تفسير مقاتل بن سليمان

سورة الفرقان

(3/213)


[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 77]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (3) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4)
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)
تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14)
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19)
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (29)
وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49)
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77)

(3/215)


سورة الفرقان «1» سورة الفرقان مكية وهي سبع وسبعون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود السورة.
المقصود الإجمالى لسورة الفرقان ما يأتى:
المنة بإنزال القرآن، ومنشور رسالة سيد ولد عدنان، وتنزيه الحق- تعالى- عن الولد والشريك وذم الأوثان، والشكاية من المشركين بطعنهم فى المرسلين، وطلبهم مجالات المعجزات من الأنبياء كل أوان، وذل المشركين فى العذاب والهوان، وعز المؤمنين فى ثوابهم بفراديس الجنان وخطاب الحق مع الملائكة فى القيامة تهديدا لأهل الكفر، والطغيان، وبشارة الملائكة للمجرمين بالعقوبة النسران، وبطلان أعمال الكفار يوم ينصب الميزان، والإخبار بمقر المؤمنين فى درجات الجنان، وانشقاق السموات بحكم الهول وسياسة العبدان، والإخبار عن ندامة الظالمين يوم الهيبة ونطق الأركان، وذكر الترتيب والترتيل فى نزول القرآن، وحكاية حال القرون الماضية، وتمثيل الكفار-
(2) فى المصحف المتداول بيننا:
(25) سورة الفرقان مكية، الا الآيات 68، 69، 70 فمدنية، وآياتها 77 نزلت بعد يس.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي تحقيق الأستاذ النجار ما يأتى:
السورة مكية بالاتفاق، وعدد آياتها سبع وسبعون.
وسميت سورة الفرقان لأن فى فاتحتها ذكر الفرقان فى قوله: « ... نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ... » .

(3/223)


بالأنعام، أخس الحيوان، وتفضيل الأنعام عليهم فى كل شأن، وعجائب صنع الله فى ضمن الغلل والشمس وتخليق الليل، والنهار، والأوقات، والأزمان، والمنة بإنزال الأمطار، وإثبات الأشجار فى كل مكان، وذكر الحجة فى المياه المختلفة فى البحار، وذكر النسب، والصهر، فى نوع الإنسان، وعجائب الكواكب، والبروج ودور الفلك، وسير الشمس، والقمر وتفصيل صفات العباد، وخواصهم بالتواضع، وحكم قيام الليل، والاستعاذة من النيران، وذكر الإقتار والاقتصاد فى الفقه، والاحتراز من الشرك والزنا وقتل النفس بالظلم والعدوان والإقبال على التوبة والابتعاد عن اللغو والزور والوعد بالغرف للصابرين على عبادة الرحمن، وبيان أن الحكمة فى تخليق الحلق التضرع والدعاء والابتهال إلى الله الكريم المنان، بقوله: «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً» .

(3/224)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «تَبارَكَ» «1» حدثنا أبو جعفر محمد بن هانى، قال: حدثنا أبو القاسم الحسين ابن عون، قال: حدثنا أبو صالح الْهُذَيْلِ بن حبيب الزيدانى، قال: حدثنا مقاتل ابن سليمان «فى» «2» قوله- عز وجل «تبارك» يقول افتعل البركة الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ يعني القرآن وهو المخرج من الشبهات على عبده محمد- صلى الله عليه وسلم- لِيَكُونَ محمد- صلى الله عليه وسلم- بالقرآن لِلْعالَمِينَ نَذِيراً- 1- يعني للإنس والجن نذيرا نظيرها في فاتحة الكتاب « ... رَبِّ الْعالَمِينَ» «3» ثم عظم الرب- عز وجل- نفسه عن شركهم فقال- سبحانه-: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وحده وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً لقول اليهود والنصارى عزيز ابن الله والمسيح ابن الله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ من الملائكة وذلك أن العرب قالوا: إن لله- عز وجل- شريكا من الملائكة فعبدوهم «4» فأكذبهم الله- عز وجل- نظيرها في آخر بني إسرائيل «5» وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً- 2- كما ينبغي أن يخلقه «6» وَاتَّخَذُوا يعني كفار مكة مِنْ دُونِهِ آلِهَةً
__________
(1) تفسيرها من ز، وهو مضطرب فى ا.
(2) «فى» : زيادة للتوضيح اقتضاها السياق.
(3) سورة الفاتحة آية 2 وهي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» أى رب الإنس والجن.
(4) فى أ: يعبدونهم، ز: فعبدوهم.
(5) يشير إلى الآية 111 من سورة الإسراء وهي: ن وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» .
(6) فى أ: يخلقهم، ز: يخلقه. [.....]

(3/225)


يعني اللات والعزى يعبدونهم لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ذبابا وَلا غيره وَهُمْ يُخْلَقُونَ يعني الآلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق ينحتونها بأيديهم ثم يعبدونها، نظيرها في مريم، وفي يس، وفي الأحقاف، ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالى-: وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا يقول لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءا وَلا نَفْعاً يقول ولا تسوق الآلهة إلى أنفسها نفعا، ثم قال- تعالى-: وَلا يَمْلِكُونَ يعني الآلهة مَوْتاً يعني أن تميت أحدا، ثم قال- عز وجل-: وَلا حَياةً يعني ولا يحيون أحدا يعني الآلهة وَلا نُشُوراً- 3- أن تبعث الأموات، فكيف تعبدون من لا يقدر على شيء من هذا وتتركون عبادة ربكم الذي يملك ذلك «1» كله وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ قال النضر بن الحارث من بني عبد الدار ما هذا القرآن الا كذب اختلفه محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه، ثم قال: وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ يقول النضر عاون محمدا- صلى الله عليه وسلم- عداس مولى حو يطب بن عبد العزى ويسار غلام العامر ابن الحضرمي وجبر [43 أ] مولى عامر بن الحضرمي كان يهوديا فأسلم وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب. يقول الله- تعالى-: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً- 4- قالوا شركا وكذبا حين يزعمون أن الملائكة بنات الله- عز وجل-، وحين قالوا إن القرآن ليس من الله- عز وجل- إنما اختلفه محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وقال النضر هذا القرآن حديث الأولين أحاديث رستم واسفندباز اكْتَتَبَها محمد- صلى الله عليه وسلم فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 5- يقول «2» : هؤلاء النفر الثلاثة
__________
(1) فى ازيادة: عز وجل، وليست فى ز.
(2) كذا فى ا، ز، والمراد يقول النضر بن الحارث.

(3/226)


يعلمون محمدا- صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار بالغداة والعشي قُلْ لهم يا محمد أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وذلك أنهم قالوا بمكة سرا « ... هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» لأنه إنسى مثلكم، بل هو ساحره « ... أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» إلى آيتين «1» فأنزل الله- عز وجل «قُلْ أنزله الذي يعلم السر» فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم رَحِيماً- 6- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة وَقالُوا «ما لِهذَا» «2» الرَّسُولِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- 7- يعني رسولا يصدق محمدا- صلى الله عليه وسلم- بما جاء أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ يعني أو ينزل إليه مال من السماء فيقسمه بيننا أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يعنى بستانا يَأْكُلُ مِنْها هذا قول النَّضْر بن الْحَارِث، وعبد اللَّه بن أُمَيَّة، ونوفل ابن خويلد، كلهم من قريش وَقالَ الظَّالِمُونَ يعني هؤلاء إِنْ يعني ما تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً- 8- يعني أنه مغلوب على عقله فأنزل الله- تبارك وتعالى- في قولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ «3» ... » يقول هكذا كان المرسلون «4» من قبل محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل في قولهم إن محمدا مسحور «5» قوله- تعالى «6» -: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ
__________
(1) يشير الى الآيات 3، 4، 5 من سورة الأنبياء وتمامها: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» .
(2) فى ا، ز: مال هذا، وكذلك فى رسم المصحف الشريف.
(3) سورة الفرقان: 20.
(4) فى ا: المرسلين، ز: المرسلون.
(5) فى ا: مسحورا، ز: مسحور.
(6) فى ا: فقال- تعالى، ز: فقال.

(3/227)


يقول انظر كيف وصفوا لك الأشياء حين زعموا أنك ساحر فَضَلُّوا عن الهدى فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا- 9- يقول لا يجدون مخرجا مما قالوا لك بأنك ساحر ونزل في قولهم: لولا أنزل، يعني هلا ألقي، إليه كنز «1» ، أو تكون له جنة يأكل منها، فقال- تبارك وتعالى-: تَبارَكَ الَّذِي [43 ب] إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ يعني أفضل من الكنز والجنة في الدنيا جعل لك في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول بينها الأنهار وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً- 10- يعني بيوتا في الجنة وذلك أن قريشا يسمون بيوت الطين القصور بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ يعني- عز وجل- بالقيامة وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالبعث فكذبوه. يقول الله- تعالى-: وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً- 11- يعني وقودا إِذا رَأَتْهُمْ السعير وهي جهنم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يعني مسيرة مائة سنة سَمِعُوا لَها من شدة «2» غضبها عليهم تَغَيُّظاً وَزَفِيراً- 12- يعني آخر نهيق الحمار وَإِذا أُلْقُوا مِنْها يعني جهنم مَكاناً ضَيِّقاً لضيق الرمح في الزج مُقَرَّنِينَ يعني موثقين في الحديد قرناء مع الشياطين دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً- 13- يقول دعوا عند ذلك بالويل يقول الخُزَّانُ: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً يعنى ويلا واحدا وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً- 14- يعني ويلا كثيرا لأنه دائم لهم أبدا قُلْ لكفار مكة: أَذلِكَ الذي ذكر من النار خَيْرٌ أفضل أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ يعنى
__________
(1) نص الآية « ... لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» .
(2) شدة: فى الأصل.

(3/228)


التي لا انقطاع لها «1» الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً بأعمالهم الحسنة وَمَصِيراً- 15- يعني ومرجعا «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ» «2» خالِدِينَ فيها لا يموتون كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً منه فى الدنيا مَسْؤُلًا- 16- يسأله في الآخرة المتقون إنجاز ما وعدهم في الدنيا وهي الجنة وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعني يجمعهم يعنى كفار مكة وَيحشر ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائكة فَيَقُولُ للملائكة: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ يقول: أنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ- 17- يقول أو هم أخطئوا طريق الهدى فتبرأت الملائكة ف قالُوا سُبْحانَكَ نزهوه- تبارك وتعالى- أن يكون معه آلهة مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ يعني «ما لنا أن نتخذ من دونك وليا «3» » أنت ولينا من دونهم وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ يعنى كفار مكة وَمتعت آباءَهُمْ من قبلهم حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يقول حتى تركوا إيمانا بالقرآن وَكانُوا قَوْماً بُوراً- 18- يعني هلكى يقول الله- تعالى- لكفار مكة: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ الملائكة بِما تَقُولُونَ بأنهم لم يأمروكم بعبادتهم «4» فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً يقول لا تقدر الملائكة صرف العذاب عنكم «ولا نصرا» [44 أ] يعني ولا منعا يمنعونكم منه «5» وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني يشرك بالله في الدنيا فيموت على الشرك «6» نُذِقْهُ
__________
(1) فى ا: التي لا تنقطع، ز: التي لا انقطاع لها.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، وهي فى حاشية اكالاتى: الآية «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ» وفى أ: «خالدين» .
(3) الجملة من أ، وليست فى ز.
(4) من ز، وفى أ: لقولهم أنهم لم يأمركم أن تعبدوها. [.....]
(5) من ز، وفى أ: ولا منعا يمنعكم منهم.
(6) من ز، وفى أ: فيموت عليها.

(3/229)


في الآخرة عَذاباً كَبِيراً- 19- يعني شديدا وكقوله فى بنى إسرائيل:
« ... وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» «1» يعني شديدا وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لقول كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ابتلينا بعضا ببعض وذلك حين أسلم أبو ذر الغفاري- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-، وعبد اللَّه بن مَسْعُود، وعمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، وجبر مولى عامر بن الحضرمي، وسالم مولى أبي حذيفة، والنمر بن قاسط، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله، ونحوهم من الفقراء، فقال أبو جهل، وأمية، والوليد، وعقبة، وسهيل، والمستهزءون من قريش: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- من موالينا وأعواننا رذالة كل قبيلة فازدروهم، فقال الله- تبارك وتعالى- لهؤلاء الفقراء من العرب والموالي أَتَصْبِرُونَ؟ على الأذى والاستهزاء وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً- 20- أن تصبروا فصبروا ولم يجزعوا فأنزل الله- عز وجل- فيهم «إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا» على الأذى والاستهزاء من كفار قريش « ... أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ» «2» يعني الناجين من العذاب وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخشون البعث نزلت في عبد الله بن أمية والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص بن الأحنف وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، ويغيض بن عامر بن هشام لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فكانوا رسلا إلينا أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا أنك رسول، يقول الله- تعالى-: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا يقول تكبروا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً- 21- يقول علوا فى القول علوا شديدا حين قالوا أو نرى ربنا فهكذا العلو فى القول.
__________
(1) سورة الإسراء: 4.
(2) سورة المؤمنون: 111.

(3/230)


يقول الله- تبارك وتعالى-: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وذلك أن كفار مكة إذا خرجوا من قبورهم قالت لهم الحفظة من الملائكة- عليهم السلام- حرام محرم عليكم- أيها المجرمون- أن يكون لكم من البشرى شيء حين رأيتمونا «1» ، كما بُشِّرَ المؤمنون في حم السجدة، فذلك قوله: «وَيَقُولُونَ» «2» يعني الحفظة من الملائكة للكفار: حِجْراً مَحْجُوراً- 22- يعني حراما محرما عليكم- أيها المجرمون- البشارة كما بشر المؤمنون وَقَدِمْنا يعني وجئنا ويقال وعمدنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً- 23- يعني كالغبار الذي يسطع من حوافر الدواب أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا يعني أفضل منزلا في الجنة وَأَحْسَنُ مَقِيلًا- 24- يعني القائلة، وذلك أنه يخفف عنهم الحساب ثم تقيلون من يومهم ذلك في الجنة مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فيما يشتهون من التحف والكرامة، فذلك قوله- تعالى: «وَأَحْسَنُ مَقِيلا» من مقبل الكفار، وذلك أنه إذا فرغ من عرض الكفار، أخرج لهم عنق من النار يحيط بهم، فذلك قوله في الكهف: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «3» ... » ثم خرج من النار دخان «4» ظل أسود فيتفرق عليهم من فوقهم ثلاث فرق وهم في السرادق فينطلقون يستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق فيأخذهم الغثيان والشدة من حره وهو أخف العذاب فيقبلون فيها لا مقبل راحة فذلك مقيل أهل النار ثم يدخلون النار أفواجا أفواجا وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ يعني السموات السبع يقول عن الغمام وهو أبيض
__________
(1) «حين رأيتمونا» : من أ، وليست فى ز.
(2) فى أ: «ويقول» ، ز: «ويقولون» .
(3) سورة الكهف: 29.
(4) فى أ: دخان وظل، ز، دخان ظل.

(3/231)


كهيئة الضبابة لنزول الرب- عز وجل- وملائكته، فذلك قوله- سبحانه- وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ من السماء إلى الأرض عند انشقاقها تَنْزِيلًا- 25- لحساب الثقلين كقوله- عز وجل- في البقرة: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ»
... » .
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وحده- جل جلاله- واليوم الكفار ينازعونه في أمر وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً- 26- يقول عسر عليهم يومئذ مواطن يوم لشدته القيامة ومشقته، ويهون على المؤمن كأدنى «2» صلاته وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يعني ندامة يعني عقبة بن أبي معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وذلك أنه كان يكثر مجالسة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقال له خليله وهو أمية «3» بن خلف الجمحي: يا عقبة، ما أراك إلا قد صبأت إلى حديث هذا الرجل، يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال:
لم أفعل. فقال: وجهي من وجهك حرام إن لم تنقل فى وجه محمد [45 أ]- صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منه حتى يعلم قومك وعشيرتك أنك غير مفارق لهم.
ففعل ذلك عقبة فأنزل الله- عز وجل- فى عقبة بن أبى معيط «ويوم بعض الظالم على يديه» من الندامة يَقُولُ يَا لَيْتَنِي يتمنى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا- 27- إلى الهدى يَا وَيْلَتى يدعو بالويل، ثم يتمنى فيقول:
يا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً يعني أمية خَلِيلًا- 28- يعني يا ليتني لم أطع فلانا يعنى
__________
(1) سورة البقرة: 210.
(2) من ز، وفى أ: خطأ.
(3) فى أ، ل: أمية، وفى، ز: أبى وقد وردت الروايات بهما انظر أسباب النزول للواحدي:
191، لباب النقول للسيوطي: 166.

(3/232)


أمية بن خلف فقتله النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر، وقتل عقبة «عاصم» «1» بن أبي الأفلح الأنصاري صبرا بأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يقتل من الأسرى يوم بدر «من قريش» «2» غيره والنضر بن الحارث «3» ، يقول عقبة: لَقَدْ أَضَلَّنِي لقد ردني عَنِ الذِّكْرِ يعني عن الإيمان بالقرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي يعني حين جاءني وَكانَ الشَّيْطانُ في الآخرة لِلْإِنْسانِ يعني عقبة خَذُولًا- 29- يقول يتبرأ منه ونزول فيهما «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... » «4» وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي قريشا اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً- 30- يقول تركوا الإيمان بهذا القرآن فهم مجانبون له يقول الله- عز وجل-: يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- وَكَذلِكَ يعني وهكذا جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ نزلت في أبي جهل «وحده» «5» «أي» «6» فلا يكبرن عليك فإن الأنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم، ثم قال- عز وجل-: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً إلى دينه وَنَصِيراً- 31- يعني ومانعا فلا أحد أهدى من الله- عز وجل- ولا أمنع منه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ يعنى هلا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كما جاء به موسى
__________
(1) «عاصم» : فى ز، ل، وليست فى ا.
(2) «من قريش» فى ز، وليست فى أ، ل.
(3) كذا فى نسخة أ، ل، ف، ز. وفى لباب النقول للواحدي روايات متعددة فى أسباب نزول الآية، وفيها بسط وأف للموضوع: 191، 192. [.....]
(4) سورة الزخرف: 67.
(5) «وحده» : فى أ، ل. وليست فى ز.
(6) «أى» : زيادة لتوضيح الكلام وليست موجودة فى جميع النسخ.

(3/233)


وعيسى يقول: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ يعني «ليثبت القرآن في قلبك» «1» وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا- 32- يعني نرسله ترسلا آيات ثم آيات ذلك قوله- سبحانه «2» -:
«وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» «3» ثم قال- عز وجل:
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ يخاصمونك به إضمار لقولهم: «لولا نزل» «4» عليه القرآن جملة واحدة، ونحوه في القرآن مما يخاصمون به النبي- صلى الله عليه وسلم- فيرد الله- عز وجل- عليهم قولهم، فذلك قوله- عز وجل-: إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ فيما تخصمهم به وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً- 33- يعني وأحسن تبيانا فترد به خصومتهم، ثم أخبر الله- عز وجل- بمستقرهم في الآخرة فقال- سبحانه-:
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً [45 ب] وَأَضَلُّ سَبِيلًا- 34- يعنى وأخطا طريق الهدى في الدنيا من المؤمنين وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى- عليه السلام- التوراة وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً- 35- يعني معينا ثم انقطع الكلام فأخبر الله- عز وجل- محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ يعنى أهل مصر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني الآيات التسع فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً- 36- يعني أهلكناهم بالعذاب هلاكا «5» يعني الغرق وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا يعني حين كَذَّبُوا الرُّسُلَ يعني نوحا وحده أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً يعنى عبرة
__________
(1) من أ، وفى ز: «يقول نثبت القرآن فى قلبك» .
(2) من أ، وفى ز: فذلك قوله فى بنى إسرائيل.
(3) سورة الإسراء: 106.
(4) فى أ: لولا نزل، ز: هلا أنزل.
(5) كذا فى أ، ز، ل.

(3/234)


لمن بعدهم وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً- 37- يعنى وجيعا، ثم قال- تعالى-:
وَأهلكنا عاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ يعني البئر التي قتل فيها صاحب ياسين «1» بأنطاكية التي بالشام وَقُرُوناً يعني وأهلكنا أمما بَيْنَ ذلِكَ ما بين عاد إلى أصحاب الرس كَثِيراً- 38- وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً- 39- وكلا دمرنا بالعذاب تدميرا «وَلَقَدْ أَتَوْا» «2» عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ بالحجارة مَطَرَ السَّوْءِ يعني قرية لوط- عليه السلام- كل حجر في العظم على قدر كل إنسان أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها؟ فيعتبروا بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً- 40- يقول- عز وجل- بل كانوا لا يخشون بعثا، نظيرها في تبارك الملك: « ... وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» «3» يعني الإحياء «وَإِذا رَأَوْكَ» «4» يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا- 41- صلّى الله عليه وسلم- نزلت في أبي جهل- لعنه الله- ثم قال أبو جهل: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا يعني ليستزلنا عن عبادة آلهتنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا يعني تثبتنا عَلَيْها يعني على عبادتها ليدخلنا في دينه، يقول الله- تبارك وتعالى-: «وَسَوْفَ» «5» يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ في الآخرة مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا- 42- يعني من أخطأ طريق الهدى أهم أم المؤمنون؟ فنزلت أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وذلك أن الحارث بن قيس
__________
(1) المراد به: المذكور قصته فى سورة يس.
(2) فى أ: « (ولقد أتوا) يعنى (على القرية) .
(3) سورة الملك: 15.
(4) من أ، وفى ز: «وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» .
(5) فى أ: (فسوف) .

(3/235)


السهمي هوى شيئا فعبده أَفَأَنْتَ يا محمد تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا- 43- يعني مسيطرا يقول تريد أن تبدل المشيئة «1» إلى الهدى والضلالة أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ «إلى الهدى» «2» أَوْ يَعْقِلُونَ الهدى ثم شبههم «3» بالبهائم، فقال- سبحانه-: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ في الأكل والشرب لا يلتفتون إلى الآخرة بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا- 44-[46 أ] يقول بل هم أخطأ طريقا «4» من البهائم لأنها تعرف ربها وتذكره، وكفار مكة «5» لا يعرفون ربهم فيوحدونه أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً يقول- تبارك وتعالى- لو شاء لجعل الظل دائما لا يزول إلى يوم القيامة ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ يعني على الظل دَلِيلًا- 45- تتلوه الشمس فتدفعه حتى تأتي على الظل كله ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا يعني الظل قَبْضاً يَسِيراً- 46- يعني خفيفا «6» وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً يعني سكنا وَالنَّوْمَ سُباتاً يعني الإنسان مسبوتا لا يعقل كأنه ميت وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً- 47- ينتشرون فيه لابتغاء الرزق وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً يعني يبشر السحاب بالمطر «7» بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني قدام المطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً
__________
(1) فى أ: المشية، ز: المشية. [.....]
(2) «إلى الهدى» : ساقط من ز.
(3) فى أ: ثم نسبهم، ز: فشبههم.
(4) من ز، وهي مضطربة فى ا.
(5) من أ، وفى ز: وأهل مكة كفارهم.
(6) فى أ: خفيا.
(7) من ل، ز. وفى أ: «وهو الذي أرسل الرياح نشرا» يعنى تنشر السحاب للمطر، وفى القرطبي: 482 «وهو الذي أرسل الرياح نشرا» ناشرات للسحاب جمع نشور، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف، وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به، وعاصم «بشرا» تخفيف بشر جمع بشير بمعنى مبشر «بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» يعنى قدام المطر.

(3/236)


يعنى المطر طَهُوراً- 48- للمومنين لِنُحْيِيَ بِهِ المطر بَلْدَةً مَيْتاً ليس فيه نبت فينبت بالمطر وَنُسْقِيَهُ بالرياح والمطر مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً في تلك البلدة وَأَناسِيَّ كَثِيراً- 49- في تلك البلدة وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ يعني المطر بين الناس يصرف المطر أحيانا مرة بهذا البلد ومرة ببلد آخر، فذلك التصرف لِيَذَّكَّرُوا في صنعه فيعتبروا في توحيد الله- عز وجل- فيوحده فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً- 50- يعني إلا كفرا بالله- تعالى- في نعمه وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا زمانك يا محمد فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً- 51- يعني رسولا، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولا اختصصناك بها فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ يعني كفار مكة دعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ملة آبائه وَجاهِدْهُمْ بِهِ يعني بالقرآن جِهاداً كَبِيراً- 52- يعني شديدا وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يعني ماء المالح على ماء العذب هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ يعني- تبارك وتعالى- خلدا طيبا وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ يعني مرا من شدة الملوحة وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً يعني أجلا «1» وَحِجْراً مَحْجُوراً- 53- يعني حجابا محجوبا فلا يختلطان ولا يفسد طعم الماء العذب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً يعني النطفة إنسانا فَجَعَلَهُ يعني الإنسان نَسَباً وَصِهْراً أما النسب فالقرابة سبع: أمهاتكم وبناتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ والصهر من القرابة «2» له خمس نسوة، أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من
__________
(1) كذا فى أ، ل، وفى ز: (برزخا) يعنى أجلا، نظيرها فى سورة المؤمنين «وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» يعنى ومن بعد الموت أجل.
(2) فى ز: والصهر من لا قرابة. والمذكور من أ، ل.

(3/237)


الرَّضَاعَةِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ «وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ» «1» اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تكونوا دخلتم [46 ب] بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم فهذا من الصهر، ثم قال- تعالى-: وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً- 54- على ما أراده وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائكة ما لا يَنْفَعُهُمْ في الآخرة إن عبدوهم وَلا يَضُرُّهُمْ في الدنيا إذا لم يعبدوهم وَكانَ الْكافِرُ يعني أبا جهل عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً- 55- يعني معينا للمشركين على ألا يوحدوا الله- عز وجل- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَنَذِيراً- 56- من النار قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ يعني على الإيمان «2» مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا- 57- لطاعته وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ملة آبائه وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ» «3» أي بحمد ربك يقول واذكر بأمره وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً- 58- يعني بذنوب كفار مكة فلا أحد أخبر ولا أعلم بذنوب العباد من الله- عز وجل-، ثم عظم نفسه- تبارك وتعالى- فقال- عز وجل-: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل ذلك «4» الرَّحْمنُ- جل جلاله- فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً- 59- يعني فاسأل بالله خبيرا يا من تسأل عنه محمدا «5»
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، وهو من ل، ز.
(2) من ز، وفى أ: «قل لا أسألكم عليه) الإيمان» .
(3) فى أ: (وسبح بحمد) ربك.
(4) فى أزيادة: يعنى، وليست فى ز.
(5) من ل وهي غير واضحة فى اوفيها زيادة: وهو حزبك يا محمد. وفى ز: يقول فاسأل عن الله خبيرا ما يسأل عنه محمد. أ. هـ.
وفى تفسير النسفي (فاسأل به خبيرا) ويكون خبيرا معقول سل، أى فاسأل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته أو الرحمن اسم من أسماء الله- تعالى- مذكور فى الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فاسأل بهذا الاسم من يخبركم من أهل الكتاب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة.

(3/238)


وَإِذا قِيلَ لَهُمُ لكفار مكة اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ- عز وجل- وذلك
أن أبا جهل قال: يا محمد إن كنت تعلم الشعر فنحن عارفون لك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- الشعر غير هذا، إن هذا كلام الرحمن- عز وجل-. قال أبو جهل: بخ بخ أجل، لعمر الله، إنه هذا لكلام الرحمن الذي باليمامة، فهو يعلمك «1» قال النبي- صلى الله عليه وسلم: الرحمن هو الله- عز وجل- الذي في السماء ومن عنده يأتي جبريل- عليه السلام-. فقال أبو جهل: يا آل غالب «2» ، من يعذرني من ابن أبي كبشة يزعم أن ربه واحد وهو يقول الله يعلمني، والرحمن يعلمني، ألستم تعلمون أن هذين إلهين؟، قال الوليد بن المغيرة، وعتبة، وعقبة: ما نعلم الله والرحمن إلا اسمين، فأما الله فقد عرفناه وهو الذي خلق ما نرى، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة الكذاب. ثم قال: يا بن أبي كبشة تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة. فأنزل الله- عز وجل- «وَإِذَا قِيلَ لهم اسجدوا للرحمن»
يعنى صلوا للرحمن قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ فأنكروه أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ يعني نصلي للذي تأمرنا يعنون مسيلمة وَزادَهُمْ نُفُوراً- 60- يقول زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً يعنى مضيئا وَهُوَ الَّذِي [47 أ] جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً فجعل النهار خلفا من الليل لمن كانت له حاجة وكان مشغولا لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ الله- عز وجل- أَوْ أَرادَ شُكُوراً- 62- في الليل والنهار يعني عبادته وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً يعني حلما في اقتصاد وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ
__________
(1) فى الأصل: يعملك. [.....]
(2) فى ا، ز، ل: غالب.

(3/239)


يعني السفهاء قالُوا سَلاماً- 63- يقول إذا سمعوا الشتم والأذى من كفار مكة من أجل الإسلام ردوا معروفا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ بالليل في الصلاة سُجَّداً وَقِياماً- 64- وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً- 65- يعني لازما لصاحبه لا يفارقه إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً- 66- يعني بئس المستقر وبئس الخلود، كقوله- سبحانه-: « ... دارَ الْمُقامَةِ «1» ... » يعني دار الخلد وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا في غير حق وَلَمْ يَقْتُرُوا يعني ولم يمسكوا عن حق وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً- 67- يعنى بين الإسراف والإفتار مقتصدا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ يعني لا يعبدون مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ يعني بالقصاص وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ جميعا يَلْقَ أَثاماً- 68- يعنى جزاؤه واديا في جهنم يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ يعني في العذاب مُهاناً- 69- يعني يهان «2» فيه نزلت بمكة فَلَمَّا هاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، كتب وحشي بن حبيش غلام المطعم عدى ابن نوفل بن عبد مناف، إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد ما قتل حمزة- هل لي من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت؟
فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله فيه بعد سنتين «3» . فقال- سبحانه-: إِلَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ يعنى يحول الله
__________
(1) سورة فاطر: 35.
(2) فى أ: يمان، ز: يهان.
(3) فى ا، ز: سنتين، ل: سنين.

(3/240)


- عز وجل- سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ والتبديل من العمل السيء إلى العمل الصالح وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما كان في الشرك رَحِيماً- 70- به في الإسلام فأسلم وحشي، وكان وحشي «قد قتل» «1» حمزة بن عبد المطلب- عليه السلام- يوم أحد، ثم أسلم، فأمره النبي- صلى الله عليه وسلم- فخرب مسجد المنافقين، ثم قتل مسيلمة الكذاب باليمامة على عهد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان وحشي يقول أنا الذي قتلت خير الناس، يعني حمزة، وأنا الذي قتلت شر الناس، يعني مسيلمة الكذاب، فلما قبل الله- عز وجل- توبة وحشي، قال كفار مكة: كلنا قد عمل عمل وحشي فقد قبل الله- عز وجل-[47 ب] توبته ولم ينزل فينا شيء «2» فأنزل الله- عز وجل- في كفار مكة «3» « ... يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ (جَمِيعاً ... » «4» ) في الإسلام، يعني بالإسراف الذنوب العظام الشرك والقتل والزنا، فكان بين هذه الآية « ... (وَلا يَقْتُلُونَ) «5» النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... » إلى آخر الآية «6» ، وبين الآية التي في النساء « ... وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ ... «7» » إلى آخر الآية، ثماني سنين وَمَنْ تابَ من الشرك وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً
__________
(1) فى ا، ز: قتل، فجعلها «قد قتل» .
(2) كذا فى ا، ز، ل.
(3) فى أ: فى كفار مكة، ز: فى سورة الزمر.
(4) فى ز: ( «جميعا ... » إلى آيات) . والآية 53 من سورة الزمر.
(5) فى ا، ز: ولا تقتلوا.
(6) سورة الفرقان: 68.
(7) سورة النساء: 93 وتمامها: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً» .

(3/241)


- 71- يعني مناصحا لا يعود إلى نكل الذنب وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ يعني لا يحضرون الذنب يعني الشرك وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً- 72- يقول إذا سمعوا من كفار مكة الشتم والأذى على الإسلام «مَرُّوا كِراماً» معرضين عنهم، كقوله- سبحانه-: «وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ «1» ... » وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني والذين إذا وعظوا بآيات القرآن لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً- 73- يقول لم يقفوا عليها صما لم يسمعوها ولا عميانا لم يبصروها كفعل مشركي مكة ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ يقول اجعلهم صالحين فتقرأ عيننا بذلك وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً- 74- يقول واجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً- 75- نظيرها في الزمر- « ... لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ «2» ... » .
قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مُقَاتِلُ: «اجعلنا نقتدي بصالح أسلافنا، حتى «يقتدي بنا من بعدنا «3» » ، بِما صَبَرُوا على أمر الله- عز وجل- وَيُلَقَّوْنَ «4» فِيها تَحِيَّةً يعني السلام ثم قال: وَسَلاماً يقول وسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم، ويقال «5» التسليم من الملائكة عليهم خالِدِينَ فِيها
__________
(1) سورة القصص: 55.
(2) سورة الزمر: 20.
(3) فى أ: يقتدى بنا بعدنا، وليست فى ز. [.....]
(4) فى أ: يلقون.
(5) فى أ: ويقول، ز: ويقال.

(3/242)


لا يموتون أبدا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا فيها وَمُقاماً- 76- يعنى الخلود قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ يقول ما يفعل بكم رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول لولا عبادتكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ النبي- صلى الله عليه وسلم-، يعد كفار مكة فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً- 77- يلزمكم العذاب ببدر، فقتلوا وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله- تعالى- بأرواحهم إلى النار فيعرضون عليها طرفي النهار.

(3/243)