تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الأنبياء
(3/57)
سورة الأنبياء
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 112]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ
مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً
قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ
هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ
وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ
فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ
شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ
يُؤْمِنُونَ (6) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً
نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ
الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ
الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا
الْمُسْرِفِينَ (9)
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا
تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ
ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ
(12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا
وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً
خامِدِينَ (15) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما
بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ
لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ
(17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ
اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ
كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ
اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ
عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ
مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا
يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي
إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ
مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ
الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ
وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
(31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ
آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ (33) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34)
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذا
رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً
أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ
الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ
عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ
عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (39)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ
رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ
بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ
ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ
ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ
تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ
أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ
مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ
الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44)
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ
الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ
نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا
إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ
كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى
بِنا حاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ
الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ
مُشْفِقُونَ (49)
وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ
مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ
قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ
وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها
عاكِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53)
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(54)
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ
(55) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
(56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ
تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ
كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قالُوا
مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ
(59)
قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ
(60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا
يَا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا
فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلى
أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ
يَنْطِقُونَ (65) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا
لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ
وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
(67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
فاعِلِينَ (68) قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى
إِبْراهِيمَ (69)
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا
فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (72)
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ
الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) وَلُوطاً آتَيْناهُ
حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي
كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ
فاسِقِينَ (74)
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
(75) وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ
(77) وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ
إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ
شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا
حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ
يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ
بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي
بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) وَمِنَ
الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً
دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ
نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ
مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ
الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ
مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ
أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ
الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا
إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ
خَيْرُ الْوارِثِينَ (89)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ
زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا
وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91) إِنَّ هذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
(92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا
راجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ
(94)
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ
(95) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا
وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا
ظالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ
هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99)
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها
مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا
اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمُ
الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا
يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي
السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا
أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا
فاعِلِينَ (104)
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ
الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي
هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) وَما أَرْسَلْناكَ
إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّما يُوحى
إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى
سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ
(109)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا
تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ
وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ
وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112)
(3/59)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ نزلت في كفار مكة وَهُمْ فِي
غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ- 1- لا يؤمنون به يعني بالحساب يوم
القيامة، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ
مِنْ رَبِّهِمْ يعني من بيان من ربهم يعني القرآن مُحْدَثٍ
يقول الذي يحدث الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-
من القرآن «لا محدث عند الله- تعالى» «1» إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ- 2- يعني لاهين» «2» عن القرآن لاهِيَةً
قُلُوبُهُمْ يعني غافلة قلوبهم عنه وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [11
ب] الَّذِينَ ظَلَمُوا فهو أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وعقبة
بن أبي معيط، قالوا سرا فيما بينهم: هَلْ هَذَا يعنون محمدا-
صلى الله عليه وسلم- إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا يفضلكم» «3»
بشيء فتتبعونه أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعني القرآن وَأَنْتُمْ
تُبْصِرُونَ- 3- أنه سحر «قالَ» «4» لهم محمد- صلى الله عليه
وسلم- رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ يعني السر الذي فيما بينهم
فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ لسرهم
الْعَلِيمُ- 4- به بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعنى جماعات
أحلام يعنون القرآن
__________
(1) «لا محدث عند الله- تعالى-» : من أوليست فى ل ولا فى ز.
[.....]
(2) فى أ: لاهون، ز، ل: لاهين.
(3) فى أ: لا يعلمكم، ل، ز: لا يفضلكم.
(4) فى أ: «قل» لهم يا محمد.
(3/69)
سورة الأنبياء «1» مكية وهي مائة واثنتا
عشرة آية، كوفية» «2»
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة الأنبياء:
التنبيه على الحساب فى القيامة، وقرب زمانها، ووصف الكفار
بالغفلة، وإثبات النبوة، واستيلاء أهل الحق على أهل الضلالة،
وحجة الوحدانية، والإخبار عن الملائكة وطاعتهم، وخلق الله
السموات والأرض بكمال قدرته، وسير الكواكب ودور الفلك،
والإخبار عن موت الخلائق وفنائهم وحفظ الله- تعالى- وحراسته
العبد من الآفات، وذكر ميزان العدل فى القيامة، وذكر إبراهيم
بالرشد والهداية، وإنكاره الأصنام وعبّادها، وسلامة إبراهيم من
النار، ونجاة لوط من قومه أولى العدوان، ونجاة نوح ومتابعيه من
الطوفان، وحكم داود، وفهم سليمان، وذكر تسخير الشيطان، وتضرع
أيوب، ودعا. يونس، وسؤال زكريا، وصلاح مريم، وهلاك قرى أفرطوا
فى الطغيان، وفتح سد يأجوج ومأجوج فى آخر الزمان وذل الكفار
والأوثان، فى دخول النسران، وعز أهل اطاعة والإيمان من الأزل
إلى الأبد فى جميع الأزمان، على علالي الجنان، وطي السموات فى
ساعة القيامة، وذكر الأمم الماضية، والمنزل من الكتب فى سالف
الأزمان، وإرسال المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بالرأفة والرحمة
والإحسان، وتبليغ الرسالة على حكم السوية من غير نقصان ورجحان،
وطلب حكم الله- تعالى- على وفق الحق، والحكمة فى قوله:
«رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ» : 112.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 317 ما يأتى:
سميت سورة الأنبياء لاشتمالها على قصصهم: على إبراهيم، وإسحاق،
ويعقوب، ولوط، ونوح، وسليمان، وداود، وأيوب، وإسماعيل، وصالح،
ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى.
(2) وفى المصحف المتداول: (21) سورة الأنبياء مكية وآياتها 112
نزلت بعد سورة إبراهيم.
(3/70)
قالوا هي أحلام كاذبة مختلطة يراها محمد-
صلى الله عليه وسلم- في المنام فيخبرنا بها، ثم قال: بَلِ
افْتَراهُ يعنون بل يخلق محمد- صلى الله عليه وسلم- القرآن من
تلقاء نفسه، ثم قال: بَلْ هُوَ يعني محمدا- صلى الله عليه
وسلم- شاعِرٌ فإن كان صادقا فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما
أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ- 5- من الأنبياء- عليهم السلام-
بالآيات إلى قومهم، كل هذا من قول هؤلاء النفر، كما أرسل موسى
وعيسى وداود وسليمان- عليهم السلام- بالآيات والعجائب يقول
الله- عز وجل- مَا آمَنَتْ يقول ما صدقت بالآيات قَبْلَهُمْ
يعني قبل كفار مكة مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها بالعذاب في
الدنيا يعني كفار الأمم الخالية أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ- 6- يعني
كفار مكة أفهم يصدقون بالآيات، فقد كذبت بها الأمم الخالية من
قبلهم، بأنهم لا يصدقون» «1» ، ثم قالوا في الفرقان: « ...
أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ... » «2» يأكل ويشرب
وترك الملائكة فلم يرسلهم، فأنزل الله- عز وجل- في قولهم: وَما
أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
فَسْئَلُوا يا معشر كفار مكة أَهْلَ الذِّكْرِ يعني مؤمني أهل
التوراة إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 7- أن الرسل كانوا من
البشر فسيخبرونكم أن الله- عز وجل- ما بعث رسولا إلا من البشر،
ونزل في قولهم « ... أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا»
يأكل ويشرب ويترك» «3» الملائكة فلا يرسلهم فقال- سبحانه-:
وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً يعنى الأنبياء- عليهم
__________
(1) كذا فى أ، ل.
(2) سورة الفرقان: 4، وقد وردت فى جميع النسخ: «أَبَعَثَ
اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا» وهي من سورة الإسراء: 94.
(3) كذا، والأولى: وترك الملائكة فلم يرسلهم.
(3/71)
السلام-، والجسد الذي ليس فيه روح، كقوله-
سبحانه-: « ... عِجْلًا جَسَداً» «1» ... »
لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ولا يشربون ولكن جعلناهم جسدا» «2»
فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون الموت، وذلك قوله- سبحانه:
وَما كانُوا خالِدِينَ- 8- فى الدنيا ثُمَّ صَدَقْناهُمُ
الْوَعْدَ يعني الرسل الوعد يعني العذاب في الدنيا إلى قومهم
فَأَنْجَيْناهُمْ يعني الرسل من العذاب وَمَنْ نَشاءُ من
المؤمنين وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ- 9- يقول وعذبنا
المشركين في الدنيا. قال أبو محمد: قال [12 أ] أبو العباس
ثعلب: قال الفراء «وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً» إلا ليأكلوا»
«3» الطعام.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا أهل مكة كِتاباً فِيهِ
ذِكْرُكُمْ يعني شرفكم أَفَلا تَعْقِلُونَ- 10- مثل قوله-
تعالى-: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» «4» ... »
يعنى شرفا لك ولقومك وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ يعني
أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة كانَتْ ظالِمَةً
وَأَنْشَأْنا بَعْدَها يقول وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية
قَوْماً آخَرِينَ- 11- يعني قوما كانوا باليمن في قرية تسمى
حضور» «5» وذلك أنهم قتلوا نبيا من الأنبياء- عليهم السلام-
فسلط الله- عز وجل- جند بخت نصر» «6» فقتلوهم، كما سلط بخت
نصر» «7» والروم على اليهود
__________
(1) سورة طه: 88.
(2) كذا فى أ، ل، ز.
(3) فى الأصل: ليأكلون.
(4) سورة الزخرف: 44.
(5) فى ز: حضور، أ، ل: حصفورا.
(6) فى ز، ل: بخت نصر، أ: بخت ناصر. [.....]
(7) من ز، ل، وفى أ: بخت ناصر.
(3/72)
ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا
يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء- عليهم السلام-، فذلك قوله-
عز وجل-: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يقول فلما رأوا عذابنا
يعني أهل حضور إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ- 12- يقول إذا هم
من القرية يهربون قالت لهم الملائكة كهيئة الاستهزاء لا
تَرْكُضُوا يقول لا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ
فِيهِ يعني إلى ما خولتم فيه من الأموال وَإلى مَساكِنِكُمْ
يعنى قريتكم التي هربتم منها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ- 13- كما
سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب قالُوا يَا
وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ- 14- يقول الله- عز وجل-:
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ يقول فما زال الويل قولهم
حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ- 15- يقول أطفأناهم
بالسيف فحمدوا مثل النار إذا طفئت فحمدت وَما خَلَقْنَا
السَّماءَ وَالْأَرْضَ يعني السموات السبع والأرضين السبع وَما
بَيْنَهُما من الخلق لاعِبِينَ- 16- يعني عابثين لغير شيء ولكن
خلقناهما لأمر هو كائن لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً
يعني ولدا وذلك أن نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما قالوا
عيسى ابن الله فقال الله- عز وجل-:
«لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» «1» لَاتَّخَذْناهُ
مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا من الملائكة لأنهم أطيب وأطهر من
عيسى ولم نتخذه من أهل الأرض، ثم قال- سبحانه-:
إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ- 17- يقول ما كنا فاعلين ذلك أن نتخذ
ولدا، مثلها
__________
(1) تفسير «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» من ز، وهو
ناقص، ومضطرب فى أ، ففي أ: يعنى معهما، قالوا عيسى- صلى الله
عليه وسلم- ابن الله، فقال الله- عز وجل-: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْواً» يعنى ولدا.
(3/73)
في الزخرف «1» بَلْ نَقْذِفُ بل نرمي
بِالْحَقِّ الذي قال الله- عز وجل-:
«إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» عَلَى الْباطِلِ الذي «2» قالوا أن
لله- عز وجل- ولدا فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ يعنى ذاهب
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ- 18- يقول لكم الويل في
الآخرة مما تقولون من «3» [12 ب] البهتان بأن لله ولدا، ثم
قال- سبحانه-: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عبيده
وفى ملكه، وعيسى بن مريم، وعزيز، والملائكة ... وغيرهم، ثم
قال- سبحانه-: وَمَنْ عِنْدَهُ من الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ
يعني لا يتكبرون عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ- 19-
يعني ولا يعيون، كقوله- عز وجل-:
« ... وَهُوَ حَسِيرٌ «4» وهو معى، «5» ثم قال- تعالى ذكره-:
يُسَبِّحُونَ يعني يذكرون الله- عز وجل- اللَّيْلَ وَالنَّهارَ
لا يَفْتُرُونَ- 20- يقول لا يستريحون من ذكر الله- عز وجل-
ليست لهم فترة ولا سآمة أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ
الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ- 21- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ
يعني آلهة كثيرة إِلَّا اللَّهُ يعني غير الله- عز وجل-
لَفَسَدَتا يعني لهلكتا يعني السموات والأرض وما بينهما
فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ- 22- نزه
الرب نفسه- تبارك وتعالى- عن قولهم بأن مع الله
__________
(1) كذا فى أ، وفى ز: مثلها فى الزمر «لَوْ أَرادَ اللَّهُ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ
سُبْحانَهُ ... » (سورة الزمر: 4) ، وانظر الآيات: 59- 64 من
سورة الزخرف ففيها هذه الفكرة بمعناها لا يلفظها.
(2) فى ز: الذي، أ: الذين.
(3) فى أ: من من.
(4) سورة الملك: 4.
(5) فى ز: يعنى معيا.
(3/74)
- عز وجل- إلها، ثم قال- سبحانه-: لا
يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ يقول لا يسأل الله- تعالى- عما يفعله
فى خلقه وَهُمْ يُسْئَلُونَ- 23- يقول- سبحانه- يسأل الله
الملائكة في الآخرة « ... أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي
هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ «1» ؟ ويسألهم، ويقول
للملائكة: « ... أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ «2»
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ لكفار مكة: هاتُوا
بُرْهانَكُمْ يعني حجتكم، أن مع الله- عز وجل- إلها كما زعمتم
هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي يقول هذا
القرآن فيه خبر من معي، وخبر من قبلي من الكتب، ليس فيه أن مع
الله- عز وجل- إلها كما زعمتم بَلْ أَكْثَرُهُمْ يعني كفار مكة
لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ يعني التوحيد فَهُمْ مُعْرِضُونَ- 24-
عنه عن التوحيد، كقوله- عز وجل- «بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ ... «3»
»
يعني بالتوحيد وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدُونِ- 25- يعني فوحدون «وَقالُوا أي كفار مكة» «4»
منهم النضر بن الحارث: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً قالوا إن
الملائكة بنات الله- تعالى- فنزه الرب- جل جلاله- نفسه عن
قولهم، فقال: سُبْحانَهُ بَلْ هم يعني الملائكة عِبادٌ
مُكْرَمُونَ- 26- لعبادة ربهم وليسوا ببنات «5» الرحمن ولكن
الله أكرمهم بعبادته، ثم أخبر عن الملائكة «فقال» «6» : لا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
__________
(1) سورة الفرقان: 17.
(2) سورة سبأ: 40.
(3) سورة الصافات: 37.
(4) فى ز: « (وقالوا أ] كفار مكة» ، وفى أ: « (وقال) كفار مكة»
.
(5) فى أ: بينات، ز: بنات.
(6) «فقال» : من ز، وليست فى أ.
(3/75)
يعني الملائكة لا يسبقون ربهم بأمر، يقول
الملائكة لم تأمر كفار مكة بعبادتهم إياها، ثم قال: وَهُمْ
يعني الملائكة بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ- 27- يقول لا تعمل
الملائكة إلا بأمره، فأخبر الله- عز وجل- عن الملائكة أنهم
عباد يخافون ربهم ويقدسونه ويعبدونه يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول الرب- عز وجل- يعلم ما كان
قبل أن يخلق الملائكة، ويعلم ما كان بعد خلقهم وَلا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى يقول لا تشفع الملائكة إلا
لمن رضي الله أن يشفع له يعني من أهل التوحيد» «1» «الذين لا
يقولون أن الملائكة بنات الله- عز وجل- لأن كفار مكة زعموا أن
الملائكة تشفع لهم في الآخرة إلى الله- عز وجل-، ثم قال:
سبحانه- يعني «2» الملائكة «3» وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ
مُشْفِقُونَ- 28- يعنى خائفين وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ يعني من
الملائكة إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ يعني من دون الله- عز وجل-
فَذلِكَ يعني فهذا الذي يقول أني إله من دونه نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ- 29- النار حين زعموا
أن مع الله- عز وجل- إلها ولم يقل ذلك أحد من الملائكة غير
إبليس عدو الله رأس الكفر أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا
يقول أو لم يعلم الذين كفروا من أهل مكة أَنَّ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً يعنى ملتزقين، وذلك أن الله- تبارك
وتعالى- أمر بخار الماء فارتفع فخلق منه السموات السبع فأبان
إحداهما من الأخرى، فذلك قوله فَفَتَقْناهُما ثم قال- سبحانه-:
وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ
__________
(1) فى أ: (ولا يشفعون) الملائكة. والمثبت من ز. [.....]
(2) يعنى بمعنى يقصد.
(3) ما بين الأقواس « ... » من أ، وليس فى ز.
(3/76)
يقول وجعلنا الماء حياة كل شيء يشرب الماء
أَفَلا يُؤْمِنُونَ- 30- يقول أفلا يصدقون بتوحيد الله- عز
وجل- مما يرون من صنعه وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ يعني
الجبال أرسيت في الأرض فأثبتت الأرض بالجبال «1» أَنْ تَمِيدَ
«بِهِمْ» «2» لئلا تزول الأرض بهم «3» وَجَعَلْنا فِيها يعني
في الجبال فِجاجاً يعني كل شعب في جبل فيه منذ سُبُلًا يعني
طرقا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ- 31- يقول لكي يعرفوا طرقها
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً يعنى المرفوع مَحْفُوظاً من
الشياطين لئلا يسمعوا إلى كلام الملائكة فيخبروا «4» الناس
وَهُمْ عَنْ آياتِها يعني الشمس والقمر والنجوم وغيرها
مُعْرِضُونَ- 32- فلا يتفكرون فيما يرون من صنعه- عز وجل-
فيوحدونه وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ- 33-
يقول يدخلان من قبل المغرب فيجريان تحت الأرض حتى يخرجا «5» من
قبل المشرق، ثم يجريان «6» في السماء إلى المغرب، فذلك قوله-
سبحانه-: «كُلٌّ» «7» - يعني الشمس والقمر «فِي فَلَكٍ» يعني
في دوران «يَسْبَحُونَ» يعني يجرون فذلك دورانهما.
__________
(1) من ز، وفى أ: فأثبتناها بالجبال.
(2) فى ز، أ: «بكم» .
(3) فى أ، ز: بكم.
(4) فى أ، ل: فيخبرون، ز: فيخبروا.
(5) فى أ: يخرجان، ز: يخرجا.
(6) فى ز: يجريان، أيخرجان.
(7) «كل» : من ز، وليست فى أ.
(3/77)
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ [13 ب] وذلك أن
قوما قالوا: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- لا يموت. فأنزل
الله- عز وجل- «وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ» يعني لنبي من الأنبياء
مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ في الدنيا فلا يموت فيها، بل يموتون
فلما نزلت هذه الآية، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لجبريل
عليه السلام-:
فمن يكون في أمتي من بعدي، فأنزل الله- عز وجل- «أَفَإِنْ» «1»
مِتَ
يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَهُمُ الْخالِدُونَ- 34-
فإنهم «2» يموتون أيضا، ثم قال- عز وجل-: كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ «يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيره
«3» وَنَبْلُوكُمْ يقول ونختبركم «4» بِالشَّرِّ يعني بالشدة
لتصبروا «5» وَب الْخَيْرِ فِتْنَةً تعنى بالرخاء لتشكروا «6»
«فتنة» يقول هما بلاء يبتليكم بهما «7» وَإِلَيْنا في الآخرة
تُرْجَعُونَ- 35- بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم وَإِذا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أبا جهل إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا
هُزُواً وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مر على أبي سفيان بن حرب، وعلى
أبي جهل بن هشام، فقال أبو جهل لأبي سفيان كالمستهزئ:
انظروا إلى نبي بني عبد مناف. فقال أبو سفيان لأبي جهل حمية-
وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف- وما تنكر أن يكون نبيا في بني
عبد مناف «8» فسمع
__________
(1) «أفإين» كما وردت فى تشكيل المصحف.
(2) فى أ، ز: بأنهم، ولكنها ليست فى أ.
(3) ما بين القوسين « ... » من ل، ز، وليس فى أ.
(4) فى ز: ونختبركم، أ: ونبتليكم.
(5) فى ز: لتصبروا، أ: فتصبروا. [.....]
(6) من ز، وفى أ: اضطراب.
(7) من أ: وحدها.
(8) من ز، وفى أ: وما تنكر أن يكون نبى فى بنى عبد مناف.
(3/78)
النبي- صلى الله عليه وسلم- قولهما، فقال
لأبي جهل: ما أراك منتهيا حتى ينزل الله- عز وجل- بك ما نزل
بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت الذي
قلت حمية، فأنزل الله- عز وجل- «وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا»
يعني أبا جهل «إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً» استهزاء.
وقال أبو جهل حين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم-: أَهذَا
الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ اللات والعزى ومناة بسوء يقول
الله- عز وجل- وَهُمْ بِذِكْرِ يعني بتوحيد الرَّحْمنِ هُمْ
كافِرُونَ- 36- وذلك أن أبا جهل قال: إن الرحمن مسيلمة بن حبيب
الحنفي الكذاب خُلِقَ الْإِنْسانُ يعنى آدم أبو البشر مِنْ
عَجَلٍ وذلك أن كفار قريش استعجلوا بالعذاب في الدنيا من قبل
أن يأتيهم تكذيبا به كما استعجل آدم- عليه السلام- الجلوس «1»
من قبل أن تتم فيه الروح من قبل رأسه- يوم الجمعة «2» «فأراد
أن يجلس من قبل أن تتم فيه الروح إلى قدميه فلما بلغت الروح
وسطه ونظر إلى حسن خلقه أراد أن يجلس ونصفه طين «3» » فورث
الناس كلهم العجلة من آدم- عليه السلام- لم تجد منفذا فرجعت من
أنفه فعطس، فقال: «الحمد لله رب العالمين» [14 أ] فهذه أول
كلمة تكلم بها:
وبلغنا أن الله- عز وجل- رد عليه «فقال: لهذا خلقتك يرحمك ربك»
«4» فسبقت رحمته غضبه فلما استعجل كفار مكة العذاب في الدنيا
نزلت «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» لأنهم من ذريته يقول
الله- عز وجل- لكفار مكة
__________
(1) فى أ، ل: الجلوس ز، للجلوس.
(2) من ز، وفى أ، وفى ل: الروح- يوم الجمعة- من قبل رأسه.
(3) ما بين القوسين « ... » من أ، ل، وليس فى ز.
(4) ما بين القوسين « ... » من ز وفى أرد عليه يرحمك الله.
(3/79)
ف سَأُرِيكُمْ آياتِي يعني عذابي القتل
فَلا تَسْتَعْجِلُونِ- 37- يقول فلا تعجلوا بالعذاب
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ-
38- وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: متى
هذا العذاب الذي «1» تعدنا، إن كنت صادقا، يقولون ذلك مستهزئين
تكذيبا بالعذاب فأنزل الله- عز وجل- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا من أهل مكة حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ
النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وذلك أن أيديهم تغل إلى
أعناقهم «وتجعل فى أعناقهم ضحرة من الكبريت فتشتعل النار فيها
فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا بوجوههم «2» .
فذلك قوله- سبحانه-: «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ
الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... » «3»
وذلك قوله: «حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ
وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ» لو علموا ذلك ما استعجلوا بالعذاب، ثم
قال- سبحانه-: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ- 39- يقول ولا هم يمنعون
من العذاب، ثم قال- تعالى-: بَلْ تَأْتِيهِمْ الساعة بَغْتَةً
يعنى فجأة فَتَبْهَتُهُمْ يقول» «4» فتفجأهم فَلا
يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها يعني أن يردوها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ-
40- يقول ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا وَلَقَدِ
اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئ بك يا محمد
يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه
بالعذاب وذلك أن مكذبي الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب
ليس بنازل بهم فى الدنيا
__________
(1) فى أ: التي، والتفسير كله مختصر فى ز، وليس موجودا بها.
(2) ما بين القوسين « ... » : ليس فى ز، وهو من أ.
(3) سورة الزمر: 24.
(4) فى أ: يقول، ز: يعنى.
(3/80)
فلما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- كفار
مكة استهزءوا منه تكذيبا بالعذاب يقول الله- عز وجل-: فَحاقَ
«بِالَّذِينَ» «1» يعنى فدا ربهم «سَخِرُوا مِنْهُمْ» «2» ما
يعنى الذي كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ- 41- بأنه غير نازل بهم
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ يقول من يحرسكم بِاللَّيْلِ
وَالنَّهارِ مِنَ عذاب الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ
رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ- 42- يعني القرآن، معرضون عنه، ثم قال-
سبحانه-: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ نزلت في الحارث بن قيس السهمي
وفيه نزلت أيضا في الفرقان «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلهَهُ هَواهُ ... » «3» فقال- سبحانه-: «أَمْ لَهُمْ
آلِهَةٌ» تَمْنَعُهُمْ من العذاب مِنْ دُونِنا يعني من دون
الله- عز وجل- فيها تقديم ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالى-:
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ يقول لا تستطيع الآلهة
[14 ب] «أن» «4» تمنع نفسها من سوء أريد بها، ثم قال- سبحانه-:
وَلا هُمْ يعني من يعبد الآلهة مِنَّا يُصْحَبُونَ- 43- يعني
ولا هم منا يجارون يقول الله- تعالى- لا يجيرهم مني «ولا
يؤمنهم مني» «5» أحد بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ يعني كفار مكة
وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ
يعنى أفهلا يرون أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ يعنى أرض مكة
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها «يعنى نغلبهم
__________
(1) فى أ، ل، ز «بهم» لكنها فى القرآن «بالذين» .
(2) «سخروا منهم» : ساقطة من الأصل.
(3) سورة الفرقان 43 وتلاحظ أن أ، ل، ز، أوردت الآية «أفرأيت
... » وصوابها «أفرأيت ... » . [.....]
(4) أن: من ز، وساقطة من أ.
(5) ما بين القوسين « ... » من ز، وليس فى أ.
(3/81)
على ما حول أرض مكة» «1» أَفَهُمُ
الْغالِبُونَ- 44- يعني كفار مكة أو النبي- صلى الله عليه
وسلم- والمؤمنون؟ بل النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي
الله عنهم هم الغالبون لهم، «وربه محمود» «2» قُلْ لكفار مكة:
إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ بما في القرآن من الوعيد
وَلا يَسْمَعُ يا محمد الصُّمُّ الدُّعاءَ هذا مثل ضربه الله-
عز وجل- للكفار يقول إن الأصم إذا ناديته لم «3» يسمع فكذلك
الكافر لا يسمع الوعيد والهدى إِذا ما يُنْذَرُونَ- 45-
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ يقول ولئن أصابتهم عقوبة مِنْ
عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا
ظالِمِينَ
- 46- وَنَضَعُ الأعمال في الْمَوازِينَ الْقِسْطَ يعني العدل
لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فجبريل- عليه السلام- يلي موازين أعمال
بنى آدم فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً يقول لا ينقصون شيئا من
أعمالهم وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ يعني وزن حبة مِنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها يعني جئنا بها «بالحبة» «4» وَكَفى
بِنا حاسِبِينَ- 47- يقول- سبحانه- وكفى بنا من سرعة الحساب
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ يعني التوراة
وَضِياءً يعني ونورا من الضلالة يعني التوراة وَذِكْراً يعني
وتفكرا لِلْمُتَّقِينَ- 48- الشرك ثم نعتهم فقال- سبحانه-:
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فأطاعوه ولم يروه
وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ- 49- يعنى من القيامة
خائفين وَهذا
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: يعنى تغلب على مكة ثم
على أخرى.
(2) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: والله- عز وجل-
محمود.
(3) لم: من ز، وهي مشطوبة فى أ.
(4) «بالجنة» : فى الأصل.
(3/82)
القول ذِكْرٌ يعني بيان مُبارَكٌ
أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ يا أهل مكة لَهُ مُنْكِرُونَ- 50-
يقول- سبحانه- «لا تعرفونه فتؤمنون به «1» .
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ يقول ولقد
أعطينا إبراهيم هداه فى السرب وهو صغير من قبل موسى وهارون
وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ- 51- يقول الله- عز وجل- وكنا
بإبراهيم عالمين بطاعته لنا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ آزر:
وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها
عاكِفُونَ- 52- تعبدونها «2» «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها
عابِدِينَ» «3» - 53- قالَ لهم إبراهيم: لَقَدْ كُنْتُمْ
أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 54- قالُوا
أَجِئْتَنا يإبراهيم بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ
اللَّاعِبِينَ- 55- قالوا أجد هذا القول منك [15 أ] أم لعب
يإبراهيم قالَ إبراهيم: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ يعنى الذي خلقهن وَأَنَا عَلى
ذلِكُمْ يعني على ما أقول لكم مِنَ الشَّاهِدِينَ- 56- بأن
ربكم الذي خلق السموات والأرض وَتَاللَّهِ يقول والله،
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بالسوء يعني أنه يكسرها، وهي اثنان
وسبعون صنما من ذهب وفضة ونحاس «وحديد» «4» وخشب بَعْدَ أَنْ
تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ- 57- يعنى ذاهبين إلى عيدكم «وكان
__________
(1) «لا تعرفونه فتؤمنون به» : من ز، وفى أ: «لا يعرفونه
فيؤمنون به» .
(2) «تعبدونها» من ز، وفى أ: يقول التي أنتم لها عابدين،
وعليها علامة تمريض.
(3) «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ» : من ز، وهي
ساقطة من أ.
(4) «وحديد» : من ز، وليست فى أ.
(3/83)
لهم» «1» عيد في كل سنة يوما واحدا «2»
«وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام ثم يسجدون» «3» لها ثم
يخرجون، ثم إذا جاءوا من عيدهم بدءوا بها فسجدوا لها ثم تفرقوا
إلى منازلهم «4» .
فسمع قول إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- رجل منهم، حين قال:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا
مُدْبِرِينَ» فلما خرجوا دخل إبراهيم على الأصنام والطعام بين
أيديها فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً يعني قطعا، كقوله- سبحانه- « ...
عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» «5» يعني غير مقطوع، ثم استثنى
إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ يعني أكبر الأصنام فلم يقطعه وهو من
ذهب ولؤلؤ وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان في الظلمة لهما
بريق كبريق النار وهو في مقدم البيت، فلما كسرهم وضع الفأس بين
يدي الصنم الأكبر، ثم قال: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ-
58- يقول إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم، فلما رجعوا من
عيدهم دخلوا على الأصنام فإذا هي «6» مجذوذة قالُوا يعني نمروذ
بن كنعان وحده، هو الذي قال:
مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ-
59- لنا حين انتهك هذا منا قال الرجل الذي كان يسمع قول
إبراهيم- عليه السلام- حين قال:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ... «7» قالُوا
سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ بسوء، فذلك قوله
__________
(1) «وكان لهم» من ز، فى أ: وكل له.
(2) يوما واحدا: من ز، فى أ: يوم واحد.
(3) يسجدون: من ز، ل» فى أ: يسجدوا.
(4) ما بين الأقواس « ... » : من أ، وليس فى ز. [.....]
(5) سورة هود: 108.
(6) فى أ: هن، ز: هي.
(7) سورة الأنبياء: 57.
(3/84)
يعني الرجل وحده قال سمعت فتى يذكرهم بسوء
إضمار يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ- 60- قالُوا قال نمروذ الجبار
«1» : فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ يعني على رءوس
الناس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ- 61- عليه بفعله ويشهدون عقوبته
فلما جاءوا به قالُوا قال نمروذ: أَأَنْتَ فَعَلْتَ «هَذَا»
«2» بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ- 62- يعنى أنت كسرتها: قالَ
إبراهيم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا يعني أعظم الأصنام
الذي في يده الفأس غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار
فقطعها فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ- 63- يقول سلوا
الأصنام المجذوذة من «3» قطعها؟ إن قدروا على الكلام
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ [15 ب] فلاموها فَقالُوا فقال
بعضهم لبعض: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ- 64- لإبراهيم
حين «4» تزعمون أنه قطعها والفأس في يد الصنم الأكبر، ثم قالوا
بعد ذلك كيف يكسرها «وهو مثلها» «5» ، فذلك قوله- سبحانه-:
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ يقول رجعوا عن قولهم الأول
فقالوا لإبراهيم لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ- 65-
فتخبرنا من كسرها.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ،
قَالَ: الْهُذَيْلُ سمعت عبد القدوس- ولم أسمع مقاتلا- يحدث عن
الحسن «ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ» يعنى على الرؤساء
والأشراف.
__________
(1) الجبار: من ز، وليس فى أ.
(2) «بهذا» : فى الأصل.
(3) فى الأصل: فى.
(4) حين: من ز، وليست فى أ.
(5) من ز، وفى أ: وإنما هو مثلها.
(3/85)
قالَ لهم إبراهيم عند ذلك: أَفَتَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً إن
عبدتموهم وَلا يَضُرُّكُمْ- 66- إن لم تعبدوهم، ثم قال لهم
إبراهيم: أُفٍّ لَكُمْ يعني بقوله أف لكم، الكلام الرديء «1»
وَلِما تَعْبُدُونَ من الأصنام مِنْ دُونِ اللَّهِ- عز وجل-
أَفَلا يعني أفهلا تَعْقِلُونَ- 67- أنها ليست بآلهة قالُوا
حَرِّقُوهُ بالنار وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ يقول انتقموا منه
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ- 68- ذلك به فألقوه في النار، يعني
إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- ويقول الله- عز وجل- قُلْنا يا
نارُ كُونِي بَرْداً من الحر وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ- 69-
يقول وسلميه من البرد ولو لم يقل «وسلاما» لأهلكه بردها
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً يعني بإبراهيم حين خرج من النار، فلما
نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ فجعل بعضهم يكلم بعضا فلا
يفقهون كلامهم فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة، فمن ثم سميت
بابل، وحجزهم الله عنه «فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ» «2» -
70- وَنَجَّيْناهُ يعني إبراهيم وَلُوطاً من أرض كوثا ومعهما
سارة من شر نمروذ بن كنعان الجبار إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ- 71- يعني الناس إلى الأرض
المقدسة وبركتها الماء والشجر والنبت وَوَهَبْنا لَهُ يعني
لإبراهيم إِسْحاقَ، ثم قال: وَيَعْقُوبَ نافِلَةً يعني فضلا
على مسألته في إسحاق وَكُلًّا جَعَلْنا يعني إبراهيم وإسحاق
ويعقوب جعلناهم صالِحِينَ- 72- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا يقول جعلناهم قادة للخير يدعون الناس إلى
أمر الله- عز وجل- وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ
يعنى الأعمال الصالحة
__________
(1) فى أ: الرديء، ز: القبيح.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من النسخ.
(3/86)
وَإِقامَ الصَّلاةِ [16 أ] وَإِيتاءَ
الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ- 73- يعنى موحدين وَلُوطاً
آتَيْناهُ يعني أعطيناه حُكْماً يعني الفهم والعقلي وَعِلْماً
وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ يعنى سدوم الَّتِي كانَتْ
تَعْمَلُ الْخَبائِثَ يعني السيئ» «1» من العمل إتيان الرجال
في أدبارهم فأنجى الله لوطا وأهله، وعذب القرية» «2» بالخسف
والحصب إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ- 74-
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا يعني نعمتنا وهي النبوة كقوله-
عز وجل- «إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ... »
«3» بالنبوة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ- 75- وَنُوحاً إِذْ
نَادَى مِنْ قَبْلُ إبراهيم ولوطا وإسحاق وكان نداؤه حين قال:
« ... أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» «4» فَاسْتَجَبْنا لَهُ
دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ-
76- يعني الهول الشديد يعني الغرق وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ
في قراءة أبي بن كعب «ونصرناه على القوم» الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآياتِنا يعني كذبوا بنزول العذاب عليهم في الدنيا وكان نصره
هلاك قومه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ
أَجْمَعِينَ- 77- لم ننج منهم أحدا وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ
يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ يعني الكرم إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ
غَنَمُ الْقَوْمِ يعني النفش بالليل والسرح بالنهار» «5»
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ- 78- يعني داود وسليمان- صلى
الله عليهما- وصاحب الغنم وصاحب
__________
(1) فى أ: السيئات، ز: السيء.
(2) فى أ، ل: وعذبناها.
(3) سورة الزخرف: 59.
(4) سورة القمر: 10، وتمامها: «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي
مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» . [.....]
(5) من أو فى ز: يعنى تنفش بالليل وتسرح بالنهار.
(3/87)
الكرم، وذلك أن راعيا جمع غنمه بالليل إلى
جانب كرم رجل فدخلت الغنم الكرم فأكلته وصاحبها لا يشعر بها
فلما أصبحوا أتوا داود النبي- عليه السلام- فقصوا عليه أمرهم،
فنظر داود ثمن الحرث، فإذا هو قريب من ثمن الغنم، فقضى بالغنم
لصاحب الحرث فمروا بسليمان فقال: كيف قضى لكم نبي الله؟
فأخبراه، فقال سليمان: نعم ما قضى نبي الله وغيره أرفق
للفريقين فدخل رب الغنم على داود» «1» فأخبره بقول سليمان
فأرسل داود إلى سليمان فأتاه فعزم عليه بحقه بحق النبوة، لما
أخبرتني فقال عدل الملك، وغيره أرفق فقال داود: وما هو؟
قال سليمان: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فله أولادها وأصوافها
وألبانها وسمنها، وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه،
فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده دفع إليه حرثه وقبض غنمه» «2» ،
قال: داود نعم ما قضيت» «3» فأجاز قضاءه» «4» ، وكان هذا ببيت
المقدس، يقول الله- عز وجل- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعني
القضية ليس يعني به الحكم ولو كان الحكم لقال ففهمناه وَكُلًّا
يعني داود وسليمان آتَيْنا يعنى أعطينا حُكْماً وَعِلْماً [16
ب] يعني الفهم والعلم فصوب قضاء سليمان ولم يعنف داود
وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ يعني يذكرن
الله- عز وجل- كلما ذكر داود ربه- عز وجل- ذكرت الجبال ربها
معه وَسخرنا له الطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ- 79- ذلك بداود
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعني الدروع من حديد
وكان داود أول من
__________
(1) فى أ، دود، ز، ل: داود.
(2) فى ز: أفسده، دفع إليه غنمه.
(3) فى أ: نعما قضيت، ل، ز: نعم ما قضيت.
(4) من ل، ز، وفى أ: وأدار قضاءه.
(3/88)
اتخذها لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ
يعني من حربكم من القتل والجراحات فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ-
80- لربكم في نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء: يعني فهل
أنتم شاكرون؟ معنى الأمر أي اشكروا، ومثله « ... فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» «1» أى انتهوا وَسخرنا لِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ عاصِفَةً يعني شديدة تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى
الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها يعني الأرض المقدسة يعني
بالبركة الماء والشجر وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ مما أعطيناهما
عالِمِينَ- 81- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ
لسليمان في البحر فيخرجون له اللؤلؤ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ
من البحر وَيَعْمَلُونَ له عَمَلًا دُونَ ذلِكَ يعني غير
الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات
وَكُنَّا لَهُمْ يعني الشياطين حافِظِينَ- 82- على سليمان لئلا
يتفرقوا عنه.
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ يعني دعا ربه- عز وجل- أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ يعني أصابني البلاء وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ- 83- فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَكَشَفْنا مَا
بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ فأحياهم الله- عز وجل-
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع
بنين وثلاث بنات فأحياهم الله- عز وجل- ومثلهم معهم رَحْمَةً
يقول نعمة مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ- 84- يقول
وتفكرا للموحدين فأعطاه الله- عز وجل- مثل كل شيء ذهب له يعني
أيوب، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن عبادة
ربه- عز وجل- فلم يستطع.
__________
(1) سورة المائدة الآية 91 وتمامها: «إِنَّما يُرِيدُ
الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ
وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»
.
(3/89)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ
كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ- 85- وَأَدْخَلْناهُمْ فِي
رَحْمَتِنا يعني في نعمتنا وهي النبوة إِنَّهُمْ مِنَ
الصَّالِحِينَ- 86- يعني من المؤمنين.
وَذَا النُّونِ يعني يونس بن متى- عليه السلام- إِذْ ذَهَبَ
مُغاضِباً يعني مراغما لقومه، لحزقيل بن أجار» «1» ومن معه من
بني إسرائيل ففارقهم من غير أن يؤمنوا فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع فَنادى يقول
فدعا ربه فِي الظُّلُماتِ يعني ظلمات ثلاث ظلمة الليل، وظلمة
البحر، وظلمة بطن الحوت، فنادى: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ
[17 أ] يوحد ربه- عز وجل- سُبْحانَكَ نزه- تعالى- أن يكون
ظلمه» «2» ، ثم أقر على نفسه بالظلم، فقال: إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ- 87- يقول يونس- عليه السلام-: إني ظلمت نفسي
فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ يعني من
بطن الحوت وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ- 88-.
قال أبو محمد» «3» : قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: «أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» ونقدر عليه، لمعنى واحد، وهو من قوله
قدرت الشيء، لا قدرت» «4» ، معناه من التقدير لا من القدر،
ومثله فى سورة الفجر « ... فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ... »
«5» من التقدير
__________
(1) فى أ: لحزقيا بن أجان، ز: لحزقيل بن أجار.
(2) فى أ: يظلمه، ز: ظلمه.
(3) «قال أبو محمد ... » وما بعدها ليس فى ل، ولا فى ز، وهو من
أوحدها.
(4) كذا فى أ.
(5) سورة الفجر: 16.
(3/90)
والتقدير لا من القدرة،
بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: مكث يونس- عليه السلام- في بطن الحوت ثلاثة
أيام. وعن كعب قال: أربعين يوما» «1» .
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ يعني دعا ربه في آل عمران»
«2» ، وفي مريم» «3» قال:
رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً يعني وحيدا وهب لي وليا يرثني
وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ- 89- يعني أنت خير من يرث العباد
فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا
لَهُ زَوْجَهُ يعني امرأته فحاضت وكانت لا تحيض من الكبر
إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يعني أعمال
الصالحات، يعني زكريا وامرأته وَيَدْعُونَنا رَغَباً في ثواب
الله- عز وجل- وَرَهَباً من عذاب الله- عز وجل وَكانُوا لَنا
خاشِعِينَ- 90- يعني لله- سبحانه- متواضعين.
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الفواحش، لأنها قذفت وهي
مريم «بنة» «4» عمران أم عيسى- صلى الله عليهما- فَنَفَخْنا
فِيها مِنْ رُوحِنا نفخ جبريل- عليه السلام- في جيبها فحملت من
نفخة جبريل بعيسى- صلى الله عليهم- وَجَعَلْناها وَابْنَها
عيسى- صلى الله عليه- آيَةً لِلْعالَمِينَ- 91- يعني عبرة لبني
إسرائيل، فكانا آية إذ حملت مريم- عليها السلام- من غير بشر،
وولدت عيسى من غير أب- صلى الله عليه-.
__________
(1) من ز، وفى أ، ل: ويقال أربعين يوما عن كعب. أ. هـ.
وما يروى عن كعب من الإسرائيليات التي لا يجوز النظر إليها
خصوصا إذا ورد عن المعصوم (ص) ما يخالفه.
(2) سورة آل عمران: 38 وتمامها هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا
رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً
طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.
(3) سورة مريم: 2- 6، وتمامها ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ
عَبْدَهُ زَكَرِيَّا، إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا،
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا،
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي
عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» .
[.....]
(4) «ابنت» : فى الأصل.
(3/91)
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً
يقول إن هذه ملتكم التي أنتم عليها، يعني شريعة الإسلام هي ملة
واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من عذاب الله-
عز وجل- وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ- 92- يعنى فوحدون
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فرقوا دينهم الإسلام الذي
أمروا به فيما» «1» بينهم فصاروا زبرا يعني فرقا «كُلٌّ» «2» :
كل أهل تلك الأديان إِلَيْنا راجِعُونَ- 93- في الآخرة فَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ يقول وهو مصدق
بتوحيد الله- عز وجل- فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ يعني لعمله
يقول يشكر الله- عز وجل- عمله وَإِنَّا لَهُ [17 ب] كاتِبُونَ-
94- يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ
فيما خلا أَهْلَكْناها بالعذاب في الدنيا أَنَّهُمْ لا
يَرْجِعُونَ- 95- يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فى
الدنيا حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يعني أرسلت يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ
وهما أخوان لأب وأم وهما من نسل يافث بن نوح وَهُمْ مِنْ كُلِّ
حَدَبٍ يَنْسِلُونَ- 96- يقول من كل مكان يخرجون من كل جبل
وأرض وبلد، وخروجهم عند اقتراب الساعة، فذلك قوله- عز وجل-:
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يعني وعد البعث أنه حق كائن
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ يعنى فاتحة أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا
بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب، يعني التي كانوا يكفرون
بها في الدنيا قالوا: يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ
مِنْ هذا اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم في الدنيا أن البعث
كائن،
__________
(1) فى أ: فيها، وفى حاشية أ: فيما، وفى ز: فيما.
(2) فى أ، ز، ل «كل» .
(3/92)
فقالوا: بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ- 97- أخبرنا
بهذا اليوم فكذبنا به إِنَّكُمْ يعني كفار مكة وَما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ يعني رميا في
جهنم ترمون فيها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ- 98- يعني داخلون
لَوْ كانَ هؤُلاءِ الأوثان آلِهَةً ما وَرَدُوها يعني ما
دخلوها يعني جهنم لامتنعت من دخولها وَكُلٌّ يعني الأوثان ومن
يعبدها فِيها يعني في جهنم خالِدُونَ- 99- نزلت في بني سهم
منهم العاص بن وائل والحارث وعدي ابني قيس وعبد الله بن
الزبعري بن قيس، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد الحرام ونفر من بني
سهم جلوس فى الحطيم، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فأشار
بيده إليهم فقال: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ» يعني الأصنام «حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها
وارِدُونَ ... » إلى آيتين» «1» ثم خرج فدخل ابن الزبعري، وهم
يخوضون فيما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- لهم ولآلهتهم،
فقال: ما هذا الذي تخوضون؟ فذكروا له قول النبي- صلى الله عليه
وسلم-. فقال ابن الزبعري: والله، لئن قالها بين يدي لأخصمنه.
فدخل النبي- صلى الله عليه وسلم- من ساعته، فقال ابن الزبعري:
أهي لنا ولآلهتنا خاصة أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم؟
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم
ولآلهتهم. قال: خصمتك» «2» ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبي
وتثني عليه وعلى أمه خيرا، وقد علمت أن النصارى يعبدونها،
وعزير يعبد والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم
__________
(1) سورة الأنبياء: 98- 99.
(2) فى ل: خصمتك، أأخصمتك.
(3/93)
معنا، فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم» «1»
- ثم قال- سبحانه» «2» -: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ يعني آخر نهيق
الحمار وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ- 100- الصوت، وذلك حين
يقال لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكما وعميا
وصما.
ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم» «3» لا يدخلون جهنم [18 أ] فقال-
سبحانه-:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الجنة
أُولئِكَ عَنْها يعني جهنم مُبْعَدُونَ- 101- يعني عيسى وعزيرا
ومريم والملائكة- عليهم السلام- لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يقول
لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم اخسئوا فيها، ولا
تكلموا فتغلق عليهم أبوابها فلا تفتح عنهم أبدا ولا يسمع أحد
صوتها وَهُمْ يعني هؤلاء فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ
خالِدُونَ- 102- يعني لا يموتون فلما سمع بنو سهم بما استثنى
الله- عز وجل- ممن يعبد من الآلهة، عزير وعيسى ومريم
والملائكة، قالوا للنبي» «4» - صلى الله عليه وسلم- هلا
استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تفكرت» «5» .
__________
(1) فى ز: رواية مختصرة فى الهامش نصها:
«فقال عبد الله بن الزبعرى يا رسول الله النصارى قد عبدوا
عيسى، واليهود قد عبدوا العزير. فقال له النبي- صلى الله عليه
وسلم-: ما أجهلك بلغة قومك.
أراد أن ما، لما لا يعقل، ومن لمن يعقل، ثم أسلم وكان من
الشعراء الرسول» .
(2) فى أ، ل: ثم قال- سبحانه-: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ
لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... » أى أن فيهما تفسير الآية 101
بعد 99، وقد عدلت التفسير حسب ترتيب الآيات.
(3) فى أ: أنهم، ل: أنه، وهذا الكلام فى أ، ل، بعد تفسير 99
فترك 100 ثم فسرها بعد 101.
(4) فى ل: عزيرا وعيسى ومريم، بالنصب.
وفى أ: عزيز ومريم وعيسى.
وفى ز: فلما سمعت بنو سهم من استثنى الله ممن يعبد قالوا
للنبي.
(5) فى ز: فلما خصمت خلوت فذكرت. أهـ.
(3/94)
قوله- سبحانه-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ
الْأَكْبَرُ حدثنا أبو محمد، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا
الْهُذَيْلُ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ نُعْمَانَ» «1» ، عَنْ
سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ
الْبَصْرَةِ: مَا تَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية «لا
يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ
يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ
اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ،
وَرَأَوْا مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ ذَكَرُوا الْمَوْتَ
فَيَخَافُونَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ ذَلِكَ الْمَوْتُ
فَيُحْزِنُهُمْ ذَلِكَ، وَأَهْلُ النَّارِ إِذَا دَخَلُوا
النَّارَ وَرَأَوْا مَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ يَرْجُونَ أَنْ
يَكُونَ آخِرَ ذَلِكَ الْمَوْتُ، فَأَرَادَ اللَّهُ- عَزَّ
وَجَلَّ- أَنْ يَقْطَعَ حُزْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَقْطَعَ
رَجَاءَ أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-
مَلَكًا وَهُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلامُ- وَمَعَهُ
الْمَوْتُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُشْرِفُ بِهِ عَلَى
أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُنَادِي: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ.
فَيُسْمِعُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَأَسْفَلَهَا دَرَجَةً،
وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ، فَيُجِيبُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ،
فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. قَالَ، ثُمَّ
يَنْصَرِفُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيُشْرِفُ بِهِ عَلَيْهِمْ
فَيُنَادِي أَهْلَ النَّارِ، فَيُسْمِعُ أَعْلاهَا دَرَكًا
وَأَسْفَلَهَا دَرَكًا، وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ، فَيُجِيبُونَهُ،
فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ،
هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَى مَكَانٍ
مُرْتَفِعٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَيْثُ يَنْظُرُ
إِلَيْهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُ:
الْمَلَكُ إِنَّا ذَابِحُوهُ. فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
بأجمعهم: نعم لكي يأمنوا الموت، ويقول [18 ب] أَهْلُ النَّارِ
بِأَجْمَعِهِمْ لا، لِكَيْ يَذُوقُوا الْمَوْتَ، قَال
فَيَعْمِدُ الْمَلَكُ إِلَى الْكَبْشِ الأَمْلَحِ وَهُوَ
الْمَوْتُ فَيَذْبَحُهُ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ
يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيُنَادِي الْمَلَكُ: يَا أَهْلَ
الْجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ فِيهِ» «2» فَيَأْمَنُونَ
الْمَوْتَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ- تعالى- «لا يَحْزُنُهُمُ
الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ»
__________
(1) فى أ: النغمن، ل نعمان.
(2) فى ل: فيه، أ: فيها.
(3/95)
ثُمَّ يُنَادِي الْمَلَكُ: يَا أَهْلَ
النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ فِيهِ. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مِنَ الْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ، لَمَاتُوا مِنْ
فَرْحَتِهِمْ تِلْكَ، وَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ
وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ تَعْمِيرِ» «1»
الأَرْوَاحِ فِي الأَبْدَانِ لَمَاتُوا حُزْنًا. فَذَلِكَ
قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ
إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ... » «2» يَعْنِي إِذْ وَجَبَ لَهُمُ
الْعَذَابُ يَعْنِي ذَبْحَ الْمَوْتِ فَاسْتَيْقَنُوا
الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَالْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ،
فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمُؤْمِنيَن «لا
يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» يعنى الموت بعد ما دخلوا
الجنة وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني الحفظة الذين كتبوا
أعمال بني آدم، حين خرجوا من قبورهم قالوا للمؤمنين: هَذَا
يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ- 103- فيه الجنة، ثم
قال: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ
يعني كطي الصحيفة فيها الكتاب، ثم قال- سبحانه-: كَما بَدَأْنا
أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وذلك أن كفار مكة أقسموا بالله جهد
أيمانهم فى سورة النحل « ... لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ
... » «3»
فأكذبهم الله- عز وجل- فقال- سبحانه- بَلى وَعْداً عَلَيْهِ
حَقًّا: «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» يقول هكذا
نعيد خلقهم في الآخرة كما خلقناهم في الدنيا وَعْداً عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ- 104- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي
الزَّبُورِ يعني التوراة والإنجيل والزبور مِنْ بَعْدِ
الذِّكْرِ يعني اللوح المحفوظ أَنَّ الْأَرْضَ لله «يَرِثُها»
«4» عِبادِيَ الصَّالِحُونَ- 105- يعنى المؤمنون إِنَّ فِي هذا
__________
(1) كذا فى أ، ل: أى تظل معمرة وخالدة فى أجسادهم.
(2) سورة مريم: 39. [.....]
(3) سورة النحل: 38.
(4) فى حاشية أ: فى الأصل «يورثها» .
(3/96)
القرآن لَبَلاغاً إلى الجنة لِقَوْمٍ
عابِدِينَ- 106- يعني موحدين وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ- 107- يعنى الجن والإنس فمن تبع محمدا
... صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى دينه فهو له
رحمة كقوله- سبحانه-: لعيسى بن مريم- صلى الله عليه- « ...
وَرَحْمَةً مِنَّا» «1» ... » لمن تبعه على دينه» «2» ومن لم
يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم.
فذلك قوله- سبحانه-: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
وَأَنْتَ فِيهِمْ ... » «3» كقوله لعيسى بن مريم- صلى الله
عليه- «وَرَحْمَةً مِنَّا» لمن تبعه على دينه.
قال أبو جهل- لعنه الله- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: اعمل أنت
لإلهك يا محمد ونحن لآلهتنا. قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ
أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يقول إنما ربكم رب واحد فَهَلْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ- 108- يعني مخلصون فَإِنْ تَوَلَّوْا
يقول فإن أعرضوا عن الإيمان فَقُلْ لكفار مكة:
آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ يقول ناديناكم على أمرين وَقل لهم:
إِنْ أَدْرِي يعني ما أدري أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما
تُوعَدُونَ- 109- بنزول العذاب بكم فى الدنيا، وقل لهم:
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ يعني العلانية مِنَ الْقَوْلِ
وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ- 110- يعني ما تسرون من تكذيبهم
بالعذاب، فأما الجهر فإن كفار مكة حين أخبرهم النبي- صلى الله
عليه وسلم بالعذاب كانوا يقولون:
__________
(1) سورة مريم: 21.
(2) فى أزيادة: ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان
بين أظهرهم، فذلك قول الله- سبحانه- «وَما كانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» كقوله لعيسى بن مريم صلى
الله عليه « ... وَرَحْمَةً مِنَّا ... » لمن تبعه على دينه.
وليست هذه الزيادة فى ل. والمرجح لدى أنها سقطت سهوا منه بسبب
سبق النظر.
(3) الأنفال: 33.
(3/97)
«مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ» «1» ... » - والكتمان أنهم قالوا إن العذاب ليس
بكائن وَقل لهم: يا محمد، إِنْ أَدْرِي يقول ما أدري لَعَلَّهُ
يعني فلعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا يعني القتل ببدر
فِتْنَةٌ لَكُمْ نظيرها فى سورة الجن» «2» فيقولون لو كان حقا
لنزل بنا العذاب وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ- 111- يعني وبلاغا إلى
آجالكم، ثم ينزل بكم العذاب ببدر قالَ رَبِّ احْكُمْ
بِالْحَقِّ يعني اقض بالعدل بيننا وبين كفار مكة فقضى الله لهم
القتل ببدر وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما
تَصِفُونَ- 112- فأمر الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه
وسلم- أن يستعين به- عز وجل- على ما يقولون من تكذيبهم بالبعث
والعذاب.
قال الْهُذَيْلُ: قال الشماخ في الجاهلية:
النبع منبته بالصخر ضاحية والنخل ينبت بين الماء والعجل يعني
الطين» «3» .
قال: وحدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثنا أبى، قال: حدثنا أبو
رزق في قوله- عز وجل- «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْراتِ» قال التطوع ولم أسمع الهذيل» «4» .
__________
(1) سورة سبا: 29، سورة يس: 48.
(2) سورة الجن: 10.
(3) فى أ: يعنى العجل الطين، وفى ل، ز: يعنى الطين.
(4) من ل، وفى أ: ولم أسمع مقاتلا. وفى ز: ولم أسمع مقاتلا ثم
شطب فوقها وكتب هذيلا.
(3/98)
|