تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الأحزاب
(3/455)
(33) سورة الأحزاب مدنية وآياتها ثلاث
وسبعون
(3/457)
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 73]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ
الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً
حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَا جَعَلَ
اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ
أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ
بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي
السَّبِيلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ
لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ
بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا
إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ
مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ
مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً
غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ
وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً
لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ
الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ
يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12)
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ
لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (13) وَلَوْ
دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا
الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً
(14)
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ
الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (15) قُلْ لَنْ
يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ
الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ
مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ
بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ
لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ
إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ
الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ
أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا
ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً
عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ
أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ
الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ
يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا
قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا
رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما
زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ
الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ
شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً
رَحِيماً (24)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ
وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ
ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ
فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ
وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا
وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ
سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا
نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي
فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ
الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ
كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ
وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً
وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً
عَظِيماً (35) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى
زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا
قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً
(37) مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ
اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا
يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً
(39)
مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ
رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ
يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً
(44)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا
تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما
لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (49)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ
اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ
مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ
عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي
هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ
نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ
يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ
عَلِمْنا مَا فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ
مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ
تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما
آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ
لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ
إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ
فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ
كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا
يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً
فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ
بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً
(53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ
كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا
إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ
أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ
أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي
الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً
(57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً
وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ
فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ
قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً (62) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ
إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ
الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64)
خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً
(65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ
يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66)
وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا
فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ
مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا
مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ
اللَّهِ وَجِيهاً (69)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها
وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً (73)
(3/458)
سورة الأحزاب «1» سورة الأحزاب مدنية.
عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود سورة الأحزاب المقصود الإجمالى لسورة الأحزاب هو:
الأمر بالتقوى، وأنه ليس فى صدر واحد قلبان وأن المتبنى ليس
بمنزلة الابن، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين بمكانة
الوالد، وأزواجه الطاهرات بمكان الأمهات، وأخذ الميثاق على
الأنبياء، والسؤال عن صدق الصادقين، وذكر حرب الأحزاب والشكاية
من المنافقين وذم المعرضين، ووفاء الرجال بالعهد، ورد الكفار
بغيظهم، وتخبر أمهات المؤمنين، ووعظهن ونصحهن وبيان شرف أهل
البيت الطاهرين، ووعد المسلمين والمسلمات بالأجور الوافرة،
وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحرج عن النبي- صلّى الله عليه
وسلّم-، وختم الأنبياء به- عليه السّلام- والأمر بالذكر
الكثير، والصلوات والتسليمات على المؤمنين، والمخاطبات الشريفة
لسيدنا المصطفى- صلى الله عليه وسلّم- وبيان النكاح والطلاق
والعدة، وخصائص النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فى باب النكاح،
وتخييره فى القسم بين الأزواج، والحجر عليه فى تبديلهن، ونهى
الصحابة عن دخول حجرة النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بغير إذن
منه، وضرب الحجاب، ونهى المؤمنين عن تزوج أزواجه من بعده،
والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبي- صلّى الله عليه
وسلّم- وتهديد المؤذين للنبي وللمؤمنين، وتعليم آداب النساء فى
خروجهن من البيوت، وتهديد المنافقين فى إيقاع الأراجيف، وذل
الكفار فى النار والنهى عن إيذاء الرسول- صلّى الله عليه
وسلّم- والأمر بالقول السديد، وبيان عرض الأمانة على السموات
والأرض، وعذاب المنافقين، وتوبة المؤمنين فى قوله: «إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ... » الآية 72 إلى آخر السورة.
(2) فى المصحف: (33) سورة الأحزاب مدنية وآياتها 73 نزلت بعد
سورة آل عمران.
وسميت سورة الأحزاب لاشتمالها على قصة حرب الأحزاب فى قوله:
«يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا ... » الآية 20.
(3/467)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ
وَالْمُنافِقِينَ وذلك
أن عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن
أبيرق، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى مشركي مكة من
قريش إلى أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور
رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم أعوانا فيما تريدون،
وإن شئتم مكرنا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- حتى يتبع دينكم
الذي أنتم عليه فكتبوا إليهم: إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا العهد
والميثاق من محمد «1» فإنا نخشى أن يغدر بنا. «ثم نأتيكم
فنقول» «2» وتقولون لعله يتبع ديننا فلما جاءهم الكتاب، انطلق
هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا
أتيناك في أمر أبي سفيان بن حرب، وأبي الأعور، وعكرمة بن أبي
جهل أن تعطيهم العهد والميثاق على دمائهم وأموالهم فيأتون
وتكلمهم لعل إلهك يهدي قلوبهم فلما رأى رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- ذلك وكان حريصا على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من
نفسه فكتب المنافقون إلى الكافرين من قريش أنَّا قد استمكنا من
محمد- صلى الله عليه وسلم- ولقد أعطانا وإياكم الذي تريدون
فأقبلوا على اسم اللات والعزى «لعلنا نزيله إلى ما نهواه» «3»
ففرحوا بذلك ثم ركب كل رجل منهم راحلة
__________
(1) فى أزيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(2) فى ا، م: «فنقول ثم نأتيكم وتقولون» ، وهو خطأ فى النقل.
(3) فى ا: «لعلنا نزله إلى ما نهوى» .
(3/468)
حتى أتوا المدينة فلما دخلوا على عبد الله
بن أبي أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم وقال أنا عند الذي يسركم «محمد
أذن» «1» ولو قد سمع كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما
«نأمره» «2» فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه فإنها نعم العون
لنا ولكم فلما رأوا ذلك منه قالوا أرسل إلى إخواننا فأرسل عبد
الله بن أبي إلى طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا
فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم ولزم بعضهم بعضا من الفرح
وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمدا- صلى الله عليه
وسلم- عن دينه.
فقال عبد الله بن أبي: أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا
ذلك ولا أزيد. أقول إنا- معشر الأنصار- لم نزل وإلهنا محمود
بخير ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد «3» ، ونحن كل يوم
منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد «4» كل خير ولكن
لو شاء محمد «5» «قبل أمرا كان» «6» يكون ما عاش لنا وله ذكر
في الأولين الذين مضوا ويذهب ذكره في الآخرين على أن يقول إن
اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ولهما ذكر ومنفعة على
طاعتهما. هذا قولي له ... قال أبو سفيان: نخشى علينا وعليكم
الغدر والقتل، فإن محمدا «7» زعموا أنه لن يبقى بها أحدا منا
من شدة بغضه إيانا وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان
لقي أصحابه يوم أحد. قال
__________
(1) فى ا، م: محمد- صلّى الله عليه وسلّم- إذا. وهو خطأ لا
يستقيم معه الكلام. وقد جاء فى سورة التوبة: 61 «وَمِنْهُمُ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ
أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ... »
(2) فى ا: نأمر به.
(3، 4، 5) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(6) «قبل أمرا كان» ساقطة من ف. وفى ا: ولب، م: ولب. وقد غلب
على ظني أنهما محرفتان عن قبل. فأثبت قبل ليستقيم المعنى.
[.....]
(7) فى ازيادة: «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(3/469)
عبد الله بن أبي: إنه إذا أعطى الأمان فإنه
لن يغدر «1» ، هو أكرم من ذلك وأو فى بالعهد منا فلما أصبحوا
أتوه فسلموا عليه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: مرحبا بأبي
سفيان اللهم اهد قلبه. فقال أبو سفيان: اللهم يسر الذي هو خير
فجلسوا فتكلموا وعبد الله بن أبي، فقالوا للنبي- صلى الله عليه
وسلم-: ارفض ذكر اللات والعزة ومناة حجر يعبد بأرض هذيل وقل:
إن لهما «2» شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما فنظر إليه
النبي- صلى الله عليه وسلم- وشق عليه قولهم فَقَالَ عُمَر بن
الخَطَّاب- رضوان اللَّه عَلَيْه «3» - ائذن لي «يا رسول الله»
«4» في قتلهم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إني قد
أعطيتهم العهد والميثاق.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لو شعرت أنكم تأتون لهذا من
الحديث لما أعطيتهم الأمان. فقال أبو سفيان: ما بأس بهذا أن
قوما استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمرا فأما إذا قطعت
رجاءهم فإنه لا ينبغي لك أن تؤذيهم، وعليك باللين والتؤدة
لإخوانك وأصحابك. فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك
ولولاهم لكنت مطلوبا مقتولا وكنت في الأرض خائفا لا يقبلك أحد.
فزجرهم عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فَقَالَ:
اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما
أكثر شرككم وأقل خيركم وأبعدكم من الخير وأقربكم
__________
(1) فى ا: فإنه لم يغدركم وهو أكرم..- والخطأ ظاهر. لأنها
واقعة فى جواب إذا، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان ولم حرف نفى
وجزم وقلب يقلب معنى المضارع من الحال للماضي.
أما عبارة ف: فإنه لن يغدر فهي لنفى الغدر فى المستقبل وبها
يستقيم المعنى.
(2) الضمير عائد على اللات والعزى، وفى سورة النجم: 19- 20
«أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ
الْأُخْرى» .
(3) فى ف: «رضى الله عنه» .
(4) «يا رسول الله» : ساقطة من ا.
(3/470)
من الشر فخرجوا من عنده، فأمر النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرجهم من المدينة «1»
فقال بعضهم لبعض لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى
بلادنا فأعطاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك فنزلت فيهم «يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ»
يعني- تبارك وتعالى- أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور اسمه عمرو
بن سفيان، ثم قال: «والمنافقين» يعني عبد الله بن أبي، وعبد
الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق إِنَّ اللَّهَ كانَ
عَلِيماً حَكِيماً- 1- فلما خرجوا من عنده قال النبي- صلى الله
عليه وسلم-:
ما لهؤلاء؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني ما في القرآن
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً- 2- وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ وثق بالله فيما تسمع من الأذى وَكَفى بِاللَّهِ
وَكِيلًا- 3- ناصرا ووليا ومانعا فلا أحد أمنع من الله- تعالى-
وإنما نزلت فيها «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا
تُطِعِ الْكافِرِينَ» من أهل مكة «والمنافقين» من أهل المدينة
يعنى هؤلاء النفر الستة المسلمين ودع أذاهم إياك لقولهم للنبي-
صلى الله عليه وسلم- قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها
«وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» يعني
مانعا فلا أحد أمنع من الله- عز وجل-.
ثم قال: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي
جَوْفِهِ نزلت فى «أبى» «2» معمر ابن أنس الفهري «كان» «3»
رجلا حافظا لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيبا
__________
(1) فى أ: قال. وهو خطأ فى النقل.
(2) فى ا: «ابن» وهو خطأ.
(3) فى ا: «وكان» . والواو زيادة من الناسخ.
(3/471)
«فقالت» «1» قريش: «ما أحفظ أبا معمر» «2»
إلا أنه ذو قلبين. فكان جميل يقول:
إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من محمد. فلما كان يوم بدر انهزم
وأخذ نعله فى يده.
فقال له سفيان بن الحرث: أين تذهب يا جميل؟ تزعم أن لك قلبين
أحدهما أعقل من محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمّ قَالَ: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ
مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ يعنى أوس ابن الصامت بن قيس بن الصامت
الأنصاري من بني عوف بن الخزرج وامرأته خولة بنت قيس بن ثعلبة
بن مالك بن أصرم بن حزامة من بنى عمرو بن عوف ابن الخزرج.
ثم قال: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ يعني النبي-
صلى الله عليه وسلم- تبنى زيد بن حارثة اتخذه ولدا فقال الناس
زيد بن محمد فضرب الله- تعالى- لذلك مثلا للناس فقال: «مَا
جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... »
«وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» «3» فكما لا يكون للرجل الواحد
قلبان كذلك لا يكون دعِيّ الرجل ابنه يعني النبي- صلى الله
عليه وسلم- وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبي، من بني
عبدود كان النبي- صلى الله عليه وسلم- تبناه فى الجاهلية وآخى
بينه وبين حمزة ابن عبد المطلب- رضي الله عنهما- في الإسلام
فجعل الفقير أخا الغني ليعود عليه.
فلما تزوج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وكانت تحت
زيد
__________
(1) فى ف: «قالت» بسقوط الفاء.
(2) فى ف: «ما حفظ أبو معمر» .
(3) «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» : ساقطة من ف.
(3/472)
ابن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج
محمد «1» امرأة ابنه وهو ينهانا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، فذلك
قوله «سبحانه» «2» : «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» يعني دعِيّ
النبي- صلى الله عليه وسلم- حين ادعى زيدا ولدا فقال هو ابني
«أبناءكم» يقول لم يجعل أدعياءكم أبناءكم ثم قال: ذلِكُمْ الذي
قلتم زيد بن «محمد» «3» هو قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ يقول
إنكم قلتموه بألسنتكم وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ فيما قال من
أمر زيد بن حارثة وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ- 4- يعني وهو يدل
إلى طريق الحق ثم «أخبر» «4» كيف يقولون في أمر زيد بن حارثة
فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يقول قولوا زيد بن حارثة ولا
تنسبوه إلى غير أبيه هُوَ أَقْسَطُ يعنى أعدل عِنْدَ اللَّهِ
فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه فقال زيد أنا ابن
حارثة معروف نسبي فقال الله- تعالى-: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ يقول فإن
لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه فهو أخوكم في الدين ومولاكم
يقول فلان مولى فلان وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ يعنى حرج
فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ قبل النهي ونسبوه إلى غير أبيه
وَلكِنْ الجناح فى «ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» «5» بعد النهى
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً- 5- «غفورا» لما كان من
قولهم قبل من أن زيد بن محمد- صلى الله عليه وسلّم- «رحيما»
«6» فيما بقي. فقال رجل
__________
(1) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(2) «سبحانه» : غير موجودة فى ف.
(3) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» . [.....]
(4) فى ا: «أخبر عنهم» .
(5) فى ف، ا: «ما تعمدت به قلوبكم» . بزيادة (به) عن نص
القرآن.
(6) «رحيما» : ساقطة من ا.
(3/473)
من المسلمين فى ذلك فأنزل الله- تعالى-
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ في الطاعة له مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يعني من بعضهم لبعض، فلما نزلت هذه الآية
قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من ترك دينا فعليّ، ومن ترك
كلا- يعني عيالا- فأنا أحق به، ومن ترك مالا فللورثة» .
ثم قال- عز وجل-: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ولا يحل لمسلم أن
يتزوج من نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا، ثم قال-
عز وجل-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ
فِي كِتابِ اللَّهِ
يعني «في» «1» المواريث مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني الأنصار، ثم
قال: وَالْمُهاجِرِينَ الذين هاجروا إليهم بالمدينة، وذلك أن
الله- تعالى- أراد أن يحرض المؤمنين على الهجرة بالمواريث
«فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون بعضهم بعضا على القرابة.
فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا أبوه ولا أخوه
المهاجر، إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر» «2» .
__________
(1) فى: ساقطة من ا.
(2) فى شرح هذه الآية اضطراب شديد فى النسخ.
أ- فى ف: «فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون إذا مات أحدهم.
ومن لم يهاجر فلا ميراث بينهم» .
ب- وفى ا: «فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون بعضهم بعضا على
القرابة فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا أبوه ولا
أخوه والمهاجرين إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر فلا ميراث
بينهما» .
ج- وفى الأزهرية: «فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرث ابنه ولا
أبوه المهاجر إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر» .
- وعبارة ف، موجزة ولعل شيئا سقط منها- وعبارة ا: غير مستقيمة.
- وعبارة الأزهرية فيها خطأ نحوي.
وقد أثبتها بعد إصلاحها.
(3/474)
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى
أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً يعني إلى أقربائكم أن توصوا لهم من
الميراث للذين لم يهاجروا من المسلمين، كانوا بمكة أو بغيرها،
ثم قال: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً- 6- يعني مكتوبا
في اللوح المحفوظ أن المؤمنين أولى ببعض في الميراث من الكفار
«فلما كثر المهاجرون رد الله- عز وجل- المواريث على أولي
الأرحام» «1» على كتاب الله في القسمة إن كان مهاجرا أو غير
مهاجر فقال فى آخر الأنفال: « ... وَأُولُوا الْأَرْحامِ» من
المسلمين «بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» مهاجر وغير مهاجر في
الميراث «فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ» «2» فنسخت الآية التي في الأنفال هذه الآية التي في
الأحزاب.
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ يا
محمد وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- أولهم في الميثاق
وآخرهم في البعث، وذلك أن الله- تبارك وتعالى- خلق آدم- عليه
السلام- وأخرج منه ذريته، فأخذ على ذريته من النبيين أن يعبدوه
وَلا يشركوا به شيئا وأن يدعوا الناس إلى عبادة الله- عز وجل-
وأن يصدق بعضهم بعضا «وأن ينصحوا لقومهم» «3» فذلك قوله- عز
وجل-: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً- 7- الذي أخذ
عليهم فكل نبي بعثه الله- عز وجل- صدق من كان قبله، ومن كان
بعده من الأنبياء- عليهم السلام-، يقول- عز وجل-: لِيَسْئَلَ
الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ يعني النبيين- عليهم السلام- هل
بلغوا الرسالة وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ بالرسل عَذاباً
أَلِيماً- 8- يعنى وجيعا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
__________
(1) فى ف: «فلما كثر المهاجرون رد الله عليهم المواريث على
أولى الأرحام» .
(2) فى النسخ اختلاط الآية بتفسيرها مما يوهم أن الجميع من
القرآن وآية، سورة الأنفال: 75
(3) فى ا: «وأن ينصحوا بقولهم» وفى ف: «وأن ينصحوا لقومهم» ،
وهو موافق لما جاء فى تفسير ابن كثير.
(3/475)
في الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن حرب
ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا في ثلاثة أمكنة عَلَى
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه
يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله- عز وجل- عليهم بالليل ريحا
باردة، وبعث الله الملائكة «1» فقطعت الريح الأوتاد، وأطفأت
النيران، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في ناحية
عسكرهم، فانهزم المشركون من غير قتال، فأنزل الله- عز وجل-
يذكرهم فقال- تعالى-: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» فى الدفع عنكم إِذْ
جاءَتْكُمْ جُنُودٌ من المشركين يعني أبا سفيان بن حرب ومن
اتبعه فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً شديدة وَجُنُوداً لَمْ
تَرَوْها من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل- عليه السلام- «2»
وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً- 9- ثم أخبر عن
حالهم فقال- سبحانه-: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ من فوق
الوادي من قبل المشرق عليهم مالك ابن عوف البصري، وعيينة بن
حصن الفزاري في ألف من غطفان معهم طليحة ابن خويلد الأسدي،
وحيي بن أخطب اليهودي في اليهود «يهود قريظة» «3» وعامر ابن
الطفيل فى هوزان، ثم قال- جل ثناؤه-: وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
يعني من بطن الوادي من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب على
أهل مكة معه يزيد بن خليس على قريش والأعور السلمي من قبل
الخندق، فذلك قوله- عز وجل-: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ يعني
شخصت الأبصار فرقا وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا- 10- «يعني الإياس من
النصر» «4» ، «وإخلاف الأمر» «5» يقول- جل ثناؤه-:
__________
(1) هكذا فى ف، وفى ا، زيادة: «من ناحية عسكرهم» .
(2) فى ا: عليهم جبريل- صلّى الله عليه وسلّم.
(3) فى ا: «يهود أهل قريظة» .
(4) فى ا: «يعنى الإباسة من النصر» .
(5) فى ف: «واختلاف الأمر» .
(3/476)
هُنالِكَ يعنى عند ذلك ابْتُلِيَ
الْمُؤْمِنُونَ بالقتال والحصر «1» وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا
شَدِيداً- 11- لما رأى الله- عز وجل- ما فيه المؤمنون من الجهد
والضعف «بعث عليهم» «2» ريحا وجنودا من الملائكة، فأطفأت الريح
نيرانهم، وألقت أبنيتهم، وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم، ونسفت
التراب في وجوههم، وجالت الدواب بعضها في بعض، وسمعوا تكبير
الملائكة في نواحي عسكرهم فرعبوا، فقال طليحة بن خويلد الأسدي:
إن محمدا قد بدأكم بالشر فالنجاة النجاة، فنادى رئيس كل قوم
بالرحيل فانهزموا ليلا بما استخقوا من أمتعتهم، ورفضوا بعضها
لا يبصرون شيئا من شدة الريح والظلمة، فانهزموا فذلك قوله- عز
وجل-:
«وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ»
بالريح والملائكة «وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً» «3» يعني
منيعا في ملكه حين هزمهم.
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ منهم أوس بن قيظي، ومعتب بن
قشير الأنصارى وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الشك
مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً- 12- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بلغه إقبال المشركين من مكة
أمر بحفر الخندق فحفر كل بني أب على حدة، وصار سلمان الفارسي
في بني هاشم فأتى سلمان على صخرة فلم يستطع قلعها، فأخذ النبي-
صلى الله عليه وسلم- المعول من سلمان فضرب به ثلاث ضربات
«فانصدع» «4» الحجر، وسطع نور من الحجر كأنه البرق، فقال
سلمان: يا رسول الله لقد رأيت من الحجر أمرا عجيبا وأنت
__________
(1) الحصر المراد به الحصار الذي أحاط بالمؤمنين فصاروا بين
المشركين واليهود. [.....]
(2) فى ف: «بعث الله عليهم» والضمير فى عليهم عائد على
الكافرين.
(3) سورة الأحزاب: 25.
(4) فى أ: «وانصدع» وهو تصحيف.
(3/477)
تضربه فقال النبي صلى الله عليه وسلم-: وهل
رأيت؟ قال: نعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلّم-: رأيت فى
الضربة الأولى قوى اليمن، وفي الضربة الثانية أبيض المدائن،
وفي الضربة الثالثة مدائن الروم، ولقد أوحى الله- عز وجل- إلي
«بأنه» » يفتحهن على أمتي. فاستبشر المؤمنون وفشا ذلك في
المسلمين فلما رأوا شدة القتال، والحصر ارتاب المنافقون،
فأساءوا القول.
قال معتب بن قشير بن عدي الأنصاري من الأوس من بني عمرو بن
عوف: يعدنا «محمد» «2» فتح قصور اليمن وفارس والروم ولا يستطيع
«3» أحدنا أن يبرز إلى «4» الجلاء حتى يوضع فيه سهم هذا والله
الغرور من قول ابن عبد المطلب وتابعه على ذلك «5» نفر، فأنزل
الله- تعالى-:
«وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ» يعني كفرا «مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُوراً» .
قال معتب بن قشير: إن الذي يقول لهو الغرور ولم يقل إن الذي
وعدنا الله ورسوله غرورا لأنه لا يصدق بأن محمدا- صلى الله
عليه وسلم- رسول فيصدقه. فقال الله- تعالى- إن الذي قال محمد
هو ما وعد الله وهو قول الله- عز وجل-، فأكذب الله معتبا «6» .
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: من المنافقين من بنى سالم يا
أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ لا مساكن لكم فَارْجِعُوا
إلى المدينة خوفا ورعبا من الجهد
__________
(1) فى ف: «انه» .
(2) فى أ: محمد- صلّى الله عليه وسلّم-.
(3) فى ا: فلا يستطيع.
(4) فى ازيادة: أحدنا وهو خطأ.
(5) فى أ: على قوله.
(6) هذه العبارة فى ف وهي مضطربة فى اوفى والأزهرية. وبالطبع
فى أمانة لأنها ناقلة عن ا.
(3/478)
والقتال في الخندق، يقول ذلك المنافقون
بعضهم لبعض. ثم قال: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني خالية
طائعة هذا قول بني حارثة ابن الحرث، وبني سلمة بن جشم، وهما من
الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت في ناحية من المدينة، فقالوا
بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق، يقول الله- تعالى-:
وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ يعني بضائعة إِنَّ يعني ما يُرِيدُونَ
إِلَّا فِراراً- 13- من القتل نزلت في قبيلتين من الأنصار بني
حارثة وبني سلمة بن جشم، وهموا أن يتركوا أماكنهم في الخندق
ففيهم «1» يقول الله- تعالى-: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» «2» قالوا بعد ما نزلت هذه
الآية ما يسرنا أَنَا لَمْ نهم بالذي هممنا إذ كان الله ولينا.
قوله- تعالى-: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها
يقول ولو دخلت عليهم المدينة من نواحيها يعنى نواحي المدينة
ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ يعني الشرك لَآتَوْها يعني لأعطوها
عفوا يقول لو أن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك
لأشركوا وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً- 14- يقول ما
تحبسوا بالشرك إلا قليلا حتى يعطوا طائعين فيكفوا، ثم أخبر
عنهم فقال- سبحانه-: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ
قَبْلُ قتال الخندق وهم سبعون رجلا ليلة العقبة قالوا «3»
للنبي- صلى الله عليه وسلم- اشترط لربك ولنفسك ما شئت.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أشترط لربي أن تعبدوه ولا
تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه
__________
(1) فى ا: وفيهم.
(2) سورة آل عمران: 122.
(3) فى ا: فقالوا.
(3/479)
أنفسكم وأولادكم ونساءكم. «قالوا» «1» :
فما لنا إذا فعلنا يا نبي الله. قال: لكم النصر في الدنيا
والجنة في الآخرة. فقالوا: قد فعلنا «2» ذلك. فذلك قوله: وقد
كانوا عاهدوا الله من قبل. يعني ليلة العقبة حين شرطوا للنبي-
صلى الله عليه وسلّم- المنعة لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ
منهزمين وذلك أنهم بايعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أنهم
يمنعونه مما يمنعون «3» أنفسهم وأولادهم وأموالهم. يقول الله-
عز وجل- وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا- 15- يقول إن الله
يسأل يوم القيامة عن نقض العهد «فإن» «4» عدو الله إبليس سمع
شرط الأنصار تلك الليلة فصاح صيحة أيقظت النائم، وفزع القظان
وكان صوته «أن» «5» نادى كفاره فقال: هذا محمد قد «بايعه» «6»
الناس فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لإبليس اخسأ عدو الله.
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ
الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لن تزدادوا على آجالكم وَإِذاً لا
تُمَتَّعُونَ فى الدنيا إِلَّا قَلِيلًا- 16- يعني إلى آجالكم
القليل «7» لا تزدادوا عليها شيئا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي
يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني يمنعكم من الله إِنْ أَرادَ
بِكُمْ سُوءاً يعنى الهزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعنى
__________
(1) فى ف: «فقالوا» .
(2) فى ا: زيادة سطر مكرر وهو سهو من الناسخ. [.....]
(3) رواية الحديث مما يمنعون منه. ولكن «منه» ليست فى النسخ.
(4) فى ا: «وإن» .
(5) فى ف: «إذا» .
(6) فى ا: «تابعه» وهو تصحيف.
(7) هكذا فى النسخ والوصف إذا كان زنته فعيل استوى فيه المذكر
والمؤنث مثل رجل بخيل وامرأة بخيل.
(3/480)
خيرا وهو النصر يقول: «من يقدر على دفع
السوء وصنيع الخير» «1» ، نظيرها في الفتح « ... قُلْ فَمَنْ
يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ
ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ «2» نَفْعاً ... » ثم قال- عز وجل-:
وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يعنى قريبا
فينفعهم وَلا نَصِيراً- 17- يعني مانعا يمنعهم من الهزيمة. إن
أراد بكم «سوءًا» أو أراد بكم رحمة «3» قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين
يوم الخندق فقالوا: ماذا الذي «حملكم» «4» أن تقتلوا أنفسكم
بأيدي أبي سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم يستبقوا
منكم أحدا، وأنا نشفق عليكم، إنما أنتم إخواننا، ونحن جيرانكم.
وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا. فأقبل
«رجلان» «5» من المنافقين عبد الله بن أبي، ورجل من أصحابه على
المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، قالوا: لئن
قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا. «ما ترجون» «6»
من محمد، فو الله ما يرفدنا بخير، ولا عنده خير ما هو إلا «أن»
«7» يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا
وأصحابنا «يعنون اليهود» «8» .
فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيمانا وتسليما واحتسابا،
فذلك قوله- عز وجل- «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ
مِنْكُمْ» يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه «و» يعلم
__________
(1) فى أ: من يقدر على دفع السوء ودفع الخير.
(2) سورة الفتح: 11، وهي مذكورة فى الأزهرية فقط هكذا « ...
إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ... »
(3) هكذا فى الأزهرية. وفى ف، أ: سوءا فى التقديم.
(4) فى أ: «يحملكم» .
(5) فى ف: «رجل» . وفى أوالأزهرية: «رجلان» .
(6) فى الأزهرية: «ما ترجوا» . وهو خطأ. وفى أ: «ما تريدون» .
(7) هكذا فى الأزهرية، «أن» ساقطة من ف، أ.
(8) هكذا فى الأزهرية، «يعنون اليهود» ساقطة من ف، ا.
(3/481)
«القائلين لإخوانهم» يعني اليهود حين دعوا
إخوانهم المنافقين حين قالوا «هلم إلينا» ، ثم قال: وَلا
يَأْتُونَ يعني المنافقين الْبَأْسَ يعني القتال إِلَّا
قَلِيلًا- 18- يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب. ثم
أخبر عن المنافقين فقال- تعالى-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ يقول
أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم- يا معشر المؤمنين- ثم
أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوبا وأضعفهم يقينا
«وأسوأهم» «1» ظنا «بالله- عز وجل» «2» فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ
رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ
كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ
الْخَوْفُ وجاءت الغنيمة سَلَقُوكُمْ يعني رموكم. يعني عبد
الله بن أبي وأصحابه، يقول: بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ يعني ألسنة
سليطة باسطة بالشر يقولون أعطونا الغنيمة فقد كنا معكم فلستم
بأحق بها منا، يقول الله- جل وعز-:
أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعنى الغنيمة أُولئِكَ لَمْ
يُؤْمِنُوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يصدقوا بتوحيد
الله فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ يقول أبطل جهادهم لأن
أعمالهم خبيثة وجهادهم لم يكن فى إيمان وَكانَ ذلِكَ يعنى حبط
أعمالهم عَلَى اللَّهِ يَسِيراً- 19- يعني هينا.
ثم ذكر المنافقين فقال- عز وجل-: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ
يَذْهَبُوا وذلك أن الأحزاب الذين تحزبوا عَلَى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه- رضي الله عنهم-
في الخندق. وكان أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، وكان على بني
المصطلق وهم حي من خزاعة يزيد بن الحليس الخزاعي، وكان على
هوازن
__________
(1) فى النسخ: «وأسوأه» . [.....]
(2) «بالله- عز وجل» : ساقطة من ف.
(3/482)
مالك بن عوف النضري، وكان على بني غطفان
عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، وكان على بنى أسد طليحة بن خويلد
«الفقسى» «1» من بنى أسد، ثم كانت اليهود «2» ، فقذف الله- عز
وجل- في قلوبهم الرعب، وأرسل عليهم ريحا وهي الصبا فجعلت تطفئ
نيرانهم وتلقي أبنيتهم. وأنزل جنودا لم تروها من الملائكة
فكبروا في عسكرهم فلما سمعوا التكبير قذف الله- تعالى- الرعب
في قلوبهم وقالوا قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين
عن الخندق من الخوف والرعب الذي نزل بهم في الخندق وَإِنْ
يَأْتِ الْأَحْزابُ يعني وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال
يَوَدُّوا يعنى يود المنافقين لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي
الْأَعْرابِ ولم يشهدوا القتال يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ
يعنى عن حديثكم وخير ما فعل محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه
وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يشهدون القتال ما قاتَلُوا يعني
المنافقين إِلَّا قَلِيلًا- 20- يقول ما قاتلوا إلا رياء وسمعة
من غير حسبة، ثم قال- عز وجل-: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أن كسرت رباعيته وجرح فوق حاجبه
وقتل عمه حمزة وآساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة لِمَنْ كانَ
يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني لمن كان يخشى
الله- عز وجل- ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيراً- 21- ثم نعت المؤمنين فقال: وَلَمَّا رَأَ
الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ يوم الخندق. أبا سفيان وأصحابه
وأصابهم الجهد وشدة القتال قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ في البقرة حين قال: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولما
__________
(1) «الفقى» : ساقطة من ف.
(2) فى ف: زيادة غير واضحة ولا مفهومة.
(3/483)
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ) «1» مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ
قَرِيبٌ» .
وقالوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ما قال فى سورة البقرة.
يقول الله- عز وجل- وَما زادَهُمْ الجهد والبلاء فى الخندق
إِلَّا إِيماناً يعني تصديقا بوعد الله- عز وجل- في سورة
البقرة أنه يبتليهم وَتَسْلِيماً- 22- لأمر الله وقضائه، ثم
نعت المؤمنين فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما
عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ليلة العقبة بمكة فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضى نَحْبَهُ يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه
قتلوا يوم أحد- رضي الله عنهم- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
يعني المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد وَما بَدَّلُوا
العهد تَبْدِيلًا- 23- كما بدل المنافقون، ثم قال: لِيَجْزِيَ
اللَّهُ بالإيمان والتسليم الصَّادِقِينَ بوفاء العهد
بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ بنقض العهد إِنْ شاءَ
أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فيهديهم من النفاق إلى الإيمان إِنَّ
اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً- 24- يقول الله- عز وجل-:
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ يعنى أبا
سفيان وجموعه من الأحزاب يغبظهم لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا في
ملكه عَزِيزاً- 25- في حكمه «2» ثم ذكر يهود أهل قريظة حيي بن
أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال
النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال- عز وجل- وَأَنْزَلَ
الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ
يعنى أعانوهم،
__________
(1) فى النسخ: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ... » إلى آخر
الآية، سورة البقرة: 214.
(2) فى ف: زيادة ليست فى موضعهم. وهي خطأ من ناسخ.
(3/484)
تعنى اليهود أعانوا المشركين على قتال
النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين.
وذلك
أن الله- عز وجل- حين هزم المشركين عن الخندق بالريح والملائكة
أتى جبريل- عليه السلام- على فرس. فقال- صلى الله عليه وسلم-
يا جبريل، ما هذا الغبار على وجه الفرس فقال: هذا الغبار من
الريح التي أرسلها الله على أبي سفيان ومن معه فجعل النبي- صلى
الله عليه وسلم- يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه. فقال له
جبريل- عليه السلام-: سر إلى بني قريظة فإن الله- عز وجل-
داقهم لك دق البيض على الصفا.
فسار النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يهود
بنى قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن
معاذ الأنصاري فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم
فكبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَالَ:
لقد حكم الله- عز وجل-. ولقد رضي الله على عرشه بحكم سعد، وذلك
أن جبريل كان «قال النبي- صلى الله عليه وسلم» «1» : سر إلى
بني قريظة فاقتل مقاتلتهم واسب ذراريهم فإن الله- عز وجل- قد
أذن لك فهم لك طعمة،
فذلك قوله- عز وجل-: «وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ» يعني
اليهود أعانوا أبا سفيان «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» يعنى قريظة
«مِنْ صَياصِيهِمْ» يعني من حصونهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ فَرِيقاً يعنى طائفة تَقْتُلُونَ فقتل منهم أربعمائة
وخمسين رجلا وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً- 26- يعنى وتسبون طائفة
سبعمائة وخمسين وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ
وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يعني خيبر وَكانَ
اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من القرى وغيرها قَدِيراً- 27- أن
يفتحها على المسلمين
__________
(1) هكذا فى الأزهرية. وفى ف، ا: «وقال جبريل للنبي- صلى الله
عليه وسلم» .
(3/485)
فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ألا
تخمس كما خمست يوم بدر قال:
هذا قد جعله الله لي دون المؤمنين. فقال عمر- رضي الله عنه-:
رضينا وسلمنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقسم النبي- صلى
الله عليه وسلم- في أهله منها «عشرين رأسا» «1» ثم جعل النبي-
صلى الله عليه وسلم- بقيته نصفين فبعث النصف مع سعد بن عبادة
الأنصاري إلى الشام وبعث بالنصف الباقي مع أوس بن قيظي من
الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلا عظيمة
فقسمها النبي- صلى الله عليه وسلم- في المسلمين وتوفي سعد بن
معاذ- رضي الله عنه- من رمية أصابت أكحله يوم الخندق فانتفضت
جراحته «فنزفت الدم» »
فمات- رحمه الله «3» - وقد اعتنقه النبي- صلى الله عليه وسلم-.
فاتبع النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون جنازته
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقَدْ
اهتز العرش لموت سعد بن معاذ- رضي الله عنه «4» .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ يقول كما يمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوى
المهر وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا- 28- يقول حسنا في
غير ضرار وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالدَّارَ الْآخِرَةَ يعني الجنة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً- 29- يعنى الجنة.
__________
(1) هكذا فى ف، ا: «عشرين عشرين» . وفى الأزهرية: «تسعة عشر
رأسا» .
(2) هكذا فى الأزهرية. وفى ا: «فلزق الدم» وهذه الجملة ساقطة
من ف.
(3) «رحمه الله» : هكذا فى ز، وليست هذه الجملة فى ا، ولا فى
ف.
(4) فى ف: «رحمة الله عليه» .
(3/486)
فقالت- عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله
عنهما «1» - «وحين خيرهن» «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- بل
نختار الله والدار الآخرة «وما لنا وللدنيا إنما «جعلت» «3»
الدنيا دار فناء والآخرة هي الباقية أحب إلينا من الفانية» «4»
. فرضي نساؤه كلهن بقول عائشة- رضي الله عنها- فلما اخترن الله
ورسوله أنزل الله- عز وجل- «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ
بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ... » إلى
آخر الآية «5» .
يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ يعني العصيان للنبي- صلى الله عليه وسلم- يُضاعَفْ
لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ في الآخرة وَكانَ ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيراً- 30- يقول وكان عذابها على الله هينا وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يعني ومن يطع منكن «6»
الله ورسوله وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ
في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو تكبير أو تسبيح لها مكان كل
حسنة يكتب عشرون حسنة وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً- 31-
يعني حسنا وهي الجنة. ثم قال: يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ يعني الله فإنكن-
معشر أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- تنظرن إلى الوحي فأنتن
أحق الناس بالتقوى فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يقول
__________
(1) فى أ: زيادة: «أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق» .
(2) فى ز: «إذ خيرهن» .
(3) فى ز: خلقت.
(4) هكذا فى ز، ف. وفى أ: «وما لنا وللدنيا إنما جعلت دار فناء
وهي الفانية، والباقية أحب إلينا من الفانية» [.....]
(5) الآية 52: الأحزاب، وآخرها: «.... وَلَوْ أَعْجَبَكَ
حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» .
(6) فى الأصل: «لله» .
(3/487)
فلا «تومين» «1» بقول يقارف الفاحشة «2»
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يعني الفجور في أمر
الزنا «3» فزجرهن الله- عز وجل- عن الكلام مع الرجال وأمرهن
بالعفة وضرب عليهن الحجاب، ثم قال- تعالى-: وَقُلْنَ قَوْلًا
مَعْرُوفاً- 32- يعني قولا حسنا يعرف ولا يقارف الفاحشة. ومن
يقذف نبيا أو امرأة نبي فعليه حدان سوى التغريب الذي يراه
الإمام. ثم قال- عز وجل-: «وَقَرْنَ» «4» فِي بُيُوتِكُنَّ ولا
تخرجن من الحجاب وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ
الْأُولى والتبرج أنها تلقى الحمار «عن رأسها» «5» ولا تشده
فيرى قرطها وقلائدها. «وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» قبل أن يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم- مثل قوله: « ... عاداً الْأُولى» «6» أمرهن
أيضا بالعفة وأمر بضرب الحجاب عليهن، ثم قال: وَأَقِمْنَ
الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ يقول وأعطين الزكاة وَأَطِعْنَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ يعنى الإثم الذي نهاهن عنه في هذه الآيات.
«ومن الرجس الذي يذهبه الله عنهن إنزال الآيات بما أمرهن به»
«7» .
__________
(1) فى ز، ف: ترمين، وفى ا: «تومين» .
(2) قال السدى وغيره يعنى بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال.
تفسير ابن كثير: 3/ 482
(3) فى ز: زيادة: مثل قوله: «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يعنى فجور
وهو الزنا وليس فى القرآن غيرهما.
(4) فى ز: زيادة: من قرأها «وقرن» بالكسر فهو من الاستقرار ومن
قرأها «وقرن» فهو من الوقار.
(5) فى تفسير ابن كثير 3: 482 على رأسها.
(6) سورة النجم: 50
(7) هذه الجملة التي بين القوسين « ... » هامش فى ز. وقد
نقلتها لأن فهم الكلام الذي بعدها يتوقف على ذكرها.
(3/488)
فإن تركهن ما أمرهن به وارتكابهن ما نهاهن
عنه من الرجس. فذلك قوله «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ» يا أَهْلَ الْبَيْتِ يعني نساء النبي- صلى
الله عليه وسلم- لأنهن في بيته وَيُطَهِّرَكُمْ «1» من الإثم
الذي ذكر- 33- فى هذه الآيات تَطْهِيراً- 33-.
حدّثنى أبي عن الْهُذَيْلِ فقال: قال مُقَاتِلُ بن سليمان:
يعني به نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- كلهن وليس معهن ذكر
«2» .
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ
يعني القرآن وَالْحِكْمَةِ يعني أمره ونهيه في القرآن فوعظهن
ليتفكرن. وامتن عليهن إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً-
34- يعني لطيف عليهن فنهاهن أن يخضعن بالقول خبيرا به.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وذلك أن أم سلمة بنت أبي
أمية أم المؤمنين ونسيبة بنت كعب «3» الأنصاري قلن ما شأن ربنا
يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نخشى ألا يكون
فيهن خير، ولا لله فيهن حاجة، وقد تخلى عنهن فأنزل الله-
تعالى- في قول أم سلمة ونسيبة بنت كعب «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ» يعنى المخلصين بالتوحيد والمخلصات
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
__________
(1) هنا تعليق على أهو: «فى الأصل ويطهركن» .
(2) فى ز هامش تعليق على كلام مقاتل هو: (قلت لو كان الأمر
كذلك لقال «عنكن» بنون النسوة والصحيح أن أهل البيت على وفاطمة
والحسن والحسين ويؤيد هذا قوله «عنكم» . وأيضا كان رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- فيهم وإذا اجتمع ألف مؤنث وفيهم ذكر غلب
المذكر على المؤنث لأن المذكر هو الأصل لأنه يدرك بلا زيادة
والمؤنث لا يدرك إلا بزيادة وما يدرك بزيادة فرع عما يدرك بلا
زيادة فلهذا قال: «عنكم» ولم يقل «عنكن» ) .
(3) فى ف: كنعان، وهو تصحيف.
(3/489)
يعنى المصدقين بالتوحيد والمصدقات
وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ يعني المطيعين والمطيعات
«وَالصَّادِقِينَ في إيمانهم وَالصَّادِقاتِ في إيمانهن» «1»
وَالصَّابِرِينَ على أمر الله- عز وجل- وَالصَّابِراتِ عليه
وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ يعني المتواضعين والمتواضعات،
قال مُقَاتِلُ: من لا يعرف في الصلاة من عن يمينه ومن عن يساره
من الخشوع لله- عز وجل- فهو منهم.
وَالْمُتَصَدِّقِينَ بالمال وَالْمُتَصَدِّقاتِ به
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ.
«قال مُقَاتِلُ: من صام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر فهو
من «الصائمين» «2» فهو من أهل هذه الآية» «3» .
وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ عن الفواحش وَالْحافِظاتِ من
الفواحش وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً باللسان والذاكرات
الله كثيرا باللسان وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ في
الآخرة مَغْفِرَةً لذنوبهم وَأَجْراً يعني وجزاء عَظِيماً- 35-
يعني الجنة. وأنزل الله- عز وجل- أيضا في أم سلمة- رضي الله
عنها- في آخر آل عمران: « ... أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ... » «4»
إلى آخر الآية. وفى «حم المؤمن: « ... مَنْ عَمِلَ صالِحاً
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... » «5» .
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عبد الله بن جحش بن رباب بن صبرة بن
مرة ابن غنم بن دودان الأسدي، ثم قال: وَلا مُؤْمِنَةٍ يعنى
زينب بنت جحش
__________
(1) «وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ» : غير موجودة فى ف.
ومكتوبة بعد «الخاشعين والخاشعات» فى أ، ز، فأثبتها فى مكانها
كما هي بالمصحف.
(2) فى الأصل: «الصائمين والصائمين» . [.....]
(3) هذه الجملة فى ز فقط. ونقلها ابن كثير: 3/ 488 عن سعيد بن
جبير على أنها قول له.
(4) سورة آل عمران: 195.
(5) هذه الجملة من ز، وليست فى غيرها. والآية من سورة.
(3/490)
أخت عبد الله بن جحش. وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خطب زينب بنت جحش على زيد بن
حارثة. وزينب هي بنت عمة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي بنت
أميمة بنت عبد المطلب فكره عبد الله أن يزوجها من زيد وكان زيد
أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام وكان أصابه النبي- صلى
الله عليه وسلم- من سبي أهل الجاهلية فأعتقه وتبناه «1» .
فقالت زينب: لا أرضاه لنفسي وأنا أتم نساء قريش. وكانت جميلة
بيضاء، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
لقَدْ رضيته لك، فأنزل الله- عز وجل- «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ»
- يعنى عبد الله ابن جحش «وَلا مُؤْمِنَةٍ» يعني زينب إِذا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وذلك
أن زيد بن حارثة الكلبي قال: يا نبى الله،
__________
(1) كان زيد حرا ثم أخذ ظلما وبيع على أنه عبد وقد اشترته
السيدة خديجه ثم وهبته للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- كان زيد
بن حارثة بن شراحيل الكلبي يسير مع أمه سعدى الطائية متوجهين
مع قافلة إلى ديار بنى طيئ لزيارة أهلها. وكان زيد فى سن
الثامنة إذ طلعت عليه وعلى من معه خيل بنى القين من جسر
فاستولت عليهم ووقع أسيرا فحملوه إلى مكة ليبتاعوه فى سوقها
ورآه حكيم بن حزام بن خويلد فاشتراه لعمته خديجة بنت خويلد
بأربعمائة درهم. وقد أكرمته خديجة- رضى الله عنها- وبعد زواجها
من النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وهبته له، ولما علم والده به
حضر إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ورغب فى أخذ زيد وطلب من
النبي أن ييسر عليه فى الفداء وأن يخفف عنه فى العوض الذي
سيأخذه بدلا من زيد.
فقال له النبي: لا عوض ولا فداء، إن قبل زيد أن يعود معك فليعد
ولتأخذه سالما فانما بلا عوض، وإن آثر الإقامة معى فأنا لا
أرفضه.
ولكن زيدا آثر الحياة مع رسول الله تقديرا لعطفه ورعايته
وجلاله وبركته، فأخذ النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بيد زيد
وذهب إلى المسجد وقال: أيها الناس اشهدوا أن زيد بن حارثة ابني
ويرثني فأصبح يلقب زيد بن محمد بعد أن تبناه النبي- صلّى الله
عليه وسلّم- ثم أراد الله أن يبطل عادة التبني وأن يبطل تحريم
زوجة المتبنى على الأب، لأن الدعي ليس كالابن وتحت إرادة الله
فتزوج من زينب ثم طلقها وأمر الله رسوله أن يتزوجها «لِكَيْ لا
يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ
أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» «وانظر حياة
محمد للأستاذ محمد حسين هيكل الطبعة التاسعة ص 322 وما بعدها»
.
«وانظر زيد بن حارثة لمحمد على قطب قصص الصحابة للأطفال طبع
المختار الإسلامى» .
(3/491)
اخطب عليّ» فقال النبي- صلى الله عليه
وسلم- ومن يعجبك من النساء؟ فقال زينب بنت جحش. فَقَالَ
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقَدْ أصبت أن
لا نألو غير الحسن والجمال، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك
نفسا، فقال زيد: يا نبي الله، إنك إذا كلمتها، وتقول إن زيدا
أكرم الناس علي «1» فإن هذه امرأة حسناء «2» وأخشى أن تردني
فذلك أعظم في نفسي من كل شيء. وعمد «3» زيد إلى علي- رضي الله
عنه- فحمله على أن يكلم النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال له
زيد انطلق إلى النبي فإنه لن يعصيك. فانطلق عليّ معه إلى
النبي- صلى الله عليه وسلم- فإني فاعل وإني مرسلك يا علي إلى
أهلها فتكلمهم فرجع على النبي- صلى الله عليه وسلم- إني قد
رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه فأنكحوه.
وساق إليهم عشرة «4» دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا
وإزارا وخمسين مدا من طعام وعشرة «5» أمداد من تمر أعطاه
النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك كله ودخل بها زيد فلم يلبث إلا
يسيرا «6» حتى شكا إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم-
__________
(1) كان زيد من أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان سيد اكبر الشأن جليل القدر. يقال له
الحب ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب. قالت عائشة- رضى الله
عنها-: «ما بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سرية إلا
أمره عليهم، ولو عاش من بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد.
وروى البزاز أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل أى أهلك
أحب إليك؟ فقال- صلّى الله عليه وسلّم-: أسامة بن زيد بن حارثة
الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه» .
تفسير ابن كثير 3/ 490.
(2) فى ا: لسناء.
(3) فى ف، ا: فعمد، ولكن الواو أنسب هنا.
(4) فى الأصل: عشر، ولكن الأنسب «عشرة» .
(5) فى الأصل: عشر، ولكن الأنسب «عشرة» .
(6) قال ابن كثير: «فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها» .
(3/492)
ما يلقى منها فدخل النبي- صلى الله عليه
وسلم- فوعظها فلما كلمها أعجبه حسنها وجمالها وظرفها «1» ،
وكان أمرا قضاه الله- عز وجل- ثم رجع النبي- صلى الله عليه
وسلم- وفي نفسه منها ما شاء الله- عز وجل- فكان النبي- صلى
الله عليه وسلم- يسأل زيدا بعد ذلك كيف هي معك؟ فيشكوها إليه
فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: اتق الله وأمسك عليك زوجك
وَفِي قلبه غَيْر ذَلِكَ، فأنزل «2» اللَّه- عَزَّ وجل- وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً-
36- يعني بينا فلما نزلت هذه الآية جعل عبد الله بن جحش «3»
أمرها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقالت زينب للنبي- صلى
الله عليه وسلم-: قد جعلت أمري بيدك، يا رسول الله، فأنكحها
النبي- صلى الله عليه وسلم- زيدا فمكثت عنده حينا، ثُمّ إن
النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى زيدا فأبصر
زينب قائمة، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش فهويها النبي-
صلّى الله عليه وسلّم- فقال:
__________
(1) هذا كلام مرفوض لا يقبله العقل ولا يوافقه النقل:
إن إعجاب النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بجمالها وظرفها كان
يتأتى لو لم يكن رآها قبل ذلك. أما والحال أنها كانت بنت عمته
وقد ربيت قريبا منه وراها صغيرة وناشئة. ولو شاء لتزوجها بكرا
لم تمس، ولكنه خطبها لزيد مولاه. ثم أعلم الله نبيه أنها ستكون
من أزواجه فلما أتاه زيد- رضى الله عنه- ليشكوها إليه قال له:
«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ» فقال له الله:
قد أخبرتك أنى مزوجكها « ... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا
اللَّهُ مُبْدِيهِ ... » سورة الأحزاب: 37.
هذا ما روى عن ابن أبى حاتم وروى مثله عن السدى. قال ابن كثير:
3/ 491 «وقد روى ابن جرير ها هنا آثارا عن بعض السلف- رضى الله
عنهم- أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها.
(2) هنا اضطراب فليس نزول هذه الآية متعلقا بما ذكره مقابل
قبلها.
(3) فى ف: جعل زيد، وهو خطا.
(3/493)
سبحان الله مقلب القلوب «1» . ففطن زيد،
فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا، تعظم
علي وتؤذيني بلسانها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
أمسك عليك زوجك واتق الله، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فأنزل
الله- عز وجل- وَإِذْ تَقُولُ
يا محمد لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالعتق وكان زيد أعرابيا في الجاهلية
مولى في الإسلام فسبي فأصابه النبي- صلى الله عليه وسلم-
فأعتقه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي
فِي نَفْسِكَ
__________
(1) جاء فى كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل، الفصل
السابع عشر تحت عنوان «أزواج النبي» : 318، 319. «إن المبشرين
والمستشرقين أطلقوا لخيالهم العنان فى تصوير الهوى الذي لعب
بقلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رأى زينب ممددة على
فراشها فى ثياب نومها فعصف منظرها بقلبه. وأمثال هذه الصورة
التي أبدعها الخيال الكثير. تراه فى موير وفى دو منجم وفى
واشنطن أرفنج وفى لا منس وغيرهم من المستشرقين والمبشرين.
ومما يدعو إلى أشد الأسف أن هؤلاء جميعا اعتمدوا فى روايتهم
على ما ورد فى بعض كتب السيرة والكثير من الحديث، ثم أقاموا
على ما صوروا قصورا من الخيال فى شأن محمد وصلته بالمرأة......
والنبي لم يكن كما صور هؤلاء وأولئك، رجلا يأخذ بعقله الهوى
وهو لم يتزوج من تزوج من نسائه بدافع من شهوة أو غرام، وإذا
كان بعض الكتاب المسلمين فى بعض العصور قد أباحوا لأنفسهم أن
يقولوا هذا القول، وأن يقدموا خصوم الإسلام عن حسن نية هذه
الحجة فذلك لأنهم انحدر بهم التقليد إلى المادية فأرادوا أن
يصوروا محمدا عظيما فى كل شيء، عظيما حتى فى شهوات الدنيا،
وهذا تصوير خاطئ ينكره تاريخ محمد أشد إنكار. وتأبى حياته كلها
أن تقره.
فالنبي قد تزوج خديجة وهو فى الثالثة والعشرين من عمره وهو فى
شرخ الصبا وريعان الفتوة ومع ذلك ظلت خديجة وحدها زوجة ثمانيا
وعشرين سنة حتى تخطى الخمسين.
فمن غير الطبيعي أن تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا
الانقلاب الذي يجعله ما يكاد يرى زينب بنت جحش، وعنده نساء خمس
غيرها، حتى يفتن بها وحتى تستغرق تفكيره ليله ونهاره ...
إنها صورة لا تلبق فى ضعتها برجل مادي، عظيم استطاعت رسالته أن
تنقل العالم وأن تغير مجرى التاريخ، وما تزال على استعداد لأن
تنقل العالم مرة أخرى وتفسير مجرى التاريخ طورا جديد» [.....]
.
(3/494)
يعني وتسر في قلبك يا محمد ليت أنه طلقها
«1» مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ يعني مظهره عليك حين ينزل به قرآنا
«2» وَتَخْشَى قالة النَّاسَ في أمر زينب وَاللَّهُ أَحَقُّ
أَنْ تَخْشاهُ في أمرها فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه
الآية على الناس بما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها،
فقال عمر بن الخطاب- رضى الله
__________
(1) اتق الله يا مقاتل فى رسول الله:
لقد أخبر الله رسوله أن زينب ستكون من أزواجه فلما جاء زيد
يشكوها إليه وصاه بها خيرا إبقاء منه على العشرة الزوجية بين
حبه وابنة عمته. فقال له الله: «وَإِذْ تَقُولُ ... » الآية.
لقد تحامل مقاتل على رسول الله فى موضوع زيد وزينب- ومهد
الطريق المغرضين وأعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم أن
ينقلوا هذه الفرى على رسول الله وهو منها براء.
(2) انظر كتاب محمد رسول الله تأليف ايتين دينيه وسليمان
إبراهيم، وترجمة الدكتور عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم
محمود مطبعة نهضة مصر: 250- 251.
وفيه يقول:
«لم يكن الرسول يفكر فى الزواج بزينب لا قبل زيد ولا بعده وإلا
فأى شيء كان يمنعه من الزواج بها بكرا غضة الإهاب، وقد كان
يملك من أمرها كل شيء؟
على ان زواج زيد بزينب كان بوحي سماوي وأمر إلهى..
وتم الزواج.. وأراد زيد غير مرة أن يطلقها لتكبّرها عليه ولكن
الرسول كان يقول له «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» مع علمه-
صلّى الله عليه وسلّم- بأن الله سيزوجه بها تشريعا جديدا وقضاء
على عادة تأصلت فى نفوس العرب: هي معاملة المتبنى معاملة الابن
الحقيقي.
وكان زيد قد قضى من زينب وطرا، ولم يعد له بها من حاجة، ولم
يعد يحتمل العيش معها فطلقها، فأمر الرسول أن يتزوج بها ولكن
الرسول فى نفسه كان يخشى على ضعاف الإيمان سوء الظن، ومن
الكفار الدعاية السيئة فنزلت الآية الكريمة الجامعة:
«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ... »
سورة الأحزاب: 37.
وكان زواج النبي- صلّى الله عليه وسلّم- من زينب ابتلاء عظيما،
سواء نظرنا إليه بالنسبة لزيد وزينب أولا، أو بالنسبة إلى
النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ثانيا.
(3/495)
عنه-: لو كتم رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- شيئا من القرآن لكتم هذه التي أظهرت عليه. يقول الله-
تعالى-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً يعني حاجة وهي
الجماع زَوَّجْناكَها يعني النبي- صلى الله عليه وسلم. فطلقها
زيد بن حارثة فلما انقضت عدتها تزوجها النبي- صلى الله عليه
وسلم- وكانت زينب- رضي الله عنها- تفخر على نساء النبي- صلى
الله عليه وسلم- فتقول: زوجكن الرجال، والله- عز وجل- زوجني
نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وجل-: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ تزويج نساء أَدْعِيائِهِمْ
يقول لكيلا يكون على الرجل حرج في أن يتزوج امرأة ابنه الذي
تبناه وليس من صلبه إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يعني حاجة
وهو الجماع وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا- 37- يقول الله-
عز وجل-: كان تزويج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب كائنا
فلما تزوجها النبي- صلى الله عليه وسلم- قال أنس: إن محمدا
تزوج امرأة ابنه وهو ينهانا عن تزويجهن فأنزل الله- تبارك
وتعالى- في قولهم مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما
فَرَضَ اللَّهُ لَهُ يقول فيما أحل الله له، سُنَّةَ اللَّهِ
فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ يقول هكذا كانت سنة الله في
الذين خلوا من قبل محمد يعني داود النبي- صلى الله عليه وسلم-
حين هوى المرأة التي فتن بها وهي امرأة أوريا بن حنان فجمع
الله بين داود وبين المرأة التي هويها. وكذلك جمع الله- عز
وجل- بين محمد- صلى الله عليه وسلم- وبين زينب إذ هويها كما
فعل بداود- عليه السلام، فذلك قوله- عز وجل- وَكانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً- 38- فقدر الله- عز وجل- لداود
ومحمد
(3/496)
تزويجهما «1» .
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ يعني النبي- صلى الله
عليه وسلم- خاصة
__________
(1) لقد حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر ولو
منهى عنه فكيف يباح لمسلّم أن ينسب إلى رسول الله- صلّى الله
عليه وسلّم- اشتهاء امرأة متزوجة. مع أن الآيات التي جاءت بعد
ذلك توضح أن زواجها كان فرضا من الله لتشريع زواج الآباء
بزوجات الأدعياء «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما
فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ... » أي فيما أحل له وأمره به من تزويج
زينب ولكن مقاتلا شط به الهوى إلى رسل الله وأول كلام الله
تأويلا أخرجه عن قصده.
وصدق الله العظيم « ... فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما
يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» سورة آل عمران: 7.
ولعل هذا مما جعل بعض الأتقياء يقول: «لو قدرت على مقاتل بن
سليمان فى موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته» .
وقد أعن على- رضى الله عنه-: «من حدثكم بحديث داود على ما
يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة»
وهو حد الفرية على الأنبياء.
لقد كان مقاتل حافظا فى التفسير ولكنه كان لا يضبط الإسناد
وكان يقص فى الجامع بمرور كما جاء فى تهذيب الكمال فى أسماء
الرجال.
وتفسير الآية على وجهها السليم يبعد عن رسول الله- صلّى الله
عليه وسلّم- وعن الأنبياء اتهام المغرضين ويؤكد نزاهتهم وبعدهم
عما يشين.
جاء فى تفسير ابن كثير لقوله- تعالى-: «ما كانَ عَلَى
النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ
اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» - يقول- تعالى-: «ما كانَ عَلَى
النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» أى فيما
أحل له وأمره به من تزويج زينب- رضى الله عنها ... التي طلقها
دعيه زيد بن حارثة- رضى الله عنه-، وقوله- تعالى-: «سُنَّةَ
اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أى هذا حكم الله-
تعالى- فى الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم فى ذلك
حرج وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصا فى تزويجه امرأة
زيد مولاه ودعيه الذي كان تبناه «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ
قَدَراً مَقْدُوراً» أى وكان أمره الذي يقدره كائنا لا محالة
واقعا لا محيد عنه ولا معدل فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ا.
هـ. تفسير ابن كثير: 3/ 492.
(3/497)
وَيَخْشَوْنَهُ يعني النبي- صلى الله عليه
وسلم-، يقول محمد يخشى الله أن يكتم عن الناس ما أظهر الله
عليه من أمر زينب إذ هويها وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا
اللَّهَ في البلاغ عن الله- عز وجل- وَكَفى بِاللَّهِ
حَسِيباً- 39- يعني شهيدا في أمر زينب إذ هويها فلا شاهد أفضل
من الله- عز وجل- «1» .
وأنزل الله- عز وجل- في قول الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه
مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعني زيد بن
حارثة يقول إن محمدا ليس بأب لزيد وَلكِنْ محمدا رَسُولَ
اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ يعني آخر النبيين لا نبي بعد
محمد- صلى الله عليه وسلم- ولو أن لمحمد ولدا لكان نبيا رسولا،
فمن ثم قال:
«وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيماً- 40- يقول لو كان زيد ابن محمد لكان نبيا فلما نزلت
«مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ»
قال النبي
__________
(1) وهذه الآية أيضا يحملها مقاتل على رأيه وهواه. وهي شاهد
بأنه- عليه الصلاة والسلام- بلغ الرسالة وأدى الأمانة ولم يخش
فى الله لومة لائم. ومعنى «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» يعنى
ناصرا ومعينا كما وردت فى قوله- تعالى-: «يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ... » سورة الأنفال:
64. أى أن الله كافيك وناصرك. لا كما ادعى مقاتل أن حسيبا
بمعنى شهيدا فى أمر زينب إذ هويها.
جاء فى تفسير الحافظ ابن كثير: 3/ 492 يمدح- تبارك وتعالى-:
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ» أى إلى خلقه
ويؤدونها بأمانة «وَيَخْشَوْنَهُ» أى ويخافونه ولا يخافون أحدا
سواء فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله- تعالى-:
«وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» أى وكفى بالله ناصرا ومعينا، وسيد
الناس فى هذا المقام بل وفى كل مقام محمد رسول الله- صلّى الله
عليه وسلّم- فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق
والمغارب، إلى جميع أنواع بنى آدم وأظهر الله- تعالى- كلمته
ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع فإنه قد كان النبي قبله
إنما يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو- صلّى الله عليه وسلّم- فإنه
بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... » . سورة
الأعراف: 158.
(3/498)
- صلى الله عليه وسلم- لزيد: لست لك بأب.
فقال زيد: يا رسول الله، أنا زيد بن حارثة معروف نسبي «1» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ باللسان
ذِكْراً كَثِيراً «2» - 41- وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا-
42- يعنى صلوا لله بالغداة الفجر والعشي يعني الظهر والعصر
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ نزلت في
الأنصار يقول هو الذي يغفر لكم ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم
لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني لكي
يخرجكم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى
الإيمان وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً- 43- تَحِيَّتُهُمْ
يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ يعني يوم يلقون الرب- عز وجل- في
الآخرة سلام، يعني تسليم الملائكة عليهم وَأَعَدَّ لَهُمْ
أَجْراً كَرِيماً- 44- يعنى أجرا حسنا فى الجنة يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على هذه الأمة بتبليغ
الرسالة وَمُبَشِّراً بالجنة والنصر في الدنيا على من خالفهم
وَنَذِيراً- 45- من النار.
__________
(1) نسخة ف، ا، ز. وبالتالى م لأنها ناقلة من ا: عكست ترتيب
الآيتين السابقتين وهما رقم 39، 40. ففسرت آية 40 قبل 39 حتى
يهيأ للقارئ أن ترتيب الآيتين هكذا: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا
أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ... » إلى آخر الاية 40 سورة الأحزاب.
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ...
» إلى آخر الآية 39 سورة الأحزاب.
وقد أصلحت الخطأ ورتبت الآيتين كما هما فى المصحف.
وإن دل هذا على شيء فهو أن الناسخ كان ينسخ بدون تصرف.
وأن أصل هذا التفسير واحد وأن هذا التفسير وثيق النسب ليس
منتحلا على مقاتل كما نحل تفسير المقياس على ابن عباس. مع أن
كل ما صح نسبته إلى ابن عباس فى التفسير قرابة مائة آية. كما
أثر عن الشافعي.
(2) فى ز زيادة: «لم يرض الله من الذكر إلا بالكثير» .
(3/499)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ يعني إلى معرفة
الله- عز وجل- بالتوحيد بِإِذْنِهِ يعنى بأمره وَسِراجاً
مُنِيراً- 46- «يعني هدى مضيئا للناس» «1» وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً-
47- يعنى الجنة.
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكة: أبا سفيان بن حرب،
وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي.
وَالْمُنافِقِينَ عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد، وطعمة بن
أبيرق حين قال أبو سفيان ومن معه من هؤلاء النفر: يا محمد ارفض
ذكر آلهتنا وقل: إن لهما شفاعة ومنفعة لمن عبدها، ثم قال:
وَدَعْ أَذاهُمْ إياك يعني الذين قالوا للنبي- صلى الله عليه
وسلم- قل إن لآلهتنا شفاعة.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعنى وثق بالله وَكَفى بِاللَّهِ
وَكِيلًا- 48- يعنى مانعا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ يعني إذا تزوجتم المصدقات بتوحيد
الله ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
يعني من قبل أن تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَها إن شاءت تزوجت من يومها «فَمَتِّعُوهُنَّ» «2»
وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا- 49- يعنى حسنا فى غير ضرار
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ
«يعنى النساء «3» التسع» اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ
أحللنا لك ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني بالولاية: مارية القبطية
أم إبراهيم وريحانة بنت عمرو اليهودي، وكانت سبيت من اليهود
مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأحللنا لك
__________
(1) فى ا: «يعنى مضيئا للناس وهو القرآن» .
(2) فى ز: « (فمتعوهن) بالنصف من المهر» .
(3) فى ز: «يعنى نساءه» .
(3/500)
بَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ
وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ
إلى المدينة «إضمار» «1» فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا
يحل تزويجها «ثم قال- تعالى-» «2» : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً
إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ
أَنْ يَسْتَنْكِحَها يعني أن يتزوجها بغير مهر وهي أم شريك بنت
جابر بن ضباب «3» بن حجر من بنى عامر بن لوى وكانت تحت أبي
الفكر الأزدي وولدت له غلامين شريكا ومسلما ويذكرون أنه نزل
عليها «دلو» «4» من السماء فشربت منه ثم توفي عنها زوجها أبو
الفكر فوهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يقبلها ولو
فعله لكان له خاصة دون المؤمنين.
فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها «فإنه لا
يحل» «5» للنبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتزوجها.
ثم قال: خالِصَةً لَكَ الهبة يعني خاصة لك، يا محمد مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من
المؤمنين وكانت أم شريك قبل أن تهب نفسها للنبي- صلى الله عليه
وسلم- امرأة أبي الفكر الأزدى ثم الدوسي
__________
(1) «إضمار» : ساقطة من ا، ف. وهي من ز.
(2) فى ف، ز، ا: ثم قال- تعالى-: «وأحللنا لك امرأة مؤمنة» .
ويفهم من ذلك أن جملة أحللنا لك من كلام الله. وقد أسقطتها
كلية لأنها مفهومة ضمنا مما سبق.
(3) فى ز: زيادة: «القرشي» .
(4) فى ف، ز، ا: «دلوا» وهو خطأ لأنه فاعل مرفوع.
(5) فى النسخ: ف، ز، ا: «فإنها لا تحل» وقد غيرتها إلى «فإنه
لا يحل» ليستقيم الكلام. [.....]
(3/501)
من رهط أبي هريرة، ثم أخبر الله عن
المؤمنين فقال: قَدْ عَلِمْنا مَا فَرَضْنا عَلَيْهِمْ يعني ما
أوجبنا على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ ألا يتزوجوا إلا أربع
نسوة بمهر وبينة وَأحللنا لهم ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ يعنى
جماع الولاية لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ يا محمد حَرَجٌ في
الهبة بغير مهر فيها تقديم وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً-
50- غفورا في التزويج بغير مهر للنبي- صلى الله عليه وسلم-
رحيما في تحليل ذلك له «1» .
ثم قال- تعالى-: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ توقف من بنات
العم والعمة والخال والخالة فلا تزوجها وَتُؤْوِي يعني وتضم
إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ منهن فتتزوجها فخير الله- عز وجل- النبي-
صلى الله عليه وسلم- في تزويج القرابة فذلك قوله- تعالى-:
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ منهن فتزوجتها مِمَّنْ عَزَلْتَ منهن فَلا
جُناحَ يعنى فلا حرج عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى يقول ذلك أجدر
__________
(1) قال ابن أبى حاتم: حدثنا على بن الحسين، حدثنا محمد بن
منصور الجعفي، حدثنا يونس ابن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن
سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «لم يكن عند رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- امرأة وهبت نفسها له» ورواه ابن جرير عن أبى
كريب، عن يونس ابن بكير، أى أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها
له، وإن ذلك مباح له ومخصوص به لأنه مردود إلى مشيئته، كما قال
الله- تعالى- « ... إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ
يَسْتَنْكِحَها ... » أى إن اختار ذلك.
تفسير ابن كثير: 3/ 500.
لقد وهبت نساء كثيرات أنفسهن لرسول- صلّى الله عليه وسلّم-.
وروى الإمام أحمد والبخاري عن عائشة- رضى الله عنها- كانت تغير
من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله حتى قالت ألا تسنحى
المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟
فأنزل الله- عز وجل- «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ... » . قالت: إنى أرى ربك يسارع لك فى
هواك.
(3/502)
أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ يعني نساء
النبي- صلى الله عليه وسلم- التسع اللاتي اخترنه.
وذلك أنهن قلن لو فتح الله مكة على النبي- صلى الله عليه وسلم-
فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا. فقال الله- عز وجل-: وَلا
يَحْزَنَّ إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من
تزويج القرابة. ثم قال: وَيَرْضَيْنَ يعني نساءه التسع بِما
آتَيْتَهُنَّ يعني بما «كُلُّهُنَّ» «1» من النفقة وكان في
نفقتهن قلة وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ
اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً- 51- ذو تجاوز. ثم حرم على النبي
تزويج النساء غير التسع اللاتي اخترنه فقال: لا يَحِلُّ لَكَ
النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أزواجك التسع اللاتي عندك يقول لا يحل
لك أن تزداد عليهن وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ يعني نساءه
التسع مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يعني أسماء
بنت عميس الخثعمية التي كانت امرأة جعفر ذي الجناحين، ثم قال-
تعالى-: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الولاية، ثم حذر
النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يركب في أمرهن ما لا ينبغي، «2»
فقال: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من العمل رَقِيباً-
52- حفيظا.
__________
(1) جاء فى تعليق على الأزهرية: «كلهن» بالرفع توكيد لنون
النسوة فى «ويرضين» ولا يضير الفصل.
وأما قوله: « ... قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ... »
بالرفع على قراءة أبى عمرو ف «كل» خبر أن وعلى قراءة. غيره
بالنصب توكيد للأمر.
(2) وكيف يرتكب- صلّى الله عليه وسلّم- فى أمرهن ما لا ينبغي.
وهو صاحب الخلق العظيم؟ لقد كان تحريم النساء عليه وقصره على
زوجاته التسع مكافأة لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة
لما خيرهن رسول الله.
ثم إن الله- تعالى- رفع عنه الحرج فى ذلك، ونسخ حكم هذه الآية
وأباح له التزوج، ولكن ذلك لم يقع منه بعد ذلك لتكون المنة
لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عليهن.
وقد رويت الأحاديث بذلك المعنى فى مسند الإمام أحمد وفى سنن
الترمذي والنسائي. انظر ابن كثير: 3/ 502: عن عائشة- رضى الله
عنها- قالت ما مات رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى أحل الله له النساء.
(3/503)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ
إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ يعني نضجه وبلاغه وَلكِنْ
إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- في
بيته فَإِذا طَعِمْتُمْ الطعام فَانْتَشِرُوا يعنى فقوموا من
عنده وتفرقوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ وذلك أنهم كانوا
يجلسون عند النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل الطعام وبعد
الطعام، وكان ذلك في بيت أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين،
فيتحدثون عنده طويلا فكان ذلك يؤذيه ويستحيي أن يقول لهم قوموا
وربما أخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- وهم في بيته يتحدثون،
فذلك قوله- عز وجل-: «وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ» إِنَّ
ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ
وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ثم أمر الله- تبارك
وتعالى- نبيه بالحجاب على نسائه، فنزل الخيار والتيمم في أمر
عائشة «1» .
ونزل الحجاب في أمر زينب بنت جحش فأمر الله- تعالى- المؤمنين
ألا يكلموا نساء النبي إلا من وراء حجاب، فذلك قوله: وَإِذا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ
ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ من الريبة وَقُلُوبِهِنَّ
وأطهر
__________
(1) الخيار هو تخيير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنسائه
بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يجدن عنده المال والزينة
وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال.
وقد روى البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خير نساءه
حين أمره الله أن يخبرهن. وبدأ بعائشة، فقالت: أختار الله
ورسوله. وقالت كل نسائه مثل ذلك. وانظر ما سبق فى تفسير
الآيتين 28، 29 من هذه السورة.
وأما التيمم. فنزلت آيته عند ما كان الرسول (ص) قافلا من إحدى
الغزوات ثم أذن للجيش بالاستراحة. فذهبت عائشة- وكانت مع رسول
الله فى هذه الغزوة- لتقضى شأنها. فانقطع عقد لها من جزع أظفار
وحبس الرسول والمسلمون وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأنزل
الله آية التيمم (أنظر سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6) .
(3/504)
لقلوبهن من الريبة، فقال طلحة بن عُبَيْدُ
اللَّهِ القرشي من بني تيم بن مرة: ينهانا محمد أن ندخل على
بنات عمنا يعني عائشة- رضي الله عنها- وهما من بنى تيم ابن
مرة، ثم قال في نفسه: والله، لئن مات محمد وأنا حي لأتزوجن
عائشة فأنزل الله- تعالى- في قول طلحة بن عُبَيْدُ اللَّهِ «1»
وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ
تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ
كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً- 53- لأن الله جعل نساء النبي-
صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين في الحرمة كأمهاتهم، فمن ثم
عظم الله تزويجهن على المؤمنين ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم
وعلانيتهم فقال: إِنْ تُبْدُوا إن تظهروا شَيْئاً من أمركم
يعني طلحة لقوله يمنعنا محمد من الدخول على بنات عمنا، فأعلن
هذا القول، ثم قال: أَوْ تُخْفُوهُ يعني أو تسروه في قلوبكم
يعني قوله لأتزوجن عائشة بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم-
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ من السر والعلانية
عَلِيماً- 54- ثم رخص في الدخول على نساء النبي- صلى الله عليه
وسلم- من غير حجاب لأهل القرابة، فقال: لا جُناحَ يعني لا حرج
عَلَيْهِنَّ في الدخول على نساء النبي- صلى الله عليه وسلم-
فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا
أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا
نِسائِهِنَّ يعني كل حرة مسلمة وَلا مَا مَلَكَتْ
أَيْمانُهُنَّ يعني عبيد نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- أن
يدخلوا عليهن من غير حجاب فلا جناح عليهن فى ذلك وحذرهن وحذر
من يدخل عليهن من غير حجاب أن يكون منهن أو منهم من لا يصلح،
فقال لهن: وَاتَّقِينَ اللَّهَ «في دخولهم عليكن» «2» إِنَّ
اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم شَهِيداً- 55-
__________
(1) فى ف زيادة: «واسم أمه صعبة بنت الحضرمي» .
(2) فى أ: «فى دخولهن عليكم» ، وفى ز: «فى دخولهم عليهن» .
(3/505)
لم يغب عن الله- عز وجل- من يدخل عليهن إن
كان منهن أو منهم ما لا يصلح.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ-
صلى الله عليه وسلم. أما صلاة الرب- عز وجل- فالمغفرة للنبي-
صلى الله عليه وسلم-، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ- تعالى-: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ يعني استغفروا
للنبي- صلى الله عليه وسلم وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً- 56- فلما
نزلت هذه الآية قال المسلمون: هذه لك، يا رسول الله، فما لنا؟
فنزلت « ... هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ
لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً» «1» إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- نزلت في
اليهود من أهل المدينة، وكان أذاهم لله- عز وجل- أن زعموا أن
لله ولدا، وأنهم يخلقون كما يخلق الله- عز وجل- يعني التماثيل
والتصاوير.
وأما أذاهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- فإنهم زعموا أن محمدا
ساحر مجنون شاعر كذاب لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ يعني باللعنة في الدنيا العذاب والقتل والجلاء،
وأما في الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار، فذلك قوله- عز وجل-
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً- 57- يعني عذاب الهوان.
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً
والبهتان ما لم يكن وَإِثْماً مُبِيناً- 58- يعنى بينا يقال:
نزلت فى على ابن أبي طالب- رضي الله عنه- وذلك أن نفرا من
المنافقين كانوا يؤذونه
__________
(1) سورة الأحزاب: 43.
(3/506)
ويكذبون عليه. وأن عمر بن الخطاب- رضي الله
عنه- قال فى خلافته لأبى ابن كعب الأنصاري إني قرأت هذه الآية:
«وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... »
إلى آخر الآية: فوقعت مني كل موقع، والله، إني لأضربهم
وأعاقبهم. فقال له أبي بن كعب- رحمه الله-:
إنك لست منهم إنك مؤدب معلم «1» .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ
يعني القناع الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا
المدينة ومعهم نساؤهم فنزلوا مع الأنصار في ديارهم فضاقت الدور
عنهم. وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين حوائجهن يعني
البراز فكان المريب يرصد النساء بالليل فيأتيها فيعرض عليها
ويغمزها فإن هويت الجماع أعطاها أجرها وقضى حاجته وإن كانت
عفيفة صاحت فتركها. وإنما كانوا يطلبون الولائد فلم تعرف الأمة
من الحرة بالليل فذكر نساء المؤمنين ذلك لأزواجهن وما يلقين
بالليل من الزناة، فذكروا ذَلِكَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله- عز وجل- «يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ» .
__________
(1) هكذا فى ز: وفى ف، وفى أ: زيادة: ويقال: ان قوما كانوا
يؤذون علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ويكذبون عليه فأنزل
الله- عز وجل- فيهم هذه الآية.
فإذا كان يوم القيامة سلط الله عليهم الجرب فيحتك أحدهم حتى
يبدو العظم فيقال يا فلان أيؤذيك هذا فيقول نعم فيقال هذا
بأذاك المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا.
وفى هذا المعنى حديث أورده أبو حامد الغزالي فى كتاب إحياء
علوم الدين: فى باب حقوق المسلم على أخيه المسلم وهو حديث عام
فى آذى أى مؤمن وليس خاصا بمن آذى سيدنا على- رضى الله عنه-.
ولعل الزيادة التي فى ز، أ، سببها أن أحد النساخ كان شيعيا.
والدليل على أنها من صنع النساخ أن معناها سبق أن ذكره مقاتل
فى تفسير الآية. ولا يعقل أن يكرره فى موضعين منفصلين.
(3/507)
يعنى القناع فوق الخمار ذلِكَ أَدْنى يعنى
أجدر أَنْ يُعْرَفْنَ فى زيهن أنهن لسن «بمربيات» «1» وأنهن
عفايف فلا يطمع فيهن أحد فَلا يُؤْذَيْنَ بالليل وَكانَ
اللَّهُ غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم رَحِيماً- 59- حين لا
يعجل عليهم بالعقوبة، ثم أوعدهم فقال للنبي- صلى الله عليه
وسلم-: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الفجور وهم الزناة، ثم
نعتهم بأعمالهم الخبيثة فقال: وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ يعني المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة
بما يكرهون من عدوهم يقول لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف
والنفاق لَنُغْرِيَنَّكَ يا محمد بِهِمْ يقول لنحملنك على
قتلهم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا- 60-
ونجعلهم مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا فأوجب لهم اللعنة على
كل حال أينما وجدوا وأدركوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا-
61- يقول خذوهم واقتلوهم قتالا، فانتهوا عن ذلك مخافة القتل.
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ هكذا كانت
سنة الله في أهل بدر «القتل» «2» وهكذا سنة الله في هؤلاء
الزناة وفي المرجفين القتل، إن لم ينتهوا وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا- 62- يعني تحويلا لأن قوله- عز
وجل- حق فى أمر القتل يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ
يعني القيامة، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب،
فسأله رجل عن الساعة فأوحى الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله
عليه وسلم- قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما
يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ يعنى القيامة تَكُونُ قَرِيباً-
63- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ يعنى كفار مكة
وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً- 64-
__________
(1) فى أ: بمزينات.
(2) هكذا فى ف، والقتل: ساقطة من ز، ومن أ. والمراد بأهل بدر
كفار غزوة بدر.
(3/508)
يعني وقودا خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا
يَجِدُونَ وَلِيًّا يعنى قريبا يمنعهم وَلا نَصِيراً- 65- يعنى
ولا مانعا يمنهم من العذاب يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي
النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ
وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا- 66- يعني محمدا- صلى الله عليه
وسلم-.
وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فهذا
قول الأتباع من مشركي العرب من أهل مكة قالوا: ربنا إنا أطعنا
سادتنا، نزلت في اثني عشر رجلا وهم المطعمون يوم بدر فيهم أبو
جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكبراءنا، يعني ذوي
الأسنان منا فى الكفر فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا- 67- يعني
المطعمين في غزوة بدر والمستهزئين من قريش «فأضلونا عن سبيل
الهدى يعنى عن التوحيد» «1» . ثم قال الأتباع: رَبَّنا آتِهِمْ
ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ يعنون القادة والرءوس من كفار قريش
وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً- 68- يعني عظيما يعني اللعن
على أثر اللعن. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى وذلك أن الله- عز وجل- وعظ المؤمنين
ألا يؤذوا محمدا فيقولون زيد بن محمد فإن ذلك للنبي- صلى الله
عليه وسلم- أذى كما آذت بنو إسرائيل موسى فزعموا أنه آدر. وذلك
أن موسى- عليه السلام- كان فيه حياء شديد وكان لا يغتسل في نهر
ولا غيره إلا وعليه إزار. «وكان» «2» بنو إسرائيل يغتسلون
عراة. فقالوا:
ما يمنع موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آدر فانطلق موسى-
عليه السلام- ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام واستتر بصخرة
ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة
__________
(1) هكذا فى ز، وفى ف، أ: «فأضلونا عن السبيل يعنى سبيل الهدى
عن التوحيد» ، ولكن عبارة الأزهرية أسهل فهما.
(2) فى ف، أ، ز: «وكانت» . ولكن «كان» أنسب هنا من «كانت» .
(3/509)
بثيابه وأتبعها موسى- عليه السلام- متجردا
فلحقها فضربها بعصاه «وكان موسى- عليه السلام- لا يضع العصا من
يده حيث ما كان» «1» وقال لها: ارجعي إلى مكانك فقالت: إنما
أنا عبد مأمور لم تضربني فردها إلى مكانها. فنظرت إليه بنو
إسرائيل فإذا هو من أحسن الناس خلقا وأعدلهم صورة وكان «سليما»
«2» ليس الذي قالوا «3» ، فذلك قوله- عز وجل- فَبَرَّأَهُ
اللَّهُ مِمَّا قالُوا إنه آدر وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ
وَجِيهاً- 69- يعنى مكينا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً- 70- يعني قولا
عدلا وهو التوحيد يُصْلِحْ لَكُمْ يعني يزكي لكم أَعْمالَكُمْ
بالتوحيد وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ فازَ فَوْزاً
عَظِيماً- 71- يقول قد نجا بالخير وأصاب منه نصيبا وافرا
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ وهي الطاعة عَلَى السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ على الثواب والعقاب إن أحسنت جوزيت
وإن عصت عوقبت فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها يعني الطاعة على
الثواب والعقاب فلم يطقنها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وأشفقن من
العذاب مخافة ترك الطاعة فقيل لآدم- عليه السلام- أتحملها بما
فيها، قال آدم: وما فيها يا رب؟ قال: إن أطعت جوزيت وإن عصيت
عوقبت. قال آدم: قد حملتها بما فيها. قال الله- عز وجل- فلم
يلبث في الجنة إلا قليلا يعني ساعتين من يومه حتى عصى ربه- عز
وجل- وخان الأمانة، فذلك قوله- عز وجل-: وَحَمَلَهَا
الْإِنْسانُ يعنى
__________
(1) هذه الجملة التي بين القوسين « ... » : فى ف، وساقطة من ز.
(2) فى ف، أ: «جسيما» . [.....]
(3) فى الأزهرية زيادة وأما قوله «لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
آذَوْا مُوسى ... » فهو مثل «لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ
تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ» .
(3/510)
آدم- عليه السلام- إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً
لنفسه بخطيئته جَهُولًا- 72- بعاقبة ما تحمل من الطاعة على
الثواب والعقاب.
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ يقول عرضنا الأمانة على
الإنسان لكي يعذب الله المنافقين وَالْمُنافِقاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ بما خانوا الأمانة وكذبوا
الرسل، ونقضوا الميثاق الذي أقروا به على أنفسهم، يوم أخرجهم
من ظهر آدم- عليه السلام- حين قال- عز وجل- « ... أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ... » «1»
فنقضوا هذه المعرفة وتركوا للطاعة يعنى التوحيد وَيَتُوبَ
اللَّهُ يقول ولكي يتوب الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق وَكانَ
اللَّهُ غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً- 73- بهم.
__________
(1) سورة الأعراف: 172.
(3/511)
|