تفسير مقاتل بن سليمان

سورة ابراهيم

(2/385)


(14) سورة إبراهيم مكّيّة وآياتها ثنتان وخمسون

[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 52]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14)
وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49)
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)

(2/387)


سورة إبراهيم «1» «عليه السلام «2» » مكية «3» كلها غير قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ... »
__________
(1) مقصود سورة إبراهيم من مقاصد سورة إبراهيم ما يأتى:
بيان حقيقة الإيمان، وبرهان النبوّة، وأن الله- تعالى- أرسل كل رسول بلغة قومه، وذكر الامتنان على بنى إسرائيل بنجاتهم من فرعون، وأن القيام بشكر النعم يوجب المزيد، وكفرانها يوجب الزوال، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأنبياء، والرسل الغابرين، وأمر الأنبياء بالتوكل على الله عند تهديد الكفار إياهم، وبيان مذلة الكفار فى العذاب، والعقوبة وبطلان أعمالهم، وكمال إذلالهم فى القيامة، وبيان جزعهم من العقوبة، وإلزام الحجة عليهم، وإحالة إبليس اللائمة عليهم، وبيان سلامة أهل الجنة، وكرامتهم، وتشبيه الإيمان والتوحيد بالشجرة الطيبة وهي النخلة، وتمثيل الكفر بالشجرة الخبيثة وهي الحنطة. وتثبيت أهل الإيمان على كلمة الصواب عند سؤال منكر ونكير.
والشكوى من الكفار بكفران النعمة، وأمر المؤمنين بإقامة الصلوات، وذكر المنة على المؤمنين بالنعم السابقات ودعاء إبراهيم بالأمن للحرم المكي، وتسليمه إسماعيل إلى كرم الحق- تعالى- ولطفه، ثم شكره الله على إعطائه الولد.
وفى آخر السورة نجد التهديد العظيم للظالمين بمذلتهم فى القيامة، وأن الكفار قرناء الشياطين فى العذاب والإشارة إلى أن القرآن أبلغ واعظ وأعظم ذكرى للعقلاء فى قوله- تعالى-:
«هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» .
(2) فى أ: صلى الله عليه وسلم، ل: عليه السّلام.
(3) «مكية» : ساقطة من ل، وهي من أ.

(2/395)


الآيتين مدنيتين «1» ، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) يقصد الآيتين 28، 29 من سورة إبراهيم وهما قوله- تعالى-: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ» .
وفى ل: كلها غير قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ» .
وفى بداية المصحف:
(14) سورة إبراهيم مكية إلا آيتي 28، 29 فمدنيتان وآياتها 52 نزلت بعد سورة نوح.
(2) وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي سورة إبراهيم مكية إجماعا غير آية واحدة «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ... » الآية.
وعدد آياتها 55 عند الشاميين، 52 عند الكوفيين.
ومجموع فواصل آياتها (آدم نظر. صب ذل) .

(2/396)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني بأمر ربهم إِلى صِراطِ يعني إلى دين الْعَزِيزِ في ملكه الْحَمِيدِ- 1- في أمره عند خلقه. ثم دل على نفسه- تعالى ذكره- فقال: الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ من أهل مكة بتوحيد الله «1» مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ- 2- ثم أخبر عنهم فقال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الفانية عَلَى الْآخِرَةِ الباقية وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يعني سبيل الله عوجا يقول ويريدون بملة الإسلام زيغا وهو الميل أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 3- يعني في خسران طويل وذلك أن رءوس كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- «وعن اتباع دينه «2» » ثم قال- سبحانه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ يعني بلغة قومه ليفهموا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذلك قوله- سبحانه: لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ على ألسنة الرسل عن دينه الهدى وَيَهْدِي إلى دينه الهدى على ألسنة الرسل مَنْ يَشاءُ ثم رد- تعالى ذكره- المشيئة إلى نفسه فقال: وَهُوَ الْعَزِيزُ
__________
(1) أى: الكافرين بتوحيد الله.
(2) فى أ، ل: وعن دينه. [.....]

(2/397)


في ملكه الْحَكِيمُ- 4- حكم الضلالة والهدى لمن يشاء وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اليد والعصا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ يعني أن ادع قومك بني إسرائيل مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ يقول عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية فيحذروا فيؤمنوا إِنَّ فِي ذلِكَ يقول إن في هلاك الأمم الخالية لَآياتٍ يعني لعبرة لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- 5- يعني المؤمن صبور على أمر الله- عز وجل- عند البلاء الشديد شكور لله- تعالى- في نعمه وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ يعنى أنقذكم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعني أهل مصر يَسُومُونَكُمْ يعني يعذبونكم سُوءَ يعني شدة الْعَذابِ ثم بين العذاب فقال: وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ فى حجور [192 أ] أمهاتهم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعني قتل البنين وترك البنات قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلا وَفِي ذلِكُمْ يعني فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات بَلاءٌ يعني نقمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ- 6- كقوله سبحانه «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «1» » يعني النعمة «2» البينة، وكقوله: «وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ «3» » يعنى نعمة بينة «4» وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ نظيرها في الأعراف «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ «5» » وإذ قال ربكم:
__________
(1) سورة الصافات: 106.
(2) فى البيضاوي: المراد، بالبلاء النعمة. وفى الجلالين (بلاء) أنعام أو ابتلاء.
(3) سورة الدخان: 33.
(4) نعمة بينة: من ل. وفى أ: نقمة بين.
(5) سورة الأعراف: 167.

(2/398)


لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ يعني لئن وحدتم الله- عز وجل- كقوله سبحانه:
«وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» «1» يعني الموحدين، لأزيدنكم خيرا في الدنيا وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ بتوحيد الله إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ- 7- لمن كفر بالله- عز وجل- في الآخرة وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن عبادة خلقه حَمِيدٌ- 8- عن خلقه في سلطانه ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فقال سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا يعني حديث الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمم حديث قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ من الأمم التي عذبت عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم لا يَعْلَمُهُمْ يعني لا يعلم عدتهم أحد إِلَّا اللَّهُ- عز وجل- جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب بهم نظيرها في الروم «وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ «2» » يعني بنزول العذاب بهم في الدنيا فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ يقول وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم «3» قالوا للرسل: اسكتوا فإنكم كذبة يعنون الرسل وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا وَقالُوا للرسل: إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ يعني بالتوحيد وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ- 9- يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم قالَتْ لهم رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ يقول أفي التوحيد لله شك فاطِرِ يعني خالق السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ إلى معرفته لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
والمن هاهنا
__________
(1) سورة آل عمران: 144.
(2) سورة الروم: 9.
(3) ثم: ساقطة من أ، وهي من ل.

(2/399)


صلة كقوله سبحانه: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ «1» » وَيُؤَخِّرَكُمْ في عافية إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم بالسنين «2» فردوا على الرسل قالُوا لهم: إِنْ أَنْتُمْ يعني ما أنتم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا تفضلونا فى شيء تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا يعنى تمنعونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا يعنى دين آبائهم فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 10- يعني بحجة بينة قالوا للرسل ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله، فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله «3» . قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ يعني ما نحن إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ يعني ينعم عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فيخصه بالنبوة والرسالة وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ [192 ب] يعني بكتاب من الله بالرسالة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا بأمر الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ يقول وبالله فليثق الْمُؤْمِنُونَ- 11- لقولهم للرسل لنخرجنكم من أرضنا ثم قال سبحانه: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ يعني وما لنا ألا نثق بالله وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا يعنى لدينا «4» وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ- 12- يعنى وبالله فليثق الواثقون وكان أذاهم للرسل أن قالوا: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ «5» » لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا يعني دينهم الكفر فهذا الأذى الذي صبروا عليه فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
__________
(1) سورة الشورى: 13.
(2) فى أ، ل: فلا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها إلى آجالكم.
(3) فى أ: إن كانت لكم حجة بأنكم رسله فأتوا بها، ل: فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله.
(4) هكذا فى: أ، ل.
(5) ما بين القوسين « ... » : ساقط س: أ، ل.

(2/400)


يعني إلى الرسل لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ- 13- يعني المشركين في الدنيا ولننصرنكم يعني وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني هلاكهم ذلِكَ الإنسان في الدنيا لِمَنْ خافَ مَقامِي يعني مقام ربه- عز وجل- فى الآخرة وَلمن خافَ وَعِيدِ- 14- في الآخرة. وَاسْتَفْتَحُوا يعني دعوا ربهم واستنصروا وذلك أن الرسل أنذروا قومهم العذاب في الدنيا فردوا عليهم إنكم كذبة. ثم قالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا، فذلك قوله تعالى: «فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «1» » فذلك قوله سبحانه:
«وَاسْتَفْتَحُوا» يعني مشركي مكة وفيهم أبو جهل يعني ودعوا ربهم يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ- 15- يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله- عز وجل- نزلت في أبي جهل «عَنِيدٍ» يعني معرض عن الإيمان مجانبا له. ثم قال لهذا الجبار وهو فى الدنيا: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ من بعدهم يعني من بعد موته وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ- 16- يعنى خليطة القيح والدم الذي يخرج من أجداث الكفار يسقى الأشقياء «2» يَتَجَرَّعُهُ تجرعا وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ البتة نظيرها «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها «3» » يقول لا يراها البتة وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ في النار مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ هذا يعني ومن بعد إحدى وعشرين ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له الهيهات فتأكل ناره نار جهنم، وأهلها، كما تأكل نار الدنيا القطن المندوف ويأتيه الموت في النار من كل
__________
(1) سورة الأعراف: 70، وسورة هود: 32، وسورة الأحقاف: 22. [.....]
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) سورة النور: 40.

(2/401)


مكان وما هو بميت. ومن ورائه عَذابٌ غَلِيظٌ- 17- يعني شديد لا يفتر عنهم مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يعني بتوحيد ربهم مثل أَعْمالُهُمْ الخبيثة في غير إيمان كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ فى يوم [193 أ] شديد الريح فلم ير منه شيء فكذلك أعمال الكفار لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ يقول لا يقدرون على ثواب شيء مما عملوا في الدنيا ولا تنفعهم أَعْمَالَهُمْ لأنها لم تكن في إيمان. ثم قال: ذلِكَ الكفر هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ- 18- يعني الطويل أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لم يخلقهما باطلا لغير شيء ولكن خلقهما لأمر هو كائن، ثم قال- سبحانه- لكفار هذه الأمة: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بالهلاك إن عصيتموه وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ- 19- يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع لله منكم وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ- 20- يقول هذا على الله هين يسير «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» نظيرها فى الملائكة «1» ، ثم قال- سبحانه-: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً
يقول وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعا يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته فَقالَ الضُّعَفاءُ وهم الأتباع من كفار بني آدم لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله- عز وجل- وهو التوحيد وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً لدينكم في الدنيا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا معشر الكبراء مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ باتباعنا إياكم قالُوا يعني قالت الكبراء للضعفاء: لَوْ هَدانَا اللَّهُ لدينه لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع
__________
(1) سورة فاطر الآيات: 15، 16، 17 وهي: «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» .

(2/402)


من العذاب لعل ربنا يرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الجزع شيئا.
ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا فصبروا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الصبر شيئا. فقالوا عند ذلك: «سَواءٌ عَلَيْنا» أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ- 21- من مهرب عنها وَقالَ الشَّيْطانُ يعني إبليس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ يعني حين قضى العذاب وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره «1» النار «2» . قام خطيبا في النار فقَالَ: يا أهل النار: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ على ألسنة الرسل وَعْدَ الْحَقِّ يعني وعد الصدق أن هذا اليوم كائن وَوَعَدْتُكُمْ أنه ليس بكائن فَأَخْلَفْتُكُمْ الوعد وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني من ملك في الشرك فأكرهكم على متابعتي يعني على ديني إلا في الدعاء فذلك قوله- عز وجل-: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ يعني إلا أن زينت لكم فَاسْتَجَبْتُمْ لِي بالطاعة وتركتم طاعة ربكم فَلا تَلُومُونِي باتباعكم إياي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ بترككم أمر ربكم مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ يقول ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي إِنِّي كَفَرْتُ يقول تبرأت اليوم بِما أَشْرَكْتُمُونِ مع الله في الطاعة مِنْ قَبْلُ في الدنيا إِنَّ الظَّالِمِينَ يعني إن المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 22- يعني وجيع وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا [193 ب] يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وأدوا الفرائض جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني تجري العيون من تحت بساتينها خالِدِينَ فِيها لا يموتون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني بأمر ربهم أدخلوا الجنةَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ- 23- يقول تسلم الملائكة عليهم فى الجنة
__________
(1) فى أ: على أثر، ل: على أثره.
(2) النار: ساقطة من ل.

(2/403)


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً يعني حسنة يعني كلمة الإخلاص وهي التوحيد كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ يعني بالطيبة الحسنة كما أنه ليس في الكلام شيء أحسن ولا أطيب من الإخلاص قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له «1» فكذلك ليس في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة وهي النخلة أَصْلُها ثابِتٌ في الأرض وَفَرْعُها يعني رأسها فِي السَّماءِ- 24- يقول هكذا الإخلاص ينبت «2» في قلب المؤمن كما تنبت النخلة في الأرض إذا تكلم بها المؤمن فإنها تصعد إلى السماء كما أن النخلة رأسها في السماء، كما أن النخلة لها فضل على الشجرة في الطول، والطيب، والحلاوة، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ يقول إن النخلة تؤتي ثمرها كل ستة أشهر بِإِذْنِ رَبِّها يعني بأمر ربها فهكذا المؤمن يتكلم «3» بالتوحيد ويعمل الخير ليلا، ونهارا، غدوة، وعشيا بمنزلة النخلة وهذا مثل المؤمن ثم قال- سبحانه-: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ يعني ويصف الله الأشياء للناس لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ- 25- أي يتفكرون في أمثال الله- تعالى- فيوحدونه ثم ضرب مثلا آخر للكافرين فقال- سبحانه-: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ يعني دعوة الشرك كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ في المرارة يعني الحنظل اجْتُثَّتْ يعني انتزعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ- 26- يقول ما لها من أصل فهكذا كلمة الكافر ليس لها أصل كما أن الحنظل أخبث الطعام فكذلك كلمة الكفر أخبث
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من: ل، وهي من: أ.
(2) فى ل: ينبت، أ: يثبت.
(3) المؤمن يتكلم: فى ل. وفى حاشية: أ.

(2/404)


الدعوة وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر وليس لها بركة ولا منفعة فكذلك الكافر لا خير فيه، ولا فرع له في السماء يصعد فيه عمله، ولا أصل له في الأرض، بمنزلة الحنظلة يذهب بها «1» الريح، وكذلك الكافر، فذلك قوله- سبحانه-:
«كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ «2» » هاجت يمينا وشمالا مرة هاهنا ومرة هاهنا. ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم فقال- سبحانه-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وهو التوحيد فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثم قال: وَيثبتهم فِي الْآخِرَةِ يعني في قبره «3» في أمر منكر ونكير بالتوحيد وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير فيجلسانه في القبر فيسألانه «4» : من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ [194 أ] فيقول: ربي الله- عز وجل-، وديني الإسلام، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت. ثم يقولان: اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك قوله- سبحانه-: «وَفِي الْآخِرَةِ» أي «5» يثبت الله قول الذين آمنوا، ثم ذكر الكافر فى قبره حين يدخل عليه منكر ونكير يطئان «6» في أشعارهما ويحفران الأرض بأنيابهما وينالان الأرض بأيديهما، أعينهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها، فيقولان
__________
(1) فى ل: بها، أ: به.
(2) سورة إبراهيم: 18.
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) فى أ: فيسلانه.
(5) أى: ليست فى أ، ولا فى ل.
(6) فى أ: يطيان، ل: يطيران. [.....]

(2/405)


له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان له: لا دريت ولا تليت. ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه، فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويلتهب قبره نارا، ويصيح صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله- عز وجل-:
«وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ «1» » حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله- عز وجل- عن التوحيد. فذلك قوله: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ يعني المشركين حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره من ربك؟ وما دينك؟
ومن نبيك؟ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ- 27- فيهما فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً هذه مدنية إلى آخر الآيتين وبقية السورة مكية «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» وهم بنو أمية، وبنو المغيرة المخزومي، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع «2» ، وآمنهم من خوف، يعني القتل والسبي، ثم بعث فيهم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعمة- عز وجل-، فكفروا بهذه النعمة، وبدلوها، ثم قال الله- عز وجل-: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ- 28- يعني دار الهلاك بلغة عمان، فأهلكوا قومهم ببدر، ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله- عز وجل-: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ- 29- يعني وبئس المستقر، ثم ذكر كفار قريش فقال- تعالى-: وَجَعَلُوا
__________
(1) سورة البقرة: 159.
(2) من جوع: من ل، وليست فى أ.

(2/406)


يعني ووصفوا لِلَّهِ أَنْداداً يعني شركاء لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يعني ليستنزلوا عن دينه الإسلام قُلْ تَمَتَّعُوا في داركم قليلا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ- 30- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ يعني لا فداء «1» وَلا خِلالٌ- 31- يعني ولا خلة، لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته قبل منه الفداء أو يشفع له خليله، والخليل المحب. وليس في الآخرة من ذلك شيء وإنما هي أعمالهم [194 ب] يثابون عليها، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَخْرَجَ بِهِ يعني بالمطر مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ يعني السفن لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ- 32- وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ إلى يوم القيامة وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ- 33- في هذه «2» منفعة لبني آدم وَآتاكُمْ يقول وأعطاكم مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ يعني ما لم تسألوه ولا طلبتموه ولكن أعطيتكم من رحمتي يعني ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات فهذا كله من النعم، ثم قال- سبحانه-: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ لنفسه في خطيئته كَفَّارٌ- 34- يعني كافر في نعمته التي ذكر فلم يعبده.
__________
(1) فى أ: فداء، ل: لا فداء.
(2) هكذا فى أ، ل. والأنسب: وفى هذه.

(2/407)


«حدثنا «1» عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا صالح في قوله- عز وجل-: «مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» قال أعطاكم «2» ما لم تسألوه. ومن قراءة «كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» بدون من يقول استجاب لكم فأعطاكم ما سألتموه. والله أعلم «3» » .
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً يعني مكة فكان أمنا لهم في الجاهلية وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ يعني وولدي أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ- 35- وقد «4» علم أن ذريته مختلفون في التوحيد قال: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ يعني الأصنام كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعني أضللن بعبادتهن كثيرا من الناس فَمَنْ تَبِعَنِي على ديني فَإِنَّهُ مِنِّي على ملتي وَمَنْ عَصانِي فكفر فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 36- أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد نظيرها- في الأحزاب «وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً «5» » رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي يعني إسماعيل ابني خاصة بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ يعني لا حرث فيها ولا ماء يعني مكة عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حرمه لئلا يستحل فيه ما لا يحل، فيها تقديم رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ يعني اجنبني وبني أن نعبد الأصنام لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم ويعبدونك فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ يقول اجعل قوما من الناس تهوي إليهم يعني إلى إسماعيل وذريته وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ- 37-
__________
(1) «حدثنا ... » وما بعدها ساقط من: ل، وهو من: أ
(2) فى أ: ما أعطاكم.
(3) وفى القرطبي: أى أعطاكم من غير سؤال أى كلما سألتموه أعطاكم سؤلكم واستجاب لكم.
(4) فى ل: وقد، أ: قد.
(5) سورة الأحزاب: 24.

(2/408)


ولو قال اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحم عليهم الحرز «1» والديلم ولكنه قال: اجعل أفئدة من الناس رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي يعني ما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه أنه في غير معيشة، ولا ماء في أرض غربة، ثم قال: وَما نُعْلِنُ يعني من قوله: «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ «2» » يعنى مكة فهذى الذي أعلن وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ- 38- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ بالأرض «3» المقدسة بعد ما هاجر إليها إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ [195 أ] ابن ستين سنة ووهب له إسحاق وهو ابن سبعين سنة فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد «4» - صلى الله عليه وسلم- فإنه من ذرية إسماعيل «5» ، ثم قال إبراهيم: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ- 39- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فاجعلهم أيضا مقيمين الصلاة رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ- 40- يقول ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه ولذريته رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ يعنى أبويه وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ- 41- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يا محمد «6» غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ «7» الظَّالِمُونَ يعنى مشركي مكة إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ عن
__________
(1) فى ل: الحزر، أ: الخزر.
(2) سورة إبراهيم: 37.
(3) فى الأصل: بأرض.
(4) فى ل: غير محمد، أ: غير نبينا محمد.
(5) فى أ: إسماعيل- صلى الله عليه وسلم، ل: إسماعيل. [.....]
(6) فى أ: يا محمد- صلى الله عليه وسلم، ل: يا محمد.
(7) فى أ: يقول، وفى حاشية أ: الآية «بعمل» . وفى ل: يعمل.

(2/409)


العذاب في الدنيا لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ- 42- يعني فاتحة شاخصة أعينهم وذلك أنهم إذا عاينوا النار فيها تقديم في الآخرة شخصت أبصارهم فى يطرفون. فيها تقديم، وذلك قوله- سبحانه: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ يعني لا يطرفون، ثم قال: مُهْطِعِينَ يعني مقبلين إلى النار ينظرون إليها، ينظرون في غير طرف مُقْنِعِي يعنى رافعي رُؤُسِهِمْ إليها لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ «1» وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ- 43- وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها فتنشب في حلوقهم، فصارت قلوبهم «هواء» «2» بين الصدور والحناجر فلا تخرج من أفواههم ولا ترجع إلى أماكنها فذلك قوله- سبحانه-: في «حم» المؤمن إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ «3» يعني مكروبين فلما بلغت القلوب الحناجر ونشبت في حلوقهم انقطعت أصواتهم وغصت «4» ألسنتهم وَأَنْذِرِ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ يعني كفار مكة يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ في الآخرة فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي مكة فيسألون الرجعة إلى الدنيا فيقولون في الآخرة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب «5» نُجِبْ دَعْوَتَكَ إلى التوحيد وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ يعني حلفتم مِنْ قَبْلُ في الدنيا إذا
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقطة من: أ، ل. اعتمادا على ذكرها قبل. الآية.
(2) من ل، وليست فى: ا.
(3) سورة غافر: 18.
(4) فى ل: وعصت، أ: وغصت.
(5) هكذا فى أ، ل.

(2/410)


متم ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ- 44- إلى البعث بعد الموت وذلك قوله- سبحانه- في النحل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «1» وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني ضروا بأنفسهم يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا يعني قوم هود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ يقول كيف عذبناهم وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ- 45- يعني ووصفنا لكم الأشياء يقول وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم- عز وجل- يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار فقال: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ [195 ب] يقول فعلهم. يعني التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت والنسور الأربعة وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ «2» يقول عند الله مكرهم يعني فعلهم وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ- 46- نظيرها في بني إسرائيل وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ «3» يعني وقد كادوا. وقد كان «4» نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه وهو أول من ملك الأرض كلها وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء فخر عليهم السقف وهو البناء من فوقهم.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ «5» ، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل عن مقاتل عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَانْيَالَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ الله عنه-
__________
(1) سورة النحل: 38.
(2) فى أ: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ» .
(3) سورة الإسراء: 73.
(4) فى ل: يعنى وقد كان نمروذ، أ: يعنى وقد كادوا وهو نمروذ.
(5) فى ل: عبد الله.

(2/411)


فى قوله- سبحانه-: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ قَالَ: أَمَرَ «1» نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ عَدُوُّ اللَّهِ فَنُحِتَ التَّابُوتُ وَجَعَلَ لَهُ بَابًا مِنْ أَعْلاهُ وَبَابًا مِنْ أَسْفَلِهِ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى أَرْبَعِ نُسُورٍ ثُمَّ أَوْثَقَ «2» كُلَّ نَسْرٍ بِقَائِمَةِ التَّابُوتِ ثُمَّ جَعَلَ فِي أَعْلَى التَّابُوتِ لَحْمًا شَدِيدَ الْحُمْرَةِ فِي «أَرْبَعَةِ نَوَاحِي التَّابُوتِ» «3» حِيَالَ النُّسُورِ ثُمَّ جَعَلَ رَجُلَيْنِ فِي التَّابُوتِ فَنَهَضَتِ النُّسُورُ تُرِيدُ اللَّحْمَ فَارْتَفَعَ التَّابُوتُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ لِصَاحِبِهِ: افْتَحْ بَابَ التَّابُوتِ الأَسْفَلَ، فَانْظُرْ، كَيْفَ ترى الأرض؟
نفتح فَنَظَرَ. قَالَ: أَرَاهَا كَالْعُرْوَةِ الْبَيْضَاءِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: افْتَحِ الْبَابَ الأَعْلَى فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، هَلِ ازْدَدْنَا مِنْهَا قُرْبًا؟ قَالَ: فَفَتَحَ الْبَابَ الأَعْلَى، فَإِذَا هِيَ كَهَيْئَتِهَا، وَارْتَفَعَتِ النُّسُورُ تُرِيدُ اللَّحْمَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَا جِدًّا لَمْ تَدَعْهُمَا الرِّيحُ أَنْ يَصْعَدَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: افْتَحِ الْبَابَ الأَسْفَلَ فَانْظُرْ، كَيْفَ تَرَى الأَرْضَ؟ قَالَ فَفَتَحَ قَالَ: إِنَّهَا سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، وَلا أَرَى مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: ارْدُدِ الْبَابَ الأَسْفَلَ، وَافْتَحِ الْبَابَ الأَعْلَى، فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، هَلِ ازْدَدْنَا مِنْهَا قُرْبًا؟ فَفَتَحَ الْبَابَ الأَعْلَى فَقَالَ «4» : أَرَاهَا كَهَيْئَتِهَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: نَكِّسِ التَّابُوتَ فَنَكَّسَهُ فَتَصَوَّبَ «5» اللَّحْمُ وَصَارَتِ النُّسُورُ فَوْقَ التَّابُوتِ وَاللَّحْمُ أَسْفَلُ ثُمَّ هَوَتِ النُّسُورُ مُنْصَبَّةٌ تُرِيدُ اللَّحْمَ فَسَمِعَتِ الْجِبَالُ حَفِيفَ التَّابُوتِ وَحَفِيفَ أَجْنِحَةِ النُّسُورِ فَفَزِعَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ أَمْرٌ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ- عَزَّ وجل-
__________
(1) أمر: ساقطة من أ، وهي من: ل.
(2) فى أ: وثق. [.....]
(3) الأنسب: فى نواحي التابوت الأربعة.
(4) هكذا فى أ، ل. والأنسب: فقال.
(5) فى ل: فتصوب، أ، فصوب. أهو المراد صار اللحم صوب الأرض أى إلى أسفل.

(2/412)


فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ
ثم خوف كفار مكة، فقال- سبحانه-: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يا محمد مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعني منيع في مكة ذُو انتِقامٍ- 47- من أهل معصيته يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يقول تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم بأرض بيضاء نقية [196 أ] لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها معصية وهي أرض الصراط وعمق الصراط خمسمائة عام وَتبدل السَّماواتُ فلا تكون «1» شيئا وَبَرَزُوا لِلَّهِ يقول وخرجوا من قبورهم، ولا يستترون من الله بشيء في أرض مستوية مثل الأدم ممدودة ليس عليها جبل، ولا بناء، ولا نبت ولا شيء الْواحِدِ لا شريك له الْقَهَّارِ- 48- يعني القاهر لخلقه وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يعني كفار مكة يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ- 49- يعني موثقين في السلاسل والأغلال صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ يعني قمصهم من نحاس ذائب «2» وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ- 50- لأنهم يتقون النار بوجوههم لِيَجْزِيَ «3» أى ليجزيهم اللَّهُ فيها تقديم يقول وبرزوا من قبورهم لكي يجزي الله كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ يقول كل نفس بر وفاجر ما كسبت يعني ما عملت من خير أو شر إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 51- يقول كأنه قد جاء الحساب يخوفهم فإذا أخذ الله- عز وجل- فى حسابهم فرغ من حساب
__________
(1) فى أ: فلا تكن، ل: فلا تكون.
(2) هكذا فى: أ: ل، وفى حاشية أ: الظاهر والله أعلم أن قوله من نحاس ذائب إنما هو على قراءة من قرأ «قطر» أى من نحاس آن، ظهر للكاتب.
(3) فى أ، ل: «ليجزيهم» .

(2/413)


الخلائق على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ يعني كفار مكة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ يعني لينذروا بما في القرآن. وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ «1» لا شريك له «2» وَلِيَذَّكَّرَ فيما يسمع من مواعظ القرآن أُولُوا الْأَلْبابِ- 52- يعنى أهل اللب والعقل.
__________
(1) ساقطة من: أ.
(2) ساقطة من: أ.

(2/414)