تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الطّور
(4/135)
[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 49]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ
(3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (8)
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
(12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ
النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14)
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها
فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما
تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ
وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا
وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ
عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ
بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ
وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً
لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ
غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ
اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا
كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ
الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29)
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
(30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا
أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ
بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ
إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35)
أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ
(36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ
فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ
لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ
(40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ
يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ
(42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ
عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ
السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ
يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ
شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)
(4/137)
[سورة الطور «1» ] سورة الطور مكية وعددها
تسع وأربعون آية كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم بعذاب الكفار، والإخبار من ذلهم فى العقوبة، ومنازلهم من
النار، وطرب أهل الجنة بثواب الله الكريم الغفار وإلزام الحجة
على الكفرة الفجار، وبشارتهم قبل عقوبة العقبى بعذابهم فى هذه
الدار، ووصية سيد الرسل بالعبادة والاصطبار فى قوله: مِنَ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ.
سورة الطور: 49.
(2) فى المصحف: (52) سورة الطور مكية وآياتها 49 نزلت بعد سورة
السجدة.
(4/141)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال:
لما كذب كفار مكة أقسم الله- تعالى- فقال: وَالطُّورِ- 1- يعني
الجبل بلغة النبط، الذي كلم الله عليه موسى- عليه السلام-
«بالأرض «1» المقدسة» وَكِتابٍ مَسْطُورٍ- 2- يعني أعمال بني
آدم «مكتوبة» «2» يقول أعمالهم تخرج إليهم يومئذ يعني يوم
القيامة فِي رَقٍّ يعني أديم الصحف مَنْشُورٍ- 3- وَالْبَيْتِ
الْمَعْمُورِ- 4- واسمه «الصراح» «3» وهو في السماء الخامسة،
ويقال في سماء الدنيا حيال الكعبة في العرض والموضع غير أن
طوله كما بين السماء والأرض وعمارته أنه يدخله كل يوم سبعون
ألف ملك يصلون فيه يقال لهم الجن، ومنهم كان إبليس- وهم حي من
الملائكة- لم يدخلوه قط «4» ولا يعودون فيه إلى يوم القيامة،
ثم ينزلون إلى البيت الحرام فيطوفون به ويصلون فيه، ثم يصعدون
إلى السماء فلا يهبطون إليه أبدا وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ- 5-
يعنى السماء رفع من الأرض مسيرة خمسمائة عام، يعني السموات
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ- 6- تحت العرش «الممتلئ» «5» من
الماء يسمى بحر الحيوان يحيي الله به الموتى فيما بين
النفختين.
__________
(1) وردت فى أ، ف «بأرض المقدسة» ، والأنسب «بالأرض المقدسة» .
(2) فى أ: «مكتوب» ، وفى ف: «مكتوبة» .
(3) فى أ: «الضراخ» ، وفى ف: «الصراح» . [.....]
(4) كذا فى أ، ف، والعبارة ركيكة كما ترى.
(5) فى أ، ف: «الممتلى» .
(4/143)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال الهذيل: سمعت المبارك ابن فضالة
عن الحسن في قوله «وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» قال: المملوء مثل
قوله: « ... ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ «1» » قال ولم
أسمع مقاتل.
فأقسم الله- تعالى- بهؤلاء الآيات، فقال: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ
لَواقِعٌ- 7- بالكفار مَا لَهُ يعني العذاب مِنْ دافِعٍ- 8- في
الآخرة يدفع عنهم، ثم أخبر متى يقع بهم العذاب؟ فقال: يَوْمَ
تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً- 9- يعني استدارتها وتحريكها بعضها
في بعض من الخوف وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً- 10- من أمكنتها
حتى تستوي بالأرض كالأديم الممدود فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ- 11- بالعذاب، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ هُمْ
[171 ب] فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ- 12- يعني في باطل لاهون، ثم
قال: والويل لهم يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ
دَعًّا- 13- وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون بأيدي الكفار
إلى أعناقهم، ثم يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم ثم
يدفعونهم فى جهنم دفعا على وجوههم، إذا دنوا منها قالت لهم
خزنتها: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ-
14- فى الدنيا أَفَسِحْرٌ هَذَا العذاب الذي ترون فإنكم زعمتم
في الدنيا «أن الرسل» «2» سحرة أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ-
15- فلما ألقوا فى النار قالت لهم الحزنة: اصْلَوْها
فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما
تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 16- من الكفر والتكذيب في
الدنيا إِنَّ الْمُتَّقِينَ يعني الذين يتقون الشرك فِي
جَنَّاتٍ يعني البساتين
__________
(1) سورة غافر: 72.
(2) أن الرسل: من ف، وليست فى أ.
(4/144)
وَنَعِيمٍ- 17- فاكِهِينَ يعني معجبين ومن
قرأها «فاكهين» يعني ناعمين محبورين بِما آتاهُمْ يعني بما
أعطاهم رَبُّهُمْ في الجنة من الخير والكرامة وَوَقاهُمْ
رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ- 18- كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً
يعني الذي ليس عليهم مشقة ولا تبعة حلالا لا يحاسبون عليه بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 19- فى الدنيا مُتَّكِئِينَ عَلى
«سُرُرٍ» مَصْفُوفَةٍ يعني مصففة في الخيام وَزَوَّجْناهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ- 20- يعني البيضاء المنعمة «عين» يعني العيناء
الحسنة العين، ثم قال في التقديم: وَالَّذِينَ آمَنُوا
«وَاتَّبَعَتْهُمْ» «1» ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ يعني من أدرك
العمل «من أولاد» «2» بني آدم المؤمنين فعمل خيرا فهم مع
آبائهم في الجنة، ثم قال: أَلْحَقْنا بِهِمْ «ذُرِّيَّتَهُمْ»
«3» يعني الصغار الذين لم يبلغوا العمل من أولاد المؤمنين فهم
معهم وأزواجهم في الدرجة لتقر أعينهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ
عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول وما نقصنا الآباء إذا كانوا مع
الأبناء من عملهم شيئا، ثم قال: كُلُّ «امْرِئٍ» «4» كافر بِما
كَسَبَ يعني بما عمل من الشرك رَهِينٌ- 21- يعني مرتهن بعمله
في «النار» «5» ، ثم رجع إلى الذين آمنوا فقال:
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ «لَحْمِ طَيْرٍ» «6»
مِمَّا يَشْتَهُونَ- 22- يعني مما يتخيرون من ألوان الفاكهة
ومن لحوم
__________
(1) فى أ: «وأتبعناهم» .
(2) «من أولاد» من ف، وليس فى أ.
(3) فى أ: «ذرياتهم» .
(4) فى أ: «امرء» .
(5) فى أ: «الدنيا» ، وفى ف: «النار» .
(6) «لَحْمِ طَيْرٍ» : ليست فى أ.
تفسير مقائل ج 4- م 10
(4/145)
الطير يَتَنازَعُونَ فِيها يعني يتعاطون في
الجنة تعطيهم الخدم بأيديهم «ري المخدوم» «1» من الأشربة فهذا
التعاطي كَأْساً يعنى الخمر لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ-
23- يعني لا حلف «2» في شربهم، ولا مأثم يعني ولا كذب كفعل أهل
الدنيا إذا شربوا الخمير نظيرها في الواقعة «3» وَيَطُوفُ
عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ لا يكبرون أبدا كَأَنَّهُمْ
لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ- 24- يقول كأنهم في الحسن والبياض مثل
اللؤلؤ المكنون في الصدف لم تمسسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم
يخطر على قلب بشر، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
يَتَساءَلُونَ- 25- يقول إذا زار بعضهم بعضا في الجنة
فيتساءلون بينهم «عما» «4» كانوا فيه [172 أ] من الشفقة في
الدنيا، فذلك قوله: «قالُوا» «5» إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي
أَهْلِنا مُشْفِقِينَ- 26- من العذاب فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا
بالمغفرة وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ- 27- يعني الريح الحارة
في جهنم وما فيها من أنواع العذاب إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ
في الدنيا نَدْعُوهُ ندعو الرب إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الصادق
في قوله: الرَّحِيمُ- 28- بالمؤمنين فَذَكِّرْ يا محمد أهل مكة
فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ يعني برحمة ربك وهو القرآن
بِكاهِنٍ يبتدع العلم من غير وحى وَلا مَجْنُونٍ- 29-
__________
(1) فى أ: «دى المختوم» ، وفى ف: «ري المختوم» .
(2) كذلك فى أ، ف، ولعل المراد اليمين الكاذبة والحلف الباطل.
(3) يشير إلى آيتي 18، 19 من سورة الواقعة وهما «بِأَكْوابٍ
وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، لا يُصَدَّعُونَ عَنْها
وَلا يُنْزِفُونَ» .
(4) فى أ: «ما» ، والأنسب: «عما» . [.....]
(5) «قالوا» ، ساقطة من أ
(4/146)
كما يقول كفار مكة أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ
نَتَرَبَّصُ بِهِ نزلت في عقبة بن أبي معيط، والحارث بن قيس،
وأبي جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، والمطعم ابن عدي بن نوفل
بن عبد مناف، قالوا: إن محمدا شاعر فنتربص به رَيْبَ
الْمَنُونِ- 30- يعني حوادث الموت، قالوا توفي أبو النبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْد اللَّه بن عبد
المطلب وهو شاب، ونحن نرجو من اللات والعزى أن تميت محمدا شابا
كما مات أبوه، يعني بريب المنون حوادث الموت يقول الله- تعالى-
لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: قُلْ تَرَبَّصُوا بمحمد الموت
فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ- 31- بكم العذاب
فقتلهم الله ببدر أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ «1» يقول
أتأمرهم أحلامهم بِهذا «والميم» هاهنا صلة بأنه شاعر مجنون
كاهن يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- «فاستفتهم
«هل» «2» تدلهم أحلامهم وعقولهم على هذا القول أنه شاعر مجنون
كاهن «3» » أَمْ هُمْ بل هم قَوْمٌ طاغُونَ- 32- يعني عاصين
أَمْ يَقُولُونَ يعني أيقولون إن محمدا «تَقَوَّلَهُ» «4» تقول
هذا القرآن من تلقاء نفسه اختلقه بَلْ لا «يُؤْمِنُونَ» «5» -
33- يعني لا يصدقون بالقرآن فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ
يعني من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقولهم إن محمدا تقوله إِنْ
كانُوا صادِقِينَ- 34- بأن محمدا تقوله أَمْ خُلِقُوا مِنْ
غَيْرِ شَيْءٍ يقول أكانوا خلقوا من غير شيء أَمْ هُمُ
الْخالِقُونَ- 35- يعنى أم هم خلقوا
__________
(1) يقصد الميم فى قوله: «أم تأمرهم» يعنى أتأمرهم.
(2) «هل» : زيادة اقتضاها السياق ليست بالأصل.
(3) فى أ، ف: «فاستفتهم أحلامهم وعقولهم تدلهم على هذا القول
أنه شاعر مجنون» .
(4) فى أ: «تقول» .
(5) فى أ: «يوقنون» .
(4/147)
الخلق أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ يعني أخلقوا السموات والأرض؟ ثم قال: بَلْ ذلك
خلقهم في الإضمار بل لا يُوقِنُونَ- 36- بتوحيد الله الذي
خلقهما أنه واحد لا شريك له أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ يعني
أعندهم خزائن رَبِّكَ يعني أعندهم خزائن ربك يقول أبأيديهم
مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا، يقول ولكن الله يختار
لها من يشاء من عباده، لقولهم أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ
مِنْ بَيْنِنا ... «1» فأنزل الله- تعالى- أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ- 37- يعني أم هم المسيطرون على الناس
فيجبرونهم على ما شاءوا ويمنعونهم عما شاءوا أَمْ لَهُمْ
سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ يعنى ألهم سلم [172 ب] إلى السماء
يصعدون فيه، يعني عليه، مثل قوله: ... لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي
جُذُوعِ النَّخْلِ ... «2»
يعني على جذوع النخل، فيستمعون الوحي من الله- تعالى- إلى
النبي- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ يعني
صاحبهم الذي يستمع الوحي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 38- يعني بحجة
بينة بأنه يقدر على أن يسمع الوحي من الله- تعالى- أَمْ لَهُ
الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ- 39- وذلك أنهم قالوا
«الملائكة» «3» بنات الله، فقال الله- تعالى- لنبيه- صلى الله
عليه وسلم- في الصافات «فَاسْتَفْتِهِمْ» يعني سلهم
أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ «4» [فسألهم النبي-
صلى الله عليه وسلّم- فى هذه السورة أَمْ لَهُ الْبَناتُ
وَلَكُمُ الْبَنُونَ «5» وفى النجم
__________
(1) سورة ص: 8.
(2) سورة طه: 71 وتمامها: «قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ
آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ
السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ
خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى» .
(3) فى أ: «الملائكة» ، وفى ف: «الملائكة» .
(4) سورة الصافات: 149.
(5) سورة الطور: 39.
(4/148)
قال: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» «1» «2» ] أَمْ تَسْئَلُهُمْ
أَجْراً على الإيمان يعني جزاء يعني خراجا فَهُمْ مِنْ
مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ- 40- يقول أثقلهم الغرم فلا يستطيعون
الإيمان من أجل الغرم أَمْ عِنْدَهُمُ يقول أعندهم علم
الْغَيْبُ بأن الله لا يبعثهم، وأن ما يقول محمد غير كائن
ومعهم بذلك كتاب فَهُمْ يَكْتُبُونَ- 41- ما شاءوا أَمْ
يُرِيدُونَ يقول أيريدون في دار الندوة كَيْداً يعني مكرا
بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فَالَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة
هُمُ الْمَكِيدُونَ- 42- يقول هم الممكور بهم فقتلهم الله- عز
وجل- ببدر أَمْ لَهُمْ يقول ألهم إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يمنعهم
من دوننا من مكرنا بهم، يعني القتل ببدر فنزه الرب نفسه-
تعالى- من أن يكون معه شريك، فذلك قوله: سُبْحانَ اللَّهِ
عَمَّا يُشْرِكُونَ- 43- معه، ثم ذكر قسوة قلوبهم فقال:
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ يقول جانبا من السماء
ساقِطاً عليهم لهلاكهم «يَقُولُوا» «3» من تكذبيهم هذا سَحابٌ
مَرْكُومٌ- 44- بعضه على بعض فَذَرْهُمْ فخل عنهم يا محمد
حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ فى الآخرة الَّذِي فِيهِ
يُصْعَقُونَ- 45- يعني يعذبون، ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال:
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ في الآخرة كَيْدُهُمْ شَيْئاً يعني
مكرهم بمحمد- صلى الله عليه وسلم- شيئا من العذاب وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ- 46- يعني ولا هم يمنعون من العذاب، ثم أوعدهم
أيضا العذاب فى الدنيا فقال: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى
كفار مكة
__________
(1) سورة النجم: 21- 22، وقد وردت فى الأصل «أَمْ لَهُ
الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ» .
(2) ما بين القوسين [ ... ] فيه اختلاف عن الآيات فى المصحف
وقد وضحته، فقد ورد، [فسألهم النبي- صلى الله عليه وسلم- في
هذه السورة، وفى النجم «أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ
الْبَنُونَ» ، وقال: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» ] .
(3) فى: أ «لقالوا» ، وفى حاشية أ: «يقولوا» . [.....]
(4/149)
عَذاباً دُونَ ذلِكَ يعني دون عذاب الآخرة
عذابا في الدنيا القتل ببدر وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ- 47- بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه، فقال يعزي
نبيه- صلى الله عليه وسلم-: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني
لقضاء ربك على تكذيبهم إياك فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا يقول إنك
بعين الله- تعالى- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول وصل بأمر
ربك حِينَ تَقُومُ- 48- إلى الصلاة المكتوبة وَمِنَ اللَّيْلِ
[173 أ] فَسَبِّحْهُ يعني فصل المغرب والعشاء وَصل وَإِدْبارَ
النُّجُومِ- 49- يعني الركعتين قبل صلاة الغداة وقتهما بعد
طلوع الفجر، قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول اذكره
بأمره، مثل قوله:
... وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ «1» ... ،
ومثل قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ
«2» ....
__________
(1) سورة الإسراء: 44.
(2) سورة الإسراء: 52.
(4/150)
سورة النّجم
(4/151)
[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 62]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى
(4)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8)
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ
مَا رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (12) وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا
يَغْشى (16) مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى
مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ
وَالْعُزَّى (19)
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ
وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ
هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ
رَبِّهِمُ الْهُدى (23) أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (24)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي
السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ
بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26)
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ
الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ
مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ
الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ
عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ
الْحَياةَ الدُّنْيا (29)
ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اهْتَدى (30) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ
يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ
اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ
بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ
أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ
الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (34)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ
يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي
وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ
لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ مَا سَعى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ
الْأَوْفى (41) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ
وَأَحْيا (44)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ
الْأُخْرى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) وَأَنَّهُ
هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما
أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ
أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53)
فَغَشَّاها مَا غَشَّى (54)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ
النُّذُرِ الْأُولى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها
مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ
تَعْجَبُونَ (59)
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
(4/153)
[سورة النجم «1» ] سورة النجم مكية، عددها
«اثنتان «2» » وستون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم بالوحي، وذكر قبيح أقوال الكفار، وعقيدتهم فى حق
الملائكة والأصنام، ومدح مجتبى الكبائر، والشكرى من المعرضين
عن الصدفة، وبيان جزاء الأعمال فى القيامة، وإقامة أنواع الحجة
على وجود الصانع، والإشارة إلى أحوال من هلكوا من القرون
الماضية، والتخويف بسرعة مجيء القيامة، والأمر بالخضوع
والانقياد لأمر الحق- تعالى- فى قوله: «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ
وَاعْبُدُوا» سورة النجم: 62
(2) فى أ: اثنان.
(3) وفى المصحف: (53) سورة النجم مكية. إلا آية 32 فمدنية
وآياتها 63 نزلت بعد سورة الإخلاص.
(4/157)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقسم
الله- عز وجل- ب «النَّجْمِ إِذا هَوى» يقول «ما كَذَبَ
الْفُؤادُ ما رَأى» وهي أول سورة أعلنها «1» النبي- صلى الله
عليه وسلم- بمكة فلما بلغ آخرها سجد وسجد من «بحضرته «2» » من
مؤمني الإنس والجن والشجر وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمدا
يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن فقال:
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى - 1- يعني من السماء إلى محمد- صلى الله
عليه وسلم- مثل قوله «فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «3»
» وكان القرآن إذا نزل إنما ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع ونحو
ذلك والسورة والسورتان فأقسم الله بالقرآن فقال: مَا ضَلَّ
صاحِبُكُمْ محمد وَما غَوى - 2- وما تكلم بالباطل وَما
يَنْطِقُ محمد هذا القرآن عَنِ الْهَوى - 3- من تلقاء نفسه
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى - 4- إليه يقول ما هذا القرآن
إلا وحي من الله- تعالى- يأتيه به جبريل- صلى الله عليه وسلم-،
فذلك قوله:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى - 5- يعني القوة في كل شيء يعني
جبريل، ثم قال:
ذُو مِرَّةٍ يعني جبريل- عليه السلام- يقول ذو قوة فَاسْتَوى -
6- يعني سويا حسن الخلق وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى - 7-
يعنى من قبل المطلع
__________
(1) فى أ: «علنها» ، وفى ف: «أعلنها» .
(2) فى الأصول: «يحضرنه» ، ولكن الأنسب «بحضرته» .
(3) سورة الواقعة: 75.
(4/159)
ثُمَّ دَنا الرب- تعالى- من محمد
فَتَدَلَّى- 8- وذلك ليلة أسري بالنبي- صلى الله عليه وسلم-
إلى السماء السابعة فَكانَ منه قابَ قَوْسَيْنِ يعني قدر ما
بين طرفي القوس من قسى «العرب «1» » أَوْ أَدْنى - 9- يعنى بل
أدنى أو أقرب من ذلك.
حدثنا عبد الله قال: سمعت أبا العباس يقول: «قَابَ قَوْسَيْنِ»
يعني قدر طول قوسين من قسي العرب فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ
محمد- صلى الله عليه وسلم- مَا أَوْحى
- 10- ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى - 11- يعني ما كذب قلب
محمد- صلى الله عليه وسلم- ما رأى بصره من أمر ربه تلك الليلة
«أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى» «2» - 12- وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى - 13- يقول رأى محمد- صلى الله عليه وسلم- ربه
بقلبه مرة أخرى، رآه عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى - 14-
أغصانها اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وهي شجرة عن يمين العرش فوق
السماء السابعة العليا «عِنْدَها» «3» جَنَّةُ الْمَأْوى - 15-
تأوى إليها أرواح الشهداء أحياء يرزقون [173 ب] وإنما سميت
المنتهى لأنها ينتهي إليها علم كل ملك مخلوق، ولا يعلم ما
وراءها أحد إلا الله- عز وجل- كل ورقة منها تظل أمة من الأمم
على كل ورقة منها ملك يذكر الله- عز وجل- ولو أن ورقة منها
وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض نورا تحمل لهم الحلل والثمار
من جميع الألوان، ولو أن رجلا ركب حقة فطاف على ساقها «4» ما
بلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم وهي طوبى التي ذكر
الله
__________
(1) فى أ: «العر» ، وفى ف: «العرب» .
(2) «أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى» : ساقطة من أ.
(3) فى أ: «فى» .
(4) أى على ساق الشجرة المسماة سدرة المنتهى.
(4/160)
- تعالى- في كتابه: « ... طُوبى لَهُمْ
وَحُسْنُ مَآبٍ «1» » ينبع من ساق السدرة عينان أحدهما
السلسبيل، والأخرى الكوثر فينفجر من الكوثر أربعة أنهار التي
ذكر الله- تعالى- فى سورة محمد «2» - صلى الله عليه وسلم-
الماء واللبن والعسل والخمر، ثم قال: «إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشى» «3» - 16- ما زاغَ الْبَصَرُ يعني بصر
محمد- صلى الله عليه وسلم- يعني ما مال وَما طَغى - 17- يعني
وما ظلم، لقد صدق محمد- صلى الله عليه وسلم- بما رأى تلك
الليلة لَقَدْ رَأى محمد- صلى الله عليه وسلم- مِنْ آياتِ
رَبِّهِ الْكُبْرى - 18- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم-
رأى رفرفا أخضر قد غطى الأفق، فذلك «مِنْ آياتِ رَبِّهِ
الْكُبْرى» أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى- 19- وَمَناةَ
الثَّالِثَةَ الْأُخْرى - 20- وإنما سميت اللات والعزى لأنهم
أرادوا أن يسموا الله، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن
يسموا العزيز فمنعهم فصارت العزى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ
الْأُنْثى - 21- حين قالوا إن الملائكة بنات الله تِلْكَ إِذاً
قِسْمَةٌ ضِيزى - 22- يعنى جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله
الأنثى، ثم ذكر آلهتهم فقال: إِنْ هِيَ يقول ما هي إِلَّا
أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ «مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» «4» بأنها آلهة من قوله «أَمْ
لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ «5» » يعني كتاب فيه حجة، مثل قوله
«أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً «6» ... »
__________
(1) سورة: الرعد 29.
(2) سورة محمد: 15. [.....]
(3) «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى» : ساقطة من أ، ف،
وفى الجلالين: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى» من طير
وغيره و «إذ» معمولة ل «رآه» .
(4) «ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» ساقط من أ.
(5) سورة: الصافات: 156.
(6) سورة الروم: 35.
تفسير مقائل ج 4- م 11
(4/161)
يعني كتابا لهم فيه حجة إِنْ يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ يقول «ما لهم من علم «1» بأنها» آلهة إلا ظنا
ما يستيفتون بأن اللات والعزى ومناة آلهة وَما تَهْوَى
الْأَنْفُسُ يعني القلوب وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ
الْهُدى - 23- يعنى القرآن أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى- 24-
بأن الملائكة تشفع لهم، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم-
قرأ سورة النجم، «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى «2» » «أعلنهما «3»
» بمكة فلما بلغ «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ، وَالْعُزَّى،
وَمَناةَ» نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك «الثالثة الأخرى
تلك الغرانيق العلا «4» » عندها الشفاعة ترتجى «5» يعني
الملائكة ففرح كفار مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة فلما بلغ
آخرها سجد وسجد المؤمنون تصديفا لله- تعالى- وسجد كفار مكة عند
ذكر الآلهة غير أن الوليد بن المغيرة [174 أ] وكان شيخا كبيرا
فرفع التراب إلى جبهته «فسجد عليه «6» » فقال: يحيا كما تحيا
أم أيمن وصواحباتها وكانت أم أيمن خادم النبي- صلى الله عليه
وسلم- وأيمن خادم النبي- صلى الله عليه وسلم- قتل يوم خيبر.
وقال في الأنعام: « ... لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ «7» ... » لا شك فيه « ...
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «8» ... » ،
__________
(1) فى أ: «ما لهم من علم به» .
(2) سورة الليل: 1.
(3) فى أ: «علنها» ، وفى ف: «أعلنهما» .
(4) فى أ: «تلك الغرانيق العلى- تلك الثالثة الأخرى» .
(5) هذه رواية باطلة لا أصل لها وقد ردّها ابن العربي، والقاضي
عياض، وغيرهم، على أن المعقول والمنقول يأبيان قبولها وقد حققت
الموضوع عند تفسير الآية 52 من سورة الحج فى الجزء الثالث من
هذا التفسير: 3/ 132- 133، وانظر لباب المنقول فى أسباب النزول
السيوطي: 151.
(6) «فسجد عليه» : ساقطة من أ، وهي من ف.
(7) سورة الأنعام: 12.
(8) سورة النجم: 31.
(4/162)
فلما رجوا أن للملائكة شفاعة، أنزل الله-
تعالى- فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى - 25- يعني الدنيا
والآخرة وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي يقول
لا تنفع شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً، ثم استثنى فقال: إِلَّا مِنْ
بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ من بنى آدم فيشفع
له، أوَيَرْضى - 26- الله له بالتوحيد إِنَّ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى -
27- حين زعموا أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم، يقول الله:
وَما لَهُمْ بِهِ بذلك مِنْ عِلْمٍ أنها إناث إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يقول ما يتبعون إلا الظن وما
يستيقنون أنها إناث وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ
شَيْئاً- 28- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا
يعني عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا
الْحَياةَ الدُّنْيا- 29- ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ
يعني من مبلغ رأيهم من العلم أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعني
عن الهدى من غيره وَهُوَ أَعْلَمُ من غيره بِمَنِ اهْتَدى -
30- منكم، ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم والملائكة وغيرهم
عبيد وفى ملكه، فقال: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا فى
الآخرة «الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا» من الشرك فى الدنيا،
وذلك «أنه قال «1» » فى الأنعام «2» ، والنساء «3» -
__________
(1) فى أ: «أنهم قالوا» ، وفى ف: «أنه قال» .
(2) سورة الأنعام: 12، وتمامها: «قُلْ لِمَنْ ما فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا
رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ» . [.....]
(3) سورة النساء: 87، وتمامها: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً» .
(4/163)
«لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ» يعني لا شك في البعث أنه كائن
«لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا» من الشرك في
الدنيا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا التوحيد في الدنيا
بِالْحُسْنَى- 31- وهي الجنة، ثم نعت المتقين فقال: الَّذِينَ
يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني كل ذنب يختم بالنار
وَالْفَواحِشَ يعني كل ذنب فيه حد إِلَّا اللَّمَمَ يعني ما
بين الحدين نزلت في نبهان التمار وذلك
أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر، فأتته امرأة تريد تمرا،
فقالت لها: ادخلي الحانوت، فإن فيه تمرا جيدا. فلما دخلت
راودها عن نفسها، فأبت عليه، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها،
فضرب عجزها بيده، فقال: والله، ما نلت مني حاجتك، ولا حفظت
غيبة أخيك المسلم. فذهبت المرأة وندم الرجل، فأتى النَّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بصنيعه [174
ب] . فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- ويحك يا نبهان، فلعل
زوجها «غاز «1» » في سبيل الله، فقال: الله ورسوله أعلم. فقال:
أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم، فلقي أبا
بكر- رضي الله عنه- فأعلمه، فقال: ويحك فلعل زوجها «غاز «2» »
في سبيل الله. فقال: الله أعلم. ثم رجع فلقي عمر بن الخطاب-
رضي الله عنه- فأخبره، فقال: ويحك لعل زوجها «غاز «3» » في
سبيل الله. قال: الله أعلم. فصرعه عمر فوطئه، ثم انطلق به إلى
النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إخواننا غزاة
في سبيل الله تكسر الرماح في صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم
بسوء، فاضرب عنقه.
__________
(1) فى أ: «غازى» ، وفى ف: «غزا» .
(2) فى أ: «غازى» ، وفى ف: «غاز» .
(3) فى أ «غازى» ، وفى ف: «غاز» .
(4/164)
فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال
أرسله يا عمر فنزلت فيه «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ
الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»
يعني ضربه عجزيتها بيده إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ
لمن تاب، ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ من غيره إِذْ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني خلقكم من تراب وَهو أعلم بكم
إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ يعنى جنين
الذي يكون فى بطن أمه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ قال وقال
ناس من المسلمين: صلينا وصمنا وفعلنا فزكوا أنفسهم، فقال الله-
تعالى-: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقى - 32- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى- 33- عن الحق يعني
الوليد بن المغيرة وَأَعْطى قَلِيلًا من الخير بلسانه وَأَكْدى
- 34- يعني قطع أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ بأن الله لا يبعثه
فَهُوَ يَرى - 35- الإقامة على الكفر نظيرها في الطور، «1» وفي
ن «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ «2» » .
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ يعنى يحدث بِما فِي صُحُفِ مُوسى - 36-
يعنى التوراة كتاب موسى وَصحف إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى- 37-
لله بالبلاغ وبلغ قومه ما أمره الله- تعالى- أَلَّا تَزِرُ
وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى - 38- يقول لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ فى الآخرة إِلَّا ما سَعى - 39-
يعني إلا ما عمل في الدنيا وَأَنَّ سَعْيَهُ يعني عمله في
الدنيا سَوْفَ يُرى - 40- في الآخرة حين ينظر إليه ثُمَّ
يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى - 41- يوفيه جزاء عمله في الدنيا
كاملا، ثم أخبر عن هذا الإنسان
__________
(1) سورة الطور: 41، وتمامها: «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ
فَهُمْ يَكْتُبُونَ» .
(2) سورة القلم: 47.
(4/165)
الذي قال «له «1» » فقال: وَأَنَّ إِلى
رَبِّكَ الْمُنْتَهى - 42- ينتهى إليه بعمله، ثم أخبره عن صنعه
فقال: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى «2» - 43- يقول أضحك
واحدا وأبكى آخر، وأيضا أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ الأحياء وَأَحْيا- 44- الموتى وَأَنَّهُ
خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الرجل والمرأة كل واحد منهما زوج بالآخر
الذَّكَرَ وَالْأُنْثى - 45- خلقهما مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى
- 46- يعني «إذا تدفق «3» » المني وَأَنَّ عَلَيْهِ
النَّشْأَةَ الْأُخْرى - 47- يعني الخلق الآخر يعني البعث في
الآخرة «بعد الموت «4» » وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى - 48-
يقول مول وأرضى هذا الإنسان بما أعطى «ثم قال» : «5» وَأَنَّهُ
هُوَ رَبُّ الشِّعْرى - 49- قال مُقَاتِلُ: الشعرى اليمانية
النيرة الجنوبية كوكب مضيء وهي التي تتبع «الجوزاء «6» » ويقال
لها المزن والعبور، كان «أناس «7» » من الأعراب من خزاعة،
وغسان، وغطفان، يعبدونها وهي الكوكب «الذي «8» » يطلع بعد
الجوزاء،
__________
(1) «له» : ساقطة من أ.
(2) الآيات من 40- 43 بها أخطاء فى أ، ف.
(3) فى أ: «إذا أنفق» ، وفى ف: «إذا أنفق» .
(4) فى أ: «بعد موت الأول، وفى ف: «بعد الموت الخلق الأول» .
(5) فى أ، ف: «ثم قال فى التقديم لهذا الإنسان فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكَ تَتَمارى يعنى ما ذكّر من صنعه يقول فبأى نعماء ربك
تشك فيه أنه ليس من الله- عز وجل-» وفيه كما ترى تفسير الآية
55 بعد الآية 48 ثم كرر الآية 55 فى مكانها.
(6) فى أ: «الجوزي» ، وفى ف: «الجوزاء» .
(7) فى أ: «ناسا» ، وفى ف: «أناس» .
(8) فى أ: «التي» . [.....]
(4/166)
قال الله- تعالى- أنا ربها فاعبدوني «1»
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى - 50- بالعذاب، وذلك أن أهل
عاد وثمود وأهل السواد وأهل الموصل وأهل العال كلها من ولد
«إرم «2» » بن سام بن نوح- عليه السلام- فمن ثم قال «أَهْلَكَ
عَادًا الْأُولى» يعنى قوم هود بالعذاب.
وَأهلك ثَمُودَ بالعذاب فَما أَبْقى - 51- منهم أحد وَأهلك
قَوْمَ نُوحٍ بالغرق مِنْ قَبْلُ هلاك عاد وثمود إِنَّهُمْ
كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى - 52- من عاد وثمود وذلك أن
نوحا دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يجيبوه، حتى إن
الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح- عليه السلام-
فيقول له: احذر هذا، فإنه كذاب، فإن أبي قد مشى بي إلى هذا
وأنا مثلك، فحذرني منه فاحذره فيموت الكبير على الكفر وينشؤ
الصغير على وصية أبيه، فنشأ قرن بعد قرن على الكفر، هم كانوا
أظلم وأطغى فبقي من نسلهم، بعد عاد أهل السواد، وأهل الجزيرة،
وأهل العال، فمن ثم قال: «عاداً الْأُولى» ، ثم قال: وَأهلك
الْمُؤْتَفِكَةَ يعني الكذبة أَهْوى - 53- يعني «قرى «3» » قوم
لوط، وذلك أن جبريل- عليه السلام- أدخل جناحه تحتها فرفعها إلى
السماء حتى «سمعت «4» » ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة،
ونباح الكلاب، ثم قلبها فهوت من السماء إلى الأرض مقلوبة قال:
فَغَشَّاها ما غَشَّى
__________
(1) وبذلك تعرف مر قوله- تعالى- «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرى» مع أنه فى الحقيقة رب كل شيء، ولكن لما كان بعض
الأعراب يعبدونها خصها بالذكر ليبين لهم أنه هو ربها وخالفها،
فالعبادة له لا لما خلقه بقدرته.
(2) فى أ: «آدم» ، وفى ف: «إرم» .
(3) فى أ، ف: «قريات لوط» .
(4) فى أ، ف: «سمع» ، والأنسب: «سمعت» .
(4/167)
- 54- يعني الحجارة التي غشاها من كان
خارجا من القرية، أو كان في زرعه، أو فى ضرعه، ثم قال:
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ يعني بأي نعمة ربك تَتَمارى - 55-
يعني يشك فيها ابن آدم «1» هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ
الْأُولى - 56- فيها تقديم، يقول هذا الذي أخبر عن هلاك الأمم
الخالية يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، يخوف كفار مكة
ليحذروا معصيته أَزِفَتِ الْآزِفَةُ- 57- يعنى اقتربت الساعة
[175 ب] لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ- 58- يقول لا
يكشفها أحد إلا الله يعني الساعة لا يكشفها أحد من الآلهة إلا
الله- تعالى- الذي يكشفها أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ يعني
القرآن تَعْجَبُونَ- 59- تكذيبا به وَتَضْحَكُونَ استهزاء وَلا
تَبْكُونَ- 60- يعني كفار مكة مما فيه من الوعيد وَأَنْتُمْ
سامِدُونَ- 61- يعني لاهون عن القرآن- بلغة اليمن- فَاسْجُدُوا
لِلَّهِ يعني «صلوا «2» » الصلوات الخمس وَاعْبُدُوا- 62- يعني
وحدوا الرب- تعالى-.
__________
(1) فى أزيادة: «فيها تقديم لقوله: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ... إلى قوله:
«أَغْنى وَأَقْنى» .
(2) «صلوا» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى أ، ولا فى ف.
(4/168)
|