تفسير مقاتل بن سليمان

التفسير فى عصر التابعين
لم يدون التفسير فى عهد الصحابة، لقرب العهد برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولقلة الاختلاف والتمكن من الرجوع إلى الثقات.
فلما انقضى عصر الصحابة أو كاد، وصار الأمر إلى تابعيهم، «انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرقت الصحابة فى الأقطار، وحدثت الفتن واختلفت الآراء وكثرت الفتاوى والرجوع إلى الكبراء فأخذوا فى تدوين الحديث والفقه وعلوم القرآن «23» » .
فأول ما دونوه من العلوم التفسير، ومن أقدم التفاسير تفسير أبى العالية رفيع ابن مهران الرياحي (ت 90 هـ) ، ومجاهد بن جبر (101 هـ) ثم تفسير عطاء بن أبى رباح (ت 114 هـ) ، ثم تفسير محمد بن كعب القرظي (ت 117 هـ) «24» .
وقد انقسمت جماعة المفسرين إلى ثلاث مدارس:
أولاها: مفسرو مكة المكرمة وهم تلاميذ عبد الله بن عباس «25» .
والثانية: مفسرو الكوفة وهم تلاميذ عبد الله بن مسعود «26» .
والثالثة: مفسرو المدينة. وهي أصحاب زيد بن أسلم العدوى «27» .
وإذا قارنا بين التفسير فى عهد الصحابة والتفسير فى عهد التابعين خرجنا بالنتائج الآتية:
__________
(22) انظر خلاصة تذهيب الكمال: 180، وميزان الاعتدال: 2/ 68، ومناهل العرفان، 1/ 487، والتفسير والمفسرون: 1/ 92.
(23) حاجي خليفة: 1/ 33.
(24) حاجي خليفة: 1/ 427.
(25) ومن تلاميذه: مجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وطاووس.
(26) ومن تلاميذه: مسروق بن الأجدع، وقتادة بن دعامة، والحسن البصري وعلقمة بن قيس.
(27) ومنهم: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي مولاهم، ومحمد بن كعب القرظي.

(5/12)


(ا) التفسير فى عهد الصحابة:
1- لم يفسر القرآن جميعه انما فسر ما غمض منه 2- قلة الاختلاف فى فهم معاني القرآن 3- الاكتفاء بالمعاني الاجمالية للآيات 4- قلة الخلاف المذهبى حول الآيات 5- لم يدون التفسير 6- اتخذ التفسير شكل الحديث 7- قلة الرجوع إلى أهل الكتاب

(ب) التفسير فى عهد التابعين:
ظهرت تفاسير شاملة لأكثر آيات القرآن زاد الخلاف نسبيا فى فهم معاني القرآن عما كان فى عصر الصحابة.
ظهر تفسير لكل آية ولكل لفظة زاد الخلاف المذهبى حول الآيات مثل تفسير قتادة والحسن البصري حول القدر دون التفسير استقل التفسير فى كتب مستقلة وان ظل فى شكل رواية الحديث كثر الرجوع إلى أهل الكتاب، ودخل فى التفسير كثير من الاسرائيليات وذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب فى الإسلام وتساهل التابعين فى الاستماع إليهم.

ابتداء التدوين فى عصر التابعين:
ابتدأ فى هذا العصر تدوين التفسير والتصنيف فيه، وأول كتاب ظهر فى التفسير كان لسعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدى مولى بنى والبة بن الحارث بطن من بنى اسد بن خزيمة المتوفى سنة 95 هـ، قتله الحجاج وكان اعلم التابعين فى نص على ذلك قتادة وحكاه السيوطي فى الإتقان، كما نسب تدوين التفسير إلى مجاهد: قال ابن أبى مليكة: «رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول ابن عباس اكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله» «28» .
وتميزت فى عصر التابعين ثلاث مدارس فى التفسير:
1- مدرسة مكة، وأصحابها تلاميذ ابن عباس رضى الله عنه ومنهم أبو الحجاج «29» مجاهد بن جبر المكي المتوفى سنة 101 هـ، حكى عن نفسه أنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. وقد اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري، وعكرمة مولى ابن
__________
(28) ابن جرير الطبري: تفسير: 1/ 30.
(29) له طرق منها طريق ابن أبى نجيح، وطريق ابن جريج، وطريق ليث.

(5/13)


عباس المتوفى سنة 104 هـ، وطاووس بن كيسان اليماني المتوفى بمكة سنة 106 هـ.
وعطاء بن أبى رباح المكي المتوفى سنة 114 هـ.
2- ومدرسة العراق، وأصحابها تلاميذ ابن مسعود ومنهم: مسروق بن الأجدع الكوفي المتوفى سنة 63 هـ «30» ، والأسود بن يزيد المتوفى سنة 75 هـ، وعلقمة ابن قيس المتوفى سنة 102 هـ، وعامر الشعبي المتوفى سنة 105 هـ، وقتادة ابن دعامة السدوسي البصري المتوفى سنة 117 هـ، والحسن البصري المتوفى سنة 121 هـ.
3- ومدرسة المدينة، ورجالها تلاميذ أبى بن كعب، وأصحاب زيد بن أسلم المتوفى سنة 136 هـ. ومنهم: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي المتوفى سنة 90 هـ، ومحمد بن كعب القرظي المتوفى سنة 118 هـ.