تفسير مقاتل بن سليمان

سورة الحج

(3/99)


[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 78]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9)
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14)
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

(3/101)


سورة الحج «1» مكية، إلا عشر آيات فإنها نزلت بالمدينة، من قوله: «يا أَيُّهَا ... » إلى قوله- تعالى-: «» «2» ... شَدِيدٌ»
نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة.
وإلا قوله- تعالى-: «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ ... » «3» الآية، نزلت في عبد الله بن أنس بن خطل.
وقوله- تعالى-: «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ... » «4» الآية نزلت في أهل التوراة.
وقوله- تعالى-: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا ... »
الآيتين» «5» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة الحج.
من مقاصد السورة الوصية بالتقوى، والطاعة، وبيان هول الساعة، وزلزلة القيامة، وإثبات الحشر والنشر وجدال أهل الباطل مع أهل الحق، والشكابة من أهل النفاق وعيب الأوثان وعبادتها، وذكر نصرة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وإقامة البرهان والحجة، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد، وأذان إبراهيم بالحج، وتعظيم الحرمات والشعائر، والمنة على العباد يدفع فساد أهل الفساد، وحديث البئر المعطلة وذكر نسيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسهوه حال تلاوة القرآن، وأنواع الحجة على إثبات القيامة وعجز الأصنام وعبادها واختبار الرسول من الملائكة والإنس وأمر المؤمنين بأنواع العبادة والإحسان، والمنة عليهم باسم المسلمين، والاعتصام بحفظ الله وحياطته فى قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» سورة الحج: 78.
(2) سورة الحج: 1- 2.
(3) سورة الحج: 25.
(4) سورة الحج: 54.
(5) الآيتين بالجر معناه إلى آخر الآيتين وهما 58، 59 من سورة الحج. [.....]

(3/111)


وقوله- تعالى-: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ ... » إلى قوله:
« ... لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» «1» .
وقوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ ... » «2» الآية.
__________
(1) من سورة الحج: 39- 40.
(2) سورة الحج: 11.
وفى المصحف المتداول. (22) سورة الحج مدنية، إلا الآيات 52، 53، 54، 55، فبين مكة والمدينة. وآياتها 78 نزلت بعد سورة النور.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي:
السورة مكية بالاتفاق سوى ست آيات منها فهي مدنية من الآية 19 إلى آخر الآية 24.
وسميت سورة الحج لاشتمالها على مناسك الحج، وتعظيم الشعائر وتأذين إبراهيم للناس بالحج.

(3/112)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مقاتل، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ يخوفهم يقول اخشوا ربكم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ- 1- يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
يقول تدع البنين لشدة الفزع من الساعة وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد «1» من السماء الدنيا يأيها الناس جاء أمر الله فيسمع صوته أهل الأرض جميعا فيفزعون فزعا شديدا، ويموج بعضهم في بعض ويشيب فيها الصغير ويسكر فيها الكبير وتضع الحوامل ما في بطونها وتدع المراضع البنين من الفزع الشديد، فذلك قوله- عز وجل-: «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ»
عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
النساء والدواب حملها من شدة الفزع وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
من الخوف وَما هُمْ بِسُكارى
من الشراب وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
- 2-.
نزلت هاتان الآيتان ليلا والناس يسيرون في غزاة بنى المصطلق وهم حي من خزاعة، فقرأها النبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة على الناس ثلاث مرات، ثم «2» قال: هل تدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا يوم يقول الله- عز وجل- لآدم «- عليه السلام- قم «3» » فابعث بعث
__________
(1) فى أ: مناد، ز: ملك.
(2) ثم: من ز، وليست فى أ.
(3) «- عليه السلام- قم» : من ز، وليست فى أ.

(3/113)


النار من ذريتك. فيقول: يا رب وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون «1» إلى النار وواحد إلى الجنة، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا، فلما أصبحوا أتوا النبي- صلى الله عليه- فقالوا: «وما توبتنا وما حيلتنا «2» » . فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: أبشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون- ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور «3» أبيض، أو كالرقم في ذراع الدابة، أو كالشامة في سنام البعير، فأبشروا وقاربوا وسددوا واعملوا. ثم قال: أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال: أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال: أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله، قال: فإنكم أكثر أهل الجنة، أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي من ذلك ثمانون صفا وسائر أهل الجنة [20 أ] أربعون صفا ومع هؤلاء أيضا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل رجل سبعون ألفا.
فقالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن الأسدي، فقال:
يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: فإنك منهم، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من هذيل، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال:
سبقك بها عكاشة.
__________
(1) فى أ: وتسعون، ل، ز: وتسعين.
(2) «وما توبتنا وما حيلتنا» : من ز، وفى أ: ما أخبرتنا بآية هي أشد علينا من هذه الآية.
(3) فى ز أ: الثور.

(3/114)


قوله- سبحانه-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمه نزلت في النضر بن الحارث القرشي وأمه اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، قال: وَيَتَّبِعُ النضر كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ- 3- يعني مارد كُتِبَ عَلَيْهِ يعني قضي عليه يعنى الشيطان أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ يعني من اتبع الشيطان فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ عن الهدى وَيَهْدِيهِ يعنى ويدعون إِلى عَذابِ السَّعِيرِ- 4-. يعنى الوقود ثم ذكر صنعه ليعتبروا في البعث، فقال- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ يعني في شك من البعث بعد الموت فانظروا إلى بدء خلقكم فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ولم تكونوا شيئا ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ مثل الدم ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ يعنى من النطفة مخلقة وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
يعني السقط يخرج من بطن أمه مصورا وغير مصور «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ» «1» وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ فلا يكون سقطا «2» إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول خروجه من بطن أمه ليعتبروا في البعث ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ خلقكم لقادر على أن يعيدكم بعد الموت، ثم قال- سبحانه-: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثماني عشرة سنة «3» إلى أربعين سنة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى من قبل أن يبلغ أشده وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ بعد الشباب إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ يعني الهرم لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ كان يعلمه شَيْئاً فذكر بدء الخلق ثم ذكر الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا في البعث فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق ومن
__________
(1) «لنبين لكم» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: سقط، ز: سقطا.
(3) فى أ، ل: ثماني عشرة سنة، ز: ثمان عشرة سنة.

(3/115)


الأرض حين يحيها من بعد موتها، فذلك قوله- سبحانه-: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً يعني ميتة ليس فيها نبت يعني متهشمة «1» فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ يعني المطر اهْتَزَّتْ الأرض يعني تحركت بالنبات [20 ب] (كقوله: «تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ» «2» أي تحرك كأنها حية) «3» . ثم قال للأرض «4» : وَرَبَتْ يعني وأضعفت النبات وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ- 5- يعني من كل صنف من النبات حسن ذلِكَ يقول هذا الذي فعل، هذا الذي «5» ذكر من صنعه، يدل على توحيده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وغيره من الآلهة باطل وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 6- من البعث وغيره قدير وَأَنَّ السَّاعَةَ «آتِيَةٌ» «6» لا رَيْبَ يعني لا شك فِيها أنها كائنة وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ في الآخرة مَنْ فِي الْقُبُورِ- 7- من الأموات فلا تشكوا فى البعث وَمِنَ النَّاسِ يعني النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف «7» ابن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني يخاصم في الله- عز وجل- أن الملائكة بنات الله- تعالى- وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ- 8- «وَلا هُدًى» - ولا بيان معه من الله- عز وجل- بما يقول «ولا كتاب» من الله- تعالى- «مُنِيرٍ» يعني مضيئا «8» فيه حجة بأن الملائكة بنات الله فيخاصم بهذا.
__________
(1) فى ز: يعنى ميتة متهشمة ليس فيها نبت.
(2) سورة القصص: 31.
(3) ما بين القوسين ( ... ) : من ز: وفى أ: كقوله للحية «تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ» لم تزل. [.....]
(4) اللام بمعنى عن، والأنسب: ثم قال عن الأرض.
(5) الذي: من ز، وليست فى أ.
(6) فى أ: لآتية، ز: آتية.
(7) فى ل: السياف، ز: الساق، ا: السابق ولعلها محرفة عن السباق.
(8) فى ز: مضيئا، ا: مضيء.

(3/116)


قال الفراء وأبو عبيدة في قوله- عز وجل-: «ثانِيَ عِطْفِهِ» يقول يتبختر في مشيته تكبرا.
ثم أخبر عن النضر فقال- سبحانه-: ثانِيَ عِطْفِهِ- يقول يلوي «1» عنقه عن الإيمان لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ليستزل عن دين الإسلام لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يعني القتل ببدر وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ- 9- يعني نحرقه بالنار ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ يَداكَ من الكفر والتكذيب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 10- فيعذب على غير ذنب وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ يعني على شك «نزلت في أناس من أعراب أسد بن خزيمة وغطفان «2» .
قال مُقَاتِلُ: إذا سألك رجل على كم حرف تعبد الله- عز وجل- فقل:
لا أعبد الله على شيء من الحروف، ولكن أعبد الله- تعالى- ولا أشرك به شيئا لأنه واحد لا شريك له «3» .
كان الرجل يهاجر إلى المدينة فإن أخصبت أرضه، ونتحبت فرسه، وولد له غلام، وصح بالمدينة، وتتابعت عليه الصدقات، قال: هذا دين حسن.
يعني الإسلام، فذلك قوله- تعالى-: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ يقول رضي بالإسلام وإن أجدبت أرضه، ولم تنتج فرسه، وولدت «4» له جارية،
__________
(1) فى أ: ملوى، ز: يلوى.
(2) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: نزلت فى رجل من غطفان.
(3) قول مقاتل هذا من أ، وليس فى ز.
(4) فى ز: وولدت، ا: وولد.

(3/117)


وسقم بالمدينة، ولم يجد عليه بالصدقات قال: هذا دين سوء، ما أصابني من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شرا فرجع عن دينه، فذلك قوله- سبحانه-:
وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ يعني بلاء انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ يقول رجع إلى دينه الأول [21 أ] كافرا خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ خسر دنياه التي كان يحبها، فخرج منها ثم أفضي إلى الآخرة وليس له فيها شيء، مثل قوله «1» -: « ... إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... » «2» يقول الله- عز وجل-:
ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ- 11- يقول ذلك هو الغبن البين، ثم أخبر عن هذا المرتد عن الإسلام، فقال- سبحانه-: يَدْعُوا يعني يعبد «3» مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الصنم مَا لا يَضُرُّهُ في الدنيا إن لم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ في الآخرة إن عبده ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ- 12- يعني الطويل يَدْعُوا يعني يعبد لَمَنْ ضَرُّهُ في الآخرة أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ في الدنيا لَبِئْسَ الْمَوْلى يعني الولي وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ- 13- يعني الصاحب، كقوله- سبحانه- «/ ... وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... » «4» يعني وصاحبوهن بالمعروف، ثم ذكر ما أعد للصالحين فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول تجري العيون من تحت البساتين إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ- 14- مَنْ كانَ يَظُنُّ يعني يحسب أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
__________
(1) من ز، وليس فى أ.
(2) سورة الزمر: 15.
(3) فى أ: يعبدون، ز: يعبد.
(4) سورة النساء: 19.

(3/118)


يعني النبي «1» - صلى الله عليه وسلم- فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ يعني بحبل إلى سقف البيت ثُمَّ لْيَقْطَعْ يعنى ليختنق فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ يقول فعله بنفسه إذا فعل ذلك، هل يذهبن ذلك ما يجد في قلبه من الغيظ بأن محمد لا ينصر ما يَغِيظُ- 15- هل يذهب ذلك ما يجد في قلبه من الغيظ.
نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا: إنا نخاف ألا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يجيرونا ولا ياوونا.
وَكَذلِكَ يعنى وهكذا أَنْزَلْناهُ يعنى القرآن آياتٍ بَيِّناتٍ يعنى واضحات وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي إلى دينه مَنْ يُرِيدُ- 16- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ قوم يعبدون الملائكة ويصلون للقبلة «2» ويقرءون الزبور وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ يعبدون الشمس والقمر والنيران «3» وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني مشركي العرب يعبدون الأوثان فالأديان ستة فواحد لله- عز وجل- وهو الإسلام وخمسة للشيطان إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ يعني يحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم شَهِيدٌ- 17- أَلَمْ تَرَ يعني ألم تعلم أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وغيرهم وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس «4» قبل المغرب [21 ب] لله- تعالى- تحت العرش.
__________
(1) المراد: من يظن أن الله لا ينصر محمدا. [.....]
(2) من ل وفيها القبلة، وأما أ: فقد جعلت هذا الوصف للنصارى، وهو خطأ.
(3) كذا فى أ، ل، ز، والمراد النار.
(4) من ز، وليست فى أ.

(3/119)


وَيسجد الْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ: ظلهم حين تطلع الشمس وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده، «1» ثم قال- سبحانه-: وَيسجد كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يعنى المؤمنين وَيسجد كَثِيرٌ ممن حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم «2» .
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ- 18- في خلقه فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية فسجد لها هو وأصحابه- رضي الله عنهم- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في المؤمنين وأهل الكتاب» «3» ثم بين ما أعد للخصمين، فقال: فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اليهود والنصارى قُطِّعَتْ لَهُمْ يعنى جعلت لهم ثِيابٌ مِنْ نارٍ يعني قمصا من نحاس من نار فيها تقديم يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ- 19- إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه ثم صب فيه الحميم الذي قد انتهى حره يُصْهَرُ يعنى يذاب بِهِ يعنى بالحميم ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ- 20- يقول وتنضج الجلود وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ- 21- كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وذلك إذا جاء جهنم ألقت الرجال في أعلى الأبواب فيريدون الخروج فتعيدهم الملائكة يعني الخزان فيها بالمقامع وتقول لهم الخزنة إذا ضربوهم بالمقامع «وَذُوقُوا» «4» عَذابَ الْحَرِيقِ- 22-
__________
(1) فى ز، وفى أ، ل: نقص.
(2) فى أ، ل: سجودهم ظلهم، ز: سجودهم ظلالهم.
(3) أخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس أنها نزلت فى أهل الكتاب قالوا للمؤمنين:
نحن ولى بالله منكم، وأقدم كتابا ونبينا قبل نبيكم. فقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد بينكم، وبما أنزل الله من كتاب، وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة مثله. وانظر لباب النقول سيوطى: 151.
(4) فى أ، ل، ز «ذوقوا» .

(3/120)


يعني النار ثم ذكر ما أعد الله- عز وجل- للمؤمنين، فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول تجري العيون من تحت البساتين يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ «وَلُؤْلُؤاً» «1» أي أساور من لؤلؤ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ- 23- مما يلي الجسد الحرير وأعلاه السندس والإستبرق وَهُدُوا فى الدنيا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ يعني التوحيد وهو قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كقوله « ... كَلِمَةً طَيِّبَةً «2» ... » يعنى التوحيد وَهُدُوا إِلى صِراطِ يعنى دين الإسلام الْحَمِيدِ- 24- عند خلقه يحمده أولياؤه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ويمنعون الناس عن دين الله- عز وجل- وَعن الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ يعني المقيم في الحرم وهم أهل مكة وَالْبادِ يعني من دخل مكة من غير أهلها وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ يقول من لجأ إلى الحرم يميل فيه بشرك نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ- 25- يعنى وجيعا نزلت في عبد الله بن أنس «3» بن خطل القرشي من بنى تيم [22 أ] ابن مرة وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار فافتخروا في الأنساب فغضب ابن خطل فقتل الأنصاري ثم هرب إلى مكة كافرا ورجع المهاجر إلى المدينة، فأمر النبي- صلى الله عليه
__________
(1) فى أ، ل، ز: وأساور من (لؤلؤ) .
(2) سورة إبراهيم: 24.
(3) فى أ، ز: أنس، وفى لباب النقول للسيوطي ص 151: أنيس.

(3/121)


وسلم- بقتل عبد الله يوم فتح مكة فقتله أبو برزة الأسلمي وسعد «1» بن حريث القرشي أخو عمرو بن حريث.
قوله- عز وجل- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ المعمور قال دللنا إبراهيم عليه فبناه مع ابنه إسماعيل- عليهما السلام- وليس له أثر ولا أساس، كان الطوفان محا أثره، ورفعه الله- عز وجل- ليالي الطوفان «2» إلى السماء فعمرته الملائكة وهو البيت المعمور، قال الله- عز وجل- لإبراهيم: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ من الأوثان لا تنصب حوله وثنا «3» لِلطَّائِفِينَ بالبيت وَالْقائِمِينَ يعني المقيمين بمكة من أهلها وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ- 26- يعني في الصلوات الخمس وفي الطواف حول البيت من أهل مكة وغيرهم والبيت الحرام اليوم مكان البيت المعمور ولو أن حجرا وقع من البيت المعمور وقع على البيت الحرام، وهو في العرض والطول مثله إلا أن قامته كما بين السماء والأرض «4» وَأَذِّنْ يإبراهيم فِي النَّاسِ يعنى المؤمنين بِالْحَجِّ فصعد أبا قبيس وهو الجبل الذي الصفا في أصله «5» فنادى يأيها الناس أجيبوا ربكم إن الله- عز وجل- يأمركم أن تحجوا بيته فسمع نداء إبراهيم- عليه السلام- كل مؤمن على ظهر الأرض، ويقال في أصلاب الرجال وأرحام النساء فالتلبية اليوم جواب نداء إبراهيم- عليه السلام- عن أمر ربه- عز وجل-، فذلك قوله
__________
(1) وسعد: من ز، وفى أ: وسعيد.
(2) كذا فى أ، ل، وليس فى ز.
(3) فى أ: وثن، ز: وثنا.
(4) ما بين القوسين « ... » من ز، وليس فى أ. [.....]
(5) من أ، ل، وليس فى ز.

(3/122)


- سبحانه-: يَأْتُوكَ رِجالًا يعني على أرجلهم مشاة وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يعني الإبل يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ- 27- يعني يجيء من كل مكان بعيد لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ يعني الأجر في الآخرة في مناسكهم وَلكي يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ يعني ثلاثة أيام، يوم النحر ويومين بعده إلى غروب الشمس عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ يعنى الضرير الزمن الْفَقِيرَ- 28- الذي ليس له شيء ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ يعنى حلق الرأس والذبح والجمار وَلْيُوفُوا يعنى لكي يوفوا نُذُورَهُمْ في حج أو عمرة بما أوجبوا على أنفسهم من هدي أو غيره «1» وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ- 29- أعتق في الجاهلية من القتل والسبي والخراب.
«قال الفراء: أعتق من الفرق ومن أن يدعي ملكه أحد من الجبابرة، ويقال العتيق القديم «2» .
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ يعني أمر المناسك كلها فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [22 ب] عِنْدَ رَبِّهِ فى الآخرة وَأُحِلَّتْ لَكُمُ بهيمة الْأَنْعامُ التي حرموا للآلهة فى سورة الأنعام إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ من التحريم فى أول سورة المائدة فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ فيها تقديم يقول اتقوا عبادة اللات والعزى ومناة وهي الأوثان وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ- 30- يقول اتقوا الكذب وهو الشرك.
__________
(1) فى أ: أو عمرة، ز، ل: أو غيره.
(2) قول الفراء، ليس فى ل، ولا فى ز، وإنما فى أوحدها. وفيها هذه الزيادة أيضا: «الكنون المكنون من القتل والسبي والخراب» .

(3/123)


حدثنا أبو محمد «1» ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلُ عن مُقَاتِلٍ، عن محمد بن علي، في قوله- تعالى-: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال الكذب وهو الشرك في التلبية، وذلك أن الخمس قريش وخزاعة وكنانة وعامر بن صعصعة في الجاهلية كانوا يقولون في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك» يعنون الملائكة التي تعبد هذا هو قول الزور لقولهم: «إلا شريكا «2» هو لك» .
وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية: «نحن عرايا «3» عك عك إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية، على القلاص الناجية» .
وكانت تميم تقول في إحرامها: «لبيك ما نهارنا نجره، إدلاجه وبرده وحره، لا يتقي شيئا ولا يضره، حجا لرب مستقيم بره.
وكانت ربيعة تقول: «لبيك اللهم حجا حقا، تعبدا ورقا، لم نأتك للمناحة «4» ، ولا حبا «5» للرباحة» .
وكانت قيس عيلان تقول: «لبيك لولا أن بكرا دونكا، بنو أغيار وهم يلونكا، ببرك الناس ويفخرونكا، ما زال منا عجيجا «6» يأتونكا «7» » .
__________
(1) فى أ: أبو محمد، ز: محمد.
(2) فى أ: إلا شريك.
(3) فى النسخ غرابا، وفى غير هذا الموضع فى أ: عرايا.
(4) فى أ: للمناحة، ز: للمناحة، ولعل المراد طلب المنح والعطايا.
(5) فى أ: ولا جا، ل: ولا حبا.
(6) فى ل: عجيجا، ز: عثج.
(7) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، وهو من ل، ز.

(3/124)


وكانت جرهم تقول في إحرامها: «لبيك إن جرهما عبادك، والناس طرف وهم تلادك، وهم لعمري عمروا بلادك، لا يطاق ربنا يعادك، وهم الأولون على ميعادك، وهم «1» يعادون «2» كل من يعادك، حتى يقيموا الدين في وادك» .
وكانت قضاعة تقول: «لبيك رب الحل والإحرام، ارحم مقام عبد وآم، أتوك يمشون على الأقدام» .
وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها- بشعر اليمن: «لبيك، إليك»
تعدوا قلقا وضينها، معترضا في بطنها جنينها، مخالفا «4» دين النصارى دينها» .
وكانت «5» النساء تطفن «6» بالليل «7» عراة، وقال بعضهم: لا بل نهارا تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به «8» وتقول: اليوم يبدوا بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، كم من لبيب عقله يضله، وناظر ينظر فما يمله ضخم من الجثم «9» عظيم ظله.
وكانت تلبية آدم- عليه السلام-: «لبيك الله لبيك [23 أ] عبد خلقته بيديك، كرمت فأعطيت، قربت فأدنيت، تباركت وتعاليت، أنت رب البيت.
__________
(1) فى أ: فان، ز: وهم.
(2) فى الأصل: يعادوا.
(3) «إليك» من ز، وليست فى أ.
(4) فى أ: مخالفا، ز: مخالف. [.....]
(5) فى أ، ز: وكن.
(6) فى النسخ: يطفن.
(7) فى أ: بالبيت عراة تأخذ إحداهن، والمذكور من ز،
(8) فى أ، ل، ز: به. والأنسب بها لأن الضمير يعود على مؤنث.
(9) كذا فى أ، ل، ز بالثاء لا بالسين وقد يكون أصلها الجسم.

(3/125)


فأنزل الله- عز وجل-: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» «1» يعني الكذب وهو الشرك في الإحرام، حُنَفاءَ لِلَّهِ يعني مخلصين لله بالتوحيد غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، ثم عظم الشرك فقال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ يعني فتذهب به الطير النسور أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ- 31- يعنى بعيدا فهذا مثل الشرك في البعد من الله- عز وجل- ذلِكَ يقول هذا الذي أمر اجتناب الأوثان وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ يعني البدن من أعظمها وأسمنها فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ- 32- يعنى من إخلاص القلوب. لَكُمْ فِيها فى البدن مَنافِعُ فى ظهورها وألبانها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول إلى أن تقلد أو تشعر أو تسمى هدايا [25 ب] فهذا الأجل المسمى فإذا فعل ذلك بها لا يحمل عليها إلا مضطرا ويركبها بالمعروف ويشرب فضل ولدها من اللبن ولا يجهد الحلب حتى لا ينهك أجسامها «2» ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ- 33- يعني منحرها إلى أرض الحرم كله (كقوله- سبحانه-: « ... فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... » «3» يعنى أرض الحرم «4» كله) ثم ينحروا يأكل ويطعم إن شاء نحر الإبل وإن
__________
(1) فى أ: زيادة: «حين قالوا لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، ثم كتب عنوانا هو: تلبية العرب فى الجاهلية: ونقل تلبية قريش وعك، وتلبية من نسك لود وسواع ونسر، ... إلخ ورقتين كاملتين هما [23 أ، ب] ، [24 أ، ب] ، والنصف الأول من ورقة [25 أ] .
ولم أجد هذه الزيادة فى ل، ولا فى ز، ولا فى ف، وهي النسخ الأصلية المعتبرة، وقد انفرد بنقلها أ، ح، م، فرأيت ألا أجعل ذلك فى قلب التفسير بل أجعله فى ملاحق الرسالة. خصوصا أن هذه الزيادة جلها تصحيف وتحريف، وآمل أن أجد فى المستقبل نسخة أصلية بها هذه الزيادة حتى يتسنى لي المقابلة بينهما.
(2) فى أ: من أجسامها، ز: أجسامها.
(3) سورة التوبة: 28.
(4) ما بين القوسين ( ... ) : من أوليس فى ز.

(3/126)


شاء ذبح الغنم أو البقر ثم تصدق به كله، وإن شاء أكل وأمسك منه، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئا من البدن، فأنزل الله- عز وجل- «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» فليس الأكل بواجب ولكنه رخصة، كقوله- سبحانه- « ... وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «1» ... » وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ يعني لكل قوم من المؤمنين فيما خلا، كقوله- سبحانه-:
« ... أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ «2» ... » أن يكون قوم أكثر من قوم، ثم قال:
جَعَلْنا مَنْسَكاً يعني ذبحا يعني هراقة الدماء لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ وإنما خص الأنعام من البهائم لأن من البهائم ما ليس من الأنعام، وإنما سميت البهائم لأنها لا تتكلم فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ليس له شريك يقول فربكم رب واحد فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ- 34- يعني المخلصين بالجنة، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ يعني خافت قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ من أمر الله وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ- 35- من الأموال. قوله- عز وجل- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ يعني من أمر المناسك لَكُمْ فِيها خَيْرٌ يقول لكم في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا، وإنما سميت البدن لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة «والهدى الذي ينحر بمكة ولم يقلد ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنة ولا بهدى «3» » .
__________
(1) سورة المائدة: 2.
(2) سورة النحل: 92.
(3) ما بين القوسين « ... » : من أوليس فى ر.

(3/127)


فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها إذا نحرت صَوافَّ يعني معقولة يدها اليسرى قائمة على ثلاثة قوائم مستقبلات «1» القبلة.
قال الفراء: صواف يعني يصفها ثم ينحرها فهذا تعليم من الله- عز وجل- فمن شاء نحرها على جنبها.
فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها يعني فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد نحوها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ يعني الراضي الذي يقنع بما يعطى «2» وهو السائل وَالْمُعْتَرَّ الذي يتعرض للمسألة ولا يتكلم فهذا تعليم من الله- عز وجل- فمن شاء أكل ومن لم [26 أ] يشأ لم يأكل، ومن شاء أطعم، ثم قال- سبحانه-:
كَذلِكَ سَخَّرْناها يعنى هكذا ذللناها لَكُمْ يعنى المدن لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 36- ربكم- عز وجل- في نعمه لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وذلك أن كفار العرب كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن عند زمزم أخذوا «3» دماءها فنضحوها قبل الكعبة، وقالوا: اللهم تقبل منا. فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله- عز وجل- «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها» وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ يقول النحر هو تقوى «4» منكم فالتقوى هو الذي ينال الله ويرفعه إليه فأما اللحوم والدماء فلا يرفعه إليه. كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ يعنى البدن لِتُكَبِّرُوا لتعظموا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ لدينه وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ- 37- بالجنة فمن فعل ما ذكر الله في هذه الآيات فقد أحسن. قوله- عز
__________
(1) فى أ: مستقبلة، ز: مستقبلات.
(2) فى أ: يعطى، ز: أعطى. [.....]
(3) من ل، وليست فى أ.
(4) فى أ، ز: فالتقوى، ل: والتقوى.

(3/128)


وجل-: إِنَّ اللَّهَ «يُدافِعُ» «1» كفار مكة عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم، فاستشاروا النبي- صلى الله عليه وسلم- في قتالهم في السر فنهاهم الله- عز وجل «2» ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ يعنى كل عاص كَفُورٍ- 38- بتوحيد الله- عز وجل- يعني كفار مكة. فلما قدموا المدينة أذن الله- عز وجل- للمؤمنين في القتال بعد النهي بمكة، فقال- سبحانه-:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ فى سبيل الله بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ظلمهم كفار مكة وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ- 39- فنصرهم- الله- تعالى- على كفار مكة بعد النهي، ثم أخبر عن ظلم كفار مكة، فقال- سبحانه-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وذلك أنهم عذبوا منهم طائفة وآذوا بعضهم بالألسن حتى هربوا من مكة إلى المدينة «بِغَيْرِ حَقٍّ» «3» إِلَّا أَنْ يَقُولُوا يقول لم يخرج كفار مكة المؤمنين من ديارهم «إلا أن يقولوا» رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه ووحدوه، ثم قال- سبحانه-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يقول لولا أن يدفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين لَهُدِّمَتْ يقول لخربت صَوامِعُ الرهبان وَبِيَعٌ النصارى وَصَلَواتٌ يعنى اليهود وَمَساجِدُ المسلمين «يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» «4» : كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرا في مساجدهم فدفع الله- عز وجل- بالمسلمين
__________
(1) فى أ، ز: يدفع.
(2) فى أ: الله- عز وجل-، ز: النبي- صلى الله عليه وسلم-.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ز.
(4) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ز وهو فى حاشية أ.

(3/129)


عنها «1» ، ثم قال- سبحانه وتعالى-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ على عدوه مَنْ «يَنْصُرُهُ يعني من يعينه حتى يوحد «2» الله» - عز وجل- إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ فى نصر أوليائه عَزِيزٌ- 40- يعني منيع في ملكه وسلطانه نظيرها في الحديد ( ... وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ «3» ... يعني من يوحده «4» ، وغيرها في الأحزاب، وهود. وهو- سبحانه- أقوى وأعز من خلقه [26 ب] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ يعني أرض المدينة وهم المؤمنون بعد القهر بمكة، ثم أخبر عنهم فقال- تعالى-: أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ يعني التوحيد الذي يعرف وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ الذي لا يعرف وهو الشرك وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ- 41- يعني عاقبة أمر العباد إليه في الآخرة وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ يعني قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ- 42- وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ- 43- وَأَصْحابُ مَدْيَنَ يعني قوم شعيب- عليه السلام- كل هؤلاء كذبوا رسلهم وَكُذِّبَ مُوسى يعني عصي موسى- عليه السلام- لأنه ولد فيهم كما ولد محمد- صلى الله عليه وسلم- فيهم فَأَمْلَيْتُ يعنى فأمهلت لِلْكافِرِينَ فلم أعجل عليهم بالعذاب ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بعد الإمهال بالعذاب فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 44- يعني تغييري أليس وجدوه حقا فكذلك كذب كفار مكة كما كذبت مكذبي الأمم
__________
(1) فى أ، ل، ز: عنها، أى عن هذه العلل.
(2) من ل وفى ز: «مَنْ يَنْصُرُهُ» يعنى من يوحده يعنى نفسه حتى يوحد الله.
(3) سورة الحديد: 25.
(4) ما بين القوسين « ... » : من ز وحدها.

(3/130)


الخالية فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ يعني وكم من قرية أهلكناها بالعذاب في الدنيا أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ يعنى خربة عَلى عُرُوشِها يعني ساقطة من فوقها، يعني بالعروش سقوف البيت، أي ليس فيها مساكن وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ يعنى خالية لا تستعمل «1» وَقَصْرٍ مَشِيدٍ- 45- يعنى طويلا «2» في السماء ليس له أهل أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يقول فلو ساروا في الأرض فتفكروا «فَتَكُونَ» «3» لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها المواعظ «أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها» «4» فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ- 46- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ نزلت في النضر بن الحارث القرشي يقول الله- تعالى-: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ في العذاب بأنه كائن ببدر يعني القتل وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- 47- وهي الأيام الست التي خلق الله فيهن السموات والأرض وإنما قال الله- تعالى- ذلك لاستعجالهم بالعذاب فاليوم عند الله- عز وجل- كألف سنة، فمن ثم قال: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها يعني أمهلت لها فلم أعجل عليها بالعذاب وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها بعد الإملاء بالعذاب وَإِلَيَّ إلى الله الْمَصِيرُ- 48- يقول إلى الله يصيرون قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ- 49- يعني بين فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 50- وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ يعنى فى القرآن مثبطين يعنى كفار
__________
(1) لا تستعمل: من أ، وفى ز: ليس لها ساكن.
(2) فى أ: طويل، ز: طويلا.
(3) فى أ، ز: حتى نكون، وفى حاشية أ: الآية «فتكون» .
(4) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، وهو فى ز. [.....]

(3/131)


مكة يثبطون الناس عن الإيمان بالقرآن أُولئِكَ [27 أ] أَصْحابُ الْجَحِيمِ- 51- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى يعني إذا حدث نفسه أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعني في حديثه مثل قوله: ... وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ «1» ... يقول إلا ما يحدثوا عنها يعني التوراة وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصلاة عند مقام إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- فنعس فقال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، تلك الغرانيق العلى، عندها الشفاعة ترتجى، فلما سمع كفار مكة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا، ثم رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «2» »
فذلك قوله- سبحانه-: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ على
__________
(1) سورة البقرة: 178.
(2) هذه رواية باطلة لا أصل لها كما ذكر ذلك المحققون مثل ابن العربي والقاضي عياض وغيرهم.
على أن المنقول والمعقول يأبيان قبولها. فالقرآن صرح بأن الله تكفل بحفظ القرآن فى قلب النبي وسلامة قرامة على لسانه قال- تعالى-: «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ» . سورة طه: 114.
ثم ألا يأتى النعاس على النبي إلا عند ذكر آلهة المشركين. وإذا جاز للشيطان أن يجرى هذا الكلام على لسان النبي تطرق الشك والاحتمال إلى غيره. وقد صرح القرآن بخلافه قال تعالى-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ سورة الحجر: 9.
ومن حفظ القرآن، صيانته من الاختلاط بغيره خصوصا ما يخالف عقيدة المسلمين.
وقد ورد فى ذلك روايات منها ما جاء فى لباب النقول للسيوطي: 151:
«أخرج ابن أبى حاتم وابن جرير وابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال قرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة «والنجم» فلما بلغ « ... أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ... » ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون:
ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... » الآية. -

(3/132)


لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ من «1» الباطل الذي يلقي الشيطان على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 52- لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ على لسان النبي- صلى الله عليه وسلم- وما يرجون من شفاعة آلهتهم فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الشك وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني الجافية قلوبهم عن الإيمان فلم تلن له وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى كفار مكة لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ- 53- يعني لفي ضلال بعيد يعني طويل، ثم ذكر المؤمنين- سبحانه- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله- عز وجل- أَنَّهُ يعني القرآن الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
__________
- وأخرجه البزار وابن مردويه من وجه آخر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فيما أحسبه، وقال: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، وتفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، وأخرجه البخاري عن ابن عباس بسند فيه الواقدي وابن مردويه من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس وأورده ابن إسحاق فى السيرة عن محمد بن كعب وموسى بن عاقبة عن ابن شهاب وابن جرير عن محمد بن قيس وابن أبى حاتم عن السدى كلهم بمعنى واحد، إما ضعيفة أو منقطعة، سوى طريق سعيد بن جبير الأولى.
قال الحافظ بن حجر: لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصل مع أن لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير: أحدهما من طريق الزهري عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والآخر من طريق داود بن هند عن أبى العالية، ولا عبرة بقول ابن العربي وعياض إن هذه الروآيات باطلة لا أصل لها. انتهى وعلق المصحح بقوله العقيدة اليقين أو ما يقاربه فى السند لأنها يقين فى موضعها، وإذن الحق مع عياض وابن العربي وغيرهم من المحققين، بل العقل فى هذا الموضوع ينفر كل النفور من صحة هذه الروآية.
(1) فى أ: أن، ل: من، وليست فى ز.

(3/133)


يعنى فيصدقوا به فَتُخْبِتَ يعني فتخلص لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 54- يعني دينا مستقيما» «1» .
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أبو جهل وأصحابه فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ يعني في شك من القرآن حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني فجأة أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ- 55- يعني بلا رأفة ولا رحمة القتل ببدر، ثم قال في التقديم «2» :
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يعني يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد واليوم في الدنيا ينازعه غيره في ملكه يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ثم بين حكمه في كفار مكة، فقال: - سبحانه-:
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 56- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بالقرآن بأنه ليس من الله- عز وجل- فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ- 57- يعني الهوان وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى المدينة ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ فى الآخرة رِزْقاً حَسَناً يعني كريما وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 58- وذلك أن نفرا من المسلمين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- نحن نقاتل المشركين فنقتل منهم ولا نستشهد [27 ب] فما لنا شهادة فأشركهم الله- عز وجل- جميعا في الجنة، فنزلت فيهم آيتان «3» ، فقال: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ لقولهم حَلِيمٌ
__________
(1) من ز، وفى أ: زيادة: «فلم يلتفتوا إلى ما ألقى على لسان النبي- صلى الله عليه وسلم» .
وقد أورد البيضاوي فى تفسيره عدة وجوه فى تفسير الآية منها الوجه الذي فسريه مقاتل الآية ثم قال البيضاوي: وهو مردود عند المحققين، وإن صح فابتلاء تمييز به الثابت على الإيمان من المتزلزل فيه.
وتفسير الجلالين للآية موافق تماما لتفسير مقاتل. وكلاهما موضع نظر كما سبق.
(2) أى ملك ذلك اليوم الذي تقدم الحديث عنه.
(3) فى أزيادة: نظيرها، الآية، 100 من سورة النساء، وتمامها: «وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ-

(3/134)


- 59- عنهم، «لقولهم إنا نقاتل ولا نستشهد» «1» ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ وذلك أن مشركي مكة لقوا المسلمين «لليلة بقيت من المحرم «2» » ، فقال بعضهم لبعض. إن أصحاب محمد «3» يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن يقاتلوهم في الشهر الحرام «4» فأبى المشركون إلا القتال. فبغوا على المسلمين فقاتلوهم وحملوا عليهم وثبت المسلمون فنصر الله- عز وجل- المسلمين عليهم فوقع «5» في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام، فأنزل الله- عز وجل «ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ» هذا جزاء من عاقب بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ عنهم غَفُورٌ- 60- لقتالهم فى الشهر الحرام ذلِكَ يعني هذا الذي فعل من قدرته، ثم بين قدرته- جل جلاله- فقال- سبحانه:
ذلك بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعني انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات في كل سنة وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بأعمالهم بَصِيرٌ- 61- بها ذلِكَ يعني هذا الذي فعل ذلك، يدل على توحيده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني يعبدون من دونه من الآلهة هُوَ الْباطِلُ الذي
__________
- الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» وفى ز: فنزلت فيهم آيتان فقال:
«لَيُدْخِلَنَّهُمْ ... » ، الآية.
أقول والمراد بالآيتين الآية السابقة رقم 58، وهذه الآية 59 سورة الحج.
(1) ما بين القوسين « ... » : من ز، وليس فى أ.
(2) لليلة بقيت من المحرم: من ز، وفى أ: فى ليلتين بقينا من المحرم.
(3) فى أ، ز، ل: صلى الله عليه وسلم.
(4) أى أن المسلمين ناشدوا الكفار أن لا يقاتلوهم.
(5) فى أ: فوقع، ز: فوقر.

(3/135)


ليس بشيء ولا ينفعهم «1» عبادتهم، ثم عظم نفسه- تبارك اسمه- فقال:
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ يعنى الرفيع فوق خلقه الْكَبِيرُ- 62- فلا شيء أعظم منه أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعنى المطر فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً من النبات إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ باستخراج النبت خَبِيرٌ- 63- ثم قال- تعالى- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عبيده وفي ملكه وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ «2» الْغَنِيُّ من عبادة خلقه الْحَمِيدُ- 64- عند خلقه في سلطانه أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ يعنى ذلك لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ يقول وسخر الفلك يعني السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ يقول لئلا تقع على الأرض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ يعنى لرفيق رَحِيمٌ- 65- بهم فيما سخر لهم، وحبس عنهم السماء فلا تقع عليهم فيهلكوا وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ يعني خلقكم ولم تكونوا شيئا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بعد موتكم في الآخرة إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ- 66-[28 أ] لنعم الله- عز وجل- في حسن خلقه حين لا يوحده، ثم قال- سبحانه-: لِكُلِّ أُمَّةٍ يعني لكل قوم فيما خلا جَعَلْنا مَنْسَكاً يعني ذبحا يعني هراقة الدماء ذبيحة «3» في عيدهم هُمْ ناسِكُوهُ يعنى ذابحوه كقوله: « ... إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... » «4» يعنى ذبيحتي. فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ يعني في أمر الذبائح «5» فإنك أولى بالأمر منهم «أى من كفار
__________
(1) «ولا ينفعكم» : فى أ، والجملة ليست فى ز. [.....]
(2) فى أ: هو.
(3) فى أ: فى ذبيحته، ز: ذبيحة.
(4) سورة الأنعام: 162.
(5) فى أ، ز: الذبائح، ل: الدنيا.

(3/136)


خزاعة وغيرهم» «1» نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي وبشر بن سفيان الخزاعي ويزيد ابن الحليس من بني الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمين، في الأنعام «2» ، ما قتلتم أنتم بأيديكم فهو حلال وما قتل الله فهو حرام يعنون الميتة، ثم قال- سبحانه-:
وَادْعُ إِلى رَبِّكَ يعني إلى معرفة ربك وهو التوحيد إِنَّكَ لَعَلى هُدىً يعنى لعلى دين مُسْتَقِيمٍ- 67- وَإِنْ جادَلُوكَ في أمر الذبائح يعني هؤلاء النفر فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ- 68- وبما نعمل وذلك حين اختلفوا في أمر الذبائح، فذلك قوله- عز وجل-: اللَّهُ يَحْكُمُ يعني يقضي بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ- 69- من الدين. نسختها آية السيف «3» .
قوله- عز وجل-: أَلَمْ تَعْلَمْ يا محمد أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ «4» إِنَّ ذلِكَ العلم فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ إِنَّ ذلِكَ الكتاب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 70- يعنى هينا.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً يعني ما لم ينزل به كتابا «5» من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : من أوحدها.
(2) «فى الأنعام» : من أ، وليس فى ز.
(3) راجع ما كتبته عن النسخ عند مقاتل، وفيه أن هذا ليس من النسخ عند الأصوليين بل هو من المنسأ.
(4) فى أ: زيادة: وذلك أن الله خلق فلما من نور طوله خمسمائة عام، وخلق اللوح طوله خمسمائة عام وعرضه خمسمائة عام، فقال الله- عز وجل- للقلم: أكتب. قال: رب، وما أكتب؟ قال: علمي فى خلقي، وما يكون إلى يوم القيامة. فجرى القلم فى اللوح بما هو كائن إلى يوم القيامة، فذلك قوله- سبحانه-: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ» ، وهي زيادة أشبه بخرافات بنى إسرائيل. وليست هذه الزيادة فى ز، مما يجعل نسخة ز فى نظرنا أعلى قدرا.
(5) فى أ، ز: كتابا. على أنه مفعول ينزل.

(3/137)


أنها آلهة وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ- 71- يقول وما للمشركين من مانع من العذاب وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعني واضحات تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ينكرون القرآن «1» أن يكون من الله- عز وجل- يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [28 ب] يقول يكادون يقعون بمحمد- صلى الله عليه وسلم- من كراهيتهم للقرآن وقالوا ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا والله إنهم لأشر خلق الله، فأنزل الله- عز وجل- قُلْ لهم يا محمد: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه «النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» «2» : من وعده الله النار وصار إليها يعني الكفار فهم شرار الخلق وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 72- النار حين يصيرون إليها ونزل فيهم في الفرقان «الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا «3» ... » يا أَيُّهَا النَّاسُ يعنى كفار مكة ضُرِبَ مَثَلٌ يعنى شبها وهو الصنم فَاسْتَمِعُوا لَهُ ثم أخبر عنه، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام يعني اللات والعزى ومناة وهبل لَنْ يستطيعوا أن يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ يقول لو اجتمعت الآلهة على أن يخلقوا ذبابا ما استطاعوا ثم قال- عز وجل-: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً مما على الآلهة من ثياب أو حلي أو طيب لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ يقول لا تقدر الآلهة أن تستنقذ من الذباب
__________
(1) فى ز: أمر النبي- صلى الله عليه وسلم.
(2) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أ، ز.
(3) الفرقان الآية 34، وفى أ، ز: سقط (على وجوههم) من الآية.

(3/138)


ما أخذ منها، ثم قال: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ «1» - 73- فأما الطالب فهو الصنم وأما المطلوب فهو الذباب، فالطالب هو «2» الصنم الذي يسلبه الذباب ولا يمتنع منه والمطلوب هو الذباب، فأخبر الله عن الصنم أنه لا قوة له ولا حيلة فكيف تعبدون ما لا يخلق ذبابا ولا يمتنع من الذباب، قوله- عز وجل-: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يقول ما عظموا الله حق عظمته حين أشركوا به ولم يوحدوه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ فى أمره عَزِيزٌ- 74- أي منيع في ملكه، قوله- عز وجل- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم وَمِنَ النَّاسِ رسلا، منهم محمد- صلى الله عليه- فيجعلهم أنبياء إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بمقالتهم بَصِيرٌ- 75- بمن يتخذه رسولا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ويعلم ما يكون من بعدهم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 76- فى الآخرة.
قوله- عز وجل- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [29 أ] يأمرهم بالصلاة وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ يعنى وحدوا ربكم وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الذي أمركم به لَعَلَّكُمْ يعنى لكي تُفْلِحُونَ- 77- يقول من فعل ذلك فقد أفلح وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ يأمرهم بالعمل حَقَّ جِهادِهِ يقول اعملوا لله بالخير حق عمله نسختها «3» الآية التي في التغابن وهي فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «4» ....
__________
(1) تفسيرها من ز، وهو مضطرب فى أ، ل.
(2) فى أ، ز: فهو. [.....]
(3) انظر النسخ عند مقاتل فى الدراسة التي قدمتها لهذا التفسير وستجد أنه لا نسخ هنا عند الأصوليين.
(4) سورة التغابن: 16.

(3/139)


ثم قال هُوَ اجْتَباكُمْ يقول الله- عز وجل- استخلصكم لدينه وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ يعنى فى الإسلام مِنْ حَرَجٍ يعني من ضيق ولكن جعله واسعا هو مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ يقول الله- عز وجل- سماكم الْمُسْلِمِينَ فيها تقديم مِنْ قَبْلُ قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- في الكتب الأولى وَفِي هذا القرآن أيضا سماكم المسلمين لِيَكُونَ الرَّسُولُ يعنى النبي- صلى الله عليه وآله سلم- شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه بلغ الرسالة وَتَكُونُوا أنتم يا معشر أمة محمد- صلى الله عليه وسلم-، يعني مؤمنيهم شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يعني شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يقول أتموها وَآتُوا الزَّكاةَ يقول أعطوا الزكاة من أموالكم وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ يقول وثقوا بالله فإذا فعلتم ذلك «هُوَ مَوْلاكُمْ» «1» فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ- 78- يقول نعم المولى هو لكم ونعم النصير هو لكم «2» .
__________
(1) «هُوَ مَوْلاكُمْ» : ساقط من أ، ز.
(2) انتهى تفسير سورة الحج فى أ، وأما ز، ففي آخرها هذه الزيادة:
حدثنا محمد، قال:
حدثنا أبو القاسم عن الهذيل، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية، عن الأعرج قال: كان من تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لبيك إله الحق، قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا.
تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ: قال الهذيل: وحدثني بعض المشيخة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما كثر الناس زاد فى تلبية: «العيش عيش الآخرة» .
الحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله، وسلم تسليما.

(3/140)