تفسير مقاتل بن
سليمان سورة هود
(2/253)
(11) سورة هود مكّيّة وآياتها ثلاث وعشرون
ومائة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 123]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ
إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ
مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي
فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ
أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) وَما
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ
مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ
إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ
مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا
كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا
الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ
لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ
لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ
فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
(11) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ
بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا
إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ
(15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ مَا كانُوا
يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ
وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى
إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ
(19)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ
الْعَذابُ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا
يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ
أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى
رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
(23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ
وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا
تَذَكَّرُونَ (24)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ
نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلاَّ
بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ
هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا
مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ
أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى
اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ
مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
(29)
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي
مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ
يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي
أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قالُوا
يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا
بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ
إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ
أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ
إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ
إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ
قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي
فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ
الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ
سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا
نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ
مُقِيمٌ (39)
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ
فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ
سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ
إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ
مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ
ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا
تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا
الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ
وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ
بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ
(45) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46)
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ
لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ
مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ
مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ
وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ
أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها
إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ
قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ
مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا
تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ (52) قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ
وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ
لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ
آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا
أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ
دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ
رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ
رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا
نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ
عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ
وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا
بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ
صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يَا صالِحُ
قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ
نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا
تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ
رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ
فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ
ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ
اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ
قَرِيبٌ (64)
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ
أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا
رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جاءَتْ
رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ
فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا
أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ
فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ
يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ
وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ
وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ
مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ
وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا
إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ
رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ
ذَرْعاً وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ
السَّيِّئاتِ قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ
لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي
أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ
مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا
نُرِيدُ (79)
قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ
شَدِيدٍ (80) قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ
يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ
اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ
إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ
الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ
أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها
حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ
رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلى
مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا
الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي
أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
(86) قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ
مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما
نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يَا
قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي
وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ
أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ
الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا
يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ
قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ
كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً
وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا
بِعَزِيزٍ (91) قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ
رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ
يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا
إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا
نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما
بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا
وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ
فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ
بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ
الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ
وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ
رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ
أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ
النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ
إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا
فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ
مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ
عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا
يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ
آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ
غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلاًّ
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما
يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ
تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ
ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
(115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا
بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ
قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116)
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها
مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ
مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (119)
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ
وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا
عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ
الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما
رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
(2/255)
سورة هود «1» مكية كلها غير هذه الآيات
الثلاث: فإنهن نزلن بالمدينة فالأولى قوله
__________
(1) المقصود الإجمالى من سورة هود بيان حقيقة القرآن، واطلاع
الحق سبحانه على سائر الخلق وضمائرهم، وضمانه تعالى لأرزاق
الحيوانات، والإشارة إلى خلق العرش وابتداء حاله، وتفاوت أحوال
الكفار وأقوالهم، وتحدى النبي- صلى الله عليه وسلم- العرب
بالإتيان بمثل القرآن، وذم طلاب الدنيا المعرضين عن العقبى،
ولعن الظالمين، وطردهم، وقصة أهل الكفر والإيمان، وتفصيل قصة
نوح، وذكر الطوفان، وحديث هود، وإهلاك عاد، وقصة صالح، وثمود،
وبشارة الملائكة لإبراهيم وسارة بإسحاق، وحديث لوط وإهلاك
قومه، وذكر شعيب، ومناظرة قومه إياه، والإشارة إلى قصة موسى
وفرعون يكون مقدم قومه إلى جهنم، وذكر جميع أحوال القيامة
وتفصيل الفريقين والطريقين، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم-
بالاستقامة، والتجنب من أهل الظلم والضلال والمحافظة على
الصلوات الخمس، والطهارة] ، وذكر الرحمة فى اختلاف الأمة،
وبيان القصص، وأنباء الرسل لتثبيت قلب النبي- صلى الله عليه
وسلم- والأمر بالتوكل على الله فى كل حال.
مجموع فواصل سورة هود: (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د) .
يجمعها قولك (قصدت لنظم طبرزد) والطبرزى السكر.
وسميت سورة هود لاشتمالها على قصة هود- عليه السلام-
وتفاصيلها.
(انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 246) .
(2/269)
تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا
يُوحى إِلَيْكَ «1» وقوله تعالى: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ
... «2» نزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله: إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ... «3» نزلت في رهبان النصارى، والله
أعلم.
وهي مائة وثلاث وعشرون آية «4» .
__________
(1) الآية 12 من سورة هود وتمامها: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ
مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ
إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.
(2) الآية 17 من سورة هود وتمامها: أَفَمَنْ كانَ عَلى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ
قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ
يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يُؤْمِنُونَ.
(3) الآية 114 من سورة هود وتمامها: وَأَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى
لِلذَّاكِرِينَ.
(4) هذا موافق لما فى المصحف وفيه ما يأتى:
سورة هود مكية إلا الآيات 12، 17، 114، فمدنية وآياتها 123
نزلت بعد سورة يونس.
(2/270)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ من الباطل يعني آيات القرآن ثُمَّ
فُصِّلَتْ يعني بينت: أمره، ونهيه، وحدوده، وأمر ما كان، وما
يكون مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ يقول من عند حكيم لأمره خَبِيرٍ- 1-
بأعمال الخلائق، أَلَّا تَعْبُدُوا يعني ألا توحدوا إِلَّا
اللَّهَ يعني كفار مكة إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ يعني من الله
نَذِيرٌ من عذابه وَبَشِيرٌ- 2- بالجنة وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ منه «1»
يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يعني يعيشكم عيشا حسنا في
الدنيا في عافية ولا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى يعني إلى منتهى آجالكم وَيُؤْتِ فى الآخرة كُلَّ ذِي
فَضْلٍ في العمل في الدنيا فَضْلَهُ في الدرجات وَإِنْ
تَوَلَّوْا يعني تعرضوا عن الإيمان فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ- 3- يعني عظيم فلم يتوبوا فحبس الله
عنهم المطر سبع سنين حتى أكلوا العظام، والموتى، والكلاب،
والجيف، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ فى الآخرة لا يغادر منكم
أحد وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 4- أَلا
إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يعني يلوون وذلك أن كفار مكة
كانوا إذا سمعوا القرآن نكسوا رءوسهم على صدورهم كراهية استماع
القرآن لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يعني من النبي- صلى الله عليه
وسلم- فالله قد علم ذلك منهم، ثم قال: أَلا حِينَ
يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يعنى يعلم ذلك
__________
(1) فى أ: منها.
(2/271)
يَعْلَمُ الله حين يغطون رءوسهم بالثياب
مَا يُسِرُّونَ في قلوبهم، وذلك الخفي وَما يُعْلِنُونَ
بألسنتهم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 5- يعني بما في
القلوب من الكفر وغيره وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها حيثما توجهت وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّها بالليل وَمُسْتَوْدَعَها حيث تموت كُلٌّ نفس كل
المستقر والمستودع فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 6- يقول هو بين في
اللوح المحفوظ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى على
العرش: يعني استقر على العرش «1» وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْماءِ قبل خلق السموات والأرض وقبل أن يخلق شيئا
لِيَبْلُوَكُمْ يعني خلقهما لأمر هو كائن. خلقهما وما فيهما من
الآيات، ليختبركم. [170 ب] أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لربه
وَلَئِنْ قُلْتَ يا محمد لكفار مكة إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ
مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من
أَهْل مكة إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 7- يقول ما هَذَا
الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا سحر بين. حين «2»
يخبرنا «3» أنه يكون البعث بعد الموت وَلَئِنْ أَخَّرْنا
عَنْهُمُ الْعَذابَ يعنى كفار مكة إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ
يعني إلى سنين معلومة. نظيرها في يوسف
__________
(1) هذا من تجسيم مقاتل، لأن الاستقرار إنما يكون بعد حركة
سابقة، والحركة والسكون من صفات الحوادث، والله لا يوصف بصفة
من صفات الحوادث. فالحدوث نقص، والنقص على الله- تعالى- محال.
(2) فى أ: خبر، ل: حين.
(3) فى أ: غير واضحة، م: أنه، ل: يخبر أنه.
(2/272)
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «1» يعني بعد
سنين، يعني القتل ببدر «2» لَيَقُولُنَّ يا محمد مَا
يَحْبِسُهُ عنا يعنون العذاب تكذيبا يقول الله أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ يقول ليس أحد
يصرف العذاب عنهم وَحاقَ يعنى ودار بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يعنى
بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 8- بأنه ليس بنازل بهم وَلَئِنْ
أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آتينا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً
يعني نعمة يقول أعطينا الإنسان خيرا وعافية ثُمَّ نَزَعْناها
مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ عند الشدة من الخير كَفُورٌ- 9- لله
في نعمة الرخاء وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ يقول ولئن آتيناه
خيرا وعافية بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يقول بعد شدة وبلاء
أصابه يعني الكافر «3» لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ
عَنِّي الضراء الذي كان نزل به إِنَّهُ لَفَرِحٌ يعني لبطر في
حال الرخاء والعافية، ثم قال: فَخُورٌ- 10- في نعم الله- عز
وجل- إذ لا يأخذها بالشكر، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ
صَبَرُوا على الضر وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ليسوا كذلك
«أُولئِكَ»
» لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ- 11- يعني وأجر
عظيم في الجنة فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ
وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- فى يونس:
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه ترك عبادة آلهتنا ولا
عيبها أَوْ بَدِّلْهُ «5»
__________
(1) سورة يوسف الآية 45 وتمامها: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ.
(2) أى: إذا أجلنا عنهم العذاب إلى سنين معلومة وهي سنى قتلى
بدر وما بعدها.
(3) فى أ: ليعني الكافر، ل: يعنى الكافر.
(4) «أولئك» ساقطة من: أ.
(5) سورة يونس: 15. [.....]
(2/273)
أنت من تلقاء نفسك، فهم النبي- صلى الله
عليه وسلم- أن لا يسمعهم عيبها رجاء أن يتبعوه فأنزل الله-
تعالى- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ يعني ترك
ما أنزل إليك من أمر الآلهة وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ في البلاغ
«1» أراد أن يحرضه على البلاغ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا يعنى هلا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ يعني المال من السماء فيقسمه بيننا
أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يعينه ويصدقه بقوله «2» : إن كان محمد
صادقا في أنه رسول ثم رجع إلى أول هذه الآية فقال: «3» بلغ يا
محمد إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ- 12- يعني شهيد بأنك رسول الله- تعالى- أَمْ يعني بل
يَقُولُونَ إن محمدا افْتَراهُ قالوا: إنما يقول محمد هذا
القرآن من تلقاء نفسه قُلْ لكفار مكة فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ يعنى مختلقات مثله يعني مثل القرآن
وَادْعُوا يعني واستعينوا عليه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من الآلهة
التي تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 13-
بأن محمدا تقوَّله من تلقاء نفسه قال فى هذه السورة فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فلم يأتوا، ثم قال فى سورة يونس:
فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4» واحدة، وفي البقرة أيضا: فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «5» فقال الله فى التقديم ولن
__________
(1) فى أ: لمن البلاغ، وفى ل: فى البلاغ.
(2) فى أ: بقوله يقول، ل: بقوله.
(3) فى أ: فبلغ، ل: بلغ.
(4) سورة يونس: 38 وتمامها أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
(5) سورة البقرة: 23 وتمامها وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ
مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ.
(2/274)
تفعلوا البتة أن تجيئوا بسورة: فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا «1» يعنى فإذا لم تفعلوا وَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا
لَكُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده يقول فإن لم
يفعلوا ذلك يا محمد فقل لهم يا معشر كفار مكة:
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ هذا القرآن بِعِلْمِ اللَّهِ
يعني بإذن الله، وقراءة ابن مسعود «أنما أنزل بإذن الله»
وَاعلموا أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بأنه ليس له شريك إن لم
يجيئوا بمثل هذا القرآن قل لهم: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ-
14- يعنى مخلصين بالتوحيد مَنْ كانَ من الفجار يُرِيدُ بعمله
الحسن الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها لا يريد وجه الله
نُوَفِّ يعني نوفي إِلَيْهِمْ ثواب أَعْمالَهُمْ فِيها يعني في
الدنيا من الخير والرزق نظيرها في «حم عسق «2» » ثم قال:
وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ- 15- نسختها الآية التي في بني
إسرائيل- عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ «3» يقول وهم في
الدنيا لا ينقصون من ثواب أعمالهم «4» ثم أخبر بمنزلتهم في
الآخرة فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يقول بطل في
الآخرة ما عملوا في الدنيا وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ-
16- فلم يقبل منهم أعمالهم لأنهم عملوها للدنيا فلم تنفعهم «5»
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ يعنى
القرآن شاهِدٌ مِنْهُ يقول
__________
(1) فى أ: إنها من الآية التي معنا، والواقع أنها جزء من الآية
24 من سورة البقرة.
(2) يشير إلى الآية 20 من سورة الشورى وهي: مَنْ كانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.
(3) سورة الإسراء: 18 وتمامها مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ
عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ
جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً.
(4) فى أ، ل: ل ينقصون ثواب أعمالهم.
(5) فى أ: أنهم عملوه للدنيا فلم ينفهم.
(2/275)
يقرؤه جبريل- عليه السلام- على محمد- صلى
الله عليه وسلم- وهو شاهد لمحمد أن الذي يتلوه محمد من القرآن
أنه جاء من الله- تعالى «1» - ثم قال: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ
مُوسى يقول ومن قبل كتابك يا محمد قد تلاه جبريل على موسى يعني
التوراة. إِماماً يقتدى به يعني التوراة وَرَحْمَةً لهم من
العذاب لمن آمن به أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني أهل التوراة
يصدقون بالقرآن كقوله في الرعد: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ «2» بِهِ يعني بقرآن محمد- صلى الله
عليه وسلم- أنه من الله- عز وجل- وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ بالقرآن
مِنَ الْأَحْزابِ يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وابن عبد الله
المخزومي، وآل أبى طلحة ابن عبد العزى فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ
يقول ليس الذي عمل على بيان من ربه كالكافر بالقرآن موعده
النار ليسوا بسواء فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ «مِنْهُ» «3» وذلك
أن كفار قريش قالوا: ليس القرآن من الله. إنما تقوله محمد
وإنما يلقيه الري «4» ، وهو شيطان يقال له الري، على لسان
محمد- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله:
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ يقول في شك من القرآن إِنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ إنه من
__________
(1) هكذا فى أ، ل، وفى العبارة ركاكة.
(2) يشير إلى الآية 36 من سورة الرعد وضبطها: وَالَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ
وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما
أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ
أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ.
وفى سورة البقرة: 121 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
وفى سورة البقرة: 146 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
وفى سورة البقرة: 146 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ. كما ورد مثل ذلك
فى سورة الأنعام: 20 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ.
وفى سورة القصص: 52 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ.
(3) «منه» : ساقطة من الأصل.
(4) فى أ: الريا، م: الريا، ل: الري. [.....]
(2/276)
الله- عز وجل- وإن القرآن حق من ربك
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ- 17- يعني ولكن
أكثر أهل مكة لا يصدقون بالقرآن أنه من عند الله- تعالى. ثم
ذكرهم فقال: وَمَنْ أَظْلَمُ يقول [171 ب] فلا أحد أظلم
مِمَّنِ افْتَرى يعني تقول «1» عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن معه
شريكا أُولئِكَ الكذبة يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ
الْأَشْهادُ يعني الأنبياء ويقال الحفظة ويقال الناس مثل قول
الرجل: علي رءوس الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى
رَبِّهِمْ يعني بالأشهاد يعني الأنبياء فإذا عرضوا على ربهم
قالت الأنبياء: نحن نشهد عليكم أنا شهدنا بالحق فكذبونا ونشهد
أنهم كذبوا على ربهم. وقالوا: إن مع الله شريكا أَلا لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- 18- يعني المشركين نظيرها في
الأعراف: أَنْ «2» لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «3»
ثم أخبر عنهم فقال: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
يعني دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يقول ويريدون بملة
الإسلام زيفا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال هُمْ كافِرُونَ- 19- يعني بأنه ليس بكائن ثم نعتهم
فقال:
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ يعني بسابقي الله فِي
الْأَرْضِ هربا حتى يجزيهم «4» بأعمالهم الخبيثة وَما كانَ
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني أقرباء
يمنعونهم من الله، يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ يعني ما كانوا على سمع إيمان بالقرآن
وَما كانُوا يُبْصِرُونَ- 20- الإيمان بالقرآن لأن الله جعل في
آذانهم وقرا، وعلى أبصارهم غشاوة. ثم نعتهم فقال:
__________
(1) فى أ: يقول.
(2) «أن» : وردت فى أ، م، ل: «ألا» .
(3) سورة الأعراف 44.
(4) غير معجمة فى، أ: فتحتمل: يخزيهم أو يجزيهم» .
(2/277)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
يعني غبنوا أنفسهم وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ
- 21- لا جَرَمَ حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ- 22- ثم أخبر عن المؤمنين وما أعد لهم فقال:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا
إِلى رَبِّهِمْ يعني وأخلصوا إلى ربهم أُولئِكَ أَصْحابُ
الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 23- لا يموتون ثم ضرب مثلا
للمؤمنين والكافرين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ المؤمن
والكافر كَالْأَعْمى عن الإيمان لا يبصر وَالْأَصَمِّ عن
الإيمان فلا يسمعه يعني الكافر ثم ذكر المؤمن فقال:
وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ للإيمان «1» هَلْ يَسْتَوِيانِ
مَثَلًا يقول هل يستويان في الشبه فقالوا: لا. فقال:
أَفَلا تَذَكَّرُونَ- 24- أنهما لا يستويان فتعتبروا ولما كذب
كفار مكة محمدا بالرسالة أخبر الله محمدا- عليه السلام- أنه
أرسله رسولا كما أرسل نوحا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، فى
هذه السورة فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ
فقال لهم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ من العذاب في الدنيا مُبِينٌ-
25- يعني بين نظيرها فى- سورة نوح «2» - ثم قال: أَنْ لا
تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ فى الدنيا
عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ- 26- يعني وجيع فَقالَ الْمَلَأُ
الأشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلَّا
بَشَراً مِثْلَنا [172 ا] يعني إلا آدميا مثلنا لا تفضلنا بشيء
وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا يعني
الرذالة من الناس السفلة بادِيَ الرَّأْيِ يعني بدا لنا أنهم
سفلتنا وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ في ملك ولا مال
ولا شيء فنتبعك يعنون نوحا بَلْ نَظُنُّكُمْ يعني نحسبك من ال
كاذِبِينَ- 27- حين
__________
(1) فى أ: وَالسَّمِيعِ للإيمان وَالْبَصِيرِ.
(2) يشير إلى الآية الثانية من سورة نوح وهي قالَ يَا قَوْمِ
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.
(2/278)
تزعم أنك رسول نبي قالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني
بيان من ربي وَآتانِي رَحْمَةً يعني وأعطاني نعمة مِنْ
عِنْدِهِ وهو الهدى فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ يعني فخفيت عليكم
الرحمة أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها يعني الرحمة وهي
النعمة والهدى كارِهُونَ- 28- وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ مالًا يعني جعلا على الإيمان إِنْ أَجرِيَ يعني ما
جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ في الآخرة وَما أَنَا بِطارِدِ
الَّذِينَ آمَنُوا يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من
السفلة عندكم، ثم قال: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيجزيهم
بإيمانهم كقوله إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ
تَشْعُرُونَ «1» يعني لو تعلمون إذا لقوه وَلكِنِّي أَراكُمْ
قَوْماً تَجْهَلُونَ- 29- ما آمركم به وما جئت به وَيا قَوْمِ
مَنْ يَنْصُرُنِي يمنعني مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ يعنى
إن لم أقبل منهم الإيمان أي من السفلة «2» أَفَلا يعني أفهلا
تَذَكَّرُونَ- 30- أنه لا مانع لأحد من الله وَلا أَقُولُ
لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ يعني مفاتيح الله بأنه يهدي
السفلة دونكم وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ يقول: ولا أقول لكم عندي
غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء: وَما
عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «3» ثم قال لهم نوح: وَلا
أَقُولُ لكم إِنِّي مَلَكٌ من الملائكة إنما أنا بشر لقولهم
مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ... إلى آخر الآية «4»
وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ يعنى السفلة
لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً يعني إيمانا وإن كانوا
عندكم سفلة اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ
__________
(1) سورة الشعراء: 113.
(2) فى الأصل السلفة.
(3) سورة الشعراء: 112.
(4) يشير إلى الآية 27 من سورة هود وتمامها: فَقالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً
مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ
أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ
فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.
(2/279)
يعني بما في قلوبهم يعني السفلة من الإيمان
قال نوح: إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ- 31- إن لم أقبل
منهم الإيمان قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا يعني ماريتنا
«1» فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا يعني مراءنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا
من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 32- بأن العذاب
نازل بنا لقوله في هذه الآية الأولى: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ «2» وذلك أن الله أمر نوحا أن ينذرهم
العذاب فى سورة نوح فكذبوه فقالوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا
إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ بأن العذاب نازل بنا فرد عليهم
نوح: قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وليس
ذلك بيدي وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ- 33- يعني بسابقي الله
بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي
فيما أحذركم من العذاب إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ
إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ يعنى يضلكم عن
الهدى [172 ب] ف هُوَ رَبُّكُمْ ليس له شريك وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ- 34- بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم ثم ذكر الله-
تعالى- كفار أمة «3» محمد- صلى الله
__________
(1) من المراء وهو الجدال،
وفى الحديث عن أبى أمامة الباهلي- رضى الله عنه- قال: خرج
علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن نتمارى فى شيء من
أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم قال: يا أمة محمد
ذروا المراء فإن المراء لا يأتى بخير، ذروا المراء فإن الممارى
قد تمت خسارته، ذروا المراء فكفى إثما ألا تزال مماريا، ذروا
المراء فإن أول ما نهاني عنه ربى بعد عبادة الأوثان المراء.
(2) الآية 26: من سورة هود، ومعنى الآية الأولى أنها أول آية
فى حديث نوح مع قومه.
(3) فى أ: كفار مكة، م: كفار مكة، ل: كفار أمة.
(2/280)
عليه وسلم- من أهل مكة، فقال: أَمْ
يَقُولُونَ افْتَراهُ نظيرها في «حم» الزخرف: «أَمْ أَنَا
خَيْرٌ» يعني بل أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ
«1» .
«افْتَراهُ» قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه وليس
من الله قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ يعني تقولته من تلقاء نفسي
فَعَلَيَّ إِجْرامِي فعلي خطيئتي بافترائي على الله وَأَنَا
بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ- 35- يعنى برئ من خطاياكم يعني
كفركم بالله- عز وجل-، ثم ذكر نوحا فقال: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ
أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ
يعني إلا من صدق بتوحيد الله فَلا تَبْتَئِسْ يعني فلا تحزن
بِما كانُوا يَفْعَلُونَ- 36- يعني بكفرهم بالله- عز وجل-
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ يعني السفينة واعمل فيها بِأَعْيُنِنا
يعني بعلمنا وَوَحْيِنا كما نأمرك فعملها نوح فى أربعمائة سنة
وكانت السفينة من ساج وَلا تُخاطِبْنِي يقول ولا تراجعني فِي
الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني الذين أشركوا وهو ابنه كنعان بن نوح
فإنه من الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ- 37- لقول نوح
رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ «2» وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ يعني
يعمل فيها وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ يعني كلما أتى عليه مَلَأٌ
يعني أشراف مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ حين يزعم أنه يصنع
بيتا يسير على الماء ولم يكونوا رأوا سفينة قط قالَ لهم نوح:
إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا لصنعنا «3» السفينة فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنْكُمْ
__________
(1) سورة الزخرف: 52. [.....]
(2) فى أ: يقول نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي ... إلى ...
الْحاكِمِينَ وهي الآية 45 من سورة هود.
(3) فى أ: لصنعتنا.
(2/281)
إذا نزل بكم الغرق كَما تَسْخَرُونَ- 38-
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعيد مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ
يُخْزِيهِ يعني يذله يعني الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ ويجب عليه
عَذابٌ مُقِيمٌ- 39- يعني في الآخرة دائما لا يزول عن أهله
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في نزول العذاب بهم
وَفارَ التَّنُّورُ فار الماء من التنور الذي يخبز فيه وكان
بأقصى دار نوح بالشام بعين وردة «1» قُلْنَا احْمِلْ فِيها
مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني صنفين اثنين ذكرا وأنثى
فهو زوجان ولولا أنه قال: اثنين لكان الزوجان «2» أربعة.
وَاحمل أَهْلَكَ واسمها والغة، واسم امرأة لوط والهة في
السفينة إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ يعني العذاب في
اللوح المحفوظ من أهلك، يعني كنعان بن نوح فلا تحملهم معك
فاستثنى من «3» أهله ابنه وامرأته وَمَنْ آمَنَ يعني ومن صدق
بتوحيد الله فاحمله في السفينة، يقول الله تعالى: وَما آمَنَ
مَعَهُ مع نوح إِلَّا قَلِيلٌ- 40- يقال بأنهم أربعون رجلا
وأربعون امرأة عددهم ثمانون نفسا واسم القرية اليوم قرية
الثمانين وهي بالجزيرة قريبة من الموصل «4» وهي بافردي «5» .
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها في السفينة بِسْمِ اللَّهِ إذا
ركبتموها فقولوا باسم الله مَجْراها حين تجري وَمُرْساها حين
تحبس إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ
__________
(1) هكذا فى: أ، ل، م: والمراد أن التنور كان فى آخر مكان فى
دار نوح، وكانت دار نوح بالشام فى منطقة تسمى عين وردة.
(2) فى أ: الزوجين، ل: الزوجان.
(3) فى أ: منهم، م: من، ل: من.
(4) الموصل مدينة بشمال العراق وتلتقى أطرافها بأطراف مدينة
حلب إحدى مدن الشام.
(5) فى أ، م: بأفردى، ل: بأفردا.
(2/282)
للذنوب رَحِيمٌ- 41- بنا حين نجانا من
العذاب «وَهِيَ تَجْرِي «1» » بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ
وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان سبع مرات وكان ابنه من صلبه وَكانَ
فِي مَعْزِلٍ كان معتزلا عنه يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا
تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ- 42- فتغرق معهم قالَ ابنه سَآوِي
يعني سأنضم إِلى جَبَلٍ أصعده يَعْصِمُنِي يعني يمنعني مِنَ
غرق الْماءِ قالَ نوح:
لا عاصِمَ الْيَوْمَ يعني لا مانع اليوم «مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»
«2» يعني به الغرق ثم استثنى فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ ربي.
يقول من عصم من المؤمنين فركب معي في السفينة فإنه لن يغرق
يقول الله- تعالى-: وَحالَ يعني وحجز بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ
يعني بين نوح وابنه كنعان «فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ- 43-
وغضب الله على كنعان «3» » حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا
يغرق وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ بعد ما غرقتهم «4»
أجمعين. فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء وَيا سَماءُ
أَقْلِعِي يعني أمسكي قال: فلم تقع قطرة.
وَغِيضَ الْماءُ يعني ونقص الماء وطهرت الجبال وَقُضِيَ
الْأَمْرُ يعني العذاب بالغرق على الكافرين فغرقوا وَاسْتَوَتْ
السفينة عَلَى الْجُودِيِّ شهرا وهو جبل قريب من الموصل، لأن
الجبال تطاولت وتواضع الجودي وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ- 44- يعني المشركين يعني بالبعد الهلاك وَنادى
نُوحٌ رَبَّهُ يعني دعا نوح ربه فيها تقديم «5» فَقالَ رَبِّ
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
__________
(1) فى أ: وَهِيَ تَجْرِي ... إلى قوله ... نُوحٌ ابْنَهُ.
(2) فى أ: «من عذاب الله» . وفى حاشية أ: التلاوة «مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ» .
(3) ما بين كنعان الأولى وكنعان الثانية ساقط من: أ، ومثبت فى:
ل.
(4) فى أ: غرقها، ل: غرقتهم.
(5) تقدم ذكر هذه الآية فيما سبق.
(2/283)
الذين «1» وعدتني أن تنجيهم من الغرق
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ يعنى الصدق ولا خلف له فى النجاة
«2» وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ- 45- يعني خير الحاكمين لا
تجور في القضاء قالَ الله- تعالى-: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ الذين «3» وعدتك أن أنجيهم إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صالِحٍ يعنى عمل شركا «4» فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ يعنى أؤدبك «5» أَنْ تَكُونَ
مِنَ الْجاهِلِينَ- 46- لسؤالك إياي قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ
بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ بعد النهي مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ذنبي يعني مقالي وَتَرْحَمْنِي فلا
تعذبني «6» أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ- 47- فى العقوبة قِيلَ يا
نُوحُ اهْبِطْ من السفينة بِسَلامٍ مِنَّا فسلمه الله ومن معه
من الغرق ثم قال: وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ
مَعَكَ في السفينة يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعد ما
خرجوا من السفينة ثم قال: وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا
إلى آجالهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا يقول يصيبهم منا عَذابٌ
أَلِيمٌ- 48- يعني وجيع يعني بالأمم قوم هود، وصالح، وإبراهيم،
ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله فى
__________
(1) فى أ، ل: الذي وهي مصحفة عن الذين.
(2) فى أ: النجا، ل: النجاة. [.....]
(3) فى أ: الذي.
(4) قرأ الكسائي، ويعقوب «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ» أى
عمل عملا غير صالح. وقراءة حفص «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ،
وأصله أنه ذو عمل فاسد. فجعل ذاته ذات العمل كقول الخنساء تصف
ناقة ترتع:
ترعى إذا غفلت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
(البيضاوي: 297)
(5) فى أ: أوريك، ل: أؤدبك.
(6) فى أ: فلا تهدنى، ل: فلا تعذبني.
(2/284)
الدنيا بالعذاب بعد قوم نوح ثم قال: تِلْكَ
القصة مِنْ أَنْباءِ يعني من أحاديث الْغَيْبِ غاب عنك. لم
تشهدها يا محمد ولم تعلمها إلا بوحينا [173 ب] «نُوحِيها «1» »
إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ يا محمد وَلا قَوْمُكَ
مِنْ قَبْلِ هَذَا القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن يعني
الأمم الخالية قوم نوح، وهود، وصالح، وغيرهم فَاصْبِرْ على
تكذيب كفار مكة وعلى أذاهم إِنَّ الْعاقِبَةَ يعني الجنة
لِلْمُتَّقِينَ- 49- الشرك.
وَإِلى عادٍ أرسلنا أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني
ليس لكم رب غيره إِنْ أَنْتُمْ يعني ما أنتم إِلَّا
مُفْتَرُونَ- 50- الكذب حين تقولون إن لله شريكا وذلك أنهم
قالوا لأنبيائهم تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا، فذلك قول
الأنبياء لهم يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً «2»
يعنى ما جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ.
وذلك قول قوم هود: يَا قَوْمِ «3» لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ يعني ما جزائي إِلَّا عَلَى الَّذِي
فَطَرَنِي يعني خلقني أَفَلا تَعْقِلُونَ- 51- أنه ليس مع الله
شريك وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً
يعني المطر متتابعا وقد كان الله- تعالى- حبس عنهم المطر ثلاث
سنين وحبس عنهم الولد، فمن ثم قال: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى
قُوَّتِكُمْ يعني عددا إلى عددكم وتتوالدون «4» وتكثرون، ثم
قال لهم هود:
__________
(1) «نُوحِيها» : ساقطة من أ، ل، وهي فى حاشية أ.
(2) سورة الشعراء: 127.
(3) فى أ: ويا قوم.
(4) فى أ: فتوالدون، ل: وتوالدون.
(2/285)
وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ- 52- يقول
ولا تعرضوا عن التوحيد مشركين قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا
بِبَيِّنَةٍ يعني ببيان أنك رسول إلينا من الله وَما نَحْنُ
بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ يعنون عبادة الأوثان وَما
نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ- 53- يعني بمصدقين بأنك رسول إِنْ
يعني ما نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ يعنون جنونا أصابك به بَعْضُ
آلِهَتِنا بِسُوءٍ يعنون أنه يعتريك من آلهتنا الأوثان بجنون
أو بخبل. ولا نحب أن يصيبك أو يعتريك ذلك فاجتنبها سالما.
«قال عبد الله قال الفراء الخبل مسكنة الباء العلة المانعة من
الحركة المعطلة للبدن. والخبل: الجنون محركة الباء «1» » . فرد
عليهم هود: قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي
بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ- 54- مِنْ دُونِهِ من الآلهة
فَكِيدُونِي جَمِيعاً أنتم والآلهة ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ- 55-
يعني ثم لا تناظرون يعني لا تمهلون.
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ يعني وثقت بالله رَبِّي
وَرَبِّكُمْ حين «2» خوفوه آلهتهم أنها تصيبه ما مِنْ دَابَّةٍ
يعنى ما من شيء إِلَّا وهُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها يقول إلا الله
يميتها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 56- يعني على
الحق المستقيم فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني «فإن تعرضوا عن الإيمان
«3» » فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ
__________
(1) ما نقله عبد الله عن الفراء زيادة منه وليس من كلام مقاتل.
فإن الفراء هو أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء المتوفى سنة 207
هـ وله كتاب معاني القرآن. وقد طبع منه الجزء الأول سنة 1955
ثم طبع منه الجزء الثاني حديثا- أما مقاتل صاحب هذا التفسير
فقد توفى سنة 150 هـ.
وهذه الزيادة فى: أ. وليست فى: ل لأن ل اقتصرت على تفسير
مقاتل، أما أ: ففيها إضافات من الرواة.
(2) فى ل: حين، أ، م: حتى.
(3) فى أ، ل: فإن تعرضوا عن الإيمان: وفى البيضاوي فَإِنْ
تَوَلَّوْا فإن تتولوا.
(2/286)
من نزول العذاب بكم في الدنيا
وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي بعد هلاككم قَوْماً غَيْرَكُمْ أمثل
وأطوع لله منكم وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً يقول ولا تنقصونه من
ملكه شيئا إنما تنقصون أنفسكم إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ
[174 ا] من أعمالكم حَفِيظٌ «1» - 57- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا
يعني قولنا في نزول العذاب نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ من العذاب بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بنعمة منا
عليهم «2» وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ- 58- يعني شديد
وهي الريح الباردة لم تفتر عنهم حتى أهلكتهم وَتِلْكَ عادٌ
جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني كفروا بعذاب الله بأنه غير
نازل بهم في الدنيا وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعني هودا وحده
وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ- 59- يعني متعظما
عن التوحيد، فهم الأتباع اتبعوا قول الكبراء في تكذيب هود
«عَنِيدٍ» يعني معرضا عن الحق، وكان هذا القول من الكبراء
للسفلة فى سورة المؤمنين «3» «ما هذا» يعني هودا إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ
مِمَّا تَشْرَبُونَ «4» من الشراب.
وقال للأتباع «5» وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ
إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ «6» يعني لعجزة فهذا قول الكبراء
للسفلة. فاتبعوهم على قولهم: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا
لَعْنَةً
__________
(1) فى أ: محيط، وفى ل: حفوظ.
(2) فى ل: منا عليهم، أ: عليكم.
(3) اضطراب فى: أ، ل. [.....]
(4) يشير إلى الآية 33 من سورة المؤمنون وصوابها ما هذا إِلَّا
بَشَرٌ وتمامها: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا
تَشْرَبُونَ.
(5) فى أ: وقال الأتباع، ل: وقالوا للأتباع.
(6) سورة المؤمنون: 34.
(2/287)
يعني العذاب وهي الريح التي أهلكتهم
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني عذاب النار أَلا إِنَّ عَادًا
كَفَرُوا رَبَّهُمْ يعني بتوحيد ربهم أَلا بُعْداً لِعادٍ
قَوْمِ هُودٍ- 60- فى الهلاك وَإِلى ثَمُودَ أرسلنا أَخاهُمْ
صالِحاً ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب وهو صالح بن
آسف «1» قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله
مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ يعني هو خلقكم من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها
يعني وعمركم في الأرض فَاسْتَغْفِرُوهُ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ منه»
إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ منكم فى الاستجابة مُجِيبٌ- 61- للدعاء
كقوله: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا
دَعانِ «3» قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا
قَبْلَ هذا يعني مأمولا قبل هذا كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا،
فما هذا الذي تدعونا إليه؟
أَتَنْهانا «4» أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا من الآلهة
وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد
مُرِيبٍ- 62- يعني بالمريب أنهم لا يعرفون شكهم قالَ صالح يَا
قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي
يعني على بيان من ربي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً يقول أعطاني
نعمة من عنده وهو الهدى فَمَنْ يَنْصُرُنِي يعني فمن يمنعني
مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ يعنى إن رجعت إلى دينكم لقولهم
صالح «قد كنت فينا مرجو قبل هذا الذي تدعونا إليه» فَما
تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ- 63- يقول فما تزيدونني إلا
خسارا.
__________
(1) فى أ، ل: أسف.
(2) فى أ، ل: منها.
(3) سورة البقرة الآية 186 وتمامها وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا
دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ.
(4) فى أ: وتنهانا، وفى حاشية أ: التلاوة أَتَنْهانا.
(2/288)
قال عبد الله: قال الفراء: المعنى كلما
دعوتكم زدتموني تباعدا مني فأنتم بذلك تخسرون يعني تهلكون «1»
.
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً يعني عبرة
فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ لا تكلفكم مؤنة ولا
علفا وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يقول ولا تصيبوها بعقر
فَيَأْخُذَكُمْ في الدنيا عَذابٌ قَرِيبٌ- 64- منكم لا تمهلون
حتى تعذبوا فَعَقَرُوها [174 ب] ليلة الأربعاء بالسيف فماتت
فَقالَ لهم صالح: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ يعني محلتكم في
الدنيا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ العذاب وَعْدٌ من الله غَيْرُ
مَكْذُوبٍ- 65- ليس فيه كذب. بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة
الأيام «2» فأهلكهم الله صبيحة يوم الرابع يوم السبت فذلك
قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في العذاب «نَجَّيْنا
صالِحاً «3» » وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا
يعني بنعمة عليهم منا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يعني ونجيناهم
من عذاب يومئذ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ في نصر أوليائه
الْعَزِيزُ- 66- يعني المنيع في ملكه وسلطانه حين أهلكهم
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني الذين أشركوا الصَّيْحَةُ
صيحة جبريل- عليه السلام- فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ
جاثِمِينَ- 67- يعني في منازلهم خامدين كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا
فِيها يقول كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط أَلا إِنَّ ثَمُودَ
كَفَرُوا بتوحيد رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ- 68- فى
الهلاك وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا
__________
(1) هذه زيادة من عبد الله نقلها عن الفراء. وليست من كلام
مقاتل. وما نقله عبد الله عن الفراء فى: أ، وليس فى: ل.
(2) فى الأصل: الثلاثة أيام.
(3) «نَجَّيْنا صالِحاً» : ساقطة من: أ، ومثبتة فى: ل
(2/289)
وهو جبريل ومعه ملكان وهما ملك الموت
وميكائيل «1» إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى في الدنيا الولد: بإسحاق
ويعقوب «2» .
قالُوا سَلاماً قالوا تحية «3» لإبراهيم فسلموا على إبراهيم
فرد إبراهيم عليهم ف قالَ سَلامٌ يقول رد إبراهيم خيرا «4» وهو
يرى أنهم من البشر فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ إبراهيم بِعِجْلٍ
حَنِيذٍ- 69- يعنى الحنيذ النضيج لأنه كان البقر أكثر أموالهم
والحنيذ الشواء الذي أنضج بحر النار من غير أن تمسه النار
بالحجارة تحمى وتجعل في سرب فتشوى فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ
لا تَصِلُ إِلَيْهِ أي إلى العجل نَكِرَهُمْ يعني أنكرهم وخاف
شرهم وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يقول فوقع عليه الخوف منهم
فرعد قالُوا «5» أي قالت الملائكة: لا تَخَفْ إِنَّا
أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ- 70- بهلاكهم ولوط بن حازان «6»
وامرأة سارة بنت حازان «7» أخت لوط وإبراهيم عم لوط وختنه على
أخته «وَامْرَأَتُهُ» «8» وهي سارة قائِمَةٌ وإبراهيم جالس
فَضَحِكَتْ من خوف إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر وإبراهيم في
حشمه وخدمه فقال جبريل- عليه السلام- لسارة: إنك ستلدين غلاما
__________
(1) فى أ: وهو ميكائيل وملك آخر- عليهم السلام. وفى ل: وهو ملك
الموت وميكائيل.
(2) فى أ: بالولد الصالح بإسحاق ويعقوب. ثم شطب على الصالح،
وفى م: بالولد الصالح.
وفى ل: الولد: بإسحاق ويعقوب.
(3) فى أ: جبرا، ل: حيوا لإبراهيم.
(4) فى ل: وحيوا، أ: خيرا، أى خيرا من تحيتهم وأحسن منها.
[.....]
(5) فى أ: قالت الملائكة، وفى حاشية أ: التلاوة: «قالوا» .
(6) فى أ: بحران، ل: حازان.
(7) فى أ: حران، ل: حازان.
(8) «وَامْرَأَتُهُ» : ساقطة من أ، ل، ومثبتة فى حاشية: أ.
(2/290)
فذلك قوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ
وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ- 71- قالَتْ سارة: يا
وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً وهو
ابن سبعين سنة إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ- 72- يعني لأمر
عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين «قالُوا» «1» قال
جبريل لها: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أن يخلق ولدا من
الشيخين رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ يعني نعمة الله وبركاته
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يعني بالبركة ما جعل الله منهم من
الذرية إِنَّهُ حَمِيدٌ في خلقه مَجِيدٌ- 73- يعني كريم
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ يعني الخوف
وَجاءَتْهُ الْبُشْرى في الولد يُجادِلُنا [175 ا] يعنى
يخاصمنا إبراهيم فِي قَوْمِ لُوطٍ- 74- كقوله فى الرعد:
يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ «2» ومثل قوله: قالُوا يَا نُوحُ قَدْ
جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا «3» .
وخصومة إبراهيم- عليه السلام- أنه قال: يا رب أتهلكهم إن كان
في «4» قوم لوط خمسون «5» رجلا مؤمنين؟ قال جبريل- عليه
السلام-: لا فما زال إبراهيم- عليه السلام- ينقص خمسة خمسة حتى
انتهى إلى خمسة أبيات قال- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ
لَحَلِيمٌ يعني لعليم أَوَّاهٌ يعني موقن مُنِيبٌ- 75- مخلص
«6» .
__________
(1) «قالوا» : ساقطة من: أ، ل.
(2) سورة الرعد: 13.
(3) فى أ: جدالنا ومراءنا، ويشير إلى الآية 32 من سورة هود.
(4) فى: ساقطة من أ، وهي فى ل.
(5) فى أ: خمسين.
(6) هذه الآية: 75، فسرت بعد الآية 76. فأعدتها إلى مكانها.
(2/291)
وقال جبريل لإبراهيم: يَا إِبْراهِيمُ
أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال حين قال: أتهلكهم إن كان فيهم كذا
وكذا. ثم قال جبريل- عليه السلام-:
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني قول ربك في نزول العذاب
بهم وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ- 76- يعني
غير مدفوع عنهم يعني الخسف والحصب بالحجارة.
قوله: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا جبريل، وميكائيل، وإسرافيل،
وملك الموت لُوطاً سِيءَ بِهِمْ يعني كرههم لصنيع قومه بالرجال
مخافة أن يفضحوهم وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ جبريل «1» هذا
يَوْمٌ عَصِيبٌ- 77- يعنى فظيع فاش شره عليهم وَجاءَهُ
قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ يعني يسرعون إليه مشاة إلى لوط
وَمِنْ قَبْلُ أن نبعث لوطا كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ
يعني نكاح الرجال وقالَ لوط يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي ريثا،
وزعوثا فتزوجوهما هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ يعني أحل لكم من إتيان
الرجال. فَاتَّقُوا اللَّهَ في معصيته وَلا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ- 78- يقول ما منكم
رجل مرشد قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ
حَقٍّ يعنون من حاجة وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ- 79-
أنهم يريدون الأضياف قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً يعني
بطشا أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ- 80- يعني منيع يعني رهط
يعني عشيرة لمنعتكم مما تريدون.
قالُوا يَا لُوطُ قال جبريل للوط: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ
يَصِلُوا إِلَيْكَ بسوء «لأنهم قالوا للوط إنا نرى معك رجالا
سحروا أبصارنا فستعلم غدا
__________
(1) الأنسب أن هذا قول لوط لا جبريل. (انظر البيضاوي) .
(2/292)
ما تلقى أنت في أهلك «1» » فقال جبريل-
عليه السلام-: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعني امرأته وابنتيه بِقِطْعٍ مِنَ
اللَّيْلِ يعني ببعض الليل وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ
البتة إِلَّا امْرَأَتَكَ فإنها تلتفت، يقول لا ينظر منكم أحد
وراءه ثم استثنى إِلا امْرَأَتَكَ تلتفت إِنَّهُ مُصِيبُها من
العذاب مَا أَصابَهُمْ يعني قوم لوط فالتفتت فأصابها حجر
فقتلها، ثم قال:
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ثم يهلكون قال لوط لجبريل: عجل
علي بهلاكهم الآن فرد عليه جبريل أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيبٍ؟ - 81- يقول الله فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا
فى نزول العذاب جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها يعني الخسف
وَأَمْطَرْنا عَلَيْها يعني على أهلها من كان خارجا من المدائن
الأربع حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ يعنى حجارة خالطها الطين [175
ب] مَنْضُودٍ- 82- يعني ملزق الحجر بالطين مُسَوَّمَةً يعني
معلمة عِنْدَ رَبِّكَ يعني جاءت من عند الله- عز وجل- ثم قال:
وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ- 83- لأنها قريب من
الظالمين يعني من مشركي مكة فإنها تكون قريبا، يخوفهم منها.
وسيكون ذلك في آخر الزمان يعني ما هي ببعيد لأنها قريب منهم
والبعيد ما ليس بكائن «2» فذلك قوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ
بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً «3» يعنى كائنا.
قوله: وَإِلى مَدْيَنَ وهو ابن إبراهيم خليل الرحمن «4» ،
وشعيب بن نويب ابن مدين بن إبراهيم «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ»
يعنى أرسلنا أَخاهُمْ شُعَيْباً
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » : زيادة من أ، وليست فى ل.
(2) فى أ، ل: والبعيد ليس بكائن.
(3) سورة المعارج: 6- 7. [.....]
(4) فى ل زيادة: لصلبه.
(2/293)
وليس بأخيهم في الدين ولكن في النسب قالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ
إِلهٍ غَيْرُهُ يقول ليس لكم رب غيره وَلا تَنْقُصُوا
الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إذا كلتم ووزنتم إِنِّي أَراكُمْ
بِخَيْرٍ يعني موسرين في نعمة وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ فى
الدنيا عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ- 84- يعني «1» أحاط بهم العذاب
فلم ينج منهم أحد وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ
وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ يعنى بالعدل وَلا تَبْخَسُوا
النَّاسَ أَشْياءَهُمْ يعني ولا تنقصوا الناس حقوقهم وَلا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ- 85- يقول لا تعملوا فيها
المعاصي، يعني بالفساد نقصان الكيل والميزان. بَقِيَّتُ
اللَّهِ يعني ثواب الله في الآخرة خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ يعني لو كنتم مؤمنين بالله- عز وجل- لكان ثوابه
خير لكم من نقصان الكيل والميزان كقوله: مَا عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ «2» يعني ثوابه باق. وَما
أَنَا عَلَيْكُمْ يعني على أعمالكم بِحَفِيظٍ- 86- يعني برقيب
والله الحافظ لأعمالكم قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ يعني أن نعتزل مَا كان يَعْبُدُ
آباؤُنا وكانوا يعبدون الأوثان أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوالِنا ما نَشؤُا يعنون إن شئنا نقصنا الكيل والميزان وإن
شئنا وفينا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ يعنون السفيه
الرَّشِيدُ- 87- يعنون الضال، قالوا ذلك لشعيب استهزاء. قالَ
يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً يعني الإيمان وهو
الهدى وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ
عَنْهُ يعني وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أركبه، لقولهم لشعيب
في الأعراف: «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا
__________
(1) فى أ: قال، ل: يعنى.
(2) سورة النحل: 96.
(2/294)
«1» » ثم قال: إِنْ أُرِيدُ يعني ما أريد
إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي في
الإصلاح بالخير إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يقول به
وثقت لقولهم لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ والذين آمنوا معك من
قريتنا وَإِلَيْهِ أُنِيبُ- 88- وإليه المرجع بعد الموت وَيا
قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي يقول لا تحملنكم عداوتي
أَنْ يُصِيبَكُمْ من العذاب في الدنيا مِثْلُ مَا أَصابَ
قَوْمَ نُوحٍ من الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الريح أَوْ قَوْمَ
صالِحٍ [176 ا] من الصيحة وَما قَوْمُ لُوطٍ «أي ما أصابهم من
«2» » الخسف والحصب «3» مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ- 89- كان عذاب قوم
لوط أقرب العذاب إلى قوم شعيب من غيرهم وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ منها «4» إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ لمن تاب وأطاعه وَدُودٌ- 90- يعني مجيب قالُوا
يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ يعنى ما نعقل كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ
لنا من التوحيد ومن وفاء الكيل والميزان وَإِنَّا لَنَراكَ
فِينا ضَعِيفاً يعني ذليلا لا قوة لك ولا حيلة وَلَوْلا
رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ يعني عشيرتك وأقرباءك لقتلناك وَما
أَنْتَ عَلَيْنا يعني عندنا بِعَزِيزٍ- 91- يعني بعظيم مثل قول
السحرة «بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ «5» » يعنون بعظمة
__________
(1) سورة الأعراف 88، وتمامها: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ
فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ.
(2) ما بين الأقواس « ... » زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) فى: (وَما قَوْمُ لُوطٍ) الحصب والخسف. أ: الخسف والحصب.
(4) فى حاشية أ: هنا وفى باقى ما تقدم قدر بعد قوله- تعالى-:
تُوبُوا إِلَيْهِ قوله منها وبتأنيث الضمير العلة بتأويله
توبوا إليه من معصية الشرك، ظهر الكاتب.
(5) سورة الشعراء: 44.
(2/295)
فرعون يقولون أنت علينا هين قالَ يَا
قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني أعظم
عندكم من الله- عز وجل- وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ
ظِهْرِيًّا يقول أطعتم قومكم ونبذتم الله وراء ظهوركم فلم
تعظموه فمن لم يوحده لم يعظمه إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ- 92- يعني من نقصان الكيل والميزان يعني أحاط علمه
بأعمالكم وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ هذا وعيد
يعني على جديلتكم التي أنتم عليها «إِنِّي عامِلٌ «1» » سَوْفَ
تَعْلَمُونَ هذا وعيد مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعنى
يذله وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ بنزول العذاب بكم أنا أو أنتم لقولهم
ليس بنازل بنا وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ- 93-
يعني انتظروا العذاب فإني منتظر بكم العذاب في الدنيا وَلَمَّا
جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في العذاب نَجَّيْنا شُعَيْباً
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بنعمة منا
عليهم وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ يعني صيحة
جبريل- عليه السلام- فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ-
94- يعني في منازلهم موتى «2» كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها
يعني كأن لم يكونوا فى الدنيا قط أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ فى
الهلاك كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ- 95- يعني كما هلكت ثمود لأن كل
واحدة منهما هلكت بالصيحة فمن ثم اختص ذكر ثمود من بين الأمم.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا يعني اليد والعصى
وَسُلْطانٍ مُبِينٍ- 96- إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعنى
أشراف قومه فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فى
__________
(1) «إِنِّي عامِلٌ» : ساقطة من النسخ.
(2) فى أ: يعنى منازلهم موتى.
(2/296)
المؤمن «1» حين قال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا
مَا أَرى «2» فأطاعوا فرعون في قوله، يقول الله- عز وجل- وَما
أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ- 97- لهم يعني بهدي «3» يَقْدُمُ
قَوْمَهُ القبط يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني فرعون قائدهم إلى
النار ويتبعونه كما يتبعونه في الدنيا فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ
فأدخلهم وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ- 98- المدخل المدخول
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً يعني العذاب وهو الغرق
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لعنة أخرى فى النار «4» بِئْسَ الرِّفْدُ
الْمَرْفُودُ- 99- فكأن اللعنتين أردفت «5» إحداهما الأخرى
ذلِكَ يعنى هذا الخبر الذي أخبرت مِنْ أَنْباءِ يعني من حديث
الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ فحذر قومك مثل عذاب الأمم الخالية
مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ- 100- يقول من القرى ما ينظر إليها
ظاهرة [176 ب] ومنها خامدة قد ذهبت ودرست وَما ظَلَمْناهُمْ
فنعذبهم على غير ذنب وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ يعني التي يعبدون من دون الله مِنْ شَيْءٍ حين عذبوا
لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني حينما جاء قول ربك في العذاب
وَما زادُوهُمْ يعني الآلهة غَيْرَ تَتْبِيبٍ- 101- يعني غير
تخسير حيث لم ينفعوهم عند الله.
__________
(1) يعنى فى سورة المؤمن وتسمى سورة غافر أيضا.
(2) سورة غافر: 29.
(3) فى ل: (بِرَشِيدٍ) لهم: بهدى، أ: (بِرَشِيدٍ) يعنى بهدى.
(4) فى أ: وهو النار، فى ل: فى النار. [.....]
(5) فى أ: أردف، ل: أردفت،
(2/297)
قَالَ عبد الله «1» : قال الفراء: نحن أعز
من أن نظلم «وَما ظَلَمْناهُمْ» نحن أعدل من أن نظلم وَكَذلِكَ
أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ أي مشركة
إِنَّ أَخْذَهُ يعني بطشة أَلِيمٌ يعني وجيع شَدِيدٌ- 102-
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني إن في هلاك القرى لعبرة لِمَنْ
خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ
وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ- 103- شهد الرب والملائكة لعرض
الخلائق وحسابهم وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ-
104- يعني وما نؤخر يوم القيامة إلا لأجل موقوت. يَوْمَ يَأْتِ
ذلك اليوم لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ بإذن الله-
تعالى- فَمِنْهُمْ يقول الله- تعالى- فمن الناس شَقِيٌّ
وَسَعِيدٌ- 105- ثم بين ثوابهم فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ
شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها في الخلود زَفِيرٌ يعني
آخر نهيق الحمار قال: وَشَهِيقٌ- 106- في الصدور يعني أول نهيق
الحمار.
«قال أبو محمد يعني عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس ثعلب:
الزفير من البدن كله والشهيق من الصدر «2» » .
خالِدِينَ فِيها لا يموتون ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يقول كما تدوم السموات والأرض لأهل
الدنيا، ولا يخرجون
__________
(1) عبد الله: ساقطة من أ- والإسناد ومتنه ساقط من: ل.
(2) من: ل. وفى أ: قال عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس أحمد
بن يحيى: الزفير من البدن كله والشهيق من الصدر.
(2/298)
منها «1» فكذلك يدوم الأشقياء في النار ثم
قال: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ فاستثنى الموحدين الذين يخرجون
من النار لا يخلدون يعني الموحدين إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ- 107- قال عبد الله بن ثابت: قال الفراء: إِلَّا ما
شاءَ رَبُّكَ يعنى سوى ما شاء ربك من زيادة الخلق في النار
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها
مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ كما تدومان لأهل الدنيا ثم
لا يخرجون منها «2» . وكذلك السعداء في الجنة، ثم استثنى فقال:
إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ يعني الموحدين الذين يخرجون من النار
«3» ثم قال: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ- 108- يعني غير مقطوع
عنهم أبدا فَلا تَكُ يا محمد فِي مِرْيَةٍ يعني في شك مِمَّا
يَعْبُدُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة أنها ضلال «4» مَا يَعْبُدُونَ
إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ الأولون مِنْ قَبْلُ يعني من
قبلهم وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ يقول إنا لموفون
لهم حظهم من العذاب غَيْرَ مَنْقُوصٍ- 109- عنهم وَلَقَدْ
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعنى أعطينا
__________
(1) فى أ، ل. ويخرجون منها، وفى حاشية الجمل على الجلالين ما
يؤيد أن المراد ثم لا يخرجون منها، قال الجمل: وهو وجه حسن لأن
فيه التأبيد بما يعلمه المخاطبون بالمشاهدة ويعترفون به وهو
دوام الدنيا. ثم نقل الجمل أن فى الآية ثلاثة عشر وجها
للمفسرين، وذكر بعض هذه الوجوه ومنها ما نقل عن ابن تيمية وابن
عمر وابن عمرو وابن مسعود من القول بفناء النار قال الجمل: وهو
مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه وقد أوّل
ذلك كله الجمهور.
(2) فى الأصل: ثم لا يخرجون منها وفى ل: ثم يخرجون.
(3) فى ل: فاستثنى الموحدين الذين يخرجون من النار.
والمثبت من: أ. وهو شبيه بما فى: البيضاوي، حيث ذكر أن
الاستثناء هنا من الخلود فى النار لأن بعض فساق الموحدين
يخرجون منها وذلك كاف فى صحة الاستثناء.. إلخ.
(4) فى أ، ل: إنهم ضلال. وفى البيضاوي: من حال ما يعبدونه فى
أنه يضر ولا تنفع.
(2/299)
موسى التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني من
بعد موسى يقول آمن بالتوراة بعضهم وكفر بها بعضهم وَلَوْلا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يا محمد في تأخير العذاب عنهم
إِلَى وقت لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ في الدنيا بالهلاك حين اختلفوا
في الدين وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [177 ا] يعني من
الكتاب الذي أوتوه مُرِيبٍ- 110- يعني بالمريب الذين لا يعرفون
شكهم ثم رجع إلى أول الآية فقال:
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ
أَعْمالَهُمْ ولما هاهنا صلة يقول يوفر لهم ربك جزاء أعمالهم
إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 111- فَاسْتَقِمْ يعني فامض
يا محمد بالتوحيد كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ من الشرك
فليستقيموا معك فامضوا على التوحيد وَلا تَطْغَوْا فيه يقول
ولا تعصوا الله فى التوحيد فتخلطوه بشك إِنَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 112- وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا يعني ولا تميلوا إلى أهل الشرك يقول ولا تلحقوا بهم
«1» فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ يعني فتصيبكم النار وَما لَكُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني من أقرباء يمنعونكم
يقول لا يمنعونكم من النار ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ- 113-
وَأَقِمِ الصَّلاةَ يعنى وأتم الصلاة يعنى ركوعها وسجودها
طَرَفَيِ النَّهارِ يعني صلاة الغداة، وصلاة الأولى والعصر ثم
قال: وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعني صلاة المغرب والعشاء إِنَّ
الْحَسَناتِ يعني الصلوات الخمس يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يعني
يكفرن الذنوب ما اجتنبت الكبائر.
نزلت في أبي مقبل واسمه عامر بن قيس الأنصاري من بني النجار
أتته امرأة تشتري منه تمرا فراودها ثم أنى النبي- صلى الله
عليه وسلم- فقال: إني خلوت بامرأة
__________
(1) فى أ: ولا تحلفوا بهم، ل: ولا تلحقوا بهم، وفى حاشية أ:
ولا تحلفوا لهم: محمد.
(2/300)
فما شيء يفعل بالمرأة إلا وفعلته بها إلا
أني لم أجامعها فنزلت «وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
... » إلى آخر الآية. ثم عمد الرجل فصلى المكتوبة وراء النبي-
صلى الله عليه وسلم- فلما انصرف النبي- صلى الله عليه وسلم-
قال له: أليس قد توضأت وصليت معنا. قال: بلى. قال: فإنها كفارة
لما صنعت ثم قال:
ذلِكَ الذي ذكره من الصلاة طرفي النهار، وزلفى من الليل من
الصلاة ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ
- 114- كقوله لموسى: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1» »
وَاصْبِرْ يا محمد على الصلاة فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- 115- يعني جزاء المخلصين فَلَوْلا كانَ
يعني لم يكن مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا
بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ يعني الشرك فِي الْأَرْضِ
يقول لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي في الأرض بعد الشرك،
ثم استثنى فقال:
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ يعني مع الرسل من
العذاب، مع الأنبياء. فهم الذين كانوا ينهون عن الفساد في
الأرض وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يقول وآثر الذين ظلموا
دنياهم مَا أُتْرِفُوا فِيهِ يعني ما أعطوا فيه من دنياهم على
آخرتهم وَكانُوا مُجْرِمِينَ- 116- يعني الأمم الذين كذبوا فى
الدنيا وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ يعني ليعذب في الدنيا
الْقُرى بِظُلْمٍ يعني على غير ذنب يعني القرى التي ذكر الله-
تعالى- فى هذه السورة الذين عذبهم الله وهم قوم نوح، وعاد،
[177 ب] وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، ثم قال:
وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ- 117- يعني مؤمنون يقول لو كانوا
مؤمنين ما عذبوا وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً واحِدَةً يعني عَلَى مَلَّة الْإِسْلام وحدها، ثم قال
وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ- 118- يقول لا يزال أهل الأديان
مختلفين
__________
(1) سورة طه: 14 وتمامها «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ
إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» .
(2/301)
في الدين غير دين الإسلام، ثم استثنى بعضهم
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ: أهل التوحيد «1» لا يختلفون في
الدين وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني للرحمة خلقهم يعني الإسلام
وَتَمَّتْ يقول وحقت كَلِمَةُ رَبِّكَ العذاب على المختلفين
والكلمة التي تمت قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ- 119- يعني الفريقين جميعا
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ وأممهم وما
يذكر فى هذه السورة ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ يعني قلبك أنه
حق، فذلك قوله: وَجاءَكَ فِي هذِهِ السورة الْحَقُّ مما ذكر من
أمر الرسل وأمر قومهم وَمَوْعِظَةٌ يعني ما عذب الله به الأمم
الخالية وما ذكر في هذه السورة فهو موعظة يعني مأدبة «2» لهذه
الأمة وَذِكْرى يعني وتذكرة لِلْمُؤْمِنِينَ- 120- يعني
للمصدقين بتوحيد الله وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ يعني
لا يصدقون بما في القرآن اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ هذا وعيد
يقول اعملوا على جديلتكم التي أنتم عليها إِنَّا عامِلُونَ-
121- على جديلتنا التي نحن عليها وَانْتَظِرُوا العذاب إِنَّا
مُنْتَظِرُونَ- 122- بكم العذاب يعني القتل ببدر وضرب الملائكة
وجوههم وأدبارهم وتعجيل أرواحهم إلى النار وَلِلَّهِ غَيْبُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقول ولله غيب نزول العذاب وغيب ما فى
الأرض وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يعني أمر العباد
يرجع إلى الله يوم القيامة وذلك قوله «وَإِلَى اللَّهِ
تُرْجَعُ الْأُمُورُ» يعني أمور العباد فَاعْبُدْهُ يعني وحده
وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ يقول وثق بالله وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ- 123- هذا وعيد.
__________
(1) هكذا فى أ، ل. والأنسب: من أهل التوحيد.
(2) هكذا فى: أ، ل، أى: تأديبا.
(2/302)
|