تفسير مقاتل بن سليمان

سورة سبأ

(3/513)


سورة سبا مكية وآياتها أربع وخمسون

[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 54]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29)
قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34)
وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)

(3/515)


سورة سبإ «1» سورة سبإ مكية عددها أربع وخمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان حجة التوحيد، وبرهان نبوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومعجزات داود وسليمان، ووفاتهما، وهلاك سبإ، وشؤم الكفران، وعدم الشكر، وإلزام الحجة على عباد الأصنام، ومناظرة مادة الضلالة وسفلتهم، ومعاملة الأمم الماضية مع النبيين، ووعد المنفقين والمصدقين بالإخلاف، والرجوع بإلزام الحجة على منكري النبوة، وتمنى الكفار فى وقت الوفاة الرجوع إلى الدنيا فى قوله:
«وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ» سورة سبأ: 54.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز ما يأتى:
سميت سورة سبإ لاشتمالها على قصة سبإ «لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آية « ... » سورة سبإ: 15 وما بعدها
(2) فى المصحف (34) سورة سبإ مكية إلا آية 6 فمدنية وآياتها 54 نزلت بعد سورة لقمان

(3/521)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وذلك أن كفار مكة لما كفروا بالبعث، حمد الرب نفسه قال- عز وجل- «الْحَمْدُ لِلَّهِ» الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ يعني يحمده أولياؤه في الآخرة إذا دخلوا الجنة فقالوا: « ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ... » «1» ، « ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ... » «2» وَهُوَ الْحَكِيمُ حكم البعث الْخَبِيرُ- 1- به [97 أ] يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من المطر وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبات وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من المطر وَما يَعْرُجُ فِيها يعني وما يصعد في السماء من الملائكة وَهُوَ الرَّحِيمُ حين لا يعجل عليهم بالعذاب «الْغَفُورُ» «3» - 2- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أبو سفيان لكفار مكة واللات والعزى لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أبدا فلما حلف أبو سفيان بالأصنام حلف النبي- صلى الله عليه وسلم- بالله- عز وجل-، فقال- الله- عز وجل-: قُلْ يا محمد بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ الساعة عالِمِ الْغَيْبِ غيب الساعة لا يَعْزُبُ عَنْهُ من مِثْقالُ ذَرَّةٍ وزن أصغر النمل فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ ولا أقل من ذلك المثقال وَلا أَكْبَرُ منه ولا أعظم من المثقال إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 3- إلا هو بين في اللوح المحفوظ لِيَجْزِيَ لكي يجزى
__________
(1) سورة الزمر: 74.
(2) سورة الأعراف: 43.
(3) «الغفور» : ساقطة من أ.

(3/523)


في الساعة الَّذِينَ آمَنُوا صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «بالقسط» «1» :
بالعدل أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ حسنا فى الجنة، ثم ذكر كفار مكة فقال- عز وجل-: وَالَّذِينَ سَعَوْا عملوا فِي آياتِنا يعنى القرآن مُعاجِزِينَ مثبطين الناس عن الإيمان بالقرآن مثلها في الحج «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» «2» - 5- نظيرها في الجاثية «3» .
وَيَرَى ويعلم الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله- عز وجل- يعني مؤمني أهل الكتاب وهي قراءة ابن مسعود «ويعلم الذين أوتوا الحكمة من قبل» الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ يعنى القرآن وَيَهْدِي إِلى صِراطِ ويدعو إلى دين الْعَزِيزِ في ملكه الْحَمِيدِ- 6- في خلقه. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث أبو سفيان، قال لكفار مكة: هَلْ نَدُلُّكُمْ ألا ندلكم عَلى رَجُلٍ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يُنَبِّئُكُمْ يخبركم أنكم إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يخبركم أنكم إذا تفرقتم في الأرض وذهبت «اللحوم والعظام» «4» وكنتم ترابا «إِنَّكُمْ» «5» لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ- 7- يعني البعث بعد الموت، ثم قال أبو سفيان:
أَفْتَرى محمد- صلى الله عليه وسلم- عَلَى اللَّهِ كَذِباً حين يزعم أنا نبعث
__________
(1) «بالقسط» : ليست هذه الكلمة جزءا من هذه الآية، وان كانت جزءا من آية أخرى.
(2) فى أ: «لهم عذاب» ، وفى ز: «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» .
(3) يشير إلى الآية 11 من سورة الجاثية وهي: «هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» .
(4) فى أ: «اللحوم العظام» ، وفى ز: «اللحوم والعظام» .
(5) «إنكم» : ساقطة من أ.

(3/524)


بعد الموت أَمْ بِهِ جِنَّةٌ يقول: «أم بمحمد جنون» «1» فرد الله- جل وعز- عليهم فقال: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هم أكذب وأشد فرية من محمد- صلى الله عليه وسلم- حين كذبوا بالبعث، ثم قال- جل وعز: هم فِي الْعَذابِ فى الآخرة وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ- 8- الشقاء الطويل نظيرها في آخر «اقتربت الساعة» «2» .
ثم خوفهم فقال- جل وعز-: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ [97 ب] أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ثم بين ما هو فقال- جل وعز- مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ «فتبتلعهم» «3» أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ يعني جانبا من السماء فنهلكهم بها «إِنَّ فِي ذلِكَ» «4» لَآيَةً يعنى عبرة «5» لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ- 9- مخلص بالتوحيد وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ أعطينا داود مِنَّا فَضْلًا النبوة كقوله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم- فى سورة النساء: « ... (وَكانَ فَضْلُ
«6» لَّهِ) عَلَيْكَ عَظِيماً «7» » يعنى النبوة والكتاب، فذلك قوله
__________
(1) من ز، وفى أ: «أم جنون- صلى الله عليه وسلم- جنون» .
(2) سورة القمر: 1، ويشير إلى الآيات «كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ» أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ» سورة القمر: 42- 48. [.....]
(3) «فتبتلعهم» : من ز، وفى أ: «فتشعلهم» .
(4) «إن فى ذلك» : ساقط من أ، وهي فى ز.
(5) «يعنى لعبرة» : من ز وحدها.
(6) فى ز: «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» ، وفى أ: «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ ... »
الآية
(7) سورة النساء: 113.

(3/525)


- عز وجل- « (وَلَقَدْ آتَيْنا «1» ) داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه فقال- عز وجل-: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبحي معه مع داود- عليه السلام- يقول اذكري الرب مع داود وهو التسبيح، ثم قال- عز وجل-: وَسخرنا له الطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ- 10- فكان داود- عليه السلام- يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار فيتخذها دروعا طوالا، فذلك قوله- عز وجل-: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ الدروع الطوال وكانت الدروع قبل داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة فكان داود- عليه السلام- يشد الدروع بمسامير ما يقرعها بحديد ولا يدخلها النار فيقرع من الدروع في بعض النهار وبعض الليل بيده ثمن ألف درهم»
قال لداود:
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ يقول قدر المسامير في الخلق ولا تعظم المسامير فتنقصم «3» ولا تضفر المسامير فتسلس. ثم قال الله- عز وجل- لآل داود: وَاعْمَلُوا صالِحاً يعني قولوا «الحمد لله إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» «4» - 11- ثم ذكر ابنه سليمان- عليهما السلام- وما أعطاه الله- عز وجل- من الخير والكرامة فقال- عز وجل: وَسخرنا لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ يعني مسيرة شهر فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى إصطخر وتروح بهم «ذابلستان» «5» وَرَواحُها شَهْرٌ
__________
(1) فى أ: «آتينا» ، وفى ز: «ولقد آتينا» .
(2) كذا فى أ، ز. «والمعنى ما ثمنه ألف درهم، وفى حاشية أ: «الظاهر أنه ثمانية آلاف» ، وأرى أن الأصل أصدق من الحاشية.
(3) فى أ: «ولا تعظم المسامير فتنقص» ، ز: «ولا تعظم المسمار فيقصم» .
(4) من ز، وفى أ: «الحمد لله الآية» .
(5) «ذابلستان» : كذا فى أ، ز. وهي فى ز تشبه: «نابلستان» .

(3/526)


يعنى مسيرة فنحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيرا من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا تثير ترابا ثم قال- جل وعز- وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر ثلاثة أيام تجري مجرى الماء بأرض اليمن وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ وسخرنا لسليمان من الجن من يعمل بَيْنَ يَدَيْهِ بين يدي سليمان بِإِذْنِ رَبِّهِ يعني رب سليمان- عز وجل- وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ ومن يعدل منهم «عَنْ أَمْرِنا» «1» عن أمر سليمان- عليه السلام- نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ- 12- الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير «2» يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ يعنى الجن لسليمان مِنْ مَحارِيبَ [98 أ] المساجد وَتَماثِيلَ من نحاس ورخام من «الأرض» «3» المقدسة وإصطخر من غير أن يعبدها أحد، ثم قال- جل وعز-: وَجِفانٍ «كَالْجَوابِ» «4» وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم يجلس على كل قصعة واحدة ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان وَقُدُورٍ عظام لها قوائم لا نتحرك راسِياتٍ ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر بأرض اليمن، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل، ثم قال- جل وعز-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بما أعطيتم من الخير يقول الرب- عز وجل-: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ- 13- لربهم «5» فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ
__________
(1) فى أ: «عن أمرنا» سليمان، وفى ز: «عن أمرنا» لسليمان.
(2) من ز، والآية مضطربة فى أ.
(3) فى الأصل: «أرض» .
(4) فى أ: «كالجوابى» . [.....]
(5) كذا فى أ، ز.

(3/527)


على سليمان «1» الْمَوْتَ وذلك أن سليمان- عليه السلام- كان دخل في السن وهو في بيت المقدس ما دَلَّهُمْ ما دل الجن عَلى مَوْتِهِ على موت سليمان إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ يعني «الأرضة» «2» وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببيت المقدس وكان داود أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى- عليه السلام- فمات قبل أن يبني فبناه سليمان بالصخر والقار، فلما حضره الموت قال لأهله: لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس. «وكان قد بقي منه عمل سنة» «3» ، فلما حضره الموت وهو متكئ على عصاه، وقد أوصى أن يكتم موته، وقال: لا تبكوا علي سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت المقدس. ففعلوا «فلما بنوا سنة» «4» وفرغوا من بنائه سلط الله- عز وجل- عليه الأرضة عند رأس الحول على أسفل عصاه فأكلته، فذلك قوله- عز وجل-: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ أسفل العصا فخر عند ذلك سليمان ميتا فرأته الجن فتفرقت، فذلك قوله- عز وجل-: فَلَمَّا خَرَّ سليمان تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ يعنى تبينت الإنس أَنْ لَوْ كانُوا الجن يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ يعنى غيب موت سليمان ما لَبِثُوا حولا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ- 14- والشقاء والنصب في بيت المقدس وإنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس فلم يروهم.
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، ثم قال: جَنَّتانِ أحدهما عَنْ يَمِينٍ الوادي وَالأخرى عن
__________
(1) فى أ: «فلما قضينا على سليمان الموت» . وفى حاشية أ: «الآية عليه الموت» .
(2) فى أ: «الأرض» ، وفى ز: «الأرضة» .
(3) من ز، وفى أ: «وكان بقي من عمله سنة» .
(4) كذا فى ل، ز، وفى أ: «فلما بنوه سنة» وأرى أن أصلها: «فلما بنوه بعد سنة» .

(3/528)


شِمالٍ الوادي، واسم الوادي العرم، يقول الله- عز وجل- لأهل تلك الجنتين: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ الذي فى الجنتين وَاشْكُرُوا لَهُ لله فيما رزقكم ثم قال: أرض سبأ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ بأنها أخرجت ثمارها وَربكم إن شكرتم فيما رزقكم [98 ب] رَبٌّ غَفُورٌ- 15- للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلا على رأسها فتدخل البستان فيمتلئ مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئا بيدها، وكان أهل سبأ إذا أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالصخر والقار فاستد زمانا، وارتفع الماء على حافتي الوادي فصار فيهما ألوان الفاكهة والأعناب فعصوا ربهم فلم يشكروه فذلك قوله- عز وجل-: فَأَعْرَضُوا عن الحق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
والسيل هو الماء، والعرم اسم الوادي سلط الله- عز وجل- «الفأرة» «1» على البناء الذي بنوه «وتسمى الخلد» «2» فنقبت الردم ما بين الجبلين فخرج الماء ويبست جناتهم وأبدلهم الله- عز وجل- مكان الفاكهة والأعناب:
«وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ» «3» أُكُلٍ خَمْطٍ وهو الأراك وَأَثْلٍ يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها الأقداح النضار وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ- 16- وثمره السدر النبق ذلِكَ الهلاك جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا كافأناهم بكفرهم وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ- 17- وهل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله- عز وجل- في نعمه.
__________
(1) «الفارة» : ساقطة من أ.
(2) فى ز: «واسمها الخلد» ، وفى أ: «ويسمى الخلد» .
(3) «وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ» : ساقطة من أ، ز، ل.

(3/529)


ثم: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ بين أهل سبإ وَبَيْنَ الْقُرَى قرى «الأرض» «1» المقدسة: الأردن وفلسطين الَّتِي بارَكْنا فِيها بالشجر والماء قُرىً ظاهِرَةً متواصلة وكان متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق، لا يحلون عنده حتى يرجعوا «إلى اليمين» «2» من الشام، فذلك قوله- عز وجل-: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ- 18- من الجوع والعطش والسباع فلم يشكروا ربهم «وسألوا» «3» ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ للناس وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يقول الله- عز وجل- وفرقناهم في كل وجه فلما خرجوا من أرض سبأ، ساروا فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان، وأما خزاعة فنزلوا بمكة، وأما الأنصار وهم الأوس والخزرج، فنزلوا بالمدينة، وأما غسان فنزلوا بالشام فهذا تمزقهم، فذلك قوله- عز وجل-: «فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ» إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ «يعني في هلاك جنتيهم وتفريقهم عبرة» «4» لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- 19- يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء إذا ابتلى لما ابتلي أهل سبأ ثم قال: «شكور» لله- عز وجل- في نعمه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم من طين [99 أ] ، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب
__________
(1) فى الأصل: «أرض» .
(2) فى ل: «اليمين» ، وفى أ: «إلى اليمين إلى الشام» ، وفى ز: «اليمين إلى الشام» .
(3) «سألوا» : ساقطة من أ، وهي من ز.
(4) من ز، وفى أ: «يعنى جناتهم وتفريقهم عبرة» .

(3/530)


الطين فقال « ... لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ ... » «1» الآية. فمن ثم صدق ظنه يقول الله- عز وجل-: فَاتَّبَعُوهُ ثم استثنى عباده المخلصين فقال- جل وعز-: إِلَّا فَرِيقاً طائفة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 20- لم يتبعوه في الشرك، وهم الذين قال الله: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ... » «2» ،
ثم قال: وَما كانَ لَهُ لإبليس عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ من ملك أن يضلهم عن الهدى إِلَّا لِنَعْلَمَ لنرى مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ ليبين المؤمن من الكافر وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإيمان والشك حَفِيظٌ- 21- رقيب: قُلِ لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أنهم آلهة يعني الملائكة الذين عبدتموهم فليكشفوا الضر الذي نزل بكم من الجوع من السنين السبع نظيرها في بني إسرائيل فأخبر الله- عز وجل- عن الملائكة أنهم لا يَمْلِكُونَ لا يقدرون على مِثْقالَ ذَرَّةٍ يعنى أصغر وزن النمل فِي السَّماواتِ فى خلق السموات «وَلا فِي الْأَرْضِ» «3» فكيف يملكون كشف الضر عنكم وَما لَهُمْ فِيهِما فى خلق السموات والأرض مِنْ شِرْكٍ يعنى الملائكة وَما لَهُ مِنْهُمْ من الملائكة مِنْ ظَهِيرٍ- 22- يعني عونا على شيء، ثم ذكر الملائكة الذين رجوا منافعهم، فقال- جل وعز-: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ شفاعة الملائكة عِنْدَهُ لأحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يشفع من أهل التوحيد، ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خروا سجدا من مخافة الساعة، فكيف يعبدون من هذه منزلته؟ فهلا يعبدون من تخافه الملائكة؟ قال: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
__________
(1) سورة
(2) سورة الحجر: 42. [.....]
(3) فى أ: «والأرض» ، وفى حاشية أ: الآية «ولا فى الأرض» .

(3/531)


وذلك أن أهل السموات من الملائكة لم يكونوا سمعوا صوت الوحي ما بين زمن عيسى ومحمد- صلى الله عليه وسلم- وكان بينهما قريب من ستمائة عام، فلما نزل الوحي على محمد- صلى الله عليه وسلم- سمعوا صوت الوحي كوقع الحديد على الصفا، فخروا سجدا مخافة القيامة، إذ هبط جبريل على أهل كل سماء فأخبرهم أنه الوحي، فذلك قوله- عز وجل-: «حتى إذا فزع عن قلوبهم» تجلى الفزع عن قلوبهم قاموا من السجود قالُوا فتسأل الملائكة بعضها بعضا مَاذَا قالَ جبريل عن رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ يعنى الوحى وَهُوَ الْعَلِيُّ الرفيع الْكَبِيرُ- 23- العظيم فلا أعظم منه قُلْ لكفار مكة الذين يعبدون الملائكة مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات فردوا في سورة يونس قالوا: « ... اللَّهُ ... » «1» يرزقنا إضمار قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قُلِ اللَّهُ يرزقكم، ثم انقطع الكلام، وأما قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 24- قال كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم-: تعالوا ننظر فى [99 ب] معايشنا من أفضل دنيا نحن أم أنتم يا أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم-: إنكم لعلى ضلالة، - فرد عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ما نحن وأنتم على أمر واحد إن أحد الفريقين لعلى هدى، يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- نفسه وأصحابه أو في ضلال مبين يعنى كفار مكة الألف ها هنا صلة، مثل قوله
__________
(1) يشير إلى الآية 31 من سورة يونس وهي:
«قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ» .

(3/532)


- عز وجل- « ... وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً «1» ... » «قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ» «2» - 25- قُلْ يا محمد لكفار مكة:
يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا فى الآخرة وأنتم ثُمَّ يَفْتَحُ يقضى بَيْنَنا بِالْحَقِّ بالعدل وَهُوَ الْفَتَّاحُ القضاء الْعَلِيمُ- 26- بما يقضي قُلْ لكفار مكة: أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ يعني بالله- عز وجل- شُرَكاءَ من الملائكة هل خلقوا شيئا يقول الله- عز وجل-: كَلَّا ما خلقوا شيئا ثم استأنف بَلْ هُوَ اللَّهُ الذي خلق الأشياء كلها «3» الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 27- «العزيز» في ملكه «الحكيم» في أمره، نظيرها فى الأحقاف «4» وَما أَرْسَلْناكَ يعنى يا محمد إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ عامة للناس بَشِيراً بالجنة لمن أجابه وَنَذِيراً من النار لمن عصاه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ- 28- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي تعدنا يا محمد «5» إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 29- إن كنت صادقا بأن العذاب نازل بنا فى الدنيا قُلْ لَكُمْ مِيعادُ ميقات في العذاب يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ عن الميعاد ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ- 30- يعنى لا تتباعدون عنه ولا نتقدمون، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني الأسود بن عبد يغوث، وثعلب وهما أخوان ابنا
__________
(1) سورة
(2) الآية 25 ساقطة من أفلم تذكر هي ولا تفسيرها.
(3) فى أ: كلها الآية، وفى ز: «العزيز» فى ملكه «الحكيم» فى أمره.
(4) سورة الأحقاف: 2 وهي «تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» .
(5) فى أ: يا محمد الآية.

(3/533)


الحارث بن السباق من بني عبد الدار بن قصي لَنْ نُؤْمِنَ لك لا نصدق بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب التي نزلت قبل القرآن، «بين يديه» التوراة والإنجيل والزبور وَلَوْ تَرى يا محمد إِذِ الظَّالِمُونَ يعني مشركي مكة مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة يَرْجِعُ يرد بَعْضُهُمْ «إِلى» «1» بَعْضٍ الْقَوْلَ ثم أخبر عن قولهم: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وهم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا الذين تكبروا عن الإيمان وهم القادة في الكفر لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ- 31- لولا أنتم- معشر الكبراء- لكنا مؤمنين يعني مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- فردت القادة وهم الكبراء على الضعفاء وهم الأتباع: «قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا» «2» أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى يعني أنحن منعناكم عن الإيمان بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ- 32- فردت الضعفاء على الكبراء فقالوا: «وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» «3» بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «بل قولهم [100 أ] كذب بالليل والنهار» «4» إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ بتوحيد الله- عز وجل- وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً يعني وتأمرونا أن نجعل له شريكا وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ فى أنفسهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين عاينوا العذاب في الآخرة وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ «الَّذِينَ «5» كَفَرُوا» وذلك أن الله- عز وجل- يأمر خزنة جهنم أن يجعلوا
__________
(1) فى حاشية أ: فى الأصل «على» .
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ز.
(3) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ.
(4) من أ، وفى ز: «يعنى بل قولهم لنا بالليل والنهار» .
(5) «الذين كفروا» : ساقطة من أ.

(3/534)


الأغلال في أعناق الذين كفروا بتوحيد الله- عز وجل-، «وقالت» «1» لهم الخزنة: «هَلْ يُجْزَوْنَ» «2» فى الآخرة إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 33- من الكفر في الدنيا وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ من رسول إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أغنياؤها وجبابرتها للرسل إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ بالتوحيد كافِرُونَ- 34- وَقالُوا أيضا لفقراء المسلمين أهؤلاء خير منا أم هم أولى بالله منا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ- 35- يقول الله- عز وجل-: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ويقتر على من يشاء وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ كفار مكة لا يَعْلَمُونَ- 36- أن البسط والقتر بيد الله- عز وجل- وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى يعنى قربة إِلَّا مَنْ آمَنَ صدق بالله «وَعَمِلَ صالِحاً» «3» «فَأُولئِكَ لَهُمْ» «4» جَزاءُ الضِّعْفِ «بِما عَمِلُوا» «5» من الخير نجزي بالحسنة الواحدة عشرة فصاعدا، ثم قال- عز وجل-: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ غرف الجنة آمِنُونَ- 37- من الموت وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ يقول عملوا بالتكذيب بالقرآن مثبطين عن الإيمان بالقرآن أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ- 38- النار قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يوسع الرزق على من يشاء مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ويقتر وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ بقول الله- جل وعز-
__________
(1) فى أ: «قالت» ، ز: «وقال» .
(2) فى أ: «هل» «تجزون إلا ما كنتم» . [.....]
(3) فى أ: «وعمل صالحا ... » الآية.
(4) «فأولئك لهم» : ليس فى أ.
(5) «بما عملوا» : ساقطة من أ.

(3/535)


أخلفه لكم وأعطاكموه وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 39- مثل قوله- عز وجل-:
« ... وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ «1» ... » وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعنى الملائكة ومن عبدها يعني يجمعهم جميعا في الآخرة ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ- 40- يعني عن أمركم عبدوكم فنزهت الملائكة ربها- عز وجل- عن الشرك ف قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ونحن منهم «براء» «2» إضمار «3» ما أمرناهم بعبادتنا بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ بل أطاعوا الشيطان فى عبادتهم وأَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ- 41- مصدقين بالشيطان فَالْيَوْمَ في الآخرة لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا [100 ب] لا تقدر الملائكة على أن تسوق إلى من عبدها نفعا، ولا تقدر على أن تدفع عنهم سوءا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يأمر الله الخزنة أن تقول للمشركين من أهل مكة: «ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ» «4» «الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ «5» - 42- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا وإذا قرى عليهم القرآن بَيِّناتٍ ما فيه من الأمر والنهى قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا القرآن إِلَّا إِفْكٌ كذب مُفْتَرىً افتراه محمد- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة الحديد: 7.
(2) فى أ: «براء» ، ز: «برآء» .
(3) من ز، وحدها.
(4) فى أ: الآية.
(5) «الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» : ساقطة من أ.

(3/536)


من تلقاء نفسه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ «يعنون» «1» القرآن حين جاءهم إِنْ هَذَا القرآن إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 43- يقول الله- عز وجل-: وَما آتَيْناهُمْ يعني وما أعطيناهم مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها يعني يقرءونها بأن مع الله شريكا نظيرها فى الزخرف «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً ... » الآية «2» ونظيرها فى الملائكة «3» وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ يعنى أهل مكة قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ- 44- يا محمد من رسول لم ينزل كتاب، ولا رسول قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى العرب، ثم قال- جل وعز-: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم قبل كفار مكة وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ وما بلغ الكفار مكة، عشر الذي أعطينا الأمم الخالية من الأموال والعدة والعمر والقوة فَكَذَّبُوا رُسُلِي فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا حين كذبوا الرسل فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 45- تغييرى الشر فاحذروا، يا أهل مكة، مثل عذاب الأمم الخالية قُلْ لكفار مكة إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ بكلمة واحدة كلمة الإخلاص أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ الحق مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ألا يتفكر الرجل وحده ومع صاحبه فيعلم ويتفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما أن الله- جل وعز- خلق هذه الأشياء وحده وأن محمدا لصادق وما به جنون إِنْ هُوَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ
__________
(1) «يعنون» : من ز، وليست فى أ.
(2) سورة الزخرف: 21.
(3) عله يشير إلى الآية 32 من سورة فاطر وهي: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ: بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» .

(3/537)


مبين «1» يعني بينا بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ- 46- في الآخرة قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سأل كفار مكة ألا يؤذوه حتى يبلغ عن الله- عز وجل- الرسالة فقال بعضهم لبعض ما سألكم شططا كفوا عنه، فسمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يوما يذكر اللات والعزى في القرآن فقالوا ما ينتهي هذا الرجل عن عيب آلهتنا سألنا ألا تؤذيه فقد فعلنا، وسألناه ألا يؤذينا في آلهتنا فلم يفعل، فأكثروا في ذلك، فأنزل الله [101 أ]- عز وجل- «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ» جعل «فهو لكم» إِنْ أَجْرِيَ ما جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ- 47- بأني نذير وما بي من جنون قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يتكلم بالوحي عَلَّامُ الْغُيُوبِ- 48- عالم كل غيب، وإذا قال- جل وعز- عالم الغيب فهو غيب واحد قُلْ جاءَ الْحَقُّ الإسلام وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ- 49- يقول ما يبدئ الشيطان الخلق فيخلقهم وما يعيد خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت والله- جل وعز- بفعل ذلك قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- لقد ضللت حين تركت دين آبائك فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي إنما ضلالتي على نفسي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي من القرآن «2» إِنَّهُ سَمِيعٌ الدعاء قَرِيبٌ- 50- الإجابة.
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ يقول إذا فزعوا عند معاينة العذاب «3» ، نزلت
__________
(1) كذا فى أ، ز.
(2) أ: «من العذاب» ، ز: «من القرآن» .
(3) من ز وحدها وأما فى أ: نزلت فى السفياني. وساق قصة أشبه بخرافات بنى إسرائيل.
وما كان أغناه عن سردها. [.....]

(3/538)


في السفياني «وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم رجل اسمه بحير بن بجيلة فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم» «1» فلا ينجو منهم أحد غير رجل من جهينة اسمه ناجية يفلت وحده، مقلوب وجهه وراء ظهره، يرجع القهقري فيخبر الناس بما لقي أصحابه «2» .
قال: وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ- 51- من تحت «أرجلهم» «3» وَقالُوا آمَنَّا بِهِ حين رأوا العذاب يقول الله- تعالى-: «وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ» «4» التوبة عند معاينة العذاب مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 52- الرجعة إلى التوبة بعيد منهم لأنه لا يقبل منهم «5» وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ بالقرآن مِنْ قَبْلُ نزول العذاب حين بعث اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- محمدا- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ يقول: «ويتكلمون بالإيمان» «6» مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 53- يقول التوبة تباعد منهم فلا يقبل منهم وقد غيب عنهم الإيمان عند نزول العذاب فلم يقدروا عليه عند نزول العذاب بهم في الدنيا وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ من أن تقبل التوبة «7» منهم عند العذاب كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ يقول كما عذب أوائلهم من
__________
(1) من أ، وفى ز: وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم رجل اسمه بحير بن بجيلة، فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم.
(2) كذا فى ز، وفى أقصة خرافية بهذا المعنى.
(3) فى الأصول: «أجلهم» ولعلها «أرجلهم» .
(4) فى أ: الآية.
(5) من ز، وليس فى أ.
(6) من ز، وفى أ: «ويرجمون بالظنون» .
(7) من ز، وفى أ: وبين السفياني.

(3/539)


الأمم الخالية من قبل هؤلاء إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ من العذاب بأنه غير نازل بهم في الدنيا مُرِيبٍ- 54- يعنى بمريب أنهم لا يعرفون شكهم «ويقال كان هذا العذاب بالسيف يوم بدر «1» وقالوا آمنا به يعنى بالقرآن.
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ز وحدها.

(3/540)