تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الفتح
(4/55)
[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 29]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ
عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً
عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ
ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ
وَساءَتْ مَصِيراً (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) إِنَّا
أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما
يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ
اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10) سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا
وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ
مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ
نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ
فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ
قَوْماً بُوراً (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ
يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً (14)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ
لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ
قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا
بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (15) قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ
فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ
عَذاباً أَلِيماً (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا
عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً
أَلِيماً (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ
فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها
وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها
فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ
وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً
مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ
أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا
نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ
عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ
وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ
تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ
مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ
مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ
الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى
وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ
الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ
إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً
سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً
سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى
عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)
(4/57)
[سورة الفتح «1» ] سورة الفتح مدنية عددها
«تسع» «2» وعشرون آية كوفى «3»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
وعد الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالفتح والغفران وإنزال
السكينة على أهل الإيمان، وإبعاد المنافقين بعذاب الجحيم ورعد
المؤمنين بنعيم الجنان، والثناء على سيد المرسلين، وذكر العهد،
وبيعة الرضوان وذكر ما للمنافقين من الخذلان، وبيان عذر
المعذورين وصدق رؤيا رسول الله، وتمثيل حال النبي والصحابة
بالزرع والزراع فى البهجة والنضارة وحسن الشأن.
وسميت سورة الفتح. لقوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً الآية الأولى.
(2) فى أ: «تسعة والصواب ما ذكرته» .
(3) وفى المصحف: (48) سورة الفتح مدنية نزلت فى الطريق عند
الحديبية وآياتها 29 نزلت بعد سورة الجمعة.
(4/63)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ يوم الحديبية فَتْحاً مُبِيناً- 1- وذلك
أن الله- تعالى- أنزل بمكة على نبيه- صلى الله عليه وسلم- ...
وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ... «1» ففرح كفار
مكة بذلك، وقالوا: واللات والعزى ما أمره وأمرنا عند إلهه الذي
يعبده إلا واحد ولولا أنه ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان
ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به وبمن اتبعه كما فعل بسليمان
بن داود، وبعيسى بن مريم والحواريين، وكيف أخبرهم بمصيرهم؟
فأما محمد فلا علم له بما يفعل به ولا بنا إن هذا لهو الضلال
كل الضلال،
فشق على المسلمين نزول هذه الآية فقال أبو بكر وعمر- رضي الله
عنهما- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ألا تخبرنا ما الله فاعل
بك؟ فقال: ما أحدث الله إلي أمر بعد. فلما قدم المدينة، قال
عبد الله بن أبي رأس المنافقين: كيف تتبعون رجلا لا يدري ما
يفعل الله به، ولا بمن اتبعه؟ وضحكوا من المؤمنين وعلم الله ما
في قلوب المؤمنين من الحزن وعلم فرح المشركين من أهل مكة، وفرح
المنافقين من أهل المدينة، فأنزل الله- تعالى- بالمدينة بعد ما
رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية إِنَّا فَتَحْنا
لَكَ يعني قضينا لك فَتْحاً مُبِيناً يعني قضاء بينا، يعنى
الإسلام.
__________
(1) سورة الأحقاف: 9.
وفى النسخ خطأ فى النص وصوابه: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ
الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ بينما
الثابت فى الأصل «قل ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم» .
(4/65)
لِيَغْفِرَ يعنى لكي يغفر لَكَ اللَّهُ
بالإسلام ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ يعني ما كان في الجاهلية
وَما تَأَخَّرَ يعني وبعد النبوة وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكَ «1» وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 2- يعنى دينا
مستقيما وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ يقول ولكي ينصرك الله بالإسلام
[160 ا] على عدوك نَصْراً عَزِيزاً- 3- يعني منيعا فلا تذل
فهذا الذي قضى الله له: المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر
فنسخت هذه الآية قوله: ... وَما «أَدْرِي» «2» ما يُفْعَلُ بِي
وَلا بِكُمْ ... «3» فأخبر الله- تعالى- نبيه- صلى الله عليه
وسلم- بما يفعل به، فنزلت هذه الآية على النبي- صلى الله عليه
وسلم- فلما سمع عبد الله بن أبي رأس المنافقين بنزول هذه الآية
على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَّ اللَّهَ قد غفر له
ذنبه، وأنه يفتح له على عدوه، ويهديه صراطا مستقيما، وينصره
نصرا عزيزا، قال لأصحابه: يزعم محمد أن الله غفر له ذنبه،
وينصره على عدوه، هيهات هيهات لقد بقى له من العدو أكثر وأكثر
فأين فارس والروم وهم أكثر عدوا وأشد بأسا وأعز عزيزا؟ ولن
يظهر عليهم محمد، أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل
بين أظهرهم وقد غلبهم بكذبه وأباطيله، وقد جعل لنفسه مخرجا،
ولا علم له بما يفعل به ولا بمن اتبعه، إن هذا لهو الخلاف
«المبين» «4» .
فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- على أصحابه فقال: لقد نزلت
على آية لهي أحب إلي مما بين السماء والأرض فقرأ عليهم إِنَّا
فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ...
إلى آخر الآية،
فقال أصحابه:
__________
(1) «وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ» : ساقطة من أ، ف.
(2) «أدرى» : ليست فى أ.
(3) سورة الأحقاف: 9.
(4) فى ا: «البين» ، وفى ف: «المبين» . [.....]
(4/66)
هنيئا مريئا، يا رسول الله، قد علمنا الآن
مالك عند الله، وما يفعل بك، فما لنا عند الله وما يفعل بنا،
فنزلت سورة الأحزاب «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ
مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً «1» » يعنى عظيما وهي الجنة
وأنزل «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... » «2» .
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ يعني الطمأنينة لِيَزْدادُوا يعني لكي يزدادوا
إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ يعني تصديقا مع تصديقهم الذي أمرهم
الله به في كتابه فيقروا «أن يكتبوا» «3» باسمك اللهم، ويقروا
أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وذلك
أنه لما نزل النبي- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية «بعثت قريش
منهم» «4» سهيل بن عمرو القرشي وحويطب ابن عبد العزى، ومكرز بن
حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي- صلى الله عليه وسلم-
أن يرجع من عامه ذلك، على أن تخلي قريش له مكة من العام المقبل
ثلاثة أيام، ففعل ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- وكتبوا بينهم
وبينه كتابا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي
طالب- عليه السلام-: اكتب بيننا كتابا: اكتب بسم الله الرحمن
الرحيم. فقال سهيل بن عمرو وأصحابه: ما نعرف هذا، ولكن اكتب ما
نعرف باسمك اللهم. فهم أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- ألا
يقروا بذلك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلى عليه
السلام-:
__________
(1) سورة الأحزاب: 47.
(2) فى أ، ف، ل، اضطراب، فقد فسروا الآية، ثم الآية 6، ثم
الآية 4 من سورة الفتح. وقد أعدت ترتيب الآيات، وترتيب
تفسيرها.
(3) فى أ: «أن اكتبوا» .
(4) كذا فى أ، ف، ل، والأنسب «جماعة منهم» ، أو «بعثت قريش
ثلاثة هم» .
(4/67)
اكتب ما يقولون، فكتب: باسمك اللهم. ثم
قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة. فقال سهيل
بن عمرو وأصحابه: لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله ونمنعك
ونردك عن بيته، ولا نكتب هذا. ولكن اكتب الذي نعرف:
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة. فقال النبي- صلى
الله عليه وسلم-:
يا علي، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وأنا أشهد
أني رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. فهم المسلمون ألا يقروا
أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد ابن عبد الله. فأنزل الله
السكينة يعني الطمأنينة عليهم. فذلك قوله: «هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ»
أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم ...
إلى آخر القصة، وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله
ولو علمنا ذلك لقد ظلمناك حين نمنعك عن بيته.
... وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «1» أن محمد رسول الله فلا شاهد
أفضل منه «2» .
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ
عَلِيماً حَكِيماً «3» - 4- عليما بخلقه، حكيما في أمره «4»
لِيُدْخِلَ «5» الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يعني لكي يدخل
المؤمنين والمؤمنات بالإسلام جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ من تحت البساتين خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَلكي
يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعني يمحو عنهم ذنوبهم
وَكانَ ذلِكَ الخير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً- 5- فأخبر
الله- تعالى- نبيه «بما» «6» يفعل بالمؤمنين، فانطلق عبد الله
بن أبي رأس المنافقين فى نفر
__________
(1) سورة الفتح: 28.
(2) نهاية تفسير الآية 4، وقد ذكرت فى ورقة [160 ب] .
(3) تكملة الآية 4 وهو ساقط من التفسير.
(4) فى آخر صفحة [160 أ] ، أى من مكان آخر.
(5) تفسير الآية 5 وقد ذكرت فى ورقة [160] .
(6) فى أ: «ما» .
(4/68)
معه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-
فقالوا: ما لنا عند الله؟ فنزلت بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «1» يعنى وجيعا وَيُعَذِّبَ
يعنى ولكي يعذب الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ من أهل المدينة
عبد الله بن أبي وأصحابه وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ
يعني من أهل مكة الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وكان
ظنهم حين قالوا: واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة
واحدة، وأن محمد الا ينصر فبئس حين ما ظنوا. يقول الله
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ فى الآخرة جَهَنَّمَ وَساءَتْ
مَصِيراً- 6- يعني وبئس المصير، وأنزل الله- تعالى- في قول عبد
الله بن أبي حين قال: فأين أهل فارس والروم؟ وَلِلَّهِ جُنُودُ
[160 ب] «2» السَّماواتِ يعني الملائكة وَالْأَرْضِ يعني
المؤمنين فهؤلاء أكثر من فارس والروم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً
في ملكه حَكِيماً- 7- في أمره فحكم النصر للنبي- صلى الله عليه
وسلم- وأنزل في قول عبد الله بن أبي «كَتَبَ اللَّهُ
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» أي محمد- صلى الله عليه وسلم-
وحده إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «3» يقول أقوى وأعز من أهل
فارس والروم لقول عبد الله بن أبي هم أشد بأسا وأعز عزيزا [161
ا] «4» إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد إلى هذه الأمة شاهِداً
عليها بالرسالة وَأرسلناك
__________
(1) سورة النساء: 138.
(2) هكذا نجد أول ورقة [160 ب] رغم أنى نقلت آخرها قبل أولها
حتى أرتب تفسير الآيات كما وردت فى المصحف لأن النسخ ذكرت
تفسير الآيات 5، 6، 7 قبل تفسير الآية 4 فأصلحت هذا الخطأ.
(3) سورة المجادلة: 21، وقد وردت بالنسخ « ... إنى لقوى عزيز»
.
(4) السطر الثاني من ورقة [161 ا] لأن السطر الأول يتبع آية
قادمة وقد ذكر فى «ف» عند هذه الآية وهي قوله- تعالى-: «إِنَّ
الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ... » ..
الآية 10. [.....]
(4/69)
مُبَشِّراً بالنصر في الدنيا والجنة في
الآخرة وَنَذِيراً- 8- من النار لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ يعني
لتصدقوا بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ وَرَسُولِهِ
محمدا- صلى الله عليه وسلم- وَتُعَزِّرُوهُ يعني تنصروه
وتعاونوه على أمره كله وَتُوَقِّرُوهُ يعني وتعظموا النبي- صلى
الله عليه وسلم- وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 9- يعني
وتصلوا لله بالغداة والعشي، وتعزروه مثل قوله في الأعراف ...
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ... «1» .
«ولما قال المسلمون للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنا نخشى ألا
يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ولا
يفروا يقول: الله رضى عنهم ببيعتهم «2»
» .
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يوم الحديبية تحت الشجرة في
الحرم وهي بيعة الرضوان، كان المسلمون يومئذ ألفا وأربعمائة
رجل، فبايعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى أن يقاتلوا ولا يفروا من العدو، فقال: إِنَّما
يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ بالوفاء لهم بما وعدهم من
الخير فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حين قالوا النبي- صلى الله عليه
وسلم- إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك، فَمَنْ
نَكَثَ البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى
بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ من البيعة فَسَيُؤْتِيهِ في
الآخرة أَجْراً يعني جزاء عَظِيماً- 10- يعني في الجنة نصيبا
وافرا سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ مخافة
القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع شَغَلَتْنا
أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فى التخلف وكانت منازلهم
__________
(1) سورة الأعراف: 157.
(2) ما بين القوسين « ... » : من ف، وهي في أفى مكان آخر، قبل
تفسير الآية 8.
(4/70)
بين مكة والمدينة فَاسْتَغْفِرْ لَنا
يَقُولُونَ «بِأَلْسِنَتِهِمْ» «1» يعني يتكلمون بألسنتهم مَا
لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم
النبي- صلى الله عليه وسلم- أم لا قُلْ لهم يا محمد: فَمَنْ
يَمْلِكُ يعني فمن يقدر لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً نظيرها في
الأحزاب «2» إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا يعنى الهزيمة أَوْ
أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً يعني الفتح والنصر يعني حين يقول: فمن
يملك دفع الضر عنكم، أو منع النفع غير الله بل الله يملك ذلك
كله، ثم استأنف بَلْ كانَ اللَّهُ بِما «تَعْمَلُونَ» «3»
خَبِيراً- 11- «فى تخلفكم «4» » وقولكم إن محمدا وأصحابه كلفوا
شيئا لا يطيقونه، ولا يرجعون أبدا، وذلك أن النبي- صلى الله
عليه وسلم- مر بهم فاستنفرهم، فقال بعضهم لبعض: إن محمدا
وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع هو وأصحابه أبدا فأين
تذهبون؟ أتقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من أمره،
فأنزل الله- عز وجل- لقولهم له قالوا:
«شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا» بَلْ منعكم من السير أنكم
ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ يقول أن لن يرجع
الرسول وَالْمُؤْمِنُونَ من الحديبية إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً
[161 ب] وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ
السَّوْءِ يقول فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم
وأيأسهم أن محمدا وأصحابه لا يرجعون أبدا نظيرها فى الأحزاب
... وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا «5» يعني الإياسة من
النصير، فقال الله- تعالى-: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً- 12-
يعني هلكى بلغة عمان، مثل قوله: ... وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ
دارَ الْبَوارِ «6» أى دار الهلاك
__________
(1) فى الأصل: بأفواههم.
(2) فى أ: «يعملون» .
(3) يشير إلى الآية 52 من سورة الأحزاب ... إِلَّا ما مَلَكَتْ
يَمِينُكَ....
(4) فى أ: «فى تخلفهم» .
(5) فى سورة الأحزاب: 10.
(6) سورة إبراهيم: 28.
(4/71)
ومثل قوله: ... تِجارَةً لَنْ تَبُورَ «1»
يعني لن تهلك وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يعني بصدق بتوحيد
الله وَرَسُولِهِ «2» محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّا
أَعْتَدْنا فى الآخرة لِلْكافِرِينَ سَعِيراً- 13- يعني وقودا،
فعظم نفسه وأخبر أنه غني عن عباده، فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ
مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوب المؤمنين رَحِيماً-
14- بهم سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ عن الحديبية مخافة القتل
إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها يعنى غنائم
خيبر ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ إلى خيبر، وكان الله- تعالى- وعد
نبيه- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية أن يفتح عليه خيبر،
«ونهاه عن أن يسير» «3» معه أحد من المتخلفين فلما رجع النبي-
صلى الله عليه وسلم- من الحديبية يريد خيبر قال المخلفون:
ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم. فقال الله- تعالى-:
يُرِيدُونَ أَنْ «يُبَدِّلُوا» «4» كَلامَ اللَّهِ يعني أن
«يغيروا» كلام الله الذي أمر النبي- صلى الله عليه وسلم-،
«وهو» «5» ألا يسير معه أحد منهم قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا
كَذلِكُمْ يعنى هكذا قالَ اللَّهُ بالحديبية مِنْ قَبْلُ خيبر
أن لا تتبغونا فَسَيَقُولُونَ «6» للمؤمنين إن الله لم ينهكم
بَلْ تَحْسُدُونَنا بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم، ثم
قال: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ النهى من الله إِلَّا
قَلِيلًا- 15- منهم، ثم قال: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ
الْأَعْرابِ عن الحديبية مخافة القتل سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة:
مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي وقومه،
__________
(1) سورة فاطر: 29.
(2) فى أ: «وبرسوله» .
(3) فى أ: «ونهاه أن يسير» .
(4) فى الأصل: «يغيروا» .
(5) «وهو» : زيادة اقتضاها السياق.
(6) فى أزيادة: «فسيقولون» . [.....]
(4/72)
دعاهم أبو بكر- رضي الله عنه- إلى قتال أهل
اليمامة يعني هؤلاء الأحياء الخمسة جهينة ومزينة وأشجع وغفار
وأسلم تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا أبا
بكر إذا دعاكم إلى قتالهم يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً
في الآخرة يعني جزاء كريما في الجنة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني
تعرضوا عن قتال أهل اليمامة كَما تَوَلَّيْتُمْ يعني كما
أعرضتم مِنْ قَبْلُ عن قتال الكفار يوم الحديبية يُعَذِّبْكُمْ
الله في الآخرة عَذاباً أَلِيماً- 16- يعني وجيعا.
حدثنا [162 أ] عبد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ
الْهُذَيْلِ، قَالَ: قال مُقَاتِلُ: خلافة أبي بكر- رضي الله
عنه- فى هذه الآية مؤكدة، ثم عذر أهل الزمانة فقال: لَيْسَ
عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا
عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ في تخلفهم عن الحديبية، يقول من تخلف
عن الحديبية من هؤلاء المعذورين فمن شاء منهم أن يسير معكم
فليسر وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في الغزو يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ
يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف من غير عذر يُعَذِّبْهُ
عَذاباً أَلِيماً- 17- يعني وجيعا لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
بالحديبية يقول رضي ببيعتهم إياك فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ
من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا في أمر البيعة
«فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» «1» وَأَثابَهُمْ يعني
وأعطاهم فَتْحاً قَرِيباً- 18- يعني مغانم خيبر وَمَغانِمَ
كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً يعني منيعا
حَكِيماً- 19- في أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي، ثم
قال: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها مع
النبي- صلى
__________
(1) «فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» : ساقطة من أ.
(4/73)
الله عليه وسلم- ومن بعده إلى يوم القيامة
فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعني غنيمة خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ
النَّاسِ عَنْكُمْ يعنى خلفاء أهل خيبر أسد وغطفان جاءوا
لينصروا أهل خيبر، وذلك أن مالك بن عوف النضري، وعيينة بن حصن
الفزاري ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر فقذف
الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا عنهم، فذلك قوله: «وَكَفَّ
أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» يعني أسد وغطفان وَلِتَكُونَ يعني
ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 20- يعني تزدادون
بالإسلام تصديقا مما ترون من عدة الله في القرآن من الفتح
والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر ... وَيَزْدادَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِيماناً ... «1» يعني تصديقا بمحمد- صلى الله عليه
وسلم- وبما جاء به فى خزنة جهنم، قوله: وَأُخْرى لَمْ
تَقْدِرُوا عَلَيْها يعني قوى فارس والروم وغيرها قَدْ أَحاطَ
اللَّهُ علمه بِها أن يفتحها على يدي المؤمنين وَكانَ اللَّهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ من القرى قَدِيراً- 21- على فتحها قال:
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ
منهزمين ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً- 22- يعنى
ولا مانعا يمنعهم من الهزيمة يقول كذلك كان «سُنَّةَ اللَّهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ [162 ب] مِنْ قَبْلُ» «2» كفار مكة حين
هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم «3» وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا
__________
(1) سورة المدثر: 31.
(2) ورد هذا الجزء من الآية فى الأصل: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» فأصلحته طبقا للآية فى المصحف.
(3) فى أسطر مكرر وهو السطر الآتي: يعنى كفار مكة حين هزموا
ببدر فهؤلاء بمنزلتهم «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا» منهزمين يعنى كفار مكة.
(4/74)
- 23- يعنى تحويلا، ثم قال: وَهُوَ الَّذِي
كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ يعني
كفار مكة يوم الحديبية بِبَطْنِ مَكَّةَ يوم الحديبية يعني
ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة مِنْ بَعْدِ أَنْ
أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي- صلى
الله عليه وسلم- فهزمهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالطعن
والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
بَصِيراً- 24- ثم قال: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار مكة
وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن تطوفوا به وَصدوا
الْهَدْيَ فى عمرتكم يوم الحديبية مَعْكُوفاً يعني محبوسا وكان
النبي- صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في عمرته مائة
بدنة ويقال سبعين بدنة فمنعوه أَنْ يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ
يعني منحره، ثم قال:
وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ
تَعْلَمُوهُمْ أنهم مؤمنون أَنْ تَطَؤُهُمْ بالقتل بغير علم
تعلمونه منهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ «بِغَيْرِ
عِلْمٍ» «1» يعني فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم، لأدخلكم من
عامكم هذا مكة «لِيُدْخِلَ» «2» لكي يدخل اللَّهُ فِي
رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ منهم عياش بن أبي ربيعة، وأبو جندل ابن
سهيل بن عمرو، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن
المغيرة، كلهم من قريش وعبد الله بن أسد الثقفي يقول: لَوْ
تَزَيَّلُوا يقول لو اعتزل «المؤمنون «3» » الذين بمكة من
كفارهم لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يعني كفار
مكة عَذاباً أَلِيماً- 25- يعني وجيعا وهو القتل بالسيف، قوله:
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة فِي قُلُوبِهِمُ
الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وذلك
__________
(1) «بِغَيْرِ عِلْمٍ» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: «لكي يدخل» .
(3) فى الأصل: «المؤمنين» .
(4/75)
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قدم عام
الحديبية في ذي القعدة معتمرا ومعه الهدى، فقال كفار مكة: قتل
آباءنا وإخواننا ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا،
وتقول العرب: إنه دخل على رغم آنافنا، والله لا يدخلها أبدا
علينا، فتلك الحمية التي في قلوبهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَلْزَمَهُمْ «1» يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم-
كَلِمَةَ التَّقْوى يعني كلمة الإخلاص وهي- لا إله إلا الله-
وَكانُوا أَحَقَّ بِها من كفار مكة وَكانوا أَهْلَها في علم
الله- عز وجل- وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً- 26-
بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله- عز وجل-.
قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ
وذلك أن الله- عز وجل- أرى النبي- صلى الله عليه وسلم- في
المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه
حلقوا وقصروا، فأخبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِذَلِك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم
داخلوه [163 أ] في عامهم ذلك، وقالوا: إن رؤيا النبي- صلى الله
عليه وسلم- حق. فردهم الله- عز وجل- عن دخول المسجد الحرام إلى
غنيمة خيبر، فقال المنافقون عبد الله بن أبي، وعبد الله بن
رسل، ورفاعة ابن التابوه: والله، ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا
المسجد الحرام. فأنزل الله- تعالى- «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ» لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرامَ يعنى العام المقبل إِنْ شاءَ اللَّهُ يستثنى على
نفسه مثل قوله: «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا ما شاءَ
اللَّهُ» «2» ويكون ذلك «تأديبا للمؤمنين» «3» ألا يتركوا
الاستثناء، فى رد المشيئة
__________
(1، 2) سورة الأعلى: 6- 7.
(3) فى أ: «تأديب المؤمنين» والورقة ساقطة من ف.
(4/76)
إلى الله- تعالى- آمِنِينَ من العدو
مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ من أشعاركم لا
تَخافُونَ عدوكم فَعَلِمَ الله أنه يفتح عليهم خيبر قبل ذلك
«فعلم» ما لَمْ تَعْلَمُوا فذلك قوله: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ
ذلِكَ يعني قبل ذلك الحلق والتقصير فَتْحاً قَرِيباً- 27- يعني
غنيمة خيبر وفتحها، فلما كان في العام المقبل بعد ما رجع من
خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام، فأقاموا «بمكة» «1»
ثلاثة أيام فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي- صلى الله عليه
وسلم-.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ «رَسُولَهُ محمدا- صلى الله عليه وسلم-
بِالْهُدى من الضلالة» «2» وَدِينِ الْحَقِّ يعني دين الإسلام
لأن كل دين باطل غير الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ يعني على ملة أهل الأديان كلها، ففعل الله ذلك به حتى
قتلوا وأقروا بالخراج، وظهر الإسلام على أهل كل دين ... وَلَوْ
كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «3» يعني العرب، ثم قال وَكَفى
بِاللَّهِ شَهِيداً- 28- فلا شاهد أفضل من الله- تعالى- بأن
محمدا- صلى الله عليه وسلم- رسول الله، فلما كتبوا الكتاب يوم
الحديبية، وكان كتبه علي بن أبي طالب- عليه السلام- فقال سهيل
بن عمرو وحو يطب بن عبد العزى: لا نعرف أنك رسول الله، ولو
عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته. فلما أنكروا
أنه رسول الله، أنزل الله- تعالى- «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدى» من الضلال «وَدِينِ الْحَقِّ ... » إلى
آخر السورة، ثم قال- تعالى- للذين أنكروا أنه رسول
__________
(1) فى أ: «بها» .
(2) فى أ: (رَسُولَهُ بِالْهُدى) محمد- صلى الله عليه وسلم- من
الضلالة» ، وفى ف: « (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) من الضلالة»
.
(3) سورة الصف: 9.
(4/77)
الله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين أَشِدَّاءُ يعني غلظاء عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يقول متوادين بعضهم لبعض
تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يقول إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل
ركوع وسجود في الصلوات يَبْتَغُونَ فَضْلًا يعني رزقا مِنَ
اللَّهِ وَرِضْواناً يعني يطلبون رضى ربهم سِيماهُمْ يعني
علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ الهدى والسمت الحسن مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ يعني من أثر الصلاة ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي
التَّوْراةِ يقول ذلك الذي ذكر من نعت أمة محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التوراة، ثم ذكر نعتهم في
الإنجيل فقال: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ يعني الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما
يخرج فَآزَرَهُ يعني فأعانه أصحابه يعني «الوابلة» «1» التي
تنبت حول الساق فآزره كما آزر «الحلقة «2» [163 ب] والوابلة»
بعضه بعضا فأما شطأه فهو محمد- صلى الله عليه وسلم- خرج وحده
كما خرج النبت وحده، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأة
فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقا،
ثم زاد نبت الزرع فغلظ فآزره فَاسْتَغْلَظَ كما آزر المؤمنون
بعضهم بعضا حتى إذا استغلظوا واستووا على أمرهم كما استغلظ هذا
الزرع فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفَّارَ فكما يعجب الزراع حسن زرعه حين استوى قائما
على سوقه، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم، ثم قال:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ من الأعمال مِنْهُمْ مَغْفِرَةً لذنوبهم
وَأَجْراً عَظِيماً- 29- يعني به الجنة.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قال
الْهُذَيْلُ عن محمد بن إسحاق:
قال: المعرة. الدية. ويقال الشين.
__________
(1) كذا فى أ، ف: «الوابلة» .
(2) فى أ: «الحلقة الوابلة» ، وفى ف: «الحقلة والوابلة» .
[.....]
(4/78)
سورة الحجرات
(4/79)
[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 18]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا
أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ
مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ
خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ
لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ
وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(8) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى
الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (9)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ
عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ
عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ
أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
(18)
(4/81)
[سورة الحجرات «1» ] سورة الحجرات مدنية.
عددها ثماني عشرة آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
محافظة أمر الحق- تعالى-، ومراعاة حرمة الأكابر والتؤدة في
الأمور، واجتناب التهور، والاحتراز عن السخرية بالخلق، والحذر
من النجسس والغيبة، وترك الفخر بالأحساب والأنساب:
والتحاشى عن المنة على الله بالطاعة وإحالة علم الغيب إلى
الله- تعالى- فى قوله: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»
سورة الحجرات: 18.
وسميت سورة الحجرات لقوله فيها: «إن الذين ينادونك من وراء
الحجرات أكثرهم لا يعقلون: 4.
(2) فى المصحف: (49) سورة الحجرات مدنية وآياتها 18 نزلت بعد
المجادلة.
ومن العجيب أن نسخة أ (أحمد الثالث) : سورة الحجرات مدنية
عددها تسعة وعشرون آية كوفية، وفيها خطأ لغوى، فالصواب تسع
وعشرون، كما أن بها خطأ فى العدد، لأن المعروف أن سورة الحجرات
ثماني عشرة آية.
ولعله اشتبه عليه بسورة الفتح السابقة عليها إذ عددها تسع
وعشرون آية.
(4/85)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ نزلت في ثلاثة نفر وذلك أن رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة، وكانوا سبعة
وعشرين رجلا منهم عروة بن أسماء السلمي، والحكم بن كيسان
المخزومي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وبشير الأنصاري،
واستعمل عليهم المنذر ابن عمرو الأنصاري من النقباء وكتب صحيفة
ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو، فكان طريقهم على
بني سليم وبينهم وبَيْنَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- موادعة، ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة «وهم
حرب على المسلمين «1» » إن أصحاب محمد مغرورون يختلفون من بين
ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معوتة، وهو ماء لبني عامر
فسار القوم ليلا، وأضل أربعة منهم بعيرا لهم منهم بشير
الأنصاري، فأقاموا حتى أصبحوا، وسار المسلمون حتى أتوا على بني
عامر «وهم حول الماء» «2» وعليهم عامر بن الطفيل العامري،
فدعاهم المنذر ابن عمرو إلى الإسلام وقرأ عليهم حرام الصحيفة،
فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا فلما عرفوا أنهم مقتولون، قالوا:
اللهم، إنك تعلم أن رسولك أرسلنا، وإنا لا نجد من يبلغ عنا
رسولك غيرك، فأقرءه منا السلام فقد رضينا بحسن قضائك لنا. وحمل
عامر
__________
(1) «وهم حرب على المسلمين» : من ف، وفى ا: «وهم حرب المسلمون»
.
(2) فى ا: «وهم على حول الماء» .
(4/87)
ابن الطفيل على حرام فطعنه فقتله، وقتل
بقيتهم غير المنذر بن عمرو، فإنه كان دارعا [164 أ] مقنعا
وعروة بن أسماء السلمي، فقتل المنذر بعد ذلك فقالوا لعروة:
لو شئنا لقتلناك، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا، وإن شئت فاذهب
إلى غيرنا، فأنت آمن.
قال عروة: إني عاهدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا أضع
يدي في يد مشرك ولا أتخذه وليا. وجعل يحمل عليهم، ويضربونه
بعرض رماحهم ويناشدونه، ويأبى عليهم فرموه بالنبل حتى قتلوه،
وأتى جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بحالهم، فنعاهم
النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وقال: أرسل إخوانكم
يقرءونكم السلام فاستغفروا لهم. ووجد الأربعة بعيرهم حين
أصبحوا، فساروا فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني
عامر فقالت: أمن أصحاب محمد أنتم؟ فقالوا: نعم، رجاء أن تسلم،
فقالت: إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء، النجاء النجاء. ألا
ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم. فقال بشير
الأنصاري: دونكم بعيركم أنظر لكم. فسار نحوهم فرأى إخوانهم
مقتلين كأمثال البدن حول الماء فرجع إلى أصحابه فأخبرهم وقال
لهم: ما ترون؟ قالوا: نرجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-
فنخبره الخبر. فقال بشير: لكني لا أرجع والله، حتى أتغدى من
غداء القوم. فاقرءوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- مني
السلام ورحمة الله، ثم أتاهم فحمل عليهم، فناشدوه أن ارجع فأبى
وحمل عليهم، فقتل منهم ثم قُتِلَ بعد، فرجع الثلاثة يسلون
بعيرهم سلا «1» . فأتوا المدينة عند جنوح الليل، فلقوا رجلين
من بني سليم جائين من عند رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-
__________
(1) المعنى: يسيرون فى خفية خوف العدو قال- تعالى-: « ... قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً
... » سورة النور: 63، أى يخرجون خفية خشية أن يراهم النبي.
(4/88)
فقالوا: من أنتما؟ قالا: من بني عامر.
لأنهم كانوا «قريبا» «1» من بني عامر بالمدينة ولا يشعران
بصنيع بنى عامر. فقالوا: «هذان» «2» من الذين قاتلوا إخواننا،
فقتلوهما وسلبوهما، ثم دخلوا عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه، ثم
قالوا: يا نبي الله، غشينا المدينة عند المساء فلقينا رجلين من
بني عامر فقتلناهما، وهذا سلبهما. فقال النبي- صلى الله عليه
وسلم-: بل هما من بني سليم من حلفائي بئسما صنعتما، هذان رجلان
من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة. فنزلت فيهم «يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ» يقول لا تعجلوا بقتل أحد، ولا بأمر حتى
تستأمروا النبي- صلى الله عليه وسلم- فوعظهم في ذلك، وأقبل قوم
السلميين، فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إن صاحبينا قتلا عندك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن
صاحبيكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا جميعا، وأخبرهم الخبر ولكنا
سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة [164 ب] من الإبل فجعل
دية المشرك المعاهد كدية الحر المسلم،
قال:
وَاتَّقُوا اللَّهَ في المعاصي إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لمقالتكم
عَلِيمٌ- 1- بخلقه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ يعنى كلامكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
يعني فوق كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: احفظوا الكلام
عنده، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس، وشماس الأنصاري من بني
الحارث بن الخزرج وكان في أذنيه وقر، وكان إذا تكلم عند النبي-
صلى الله عليه وسلم- رفع صوته، ثم قال: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ وفيه نزلت هذه الآية
__________
(1) فى ا، ف، م: «قريب» . والأنسب «قريبا» لأنه خبر كان.
(2) فى الأصل: «هذين» .
(4/89)
«لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ
بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً «1» ... » يقول لا
تدعوه باسمه يا محمد ويا بن عبد الله كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ يقول كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان ويا بن فلان،
ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له: يا رسول الله، ويا نبي
الله، يؤدبهم أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ يعني أن تبطل حسناتكم
إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي- صلى الله عليه وسلم- وتعظموه
وتوقروه وتدعوه باسم النبوة، فإنه يحبط أعمالكم وَأَنْتُمْ لا
تَشْعُرُونَ- 2- أن ذلك يحبطها، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت
بن قيس في منزله مهموما حزينا مخافة أن يكون حبط عمله، وكان
بدريا فانطلق جاره سعد ابن عبادة الأنصاري إلى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بقول ثابت بن
قيس، بأنه قد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ وهو في النار.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لسعد: اذهب فأخبره، أنك لم
تعن بهذه الآية، ولست من أهل النار، بل أنت من أهل الجنة وغيرك
من أهل النار. يعني عبد الله بن أبي المنافق، فاخرج إلينا فرجع
سعد إلى ثابت فأخبره بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- ففرح
وخرج إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-. فقال النبي- صلى الله
عليه وسلم- حين رآه: مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار بل غيرك
من أهل النار، يعني عبد الله بن أبي- وكان جاره-، وأنت من أهل
الجنة.
فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي- صلى الله عليه وسلم- خفض
صوته فلا يسمع من يليه، فنزلت فيه بعد الآية الأولى إِنَّ
الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ
يعني يخفضون كلامهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ يعني أخلص الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ يعني جزاء عَظِيمٌ- 3-
يعني الجنة، فقال ثابت بعد ذلك: ما يسرني أني لم أجهر بصوتى
__________
(1) سورة النور: 63.
(4/90)
عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأني
لم أخفض صوتي «إذا» «1» امتحن الله قلبي للتقوى، وجعل لي مغفرة
لذنوبي وجعل لي أجرا عظيما يعني الجنة. فلما كان على عهد أبي
بكر الصديق- رضي الله عنه-[165 أ] غزا ثابت إلى اليمامة فرأى
المسلمين قد انهزموا. فقال لهم: أف لكم، ولما تصنعون، اللهم
إني أعتذر إليك من صنيع هؤلاء. ثم نظر إلى المشركين فقال:
أُفٍّ لَكُمْ، وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، اللهم
إني أبرأ إليك مما يعبد هؤلاء، ثم قاتلهم حتى قتل- رحمة الله
عليه- قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ
الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ- 4- نزلت في تسعة رهط
ثمانية منهم من بني تميم، ورجل من قيس، فمنهم الأقرع بن حابس
المجاشعي، وقيس بن عاصم المنقري، والزبرقان بن بدر الهذلي،
وخالد بن مالك، وسويد بن هشام النهشليين، والقعقاع بن معبد،
وعطاء بن حابس، ووكيع بن وكيع من بنى دارم، وعيينة ابن حصن
الفزاري، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصاب طائفة من
ذراري بني العنبر، «فقدموا» «2» المدينة في الظهيرة «لفداء»
«3» ذراريهم فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم
فنهضوا إلى المسجد والنبي- صلى الله عليه وسلم- في منزله
فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم-
فنادى أكثرهم من وراء الحجرات: يا محمد. مرتين ألا تخرج إلينا
فقد جئنا في الفداء،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ويلك مالك حداك
__________
(1) فى أ: «إنى» ، وفى ف: «إذا» .
(2) فى أ: «قدموا» ، وفى ف: «فقدموا» .
(3) فى أ: «لفدى» .
(4/91)
المنادي «1» فقال: أما والله إن حمدي لك
زين وإن ذمي لك شين. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ويلكم
ذلكم الله- تعالى- فلم يصبروا حتى يخرج إليهم- صلى الله عليه
وسلم-
فذلك قوله وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ
إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يعني بالخير لو أنهم صبروا
«حتى تخرج إليهم لأطلقتهم من غير فداء» «2» . ثم قال:
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 5- لقولهم يا محمد ألا تخرج إلينا
قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط
الأموي إلى بني المصطلق وهم حي من خزاعة، ليقبض صدقة أموالهم
فلما بلغهم ذلك فرحوا واجتمعوا ليتلقوه فبلغ الوليد ذلك فخافهم
على نفسه وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية من أجل شيء كانوا
أصابوه فرجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم، فقال: طردوني
ومنعونى الصدقة وكفوا بعد إسلامهم فلما قال ذلك انتدب المسلمون
لقتالهم «3» ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إلا حتى أعلم
العلم. فلما بلغهم أن الوليد رجع من عندهم بعثوا وفدا من
وجوههم فقدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة،
فقالوا: يا رسول الله، إنك أرسلت إلينا من يأخذ صدقاتنا فسررنا
بذلك، وأردنا أن نتلقاه فذكر لنا أنه رجع من بعض الطريق فحفنا
أنه إنما [165 ب] رده غضب علينا وإنا تعوذ بالله من غضبه وغضب
رسوله، والله ما رأيناه ولا أتانا ولكن حمله على ذلك شيء كان
بيننا وبينه في الجاهلية فهو يطلب يدخل الجاهلية، فصدقهم
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) من ف: وفى أ: «لخلا النبي- صلّى الله عليه وسلم- بغير فدى»
.
(3) كذا فى أ، ف. والمعنى ندب المسلمون أنفسهم لقتالهم، وحثوا
بعضهم على قتالهم. [.....]
(4/92)
النبي- صلى الله عليه وسلم-
فأنزل الله- تعالى- في الوليد ثلاث آيات متواليات بفسقه وبكذبه
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ» يقول إن جاءكم كاذب بحديث كذب فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قتل قَوْماً بِجَهالَةٍ وأنتم جهال بأمرهم يعني بني
المصطلق فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ- 6- يعني
الذين انتدبوا لقتال بني المصطلق وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ يقول لو أطاعكم النبي- صلى
الله عليه وسلم- حين انتدبتم لقتالهم فِي كَثِيرٍ مِنَ
الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ يعني لأثمتم في دينكم، ثم ذكرهم النعم،
فقال وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ يعنى
التصديق وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ للثواب الذي وعدكم
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ يعني الإثم
وَالْعِصْيانَ يعني بغض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله
فمن عمل بذلك منكم وترك ما نهاه عنه أُولئِكَ هُمُ
الرَّاشِدُونَ- 7- يعنى المهتدين فَضْلًا مِنَ اللَّهِ
وَنِعْمَةً يقول الإيمان الذي حببه إليكم فضلا من الله ونعمة
يعنى ورحمة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ- 8- فى أمره، قوله
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقف على حمار له يقال له يعفور
قبال الحمار، فقال عبد الله بن أبي للنبي- صلى الله عليه
وسلم-: خل للناس «مسيل» «1» الريح من نتن هذا الحمار. ثم قال:
أف وأمسك بأنفه فشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله.
فانصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: عبد الله بن أبي
رواحة، ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره، والله، لهو أطيب
ريح «عرض» «2» منك. فلجا في القول فاجتمع قوم عبد الله بن
رواحة، الأوس، وقوم عبد الله بن أبى الخزرج، فكان بينهم
__________
(1) فى أ: «سبيل» ، ف: «مسبل» .
(2) فى أ، ف: «عرض» ولعل معناه أن عرضه وشرفه نزيه برىء طيب.
(4/93)
ضرب بالنعال والأيدي والسعف فرجع النبي-
صلى الله عليه وسلم- إليهم فأصلح بينهم، فأنزل الله- تعالى-
«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
يعني الأوس والخزرج اقتتلوا. فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بكتاب
الله- عز وجل- فإن كره بعضهم الصلح، قال الله: فَإِنْ بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ولم ترجع إلى الصلح فَقاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي بالسيف يعني التي لم ترجع حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللَّهِ يعنى حتى ترجع إلى الصلح الذي أمر فَإِنْ
فاءَتْ يعني فإن رجعت إلى الصلح فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا يعنى وأعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ- 9- يعنى الذين يعدلون بين الناس، ثم قال:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ [166 أ] . يعني الأوس والخزرج وَاتَّقُوا اللَّهَ
ولا تعصوه، لما كان بينكم، قوله: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 10-
يعني لكي ترحموا فلا تعذبوا لما كان بينكم، قوله: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ يقول لا
يستهزئ الرجل من أخيه، فيقول: إنك ردئ المعيشة، لئيم الحسب،
وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر دنياه، ولعله خير منه عند
الله- تعالى- فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي- صلى
الله عليه وسلم- من وراء «الحجرات» «1» «وقد استهزءوا «2» » من
الموالي عمار ابن ياسر، وسلمان الفارسي، وبلال المؤذن، وخباب
بن الأرت، وسالم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفة، وعامر بن فهيرة،
ونحوهم من الفقراء قال: «وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية
المسلمين يوم اليمامة» «3» فقالوا له: إنا نخشى عليك. فقال
سالم: بئس
__________
(1) فى أ: «الحجاب» ، وفى ف: «الحجرات» .
(2) «استهزءوا» : فى أ، ف.
(3) ما بين « ... » ورد هكذا فى أ، ف.
(4/94)
حامل القرآن أنا إذًا، فقاتل حتى قُتِلَ ثم
قال: عَسى أَنْ يَكُونُوا «1» خَيْراً مِنْهُمْ «عند الله» «2»
وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ «عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً
مِنْهُنَّ» «3» نزلت في عائشة «بنت» «4» أبي بكر- رضي الله
عنهما- استهزأت من قصر أم سلمة بنت أبي أمية، ثم قال: وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ يقول لا يطعن بعضكم على بعض فإن ذلك
معصية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وذلك
أن كعب بن مالك الأنصاري كان يكون على المقسم فكان بينه وبين
عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام، فقال له:
يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي. ثم انطلق عبد الله
فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال «له» «5» النبي- صلى
الله عليه وسلم- لعلك قلت له: يا يهودي؟
قال: نعم قد قلت له ذلك إذا لقبني أعرابيا وأنا مهاجر، فقال له
النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا تدخلا علي حتى ينزل الله
توبتكما فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر،
فأنزل الله- تعالى- فيهما «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ»
يقول لا يعير الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل
الإسلام ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يعني بئس الاسم هذا، أن يسميه
باسم الكفر بعد الإيمان يعنى بعد ما تاب وآمن بالله- تعالى-
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ من قوله: فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
__________
(1) «عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ» : ساقطة من أ، ف،
وفى الجلالين «عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ» عند
الله.
(2) «عند الله» : زيادة من الجلالين.
(3) «عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ» : ساقطة من أ، ف.
(4) فى أ: «ابنت» .
(5) «له» : من ف، وليست فى أ.
(4/95)
- 11- فلما أنزل الله- تعالى- توبتهما وبين
أمر هما تابا إلى الله- تعالى- من قولهما وحلا أنفسهما من
الوثائق. قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ يقول لا تحققوا الظن وذلك أن الرجل
يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوءا أو يدخل مدخلا لا يريد به
سوءا فيراه أخوه المسلم أو يسمعه فيظن به سوءا فلا بأس ما لم
يتكلم به فإن تكلم به أثم، فذلك قوله: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ ثم قال: وَلا تَجَسَّسُوا يعني لا يبحث الرجل عن عيب
أخيه المسلم فإن ذلك معصية وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
نزلت في «فتير» «1» ويقال فهير خادم النبي- صلى الله عليه
وسلم- وذلك أنه قيل له [166 ب] إنك وخيم ثقيل بخيل، والغيبة أن
يقول الرجل المسلم لأخيه ما فيه من العيب، فإن قال ما ليس فيه
فقد بهته ثم ضرب للغيبة مثلا، فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً يقول إذا غاب عنك المسلم، فهو
حين تذكره بسوء بمنزلة الشيء الميت لأنه لا يسمع بعيبك إياه
فكذلك الميت لا يسمع ما قلت له، فذلك قوله: «أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً»
فَكَرِهْتُمُوهُ يعني كما كرهتم أكل لحم الميت فاكرهوا الغيبة
لإخوانكم وَاتَّقُوا اللَّهَ في الغيبة فلا تغتابوا الناس
إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ على من تاب رَحِيمٌ- 12- بهم بعد
التوبة، والغيبة أن تقول لأخيك ما فيه من العيب فإن قلت ما ليس
فيه فقد بهته، وإن قلت ما بلغك فهذا الإفك قوله: يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يعني آدم
وحواء نزلت في بلال المؤذن وقالوا في سلمان الفارسي وفي أربعة
نفر من قريش، فى عتاب بن أسيد ابن أبي العيص، والحارث بن هشام،
وسهيل بن
__________
(1) فى أ: «فنبره ويقال فهيرة» ، ف: «فتير ويقال فهير» .
(4/96)
عمرو، وأبي سفيان بن حرب، كلهم من قريش
وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة أمر بلالا فصعد ظهر
الكعبة وأذن، وأراد أن يذل المشركين بذلك، فلما صعد بلال وأذن.
قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم.
وقال الحارث بن هشام: عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الغراب الأسود وقال سهيل بن
عمرو:
إن يكره الله شيئا يغيره. وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول،
فإني لو قلت شيئا لتشهدن عليّ السماء ولتخبرن عني الأرض- فنزل
جبريل على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بقولهم فدعاهم
النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف قلت يا عتاب؟ قال قلت:
الحمد لله الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم. قال: صدقت.
ثم قال للحارث بن هشام: كيف قلت؟ قال: عجبت لهذا العبد الحبشي
أما وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الغراب
الأسود. قال: صدقت.
ثم قال لسهيل بن عمرو: كيف قلت؟ قال: قلت إن يكره الله شيئا
يغيره. قال:
صدقت. ثم قال لأبي سفيان: كيف قلت؟ قال: قلت أما أنا فلا أقول
شيئا فإني لو قلت شيئا لتشهدن عليّ السماء ولتخبرن عني الأرض.
قال: صدقت، فأنزل الله- تعالى- فيهم «يا أَيُّهَا النَّاسُ»
يعنى بلالا وهؤلاء الأربعة «إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى» وعنى آدم وحواء وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً يعني رءوس
القبائل ربيعة ومضر وبنو تميم والأزد وَقَبائِلَ يعني الأفخاذ
بنو سعد، وبنو عامر، وبنو قيس، ونحوه لِتَعارَفُوا فى النسب
[167 أ] ، ثم قال إِنَّ أَكْرَمَكُمْ يعني «بلالا» «1» عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- 13- «يعنى
أن أتقاكم بلال «2» » .
__________
(1) أ: «بلال» ، وفى ف: «بلال» .
(2) فى أ: «يعنى أتقاكم بلال» ، ر فى ف: يعنى «أن أتقاكم بلال»
.
تفسير مقاتل ج 4- م 7.
(4/97)
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ
تُؤْمِنُوا نزلت في أعراب جهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع،
«كانت» «1» منازلهم بين مكة والمدينة، فكانوا إذا مرت بهم سرية
من سرايا النبي- صلى الله عليه وسلم- قالوا آمنا ليأمنوا على
دمائهم وأموالهم، وكان يومئذ من قال «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ»
يأمن على نفسه وماله فمر بهم خالد بن الوليد في سرية للنبي-
صلى الله عليه وسلم- فقالوا آمنا فلم يعرض لهم، ولا لأموالهم،
فلما سار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية واستنفرهم
معه. فقال بعضهم لبعض:
إن محمدا وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة، وإنهم كلفوا شيئا لا
يرجعون عنه أبدا فأين تذهبون تقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى ننظر
ما يكون من أمره، فذلك قوله في الفتح: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ
لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ
أَبَداً ... إلى آخر الآية «2» فنزلت فيهم قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا يعنى صدقنا، قل لهم: يا محمد لَمْ تُؤْمِنُوا لم
تصدقوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا يعني قولوا أقررنا باللسان،
واستسلمنا لتسلم لنا أموالنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ
يعني ولما يدخل التصديق فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قتال أهل اليمامة حيث قال في سورة
الفتح: ... سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
... «3» يعنى قتال مسيلمة بين حبيب الكذاب وقومه بني حنيفة،
وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إذا دعيتم إلى قتالهم لا
يَلِتْكُمْ يعني لا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً الحسنة
يعنى جهاد أهل ايمامة
__________
(1) «كانت» : من ف، وليست فى ا. [.....]
(2) سورة الفتح: 12، وتمامها: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ
يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ
أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ
السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً.
(3) سورة الفتح: 16، وتمامها: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ
الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ
اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما
تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً.
(4/98)
حين دعاهم أبو بكر- رضي الله عنه- إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ يعني ذو تجاوز لما كان قبل ذلك يوم الحديبية
رَحِيمٌ- 14- بهم إذا فعلوا ذلك نظيرها فى الفتح، ثم أخبر عن
المؤمنين فنعتهم، لقول هؤلاء الأعراب آمنا، فقال: إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ:
المصدقون في إيمانهم الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بِاللَّهِ
بأنه واحد لا شريك له «وَرَسُولِهِ» «1» محمد- صلى الله عليه
وسلم- أنه نبي رسول وكتابه الحق ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا يعني لم
يشكوا في دينهم بعد الإيمان «وَجاهَدُوا» العدو مع النبي- صلى
الله عليه وسلم- بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعني باشروا
القتال بأنفسهم فِي سَبِيلِ اللَّهِ» «2» يعني في طاعة الله
أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ- 15- فى إيمانهم قُلْ: يا محمد،
لجهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع: أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ حين قالوا آمنا بألسنتهم، وليس ذلك في قلوبهم،
فأخبرهم أنه يعلم ما في قلوبهم «وما في قلوب» «3» أهل السموات
فقال:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ غيب ما فِي السَّماواتِ يعني ما في قلوب
أهل السموات من الملائكة وَما فِي الْأَرْضِ يعني ويعلم غيب ما
في قلوب أهل [167 ب] الأرض من التصديق وغيره وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ مما في قلوبهم من التصديق وغيره عَلِيمٌ- 16-
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في أناس من الأعراب:
بني أسد بن خزيمة قدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم-
فقالوا: جئناك وأتيناك بأهلنا طائعين عفوا على غير قتال،
وتركنا الأموال والعشائر وكل قبيلة فى العرب
__________
(1) فى أ: «وبرسوله» .
(2) فى أ، ف «وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ» فخالف ترتيب الآية، وقد أعدت ترتيبها كما وردت
فى المصحف «وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ» .
(3) «وما في قلوب» : زيادة اقتضاها السياق.
(4/99)
قاتلوك حتى أسلموا، فلنا عليك حق فاعرف لنا
ذلك. فنزلت فيهم «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ» يا محمد «أَنْ
أَسْلَمُوا» قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ يعنى
التصديق إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 17- فى أيمانكم إِنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ يعني غيب ما في قلوب أهل
السموات من الملائكة وَالْأَرْضِ يعني يعلم ما في قلوب أهل
الأرضين التصديق وغيره، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ-
18- من التصديق وغيره.
(4/100)
|