تفسير مقاتل بن سليمان

سورة النّصر

(4/889)


[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)

(4/901)


[سورة النصر «1» ] سورة النصر مدنية عددها ثلاث آيات «2» :
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان نعيه، وذكر تمام نصرة أهل الإسلام ورغبة الخلق فى الإقبال على دين الهدى، وبيان وظيفة التسبيح والاستغفار، والأمر بالتوبة فى آخر الحال بقوله: « ... وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» سورة النصر: 3.
(2) فى المصحف: (110) سورة النصر نزلت بمنى فى حجة الوداع فتعد مدنية وهي آخر ما نزل من السور وآياتها (3) نزلت بعد سورة التوبة. [.....]

(4/903)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ- 1- نزلت هذه السورة بعد فتح مكة والطائف وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ يعني أهل اليمن أَفْواجاً- 2- من كل وجه زمرا، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، فقد حضر أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول فأكثر ذكر ربك وَاسْتَغْفِرْهُ من الذنوب إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً- 3- للمستغفرين
كانت هذه السورة «آية «1» » موت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقرأها على أبي بكر وعمر ففرحا، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: صدقت. فعاش النبي- صلى الله عليه وسلم- «بعدها «2» » ثمانين يوما. «ومسح «3» » رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «بيده «4» » على رأس ابن عباس وقال: اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل.
__________
(1) «آية» : ساقطة من أ، وهي من ل، ف.
(2) فى ل: «بعده» .
(3) فى أ، ف ل: «فمسح» : والأنسب ما أثبت.
(4) فى أ: «يده على رأسه» ، وفى ل: «فمسح رسول الله (ص) على رأسه» ، والأنسب ما أثبت.

(4/905)


سورة المسد

(4/907)


[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)

(4/909)


[سورة المسد «1» ] سورة «تبت «2» ... » مكية عددها خمس آيات «3» :
__________
(1) مقصود السورة:
تهديد أبى لهب على الجفاء والإعراض، وضياح كسبه وأمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذم زوجه فى إيذاء النبي- صلى الله عليه وسلم- وبيان ما هو مدخر لها من سوء العاقبة.
(2) سورة المسد: 1
(3) فى المصحف: (111) سورة المسد مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة الفاتحة.

(4/911)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي- صلى الله عليه وسلم- وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه «كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار «1» » ، وذلك أنه لما نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «2» » يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصي،
قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاما حتى أدعوهم عليه وأنذرهم. فاشترى علي- رحمة الله عليه- «رجل شاة «3» » فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلا غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا. فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال «العشرة «4» » منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمدا قد أشبعكم أربعين رجلا من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن فلما سمع ذلك منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي «عليا «5» » أن يتخذ لهم ليلة
__________
(1) الجملة مضطربة فى أ، ف، ففي: أ «كانا حمراوين كأنها تلتهب منها النار» ، وفى ف: «كانتا حمراوان كأنها تلهب منهما النار» وفى ل: «كانا حمراوين كأنما يلتهب منهما النار» .
(2) سورة الشعراء: 214.
(3) فى أ: «رحل سخلة» .
(4) فى أ، ف: «العشيرة» ، وفى ل: «العشرة» .
(5) «عليا» : من ف، وهي ساقطة من أ.

(4/913)


أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال [255 ب] النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير «من الله «1» » إنى قد جئتكم بما لم يجيء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعوني تهتدوا. فقال أبو لهب:
تبالك، يا محمد، سائر اليوم، لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله- عز وجل- فيه «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ»
وَتَبَّ- 1- يعني وخسر أبو لهب، ثم استأنف فقال:
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ في الآخرة وَما كَسَبَ- 2- يعني أولاده عتبة وعتيبة ومعتب لأن ولده من كسبه سَيَصْلى يعني سيغشى أبو لهب نَارًا ذاتَ لَهَبٍ- 3- ليس لها دخان وَامْرَأَتُهُ وهي أم جميل «بنت «2» » حرب، وهي أخت أبي سفيان بن حرب حَمَّالَةَ الْحَطَبِ- 4- يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي- صلى الله عليه وسلم-، ليعقره، ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة، فقال، فِي جِيدِها في عنقها يوم القيامة حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ- 5- يعني سلسلة من حديد،
فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمدا قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي- صلى الله عليه وسلم- لنلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر- رحمة الله عليه- كلامها، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- داخل البيت فقال أبو بكر- رحمة الله عليه-: يا رسول الله إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير. فقال
__________
(1) «من الله» : من ف، وليست فى أ.
(2) فى أ: «ابنت» وفى، ف: «بنت» وهو الصواب لوقوعها بين علمين أحدهما ابنا للآخر، وليس الثاني منهما فى أول السطر. [.....]

(4/914)


النبي- صلى الله عليه وسلم-: اللهم خذ ببصرها. أو كما قال. ثم قال لأبي بكر- رحمة الله عليه-: دعها تدخل، فإنها لن تراني، فجلس النبي-- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر- رحمة الله عليه- جميعا، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر- رحمة الله عليه- ولم تر النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكانا جميعا في مكان واحد فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ «فقال «1» » :
وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغني أنه هجاني، وهجا زوجي، وهجا أولادي، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك. فقال لها: والله، ما هجاك، ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك. قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر. قال: نعم. فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق، وما أرى البأس إلا وقد كذبوا عليه. فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا «الصفاح «2» » [256 أ] فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فأخبروا محمدا بأنى كفرت ب «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «3» » وكانت أول سورة أعلنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك قال: اللهم سلط عليه كلبك يأكله، فألقى الله- عز وجل- في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي- صلى الله عليه وسلم وكان إذا سار ليلا ما يكاد ينزل بليل، «فهجر «4» » بالليل، فسار يومه وليلته، وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح، قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس، «وإبله «5» »
__________
(1) «فقال» : كذا فى أ، ف، والأنسب: «قال» .
(2) كذا فى أ، ف، ل. ولعله مكان خارج مكة.
(3) سورة النجم: 1، وردت فى أ، ف: «بالنجم إذا هوى» .
(4) فى أ: «فهجد» ، وفى ف، ل: «فهجر» .
(5) فى أ: «إله» ، وفى ف: «وإبله» .

(4/915)


وهو «مذعور «1» » ، فأناخ الإبل حوله مثل «السرادق وجعل الجواليق دون الإبل مثل «السرادق «2» » «ثم أنام «3» » الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد ومعه ملك يقوده، فألقى الله- عز وجل- على الإبل السكينة، فسكنت، فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه. وبقي عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله- عز وجل- في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد إنى كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، «أنزل فيه «4» » : «قُتِلَ الْإِنْسانُ» يعني لعن الإنسان «مَا أَكْفَرَهُ «5» » يعني عتبة يقول أي شيء أكفره بالقرآن، إلى آخر الآيات «6» .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَأُمُّ جَمِيلٍ تَقُولُ مُذَمَّمًا عَصَيْنَا، وَأَمْرُهُ أَبَيْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ أن قريشا نذم مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
(1) فى أ: «مذعور» ، وفى ف: «من عور» .
(2) من «السرادق» الى «السرادق» : ساقط من أ، وهو من ف.
(3) فى أ: «ثم أناخ» ، وفى ف: «ثم أنام» .
(4) فى أ: «ونزل فيه» ، وفى ف: «ونزلت فيه» .
(5) سورة عبس: 17.
(6) يشير إلى الآيات 17- 43- من سورة عبس، وفى أ، ف ل: «إلى آخر الآية» ، وهو خطأ، لأن. «قتل الإنسان ما أكفر» آية كاملة.

(4/916)


سورة الإخلاص

(4/917)


[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)

(4/919)


[سورة الإخلاص «1» ] سورة الإخلاص مكية عددها أربع آيات «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان الوحدانية، وذكر الصمد، وتنزيه الحق من الولد والوالد والولادة، والبراءة من الشركة والشريك فى المملكة.
(2) فى المصحف: (112) سورة الإخلاص مكية، وآياتها (4) نزلت بعد سورة الناس.

(4/921)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- 1- اللَّهُ الصَّمَدُ- 2- تعنى أحد لا شريك له، وذلك
أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري، دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فما تريد؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا شرط في الإسلام. قال:
فاجعل لي الخلافة بعدك. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا نبي بعدي. قال: فأريد أن تفضلني على أصحابك. [256 ب] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا ولكنك أخوهم إن أحسنت إسلامك. «فقال «1» » :
فتجعلني أخا بلال، وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسي، وجعال. قال: نعم.
فغضب وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف «أمرد «2» » فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ويحك تخوفني؟، قال له جبريل- عليه السلام- عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفًا من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله- عز وجل- أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله-
__________
(1) فى أ، ف: «قال فقال» ، ومن هذه اللفظة إلى آخر التفسير ساقط من ل. [.....]
(2) فى أ: «مرد» ، وفى ف: «أمرد» ، وفى أزيادة: «فات ونهض» ، والمثبت من ف.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 58

(4/923)


صلى الله عليه وسلم- «وهو متعجب «1» » مما سمع منه فلقيه الأربد بن قيس السهمي، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إنى دخلت على ابن أبي كبشة آنفًا، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك. فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك. قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب «عنقه «2» » فانطلقا على وجوههما حتى دخلا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، «وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علم ما يريدان «3» » قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد وضع يده على «فمه «4» » وهو يقول: يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم، وبأقوام «كثيرة «5» » فمن هؤلاء؟ «قال «6» » : جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك. قال: فأخبرني ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟ وما حيلته؟
وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أي حي هو؟ ومن أخوه؟.
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله- تعالى- «قل» يا محمد «هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» لقوله ما اسمه؟ وكم هو؟ ( «اللَّهُ الصَّمَدُ» ) لقوله ما طعامه؟
«الصمد» الذي لا يأكل ولا يشرب «7» لَمْ يَلِدْ يقول ولم يتخذ ولدا وَلَمْ يُولَدْ
__________
(1) فى أ: «وهو يتمايل يتعجب» ، وفى ف: «وهو متعجب» .
(2) أ: «أنا عنقه» ، وفى ف: «عنقه» .
(3) «وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علم ما يريدان» : الجملة من ف، وهي ناقصة فى أ.
(4) فى أ: «فيه» ، وفى ف: «فمه» .
(5) فى أ: «كثير» ، وفى ف: «كثيرة» .
(6) «قال» من ف، وهي ساقطة من أ
(7) من أ، وفى ف. ( «اللَّهُ الصَّمَدُ» لقوله أبو من بكنى؟ وابن من هو؟) .

(4/924)


- يقول «ليس له والد يكنى «1» به» ، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ- 4- لقوله من خليله؟ يقول ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل؟ فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا فقاما، فقال له عامر: ويحك، ما شأنك؟ قال: وجدت عصرًا «شديدًا «2» » في بطني، «ووجعًا «3» » فما استطعت أن أرفع يدي.
قال: فأما الأربد بن قيس فخرج يومئذ من المدينة، وكان يومًا متغيمًا، فأدركته صاعقة [257 أ] في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل فوجاه جبرئيل- عليه السلام- في عنقه، فخرج في عنقه «دبيلة «4» » ، ويقال طاعون فمرض بالمدينة فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذومة من بني سلول، فقال جزعًا من الموت:
غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، أبرز إلى ياموت، فأنا قاتلك، فأنزل الله- عز وجل-: « ... وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ «5» » .
وأيضًا «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وذلك أن مشركي مكة، قَالُوا لرسول اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: انعت لنا ربك وصفه لنا. وقال عامر بن الطفيل العامري:
أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟
وقالت اليهود: عزيز ابن الله، وقد أنزل الله- عز وجل- نعته فى التوراة
__________
(1) فى أ: «ليس له ولد يكنى» ، والمناسب للسياق ما أثبت.
(2) «شديدا» : من ف، وليست فى.
(3) «ووجعا» : من أ 5 وليست فى ف.
(4) فى أ: «دبيلة» ، وفى ف: «ذبيله» ، بإعجام الذال.
(5) سورة الرعد: 13.

(4/925)


فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله- عز وجل- في قولهم: «قُلْ» يا محمد «هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» لا شريك له، «اللَّهُ الصَّمَدُ» يعني الذي «لا جوف له «1» » كجوف المخلوقين، ويقال الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار «والخضوع «2» » ، «لَمْ يَلِدْ» فيورث، «وَلَمْ يُولَدْ» فيشارك، وذلك أن مشركي العرب قالوا:
الملائكة بنات الرحمن. وَقَالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: المسيح ابن الله. فأكذبهم الله- عز وجل- فبرأ نفسه من قولهم، فقال: «لَمْ يلد» يعني لم يكن له ولد «وَلَمْ يُولَدْ» كما ولد عيسى وعزير ومريم، «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» يقول لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علوا كبيرا.
__________
(1) «لا جوف له» : ساقطه من أ. [.....]
(2) «والخضوع» : عليها شطب خفيف فى أ.

(4/926)


سورة الفلق

(4/927)


[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5)

(4/929)


[سورة الفلق «1» ] سورة الفلق مكية عددها خمس آيات «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الاستعاذة من الشرور، ومن مخافة الليل الديجور، ومن آفات الماكرين والحاسدين، فى قوله:
« ... إِذا حَسَدَ» سورة الفلق: 5.
(2) فى المصحف: (113) سورة مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة الفيل.

(4/931)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ- 1- وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك، ويقال ابن أعصم اليهودي، سحر النبي- صلى الله عليه وسلم- في إحدى عشرة عقدة في وتر، فجعله فى «بئر لها سبع موانى «1» » في جف طلعة كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يستند إليها فدب فيه السحر، واشتد عليه ثلاث ليال، حتى مرض مرضًا شديدًا، وجزعت النساء، فنزلت المعوذات، فبينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما شكواه؟ قال: أصابه طب- يقول سحر-، قال: فمن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال [257 ب] :
فى أى شيء؟ قال: فى قشر طلعة. قال: فأين هو؟ قال: فى بئر فلان. قال:
فما «دواؤه «2» » قال: تنزف «3» البئر، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه، ثم يحل العقد، كل عقدة بآية من المعوذتين، فذلك شفاؤه، فلما استيقظ النبي- صلى الله عليه وسلم- وجه علي بن أبى طالب- عليه السلام- إلى البئر فاستخرج السحر وجاء «به فأحرق ذلك القشر «4» » . ويقال: إن جبريل أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكان السحر، «وقال «5» » جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم-: حل عقدة،
__________
(1) فى أ «بئر لها سبع» ، وفى ف: «بئر لها سبع موانى» ، وفى البيضاوي: «فى بئر» .
(2) فى أ: «دواه» ، وفى ف: «دواؤه» .
(3) تنزف: ينزح ماؤها.
(4) فى ف: «فأحرق» ، وفى أ: «فأحرق ذلك القشر» .
(5) فى أ، ف: «فقال» .

(4/933)


واقرأ آية. ففعل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ «وانتشر للنساء «1» » .
«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ» يعني برب الخلق مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ- 2- من الجن والإنس وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ يعني ظلمة الليل إِذا وَقَبَ- 3- يعني إذا «دخلت «2» » ظلمة الليل في ضوء النهار: إذا غابت الشمس فاختلط الظلام، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ- 4- يعنى السحر «وآلاته «3» » يعنى الرقبة التي هي لله معصية يعني به ما تنفثن من الرقى في العقدة، والآخذة يعني به السحر فهن
__________
(1) «وانتشر للنساء» : من ف، وهي ساقطة من أ.
وقد ذهب الإمام محمد عبده إلى إنكار حقيقة السحر موافقا بذلك مذهب المعتزلة (انظر تفسير الكشاف:
4/ 244) .
كما ذهب الإمام محمد عبده إلى عدم الأخذ بالحديث الذي يثبت أن النبي سحر، وذكر أنه حديث آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد.
وقد ناقشت رأى الإمام وبينت أن السحر ثابت بالحس والمشاهدة، ونص القرآن وتواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، وأهل التفسير والحديث والفقها، كما أن السحر يؤثر مرضا وثقلا، وحبا وبغضا، وتزيفا وغير ذلك من الآثار الموجودة التي تعرفها عامة الناس.
كما بينت أنه ثبت سحره- عليه الصلاة والسلام- بالروايات الصحيحة المتعددة وأن ثبوت السحر لرسول لا يناقض القرآن لأن القرآن نفى عنه السحر الذي يصيب عقله بالخبل والجنون.
والحديث أثبت السحر الذي يصيب الجسم أو الخبال، (كما تقول الأشاعرة) .
وسند حديث السحر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضى الله عنها- كما أنه من رواية البخاري ومسلم، وقد اتفقا على تصحيحه. وهو ثابت عند أهل العلم بالحديث لا يختلفون فى صحنه، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ، والفقهاء- وانظر هذا البحث موسعا فى كتابي (منهج الإمام محمد عبده فى تفسير القرآن الكريم) موضوع: السحر: 109- 130،
(2) فى أ، ف: «دخل» ، والأنسب: «دخلت» ،
(3) فى أ: «وآلاته» ، فى ف: «والآخذة» .

(4/934)


الساحرات المهيجات «الأخاذات «1» » وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ- 5- يعني اليهود حين حسدوا النبي- صلى الله عليه وسلم-،
قال: فقال له جبريل- «عليه»
» السلام- ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: يا جبريل، ما هو؟ قال: المعوذتان: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ «3» » ، و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «4» » .
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قيل لي، فقلت لكم. فقولوا كما أقول.
قال: وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما فى المكتوبة.
__________
(1) فى ف: «الأخذات» ، وفى أ: «الأخذات أيضا» ، وفى حاشية أ: «الأخاذات» أقول ومعنى الأخاذات، النساء الكيادات التي تستميل الرجل وتستهويه وتتعرض له حتى تأخذه من على زوجته» .
(2) فى أ: «عليهما» ، وفى ف: «عليه» .
(3) سورة الفلق: 1. [.....]
(4) سورة الناس: 1.

(4/935)


سورة النّاس

(4/937)


[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)

(4/939)


[سورة الناس «1» ] سورة الناس مكية عددها «ست «2» » آيات «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الاعتصام بحفظ الحق- تعالى-، وحياطته، والحذر، والاحتراز من وسوسة الشيطان ومن، تعدى الجن والإنسان، فى قوله: «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» سورة الناس: 6.
(2) فى أ: «أربع» والصواب: «ست» .
(3) فى المصحف: (114) سورة الناس مكية وآياتها (6) نزلت بعد سورة الفلق.

(4/941)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ- 1- أمر الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتعوذ برب الناس الذي هو مَلِكِ النَّاسِ- 2- بملكهم في «برهم وبحرهم «1» » «وفاجرهم «2» » وصالحهم وطالحهم وهو إِلهِ النَّاسِ- 3- كلهم، مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ- 4- وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم، وهو يجري مجرى الدم، «سلطه «3» » الله على ذلك من الإنسان، فذلك قوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ- 5- فإذا «انتهى «4» » ابن آدم وسوس في قلبه حتى «يتبلع «5» » قلبه، والخناس الذي إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه، ويخرج من جسده، ثم أمره الله أن يتعوذ مِنَ شر الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ- 6- يعنى الجن «والإنس «6» » .
__________
(1) فى أ: «برهم وبحرهم» ، وفى ف: «فى برهم وبحرهم» .
(2) فى أ: «جرهم» ، وفى ف: «وفاجرهم» .
(3) فى أ: «يسلطه» ، وفى ف: «سلطه» .
(4) «انتهى» : كذا فى أ، ف، ولعل المراد: «انتهى عن المعاصي» .
(5) فى ف: «حتى يتبلع» ، وفى ل: «يبتلع» .
(6) فى ف: «ثم الكتاب بحمد الله ومنه، والصلاة على نبيه محمد المصطفى وآله أجمعين وسلم تسليما، وفرغ من كتابته أبو القاسم إسماعيل الروياني، غداة يوم الجمعة فى غرة ربيع الآخر من شهور سنة أربع وعشرين وخمسمائة» .

(4/943)


وتحتها خاتم كتب عليه:
«وقف شيخ الإسلام فيض الله أفندى- غفر الله له- ولوالديه» ، بشرط ألا يخرج من المدرسة التي أنشأها بالقسطنطينية سنة 1113» .
وفى أعلى الورقة الأخيرة هذه كبة: (وقف) مكتوبة بخط الثلث، أقول وهذه نسخة فيض الله المشار إليها: ف.
وأما فى أ (أحمد الثالث) فقد جاء فى آخرها: هذا آخر تفسير الإمام مقاتل «والحمد لله رب العالمين» ، اعلم- أيها الناظر فى هذا الكتاب- أننى لما نقلته كان النقل من نسخة ليس فيها تمييز القرآن بالأحمر فرأيت أن أميز القرآن العظيم بالأحمر، ليسهل على الناظر فيه استخراج التفسير من القرآن، ويحصل المقصود بسهولة، مع أن النسخة كثيرة التحريف، وفى بعض المواضع القرآن ساقط هو وتفسيره، ففي بعض المواضع كتبته هي الهامش لئلا يظن أنه إنما سقط منى وبعضها لم أكتبه وبعض الأماكن الذي لم يتحرر لي أنظر عليه (أى أضع عليه علامة التضعيف) :
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكتبه بيده الفانية فقير عفو ربه وكرمه محمد بن أحمد بن عمر السنبلاويني الشافعي، لطف الله به وبوالديه ومشايخه، والمسلمين، ورحمهم أجمعين والحمد لله رب العالمين، أ. هـ.

(4/944)


يقول محققه عبد الله محمود شحاتة:
كان الفراغ من تحقيق تفسير مقاتل بن سليمان ظهر يوم الاثنين الموافق 30 من جمادى الأولى سنة 1387 هـ، 4 من سبتمبر (أيلول) سنة 1967 م.
وقد ترقرق الدمع فى عيني مرارا عند ختامه.
شكر الله- تعالى- أن وفقني لتحقيق هذا التفسير كاملا، ولله الفضل والمنة، وله الثناء الحسن الجميل.
والحمد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمى وعلى آله وصحبه وسلم.

(4/945)