تفسير مقاتل بن سليمان

التفسير فى عصر الصحابة
كان القرآن هو المرجع الأول للمسلمين فى ذلك العصر أيضا، يقرءونه فى صلاتهم، ويهدرون به فى غزوهم، ويرتلونه فى قيام ليلهم.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إذا لم يجدوا التفسير فى كتاب الله تعالى، ولم يتيسر لهم أخذه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجعوا فى ذلك إلى اجتهادهم واعمال رأيهم، وساعدهم على التفسير، أنهم عرب خلص، يعرفون معاني اللغة وأسرارها، وأنهم عاشوا فترة نزول الوحى مع النبي، فعرفوا أسباب النزول، وأدركوا ما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، تعين على فهم كثير من الآيات، لهذا
__________
(12) سورة البقرة: 187.
(13) سورة المائدة: 38.

(5/7)


قال الواحدي: (لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها) .
غير أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا متفاوتين فى قدرتهم على تفسير القرآن، تبعا لمقدار سماعهم التفسير من رسول الله، ولمقدار ما شاهدوا من أسباب النزول ولمدى ما فتح الله به عليهم من طريق الرأى والاجتهاد، قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) «14» .
قال السيوطي فى الإتقان: «وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير «15» » .
وهناك من تلك من الصحابة فى التفسير كأبى هريرة «ت 57 هـ» وجابر بن عبد الله (ت 74 هـ) وعبد الله بن عمر (ت 73 هـ) وعبد الله بن عمرو بن العاص (ت 63 هـ) وأنس بن مالك (ت 91 هـ) ، غير أن ما نقل عنهم فى التفسير قليل جدا بالنسبة للعشرة الذين ذكرهم السيوطي:
وأكثر من روى عنهم من هؤلاء العشرة، أربعة هم: عبد الله بن عباس، ثم عبد الله بن مسعود، ثم على بن أبى طالب، ثم أبى بن كعب، رضى الله عنهم جميعا.
وها نحن نترجم لهؤلاء الأربعة، فيما يلي من الصفحات:

1- عبد الله بن عباس:
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد والنبي وأصحابه بالشعب بمكة. وعند ما توفى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له- رضى الله عنه- من العمر ثلاث عشرة سنة، وقد عاش حتى توفى بالطائف سنة 68 هـ.
وهو ترجمان القرآن، وحبر الأمة، ورأس المفسرين.
دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل.
وقد روى عنه فى التفسير ما لا يحصى كثرة، بطرق معظمها ليس بصحيح، ومن ذلك التفسير المنسوب اليه، وهو الذي طبع باسم: تنوير المقياس من تفسير ابن عباس، للفيروزآبادي، صاحب القاموس المحيط.
__________
(14) سورة البقرة: 269.
(15) وقال صاحب كشف الظنون ما نصه: «أما المفسرون من الصحابة فمنهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضوان الله تعالى عليهم أجمعين» .

(5/8)


وحسبنا فى التعقيب على هذا ما روى منسوبا إلى الامام الشافعي- رضى الله عنه- من قوله: (لم يثبت عن ابن عباس فى التفسير الا شبيه بمائة حديث) «16» .
مع أن هذا التنوير المنسوب اليه مطبوع فى نحو أربعمائة صفحة من القطع العادي.
وقد ساعد ابن عباس على تضلعه فى التفسير وقوته فيه، نشأته فى بيت النبوة، وملازمته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم لأكابر الصحابة بعد وفاة الرسول.
ثم حفظه للعربية، ومعرفته لغريبها وآدابها وخصائصها وأساليبها، شعرا ونثرا، وبلوغه مرتبة الاجتهاد، وعدم تحرجه من التفسير، وقد وهبه الله عقلا راجحا، ورأيا صائبا، وقريحة وقادة، ويقينا وايمانا. حتى قال مجاهد: انه إذا فسر الشيء رأيت عليه النور، وكان ابن عباس شيخ المفسرين بمكة، وصاحب مدرسة التفسير بها.
قال ابن تيمية: (وأعلم الناس بالتفسير أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبى رباح وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس كطاووس «17» ، وأبى الشعناء، وسعيد بن جبير، وأمثالهم، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود.
ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم، وعلماء أهل المدينة فى التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضا ابنه عبد الرحمن، وعبد الله بن وهب «18» .

أشهر الطرق عن ابن عباس:
1- طريق معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة (ت 143) عن ابن عباس.
وهذه أجود الطرق عنه.
قال الامام أحمد: «ان بمصر صحيفة فى التفسير رواها على بن أبى طلحة،
__________
(16) شذرات الذهب لابن العماد ج 1، وخلاصة تذهيب الكمال فى أسماء الرجال: 150، طبعة الخيرية سنة 1323 هـ، والإتقان: 2/ 224.
(17) انظر ترجمة مجاهد: 48.
وعطاء بن أبى رباح يمنى من الجند تحول إلى مكة، وبلغ مرتبة الامامة والفقه، وانتهت اليه الفتوى بمكة، قال فيه ابن عباس لأهل مكة: تجتمعون على وعندكم عطاء؟ توفى سنة 114 هـ.
وعكرمة، مولى ابن عباس: هو أبو عبد الله عكرمة البربري، أحد الأئمة الأعلام، قال الشعبي:
ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة، توفى سنة 105 هـ. (تهذيب التهذيب: 7/ 263- 273) .
وطاووس، هو: طاووس بن كيسان يمنى من الجند أيضا، أدرك خمسين من الصحابة، وبلغ منزلة الأئمة الأعلام، وأخذ عنه الصفوة من التابعين. قال ابن عباس انى لأظن طاووسا من أهل الجنة.
توفى يوم التروية من سنة 106 هـ، وصلّى عليه هشام بن عبد الملك.
(18) ابن تيمية، مقدمة فى أصول التفسير: 23- 24.
وانظر. فجر الإسلام ق 147- 148. ط 9. [.....]

(5/9)


لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا» . وقد اعتمد عليها البخاري فى صحيحه.
2- طريق قيس بن مسلم الكوفي (ت 120 هـ) عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين.
3- طريق ابن إسحاق صاحب السير، عن محمد بن أبى محمد مولى آل زيد ابن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهي طريق جيدة واسنادها حسن.
4- طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير، تارة عن أبى مالك، وتارة عن أبى صالح عن ابن عباس، والسدى الكبير مختلف فيه.
5- طريق عبد الملك بن جريج عن ابن عباس. وابن جريج لم يقصد الصحة فيما جمع، وانما روى ما ذكر فى كل آية من الصحيح والسقيم.
6- طريق الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس وهي غير مرضية.
7- طريق عطية العوفى عن ابن عباس، وهي غير مرضية أيضا.
8- طريق مقاتل بن سليمان الأزدى الخراساني، صاحب التفسير الذي نقدم له. وقد مدح الامام الشافعي تفسير مقاتل، وقال: «من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان» .
ولكن أهل الحديث جرحوه واتهموه بالكذب.
وبالجملة فقد أثنى العلماء على تفسير مقاتل، فى حين اتهمه رجال الحديث بالكذب.
9- طريق محمد بن السائب الكلبي (ت 146 هـ) عن أبى صالح عن ابن عباس وهذه أوهى الطرق.
فالكلبي- وان وجد من قال رضوه فى التفسير- متروك الحديث ليس بثقة عند جميع أهل الحديث.
وإذا انضم إلى طريق الكلبي رواية محمد بن مروان السدى الصغير فهي سلسلة الكذب 1» .
__________
(19) الإتقان: 2/ 189.
وانظر، محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون: 1/ 78- 81. وفجر الإسلام: 203،؟؟
وكشف الظنون، ومقدمة تفسير أحمد مصطفى المراغي؟ 2.

(5/10)


2- عبد الله بن مسعود: (ت سنة 32 هـ)
ذكرنا أن أشهر المفسرين أربعة: عبد الله بن عباس، ثم عبد الله بن مسعود، ثم على بن أبى طالب، ثم أبى بن كعب.
وقد عرفنا بعبد الله بن عباس، وعرفنا بأشهر الطرق اليه ومنها طريق مقاتل ابن سليمان.
أما عبد الله بن مسعود، فهو صحابى جليل، من السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بالقرآن بمكة، وكان خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلبسه نعله ويمشى معه وأمامه إذا سار، ويلج داره بلا حجاب، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد المشاهد مع رسول الله.
وكان ابن مسعود من أحفظ الصحابة لكتاب الله. وأخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال: (والله الذي لا اله غيره ما نزلت آية من كتاب الله الا وأنا أعلم فيمن نزلت؟
وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته) «20» .
وقد روى عن ابن مسعود كثيرون لكن تتبعهم العلماء بالنقد والتجريح ومن أشهر الطرق إلى ابن مسعود:
1- طريق الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق عن ابن مسعود وهي أصح الطرق اليه.
2- طريق مجاهد عن أبى معمر عن ابن مسعود وهذه أيضا طريق صحيحة.
3- طريق الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود وهي مثل سابقتها.
4- طريق أبى روق عن الضحاك عن ابن مسعود، وهي غير مرضية لأن الضحاك لم يلق ابن مسعود طريق منقطعة «21» .

3- علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
هو ابن عم رسول الله وصهره على ابنته فاطمة الزهراء. ولد وشب فى الإسلام، وتوفى سنة 40 هـ، وكان أكثر الخلفاء الأربعة تفسيرا للقرآن لتأخر وفاته ولاحتياج الناس إلى التفسير فى حياته.
وقد أسرف بعض الشيعة فى حبه وجاوزوا الحد فى تقديره فنسبوا اليه ما هو منه برىء، وقولوه ما لم يقل، ومن ثم
ورد فى المروي عنه دس كثير،
وتصدى صيارفة النقد من رجال الرواية للمروي عنه حتى مازوا ما صح منه مما لم يصح.
__________
(20) انظر ترجمة ابن مسعود فى اسد الغابة: 3/ 256- 260.
(21) محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون: 1/ 87، 88.

(5/11)


4- أبى بن كعب الأنصارى: (ت سنة 20 هـ)
كان من أعلام القراء ومن كتاب الوحى ومن أعلم الصحابة بكتاب الله، وكان أبى حبرا من أحبار اليهود قبل إسلامه، وكان من المكثرين فى التفسير، ولم يسلم كغيره من الوضع عليه «22» .