالقول بَاطِل يغرون به الإنس والجن، ثُمّ قَالَ «1» :
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ يَقُولُ لو شاء اللَّه
لمنعهم عن ذَلِكَ. ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-
فَذَرْهُمْ يعني خل عَنْهُمْ يعني كفار مكة وَما يَفْتَرُونَ-
112- من الكذب وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني ولتميل إلى ذَلِكَ الزخرف
والغرور قلوب الَّذِين لا يؤمنون بالآخرة- يعني الَّذِين لا
يصدقون بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال وَلِيَرْضَوْهُ يعنى
وليحبوه وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ- 113- يعني
ليعملوا من المعاصي ما هُمْ عاملون أَفَغَيْرَ اللَّهِ
أَبْتَغِي حَكَماً فَلَيْس أحد أحسن قضاء من اللَّه فِي نزول
العذاب ببدر وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ
مُفَصَّلًا يعني القرآن حلاله وحرامه وكل شيء مفصلا يعنى مبينا
فيه أمره ونهيه «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» «2» - 114-.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ بأنه ناصر محمد- صلى الله عليه
وسلم- ببدر ومعذب قومه ببدر فحكمه عدل فِي ذَلِكَ، فذلك قوله:
صِدْقاً فيما وعد وَعَدْلًا فيما حكم لا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ يعني لا تبديل لقوله فِي نصر محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن قوله حق وَهُوَ السَّمِيعُ
بما سألوا من العذاب الْعَلِيمُ- 115- به حين سألوا:
«فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ» «3» يعني جانبا
من السماء وَإِنْ تُطِعْ يا محمد
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ل. ومكتوب فى حاشية أ.
[.....]
(3) سورة الشعراء: 187.
(1/585)
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يعني أهل مكة
حين دعوه إلى مِلَّة آبائه يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
يعني يستنزلوك عن دين الْإِسْلام إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ يعني وما هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ- 116-
الكذب إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ
سَبِيلِهِ يعني عن دينه الْإِسْلام وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ- 117- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ- 118- يعنى
بالقرآن مصدقين وذلك [123 ب] أن كفار مكة حين سمعوا أن اللَّه
حرم الميتة قَالُوا للمسلمين: أتزعمون أنكم تتبعون مرضاة ربكم؟
ألا تحدثونا عما قتلتم أنتم بأيديكم أهو أفضل؟ أَوْ ما قَتَل
اللَّه؟ فَقَالَ المسلمون: بل اللَّه أفضل صنعا فقالوا لهم:
فَمَا لَكُمْ تأكلون مما ذبحتم بأيديكم، وما ذبح اللَّه فلا
تأكلونه وَهُوَ عندكم ميتة فأنزل اللَّه وَما لَكُمْ أَلَّا
تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ
فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ يعني وَقَدْ بين لَكُمْ
ما حرم عليكم: يعني الميتة والدم ولحم الخنزير، ثُمّ استثنى
فقال: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما نهيتم عن أكله
وَإِنَّ كَثِيراً من الناس يعني سادة قريش لَيُضِلُّونَ أَهْل
مكة بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمونه فى أمر الذبائح
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ- 119- وَذَرُوا
ظاهِرَ الْإِثْمِ يعني واتركوا ظاهر الإثم وَباطِنَهُ يعني
الزنا فِي السر والعلانية. وذلك أن قريشا كانوا ينكرون الزنا
فِي العلانية وَلا يرون به بأسا سرا إِنَّ الَّذِينَ
يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ يعني الشرك سَيُجْزَوْنَ فِي الآخرة
بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ- 120- يعني يكسبون وأنزل اللَّه فِي
قولهم، ما قَتَل اللَّه فلا تأكلوه وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا
لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ يعني
إن أكل الميتة لمعصية وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى
أَوْلِيائِهِمْ من المشركين لِيُجادِلُوكُمْ فِي أمر الذبائح
«1» وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ باستحلالكم الميتة إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ- 121-
__________
(1) ورد ذلك فى: لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 103 كما
ورد فى أسباب النزول للواحدي: 128.
(1/586)
مثلهم وفيهم نزلت لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا
مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ
«1» يعني أمر الذبائح أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
يعني أَوْ من كان ضالا فهديناه.
نزلت فِي النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يعني إيمانا يَمْشِي بِهِ يعني يهتدي
به فِي النَّاسِ أهو كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ يعني
كشبه من هُوَ فِي الشرك يعني أبا جهل لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها
يعني من الشرك يعني لَيْسَ بمهتد هُوَ فيها: متحير لا يجد
منفذا، ليسا بسواء كَذلِكَ يعني هكذا زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ
يعني للمشركين ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 122- يعني أبا جهل وذلك
أَنَّهُ قَالَ زحمتنا بنو عَبْد مَنَاف فِي الشرف حَتَّى «إذا»
«2» صرنا كفرسي رهان، قَالُوا مِنَّا نَبِيّ «3» يوحى إِلَيْهِ
فَمنْ يدرك هَذَا واللَّه لا نؤمن به وَلا نتبعه أبدا أو
يأتينا وحي كَمَا يأتيه فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- وَإِذا
جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ
ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ... إلى آخر الآية «4» .
وَكَذلِكَ يعني وهكذا جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ خلت يعني
عصت أَكابِرَ مُجْرِمِيها يعني جبابرتها وكبراءها جعلنا بمكة
المستهزئين من قريش لِيَمْكُرُوا فِيها يعني فِي القرية
بالمعاصي حين أجلسوا فِي كُلّ طريق أربعة منهم، يَقُولُ اللَّه
وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وما معصيتهم إِلَّا
عَلَى أنفسهم وَما يَشْعُرُونَ- 123- وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ
يعنى انشقاق القمر والدخان [124 أ] قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ
حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ يعنى النبي-
صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة الحج: 67.
(2) «إذا» : من ل، وليست فى أ.
(3) فى ل: من، أ: نبى.
(4) الآية 124 من سورة الأنعام وتمامها وَإِذا جاءَتْهُمْ
آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ
رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ.
(1/587)
وحده، يَقُولُ اللَّه اللَّهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ اللَّه أَعْلَم حيث يختص بنبوته من
يشاء سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ
يعني مذلة وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ- 124-
يعني يقولون لقولهم لو كان هَذَا القرآن حقا «لنزل عَلَى
الْوَلِيد بن المُغِيرَة أَوْ عَلَى أَبِي مَسْعُود
الثَّقَفيّ، وذلك قولهم» «1» : لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ
عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «2» فَمَنْ يُرِدِ
اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لدينه يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ
نزلت في النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني يوسع قلبه وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ عن دينه يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً
بالتوحيد يعني أبا جهل حَتَّى لا يجد التوحيد من الضيق مجازا،
ثُمّ قَالَ: حَرَجاً شاكا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ
يَقُولُ هُوَ بمنزلة المتكلف الصعود إلى السماء لا يقدر
عَلَيْه كَذلِكَ يعني هكذا يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ يقول
الشر عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ- 125- بالتوحيد وَهذا
التوحيد صِراطُ رَبِّكَ يعني دين ربك مُسْتَقِيماً قَدْ
فَصَّلْنَا الْآياتِ يعني قَدْ بينا الآيات فِي أمر القلوب فِي
الهدى والضلالة يعني الَّذِي يشرح صدره للإسلام وَالَّذِي جعله
ضيقا حرجا لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ- 126- بتوحيد اللَّه.
ثُمّ ذكر ما أعد للموحدين فقال: لَهُمْ دارُ السَّلامِ يعني
جنة اللَّه عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي الآخرة وَهُوَ وَلِيُّهُمْ
يَقُولُ اللَّه وليهم فِي الآخرة بِما كانُوا يَعْمَلُونَ-
127- لَهُ في الدُّنْيَا يعني يوحدون ربهم وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ يعني كفار الإنس والشياطين والجن يَقُولُ ويوم
نجمعهم جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ ثُمّ يَقُولُ للشياطين
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ يعني من ضلال الإنس فيما
أضللتم منهم وذلك أن كفار الإنس كانوا تولوا الجن وأعاذوا بهم
وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ يعنى
__________
(1) فى أ: لنزل على أو على أبى مسعود الثقفي يقول الوليد بن
المغيرة لنزل على وذلك قوله.
(2) سورة الزخرف: 31.
(1/588)
أولياء الجن من كفار الإنس رَبَّنَا
اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ كاستمتاع الإنس بالجن، وذلك أن
الرَّجُل كان إذا سافر فأدركه الليل بأرض القفر خاف فيقول أعوذ
بسيد هَذَا الوادي من سفهاء قومه فيبيت فِي جواره آمنا، وكان
استمتاع الجن بالإنس: أن يقولوا لقَدْ سودتنا الإنس حين فزعوا
إلينا فيزدادوا بِذَلِك شرفا وَقالت بَلَغْنا أَجَلَنَا الموت
الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا فِي الدُّنْيَا فرد اللَّه عليهم: قالَ
النَّارُ مَثْواكُمْ ومثوى الكافرين خالِدِينَ فِيها أبدا
إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ واستثنى أَهْل التوحيد أنهم لا يخلدون
فيها إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ يعني حكم النار لمن عصاه عَلِيمٌ-
128- يَقُولُ عالم بمن لا يعصيه قوله: وَكَذلِكَ يعنى وهكذا
نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً فولى اللَّه ظلمة الإنس
ظلمة الجن، وولى ظلمة الجن ظلمة الإنس بأعمالهم الخبيثة، فذلك
قوله: بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 129- يعني يعملون من الشرك،
ثُمّ قَالَ لهم عند ذلك: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
[124 ب] يعني كفار الجن وكفار الإنس، وَلا يعني به الشياطين
لأن الشياطين هُمْ أغروا كفار الجن وكفار الإنس وبعث اللَّه
رسولا من الجن إلى الجن، ومن الإنس الإنس يقصون، فذلك قوله:
لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يعني من أنفسكم الجن إلى الجن والإنس إلى الإنس قُصُّونَ
عَلَيْكُمْ آياتِي
يعنى آيات القرآن يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
يعنى يوم القيامةالُوا
يعنى قالت الإنس والجن: هِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
بِذَلِك أنا كفرنا بما قَالَت الرسل فِي الدُّنْيَا، قَالَ
اللَّه للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: غَرَّتْهُمُ
الْحَياةُ الدُّنْيا
عن دينهم الْإِسْلام، وَيَقُولُ اللَّه للنبي- صَلَّى الله
عليه وسلم-: شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ
فى الآخرةنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
- 130- فِي الدُّنْيَا، وذلك حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك
والكفر فِي الدُّنْيَا، ثُمّ قَالَ الخازن- فى التقديم-:
«النَّارُ مَثْواكُمْ» يعني مأواكم «خالِدِينَ
(1/589)
فِيها»
لا يموتون ثُمّ استثنى فَقَالَ «إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» حكم عليهم حقا بِذَلِك الهلاك كفعله
بالأمم الخالية- فى سورة أخرى «1» .
ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى يعني معذب
أَهْل القرى بِظُلْمٍ بغير ذنب فِي الدُّنْيَا وَأَهْلُها
غافِلُونَ- 131- عن العذاب حَتَّى يبعث فِي أمها رسولا ينذرهم
بالعذاب حجة عليهم وَلِكُلٍّ يعني كفار الجن والإنس دَرَجاتٌ
يعني فضائل «2» من العذاب فِي الآخرة مِمَّا عَمِلُوا فِي
الدُّنْيَا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ- 132-
هَذَا وعيد نظيرها فِي الأحقاف «3» ، وقوله: وَرَبُّكَ
الْغَنِيُّ عن عبادة خلقه ذُو الرَّحْمَةِ يعني النعمة فلا
تعجل عليهم بالعذاب يعني كفار مكة إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
بهلاك وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ خلقا من غيركم بعد
هلاككم ما يَشاءُ إن شاء مثلكم وإن شاء أمثل وأطوع للَّه منكم
كَما أَنْشَأَكُمْ يعني كَمَا خلقكم مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ
آخَرِينَ- 133- يعني ذرِّيَّة أَهْل سفينة نوح إِنَّ مَا
تُوعَدُونَ من العذاب فِي الدُّنْيَا لَآتٍ يعني لكائن وَما
أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ- 134- يعني بسابقي الله بأعمالكم
الخبيثة حتى يجزيكم بها، قوله: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى
مَكانَتِكُمْ يعني جديلتكم يعني كفار مكة إِنِّي عامِلٌ عَلَى
جديلتي التي أمرني بها ربي فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ
لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يعنى الجنة
__________
(1) أى أن ما أصاب الأمم الخالية مذكور فى سورة أخرى أما الآية
المذكورة فقد تقدمت قريبا، وهذا معنى قوله: قال الخازن فى
التقديم «فالنار مثواكم..» وهي الآية 128 من سورة الأنعام.
(2) فى م: فضائل، أ: فضائل المراد منازل جراء عملهم.
(3) يشير إلى الآية 19 من سورة الأحقاف وهي: وَلِكُلٍّ
دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
(1/590)
أنحن أم انتم، ثُمّ قَالَ للنبي- صَلَّى
الله عليه وسلم-: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ يعني لا يسعد
الظَّالِمُونَ- 135- فِي الآخرة يعني المشركين نظيرها فِي
القصص «1» وَجَعَلُوا لِلَّهِ يعني وصفوا للَّه مِمَّا ذَرَأَ
يعني مما خلق مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا
هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا يعني النصيب
لآلهتهم، مثل ذَلِكَ فَمَا أخرج اللَّه من بطون الأنعام
وظهورها من الحرث، قَالُوا: هَذَا للَّه فيتصدقون به عَلَى
المساكين وما أخرج الله من نصيب الآلهة [125 أ] أنفقوه
عَلَيْها فَإِن زكا نصيب الآلهة وَلَم يَزك نصيب اللَّه تركوه
للآلهة، وقالوا: لو شاء اللَّه لأزكى نصيبه، وإن زكا نصيب
اللَّه وَلَم يَزْك نصيب الآلهة: خدجت أنعامهم وأجدبت أرضهم،
وقالوا: لَيْسَ لآلهتنا بد من نفقة فأخذوا نصيب اللَّه فقسموه
بين المساكين والآلهة نصفين، فذلك قوله: فَما كانَ
لِشُرَكائِهِمْ يعني لآلهتهم مما خرج من الحرث والأنعام فَلا
يَصِلُ إِلَى اللَّهِ يعني إلى المساكين وَما كانَ لِلَّهِ
فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ يعني آلهتهم يَقُولُ اللَّه:
ساءَ يعني بئس ما يَحْكُمُونَ- 136- يَقُولُ لو كان معي شريك
كَمَا يقولون ما عدلوا فِي القسمة أن يأخذوا مني وَلا يعطوني،
ثُمّ انقطع الكلام فَقَالَ: وَكَذلِكَ يعني وهكذا زَيَّنَ
لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ
«شُرَكاؤُهُمْ» «2» كَمَا زينوا لهم تحريم الحرث والأنعام يعني
دَفْن البنات وهن أحياء لِيُرْدُوهُمْ يعني ليهلكوهم
وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ يعني وليخلطوا عليهم دِينَهُمْ
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ يَقُولُ لو شاء اللَّه
لمنعهم من ذَلِكَ فَذَرْهُمْ يعني فخل عَنْهُمْ وَما
يَفْتَرُونَ- 137- من الكذب لقولهم
__________
(1) يشير إلى الآية 83 من سورة القصص وهي: تِلْكَ الدَّارُ
الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
(2) شركاؤهم: ساقطة من أ، ل.
(1/591)
فى الأعراف «وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها» «1»
وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ يعني حرام لا
يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ يعني الرجال دون
النّساء وكانت «2» مشيئتهم أنهم جعلوا للحوم والألبان للرجال
دون النّساء وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعني الحام
وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا يعني
البحيرة إن نتجوها أَوْ نحروها لَمْ يذكروا اسم اللَّه
عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ عَلَى اللَّه يعني كذبا عَلَى
اللَّه سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ- 138- حين زعموا
أن اللَّه أمرهم بتحريمه:
حين قالوا فى الأعراف وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها «3» ، ثُمّ أخبر
عَنْهُمْ فَقَالَ: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ
خالِصَةٌ لِذُكُورِنا يعني من الولد والألبان وَمُحَرَّمٌ عَلى
أَزْواجِنا يعني البحيرة والسائبة والوصيلة فكانوا إذا أنتجوه
«4» حيا ذبحوه فأكله الرجال دون النّساء وكذلك الألبان وإن
وضعته ميتا اشترك فِي أكله الرجال والنساء، فذلك قوله: وَإِنْ
يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ اللَّه
العذاب فِي الآخرة [وَصْفَهُمْ ذَلِكَ بالتحليل والتحريم أَيّ
جزاءه «5» ] إِنَّهُ حَكِيمٌ حكم عليهم العذاب عَلِيمٌ- 139-
به ثم عليهم بقتل أولادهم وتحريم الحرث والأنعام فقال: قَدْ
خَسِرَ فى الآخرة الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ يعني دَفْن
البنات أحياء «6» سَفَهاً يعني جهلا بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ
__________
(1) يشير إلى الآية 28 من سورة الأعراف، وهي: وَإِذا فَعَلُوا
فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا
بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. [.....]
(2) فى أ: وكان.
(3) سورة الأعراف: 28.
(4) فى أ: أنتجوها.
(5) ما بين القوسين [ ... ] زيادة من الجلالين. وهي ساقطة من
أ، ل.
(6) فى أ: حيا. وهو خطأ لأن البنات جمع مؤنث، وحيا: حال، وصف
لمذكر مفرد، ولعله تحريف من الناسخ.
(1/592)
من الحرث والأنعام افْتِراءً عَلَى اللَّهِ
الكذب حين زعموا أن اللَّه أمرهم بِهَذَا يعني بتحريمه،
يَقُولُ اللَّه: قَدْ ضَلُّوا عن الهدى وَما كانُوا
مُهْتَدِينَ- 140- وكانت رَبِيعَة ومضر يدفنون البنات وهن
أحياء غَيْر بني كنانة كانوا لا يفعلون ذَلِكَ، قوله [125 ب] :
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ يعني الكروم وما
يعرش وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ يعني قائمة عَلَى أصولها
وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ يعني طعمه منه
الجيد ومنه الدون، ثُمّ قال: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ
مُتَشابِهاً ورقها فِي النظير يشبه ورق الزيتون ورق الرمان
وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ثمرها وطعمها وهما متشابهان فِي اللون
مختلفان فِي الطعم، يَقُولُ اللَّه: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا
أَثْمَرَ حين يَكُون غضا، ثُمّ قَالَ:
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ- 141- يَقُولُ وَلا تشركوا الآلهة فِي
تحريم الحرث والأنعام وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً يعني الإبل
والبقر وَفَرْشاً والفرش الغنم الصغار مما لا يحمل عَلَيْهَا
«1» كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الأنعام والحرث حلالا
طيبا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ يعني تزيين
الشَّيْطَان فتحرمونه إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 142-
كلم النبي- صلى الله عليه وسلم- في ذلك عوف بن مالك الجشمي يكن
أبا الأحْوَص «2» . ثُمّ قَالَ أنزل ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ قبل
خلق آدم- عَلَيْه السَّلام- مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعنى
ذكرا وأنثى وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ذكرا وأنثى.
__________
(1) سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها- الجلالين. وفى
حاشية أ: أظنه النعم الصغار، وليس ظنه صوابا.
(2) فى أ: بالأحوص، ل: أبا الأحوص.
والكنية ما صدرت بأب أو بأم. فلا بد أن الأصل الذي نقلت عنه
نسخة أ: أبا الأحوص وجاء التحريف من الناسخ.
(1/593)
[قُلْ يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة
وإناثها أخرى ونسب ذَلِكَ إلى اللَّه: آلذَّكَرَيْنِ من الضأن
والمعز حَرَّمَ اللَّه عليكم؟ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ منهما؟
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ؟ ذكرا
كان أَوْ أنثى نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ عن كيفية تحريم ذلك إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ- 143- فِيهِ.
المعنى من أَيْنَ جاء التحريم فَإِن كان من قبل الذكورة فجميع
الذكور حرام، أَو الأنوثة فجميع الإناث أَوْ اشتمال الرحم
فالزوجان فمن أين التخصيص والاستفهام للاستنكار «1» ] .
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ ذكر وأنثى وَمِنَ الْبَقَرِ
اثْنَيْنِ ذكر وأنثى قُلْ يا محمد «آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ
الْأُنْثَيَيْنِ» «2» يعني من أَيْنَ تحريم الأنعام من قبل
الذكرين أم قبل الأنثيين أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ
الْأُنْثَيَيْنِ يَقُولُ عَلَى ما اشتمل، ما يشتمل الرحم
إِلَّا ذكرا أَوْ أنثى فأين هَذَا الَّذِي جاء التحريم من
قبله، وما اشتمل الرحم إِلَّا عَلَى مثلها.
يَقُولُ ما تلد الغنم إِلَّا الغنم وما تلد الناقة إِلَّا
مثلها يعني أن الغنم لا تلد البقر وَلا البقر تلد الغنم فَإِن
قَالُوا حرم الأنثيين خصوا وَلَم يجز لهم أن يأكلوا الإناث من
الأنعام وإن قَالُوا الذكرين لَمْ يجز لهم أن يأكلوا ذكور
الأنعام فسكتوا. يَقُولُ الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قل
لهم نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «3» بأن
اللَّه حرم هَذَا، ثُمّ قَالَ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ
وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا التحريم فسكتوا فلم يجيبوه إِلَّا
أنهم قَالُوا: حرمها آباؤنا فَقَالَ لهم النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَمنْ أَيْنَ حرمه آباؤكم؟
قَالُوا: اللَّه أمرهم بتحريمه فأنزل اللَّه: فَمَنْ أَظْلَمُ
يقول فلا
__________
(1) ما بين الأقواس [ ... ] ساقط من أ، ل ومنقول من الجلالين.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل.
(3) هذا المقطع ختام الآية السابقة 143 سورة الأنعام. وقد ورد
فى غير مكانه.
(1/594)
أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ
كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 144- قَالُوا: يا محمد فَمنْ
أين حرمه آباؤنا فأوحى اللَّه إلى نبيه- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ يعني عَلَى آكل يأكله
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً يعني يسيل
أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ يعني إثما أَوْ فِسْقاً
يعني معصية أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعني ذبح لغير
اللَّه فَمَنِ اضْطُرَّ إلى شيء مما حرمت عَلَيْه غَيْرَ باغٍ
ليستحله فِي دينه وَلا عادٍ يعني وَلا معتديا لَمْ يضطر
إِلَيْهِ فأكله فَإِنَّ رَبَّكَ «1» غَفُورٌ [126 أ] لأكله
الحرام رَحِيمٌ- 145- به إذا رخص لَهُ فِي الحرام فِي الاضطرار
ثُمّ بين ما حرم على اليهود فَقَالَ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا
حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ يعنى الإبل والنعامة والوزر والبط
وكل شيء لَهُ خف وظفر من الدواب والطير فهو عليهم حرام وَمِنَ
الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما وحرم
عليهم الشحوم من البقر والغنم، ثُمّ استثنى ما أحل لهم من
الشحوم فَقَالَ: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعني ظهور
البقر والغنم والأكتاف والإلية أَوِ الْحَوايا يعنى المعى «2»
أَوْ مَا اخْتَلَطَ من الشحم بِعَظْمٍ فكل هَذَا حلال لهم،
وحرم عليهم شحوم الكليتين والثروب «3» ذلِكَ التحريم
جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ يعني عقوبة بقتلهم الْأَنْبِيَاء
وبصدهم عن سبيل اللَّه وبأكلهم الربا واستحلالهم أموال الناس
بالباطل فهذا البغي وَإِنَّا لَصادِقُونَ- 146- بِذَلِك وهذا
ما أوحى اللَّه إلى نبيه- صَلَّى الله عليه وسلم-
__________
(1) فى أ: فإن الله. وفى حاشية أ: الآية ربك.
(2) فى أ، ل: المعز. وهو تحريف عن المعى. وفى الجلالين
الحوايا: الأمعاء جمع حاويا أو حاوية.
(3) فى الجلالين: حرم عليهم الثروب وشحوم الكلى.
(1/595)
أَنَّهُ محرم، منه عَلَى الْمُسْلِمِين
ومنه عَلَى اليهود فَقَالَ كفار العرب للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإنك لَمْ تصب. يَقُولُ اللَّه: فَإِنْ
كَذَّبُوكَ بما تَقُولُ من التحريم فَقُلْ لكفار مكة رَبُّكُمْ
ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ملأت رحمته كُلّ شيء لا يعجل عليكم
بالعقوبة وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ يَقُولُ عذابه إذا جاء الوقت
عَلَى من كذب بما يقول عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ- 147-
يعنى كفار العرب سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّه
آلهة يعني مشركي العرب لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا
أشرك آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ يعني الحرث والأنعام
وَلَكِن اللَّه أمر بتحريمه كَذلِكَ يعني هكذا كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية رسلهم كَمَا كذب
كفار مكة بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
ذاقُوا بَأْسَنا يعني عذابنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنا يعني بيانا من اللَّه بتحريمه فتبينوه لنا،
يَقُولُ اللَّه: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ
أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ- 148- الكذب قُلْ لهم: يا محمد
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ
أَجْمَعِينَ- 149- لدينه قُلْ هَلُمَّ «1» شُهَداءَكُمُ
الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا الحرث
والأنعام فَإِنْ شَهِدُوا أن اللَّه حرمه فَلا تَشْهَدْ
مَعَهُمْ يأمر نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن لا يصدق قولهم
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني
القرآن الَّذِي فِيهِ تحليل ما حرموا وَالَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال وَالذين هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ- 150- يعني
يشركون قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ يَقُولُ تعالوا حَتَّى أقرأ ما حرم عليكم أَلَّا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً من خلقه وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
يعني برا بهما وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ
__________
(1) فى أ: هل. [.....]
(1/596)
يعني دفن البنات وهن أحياء مِنْ إِمْلاقٍ
يعني خشية الفقر نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا
تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ يعنى الزنا ما ظَهَرَ مِنْها يعني
السفاح علانية وَما بَطَنَ يعني الزنا «1» فى السر [126 ب]
تتخذ الخليل فيأتيها فِي السر وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ يعني بالقصاص
والثيب الزاني بالرجم والمرتد عن الْإِسْلام فهذا الحق ذلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَعْقِلُونَ- 151-
أَنَّهُ لَمْ يحرم إِلَّا ما ذكر فِي هَذِهِ الآيات الثلاث
وَلَم يحرم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وَلا تَقْرَبُوا
مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِلَّا ليثمر لليتيم ماله بالأرباح حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
يعنى ثماني عشرة سنة وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ
بِالْقِسْطِ
يعني بالعدل لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
يَقُولُ لا نكلفها من العمل إِلَّا طاقتها وَإِذا قُلْتُمْ
فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
يعني أولي قربى إذا تكلمتم فقولوا الحق، وإن كان ذو قرابتك فقل
فِيهِ الحق وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
فيما بينكم وبَيْنَ الناس ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
يعني لكي تَذَكَّرُونَ
- 152- فِي أمره ونهيه وَأَنَّ هَذَا الَّذِي ذكر فِي هَذِهِ
الآيات من أمر اللَّه ونهيه صِراطِي مُسْتَقِيماً يعني دينا
مستقيما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعني طرق
الضلالة فيما حرموا فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ يعني
فيضلكم عن دينه ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ يعني لكي
تَتَّقُونَ- 153- فهذه الآيات المحكمات لَمْ ينسخهن شيء من
جميع الكتب وهن محكمات عَلَى بني آدم كلهم ثُمَّ آتَيْنا
مُوسَى الْكِتابَ يعنى أعطيته التوراة تَماماً عَلَى الَّذِي
أَحْسَنَ يَقُولُ تمت الكرامة عَلَى من أحسن منهم فِي
الدُّنْيَا والآخرة فتمم اللَّه لبني إِسْرَائِيل ما وعدهم من
قوله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا
... إلى آيتين «2» .
__________
(1) الزنا: ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.
(2) يشير إلى الآيتين 5، 6 من سورة القصص.
(1/597)
ثم قال: وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَالتوراة هُدىً «1» من الضلالة وَرَحْمَةً من العذاب
لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ- 154- يعني بالبعث
الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال وَهذا القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ
مُبارَكٌ فهو بركة لمن آمن به فَاتَّبِعُوهُ فاقتدوا به
وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ يعني لكي تُرْحَمُونَ- 155- فلا
تعذبوا أَنْ تَقُولُوا يعنى لئلا تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ
الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعني اليهود
والنصارى وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ- 156-
وذلك أن كفار مكة قَالُوا قاتل اللَّه اليهود والنصارى كيف
كذبوا أنبياءهم فواللَّهِ لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم
فنزلت هَذِهِ الآية فيهم أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ يعني اليهود
والنصارى يَقُولُ اللَّه لكفار مكة، فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ
مِنْ رَبِّكُمْ
يعنى بيان من ربكم القرآن أَوْ هو أَهْدى من الضلالة
وَرَحْمَةٌ من العذاب لقوم يؤمنون فكذبوا به، فنزلت فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ يعني بالقرآن
وَصَدَفَ عَنْها يعني وأعرض عن آيات القرآن فلم يؤمن بها، ثُمّ
أوعدهم اللَّه فَقَالَ: سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ
آياتِنا يعني يعرضون عن إيمان بالقرآن سُوءَ الْعَذابِ يعنى
شدة العذاب بِما كانُوا يَصْدِفُونَ [127 أ]- 157- يعني بما
كانوا يعرضون عن إيمان بالقرآن ثُمّ وعدهم فَقَالَ هَلْ
يَنْظُرُونَ يعني ما ينتظر كفار مكة بالإيمان إِلَّا أَنْ
تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني ملك الموت وحده بالموت أَوْ
يَأْتِيَ رَبُّكَ يوم الْقِيَامَة فِي ظلل من الغمام أَوْ
يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني طلوع الشمس من مغربها، ثم
قال يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني طلوع الشمس من
المغرب لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها يعني نفسا كافرة حين
لَمْ تؤمن قبل أن تجيء هذه الآية
__________
(1) فى أ: هدى.
(1/598)
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ يَقُولُ
لَمْ تكن صدقت من قبل طلوع الشمس من مغربها أَوْ لَمْ تكن
كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً يَقُولُ لَمْ تكن هَذِهِ
النَّفْس عملت قبل طلوع الشمس من مغربها وَلَم يقبل منها «1»
بعد طلوعها. ومن كان يقبل منه عمله قبل طلوع الشمس من مغربها
فَإنَّهُ يتقبل منه بعد طلوعها، ثُمّ أوعدهم، العذاب فَقَالَ
الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: قُلِ انْتَظِرُوا العذاب
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ- 158- بكم العذاب إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ الْإِسْلام الَّذِي أمروا به ودخلوا فِي
غيره يعني اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكانُوا شِيَعاً يعني أحزابا يهود ونصارى
وصابئين وَغَيْرُهُمْ لَسْتَ مِنْهُمْ يا محمد فِي شَيْءٍ
إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما
كانُوا يَفْعَلُونَ- 159- فنسختها آية براءة «قاتِلُوا
الَّذِينَ ... » إلى قوله: «صاغِرُونَ» «2» .
مَنْ جاءَ فِي الآخرة بِالْحَسَنَةِ بالتوحيد والعمل الصالح
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فِي الأضعاف وَمَنْ جاءَ فِي الآخرة
بِالسَّيِّئَةِ يعنى الشرك فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها فِي
العظم فجزاء الشرك أعظم الذنوب والنار أعظم العقوبة
__________
(1) فى أ: منه.
(2) يشير إلى الآية 29 من سورة براءة (التوبة) وتمامها:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صاغِرُونَ.
وإذا عرفنا أن مدلول النسخ عند الأصوليين هو رفع الشارع حكما
شرعيا سابقا بحكم شرعي لاحق.
رأينا أن مدلول النسخ غير متحقق هنا. لأن اللاحق لا يأبى
السابق ولا يتناقض معه. فذلك مقام وذاك مقام. أو هو من باب
التدرج فى التشريع.
(1/599)
وذلك قوله: جَزاءً وِفاقاً «1» وافق الجزاء
العمل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 160- كلا «2» الفريقين جميعًا.
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني
الْإِسْلام دِيناً قِيَماً مستقيما لا عوج فيه مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيفاً يعني مخلصا وَما كانَ إِبْرَاهِيم مِنَ
الْمُشْرِكِينَ- 161- من اليهود والنصارى قُلْ: يا محمد إِنَّ
صَلاتِي الخمس وَنُسُكِي يعني وذبحي وَمَحْيايَ وَمَماتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 162- لا شَرِيكَ لَهُ يَقُولُ
لَيْسَ معه شريك وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ- 163- يعني المخلصين من أَهْل مكة، قُلْ
أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وذلك أن كفار قريش قالوا
للنبي- صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «ارجع» «3» عن هَذَا
الأمر فنحن لك كفلاء بما أصابك من تبعة، فأنزل اللَّه «قُلْ»
لهم «أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا» يعني أتخذ ربا وَهُوَ
رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ فِي السموات والأرض وَلا تَكْسِبُ كُلُّ
نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها يعني إِلَّا عَلَى نفسها وَلا تَزِرُ
وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى
لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَحْنُ لك
الكفلاء بما أصابك من تبعة ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ فِي الآخرة
مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ فِي الدّين
أنتم وكل قبيلة فِي الدّين تَخْتَلِفُونَ- 164- أنتم وكفار مكة
نظيرها [127 ب] فِي الروم.
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ يعني من بعد
هلاك الأمم الخالية وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ
دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ يعنى بالدرجات
الفضائل
__________
(1) سورة النبأ: 26.
(2) فى أ: كل.
(3) ارجع: ساقطة من أ، ومثبتة من ل.
(1/600)
والرزق
لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما يحملك
عَلَى الَّذِي أتيتنا به إِلَّا الحاجة فنحن نجمع لك من
أموالنا فنزلت وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ
يعني ليبتليكم فيما أعطاكم يَقُولُ يبتلي بعض الْمُؤْمِنِين
الموسر بالغني، ويبتلي بعض الْمُؤْمِنِين المعسر بالفاقة إِنَّ
رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لمن عصاه فِي فاقة أَوْ غنى يخوفهم
كأَنَّه قَدْ جاء ذَلِكَ اليوم وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ-
165- بعد التوبة.
قوله من الضأن اثنين يعنى كبشا ونعجة ومن المعز اثنين يعنى
تيسا وشاة ومن الإبل اثنين يعنى جملا وناقة ومن البقر اثنين
يعنى ثورا وبقرة «1»
__________
(1) الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وَسَلامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
تم الجزء الأول من تفسير مقاتل بن سليمان- ويليه إن شاء الله-
الجزء الثاني منه ويبدأ بسورة الأعراف.
(1/601)
|