تفسير مقاتل بن
سليمان سورة يونس
(2/207)
(10) سورة يونس مكّيّة وآياتها تسع ومائة
[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 109]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ
عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ
النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ
صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا
لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى
عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ
مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ
مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً
وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ
يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي
اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ
الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا
غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا
يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها
سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ
الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ
أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي
طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ
الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا
إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا
كانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي
الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ
فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
(14)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا
يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ
بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ
تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ
إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا
أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ
قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ
لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ
اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَما كانَ
النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي
مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذا أَذَقْنَا
النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا
لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً
إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي
يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا
بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ
مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ
لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ
إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ
مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ
فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّما
مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ
السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ
النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ
قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً
فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ
نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى
وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ
بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ
مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ
اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ
لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ
إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29)
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا
إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا
كانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ
(31) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ
الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذلِكَ
حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ
لا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ
يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ
اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ
يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَما يَتَّبِعُ
أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36)
وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ
يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الظَّالِمِينَ (39)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ
بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ
كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ
بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا
تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ
(42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي
الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا
يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (44)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً
مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ
(45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ
شَهِيدٌ عَلى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ
فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ
لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا
وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا
يَسْتَقْدِمُونَ (49)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ
نَهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)
أَثُمَّ إِذا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ
كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ
بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ
هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا
فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا
رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ (54)
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (56) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ
وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً
وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ
تَفْتَرُونَ (59)
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) وَما تَكُونُ فِي
شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ
مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ
تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ
ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ
ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) أَلا
إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63)
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا
تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(64)
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ
إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَسْمَعُونَ (67) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ
هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى
اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69)
مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ
نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ
(70) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ
يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي
بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ
عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ
(71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ
فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً
إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا
لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ
نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى
فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا
قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ
عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى
أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا
يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا
عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا
الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ
(78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79)
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا
أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا
جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ
اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ
اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
(82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى
خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ
الْمُسْرِفِينَ (83) وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ
مُسْلِمِينَ (84)
فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا
بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنا
إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ
بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا
إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى
قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ
الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما
فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ (89)
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا
أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ
الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ
مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ
النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنا
بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما
كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ
مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ
الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ
فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ
عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ
جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ
(97) فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها
إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ
عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ
إِلى حِينٍ (98) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي
الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)
قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي
الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ
يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ
آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ
دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا
لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً
مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ
فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا
رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى
فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما
يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ
اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
(2/209)
سورة يونس «1»
__________
(1) مقصود سورة يونس إثبات النبوة، وبيان فساد اعتقاد الكفار
فى حق النبي- صلى الله عليه وسلم- والقرآن، وذكر جزائهم على
ذلك فى الدار الآخرة، وتقدير منازل الشمس والقمر لمصالح الخلق
وذم القانعين بالدنيا الفانية عن النعيم الباقي، ومدح أهل
الإيمان فى طلب الجنان، واستعجال الكفار بالعذاب، وامتحان
الحق- تعالى- خلقه باستخلافهم فى الأرض وذكر عدم تعقل الكفار
كلام الله، ونسبته إلى الافتراء والاختلاف والإشارة إلى بطلان
الأصنام وعبادها، وبيان المنة على العباد بالنجاة من الهلاك فى
البر والبحر وتمثيل الدنيا بنزول المطر، وظهور ألوان النبات
والأزهار ودعوة الخلق إلى دار السلام، وبيان ذل الكفار فى
القيامة ومشاهدة الخلق فى العقبى ما قدموه من طاعة ومعصية
وبيان أن الحق واحد، وما سواه باطل وإثبات البعث والقيامة
بالبرهان والحجة الواضحة، وبيان فائدة نزول القرآن والأمر
بإظهار السرور والفرح بالصلاة والقرآن، وتمييز أهل الولاية من
أهل الجناية، وتسلية النبي- صلى الله عليه وسلم- بذكر شيء من
قصة موسى، وواقعة بنى إسرائيل مع قوم فرعون، وذكر طمس أموال
القبطيين، ونجاة الإسرائيليين من البحر، وهلاك أعدائهم من
الفرعونيين، ونجاة قوم يونس بإخلاص الإيمان فى وقت اليأس،
وتأكيد نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمره بالصبر على جفاء
المشركين وأذاهم فى قوله: حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا
وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.... وكل آية على الميم قبل الميم
ياء. ومجموع فواصلها (مين) .
وسميت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس
ببركة الإيمان عند اليأس فى قوله فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ الآية 98
يونس.
(2/223)
سورة يونس كلها مكية غير آيتين وهما «1»
قوله- تعالى-: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ... إلى قوله: ...
فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ «2» ، فإنهما مدنيتان «3» ،
وجملتها مائة وتسع آيات في عدد الكوفي «4» .
__________
(1) فى أ: وهي، ل: وهو.
(2) يشير إلى الآيتين 94، 95 من سورة يونس وتمامهما:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ
الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ، لَقَدْ جاءَكَ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ-
94-، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ
اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ- 95-.
(3) وفى المصحف: سورة يونس مكية إلا الآيات 40، 94، 95، 96
فمدنية. وآياتها 109 ونزلت بعد الإسراء.
(4) فى أ: وجملتها مائة وسبع آيات، وهو تصحيف وفى ل: مائة وتسع
آيات، وهو موافق للمنقول.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز
للفيروزآبادي: 238، سورة يونس مكية بالاتفاق عدد آياتها مائة
وعشر آيات عند الشاميين، وتسع عند الباقين.
وعدد كلماتها (1499) كلمة.
(2/224)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ- 1- يعني المحكم يقال الألف
واللام والراء، فهن آيات الكتاب يعني علامات الكتاب يعني
القرآن الحكيم يعني المحكم من الباطل، ولا كذب فيه، ولا
اختلاف. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً يعني بالناس كفار أهل مكة
عجبا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يعني بالرجل محمدا-
صلى الله عليه وسلم- يعرفونه ولا ينكرونه أَنْ أَنْذِرِ يعني
حذر النَّاسَ عقوبة الله- عز وجل- ونقمته إذا عصوه وَبَشِّرِ
الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم- وبما في القرآن من الثواب أَنَّ لَهُمْ بأعمالهم «1»
التي قدموها بين أيديهم قَدَمَ صِدْقٍ يعني سلف خير عِنْدَ
رَبِّهِمْ يعني ثواب صدق يقدمون عليه وهو الجنة قالَ
الْكافِرُونَ من أهل مكة يعني أبا جهل بن هشام، والوليد بن
المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأهل
مكة قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ يعني محمدا- صلى
الله عليه وسلم- مُبِينٌ- 2- يعني بينٌ قوله:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ يوم
الأحد، ويوم الإثنين وَخلق الْأَرْضَ يوم الثلاثاء، ويوم
الأربعاء، وما بينهما يوم الخميس، ويوم الجمعة فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فيها تقديم ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
__________
(1) فى أ: بأن أعمالهم.
(2/225)
«1» ثم خلق السموات والأرض. يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ يقضي القضاء وحده لا يدبره غيره مَا مِنْ شَفِيعٍ من
الملائكة لبني آدم إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يعني لا يشفع
أحد إلا بإذنه (ولا يشفعون إلا لأهل التوحيد فذلك قوله:
«إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ
وَيَرْضى ... «2» » ) فرضي الله للملائكة أن يشفعوا للموحدين
ثم قال: ذلِكُمُ اللَّهُ يعني هكذا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
يعني فوحدوه، ولا تشركوا به شيئا أَفَلا يعني فهلا
تَذَكَّرُونَ- 3- في ربوبيته، ووحدانيته ثم قال: إِلَيْهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً بعد الموت وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ولم يك شيئا كذلك
يعيده من بعد الموت لِيَجْزِيَ يعني لكي يثيب في البعث
الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني
وأقاموا الفرائض بِالْقِسْطِ يعني بالحق وبالعدل «3» وثوابهم
الجنة وَيجزى الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله لَهُمْ شَرابٌ
مِنْ حَمِيمٍ وذلك الشراب قد أوقد عليه «4» منذ يوم خلقها
الله- عز وجل- إلى يوم يدخلها أهلها فقد انتهى حرها وَعَذابٌ
أَلِيمٌ يعني وجيع نظيرها في الواقعة فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ
«5» بِما كانُوا يَكْفُرُونَ- 4- بتوحيد الله- عز وجل- هُوَ
الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً بالنهار لأهل الأرض يستضيئون
بها وَالْقَمَرَ نُوراً بالليل [163 ب] وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ
يزيد وينقص يعنى
__________
(1) من: ل، وليست فى: أ.
(2) ما بين الأقواس ( ... ) من: ل. وهو مضطرب فى: أ. [.....]
(3) فى أ: (بالقسط) وبالحق يعنى بالعدل.
(4) فى أعليها.
(5) سورة الواقعة: 93.
(2/226)
الشمس سراجا والقمر نورا لِتَعْلَمُوا
بالليل والنهار عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وقدره منازل
لتعلموا بذلك عدد السنين، والحساب، ورمضان، والحج، والطلاق،
وما يريدون بين العباد ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ يعني الشمس
والقمر إِلَّا بِالْحَقِّ لم يخلقهما عبثا خلقهما لأمر هو كائن
يُفَصِّلُ يبين الْآياتِ يعني العلامات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ-
5- بتوحيد الله- عز وجل- أن الله واحد لما يرون من صنعه ثم
قال: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ عليكم وَما
خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ- 6- عقوبة الله- عز وجل-، قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا
يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخشون لقاءنا يعني البعث والحساب
وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها فعملوا
لها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا يعنى ما أخبر فى أول هذه
السورة غافِلُونَ- 7- يعني ما ذكر من صنيعه في هؤلاء الآيات
لمعرضون فلا يؤمنون «1» ، ثم أخبر بما أعد لهم في الآخرة فقال:
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ يعنى مصيرهم النار بِما كانُوا
يَكْسِبُونَ- 8- من الكفر والتكذيب ثم أخبر بما أعد للمؤمنين
فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالله وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ وأقاموا فرائض الله يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمانِهِمْ يعني بتصديقهم وتوحيدهم كما صدقوا ووحدوا كذلك
يهديهم ربهم إلى الفرائض ويثيبهم الجنة تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يعني تحت قصورهم نور في نور قصور الدر
والياقوت، وأنها تجري من غرفهم جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 9- لا
يكلفون فيها عملا أبدا ولا يصيبهم فيها مشقة أبدا دَعْواهُمْ
فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ فهذا
__________
(1) فى أ: فلا يموتون، ل: فلا يؤمنون.
(2/227)
علم بين أهل الجنة وبين الخدم إذا أرادوا
الطعام والشراب دعواهم أن يقولوا في الجنة «سُبْحانَكَ
اللَّهُمَّ» فإذا الموائد قد جاءت فوضعت ميلا في ميل قوائمها
اللؤلؤ ودخل عليهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم صحاف الذهب
سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام ليس في صاحبتها مثله،
كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة كلما شبع أتى بشربة
تهضم ما قبلها بمقدار أربعين عاما ويؤتون بألوان الثمار وتجيء
الطير أمثال البخت مناقيرها لون وأجنحتها لون وظهورها لون،
وبطونها لون، وقوائمها لون، تتلألأ نورا حتى تقف بين يديه في
بيت طوله فرسخ في فرسخ في غرفة فيها سرر موضونه، والوضن مشبك
«1» وسطه بقضبان الياقوت والزمرد الرطب، ألين من الحرير
قوائمها «2» اللؤلؤ حافتاه «3» ذهب وفضة عليه من الفرش مقدار
سبعين غرفة في دار الدنيا لو أن رجلا وقع من تلك «4» الغرف لم
يبلغ قرار الأرض [164 أ] سبعين عاما فيأكلون ويشربون وتقوم «5»
الطير وتصطف بين يديه وتقول يا ولي الله رعيت في روضة كذا وكذا
وشربت من عين كذا وكذا فأيتهن أعجبه وصفها وقعت على مائدته
نصفها قديد «6» سبعون ألف لون من الطير الواحد والنصف شواء
فيأكل منها ما أحب ثم يطير فينطلق إلى الجنة لأنه ليس في الجنة
من يموت «7» وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وذلك
__________
(1) فى أ: يشك، ل: مشبك.
(2) فى أ، ل: قوائمها.
(3) فى أ: حافاته، ل: حافتاه.
(4) فى أ: ذلك، ل: تلك.
(5) فى أ، ل: وتقول.
(6) فى أ: قدير.
(7) هذا من الإسرائيليات التي نقلها مقاتل فى التفسير، وما كان
أغنى كتاب الله عن هذه الأقاويل.
(2/228)
أن يأتيه ملك من عند رب العزة فلا يصل إليه
حتى يستأذن له حاجب فيقوم بين يديه فيقول: يا ولي الله، ربك
يقرأ عليك السلام. وذلك قوله تعالى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها
سَلامٌ من عند الرب- تعالى-، فإذا فرغوا من الطعام والشراب.
قالوا:
الحمد لله رب العالمين، وذلك قوله- عز وجل-: وَآخِرُ
دَعْواهُمْ يعني قولهم حين فرغوا من الطعام والشراب أَنِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 10- وَلَوْ يُعَجِّلُ
اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ وذلك
حين قال النضر بن الحارث: «1» فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً
مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «2» فيصيبنا،
فأنزل الله- عز وجل-: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ
الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ إذا أرادوه فأصابوه يقول
الله: ولو استجيب لهم في الشر «كما يحبون أن «3» » يستجاب لهم
فى الخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ في الدنيا بالهلاك
إذا.
«فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» «4» فنذرهم لا
يخرجون أبدا فذلك قوله: فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 11-
يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله-
عز وجل-، وأيضا ولو يعجل الله للناس: يقول ابن آدم يدعو لنفسه
بالخير ويحب أن يعجل الله ذلك، ويدعو على نفسه بالشر، يقول:
اللهم إن كنت صادقا فافعل كذا وكذا. فلو يعجل الله ذلك لقضي
«5» إليهم أجلهم: يعني العذاب «فَنَذَرُ» يعني فنترك الَّذِينَ
لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعنى
__________
(1) فى أ: الحرث.
(2) سورة الأنفال: 32.
(3) فى أ: كما أن، ل: كما يحبون أن. [.....]
(4) ساقط من أ، ل. ومكتوب بدل منها «فنذرهم» على أنها قرآن
وليست الآية فنذرهم بل:
فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا.
(5) فى ل: لنعى.
(2/229)
لا يخشون لقاءنا فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها وَإِذا
مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ يعني المرض «1» بلاء أو شدة «2»
نزلت في أبي حذيفة اسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي
دَعانا لِجَنْبِهِ يعني لمضجعه في مرضه أَوْ دعانا قاعِداً
أَوْ قائِماً كل ذلك لما كان «3» فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ
ضُرَّهُ وعوفي من مرضه مَرَّ يعني استمر أي أعرض عن الدعاء
كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ولا يزال يدعونا ما
احتاج إلى ربه «4» فإذا أعطي حاجته أمسك عن الدعاء قال الله-
تعالى- عند ذلك استغنى عبدي كَذلِكَ يعني هكذا زُيِّنَ
لِلْمُسْرِفِينَ يعني المشركين مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- 12- من
أعمالهم السيئة يعني الدعاء فى الشدة وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا
الْقُرُونَ بالعذاب في الدنيا مِنْ قَبْلِكُمْ يا أهل مكة
لَمَّا ظَلَمُوا يعني حين أشركوا يخوف كفار مكة بمثل عذاب
الأمم الخالية لكي لا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم-
وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يقول أخبرتهم رسلهم
بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، ثم قال: وَما كانُوا
لِيُؤْمِنُوا يقول ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول العذاب بهم
في الدنيا كَذلِكَ يعني هكذا نَجْزِي بالعذاب الْقَوْمَ
الْمُجْرِمِينَ- 13- يعني مشركي الأمم الخالية، ثم قال لهذه
الأمة:
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ يا أمة محمد خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ
بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ- 14- وَإِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعنى القرآن
__________
(1) فى أ: الضر، ل: المرض.
(2) فى أ: بلاء وشدة، ل: بلاء أو شدة.
(3) فى أ: ما كان، ل: لما كان.
(4) فى أ: ربه، وفى حاشية أ: حاجته: محمد، وفى ل: ربه.
(2/230)
قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا
يعني لا يحسبون «1» لقاءنا يعني البعث ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ
هذا ليس فيه قتال أَوْ بَدِّلْهُ فأنزل الله- عز وجل- قُلْ يا
محمد: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ
عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 15- وذلك أن الوليد بن
المغيرة وأصحابه أربعين رجلا أحدقوا بالنبي- صلى الله عليه
وسلم- ليلة حتى أصبح فقالوا: يا محمد، اعبد اللات والعزى ولا
ترغب عن دين آبائك فإن كنت فقيرا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت
خشيت أن تلومك العرب، فقل: إن الله أمرني بذلك، فأنزل الله- عز
وجل-: «قُلْ» يا محمد أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي
أَعْبُدُ ... إلى قوله: ... بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ يعنى فوحد
وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ «2» على الرسالة والنبوة، وأنزل
الله- عز وجل- وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ
يعنى محمد فزعم أني أمرته بعبادة اللات والعزى لَأَخَذْنا
مِنْهُ بِالْيَمِينِ يعنى بالحق ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ
الْوَتِينَ «3» وهو الحبل المعلق به القلب، وأنزل الله- تعالى-
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ «4» ثم قال لكفار مكة: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما
تَلَوْتُهُ يعني ما قرأت هذا القرآن عَلَيْكُمْ وَلا
أَدْراكُمْ بِهِ يقول ولا أشعركم بهذا القرآن فَقَدْ لَبِثْتُ
فِيكُمْ عُمُراً طويلا أربعين سنة مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا
القرآن فهل سمعتموني أقرأ شيئا عليكم أَفَلا يعنى فهلا
تَعْقِلُونَ- 16- أنه ليس منقول مني ولكنه وحي من الله إلي
فَمَنْ أَظْلَمُ
__________
(1) أى لا يحسبون لقاءنا واقعا. أى لا يؤمنون بالبعث.
(2) سورة الزمر: 64، 65، 66.
(3) سورة الحاقة: 44، 45، 46.
(4) سورة الأنعام: 15، سورة الزمر: 13.
(2/231)
يعني فمن أشد ظلما لنفسه مِمَّنِ افْتَرى
عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم أن مع الله آلهة أخرى أَوْ كَذَّبَ
بِآياتِهِ يعني بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبدينه إِنَّهُ لا
يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ- 17- يعنى إنه لا ينجّى «1» الكافرون
من عذاب الله- عز وجل- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا
يَضُرُّهُمْ إن تركوا عبادتهم وَلا يَنْفَعُهُمْ إن عبدوها،
وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات، وعبد أهل مكة العزى، ومناة،
وهبل، وأساف ونائلة لقبائل قريش، وود لكلب بدومة الجندل، وسواع
لهذيل، ويغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ، ويعوق لهمذان
ببلخع «2» ، ونسر لذي الكلاع من حمير. قالوا: نعبدها لتشفع لنا
يوم القيامة [165 ا] فذلك قوله: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ
شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما
لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ
وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ- 18- وَما كانَ النَّاسُ في زمان
آدم- عليه السلام- إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً يعني ملة واحدة
مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان ثم اتخذوها «3» بعد ذلك
فذلك قوله: فَاخْتَلَفُوا بعد الإيمان وَلَوْلا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ قبل الغضب لأخذناهم عند كل ذنب، فذلك
قوله: لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 19-
يعنى فى اختلافاتهم بعد الإيمان.
وَيَقُولُونَ لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ
رَبِّهِ مما سألوا يعنى فى بنى إسرائيل.
__________
(1) فى أ: لا ينجو، ل: لا ينجى.
(2) فى أ: ببلخع، ل: ببلخع، م: ببلح.
(3) فى أ: اتخذوا.
(2/232)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1» يعني لن نصدقك
حتى تخرج لنا نهرا فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم ومن رءوس
الجبال، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ...
إلى قوله ... كِسَفاً حين قال إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ
الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ
«2» يعنى قطعا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ عيانا فننظر إليه
وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ
زُخْرُفٍ يعنى من الذهب أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ يعني أو تضع
سلما فتصعد إلى السماء وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى
تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. يقول، ولسنا نصدقك حتى
تأتي بأربعة أملاك يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة، وهذا قول
عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فأنزل الله في قوله: أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ عيانا فننظر إليه.
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ
مُوسى مِنْ قَبْلُ «3» إذ قالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «4»
وأنزل الله فيها «5» : بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً «6» .
لقوله: كِتاباً نَقْرَؤُهُ «7» . وأنزل الله:
__________
(1) يشير إلى الآيات 90، 91، 92، 93 من سورة الإسراء وتمامها:
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ
الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً، أَوْ
تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ
لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ
نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً
نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً
رَسُولًا.
[.....]
(2) سورة سبأ: 9.
(3) سورة البقرة: 108.
(4) سورة النساء: 103.
(5) أى: فى مقالة عبد الله بن المغيرة: - أو تأتى بالله.
(6) سورة المدثر: 52.
(7) أى لقول عبد الله بن المغيرة وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ
حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء: 93.
(2/233)
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «1» لأني إذا أرسلت
إلى قوم آية ثم كذبوا لم أناظرهم «2» بالعذاب.
وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا ثم لم أناظرهم بالعذاب
قال: يا رب لا، رقةً لقومه، لعلهم يتقون.
ثم قال: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ وهو قوله: إِنَّما
يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ «3» فَانْتَظِرُوا بي
الموت إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ- 20- بكم العذاب
القتل ببدر. وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ يعني آتينا الناس يعني
كفار مكة رَحْمَةً يعنى المطر مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ يعني القحط
وذهاب الثمار مَسَّتْهُمْ يعني المجاعة سبع سنين إِذا لَهُمْ
مَكْرٌ فِي آياتِنا يعني تكذيبا يقول إذ لهم قول في التكذيب
بالقرآن واستهزاء قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً يعني الله أشد
إخزاء إِنَّ رُسُلَنا من الحفظة يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ-
21- يعني ما تعلمون هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
على ظهور الدواب والإبل ويهديكم لمسالك الطرق والسبل هُوَ
يحملكم فى الْبَحْرِ في السفن في الماء ويدلكم فيه بالنجوم.
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ يعنى فى السفن وَجَرَيْنَ
بِهِمْ [165 ب] يعني بأهلها بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ يعني غير عاصف
ولا قاصف ولا بطيئة وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها يعني السفينة
رِيحٌ عاصِفٌ قاصف يعني غير لين يعني ريحا شديدة وَجاءَهُمُ
الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني من بين أيديهم ومن خلفهم ومن
فوقهم وَظَنُّوا يعني وأيقنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يعني
أنهم مهلكون يعني مغرقون دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ وضلت عنهم آلهتهم التي
__________
(1) سورة الإسراء: 59.
(2) أى: لا أنظر عذابي ولا أؤجله عنهم بل أعجله لهم.
(3) سورة هود: 33.
(2/234)
يدعون من دون الله فذلك قوله وَإِذا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا
إِيَّاهُ «1» .
لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ المرة لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ- 22- لا ندعو معك غيرك فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا
هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يعني يعبدون مع الله غيره
بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ عبدوا مع الله غيره يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ضرره «2» في الآخرة
مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون فيها قليلا إلى منتهى
آجالكم ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فى الآخرة فَنُنَبِّئُكُمْ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 23- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ
الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ
يقول مثل الدنيا كمثل النبت بينا هو أخضر إذا هو قد يبس فكذلك
الدنيا إذا جاءت الآخرة.
يقول أنزل الماء من السماء فأنبت به ألوان الثمار لبني آدم
وألوان النبات للبهائم حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَها يعني حسنها وزينتها وَازَّيَّنَتْ بالنبات وحسنت
وَظَنَّ أَهْلُها يعني وأيقن أهلها أَنَّهُمْ قادِرُونَ
عَلَيْها في أنفسهم أَتاها أَمْرُنا يعني عذابنا لَيْلًا أَوْ
نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً يعنى ذاهبا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ يعني تنعم بالأمس كَذلِكَ يعني هكذا تجيء الآخرة
فتذهب الدنيا ونعيمها وتنقطع عن أهلها نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني
نبين العلامات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 24- فى عجائب الله
وربوبيته.
__________
(1) سورة الإسراء: 67.
(2) فى أ: ضرورة، وفى م: ضرورة، وفى ل: ضرره.
(2/235)
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ
يعني دار نفسه وهي الجنة والله هو السلام وَيَهْدِي مَنْ
يَشاءُ يعني من أهل التوحيد إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 25- يعنى
دين الإسلام. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا يعني وحدوا الله الْحُسْنى
يعني الجنة وَزِيادَةٌ يعني فضل على الجنة النظر إلى وجه الله
الكريم وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ يعني ولا يصيب وجوههم
قتر يعني سواد ويقال كسوف ويقال هو السواد وَلا ذِلَّةٌ يعني
ولا مذلة في أبدانهم عند معاينة النار أُولئِكَ الذين هم بهذه
المنزلة أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 26- لا
يموتون وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ يعنى عملوا الشرك
جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها يعني جزاء الشرك جهنم
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يعني مذلة في أبدانهم مَا لَهُمْ مِنَ
اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني مانع يمنعهم من العذاب كَأَنَّما
أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يعني
سواد الليل أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ-
27- لا يموتون، قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً [166 ا]
يعني الكفار وما عبدوا من دون الله ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ
أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ يعنى الآلهة
فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ يعني فميزنا بين الجزاءين وَقالَ
شُرَكاؤُهُمْ يعني الآلهة وهم الأصنام مَا كُنْتُمْ إِيَّانا
تَعْبُدُونَ- 28- فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا يعني لقد كنا عَنْ عِبادَتِكُمْ
إيانا لَغافِلِينَ- 29- وقد عبدتمونا وما نشعر بكم، ثم قال:
هُنالِكَ يعنى عند ذلك تَبْلُوا يعنى تختبر كُلُّ نَفْسٍ ما
أَسْلَفَتْ يعني ما قدمت وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ
الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ- 30- يعني
يعبدون في الدنيا من الآلهة.
(2/236)
قُلْ لكفار قريش مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّماءِ يعنى المطر وَمن الْأَرْضِ يعنى النبات والثمار
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ فيسمعها المواعظ وَالْأَبْصارَ
فيريها العظمة وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يعني
النسمة الحية من النطفة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني أمر الدنيا يعني القضاء وحده
فَسَيَقُولُونَ «1» فسيقول مشركو قريش اللَّهُ يفعل ذلك فإذا
أقروا بذلك فَقُلْ يا محمد أَفَلا يعني أفهلا تَتَّقُونَ- 31-
الشرك يعني فهلا تحذرون العقوبة والنقمة.
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ
إِلَّا الضَّلالُ فماذا بعد عبادة الحق والإيمان إلا الباطل
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ- 32- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 33- فأخبر
بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون، ثم قال: قُلْ هَلْ مِنْ
شُرَكائِكُمْ يعني الآلهة التي عبدوا من دون الله مَنْ
يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول هل من خالق غير الله
يخلق خلقا من النطفة على غير مثال ولا مشورة، أمن يعيد خلقا من
بعد الموت سَيَقُولُونَ فى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ:
لِلَّهِ «2» .
قُلْ أنت يا محمد اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 34- يقول فمن أين تكذبون بتوحيد الله
إذا زعمتم أن مع الله إلها آخر قُلْ للكفار يا محمد: هَلْ مِنْ
شُرَكائِكُمْ يعني اللات، والعزى، ومناة، آلهتهم التي يعبدون
مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يقول هل منهم أحد إلى الحق يهدي
يعنى
__________
(1) فى أ: فسيقول، وفى حاشية أ: التلاوة فَسَيَقُولُونَ.
(2) سورة المؤمنون: 85.
(2/237)
إلى دين الإسلام قُلِ اللَّهُ يا محمد
يَهْدِي لِلْحَقِّ وهو الإسلام أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى
الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي وهي
الأصنام والأوثان إِلَّا أَنْ يُهْدى وبيان ذلك في النحل
وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ «1» ، ثم عابهم فقال:
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ- 35- يقول ما لكم كيف تقضون
الجور ونظيرها في ن وَالْقَلَمِ «2» : حين زعمتم أن معي شريكا،
يقول: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا يعني الآلهة
يقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب يقول الله إِنَّ الظَّنَّ
لا يُغْنِي عنهم مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني من العذاب شيئا
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ- 36- وَما كانَ هذَا
الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك لأن الوليد
بن المغيرة وأصحابه قالوا: يا محمد هذا القرآن [166 ب] هو منك
وليس هو من ربك فأنزل الله تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ
أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ يقول القرآن يصدق التوراة، والزبور، والإنجيل،
وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ يعني تفصيل الحلال
والحرام لا شك فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- 37- أَمْ
يَقُولُونَ افْتَراهُ يا محمد على الله قُلْ إن زعمتم أنى
افتريته وتقولته فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مثل هذا القرآن
وَادْعُوا يقول استعينوا عليه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ يعني الآلهة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 38- أن الآلهة
تمنعهم من العذاب يقول الله:
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ إذ زعموا أن لا
جنة، ولا نار، ولا بعث، وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يعني
بيانه كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من
__________
(1) سورة النحل الآية 76 وتمامها: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ
وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ
بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
[.....]
(2) يشير إلى الآية 36 من سورة القلم وهي قوله تعالى: ما
لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
(2/238)
الأمم الخالية فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ- 39- يعني المكذبين بالبعث وَمِنْهُمْ
مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ يعني لا
يصدق بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ودينه ثم أخبر الله أنه قد
علم من يؤمن به ومن لا يؤمن به من قبل أن يخلقهم، فذلك قوله:
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ- 40- وَإِنْ كَذَّبُوكَ
بالقرآن وقالوا: إنه من تلقاء نفسك فَقُلْ للمستهزئين من قريش
عبد الله بن أبي أمية وأصحابه لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ
يقول دين الله أنا عليه، ولكم دينكم الذي أنتم عليه أَنْتُمْ
بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا
تَعْمَلُونَ- 41- يقول أنتم بريئون من ديني، وأنا بريء من
دينكم يعني من كفركم مثلها في هود قالَ إِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ
دُونِهِ «1» .
وَمِنْهُمْ يعني مشركي قريش مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يعني
يستمعون قولك أَفَأَنْتَ يا محمد تُسْمِعُ الصُّمَّ يقول كما
لا يسمع الصم لا يسمع المواعظ من قد سبقت له الشقاوة في علم
الله- تعالى- وَلَوْ يعني إذ كانُوا لا يَعْقِلُونَ- 42-
الإيمان وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يا محمد أَفَأَنْتَ
تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ يعنى إذ كانُوا لا يُبْصِرُونَ- 43-
الهدى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ
النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 44- يقول نصيبهم ينقصون
بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنين وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ من قبورهم إلى القيامة كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا
إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يعنى يوما
__________
(1) سورة هود الآية 54، 55 وتمامها:
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ، قالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا
تُنْظِرُونِ.
(2/239)
واحدا من أيام الدنيا يَتَعارَفُونَ
بَيْنَهُمْ يعني يعرفون بعضهم بعضا وتبيان ذلك في الفصل فى
سَأَلَ سائِلٌ «1» يُبَصَّرُونَهُمْ «2» يعني يعرفونهم قَدْ
خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ يعنى البعث وَما
كانُوا مُهْتَدِينَ- 45- وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي
نَعِدُهُمْ يوم بدر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل يوم بدر
فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ في الآخرة فأنتقم منهم ثُمَّ اللَّهُ
شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ- 46- من الكفر والتكذيب وَلِكُلِّ
أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ يعنى بالحق [167 ا] وهو العدل وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ- 47- وذلك أن الله بعث الرسل إلى أممهم يدعون إلى
«عبادة «3» » الله وترك عبادة الأصنام والأوثان فمن أجابهم إلى
ذلك أثابه الله الجنة، ومن أبى جعل ثوابه النار فذلك قوله:
قُضِيَ «4» بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وذلك
عند وقت العذاب وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني وهم لا ينقصون من
محاسنهم ولا يزادون على مساوئهم ما لم يعملوها وَيَقُولُونَ
يعني الكفار لنبيهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ- 48- وذلك قوله: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «5» .
__________
(1) سورة المعارج وهي السورة رقم 70 فى ترتيب المصحف، وأولها
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ
دافِعٌ» .
(2) يشير إلى الآية 11 من سورة المعارج وتمامها:
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ
عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ.
(3) زيادة ليست فى: أ، وليست فى: ل.
(4) فى أ، ل: وقضى.
(5) سورة العنكبوت: 29.
(2/240)
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا يعني
سوءا وَلا نَفْعاً يعني في الآخرة إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ وقت يقول: لكل أجل وقت لأنه سبقت
الرحمة الغضب إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني وقت العذاب فَلا «1»
يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ- 49- يقول لا
يؤخر عنهم ساعة ولا يصيبهم قبل الوقت قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً يعني صباحا أَوْ نَهاراً مَاذَا
يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ- 50- أَثُمَّ إِذا ما
وَقَعَ يعنى قول القرآن آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ حين لم تنفعكم
وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ يعني بالعذاب تَسْتَعْجِلُونَ- 51- ثُمَّ
قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني كفروا ذُوقُوا عَذابَ
الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ-
52- من الشرك يقول: جزاء الشرك جهنم «2» .
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ يقول يسألونك أَحَقٌّ هُوَ؟ يعني العذاب
الذي تعدنا به، ويقال القرآن الذي أنزل إليك أحق هو؟ قُلْ إِي
وَرَبِّي يعني نعم وإلهي إِنَّهُ يعني العذاب لَحَقٌّ يعني
لكائن وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ- 53- يعني بسابقي بأعمالكم
الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة، قوله: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ
نَفْسٍ كافرة ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ مالا لَافْتَدَتْ بِهِ
نفسها يوم القيامة من عذاب جهنم وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ
لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعني حين رأوا العذاب وَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعني بالعدل وصاروا إلى جهنم بشركهم
وصار المؤمنون إلى الجنة بإيمانهم وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 54-
قوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقول
هو رب من فيهما أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أن من وحده
أثابه الجنة ومن كفر به عاقبه بالنار وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ- 55- يعنى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى
النار وواحد
__________
(1) «فَلا» : فى الأصل «لا» .
(2) فى أ: يقول الشرك جهنم، ل: يقول جزاء الشرك جهنم.
(2/241)
إلى الجنة، ثم أخبر بصنيعه ليوحد، فقال:
هُوَ يُحيِي من النطف وَيُمِيتُ من بعد الحياة فاعبدوا من يحيى
ويميت وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 56- من بعد الموت فيجزيكم فى
الآخرة يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ يعني
بينة مِنْ رَبِّكُمْ وهو ما بين الله في القرآن وَشِفاءٌ لِما
فِي الصُّدُورِ من الكفر والشرك وَهذا القرآن هُدىً من الضلالة
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ- 57- لمن أحل حلاله، وحرم حرامه
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ يعني القرآن وَبِرَحْمَتِهِ الإسلام
فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا معشر المسلمين [167 ا] هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ- 58- من الأموال. فلما نزلت هذه الآية
قرأها النبي- صلى الله عليه وسلم- مرات.
قُلْ لكفار قريش، وخزاعة، وثقيف، وعامر بن صعصعة، وبني مدلج،
والحارث «1» ابني عبد مناة، قل لهم: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني البحيرة، والسائبة، والوصيلة،
والحام، فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا يعني حرمتم منه
ما شئتم وَحَلالًا يعني وحللتم منه ما شئتم قُلْ آللَّهُ
أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ- 59- وَما ظَنُّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ في الدنيا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
فزعموا أن له شريكا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو
فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حين لا يؤاخذهم عند كل ذنب وَلكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ- 60- هذه النعم وَما تَكُونُ فِي
شَأْنٍ «2» وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا
تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً
يعني إلا وقد علمته قبل أن تعملوه
__________
(1) فى أ: والحرث.
(2) فى أ: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ ... إلى قوله ...
عَلَيْكُمْ شُهُوداً.
وفى ل: ذكر نص الآية، فالمثبت من آية 61 من: ل.
(2/242)
إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وأنا شاهدكم يعني إذ
تعملونه وَما يَعْزُبُ يعني وما يغيب عَنْ رَبِّكَ مِنْ
مِثْقالِ ذَرَّةٍ يعني وزن ذرة فِي الْأَرْضِ وَلا فِي
السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي
كِتابٍ مُبِينٍ- 61- يعني اللوح المحفوظ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ
اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أن يدخلوا جهنم وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ- 62- أن يخرجوا من الجنة أبدا الَّذِينَ آمَنُوا
يعني صدقوا وَكانُوا يَتَّقُونَ- 63- الكبائرهُمُ الْبُشْرى
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
الرؤيا الصالحات فِي الْآخِرَةِ
إذا خرجوا من قبورهم تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
يعني لوعد الله أن من اتقاه ثوابه الجنة ومن عصاه عقابه
النارلِكَ
البشرى «1» وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ
- 64- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يا محمد يعني أذاهم إِنَّ
الْعِزَّةَ لِلَّهِ يعني إن القوة لله جَمِيعاً في الدنيا
والآخرة هُوَ السَّمِيعُ لقولهم الْعَلِيمُ- 65- بهم أَلا
إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يقول
هو ربهم وهم عباده، ثم قال: وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ
يَدْعُونَ يعنى يعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ يعني
الملائكة إِنْ يَتَّبِعُونَ يعني ما يتبعون إِلَّا الظَّنَّ
يعني ما يستيقنون بذلك وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ- 66-
الكذب ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ يعني
لتأووا فيه من نصب النهار وَالنَّهارَ مُبْصِراً ضياء ونورا
لتتغلبوا فيه لمعايشكم إِنَّ فِي ذلِكَ يعني في هذا لَآياتٍ
يعني لعلامات لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ- 67- المواعظ قالُوا
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً فنزه نفسه عن ذلك «2» ، فقال:
سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ أن يتخذ ولدا لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ
بِهذا
__________
(1) هكذا فى: أ، ل، ذلك اسم إشارة للمذكر، البشرى مؤنثة فلعله
ضمنها معنى التبشير.
(2) فى أ: فنزه عن ذلك، ل: فنزه نفسه عن ذلك.
(2/243)
يقول فعندكم حجة بما تزعمون أنه له ولد
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ- 68- قُلْ يا
محمد إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا
يُفْلِحُونَ- 69- يعني لا يفوزون إذا صاروا إلى النار مَتاعٌ
فِي الدُّنْيا يعني بلاغ في الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَيْنا
مَرْجِعُهُمْ [168 أ] في الآخرة ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ
الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ- 70- بقولهم إن الملائكة
ولد الله. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ يعني واقرأ عليهم نَبَأَ نُوحٍ
يعني حديث نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ
كَبُرَ عَلَيْكُمْ يعني عظم عليكم مَقامِي يعني طول مكثي فيكم
وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ يعني تحذيري إياكم عقوبة الله
فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ يعني بالله احترزت فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ وآلهتكم ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ
عَلَيْكُمْ غُمَّةً يعنى سوءا ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ يعني
ميلوا إلي وَلا تُنْظِرُونِ- 71- يعني ولا تمهلون فَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ يعني عصيتم فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ يعني
من جعل إِنْ أَجْرِيَ يعني ثوابي إِلَّا عَلَى اللَّهِ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 72- يعني من
الموحدين فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ من
المؤمنين فِي الْفُلْكِ يعني السفينة وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ
في الأرض من بعد نوح وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآياتِنا يعني بنوح وما جاء به فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ- 73- يعنى المحذرين ثُمَّ بَعَثْنا
مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ
فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ثم أخبر بعلمه فيهم، فقال:
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يعنى ليصدقوا بِما كَذَّبُوا بِهِ
يعني العذاب مِنْ قَبْلُ نزول العذاب كَذلِكَ نَطْبَعُ يعني
هكذا نختم عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ- 74- يعنى الكافرين
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الأمم مُوسى وَهارُونَ
(2/244)
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا
يعني بعلاماتنا: اليد والعصا فَاسْتَكْبَرُوا يعني فتكبروا عن
الإيمان وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ- 75- يعني كافرين
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يعني موسى وما جاء
به من الآيات قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ «1» - 76-
يعنى بين قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ اليد والعصا
لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ-
77- فى الدنيا والآخرة قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا يعنى
لتصدنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يعني عما كانت آباؤنا
تعبد وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ يعني موسى وهارون:
الكبرياء يعني الملك فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما
بِمُؤْمِنِينَ- 78- يعني بمصدقين وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي
بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ- 79- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ
لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ- 80- يعني
الحبال والعصي فَلَمَّا أَلْقَوْا الحبال والعصي سحروا أعين
الناس قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ
سَيُبْطِلُهُ يعني إن الله سيدحضه ويقهره إِنَّ اللَّهَ لا
يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ- 81- يعني إن الله لا يعطي أهل
الكفر والمعاصي الظفر وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ
يقول يحق الله الدين بالتوحيد والظفر لنبيه- صلى الله عليه
وسلم- وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ- 82- فَما آمَنَ لِمُوسى
يعني فما صدق لموسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ يعني أهل
بيت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط [168 ب] عَلى
خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ «يعني ومن معه الأشراف
من قومه «2» » الأبناء «3» أَنْ يَفْتِنَهُمْ يعنى أن يقتلهم
__________
(1) فى أ: «ما هذا» إلا «لَسِحْرٌ مُبِينٌ» . [.....]
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من: ل.
(3) تطلق الأبناء على الرؤساء والسادة وكان الفرس يلقبون
بأبناء الأبناء أى أبناء الأحرار والسادة قال الشاعر يمدح سيف
بن ذى يزن:
حتى أتى ببني الأبناء يقدمهم ... تخالهم فوق متن الأرض أجبالا
(2/245)
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ
يعنى جبارا فى الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ- 83-
يعني المشركين.
وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ
فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا يعنى احترزوا إِنْ كُنْتُمْ
مُسْلِمِينَ- 84- يعني إن كنتم مقرين بالتوحيد فَقالُوا عَلَى
اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً
لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 85- يعني الذين كفروا يقول ولا
تعذبهم من أجلنا، يقول إن عذبتهم فلا تجعلنا لهم فتنة
وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ- 86-.
( «حدثنا «1» » عُبَيْدُ اللَّهِ قال: سمعت أبي عن الْهُذَيْلِ
في قوله: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ» قال: سمعت أبا صالح «2» يقول: ربنا لا تظفرهم
بنا فيظنوا أنهم على حق وأنا على باطل. قال: سمعته مرة أخرى
يقول: لا تختبرنا ببلاء فيشمت بنا أعداؤنا من ذلك وعافنا منه.
قال: وسمعته «3» مرة أخرى يقول:
لا تبسط لهم في الرزق وتفتنا بالفقر فنحتاج إليهم فيكون ذلك
فتنة لنا ولهم «4» ) .
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا
لِقَوْمِكُما بني إسرائيل بِمِصْرَ بُيُوتاً يعني مساجد
وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً يقول اجعلوا مساجدكم قبل
المسجد الحرام وَأَقِيمُوا في تلك البيوت الصَّلاةَ لمواقيتها
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ- 87- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ
آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً يعني الملك وَأَمْوالًا
يعني أنواع الأموال فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا
لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ
__________
(1) زيادة ليست فى: أ، والأثر الاتى كل ساقط من: ل.
(2) أبا صالح: هو الهذيل فالأثر يرويه عبيد الله بن ثابت عن
أبيه عن الهذيل.
(3) فى أ: وسمعت.
(4) الأثر السابق بين القوسين ( ... ) : ساقط من: ل.
(2/246)
يعني إنما أعطيتهم ليشكروا ولا يكفروا
بدينك «1» . قال موسى:
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ قال هارون: آمين وَاشْدُدْ
يعني اختم عَلى قُلُوبِهِمْ قال هارون: آمين فَلا يُؤْمِنُوا
يعني فلا يصدقوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 88-
فإذا رأوا العذاب الأليم آمنوا ولم يغن عنهم «2» شيئا قالَ
قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما إلى الله فصار
الداعي والمؤمن شريكين وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ يعني طريق
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 89- بأن الله وحده لا شريك له- يعني
أهل مصر وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ بيان ذلك في
طه فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ
دَرَكاً وَلا تَخْشى «3» لا تخاف أن يدركك فرعون، ولا تخشى أن
تغرق فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً ظلما
وَعَدْواً يعني اعتداء حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ
آمَنْتُ يعني صدقت وذلك حين غشيه الموت أَنَّهُ «4» لا إِلهَ
إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ يعني بالذي
صدقت به بنو إسرائيل من التوحيد وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ-
90- فأخذ جبريل- عليه السلام- كفا من حصباء البحر فجعلها فى
فيه «5» ، فقال: آلْآنَ عند الموت تؤمن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
__________
(1) وفى الجلالين لِيُضِلُّوا فى عاقبته عَنْ سَبِيلِكَ دينك.
(2) فى أ، ل: لم يغن.
(3) سورة طه: 77.
«فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ» تفسيرها مضطرب فى أ،
ل.
(4) فى أ: يعنى صدقت أَنَّهُ وذلك حين غشيه الموت لا إِلهَ
إِلَّا ... ، والمثبت من: ل.
(5) فى حاشية أ: عاب فى الكشاف هذا الرأى وقال كلاما حاصله:
كيف يليق أن يمنع السيد جبريل شخصا يريد الإيمان من الإيمان.
(2/247)
[169 ا] أي قبل نزول العذاب وَكُنْتَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ- 91- يعنى من العاصين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ
بِبَدَنِكَ وذلك أنه لما غرق القوم قالت بنو إسرائيل: إنهم لم
يغرقوا فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه فنظروا إلى
فرعون على الماء فمنذ يومئذ إلى يوم القيامة تطفوا الغرقى على
«1» الماء، فذلك قوله: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يعني
لمن بعدك إلى يوم القيامة آية يعني علما وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ
النَّاسِ عَنْ آياتِنا يعني عجائبنا وسلطاننا لَغافِلُونَ- 92-
يعني لاهون وَلَقَدْ بَوَّأْنا يعني أنزلنا بَنِي إِسْرائِيلَ
مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزل صدق وهو بيت المقدس وَرَزَقْناهُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ يعني المطر والنبت فَمَا اخْتَلَفُوا يعني أهل
التوراة والإنجيل في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى
جاءَهُمُ الْعِلْمُ حتى بعثه الله- عز وجل- فلما بعث كفروا به
وحسدوه إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
«2» فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 93- فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ يا محمد مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ
يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ عبد الله بن سلام وأصحابه،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك لا أشك ولا أسأل بعد،
أشهد أنه الحق من عند الله
لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ
المُمْتَرِينَ- 94- يعنى من المشركين في القرآن بأنه جاء من
الله- تعالى.
ثم حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- وأوعز إليه حين قالوا: إنما
يلقنه الري «3» على لسانه، فقال: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعنى
__________
(1) مرد ذلك إلى تفاعلات فسيولوجية فى جسم الغريق يطفو بسببها
على وجه الماء بعد فترة من زمن الغرق ولا يمنع أن يكون الله هو
الذي أحكم تدبير هذه التفاعلات الفسيولوجية حتى يعثر الناس على
جثة الغريق.
(2) فى أ: القيامة القيامة.
(3) الري: الشيطان، وفى أ: الرويا، وفى ل: الري. [.....]
(2/248)
القرآن كما كذب به كفار مكة فَتَكُونَ مِنَ
الْخاسِرِينَ- 95- ثم قال «1» :
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يعني
وجبت عليهم كلمة العذاب يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله- عز
وجل- في علمه لا يُؤْمِنُونَ- 96- يعني لا يصدقون وَلَوْ
جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ-
97- كما سألوا «في» «2» بني إسرائيل حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ
الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ...
إلى آخر الآيات «3» .
وكقوله «4» فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ «5»
قال: كل شيء في القرآن فلولا: فهلا «6» إلا ما فى يونس «7»
وهود «8» .
__________
(1) فى أ: وفى ل:
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد
ذلك لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق فقال: إِنَّ الَّذِينَ
حَقَّتْ عَلَيْهِمْ....
(2) ساقطة من: أ، ومثبتة فى: ل.
(3) فى أ، ل: إلى آخر الآية.
والسياق يقتضى إلى آخر الآيات، وهي الآيات 90، 91، 92، 93 من
سورة الإسراء وتمامها: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ
جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ
خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ
عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ
قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى
فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ
إِلَّا بَشَراً رَسُولًا» .
(4) فى أ: كقوله.
(5) سورة هود: 116.
(6) أى معنا فهلا.
(7) يشير إلى الآية 98 من سورة يونس: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ.
(8) يشير إلى الآية 116 من هود: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ
مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ
فِي الْأَرْضِ.
(2/249)
فَلَوْلا كانَتْ «1» قَرْيَةٌ آمَنَتْ
فَنَفَعَها إِيمانُها: الإيمان عند نزول العذاب إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا يعني صدقوا وتابوا وذلك أن قوم يونس-
عليه السلام- لما نظروا إلى العذاب فوق رءوسهم على قدر ميل وهم
في قرية تسمى نينوى «2» من أرض الموصل تابوا، فلبس «3» المسوح
بعضهم، ونثروا الرماد على رءوسهم وعزلوا الأمهات من الأولاد
والنساء من الزواج ثم عجوا إلى الله فكشف الله عنهم العذاب
كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ- 98- إلى منتهى آجالهم فأخبرهم يا
محمد، أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب وَلَوْ شاءَ
رَبُّكَ لَآمَنَ «4» مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ-
99- هذا منسوخ نسختها آية السيف في براءة «5» .
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه فقال: وَما كانَ
لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى أن تصدق
بتوحيد الله حتى بأذن الله في ذلك وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ يعني
الإثم عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ- 100- ثم وعظ كفار مكة
فقال: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ يعني الشمس،
والقمر، والنجوم، والسحاب، والمطر وَالْأَرْضِ والجبال،
والأشجار، والأنهار، والثمار، والعيون، ثم أخبر عن علمه فيهم
فقال: وَما تُغْنِي الْآياتُ يعنى العلامات
__________
(1) فى أ: «فلو كانت» . وفى حاشية أ: التلاوة «فَلَوْلا» .
(2) فى أ: نينون، م: نينوى، ل: نينون.
(3) فى أ: فلبسوا، ل: فلبس.
(4) فى أ: إلى قوله « ... مؤمنين» .
(5) ليس معنى آية السيف الإكراه على الدين، فلا تعارض بينها
وبين هذه الآية، وبالتالى فليست ناسخة لها.
(2/250)
وَالنُّذُرُ يعني الرسل عَنْ قَوْمٍ لا
يُؤْمِنُونَ- 101- ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية فقال:
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، والقرون
المعذبة، قُلْ فَانْتَظِرُوا الموت إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ- 102- بكم العذاب ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا
وَالَّذِينَ آمَنُوا معهم كَذلِكَ يعني هكذا حَقًّا عَلَيْنا
نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ- 103- في الآخرة من النار وفي الدنيا
بالظفر قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ
مِنْ دِينِي الإسلام فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ من الآلهة وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ يعني أوحد
الله الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ- 104- يعني المصدقين وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفاً يعنى مخلصا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ- 105- بالله وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
يعني ولا تعبد مع الله إلها غيره ما لا يَنْفَعُكَ يقول ما إن
احتجت إليه لم ينفعك وَلا يَضُرُّكَ يعني فإن تركت عبادته في
الدنيا لا يضرك وإن لم تعبده فَإِنْ فَعَلْتَ فعبدت غير الله
فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ- 106- يعنى من المشركين،
ثم خوفه ليتمسك بدين الله وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ
يعنى بمرض فَلا كاشِفَ لَهُ لذلك الضر إِلَّا هُوَ يعني الرب
نفسه وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ بعافية وفضل فَلا رَادَّ
لِفَضْلِهِ يعني فلا دافع لقضائه يُصِيبُ بِهِ بذلك الفضل مَنْ
يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ- 107- قُلْ
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
يعني القرآن فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ
وَمَنْ ضَلَّ عن إيمان بالقرآن فَإِنَّما
(2/251)
يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ
بِوَكِيلٍ
- 108- نسختها آية السيف «1» وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ
يعني الحلال والحرام ثم أوعز إلى نبيه- عليه السلام- ليصبر على
تكذيبهم إياه وعلى الأذي فقال: وَاصْبِرْ يا محمد على الأذي
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ- 109-
فحكم الله عليها بالسيف فقتلهم ببدر. وعجل الله أرواحهم إلى
النار فصارت منسوخة نسختها آية السيف «2» .
__________
(1) ، (2) لا نسخ فى الآية 108 ولا فى الآية 109.
فقد أمر- عليه السلام- بتبليغ دعوته لأهل مكة بالحكمة والموعظة
الحسنة كما أمر بالصبر والتحمل.
وهذه مرحلة من مراحل الدعوة ناسبها التبليغ والاحتمال.
وفى مرحلة المدينة: أمر المسلمون بالدفاع عن أنفسهم.
فلما وقف مشركو العرب فى طريق الدعوة وكونوا قوة لصد الناس
عنها أمر المسلمون بقتال مشركي العرب خاصة.
فالأمر إما تدرج فى التشريع، أو تخصيص للعام، لا نسخا. [.....]
(2/252)
|