تفسير مقاتل بن سليمان

سورة ق

(4/101)


[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 45]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)

(4/103)


[سورة ق «1» ] سورة ق مكية:
عددها خمس وأربعون آية كوفية «2» :
__________
(1) «مقصود السورة» :
إنبات النبوة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وبيان حجة التوحيد، والإخبار عن إهلاك القرون الماضية وعلم الحق- تعالى- بضمائر الخلق وسرائرهم، وذكر الملائكة الموكلين على الخلق، المشرفين على أقوالهم وذكر بعث القيامة، وذلك العاصين يومئذ، ومناظرة المنكرين بعضهم بعضا فى ذلك اليوم، وتغيظ الحجيم على أهله، وتشرف الجنة بأهلها والخبر عن خلق السماء والأرض وذكر نداء إسرافيل بنفخة الصور ووعظ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- الخلق بالقرآن المجيد فى قوله: ... فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ سورة ق: 45.
(2) فى المصحف: (50) سورة ق مكية إلا آية 38 فمدينة وآياتها 45 نزلت بعد سورة المرسلات.

(4/107)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ- 1- وقاف جبل من زمردة خضراء محيط بالعالم، فخضرة السماء منه ليس من الخلق شيء على خلقه «وتنبت» «1» الجبال منه، وهو وراء الجبال وعروق الجبال كلها من قاف، فإذا أراد الله- تعالى- زلزلة أرض أوحى إلى الملك الذي عنده أن يحرك عرقا من الجبل، فتتحرك الأرض «التي» «2» يريد وهو أول جبل خلق، ثم أبو قبيس بعده وهو الجبل الذي الصفا تحته ودون قاف بمسيرة سنة، جبل تغرب فيه الشمس يقال له الحجاب، فذلك قوله- تعالى- ... حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «3» يعني بالجبل، وهو من وراء الحجاب وله وجه كوجه الإنسان وقلب كقلوب الملائكة في الخشية لله- تعالى- وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه، والحجاب دون قاف بمسيرة سنة وما بينهما ظلمة والشمس تغرب من وراء الحجاب في أصل الجبل، فذلك قوله ... حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يعني بالجبل، وذلك قوله في مريم فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً ...
«4» يعنى جبلا. «وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» يعنى والقرآن الكريم. فأقسم الله- تعالى- بهما «5» ، ثم استأنف بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يعنى محمدا
__________
(1) «وتنبت» : من ف، وهي غير واضحة في أ.
(2) في الأصل «الذي» .
(3) سورة ص: 42 وتمامها فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ.
(4) سورة مريم: 17 وتمامها ... فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.
(5) أى أقسم ب «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» .

(4/109)


- صلى الله عليه وسلم- فَقالَ الْكافِرُونَ من أهل مكة هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ- 2- يعني هكذا الأمر عجيب أن يكون محمد رسولا، وذلك أن كفار مكة كذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: «ليس من الله» «1» . وقالوا أيضا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ إلى الحياة بَعِيدٌ- 3- بأن البعث غير كائن، نزلت في أبي بن خلف الجمحي، وأبي الأشدين واسمه [168 أ] أسيد بن كلدة، وهما من بني جمح ونبيه ومنبه أخوين ابني الحجاج السهميين، وكلهم من قريش، وقالوا: إن الله لا يحيينا، وكيف يقدر علينا إذا كنا ترابا وضللنا في الأرض؟ يقول الله- تعالى-: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ يقول ما أكلت من الموتى من لحوم، وعروق، وعظام بني آدم- ما خلا العصعص-: وتأكل لحوم الأنبياء «والعروق» ، «2» «ما خلا» «3» عظامهم مع علمي فيهم «وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ» «4» - 4- يعني محفوظ من الشياطين يعني اللوح المحفوظ. «قل بل الله يبعثهم» »
، ثم استأنف بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعني بالقرآن لَمَّا جاءَهُمْ يعني حين جاءهم به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ- 5- يعني مختلف ملتبس، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا فقال: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ- 6- يعنى من خلل وَالْأَرْضَ أولم يروا إلى الأرض كيف مَدَدْناها
يعنى بسطناها مسيرة خمسمائة سنة من
__________
(1) كذا فى أ، ف، والمعنى «ليس رسولا من عند الله» .
(2) فى أ: «والقرون» ، وفى ف: «والعروق» . [.....]
(3) فى أ: «ما خلا» ، وفى ف: «وما خلا» .
(4) في أ: « (عندنا) فى (كِتابٌ حَفِيظٌ) » ، وفى حاشية أ: «الآية (وعندنا) » .
(5) فى أ: «قل بل يبعثهم الله- تعالى-» وفى ف: «قل به الله يبعهم» .

(4/110)


تحت الكعبة وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ يعني الجبال وهي ستة أجبل، والجبال كلها من هذه الستة الأجبل وَأَنْبَتْنا فِيها في الأرض مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يعني من كل صنف من النبت بَهِيجٍ- 7- يعنى حسن تَبْصِرَةً وَذِكْرى يعني هذا الذي ذكر من خلقه جعله تبصرة وتفكرة لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ- 8- يعنى مخلص القلب بالتوحيد، ثم قال: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً يعنى المطرفيه البركة حياة كل شيء فَأَنْبَتْنا بِهِ بالمطر جَنَّاتٍ يعنى بساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ- 9- يعني حين يخرج من سنبلة وَأنبتنا بالماء النَّخْلَ باسِقاتٍ يعني النخل الطوال لَها طَلْعٌ يعني الثمر نَضِيدٌ- 10- يعني منضود بعضه على بعض مثل قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ... «1» وجعلنا هذا كله رِزْقاً لِلْعِبادِ، ثم قال: وَأَحْيَيْنا بِهِ بالماء بَلْدَةً مَيْتاً لم يكن عليها نبت فنبتت الأرض، ثم قال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ- 11- يقول وهكذا تخرجون من القبور بالماء، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء، فهذا كله من صنيعه ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ «2» يعنى أصحاب البئر اسمها قلج وهي البئر التي قتل فيها حبيب النجار صاحب ياسين وَثَمُودُ- 12- وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ- 13- وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني غيضة الشجر أكثرها الدوم المقل وهم قوم شعيب- عليه السلام- وَقَوْمُ تُبَّعٍ بن أبي شراح ويقال شراحيل الحميري «كُلٌّ كل هؤلاء» «3» كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ- 14- يعنى فوجب عليهم عذابي فعذبتهم فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية [168 ب] ، فلا
__________
(1) سورة الواقعة: 9.
(2) الآية ناقصة وفيها أخطا. فى أ، ف.
(3) فى أ: (كل) هؤلاء.

(4/111)


تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم-، لما قال كفار مكة: ... ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ «1» ، فأنزل الله- تعالى- أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ فى أول هذه السورة وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، يقول الله- تعالى- أعجزت عن الخلق حين خلقتهم ولم يكونوا شيئا، فكيف أعيى عن بعثهم، فلم يصدقوا، فقال الله- تعالى- بل يبعثهم الله، ثم استأنف فقال: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ- 15- يقول في شك من البعث بعد الموت. ثم قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ يعني قلبه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ- 16- وهو عرق خالط القلب فعلم الرب- تعالى- أقرب إلى القلب من ذلك العرق، ثم قال: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه عَنِ الْيَمِينِ ملك يكتب الحسنات وَعَنِ الشِّمالِ ملك قَعِيدٌ- 17- يكتب السيئات فلا يكتب صاحب الشمال إلا بإذن صاحب اليمين، فإن تكلم ابن آدم بأمر ليس له ولا عليه اختلفا في الكتاب «2» ، فإذا اختلفا نوديا من السماء ما لم يكتبه صاحب السيئات فليكتبه صاحب الحسنات، فذلك قوله: مَا يَلْفِظُ ابن آدم مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ- 18- يقول إلا عنده حافظ قعيد يعني ملكيه، قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ يعنى غمرة الْمَوْتِ بِالْحَقِّ يعني أنه حق كائن ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ- 19- يعني من الموت تحيد، يعني يفر ابن آدم يعنى بالفرار كراهيته للموت، قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الآخرة ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ- 20- يعنى بالوعيد العذاب فى الآخرة وَجاءَتْ في الآخرة كُلُّ نَفْسٍ كافرة مَعَها سائِقٌ
__________
(1) سورة ق: 2.
(2) كذا فى أ، ف، والمراد الكتابة، أى أن كل واحد منهما يريد أن يكتب هذا الأمر.

(4/112)


يعني ملك يسوقها إلى محشرها وَشَهِيدٌ- 21- يعني ملكها هو شاهد عليها بعملها لَقَدْ كُنْتَ يا كافر فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ يعني «عن غطاء الآخرة» «1» فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ- 22- يعني يشخص بصره، ويديم النظر فلا يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به فى الدنيا وَقالَ قَرِينُهُ في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيئ في دار الدنيا هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ- 23- يقول لربه قد كنت وكلتنى به في الدنيا، فهذا عندي معد حاضر من عمله الخبيث قد أتيتك به وبعمله، نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي يقول الله- تعالى-:
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ يعنى الخازن وهو فى كلام العرب، «خذاه» «2» يخاطب الواحد مخاطبة الاثنين «للواحد» «3» كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ- 24- يعني المعرض عن توحيد الله- تعالى- وهو الوليد بن المغيرة، ثم ذكر عمله فقال: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يعني منع ابن أخيه وأهله عن الإسلام وكان لا [169 أ] يعطي في حق الله، «ويسر الغشم والظلم» «4» فهو مُعْتَدٍ مُرِيبٍ- 25- يعني شاكا في توحيد الله- تعالى- يعنى الوليد، ثم نعته فقال: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فى الدنيا فَأَلْقِياهُ يعني الخازن فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ- 26- يعنى عذاب جهنم قالَ قَرِينُهُ يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ فيما يعتذر به إلى ربه يقول لم يكن لي قوة أن أضله
__________
(1) كذا فى أ، ف، ولعل أصله «عنك غطاء الآخرة» .
(2) في أ: «خذاه» ، وفى ف: «خذ له» .
(3) «للواحد» : من أوليست فى ف.
(4) فى أ، ف: «يسر الغشم والظلم» ، «وربما كان أصلها «بسبب الغشم والظلم» .
تفسير مقاتل ج 4- م 8

(4/113)


بغير سلطانك وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 27- يعنى شيطانه يعنى ولكن كان في الدنيا الوليد بن المغيرة المخزومي في ضلال بعيد في خسران طويل قالَ الله- تعالى- لابن آدم وشيطانه الذي أغواه لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يعنى عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ- 28- يقول قد أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعني عندي الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيت ما أنا قاض وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 29- يقول لم أعذب على غير ذنب «يَوْمَ نَقُولُ» يقول الرب «1» لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ- 30- «فينتقص» «2» .
قال مُقَاتِلُ: قال ابن عباس: وتقول «قط قط» ، وتقول «قد امتلأت» ، فليس في مزيد، تقول: ليس في سعة، وفي الجنة سعة» . فيخلق الله لها خلقا فيسكنون فضاءها «3» وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ يعني قربت الجنة لِلْمُتَّقِينَ الشرك غَيْرَ بَعِيدٍ- 31- فينظرون إليها قبل دخولها حين تنصب عن يمين العرش يقول هَذَا الخير مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ مطيع حَفِيظٍ- 32- لأمر الله- عز وجل- فقال: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فأطاعه ولم يره وَجاءَ فى الآخرة بِقَلْبٍ مُنِيبٍ- 33- يعني بقلب مخلص ادْخُلُوها يعني الجنة بِسَلامٍ يقول فسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عن سيئاتهم وشكر لهم اليسير من أعمالهم الصالحة ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ- 34-
__________
(1) فى أ: (يوم يقول) الرب.
(2) فى أ: «فتنتفض» ، وفى ف: «فينتقص» . [.....]
(3) الضمير عائد على الجنة، أى بخلق خلقا للجنة «فيسكنون فى قضائها» والكلمة في أ، ف:
فضاها.

(4/114)


في الجنة لا موت فيها يعني في الجنة لَهُمْ ما يَشاؤُنَ من الخير فِيها وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار كل يوم جمعة في رمال المسك فيقول: سلوني. فيسألونه: الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم داري، «وأنيلكم «1» » كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر. ثم يقول: سلوني ما شئتم. فيسألونه حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها» ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوا ولم يتمنوا ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله- تعالى-: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ- 35- يعنى وعندنا مزيد [169 ب] ، ثم خوف كفار مكة، فقال: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ يعني قبل كفار مكة مِنْ قَرْنٍ يعنى أمة هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ من أهل مكة بَطْشاً يعني قوة فَنَقَّبُوا يعني هربوا فِي الْبِلادِ ويقال «حولوا» «2» في البلاد هَلْ مِنْ مَحِيصٍ- 36- يقول هل من فرار إِنَّ فِي ذلِكَ يعني في هلاكهم في الدنيا لَذِكْرى يعني لتذكرة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ «يعني» «3» حيا يعقل الخير أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ يقول أن ألقى بأذنيه السمع وَهُوَ شَهِيدٌ- 37- يعني وهو شاهد القلب غير غائب وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وذلك أن اليهود قالوا إن الله حين فرغ «من خلق» «4» السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، استراح يوم السابع وهو يوم السبت، فلذلك لا يعملون يوم السبت شيئا «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ»
__________
(1) فى أ: «وأنالكم» ، وفى حاشية أ: «وأنيلكم» .
(2) «حولوا» : كذا فى أ، ف.
(3) «يعنى» : ساقطة من أ.
(4) «من خلق» زيادة اقتضاها السياق.

(4/115)


وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ومقدار كل يوم ألف سنة من أيامكم هذه وَما مَسَّنا يعني وما أصابنا مِنْ لُغُوبٍ- 38- يعنى من إعياء يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ لقولهم إن الله استراح يوم السابع وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول وصل بأمر ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ- 39- يقول صل بالغداة والعشي يعني صلاة الفجر والظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يقول فصل المغرب والعشاء وَأَدْبارَ السُّجُودِ- 40- يعني الركعتين بعد صلاة المغرب وقتهما ما لم يغب الشفق وَاسْتَمِعْ يا محمد يَوْمَ «يُنادِ الْمُنادِ» «1» فهو إسرافيل وهي النفخة الآخرة مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ- 41- يعني من الأرض نظيرها في سبأ ... وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ «2» يعني من تحت أرجلهم، وهو إسرافيل- عليه السلام- قائم على صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا فيسمع الخلائق كلهم فيجتمعون ببيت المقدس، «وهي» «3» وسط الأرض وهو المكان القريب، وهو، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ يعني نفخة إسرافيل الثانية بالحق يعني أنها كائنة، فذلك قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ- 42- من القبور إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى وَنُمِيتُ الأحياء وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ- 43- يعني مصير الخلائق كلهم إلى الله فى الآخرة، فقال: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً إلى الصوت نظيرها فى «سَأَلَ سائِلٌ» «4»
__________
(1) فى أ: «ينادى المنادى» ، وفى المصحف: «يُنادِ الْمُنادِ» .
(2) سورة سبأ: 51.
(3) «وهي» : أى منطقة الاجتماع.
(4) سورة المعارج: 1، ويقصد الآية 43 وهي: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» .

(4/116)


ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ- 44- يعني جميع الخلائق علينا هين: وينادي في القرن، ويقول لأهل القبور: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا لتنفخ فيكم أرواحكم، وتجازون بأعمالكم ويديم الملك الصوت، فذلك قوله: «يَوْمَ يَسْمَعُونَ» [170 أ] «الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ» «1» من القبور نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ في السر مما يكره النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني كفار مكة وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِجَبَّارٍ يعني بمسلط فتقتلهم فَذَكِّرْ يعني فعظ أهل مكة بِالْقُرْآنِ يعنى بوعيد القرآن مَنْ يَخافُ «وَعِيدِ» «2» - 45-: وعيدي يعنى عذابي فى الآخرة فيحذر المعاصي.
__________
(1) سورة ق: 42.
(2) فى أ: «وعيدي» ، والتلاوة: «وعيد» .

(4/117)


سورة الذّاريات

(4/119)


[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 60]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)

(4/121)


[سورة الذاريات «1» ] سورة الذاريات مكية.
عددها ستون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ذكر القسم بحقية البعث والقيامة، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة، وثواب أرباب الهداية وحجة الوحدانية وكرامة إبراهيم فى باب الضيافة، وإهلاك قوم لوط، وملامة فرعون وأهله، وخسارة عاد وثمود وقوم نوح، وخلق السماء والأرض للنفع والإفادة، وزوجية المخلوقات، لأجل الدلالة، وتكذيب المشركين للرسول- صلّى الله عليه وسلم» - وتخليق الخلق لأجل العبادة.
(2) فى المصحف: (51) سورة الذاريات مكية ... وآياتها 60 نزلت بعد سورة الأحقاف.
وسميت سورة الذاريات لمفتتحها بها فى قوله: «وَالذَّارِياتِ ذَرْواً» الآية الأولى.

(4/125)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِياتِ ذَرْواً- 1- يعنى الرياح «ذرت» «1» ذروا فَالْحامِلاتِ وِقْراً- 2- يعني السحاب موقرة من الماء فَالْجارِياتِ يُسْراً- 3- يعني السفن مرت مرا فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً- 4- يعني «أربعة» «2» من الملائكة جبريل، وميكائيل، «وإسرافيل» «3» وملك الموت يقسمون الأمر بين الخلائق، وهم المدبرات أمرا بأمره في بلاده وعباده فأقسم الله- تعالى- بهؤلاء الآيات إِنَّما تُوعَدُونَ يعني إن الذي توعدون من أمر الساعة لَصادِقٌ- 5- يعنى لحق وَأقسم بهن أيضا إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ- 6- يعنى إن الحساب لكائن وَأقسم ب السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ- 7- يعني مثل الطرائق التي تكون في الرمل من الريح، ومثل الماء تصيبه الريح فيركب بعضه بعضا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال أبو صالح: «وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ» الخلق الحسن إِنَّكُمْ يا أهل مكة لَفِي قَوْلٍ يعني القرآن مُخْتَلِفٍ- 8- شك يؤمن به بعضكم ويكفر به بعضكم يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ- 9-
__________
(1) فى أ: «أذرت» ، وفى ف: «ذرت» . [.....]
(2) «أربعة» : كذا فى أ، ف.
(3) «وإسرافيل» : من ف، وليست في أ.

(4/127)


يعني عن الإيمان بالقرآن، يعني يصرف عن القرآن من كذب به يعني الخراصين يقول الكذابون الذين يخرصون الكذب.
قُتِلَ يعني لعن الْخَرَّاصُونَ- 10- نظيرها في النحل، وكانوا سبعة عشر رجلا فقال لهم الوليد بن المغيرة المخزومي: لينطلق كل أربعة منكم أيام الموسم فليجلسوا على طريق ليصدوا الناس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وتخرصهم، أنهم قالوا للناس، إنه ساحر، ومجنون، وشاعر، وكاهن، وكذاب. وبقي الوليد بمكة يصدقهم بما يقولون، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ- 11- يعني في غفلة لاهون عن أمر الله- تعالى- يَسْئَلُونَ النبي- صلى الله عليه وسلم- أَيَّانَ يقول متى يَوْمُ الدِّينِ- 12- يعني يوم الحساب، فقالوا: يا محمد، وهم الخراصون متى يكون الذي تعدنا به تكذيبا به، من أمر الحساب، فأخبر الله- عز وجل- عن ذلك اليوم فقال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ- 13- يعنى يعذبون، يحرقون، كقوله [170 ب] : ... إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ.. «1» وقال لهم خزنتها: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ يعني عذابكم هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ- 14- في الدنيا استهزاء به وتكذيبا بأنه غير نازل بنا، لقولهم في الدنيا للنبي- صلى الله عليه وسلم- متى هذا الوعد الذي تعدنا به إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ- 15- يعني بساتين وأنهار جارية آخِذِينَ في الآخرة ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ يعني ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة في الجنة ثم أثنى عليهم فقال: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ
الثواب فى الدنيا مُحْسِنِينَ- 16- فى أعمالهم، ثم قال: إنهم
__________
(1) سورة البروج: 10.

(4/128)


كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ «1» - 17- ما ينامون وَبِالْأَسْحارِ يعني آخر الليل هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ- 18- يعني يصلون وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ يعني المسكين وَالْمَحْرُومِ- 19- الفقير الذي لا سهم له، ولم يجعل الله للفقراء سهما في الفيء ولا في الخمس «فمن سمى الفقير المحروم» «2» لأن الله حرمهم نصيبهم، فلما نزلت براءة بدأ الله بهم فقال- تعالى- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... »
فبدأ بهم، فنسخت «4» هذه الآية الْمَحْرُومِ ثم قال: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ- 20- يعني ما فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبت عاما بعام ففي هذا كله «آيات» يعني عبرة «للموقنين» بالرب- تعالى- لتعرفوا صنعه «فتوحدوه» «5» وَفِي خلق أَنْفُسِكُمْ حين كنتم نطفة، ثم علفة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم لحما، ثم ينفخ فيه الروح، ففي هذا كله آية أَفَلا يعني أفهلا تُبْصِرُونَ- 21- قدرة الرب- تعالى- أن الذي خلقكم قادر على أن يبعثكم كما خلقكم، ثم قال وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ يعنى المطر وَما تُوعَدُونَ- 22- من أمر الساعة، ثم أقسم الرب- تعالى- بنفسه فقال: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ يعني لكائن يعني أمر الساعة مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ- 23- يعنى تتكلمون، هَلْ أَتاكَ يعني قد أتاك يا محمد حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ- 24- يعني جبريل وميكائيل، وملك آخر أكرمهم إبراهيم وأحسن القيام، ورأى هيئتهم
__________
(1) «مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ» : ساقطة من أ.
(2) وردت فى أ، ف: «فمن ثم سموا الفقير المحروم» والأنسب ما ذكرت.
(3) سورة التوبة: 60.
(4) أطلق النسخ بمعناه اللغوي وهو مجرد التغيير وليس بمعناه الأصولى، وهو رفع الشارع حكما شرعيا سابقا بحكم شرعي لاحق.
(5) فى أ: «فتوحدونه» .
تفسير مقائل ج 4- م 9

(4/129)


حسنة، وكان لا يقوم على رأس ضيف قبل هؤلاء، فقام هو وامرأته سارة لخدمتهم فسلمت الملائكة على إبراهيم، «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ «1» » فَقالُوا سَلاماً فرد عليهم إبراهيم ف قالَ سَلامٌ ثم قال: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ- 25- يقول أنكرهم إبراهيم- صلى الله عليه- وظن أنهم من الإنس فَراغَ يعنى فمال إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ إليهم بِعِجْلٍ سَمِينٍ- 26- فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ وهو مشوي وقالَ إبراهيم: أَلا تَأْكُلُونَ- 27- فقالوا: يا إبراهيم. لا تأكل إلا بالثمن. قال إبراهيم: كلوا وأعطوا الثمن. فقالوا: وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم فقولوا بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا [170 مكرر «2» ] : الحمد لله. فعجبت الملائكة لقوله فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- أيدي الملائكة لا تصل إلى العجل «فَأَوْجَسَ «3» » مِنْهُمْ خِيفَةً فخاف وأخذته الرعدة وضحكت امرأته سارة وهي قائمة، من رعدة إبراهيم، وقالت في نفسها: إبراهيم معه أهله وولده وخدمه وهؤلاء ثلاثة نفر، فقال جبريل- صلى الله عليه- لسارة: أيتها الصالحة، إنك ستلدين غلاما، فذلك قوله: «قالُوا لا تَخَفْ «4» » وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ يعني إسحاق عَلِيمٍ- 28- يعني حليم فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ سارة فِي صَرَّةٍ يعني في صيحة، وقالت: أوه يا عجباه فَصَكَّتْ وَجْهَها يعنى فضربت بيدها جبينها أو خدها تعجبا وَقالَتْ عَجُوزٌ من الكبر عَقِيمٌ- 29- من الولد «قالُوا» «5» قال جبريل- صلى الله عليه-: كَذلِكَ يعني هكذا
__________
(1) «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ» : ساقطة من أ.
(2) هذه ورقة رقمها 170 وما قبلها رقمها 170 فتكرر الرقم مرتين فى ورقتين متجاورتين.
(3) فى أ: «أوجس» ، وفى حاشية أ: الآية «فأوجس» .
(4) «قالُوا لا تَخَفْ» : ساقطة من أ.
(5) فى أ: «قال» .

(4/130)


قالَ رَبُّكِ ستلدين غلاما إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ حكم أمر الولد في بطن سارة الْعَلِيمُ- 30- بخلقه فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- أنهم الملائكة قالَ لهم: فَما خَطْبُكُمْ يعني ما أمركم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ- 31- «قالُوا» «1» قال جبريل- صلى الله عليه-: إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ- 32- يعني كفارا ظلمة يعنون قوم لوط لِنُرْسِلَ يعني لكي نرسل عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ- 33- «خلطة» «2» الحجارة، الطين ملزق بالحجر مُسَوَّمَةً يعني معلمة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ- 34- يعني المشركين والشرك أسرف الذنوب وأعظمها فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها يعني في قرية لوط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 35- يعني المصدقين بتوحيد الله- تعالى- فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 36- يعنى المخلصين فهو لوط وابنتيه ريثا الكبرى «زعوتا» «3» الصغرى وَتَرَكْنا فِيها آيَةً يعني عبرة لمن بعدهم لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 37- يعنى الوجيع نظيرها في هود «4» وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 38- يعني بحجة بينة واضحة وهي اليد والعصا فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ يعني فأعرض فرعون عن الحق بميله يعني عن الإيمان حين قال: ... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا «أَرى» «5» وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ «6» وَقالَ فرعون
__________
(1) فى أ: «قال» ، وفى حاشية أ: الآية «قالوا» . [.....]
(2) فى أ: «خلط» ، وفى ف: «خلطة» .
(3) فى أ: «زعرتا» ، وفى ف: «رعوثا» .
(4) سورة هود: 26 وتمامها: «أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ» .
(5) فى أ: أَرى ... إلى آخر الآية.
(6) سورة غافر: 29.

(4/131)


«لموسى» «1» - عليه السلام- هو ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ- 39- يقول الله- تعالى-: أَخَذْناهُ
يعنى فرعون جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ
يعني في نهر مصر النيل فأغرقوا أجمعين، ثم قال «لفرعون» «2» : هُوَ مُلِيمٌ
- 40- يعني مذنب يقول استلام إلى ربه وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ باليمن الرِّيحَ الْعَقِيمَ- 41- التي تهلك ولا تلقح الشجر ولا تثير السحاب وهي عذاب على من أرسلت عليه، يقول الله- تعالى-: مَا تَذَرُ تلك الريح مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ- 42-[170 ب مكرر] «3» يقول إلا جعلته باليا كالتراب بعد ما كانوا مثل نخل منقعر صاروا رميما وَفِي ثَمُودَ آية «إِذْ قِيلَ» «4» لَهُمْ قال لهم نبيهم صالح:
تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ- 43- يعني إلى آجالكم فَعَتَوْا يقول فعصوا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ يعني العذاب وهو الموت من صيحة جبريل- صلى الله عليه- وَهُمْ يَنْظُرُونَ- 44- فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ يعني أن يقوموا للعذاب حين غشيهم وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ- 45- يعنى ممتنعين من العذاب حين أهلكوا وَفى قَوْمَ نُوحٍ آية مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين ذكر إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 46- يعنى عاصين وَفى السَّماءَ آية بَنَيْناها بِأَيْدٍ يعني بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ- 47- يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد وَفى الْأَرْضَ آية فَرَشْناها
__________
(1) اللام هنا بمعنى «عن» .
(2) اللام هنا بمعنى عن، أى عن فرعون.
(3) ورقة [170] تكررت مرتين فالسابقة 170، وهذه 170.
(4) فى أ: «إذ قال» ، وفى حاشية أ: الآية «قيل» .

(4/132)


مسيرة خمسمائة عام فى خمسمائة عام من تحت الكعبة فَنِعْمَ الْماهِدُونَ- 48- يعني الرب- تعالى- نفسه وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ يعني صنفين يعني الليل والنهار، والدنيا والآخرة، والشمس والقمر، والبر والبحر، والشتاء والصيف، والبرد والحر، والسهل والجبل، والسبخة والعذبة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ- 49- فيما خلق أنه ليس له عدل ولا مثيل، فتوحدونه فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من ذنوبكم إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ- 50- وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن فعلتم ف إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ يعني من عذابه مُبِينٌ- 51- فردوا عليه إنك ساحر مجنون، يقول الله- تعالى- كَذلِكَ يعني هكذا ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأمم الخالية مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا لرسولهم هو ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ- 52- كقول كفار مكة لمحمد- صلى الله عليه وسلم- يقول الله: أَتَواصَوْا بِهِ؟ يقول أوصى الأول الآخر أن يقولوا ذلك لرسلهم، ثم قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ- 53- يعنى عاصين فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يعني فأعرض عنهم، فقد بلغت وأعذرت فَما أَنْتَ يا محمد بِمَلُومٍ- 54- يقول فلا تلام، فحزن النبي- صلى الله عليه وسلم- مخافة أن ينزل بهم العذاب فأنزل الله- تعالى- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ- 55- فوعظ كفار مكة بوعيد القرآن فقال: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ- 56- يعنى إلا ليوحدون، وقالوا: إلا ليعرفون يعني ما أمرتهم إلا بالعبادة ولو أنهم خلقوا للعبادة. ما عصوا طرفة عين.
حدثنا عبد اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قال: «إلا ليوحدون» ، قال أبو صالح: الأمر يعصى والخلق لا يعصى [171 أ] .

(4/133)


قال أبو العباس الزيات: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب، سئل عن هذه الآية: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال ليعبدني من عبدني منهم مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ يقول لم أسألهم أن يرزقوا أحدا وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ- 57- يعني أن يرزقون إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ يعني البطش في هلاكهم ببدر الْمَتِينُ- 58- يعني الشديد فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي مكة ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ يعني نصيبا من العذاب في الدنيا، مثل نصيب أصحابهم في الشرك يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا فَلا يَسْتَعْجِلُونِ- 59- العذاب تكذيبا به فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار مكة مِنْ يَوْمِهِمُ في الآخرة الَّذِي فيه يُوعَدُونَ- 60- العذاب.

(4/134)