تفسير مقاتل بن
سليمان سورة فاطر
(3/541)
(35) سورة فاطر مكّية وآياتها خمس وأربعون
[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 45]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ
رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ
مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يا أَيُّهَا
النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ
خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا
تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ
بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا
مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ
عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ
سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ
يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ
(8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً
فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9)
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ
لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ
جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ
إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا
يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ
فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ
تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً
تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا
مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ
مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ
قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ
وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
(14)
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ
شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ
تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ (18) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19)
وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا
الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ
إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ
مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23)
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ
مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (24)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ
وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ
كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ
ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ
بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ
أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ
الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً
يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا
فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ
الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها
يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً
وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ
شَكُورٌ (34)
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا
يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى
عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها
كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ
فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ
مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما
لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
(38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ
كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ
كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ
الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (39)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ
لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً
فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ
يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ
زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ
كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى
مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا
زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ
وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ
بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ
اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي
الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ
عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى
أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ
بِعِبادِهِ بَصِيراً (45)
(3/543)
سورة فاطر «1» سورة الملائكة «2» مكية.
عددها خمس وأربعون آية كوفية «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان خلق الملائكة، وفتح أبواب الرحمة وتذكير النعمة، والتحذير
من الجن، وعداوتهم وتسلية الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصعود
كلمة الشهادة، وتحويل الإنسان من حال إلى حال، وذكر عجائب
البحر واستخراج الحلية منه، وتخليق الليل والنهار، وعجز
الأصنام عن الربوبية، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة، واحتياج
الخلق فى القيامة، وإقامة البرهان والحجة وفضل القرآن، وشرف
التلاوة وأصناف الخلق فى ميراث القرآن، ودخول أهل الإيمان
الجنة، وخلود النار لأهل الكفر والطغيان، والإخبار بأنه لو عدل
ربنا فى الخلق لم يسلم من عذابه أحد من الإنس والجان.
(2) تسمى سورة الملائكة، وتسمى سورة فاطر، ففي أولها:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
(3) فى المصحف: (35) سورة فاطر مكية.
آياتها 45 نزلت بعد الفرقان.
(3/549)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الشكر لله فاطِرِ يعني خالق السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا منهم جبريل،
وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، والكرام الكاتبين- عليهم
السلام-، ثم قال- جل وعز-: الملائكة أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى
وَثُلاثَ وَرُباعَ يقول من الملائكة من له جناحان، ومنهم من له
ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولإسرافيل ستة أجنحة، ثم قال- جل
وعز-: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وذلك أن في الجنة نهرا
يقال له نهر الحياة يدخله كل يوم جبريل- عليه السلام- بعد ثلاث
ساعات من النهار يغتسل فيه [102 أ] وله جناحان ينشرهما في ذلك
النهر ولجناحه سبعون ألف ريشة فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء
فيخلق الله- جل وعز- منها ملكا يسبح «1» الله- تعالى- إلى يوم
القيامة، فذلك قوله- عز وجل-: «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا
يَشاءُ» إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من خلق الأجنحة من
الزيادة قَدِيرٌ- 1- يعني يزيد في خلق الأجنحة على أربعة
أجنحة، ما يشاء مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ
الرزق نظيرها في بني إسرائيل ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ
يعني الرزق فَلا مُمْسِكَ لَها لا يقدر أحد على حبسها وَما
يُمْسِكْ وما يحبس من الرزق فَلا مُرْسِلَ لَهُ يعنى الرزق
مِنْ بَعْدِهِ فلا معطي من بعد الله وَهُوَ الْعَزِيزُ فى ملكه
الْحَكِيمُ- 2- فى أمره
__________
(1) إن الله غنى عن استحمام جبريل، إذا أراد أن يزيد فى خلق
الملائكة، وما أشبه هذا القول بالإسرائيليات، وما أغنى كتاب
الله عنها.
(3/551)
يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني أهل مكة:
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ثم أخبرهم بالنعمة
فقال- جل وعز-: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ
مِنَ السَّماءِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات ثم وحد
نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى
تُؤْفَكُونَ- 3- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يعزي النبي- صلى الله
عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ
مِنْ «قَبْلِكَ» «1» وَإِلَى «اللَّهِ» «2» تُرْجَعُ
الْأُمُورُ- 4- أمور العباد تصير إلى الله- جل وعز- فى الآخرة
يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ في البعث أنه كائن فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ
الدُّنْيا عن الإسلام وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ- 5- الباطل وهو الشيطان ثم قال- جل وعز-: إِنَّ
الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ حين أمركم بالكفر بالله
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يقول فعادوه بطاعة الله- عز وجل-، ثم
قال- جل وعز-: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ إنما يدعو شيعته إلى
الكفر بتوحيد الله- عز وجل- لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ
السَّعِيرِ- 6- يعني الوقود ثم بين مستقر الكفار، ومستقر
المؤمنين فقال- جل وعز-: الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله
لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة وَالَّذِينَ آمَنُوا: صدقوا
بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أدوا الفرائض
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم يعني جزاءهم عند ربهم وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ- 7- في الجنة أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
نزلت في أبي جهل بن هشام فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ
يُضِلُّ عن الهدى مَنْ يَشاءُ فلا يهديه إلى الإسلام وَيَهْدِي
مَنْ يَشاءُ لدينه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
__________
(1) فى أ: «قبلك» الآية.
(2) «الله» : ليست فى أ. [.....]
(3/552)
يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول فلا
تقتل نفسك ندامة عليهم يعني أهل مكة «إِنَّ» «1» اللَّهَ
عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ- 8- وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ
الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ فسقنا السحاب إِلى
بَلَدٍ مَيِّتٍ [102 ب] يعني بالميت أنه ليس عليه نبت
فَأَحْيَيْنا بِهِ بالماء الْأَرْضَ فتنبت بَعْدَ مَوْتِها بعد
إذ لم يكن عليها نبت كَذلِكَ النُّشُورُ- 9- هكذا يحيون يوم
القيامة بالماء كما يحيي الأرض بعد موتها مَنْ كانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ المنعة بعبادة الأوثان فليعتز بطاعة الله- جل وعز-
فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً جميع من يتعزز فإنما يتعزز بإذن
الله- عز وجل- إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ العمل
الحسن يقول إلى الله- عز وجل- يصعد في السماء التوحيد
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يقول شهادة ألا إله إلا
الله ترفع العمل الصالح إلى الله- عز وجل- في السماء، ذكروا عن
ابن عباس أنه قال: «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» الله
إليه، ثم ذكر- جل ثناؤه- من لا يوحده، فقال- جل ثناؤه-:
وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ الذين يقولون الشرك
لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة، ثم أخبر عن شركهم فقال- جل
وعز-:
وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ- 10- وقولهم الشرك يهلك فى
الآخرة، ثم دل- جل وعز- على نفسه فقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
يعني بدأ خلقكم مِنْ تُرابٍ يعني آدم- عليه السلام- ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ يعني نسله ثُمَّ جَعَلَكُمْ ذرية آدم أَزْواجاً وَما
تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى يقول لا تحمل المرأة الولد وَلا تَضَعُ
الولد
__________
(1) فى أ: «فإن» .
(3/553)
إِلَّا بِعِلْمِهِ ثم قال- جل وعز-: وَما
يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ يعني من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله
الذي كتب له، ثم قال- جل وعز-: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ كل
يوم حتى ينتهي إلى أجله إِلَّا فِي كِتابٍ اللوح المحفوظ مكتوب
قبل أن يخلقه إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 11- الأجل
حين كتبه الله- جل وعز- في اللوح المحفوظ وَما يَسْتَوِي
الْبَحْرانِ يعني الماء العذب والماء المالح هَذَا عَذْبٌ
فُراتٌ يعني طيب سائِغٌ شَرابُهُ يسيغه الشارب وَهذا مِلْحٌ
أُجاجٌ مر لا ينبت وَمِنْ كُلٍّ من الماء المالح والعذب
تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا السمك وَتَسْتَخْرِجُونَ
حِلْيَةً يعني اللؤلؤ تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ
مَواخِرَ يعني «بالمواخر» «1» أن سفينتين تجريان إحداهما مقبلة
والأخرى مدبرة بريح واحدة، تستقبل إحداهما الأخرى لِتَبْتَغُوا
في البحر مِنْ فَضْلِهِ من رزقه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «2»
- 12- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ
فِي اللَّيْلِ: انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يصير أحدهما
إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لبنى آدم كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى كلاهما
دائبان يجريان إلى يوم القيامة ثم دل [103 أ] على نفسه فقال-
جل وعز ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ فاعرفوا
توحيده بصنعه ثم عاب الآلهة فقال: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ الذين
تعبدون مِنْ دُونِهِ الأوثان ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ-
13- قشر النوى الذي يكون على النوى الرقيق، ثم أخبر عن الآلهة
اللات والعزى ومناة، فقال-: سبحانه إِنْ تَدْعُوهُمْ لا
يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ
__________
(1) فى أ: «المواخر» .
(2) ساقط من أ، وفيها: «ولتبتغوا من فضله ... » الآية.
(3/554)
يقول لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يقول إن
الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم إياها فتقول للكفار ما
أمرناكم بعبادتنا، نظيرها في يونس «فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً
بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ
لَغافِلِينَ» «1» ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ- 14- يعني الرب نفسه- سبحانه-
فلا أحد أخبر منه.
قوله- عز وجل-: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة أَنْتُمُ
الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ يعني إلى ما عند الله- تعالى-
وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادتكم الْحَمِيدُ- 15- عند
خلقه إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ- 16- غيركم أمثل منكم وَما ذلِكَ
عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ- 17- إن فعل ذلك هو على الله هين وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى
وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ من الوزر إِلى حِمْلِها من الخطايا
أن يحمل عنها لا يُحْمَلْ مِنْهُ من وزرها «2» شَيْءٌ وَلَوْ
كانَ ذَا قُرْبى ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئا من
وزرها إِنَّما تُنْذِرُ المؤمنين الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ آمنوا به ولم يروه وَأَقامُوا الصَّلاةَ
أتموا الصلاة المكتوبة وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى
لِنَفْسِهِ ومن صلح فصلاحه لنفسه وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ-
18- فيجزي بالأعمال في الآخرة ثم ضرب مثل المؤمن والكافر فقال-
جل وعز-: «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» «3» - 19-
__________
(1) سورة يونس: 29.
(2) فى أ: «لا يحمل منه» وزرها
(3) «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» : ليست فى أ.
(3/555)
وما يستويان في الفضل والعمل «الأعمى» عن
الهدى يعني الكافر «والبصير» بالهدى: المؤمن وَلَا تستوي «1»
الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ- 20- يعني بالظلمات الشرك والنور
يعني الإيمان وَلَا الظِّلُّ يعني الجنة وَلَا الْحَرُورُ- 21-
يعني النار وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ المؤمنين وَلَا
الْأَمْواتُ يعني الكفار، والبصير، والظل، والنور، والأحياء،
فهو مثل المؤمن.
والأعمى والظلمات والحرور والأموات، فهو مثل الكافر، ثم قال-
جل وعز- إِنَّ اللَّهَ [103 ب] يُسْمِعُ الإيمان مَنْ يَشاءُ
وَما أَنْتَ يا محمد بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ- 22- وذلك
أن الله- جل وعز- شبه الكافر من الأحياء حين دعوا إلى الإيمان
فلم يسمعوا، بالأموات أهل القبور الذين لا يسمعون الدعاء، ثم
قال للنبي- عليه السلام- حين لم «يجيبوه» «2» إلى الإيمان إِنْ
أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ- 23- ما أنت إلا رسول إِنَّا
أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ لم نرسلك رسولا باطلا لغير شيء
بَشِيراً لأهل طاعته بالجنة وَنَذِيراً من النار لأهل معصيته،
ثم قال: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ وما من أمة فيما مضى إِلَّا خَلا
فِيها نَذِيرٌ- 24- إلا جاءهم رسول غير أمة محمد فإنهم لم
يجئهم رسول قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- ولا يجيئهم إلى يوم
القيامة وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم-
ليصبر فلست بأول رسول كذب فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية جاءَتْهُمْ «3» رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّناتِ بالآيات التي كانوا يصنعون ويخبرون بها
وَبِالزُّبُرِ وبالأحاديث التي كانت قبلهم من المواعظ
__________
(1) فى أ: (وما) تستوي
(2) الضمير عائد إلى الكفار، أى حين لم يجبه الكفار.
(3) فى أ: زيادة: ثم قال إن الرسل جاءوا.
(3/556)
وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ- 25- المضيء الذي
فيه أمره ونهيه ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالعذاب
فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 26- تغييري الشر أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَخْرَجْنا
بِهِ بالماء ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها بيض وحمر وصفر
وَمِنَ الْجِبالِ أيضا جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ
أَلْوانُها يعني بالجدد الطرائق التي تكون في الجبال منها أبيض
وأحمر وَمنها غَرابِيبُ سُودٌ- 27- يعني الطوال السود «1» ثم
قال- جل وعز-: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ
بيض وحمر وصفر وسود مُخْتَلِفٌ «أَلْوانُهُ» «2» اختلاف ألوان
الثمار، ثم قال- جل وعز-: كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فيها تقديم يقول أشد الناس لله- عز
وجل- خيفة أعلمهم بالله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في ملكه
غَفُورٌ- 28- لذنوب المؤمنين إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ
اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ فى مواقيتها وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ
تِجارَةً لَنْ تَبُورَ- 29- لن تهلك، هؤلاء قوم من المؤمنين
أثنى الله- جل وعز- عليهم. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ليوفر
لهم أعمالهم وَيَزِيدَهُمْ على أعمالهم من الجنة مِنْ فَضْلِهِ
إِنَّهُ غَفُورٌ للذنوب العظام شَكُورٌ- 30- لحسناتهم
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يقول إن قرآن محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصدق ما قبله من الكتب التي
أنزلها اللَّه- عَزَّ وجل- على [104 أ] الأنبياء- عليهم
السلام- إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بأعمالهم بَصِيرٌ
__________
(1) فى أخطأ والمثبت من ف
(2) «ألوانه» : ساقطة من أ.
(3/557)
- 31- بها ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ
قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- الَّذِينَ اصْطَفَيْنا اخترنا
مِنْ عِبادِنا من هذه الأمة فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ
أصحاب الكبائر من أهل التوحيد وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ عدل فى
قوله وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ الذين سبقوا إلى الأعمال
الصالحة وتصديق الأنبياء بِإِذْنِ اللَّهِ بأمر الله- عز وجل-
ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ- 32- دخول الجنة ثم أخبره
بثوابهم فقال- جل وعز-: جَنَّاتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأنهار
يَدْخُلُونَها هؤلاء الأصناف الثلاثة يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ
أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ بثلاث «1» أسورة وَلُؤْلُؤاً
وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ- 33- وقد حبس- الظالم- بعد هؤلاء
الصنفين: السابق والمقتصد، ما شاء الله من أجل ذنوبهم «2»
الكبيرة، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم فأدخلوا الجنة فلما دخلوها،
واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة وَقالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ لأنهم لا
يدرون ما يصنع الله- عز وجل- بهم إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ
للذنوب العظام شَكُورٌ- 34- للحسنات وإن قلت، وهذا قول آخر
شكور للعمل الضعيف القليل، فهذا قول أهل الكبائر من أهل
التوحيد، ثم قالوا: الحمد لله الَّذِي أَحَلَّنا دارَ
الْمُقامَةِ يعني دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا
يتحولون عنها أبدا مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ لا
يصيبنا في الجنة مشقة في أجسادنا وَلا يَمَسُّنا فِيها
لُغُوبٌ- 35- ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان يصيبهم في
الدنيا من النصب في العبادة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله
لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا
يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ
__________
(1) فى الأصل: «بثلاثة» .
(2) الضمير عائد على الظالم، والمراد به حبس الظالم لنفسه، من
أجل ذنوب هذه الفئة، ولذا أعاد الضمير بالجمع، فقال من أجل
ذنوبهم.
(3/558)
هكذا نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ- 36- بالإيمان
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها يعني يستغيثون فيها والاستغاثة
أنهم ينادون فيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ من الشرك، ثم قيل لهم أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُمْ فى الدنيا ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ فى العمر مَنْ
تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ الرسول محمد- صلى الله عليه
وسلم- فَذُوقُوا العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ- 37-
ما للمشركين من مانع يمنعهم من الله- عز وجل- إِنَّ اللَّهَ
عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يعلم ما يكون فيهما وغيب ما في قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما
نهوا عنه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
- 38- بما في القلوب هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي
الْأَرْضِ من بعد الأمم الخالية فَمَنْ كَفَرَ بتوحيد الله
فَعَلَيْهِ عاقبة كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ [104 ب]
كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً يقول: الكافر لا
يزداد في طول العمل إلا ازداد الله- جل وعز- «له» «1» بغضا، ثم
قال- جل وعز-: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا
خَساراً- 39-: لا يزداد «الكافرون» «2» في طول العمل إلا
ازدادوا بكفرهم خسارا قُلْ يا محمد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ
شُرَكاءَكُمُ مع الله يعني الملائكة الَّذِينَ تَدْعُونَ يعني
تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ
الْأَرْضِ يقول ماذا خلقت الملائكة في الأرض كما خلق الله- عز
وجل- أن كانوا آلهة أَمْ لَهُمْ يعني أم لهم: الملائكة شِرْكٌ
مع الله- عز وجل- في سلطانه «فِي السَّماواتِ» «3» أَمْ
آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ
__________
(1) فى أ: «لهم» . [.....]
(2) فى أ: «الكافر» ، ل: «الكافرون» .
(3) «فى السماوات» : ساقطة من أ.
(3/559)
«يقول: هل أعطينا كفار مكة» «1» فهم على
بينة منه «2» بأن مع الله- عز وجل- شريكا من الملائكة، ثم
استأنف فقال: «بَلْ» «3» إِنْ يَعِدُ ما يعد الظَّالِمُونَ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً- 40- ما يعد الشيطان كفار
بني آدم من شفاعة الملائكة لهم في الآخرة إلا باطلا، ثم عظم
نفسه- تعالى- عما قالوا من الشرك، فقال- جل ثناؤه-: إِنَّ
اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا يقول
ألا تزولا عن موضعهما وَلَئِنْ زالَتا ولئن أرسلهما فزالتا
إِنْ أَمْسَكَهُما فمن يمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ الله
يقول لا يمسكهما من أحد من بعده، ثم قال في التقديم إِنَّهُ
كانَ حَلِيماً عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله- تعالى- حين
لا يعجل عليهم بالعقوبة غَفُوراً- 41- ذو تجاوز وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا «لَوْ أَنَّا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ...
«4» » «جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» «5» بجهد الأيمان لَئِنْ جاءَهُمْ
نَذِيرٌ يعني رسولا لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى
الْأُمَمِ يعني من اليهود والنصارى، يقول الله- عز وجل-:
فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وهو محمد- صلى الله عليه وسلم- مَا
زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً- 42- ما زادهم الرسول ودعوته إلا
تباعدا عن الهدى عن الإيمان. «اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ» «6»
وَمَكْرَ السَّيِّئِ قول الشرك وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ
السَّيِّئُ ولا يدور قول الشرك إِلَّا بِأَهْلِهِ
__________
(1) ما بين القوسين « ... » مكرر فى الأصول.
(2) فى أ: «فهم لا بينات منه» .
(3) «بل» : ساقطة من أ.
(4) سورة الأنعام: 157.
(5) «جهد أيمانهم» : ساقطة من أ.
(6) «اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ» : ساقط من أ.
(3/560)
كقوله- عز وجل- وَحاقَ بِهِمْ ... ودرا بهم
الآية «1» ، ثم خوفهم، فقال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ ما ينظرون
إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ مثل عقوبة الأمم الخالية ينزل
بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ
اللَّهِ فى العذاب تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ
تَحْوِيلًا- 43- لا يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم، ثم قال- جل
وعز- يعظهم: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ [105 أ] مِنْ قَبْلِهِمْ عاد،
وثمود، وقوم لوط، وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بطشا،
فأهلكناهم وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ليفوته مِنْ شَيْءٍ
من أحد، كقوله- عز وجل-: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ
أَزْواجِكُمْ «2» ... » وقوله- جل وعز- فى يس: « ... ما
أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ... » «3» يعني من أحد، يقول
لا يسبقه من أحد كان فِي السَّماواتِ «وَلا فِي الْأَرْضِ» «4»
فيفوته أحد كان في السموات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله
إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بهم «قَدِيراً» «5» - 44- فى نزول
__________
(1) يشير إلى الآية 8 من سورة هود، وفيها «وَلَئِنْ أَخَّرْنا
عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا
يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً
عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» كما
ورد النص: «فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ
مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» فى سورة النحل: 34، «وَبَدا
لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الزمر: 48، «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ
الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة
غافر: 83، «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ
بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الجاثية: 33،
«وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ
وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما
أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا
أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ
اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» . سورة
الأحقاف: 26.
(2) سورة الممتحنة: 11.
(3) سورة يس: 15.
(4) «ولا فى الأرض» : ساقط من أ، ف.
(5) «قديرا» : ساقطة من أ، ف، ل.
(3/561)
العذاب بهم إذا شاء وَلَوْ يُؤاخِذُ
اللَّهُ النَّاسَ كفار مكة بِما كَسَبُوا من الذنوب وهو الشرك
لعجل لهم العقوبة، فذلك قوله- عز وجل-: مَا تَرَكَ عَلى
ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فوق الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط
المطر وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إلى الوقت
الذي في اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ «وقت نزول
العذاب بهم في الدنيا» «1» «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ»
«2» بَصِيراً- 45- لم يزل الله- عز وجل- بعباده بصيرا.
__________
(1) فى أ: «الوقت نزل بهم العذاب فى الدنيا» ، والمثبت من ل.
[.....]
(2) «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ» : ساقط من أ، ومثبت فى
ل.
(3/562)
|