تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الرّعد
(2/355)
(13) سورة الرّعد مدنيّة وآياتها ثلاث
وأربعون
(2/357)
[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 113]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ
(1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ
تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها
رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ
قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ
وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ
وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً
أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ
وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو
مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ
لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ
كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ
شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9)
سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ
وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10)
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ
مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا
أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ
(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ
خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ
وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا
يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ
إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما
دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) قُلْ
مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ
أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ
لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ
وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا
كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ
خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ
عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ
مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ
النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الْأَمْثالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ
الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ
لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ
لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ
وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) أَفَمَنْ
يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ
كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ
(19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ
الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ
بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ
الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ
رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ
وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ
عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما
صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ
مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ
وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ
اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها
أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ
إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30)
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ
قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ
لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا
قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ
وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ
(32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ
تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ
مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ
وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ
مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ
واقٍ (34)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ
عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ
(35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ
قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ
بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ
أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ بَعْدَ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ
اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً
وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ
إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا
اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ
(39)
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ
لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً
يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ
لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ
الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ
عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ
الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما
أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى
بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ
رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ
بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي
أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ
وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ
إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا
كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى
اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا
آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ
الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ
وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
(15)
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16)
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ
مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ
غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ
عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ
الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ
بِعَزِيزٍ (20)
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ
مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ
هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا
أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي
عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ
فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ
مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي
كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ (27) أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ
أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ
رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي
الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32)
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ
لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا
سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قالَ
إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ
تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا
نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي
مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ
دُعاءِ (40)
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
يَقُومُ الْحِسابُ (41) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً
عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ
تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي
رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ
يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا
أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ
الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا
لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا
بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ
وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا
تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ
الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ
الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ
قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ
سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا
بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ
أُولُوا الْأَلْبابِ (52) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ
إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ
أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقالُوا يا أَيُّهَا
الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)
لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (7)
مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا
إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ
رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ
نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا
فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي
السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16)
(2/358)
سورة الرعد «1» مكية ويقال مدنية «2» وهي
ثلاث وأربعون آية. كوفية
__________
(1) «مقصود سورة الرعد» المقصود الإجمالى لهذه السورة ما يأتى:
بيان حجة التوحيد فى خلق السموات، والأرض، واستخراج الأنهار،
والأشجار والثمار، وتهديد الكفار ووعيدهم، وذكر خلق الأولاد فى
أرحام الأمهات، على تباين الدرجات ومع النقصان والزيادات،
الأيام والساعات. واطلاع الحق- تعالى- على بواطن الأسرار،
وضمائر الأخيار والأشرار، وذكر السحاب والرعد، والبرق،
والصواعق. والرد على عبادة الأصنام. وقصة نزول القرآن من
السماء، والوفاء بالعهد ونقض الميثاق، ودخول الملائكة بالتسليم
على أهل الجنان. وأنس أهل الإيمان بذكر الرحمة وبيان تأثير
القرآن فى الآثار والأعيان وكون عاقبة أهل الإيمان إلى الجنان.
ومرجع الكفار إلى النيران، والمحو والإثبات فى اللوح بحسب
مشيئة الديان، وتقدير الحق فى أطراف الأرض بالزيادة والنقصان،
وتقرير نبوة المصطفى بنزول الكتاب وبيان القرآن فى قوله:
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا، قُلْ كَفى
بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ
عِلْمُ الْكِتابِ» .
وفواصل آيات سورة الرعد (ن ق ر د ع ب ل) (نقر دعبل) .
ومعظم الآيات التي على الباء تسبقها ألف، نحو مآب مناب.
(2) فى المصحف المتداول سورة الرعد مدنية وآياتها 43 نزلت بعد
سورة محمد.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: السورة مكية، وتسمى
سورة الرعد لقوله فيها:
يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ
خِيفَتِهِ الآية 13.
(2/365)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المر
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ الْحَقُّ لقول كفار مكة: إن محمدا تقول القرآن من
تلقاء نفسه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أكثر كفار لا
يُؤْمِنُونَ- 1- بالقرآن أنه من الله اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ
السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فيها تقديم ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل خلقهما وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى يوم
القيامة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يقضي القضاء يُفَصِّلُ الْآياتِ
يعني يبين صنعه الذي ذكره «1» في هذه الآية لَعَلَّكُمْ
بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ- 2- بالبعث إذا رأيتم صنعه في
الدنيا فتعتبروا فى البعث وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ يعني
بسط الأرض من تحت الكعبة فبسطها بعد الكعبة بقدر ألفى سنة [187
أ] فجعل طولها مسيرة «2» خمسمائة عام وعرضها مسيرة خمسمائة عام
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ يعني الجبال أثبت بهن الأرض لئلا تزول
بمن عليها وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها
من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يعني
ظلمة الليل وضوء النهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني فيما ذكر
من صنعه عبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 3- في صنع الله
فيوحدونه وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ يعنى بالقطع الأرض السبخة،
والأرض
__________
(1) فى أ، ل: ذكر.
(2) مسيرة: ساقطة من: ا، وهي من ل.
(2/366)
العذبة مُتَجاوِراتٌ يعني قريب بعضها «1»
من بعض وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ يعنى الكرم وَزَرْعٌ
وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ يعني النخيل التي رءوسها متفرقة وأصلها في
الأرض واحد وَغَيْرُ صِنْوانٍ وهي «2» النخلة أصلها وفرعها
واحد يُسْقى هذا كله بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى
بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ يعني في الحمل فبعضها أكبر حملا «3» من
بعض إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني ما ذكر من صنعه لعبرة
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 4- فيوحدون ربهم وَإِنْ تَعْجَبْ يا
محمد بما أوحينا إليك من القرآن كقوله في الصافات: «بَلْ
عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ «4» » ثم قال: فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ
يعني كفار مكة يقول لقولهم عجب فعجبه «5» من قولهم يعني ومن
تكذيبهم بالبعث حين قالوا: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا
لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ تكذيبا بالبعث ثم نعتهم فقال: أُولئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي
أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ- 5- لا يموتون وَيَسْتَعْجِلُونَكَ وذلك أن النضر بن
الحارث قال اللَّهُمَّ: «إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ
ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «6» » فقال الله- عز وجل:
«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ» يعني النضر بن الحارث بِالسَّيِّئَةِ
قَبْلَ الْحَسَنَةِ يعنى
__________
(1) فى ل: بعضها، أ: بعضهم.
(2) فى ل: فهي، ا: وهي.
(3) حملا: ساقطة من أ، وهي من ل.
(4) سورة الصافات: 12.
(5) من ل، وفى أ: أفعجبت.
(6) سورة الأنفال: 32 وتمامها وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ
كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا
حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
(2/367)
بالعذاب قبل العافية كقول صالح لقومه:
«لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ» يعنى بالعذاب «قَبْلَ
الْحَسَنَةِ «1» » يعنى العافية وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ
يعني أهل مكة الْمَثُلاتُ يعني العقوبات في كفار الأمم الخالية
فسينزل بهم ما نزل بأوائلهم، ثم قال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو
مَغْفِرَةٍ يعنى ذو تجاوز لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ يعني على
شركهم «2» بالله «3» في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، يعني
الكفار فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار، فذلك قوله: وَإِنَّ
رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ- 6- إذا عذب وجاء الوقت، نظيرها
فى حم- السجدة «4» وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله
لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: على محمد «5» آيَةٌ مِنْ
رَبِّهِ محمد يقول الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ يا محمد هذه
الأمة وليست الآية «6» بيدك وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ- 7- يعني
لكل قوم فيما خلا داع مثلك يدعو إلى دين الله يعني الأنبياء.
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى من ذكر وأنثى كقوله
في لقمان:
«وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ «7» » سويا أو غير سوى ذكرا أو
أنثى ثم قال [187 ب] :
وَما تَغِيضُ يعني وما تنقص الْأَرْحامُ كقوله «وَغِيضَ
الْماءُ «8» »
__________
(1) سورة النمل: 46.
(2) فى أ: يعنى شركهم، ل: يعنى على شركهم.
(3) «بالله» : ساقطة من أ، وهي من ل. [.....]
(4) هي سورة فصلت، ويشير إلى ما جاء فى الآيات: 40، 50، 53،
54.
(5) فى أ، ل «أنزل على» محمد.
(6) من ل، وفى أ: وليست هذه الأمة.
(7) سورة لقمان: 34.
(8) سورة هود: 44.
(2/368)
يعني ونقص الماء، يعني وما تنقص الأرحام من
الأشهر التسعة وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ من تمام الولد
والزيادة في بطن أمه عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ- 8- يعني قدر خروج
الولد من بطن أمه وقد مكنه في بطنها إلى خروجه فإنه يعلم ذلك
كله ثم قال: عالِمُ الْغَيْبِ يعني غيب الولد في بطن أمه
«ويعلم غيب كل شيء «1» » وَالشَّهادَةِ يعني شاهد الولد وغيره
يقول الله إذا علمت هذا فأنا:
الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ- 9- يعني العظيم لا أعظم منه الرفيع
فوق خلقه سَواءٌ مِنْكُمْ عند الله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ
وَمَنْ جَهَرَ بِهِ يعني بالقول «2» وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ
بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ- 10- يقول من هو مستخف
بالمعصية في ظلمه الليل، ومنتشر بتلك المعصية بالنهار معلن بها
«3» فعلم ذلك كله عند الله- تعالى- سواء، ثم قال لهذا الإنسان
المستخفي «4» بالليل، السارب «5» بالنهار مع علمي بعمله لَهُ
مُعَقِّباتٌ من الملائكة مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني بأمر الله من الإنس
والجن مما لم يقدر أن يصيبه حتى تسلمه المقادير فإذا أراد الله
أن يغير ما به لم «6» تغن عنه المعقبات شيئا. ثم قال: إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من النعمة حَتَّى
يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ يعني كفار مكة نظيرها من
الأنفال «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ... » إلى آخر الآية «7» .
والنعمة أنه بعث فيهم رسولا
__________
(1) فى أزيادة: «قال ويعلم ... » .
(2) فى أزيادة: «من أعلن بالسر وأسره منكم» وليست فى ل.
(3) فى أ: فعلن بها، ل: معلن بها.
(4) فى أ: المستخف، ل: المستخفى.
(5) هكذا فى: أ، ل. والأنسب: والسارب.
(6) هكذا فى: أ، ل.
(7) سورة الأنفال: 53. وتمامها «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ
يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ» .
تفسير مقاتل- 24
(2/369)
من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف،
فغيروا هذه النعمة فغير الله ما بهم، فذلك قوله: وَإِذا أَرادَ
اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً يعني بالسوء العذاب فَلا مَرَدَّ
لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ- 11- يعني ولي يرد
عنهم العذاب هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً للمسافر
من الصواعق وَطَمَعاً للمزارع «1» المقيم في رحمته يعني المطر
وَيُنْشِئُ يعني ويخلق مثل قوله: «وَلَهُ الْجَوارِ
الْمُنْشَآتُ «2» » يعني المخلوقات السَّحابَ الثِّقالَ- 12-
من الماء وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ يقول ويذكر الرعد
بأمره يحمده «3» والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد وهو موكل
بالسحاب صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض ويسوقه
بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله- تعالى- أن تمطر فيها، ثم
قال: «وَ» تسبح الْمَلائِكَةُ بزجرته مِنْ خِيفَتِهِ يعني من
مخافة الله- تعالى- فميز بين الملائكة وبين الرعد وهما سواء
كما ميز بين جبريل، وميكائيل في البقرة «4» وكما ميز بين
الفاكهة، وبين النخل، والرمان، وهما سواء ثم قال: وَيُرْسِلُ
الصَّواعِقَ هذا أنزل «5» في أمر عامر، والأربد بن قيس حين
أراد «6» قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- وذلك
أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- فقال: «أسلم على أن ذلك المدر ولي الوبر» فقال
__________
(1) محذوفة من ل. هكذا (وطمعا) للمقيم.
(2) سورة الرحمن الآية: 24. [.....]
(3) من ل، والجملة ساقطة من أ: «يحمده ... إلى ... يجمده» .
(4) يشير إلى الآية: 98 من سورة البقرة وتمامها: «مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ
وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ» .
(5) فى ل: هذا أنزل، أ: هذا نزل.
(6) فى ل: أراد، أ: أرادوا.
(2/370)
له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنت
امرؤ [188 أ] من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم» . قال:
«فلك الوبر ولي المدر» «1» فقال له النبي- صلى الله عليه
وسلم-: مثل ذلك. قال: «فلي الأمرين من بعدك» قال له النبي صلى
الله عليه وسلم-: مثل قوله الأول «لك ما لهم وعليك ما عليهم» .
فغضب عامر فقال: «لأملأنها عليك خيلا، ورجالا، ألف أشقر عليها
ألف أمرد» ثم خرج مغضبا فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامري،
فقال عامر لأربد:
«ادخل بنا على محمد فألهيه في الكلام وأنا أقتله، وإن شئت
ألهيته بالكلام وقتلته أنت» قال أربد: «ألهه أنت وأنا أقتله» .
فدخلا على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأقبل عامر على النبي-
صلى الله عليه وسلم- يحدثه وهو ينظر «2» إلى أربد متى يحمل
عليه فيقتله، ثم طال مجلسه فقام عامر وأربد فخرجا فقال عامر
لأربد: «ما منعك من قتله؟» قال: «كلما أردت قتله وجدتك تحول
بيني وبينه» وأتى جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم «3» -
فأخبره بما أرادا فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- عليهما
فقال: «اللهم اكفني عامرا وأربدا واهد بني عامر «4» »
فأما أربد فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله- تعالى-:
«وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ» فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ يعني
أربد بن قيس وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ يعني يخاصمون في
الله. وذلك أن عامرا قال للنبي- صلى الله
__________
(1) من: ل، وفى أ: والمدر.
(2) من: ل، وفى أ: وينظر.
(3) فى ل: وأتى جبريل- عليه السّلام- النبي- صلى الله عليه
وسلم- وفى أ: وأتى جبريل النبي- عليهما السلام.
(4) فى أ: عامر، ل: عامرا.
(2/371)
عليه وسلم-: «أخبرني عن ربك أهو من ذهب «1»
، أو من فضة، أو من نحاس «2» ، أو من حديد، أو ما هو؟» فهذا
القول خصومته فأنزل الله- تعالى-:
«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ،
وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «3» » يقول
ليس هو من نحاس ولا من غيره. وسلط الله عليه الطاعون في بيت
امرأة من بني سلول فجعل يقول عامر قتيل بغير سلاح غدة كغدة
البعير وموت في بيت سلولية ابرز يا ملك الموت «4» حتى أقاتلك،
فذلك قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ- 13- يعني الرب- تعالى-
نفسه. يعني شديد الأخذ إذا أخذ نزلت في عامر بن الطفيل، وأربد
بن قيس لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ يعني كلمة الإخلاص وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني والذين يعبدون من دون الله من
الآلهة وهي الأصنام لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا
كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ يقول لا تجيب الآلهة من
يعبدها ولا تنفعهم كما لا ينفع العطشان الماء «يبسط يده إلى
الماء وهو على شفير بئر يدعوه أن يرتفع إلى فيه «5» »
لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ حتى يموت من العطش فكذلك
لا تجيب «6» الأصنام، ثم قال: فادعوا يعني فادعوا الأصنام وَما
دُعاءُ الْكافِرِينَ يعني وما عبادة الكافرين إِلَّا فِي
ضَلالٍ- 14- يعني خسران وباطل وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي
السَّماواتِ
__________
(1) فى أ: أمن ذهب، ل: أهو من ذهب.
(2) فى أ: أو من نحاس، ل: أو نحاس.
(3) سورة الإخلاص.
(4) الموت: ساقطة من أ، وهي من ل.
(5) ما بين القوسين « ... » زيادة من الجلالين والبيضاوي
لتصحيح المعنى.
وفى أ، ل: حين يرفع الماء بيده إلى فيه. اهـ وتلاحظ أنه تفسير
غير المراد من الآية.
(6) من ل. وفى أ: لا يجيبون. [.....]
(2/372)
يعني الملائكة وَالْأَرْضِ طَوْعاً يعني
المؤمنين ثم قال: وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ يعني ظل الكافر كرها
يسجد لله وهو بِالْغُدُوِّ حين تطلع الشمس وَالْآصالِ- 15-
يعني بالعشي إذا زالت الشمس يسجد ظل الكفار لله وإن كرهوا قُلْ
يا محمد لكفار مكة [188 ب] مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
قُلِ اللَّهُ فِي قراءة أَبِي بن كَعْب، وابن مسعود «قالوا
الله» : قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ الله «1»
أَوْلِياءَ تعبدونهم يعني الأصنام لا يَمْلِكُونَ
لِأَنْفُسِهِمْ يعني الأصنام لا يقدرون لأنفسهم نَفْعاً وَلا
ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى عن الهدى وَالْبَصِيرُ
بالهدى يعني الكافر والمؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ
يعني الشرك وَالنُّورُ يعني الإيمان ولا يستوي من كان فى
الظلمة كمن كان في النور ثم قال يعنيهم: أَمْ جَعَلُوا يعني
وصفوا لِلَّهِ شُرَكاءَ من الآلهة خَلَقُوا كَخَلْقِهِ يقول
خلقوا كما خلق الله فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ يقول
فتشابه ما خلقت الآلهة والأصنام وما خلق الله عليهم، فإنهم لا
يقدرون أن يخلقوا، فكيف يعبدون ما لا يخلق شيئا، ولا يملك، ولا
يفعل، كفعل الله- عز وجل- قُلْ لهم يا محمد: اللَّهُ خالِقُ
كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ لا شريك له الْقَهَّارُ- 16-
والآلهة مقهورة وذليلة. ثم ضرب الله- تعالى- مثل الكفر
والإيمان، ومثل الحق والباطل فقال: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ
ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها وهذا مثل القرآن الذي
علمه المؤمنون وتركه الكفار «2» فسال الوادي الكبير على قدر
كبره «منهم من حمل منهم كبيرا «3» » والوادي الصغير على قدره
__________
(1) فى أ، ل: من دون الله.
(2) فى أ، ل: علمه المؤمنين وتركه الكفار.
(3) هكذا فى أ، ل. والأنسب حذف هذه الجملة أو يقال (منهم من
حمل منه كبيرا) .
(2/373)
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ يعني سيل الماء
زَبَداً رابِياً يعني عاليا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي
النَّارِ أيضا ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ يعني الذهب، والفضة ثم قال:
أَوْ مَتاعٍ يعني المشبه «1» ، والصفر، والحديد، والرصاص، له
أيضا زَبَدٌ مِثْلُهُ فالسيل زبد لا ينتفع به، والحلي، والمتاع
له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به، والحلي،
والمتاع له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به،
والذهب والفضة والمتاع ينتفع به، ومثل الماء مثل القرآن وهو
الحق، ومثل الأودية مثل القلوب، ومثل السيل مثل الأهواء. فمثل
الماء، والحلي، والمتاع، الذي ينتفع به مثل الحق الذي في
القرآن، ومثل زبد الماء، وحيث المتاع، الذي لا ينتفع به مثل
الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع
به أهله في الدنيا فكذلك الحق ينتفع به أهله في الآخرة. وكما
لا ينتفع بالزبد وخبث الحلي والمتاع أهله في الدنيا فكذلك
الباطل لا ينتفع أهله في الآخرة كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً
يعني يابسا لا ينتفع به الناس كما لا ينتفع بالسيل وَأَمَّا
مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فيستقون
ويزرعون عليه وينتفعون به يقول: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الْأَمْثالَ- 17- يعني الأشباه فهذه الثلاثة الأمثال ضربها «2»
الله في مثل واحد لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ
الْحُسْنى لهم في الآخرة وهي الجنة وَالَّذِينَ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَهُ [189 أ] بالإيمان وهم الكفار لَوْ أَنَّ
لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ فقدروا
على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ
لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء
من ذنوبهم وَمَأْواهُمْ يعنى مصيرهم
__________
(1) هكذا فى: أ، ل. ولعل المراد ما يشبه الحلية.
(2) هكذا فى: أ، ل. والأولى فهذه الأمثال الثلاثة أو ثلاثة
الأمثال.
(2/374)
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ- 18- يعني
بئس ما مهدوا لأنفسهم ثم ضرب مثلا آخر فقال: أَفَمَنْ يَعْلَمُ
أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ يعنى القرآن
نزل فى عمار ابن ياسر كَمَنْ هُوَ أَعْمى عن القرآن لا يؤمن
بما أنزل من القرآن فهو أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي لا
يستويان هذان «1» وليسا بسواء ثم قال: إِنَّما يَتَذَكَّرُ فى
هذا الأمر أُولُوا الْأَلْبابِ- 19- يعني عمار بن ياسر، يعني
أهل اللب والعقل نظيرها في الزمر «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «2» » نزلت في عمار
وأبي حذيفة «3» بن المغيرة الاثنين جميعا ثم نعت الله أهل اللب
فقال:
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ فى التوحيد وَلا
يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ- 20- الذي أخذ الله عليهم على عهد آدم-
عليه السلام- ويقال: هم مؤمنو أهل الكتاب وَالَّذِينَ
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ «أَنْ يُوصَلَ «4» » من
إيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- والنبيين والكتب كلها
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ في ترك الصلة وَيَخافُونَ سُوءَ
الْحِسابِ- 21- يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من
ذنوبهم وَالَّذِينَ صَبَرُوا على ما أمر الله نزلت في
المهاجرين والأنصار ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا
الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا
وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ يعني ويدفعون بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ إذا أذاهم كفار مكة فيردون عليهم معروفا أُولئِكَ
لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ- 22-
__________
(1) فى أ: هذا مثلا، ل: هذه وتشبه هذان.
(2) سورة الزمر: أ.
(3) فى ل: وحذيفة، أ: وأبى حذيفة.
(4) «أن يوصل» : ساقطة من أ، وهي فى ل.
(2/375)
يعني عاقبة الدار فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ يعني ومن آمن «1» بالتوحيد بعد
هؤلاء مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ يدخلون
عليهم أيضا معهم جنات عدن نظيرها في «حم» المؤمن ثم «2» قال:
وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ- 23-
على مقدار أيام الدنيا ثلاث عشرة مرة، معهم التحف من الله-
تعالى-، من جنة عدن ما ليس في جناتهم، من كل باب، فقالوا لهم:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ في الدنيا على أمر الله
فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ- 24- يثني الله على الجنة عقبى
الدار. عاقبة حسناهم دار الجنة، ثم قال: وَالَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ يعني كفار أهل الكتاب مِنْ بَعْدِ
مِيثاقِهِ يعني من بعد إقرارهم بالتوحيد يوم آدم- عليه السلام-
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من
الإيمان بالنبيين وبالتوحيد وبالكتاب وَيُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْضِ هؤلاء، يعنى يعملون فيها بالمعاص «3» أُولئِكَ
لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ- 25- يعني شر
الدار جهنم، اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يعني
يوسع الرزق على من يشاء وَيَقْدِرُ يعنى ويقتر على من يشاء
[189 ب] وَفَرِحُوا يعني ورضوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا
الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ- 26- يعني
إلا قليل وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة وهم القادة
لَوْلا أُنْزِلَ يعني هلا أنزل عَلَيْهِ يعني النبي- صلى الله
عليه وسلم- آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ
مَنْ يَشاءُ عن
__________
(1) فى أ: أمر، ل: آمن.
(2) يشير إلى الآية 8 من سورة غافر وتمامها: «رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .
(3) هكذا فى أ، ل، والأنسب بالمعاصي.
(2/376)
الهدى وَيَهْدِي إِلَيْهِ «1» إلى دينه
مَنْ أَنابَ- 27- يعني من راجع التوبة «2» ثم نعتهم فقال:
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
يقول وتسكن قلوبهم بالقرآن يعني بما في القرآن من الثواب
والعقاب يقول الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ- 28- يقول ألا بالقرآن تسكن القلوب ثم أخبر بثوابهم
فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ
يعني حسنى لهم وهي بلغة العرب «3» ، وَحُسْنُ مَآبٍ- 29- يعني
وحسن مرجع وطوبى شجرة في الجنة لو أن رجلا ركب فرسا أو نجيبة
وطاف على ساقها لم يبلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم،
ولو أن طائرا طار من ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، كل
ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله-
تعالى- ولو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت الأرض نورا كما
تضيء الشمس تحمل هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلي،
والثمار غير الشراب «4» كَذلِكَ يعني هكذا أَرْسَلْناكَ فِي
أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ يعني قد مضت قبل أهل
مكة، يعني الأمم الخالية»
، لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني
لتقرأ عليهم القرآن وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ
نزلت يوم الحديبية حين صالح النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل
مكة فكتبوا «6» بينهم كتابا وولى
__________
(1) فى أ: «ويهدى إلى دينه» .
(2) هكذا فى أ، ل. [.....]
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) هذا الوصف من الإسرائيليات التي وضعها مقاتل فى تفسيره،
ولينه لم يفعل.
(5) من ل. وفى أ: قيل كفار مكة، أمة يعنى الأمم الخالية.
(6) فى أ: وكتبوا، وفى ل: فكتبوا.
(2/377)
الكتاب علي بن أبي طالب فكتب بسم الله
الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو القرشي: ما نعرف الرحمن «1»
إلا مسيلمة ولكن اكتب باسمك اللهم. فأمره النبي- صلى الله عليه
وسلم-، أن «2» يكتب باسمك اللهم. ثم قال له النبي- صلى الله
عليه وسلم-: اكتب هذا ما صالح «3» عليه محمد رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- أهل مكة. فقالوا: ما نعرف أنك رسول الله، لقد
ظلمناك إذا إن كنت رسول الله ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام.
ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فغضب أصحاب
النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالوا للنبي- صلى الله عليه
وسلم-: دعنا نقاتلهم. فقال: لا. ثم قال لعلي: اكتب الذي يريدون
أما إن لك يوما مثله، وقال «4» النبي- صلى الله عليه وسلم-:
أنا محمد بن عبد الله، وأشهد أني رسول الله فكتب هذا صالح عليه
محمد بن عبد الله أهل مكة على أن ينصرف محمد من عامه هذا، فإذا
كان القابل «5» دخل مكة فقضى عمرته وخلى «6» أهل مكة [190 أ]
بينه وبين مكة ثلاث ليال.
فأنزل الله- تعالى- في قول «7» سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن
الأحنف، وحويطب بن عبد العزى، كلهم من قريش حين قالوا: ما نعرف
الرحمن- إلا مسيلمة فقال تعالى: «وَهُمْ يَكْفُرُونَ
بِالرَّحْمنِ» قُلْ هُوَ رَبِّي يا محمد قل: الرحمن، الذي
يكفرون به هو ربى
__________
(1) فى ل: الرحمن الرحيم،: الرحمن.
(2) من ل، وهي ساقطة من أ.
(3) من ل، وفى أ: هذا كتابا صالح عليه.
(4) فى أ، ل: فقال.
(5) هكذا فى أ، ل. والمراد: العام القابل.
(6) فى، ل: وخلا.
(7) فى ل: فى، أ: من.
(2/378)
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
يقول به أثق وَإِلَيْهِ مَتابِ- 30- يعني التوبة نظيرها في
الفرقان «فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً» «1» وَلَوْ
أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وذلك
أن أبا جهل بن هشام «2» المخزومي قال لمحمد- صلى الله عليه
وسلم-: سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة فإنها أرض ضيقة فنتسع
فيها ونتخذ فيها المزارع والمصانع كما سخرت لداود- عليه
السلام- إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي- صلى الله عليه
وسلم-: لا أطيق ذلك. قال أبو جهل:
فلا عليك فسخر لنا هذه الريح فنركبها إلى الشام فنقضي ميرتنا
ثم نرجع من يومنا فقد شق علينا طول السفر كما سخرت لسليمان كما
زعمت، فلست بأهون على الله من سليمان إن كنت نبيا كما تزعم
وكان يركبها سليمان وقومه غدوة فيسير مسيرة شهر. قال النبي-
صلى الله عليه وسلم-: لا أطيق ذلك، قال أبو جهل:
فلا عليك ابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصي
بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا
«3» أنه كائن «4» بعد الموت أحق ما تقول أم باطل. فقد كان «5»
عيسى يفعل ذلك بقومه، كما زعمت، فلست بأهون على الله من عيسى
إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
ليس إليَّ ذلك. قال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل فلا ألفينك تذكر
آلهتنا بسوء، فأنزل الله- تعالى-: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً
سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ»
__________
(1) سورة الفرقان: 71.
(2) ابن هشام: ساقطة من أ، وهي فى ل.
(3) فى أ: عن أمامنا عما تخبرنا. [.....]
(4) فى أ: كائن، ل: كان.
(5) فى أ: فكان، حاشية أ: فقد كان، ص. م: فكان.
(2/379)
أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى يقول لو أن قرآنا فعل ذلك به قبل هذا
القرآن لفعلناه بقرآن محمد- عليه السلام- ولكنه «1» شيء أعطيه
رسلي فذلك قوله: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً يقول بل جميع
ذلك الأمر كان من الله ليس من قبل القرآن أَفَلَمْ يَيْأَسِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ
جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة
تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ يقول تصيبهم بما كفروا
بالله بائقة وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يزال
يبعث سراياه «2» فيغيرون حول مكة فيصيبون من أنفسهم، ومواشيهم،
وأنعامهم، فيها تقديم، ثم قال: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ
دارِهِمْ يقول أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين
«3» حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ في فتح «4» مكة وكان الله-
تعالى- وعد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يفتح عليه مكة فذلك
قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ- 31-[190 ب]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ: من الرسل قبل
محمد- صلى الله عليه وسلم- أخبروا قومهم بنزول العذاب عليهم في
الدنيا فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم «5»
فلما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- كفار مكة استهزءوا منه
فأنزل الله- تعالى- يعزي نبيه- عليه السلام- ليصبر على تكذيبهم
إياه بالعذاب «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ»
فَأَمْلَيْتُ يعنى فأمهلت
__________
(1) مكررة فى أ.
(2) فى أ، ل: سرية.
(3) فى أ: مرتين، ل: قريبين.
(4) فى أ: وفتح، وفى حاشية أ: وهو فتح محمد.، ل: فى فتح.
(5) فى أ: لهم، ل: بهم.
(2/380)
لِلَّذِينَ كَفَرُوا فلم أعجل عليهم
بالعقوبة ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب فَكَيْفَ كانَ عِقابِ-
32- يعني عذاب. أليس وجدوه حقا؟ أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى
كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من خير وشر يقول الله قائم على كل
بر وفاجر، على الله رزقهم وطعامهم وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ
يعني وصنعوا لله شبها وهو أحق أن يعبد من غيره قُلْ لهم يا
محمد: سَمُّوهُمْ يقول ما أسماء هؤلاء الشركاء وأين مستقرهم
يعني الملائكة لأنهم عبدوهم، ويقال الأوثان. ولو سموهم لكذبوا.
ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ
بأن معه شريكا أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ يقول: بل «1» بأمر
باطل كذب كقوله.
في الزخرف «2» : «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي» يقول
بل أنا خير، ثم قال:
بَلْ يعني لكن «3» زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة
مَكْرُهُمْ يعني قول الشرك وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ يعني
وصدوا الناس عن السبيل يعني دين الله الإسلام «4» وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ يقول ومن يضله الله فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 33-
إلى دينه لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعنى القتل ببدر وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
مما أصابهم من القتل ببدر وضرب الملائكة الوجوه والأدبار
وتعجيل أرواحهم النار وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
- 34- يعنى بقي العذاب عنهم مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ يعني شبه الجنة في الفضل والخير كشبه النار
__________
(1) بل: ساقطة من ل.
(2) فى أ: كقوله فى قوله، والآية رقم 52: من سورة الزخرف
وتمامها: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ
وَلا يَكادُ يُبِينُ» .
(3) فى أ: لكي، ل: لكن.
(4) هكذا فى: أ، ل.
(2/381)
في شدة العذاب. ثم نعت الجنة فقال:
«تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» «1» أُكُلُها دائِمٌ
يعني طعامها لا يزول ولا ينقطع وهكذا وَظِلُّها ثم قال: تِلْكَ
الجنة عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا عاقبة حسناهم الجنة
وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ- 35- يعني وعاقبة الذين كفروا
بتوحيد الله النار وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يقول
أعطيناهم التوراة، وهم «2» عبد الله بن سلام وأصحابه مؤمنو أهل
التوراة يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن ثم قال:
وَمِنَ الْأَحْزابِ يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وآل أبي طلحة
بن عبد العزى بن قصي، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أنكروا الرحمن،
والبعث، ومحمدا- عليه السلام- قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ
أَعْبُدَ اللَّهَ يعنى أوحد الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ شيئا
إِلَيْهِ أَدْعُوا يعني إلى معرفته وهو التوحيد أدعو
وَإِلَيْهِ مَآبِ- 36- يعني وإليه المرجع وَكَذلِكَ
أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ [191 أ] يعني حين دعى إلى ملة آبائه بَعْدَ ما
جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يعني من البيان مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ
مِنْ وَلِيٍّ يعني قريبا «3» ينفعك وَلا واقٍ- 37- يعني يقي
العذاب عنك وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ يعني
الأنبياء قبلك وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً يعني
النساء والأولاد وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ
وذلك أن كفار مكة سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم
بآية فقال الله- تعالى-: «وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ
بِآيَةٍ» إلى قومه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا بأمر الله
لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ- 38-
__________
(1) «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» : ساقطة من الأصل.
(2) فى أ: فهم، ل: فهو، والأنسب هنا: وهم.
(3) فى أ: قريب، ل: قريبا. [.....]
(2/382)
يقول لا ينزل من السماء كتاب إلا بأجل
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ يقول ينسخ «1» الله ما يشاء من
القرآن وَيُثْبِتُ يقول ويقر من حكم الناسخ ما يشاء فلا ينسخه
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ
- 39- يعني أصل الكتاب يقول الناسخ من الكتاب والمنسوخ فهو «2»
في أم الكتاب يعني بأم الكتاب اللوح المحفوظ.
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك بَعْضَ
الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر وسائر
بهم العذاب بعد الموت «3» .
ثم قال: أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ يقول أو نميتك يا محمد قبل أن
نعذبهم في الدنيا، يعني كفار مكة فَإِنَّما عَلَيْكَ يا محمد
الْبَلاغُ من الله إلى عباده وَعَلَيْنَا الْحِسابُ- 40- يقول
وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة كقوله- عز وجل- في الشعراء
«إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي «4» » يعنى ما جزاءهم إلا
على ربى أَوَلَمْ يَرَوْا يعني كفار مكة أَنَّا نَأْتِي
الْأَرْضَ يعنى أرض مكة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني ما
حولها يقول لا يزال النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون
يغلبون على ما حول مكة من الأرض فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه
ينقص من أهل الكفر ويزاد في المسلمين «5» وَاللَّهُ يَحْكُمُ
لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يقول والله يقضي لا راد لقضائه في
نقصان ما حول مكة ونصر محمد- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ
سَرِيعُ الْحِسابِ- 41- يقول كأنه قد جاء فحاسبهم وَقَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
__________
(1) فى أ: ينسئ. وفى حاشية أ: ينسخ محمد. وفى ل: ينسخ، وفى م:
ينسئ.
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) من ل. وفى أ: وسائر العرب ينزل بهم بعد الموت.
(4) سورة الشعراء: 113.
(5) هكذا فى أ، ل.
(2/383)
يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية يعني
قوم صالح- عليه السلام- حين أرادوا قتل صالح- عليه السلام-
فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم على قتل محمد- صلى الله عليه
وسلم- في دار الندوة يقول الله- عز وجل-: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ
جَمِيعاً يقول جميع ما يمكرون بإذن الله- عز وجل- والله
يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ يعني ما تعمل كل نفس بر
وفاجر من خير أو شر وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ: كفار مكة فى
الآخرة لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ- 42- يعني دار الجنة ألهم أم
للمؤمنين وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول قالت اليهود:
لَسْتَ مُرْسَلًا يا محمد «1» لم يبعثك الله رسولا فأنزل الله-
عز وجل- قُلْ لليهود: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً فلا شاهد أفضل
من الله- عز وجل- بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بأنى نبى رسول [191 ب]
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ- 43- يقول ويشهد من عنده
التوراة»
عبد الله بن سلام فهو يشهد أني نبي رسول مكتوب فى التوراة.
__________
(1) فى أزيادة: صلى الله عليه وسلم. وليست فى ل.
(2) هكذا فى: أ، ل. والمراد من عنده علم التوراة، أو معرفة
أحكام التوراة.
(2/384)
|