تفسير يحيى بن سلام

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ} [الفرقان: 1] وَهُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ كَقَوْلِهِ: تَعَالَى، ارْتَفَعَ.
قَوْلُهُ: {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْقُرْآنُ.
وَفُرْقَانُهُ حَلالُهُ وَحَرَامُهُ.
{عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ} [الفرقان: 1] يَعْنِي الإِنْسَ وَالْجِنَّ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{نَذِيرًا} [الفرقان: 1] يُنْذِرُهُمُ النَّارَ وَعَذَابَ الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ النَّارِ فِي الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
- قَالَ: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] حَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى هَذِهِ، وَوَضَعَ طَرْفَ إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى طَرْفِ لِسَانِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى ظُفْرِ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى.
قَوْلُهُ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} [الفرقان: 3] مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{آلِهَةً} [الفرقان: 3] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] يَصْنَعُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ.

(1/468)


وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] يَعْنِي أَصْنَامَهُمُ الَّتِي عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] بِأَيْدِيكُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] يَعْنِي: وَهُمْ يُصَوَّرُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} [الفرقان: 3] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا} [الفرقان: 3] أَيْ: لا يُمِيتُونَ أَحَدًا.
{وَلا حَيَاةً} [الفرقان: 3] أَيْ: وَلا يُحْيُونَ أَحَدًا.
{وَلا نُشُورًا} [الفرقان: 3] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلا بَعْثًا.
لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا} [الفرقان: 4] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
قَوْلُهُ: {إِلا إِفْكٌ} [الفرقان: 4] قَالَ قَتَادَةُ: إِلا كَذِبٌ.
{افْتَرَاهُ} [الفرقان: 4] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} [الفرقان: 4] عَلَى الْقُرْآنِ.
{قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] يَهُودُ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنُونَ عَبْدَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَبْدُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَعَدَّاسٌ غُلامُ عُتْبَةَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَقَدْ جَاءُوا} [الفرقان: 4] قَالَ قَتَادَةُ: فَقْد أَتَوْا.
{ظُلْمًا} [الفرقان: 4] إِثْمًا وَشِرْكًا.
{وَزُورًا} [الفرقان: 4] كَذِبًا.
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الفرقان: 5] قَالَ قَتَادَةُ: أَحَادِيثُ الأَوَّلِينَ، أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
{اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] يَقُولُ: اكْتَتَبَهَا مُحَمَّدٌ.
كَتَبَ الأَسَاطِيرَ مِنْ عَبْدِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ.

(1/469)


وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَعَدَّاسٍ غُلامِ عُتْبَةَ.
{فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5] عَلَى مُحَمَّدٍ.
{بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الفرقان: 5] وَالأَصِيلُ: الْعَشِيُّ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ أَنْزَلَهُ} [الفرقان: 6] أَنْزَلَ الْقُرْآنَ.
{الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 6] قَوْلُهُ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} [الفرقان: 7] فِيمَا يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولٌ.
{يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا} [الفرقان: 7] هَلا.
{أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] فَيُصَدِّقُهُ بِمَقَالَتِهِ.
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} [الفرقان: 8] فَإِنَّهُ فَقِيرٌ.
{أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 8] وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ يَقْرَأُهَا: نَأْكُلُ مِنْهَا.
{وَقَالَ الظَّالِمُونَ} [الفرقان: 8] الْمُشْرِكُونَ، يَعْنِيهِمْ.
{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8] قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَامُوا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى دَارٍ فِي أَصْلِ الصَّفَا فِيهَا نَبِيُّ اللَّهِ يُصَلِّي فَاسْتَمَعُوا.
فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ صَلاتِهِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، لِعُتْبَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَتَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ فَقَالَ عُتْبَةُ: اللَّهُمَّ أَعْرِفُ بَعْضًا وَأُنْكِرُ بَعْضًا.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَأَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلْ تَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ شَيْئًا؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لا، وَالَّذِي جَعَلَهَا بَنْيَةً، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، مَا أَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ قَلِيلًا وَلا كَثِيرًا وَ {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8] قَوْلُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الفرقان: 9] يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] ، وَقَوْلُهُمْ: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] ، {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ
يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] وَقَوْلُهُمْ: سَاحِرٌ، {شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5] وَمَجْنُونٌ

(1/470)


وَكَاهِنٌ {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا {7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 7-8] قَالَ اللَّه: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الفرقان: 9] يَعْنِي مَخْرَجًا مِنَ الأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبُوا لَكَ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى الْخَيْرِ.
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} [الفرقان: 10] مِمَّا قَالُوا، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَتَمَنَّوْا لَهُ: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 8] أَيْ يَجْعَلَ لَهُمْ مَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ.
{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفرقان: 10] فَإِنَّمَا قَالُوا هُمْ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ.
{وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 10] مُشَيَّدَةً فِي الدُّنْيَا إِنْ شَاءَ.
كُلُّ هَذَا قَالَتْهُ قُرَيْشٌ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَهَذا عَلَى مَقْرَأِ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهَا.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ: وَيَجْعَلُ لَكَ قُصُورًا فِي الآخِرَةِ.
قَالَ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} [الفرقان: 11] بِالْقِيَامَةِ.
{وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: 11] اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ.
{سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} [الفرقان: 12] عَلَيْهِمْ.
{وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] صَوْتًا.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} [الفرقان: 13] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: إِنَّ جَهَنَّمَ

(1/471)


لَتَضِيقُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَضِيقِ الزُّجِّ عَلَى الرُّمْحِ.
قَوْلُهُ: {مُقَرَّنِينَ} [الفرقان: 13] يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الضَّلالَةِ فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، يَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] قَالَ قَتَادَةُ: وَيْلًا وَهَلاكًا.
{لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} [الفرقان: 14] وَيْلًا وَهَلاكًا وَاحِدًا.
{وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] وَيْلًا كَثِيرًا وَهَلاكًا طَوِيلًا.
ثُمَّ قَالَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [الفرقان: 15] أَيْ أَنَّ جَنَّةَ الْخُلْدِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ.
{الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا} [الفرقان: 15] قَالَ قَتَادَةُ: جَزَاءً بِأَعْمَالِهِمْ، {وَمَصِيرًا} [الفرقان: 15] أَيْ مَنْزِلًا وَمَثْوًى.
{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ} [الفرقان: 16] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا} [الفرقان: 16] سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلَتِ الْمَلائِكَةُ اللَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَهِيَ فِي سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غافر: 8] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ نَجْمَعُهُمْ.
{وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ} [الفرقان: 17] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُضِلُّوهُمْ.
يَقُولُهُ لِلْمَلائِكَةِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُهُ لِعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلائِكَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَنَظِيرُ قَوْلِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ {40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: 40-41] أَيِ: الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِنِّ.
{أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان: 17] قَالَتِ الْمَلائِكَةُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.

(1/472)


وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَلائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ.
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} [الفرقان: 18] يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنْ ذَلِكَ.
{مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] أَيْ: لَمْ نَكُنْ نُوَالِيهِمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: {أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] يَعْبُدُونَنَا مِنْ دُونِكَ.
{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} [الفرقان: 18] فِي عَيْشِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَذَابٍ.
{حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: 18] حَتَّى تَرَكُوا الذِّكْرَ لَمَّا جَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
{وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18] وَقَالَ قَتَادَةُ: وَالْبُورُ الْفَاسِدُ، يَعْنِي فَسَادَ الشِّرْكِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بُورًا، هَالِكِينَ.
قَالَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] فَقَالَ: {بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] قَالَ: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] أَيْ إِنَّهُمْ آلِهَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
قَالَ: يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِمْ.
أَيْ إِذْ جَعَلُوهُمْ آلِهَةً، فَانْتَفُوا مِنْ ذَلِكَ وَنَزَّهُوا اللَّهَ عَنْهُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا بِالْيَاءِ: بِمَا يَقُولُونَ يَعْنِي قَوْلَ الْمَلائِكَةِ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَفِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ: عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلائِكَةُ.
قَالَ: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] قَالَ: لا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ صَرْفًا، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلا نَصْرًا.

(1/473)


قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} [الفرقان: 19] مَنْ يُشْرِكْ مِنْكُمْ.
{نُذِقْهُ} [الفرقان: 19] نُعَذِّبْهُ.
{عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19] قَالَ يَحْيَى: كَقَوْلِهِ: {إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ {23} فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ {24} } [الغاشية: 23-24] قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: 20] إِلا أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
كَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
قَالَ: {وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] وَهَذَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]
- أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَيْلٌ لِلْمَالِكِ مِنَ الْمَمْلُوكِ، وَيْلٌ لِلْمَمْلُوكِ مِنَ الْمَالِكِ، وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنَ الْجَاهِلِ، وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مِنَ الْعَالِمِ، وَيْلٌ لِلْغَنِيِّ مِنَ الْفَقِيرِ، وَيْلٌ لِلْفَقِيرِ مِنَ الْغَنِيِّ، وَيْلٌ لِلشَّدِيدِ مِنَ الضَّعِيفِ، وَيْلٌ لِلضَّعِيفِ مِنَ الشَّدِيدِ» .
قَالَ الْمُبَارَكُ: قَالَ الْحَسَنُ: وَيْلٌ لِهَذَا الْمَالِكِ إِذْ رَزَقَهُ اللَّهُ هَذَا الْمَمْلُوكَ كَيْفَ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِ وَيَصْبِرْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْمَمْلُوكِ الَّذِي ابْتَلاهُ اللَّهُ فَجَعَلَهُ لِهَذَا الْمَالِكِ كَيْفَ لَمْ يَصْبِرْ وَيُحْسِنْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْغَنِيِّ إِذْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَرْزُقْ هَذَا الْفَقِيرَ كَيْفَ لَمْ يُحْسِنْ وَيَصْبِرْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْفَقِيرِ الَّذِي ابْتَلاهُ بِالْفَقْرِ وَلَمْ يُعْطِهِ مَا أَعْطَى هَذَا الْغَنِيَّ كَيْفَ لَمْ يَصْبِرْ.
وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ.
- وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ لا يَعْلَمُ، مَرَّةً، وَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمُ ثُمَّ لا يَعْمَلُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20] الأَنْبِيَاءُ وَقَوْمُهُمْ.

(1/474)


{أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] يَعْنِي الرُّسُلَ عَلَى مَا يَقُولُ لَهُمْ قَوْمُهُمْ.
وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَأَظُنُّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الصَّلْتِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا عُرِضَ عَلَى آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ فَرَأَى فَضْلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ: يَا رَبِّ أَلا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ : قَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَشْكُرَ لِيَرَى ذُو الْفَضْلِ فَضْلَهُ فَيَحْمَدُنِي
وَيَشْكُرُنِي.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [الفرقان: 21] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ.
{لَوْلا} [الفرقان: 21] هَلا.
{أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} [الفرقان: 21] فَيَشْهَدُوا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ.
{أَوْ نَرَى رَبَّنَا} [الفرقان: 21] مُعَايَنَةً فَيُخْبِرُنَا أَنَّكَ رَسُولُهُ.
قَالَ اللَّهُ: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] وَعَصَوْا عِصْيَانًا كَبِيرًا.
ثُمَّ قَالَ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} [الفرقان: 22] وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ.
{لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 22] لِلْمُشْرِكِينَ، لا بُشْرَى لَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالْجَنَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تُبَشِّرُهُمُ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ.
قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت: 30] عِنْدَ الْمَوْتِ {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} [الفرقان: 22] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى الْكَافِرِ الْبُشْرَى يَوْمَئِذٍ.
الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] قَالَ:

(1/475)


حَرَامًا مُحَرَّمًا.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ لِلشَّيْءِ: مَعَاذَ اللَّهِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَقَدِمْنَا} [الفرقان: 23] أَيْ: وَعَمَدْنَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ.
{إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} [الفرقان: 23] أَيْ حَسَنٍ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{فَجَعَلْنَاهُ} [الفرقان: 23] فِي الآخِرَةِ.
{هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] وَهُوَ الَّذِي يَتَنَاثَرُ مِنَ الْغُبَارِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ أَثَرِ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ إِذَا سَارَتْ.
وَالآيَةُ الأُخْرَى: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6] وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ الْبَيْتَ مِنَ الْكُوَّةِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] هُوَ عِنْدَهُ هَذَا.
قَالَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الفرقان: 24] أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] مِنْ مُسْتَقَرِّ الْمُشْرِكِينَ.
{وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] مَنْزِلا، الْجَنَّةُ يَسْتَقِرُّونَ فِيهَا لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
وَمُسْتَقَرُّ الْمُشْرِكِينَ جَهَنَّمُ لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
قَالَ: {وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] قَالَ قَتَادَةُ: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] قَالَ: مَأْوًى وَمَنْزِلا.
حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ قَالَ: يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَلِكًا فِي الدُّنْيَا، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، فَيُحَاسَبُ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَالآخَرُ كَانَ مِسْكِينًا، أَوْ كَمَا قَالَ، فِي الدُّنْيَا فَيُحَاسَبُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ شَيْءٍ فَتُحَاسِبُنِي بِهِ، فَيَقُولُ: صَدَقَ عَبْدِي، فَأَرْسِلُوهُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
ثُمَّ يُتْرَكَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ يُدْعَى بِصَاحِبِ النَّارِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْحُمَمَةِ السَّوْدَاءِ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ شَرُّ مَقِيلٍ.
فَيُقَالُ لَهُ: عُدْ.
ثُمَّ

(1/476)


يُدْعَى صَاحِبُ الْجَنَّةِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ خَيْرُ مَقِيلٍ.
فَيُقَالُ لَهُ: عُدْ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " يَخْرُجُ بَعْدَ مَا يَسْتَقِرُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ رَجُلٌ مِنَ النَّارِ وَرَجُلٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ الرَّجُلَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ خَيْرُ مَقِيلٍ وَخَيْرُ مَصِيرٍ صَارَ إِلَيْهِ الْعَبْدُ.
فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: إِنَّ لَكَ عِنْدِي الزِّيَادَةَ وَالْكَرَامَةَ، فَارْجِعْ.
وَيَسْأَلُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ شَرُّ مَقِيلٍ وَمَصِيرٍ صَارَ إِلَيْهِ الْعَبْدُ.
ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ.
فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: مَا تُعْطِينِي إِنْ أَخْرَجْتُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنِي.
فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مِلْءَ الأَرْضِ ذَهَبًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ أَعْطَيْتُكَ.
فَيَقُولُ لَهُ: كَذَبْتَ وَعِزَّتِي، قَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ تُعْطِنِيهِ.
سَأَلْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ، وَتَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَكَ، وَتَسْتَغْفِرَنِي فَأَغْفِرَ لَكَ ".
- وَحَدَّثَنِي أَبَانٌ الْعَطَّارُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ سَاعَةٍ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ حِينَ يَشْتَهُونَ الْغَدَاءَ.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] يَجِيءُ الْغَمَامُ هَذَا بَعْدَ الْبَعْثِ، تَشَقَّقُ فَتَرَاهَا وَاهِيَةً، مُتَشَقِّقَةً كَقَوْلِهِ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} [النبأ: 19] وَيَكُونُ الْغَمَامُ سُتْرَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
قَالَ: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا} [الفرقان: 25] مَعَ الرَّحْمَنِ.
هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210] .
وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، ثُمَّ يَحْشُرُ اللَّهُ فِيهَا

(1/477)


الْخَلائِقَ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ وَبِمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ وَقَالُوا:
أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ، وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِهِمْ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ
السَّادِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ عَلَى كَوَاهِلِهَا بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ وَحُسْنٍ وَجَمَالٍ حَتَّى إِذَا جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ نَادَى بِصَوْتِهِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {16} الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {17} } [غافر: 16-17] .
ثُمَّ أَتَتْ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ تَسْمَعُ وَتُبْصِرُ وَتَكَّلَّمَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ نَادَتْ بِصَوْتِهَا: أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِمَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَمَنْ دَعَا لِلَّهِ وَلَدًا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ثُمَّ صَوَّبَتْ رَأْسَهَا وَسَطَ الْخَلائِقِ فَالْتَقَطَتْهُمْ كَمَا يَلْتَقِطُ الْحَمَامُ حَبَّ السِّمْسِمِ، ثُمَّ غَاضَتْ بِهِمْ فَأَلْقَتْهُمْ فِي النَّارِ، ثُمَّ عَادَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِمَكَانِهَا نَادَتْ: أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِمَنْ سَبَّ اللَّهَ، وَبِمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَبِمَنْ آذَى اللَّهَ.
فَأَمَّا الَّذِي سَبَّ اللَّهَ فَالَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} } [الإخلاص: 3-4] .
وَأَمَّا الَّذِي كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا

(1/478)


وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {38} لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ {39} } [النحل: 38-39] وَأَمَّا الَّذِينَ آذَوُا اللَّهَ فَالَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ، فَتَلْتَقِطُهُمْ كَمَا تَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ حَتَّى تَغِيضَ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ.
قَالَ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] يَخْضَعُ الْمُلُوكُ يَوْمَئِذٍ لِمُلْكِ اللَّهِ وَالْجَبَابِرَةُ لِجَبَرُوتِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] شَدِيدًا.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: يَأْكُلُهَا نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ} [الفرقان: 27] مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى اللَّهِ.
{سَبِيلا} [الفرقان: 27] بِاتِّبَاعِهِ.
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: 28] عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [الفرقان: 29] عَنِ الْقُرْآنِ.
{بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29] حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ أُبَيٌّ يَحْضُرُ النَّبِيَّ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فِي الآخِرَةِ: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ} [الفرقان: 27] مع مُحَمَّدٍ {سَبِيلا} [الفرقان: 27] قَالَ قَتَادَةُ: {سَبِيلا} [الفرقان: 27] بِطَاعَةِ اللَّهِ {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: 28] يَعْنِي عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ {خَلِيلا} [الفرقان: 28] وَقَالَ ابْنُ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الشَّيْطَانَ.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29]

(1/479)


قَالَ اللَّه: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا} [الفرقان: 29] يَأْمُرُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ثُمَّ يَخْذُلُهُ فِي الآخِرَةِ.
كَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْكَافِرِ مُرَّ بِرُوحِهِ عَلَى إِبْلِيسَ فَيَقُولُ: اشْفَعْ لِي.
فَيَقُولُ: مَا أَمْلِكُ لَكَ وَلا لِنَفْسِي شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الرَّسُولُ} [الفرقان: 30] مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي} [الفرقان: 30] يَعْنِي مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ.
{اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] هَجَرُوهُ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَهْجُرُونَ بِالْقَوْلِ فِيهِ، يَقُولُونَ هُوَ كَذِبٌ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يَشْتَكِي قَوْمَهُ إِلَى رَبِّهِ.
قَالَ اللَّهُ يُعَزِّي نَبِيَّهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31] مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} [الفرقان: 31] إِلَى دِينِهِ.
{وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31] لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا} [الفرقان: 32] يَعْنِي هَلا.
{نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى عِيسَى.
قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} [الفرقان: 32] قَالَ قَتَادَةُ: وَبَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا.
نَزَلَ فِي ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} [الفرقان: 33] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يُحَاجُّونَهُ بِهِ.
{إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] تَبْيِينًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
ذَكَرَهُ

(1/480)


عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَحْسَنُ تَفْصِيلًا.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} [الفرقان: 34] مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
{وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 34] طَرِيقًا فِي الدُّنْيَا، لأَنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى النَّارِ، وَطَرِيقَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْشُرُ اللَّهُ الْكُفَّارَ عَلَى وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ» .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الفرقان: 35] التَّوْرَاةَ.
{وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35] أَيْ عَوِينًا وَعَضُدًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: شَرِيكًا فِي الرِّسَالَةِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ قَبَلْ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمَا التَّوْرَاةُ ثُمَّ نُزِّلَتْ عَلَيْهِمَا بَعْدُ فَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: 48] التَّوْرَاةَ.
وَفُرْقَانُهَا حَلالُهَا وَحَرَامُهَا.
قَالَ: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الفرقان: 36] يَعْنِي فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ.
{فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] أَيْ فَكَذَّبُوهُمَا {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] يَعْنِي الْغَرَقَ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ بِهِ كَقَوْلِهِ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48] ، مِنَ الْمُعَذَّبِينَ بِالْغَرَقِ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمُ النَّارُ فِي الآخِرَةِ.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} [الفرقان: 37] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ أَيْضًا بِالْغَرَقِ.
{لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} [الفرقان: 37] يَعْنِي نُوحًا.
قَالَ: {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: 37] لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
{وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} [الفرقان: 37] الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِيهِمْ.

(1/481)


{عَذَابًا أَلِيمًا} [الفرقان: 37] مُوجِعًا فِي الآخِرَةِ.
{وَعَادًا وَثَمُودَ} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُودَ تَبَعًا لِلْكَلامِ الأَوَّلِ.
{وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا أَصْحَابَ الرَّسِّ، وَالرَّسُّ بِئْرٌ فِي قَوْلِ كَعْبٍ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الرَّسُّ بِئْرٌ كَانَ عَلَيْهَا أُنَاسٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَادٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَهْلُ فَلَجٍ بِالْيَمَامَةِ وَآبَارٍ كَانُوا عَلَيْهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ شُعَيْبٌ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ وَإِلَى أَهْلِ الرَّسِّ جَمِيعًا.
وَلَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَى أُمَّتَيْنِ غَيْرَهُ فِيمَا مَضَى، وَبُعِثَ النَّبِيُّ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ كُلِّهِمْ.
قَالَ: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا، أُمَمًا، أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ {بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَرْنُ سَبْعُونَ سَنَةً.
قَالَ: {وَكُلًّا} [الفرقان: 39] يَعْنِي مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ مَضَى.
{ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} [الفرقان: 39] أَيْ خَوَّفْنَاهُمْ.
{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] أَفْسَدْنَا فَسَادًا، يَعْنِي إِهْلاكَهُ الأُمَمَ السَّالِفَةَ بِتَكْذِيبِهَا رُسُلَهَا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَتَوْا} [الفرقان: 40] يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} [الفرقان: 40] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي قَرْيَةَ لُوطٍ.
وَمَطَرُ السَّوْءِ الْحِجَارَةُ الَّتِي رُمُوا بِهَا مِنَ السَّمَاءِ.
رُمِيَ بِهَا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ.
قَالَ: {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا} [الفرقان: 40] فَيَتَفَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ

(1/482)


بِهِمْ، أَيْ بَلَى قَدْ أَتَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ {137} وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {138} } [الصافات: 137-138] قَالَ: {بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا} [الفرقان: 40] وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْثًا وَلا حِسَابًا.
قَالَ: {وَإِذَا رَأَوْكَ} [الفرقان: 41] يَعْنِي الَّذِينَ كَفَرُوا.
{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا} [الفرقان: 41] فِيمَا يَزْعُمُ.
يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الفرقان: 42] يَعْنُونَ أَوْثَانَهُمْ.
{لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42] عَلَى عِبَادَتِهَا.
قَالَ اللَّهُ: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [الفرقان: 42] فِي الآخِرَةِ.
{مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 42] أَيْ: مَنْ كَانَ أَضَلَّ سَبِيلًا فِي الدُّنْيَا.
أَيْ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضَلَّ سَبِيلًا مِنْ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ الْمُنَافِقُ يُصِيبُ هَوَاهُ، كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا فَعَلَهُ.
قَوْلُهُ: {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] يَعْنِي الْمُشْرِكَ.
{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ} [الفرقان: 43] عَلَى الَّذِي اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.
{وَكِيلا} [الفرقان: 43] حَفِيظًا تَحْفَظُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى تُجَازِيَهُ بِهِ.
أَيْ: إِنَّكَ لَسْتَ بِرَبٍّ، إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَكِيلا} [الفرقان: 43] يَعْنِي مُسَيْطِرًا.
قَوْلُهُ: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} [الفرقان: 44] يَعْنِي جَمَاعَةَ الْمُشْرِكِينَ.
{إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ} [الفرقان: 44] مِمَّا تَعَبَّدُوا بِهِ.
{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 44]

(1/483)


قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] أَيْ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ مَدَّ رَبُّكَ الظِّلَّ.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] قَالَ: مَدَّهُ اللَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] أَيْ لا يَزُولُ.
قَالَ: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ} [الفرقان: 45] أَيْ عَلَى الظِّلِّ.
{دَلِيلا} [الفرقان: 45] فَظَلَّلَتِ الشَّمْسُ كُلَّ شَيْءٍ.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [الفرقان: 46] ثُمَّ قَبَضْنَا ذَلِكَ الظِّلَّ.
{إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] عَلَيْنَا، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] وَقَالَ السُّدِّيُّ: {قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] يَعْنِي خَفِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: سَاكِنًا، لا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ وَلا يَزُولُ.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا} [الفرقان: 45] تَحْوِيهِ.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [الفرقان: 46] حَوَى الشَّمْسُ إِيَّاهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَذَلِكَ حِينَ يَقُومُ الْعَمُودُ نِصْفَ النَّهَارِ حِينَ لا يَكُونُ ظِلٌّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَجَعَ الظِّلُّ فَازْدَادَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] يَعْنِي سَكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} [الفرقان: 47] يَسْبُتُ النَّائِمُ حَتَّى لا يَعْقِلَ.
{وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان: 47] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَنْتَشِرُ فِيهِ الْخَلْقُ لِمَعَائِشِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لِمَعَائِشِهِمْ، وَلِحَوَائِجِهِمْ، وَلِتَصَرُّفِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {نُشُورًا} [الفرقان: 47] يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ يَبْتَغُونَ الرِّزْقَ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [الفرقان: 48] تُلَقِّحُ السَّحَابَ.

(1/484)


وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [الفرقان: 48] بَسَطَ الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ.
مِنْ {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان: 48] بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ.
قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الفرقان: 48] يَعْنِي الْمَطَرَ.
{طَهُورًا} [الفرقان: 48] لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَطَهَّرُونَ بِهِ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لِنُحْيِيَ بِهِ} [الفرقان: 49] بِالْمَطَرِ.
{بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: 49] الْيَابِسَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
{وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا {49} وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 49-50] يَعْنِي الْمَطَرَ.
- حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، أَوْ قَالَ: مَاءً، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.
وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50]
قَالَ الْحَسَنُ: فَيَكُونُوا مُتَذَكِّرِينَ بِهَذَا الْمَطَرِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْمَطَرَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْخَلْقُ، وَيَنْبُتُ بِهِ النَّبَاتُ فِي الأَرْضِ الْيَابِسَةِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابَنْ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كَانَ عَامٌ قَطُّ أَقَلَّ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ.
قَوْلُهُ: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: 50] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَمُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا.
- وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَتَّابٍ، عن أبي سَعِيد الخدري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " لَوْ حُبِسَ الْمَطَرُ عَنْ أُمَّتِي عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَيْهِمْ لأَصْبَحَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي كَافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ مِجْدَحٍ ".
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " ثَلاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ،

(1/485)


وَالاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ ".
قَوْلُهُ: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} [الفرقان: 51] رَسُولًا.
{فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الفرقان: 52] فِيمَا يَنْهُونَكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: 52] بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِالْقَوْلِ.
{جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] شَدِيدًا.
قَالَ يَحْيَى: هَذَا الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الفرقان: 53] أَفَاضَ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، يَعْنِي الْعَذَبَ وَالْمَالِحَ.
{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان: 53] أَيْ حُلْوٌ.
{وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] قَالَ قَتَادَةُ: مُرٌّ.
{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} [الفرقان: 53] حَاجِزًا، لا يَغْلِبُ الْمَالِحُ عَلَى الْعَذْبِ، وَلا الْعَذْبُ عَلَى الْمَالِحِ فِيمَا حَدَّثَنِي فِطْرٌ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ: {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ.
وَقَالَ الْحَسَن: فَصْلًا مُفَصَّلًا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بَرْزَخًا لا يُرَى، وَحِجْرًا مَحْجُورًا لا يَرَاهُ أَحَدٌ وَلا يَخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَالطِّينُ كَانَ مِنَ الْمَاءِ.
{فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ اللَّهُ الصِّهْرَ مَعَ النَّسَبِ وَحَرَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً.

(1/486)


قَالَ يَحْيَى: حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعَ نِسْوَةٍ، وَحَرَّمَ مِنَ الصِّهْرِ سَبْعَ نِسْوَةٍ قَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَلا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلا يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَلا يَتَزَوَّجْهَا بَعْدَهَا، وَلا ابْنَتَهُ، وَلا ابْنَةَ امْرَأَتِهِ، إِلا أَلا يَكُونَ دَخَلَ بِأُمِّهَا فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَهَا، وَلا يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجْ أُخْتَهُ، وَلا أُخْتَ امْرَأَتِهِ لا يَجْمَعْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ.
قَالَ: {وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجُ عَمَّتَهُ، وَلا عَمَّةَ امْرَأَتِهِ، وَلا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا.
قَالَ: {وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجْ خَالَتَهُ وَلا خَالَةَ امْرَأَتِهِ وَلا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَخَالَتِهَا.
قَالَ: {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ ابْنَةَ أَخِيهِ، وَلا ابْنَةَ أَخِي امْرَأَتِهِ، لا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلا ابْنَةِ أَخِيهَا.
قَالَ: {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ ابْنَةَ أُخْتَهُ، وَلا ابْنَةَ أُخْتِ امْرَأَتِهِ، لا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ ابْنَةِ أُخْتِهَا.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ عَشْرَةَ نِسْوَةً حَرَّمَهُنَّ اللَّهُ، سَبْعٌ مِنَ النَّسَبِ وَسَبْعٌ مِنَ الصِّهْرِ.
قَالَ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54] قَادِرًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ} [الفرقان: 55] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان: 55] عَوِينًا، ظَاهَرَ الشَّيْطَانَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَبُو جَهْلٍ أَعَانَ الشَّيْطَانَ عَلَى النَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا} [الفرقان: 56] قَالَ قَتَادَةُ: بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} [الفرقان: 56] مِنَ النَّارِ، وَنَذِيرًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} [الفرقان: 57] عَلَى الْقُرْآنِ.
{مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} [الفرقان: 57] إِنَّمَا جِئْتُكُمْ بِالْقُرْآنِ لِيَتَّخِذَ بِهِ مَنْ آمَنَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58] قَالَ الْحَسَنُ: بِمَعْرِفَتِهِ.
{وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا {58} الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ

(1/487)


أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا {59} } [الفرقان: 58-59] هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} [الفرقان: 60] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان: 60] عَلَى الاسْتِفْهَامِ أَيْ لا نَفْعَلُ.
وَهِيَ تُقْرَأُ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ.
فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ فَهُمْ يَقُولُونَهُ لِلنَّبِيِّ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ فَيَقُولُ: يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ.
{وَزَادَهُمْ} [الفرقان: 60] قَوْلُهُ لَهُمْ: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 60] {نُفُورًا} [الفرقان: 60] عَنِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ} [الفرقان: 61] يَعْنِي نَفْسَهُ.
{فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: 61] وقَالَ قَتَادَةُ: نُجُومًا.
{وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} [الفرقان: 61] الشَّمْسَ.
{وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] يَعْنِي مُضِيئًا.
وَهِيَ تَجْرِي فِي فَلَكٍ دُونَ السَّمَاءِ.
وَقَدْ قَالَ: {الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: 61] .
وَالسَّمَاءُ مَا ارْتَفَعَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: 79] أَيْ مُرْتَفَعَاتٍ، مُتَحَلِّقَاتٍ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مِنْ عَجَزَ فِي اللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي النَّهَارِ مُسْتَعْتَبٌ، وَمَنْ عَجَزَ فِي النَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْلِ مُسْتَعْتَبٌ.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْهَوْنُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: اللِّينُ وَالسَّكِينَةُ.

(1/488)


سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ.
وَتَفْسِيرُ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَمَّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] حُلَمَاءَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَسْتُمْ بِحُلَمَاءَ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان: 63] الْمُشْرِكُونَ.
{قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] يُصَلُّونَ، أَيْ: وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لا تُصَلُّونَ.
- وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا مِنَ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ أَرْبَعًا» .
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ مُفَارِقٌ غَرِيمَهُ غَيْرَ غَرِيمِ جَهَنَّمَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] لِزَامًا.
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ إِلا أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْغَرِيمِ يَلْزَمُ غَرِيمَهُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: انْتِقَامًا.
قَوْلُهُ: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 66] أَيْ: بِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ هُوَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
إِنَّ أَهْلَهَا لا يَسْتَقِرُّونَ فِيهَا.
يَعْنِي كَقَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: 3] أَعْمَلَهَا اللَّهُ وَأَنْصَبَهَا فِي النَّارِ.
وَقَالَ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] فَهُمْ فِي تَرْدَادٍ وَعَنَاءٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمُقَامًا} [الفرقان: 76] مَنْزِلًا.

(1/489)


قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] قَالَ قَتَادَةُ: الإِسْرَافُ: النَّفَقَةُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالإِقْتَارُ: الإِمْسَاكُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهَذِهِ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا لا يَأْكُلُونَ طَعَامًا يُرِيدُونَ بِهِ نَعِيمًا، وَلا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُرِيدُونَ بِهِ جَمَالًا وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ تَدْعُونَ مَعَهُ الآلِهَةَ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرُوا الْفَوَاحِشَ وَقَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا وَفَعَلْنَا وَفَعَلْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ.
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} } [الفرقان: 68-69] ثُمَّ قَالَ: {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] إِلا مَنْ كَانَ أَصَابَ ذَلِكَ فِي شِرْكٍ فَتَابَ.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ} [الفرقان: 70] الَّتِي أَصَابُوهَا فِي الشِّرْكِ.
{حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] قَالَ: وَسَيِّئَاتُهُمْ، الشِّرْكُ.
{حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] .
وَقَالَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] بِالشِّرْكِ {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

(1/490)


قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِخَالِقِكَ نِدًّا، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» .
ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ وَحْشِيًّا بَعْدَمَا قَتَلَ حَمْزَةَ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ يَسْأَلُهُ هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ وَكَتَبَ إِلَيْهِ فِيمَا كَتَبَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ آيَتَيْنِ بِمَكَّةَ أَيِسَتَانِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} } [الفرقان: 68-69] وَإِنَّ وَحْشِيًّا قَدْ فَعَلَ هَذَا
كُلَّهُ، قَدْ زَنَى، وَأَشْرَكَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ.
{إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] أَيْ مِنَ الزِّنَا {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] بَعْدَ الشِّرْكِ {وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] بَعْدَ السَّيِّئَاتِ {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] بِالشِّرْكِ الإِيمَانَ، وَبِالْفُجُورِ الْعَفَافَ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] .
فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ وَحْشِيٌّ: هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ فَلَعَلِّي أَلا أَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ حَتَّى أَعْمَلَ صَالِحًا.
فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .
فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى وَحْشِيٍّ، فَأَرْسَلَ وَحْشِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ: إِنِّي أَخَافُ أَلا أَكُونَ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابِهِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى وَحْشِيٍّ فَأَقْبَلَ وَحْشِيٌّ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ نَكَالًا.
قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ قَعِيرٌ غَمْرٌ.
قَوْلُهُ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 69-70] اسْتَثْنَى مَنْ تَابَ.

(1/491)


{وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي { [طه:] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [سورة طه: 82] مِنَ الشِّرْكِ وَ {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] وَأَخْلَصَ الإِيمَانَ لِلَّهِ {وَعَمِلَ صَالِحًا} [الفرقان: 71] فِي إِيمَانِهِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِلا مَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَآمَنَ بِرَبِّهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] فَأَمَّا التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا فَطَاعَةُ اللَّهِ بَعْدَ عِصْيَانِهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ بَعْدَ نِسْيَانِهِ، وَالْخَيْرُ يَعْمَلُهُ بَعْدَ الشَّرِّ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] قَوْلُهُ: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] تَقَبَّلَ تَوْبَتَهُ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18] .
وَيُقَالُ: تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] الشِّرْكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لا يَحْضُرُونَ الزُّورَ، يَعْنِي مَجَالِسَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} [الفرقان: 72] الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْبَاطِلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اللَّغْوُ هَاهُنَا الشَّتْمُ وَالأَذَى.
قَالَ: {مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] لا يَشْهَدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَلا يُمَالِئُونَهُمْ فِيهِ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [الفرقان: 73] الْقُرْآنِ.
{لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] لَمْ يُصَمُّوا عَنْهَا وَلَمْ يُعْمَوْا عَنْهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يُصَمُّوا عَنِ الْحَقِّ وَلَمْ يُعْمَوْا عَنْهُ.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]

(1/492)


تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْوَانًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ يَرَوْنَهُمْ مُطِيعِينَ لِلَّهِ.
قَالَ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] قَالَ قَتَادَةُ: قَادَةً فِي الْخَيْرِ وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِهِمْ.
قَالَ: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: 75] كَقَوْلِهِ: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] قَوْلُهُ: {بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75] عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
{وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} [الفرقان: 75] الْجَنَّةِ.
{تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان: 75] التَّحِيَّةُ السَّلامُ، وَالسَّلامُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.
كَقَوْلِهِ: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ} [القدر: 4-5] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ} [القدر: 4-5] ، خَيْرٌ كُلُّهَا {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
قَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا} [الفرقان: 76] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 76] قَرَارُهُمْ فِيهَا.
قَوْلُهُ: {وَمُقَامًا} [الفرقان: 76] مَنْزِلًا.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} [الفرقان: 77] مَا يَفْعَلُ بِكُمْ رَبِّي.
{لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] لَوْلا تَوْحِيدُكُمْ وَإِخْلاصُكُمْ كَقَوْلِهِ: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14] قَالَ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} [الفرقان: 77] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] أَخْذًا بِالْعَذَابِ.
يَعِدُهُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ.
فَأَلْزَمَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ عُقُوبَةَ كُفْرِهِمٍ وَجُحُودِهِمْ، فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.

(1/493)


وَبَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ.
وَاللِّزَامُ وَالدُّخَانُ: الْجُوعُ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ بِمَكَّةَ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .
وَأَمَّا الرُّومُ فَإِنَّهُمْ غَلَبُوا فَارِسَ، وَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون: 77] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة: 21] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة: 29] يَوْمَ بَدْرٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
وَقَوْلُ الْحَسَنِ: النَّفْخَةُ الأُولَى بِهَا يُهْلَكُ آخِرُ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
- عُثْمَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلاثُ آيَاتٍ قَدْ مَضَيْنَ، اثْنَتَانِ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، يَوْمٌ ذُو عَذَابٍ شَدِيدٍ، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: 45] ، {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] عُثْمَانُ عَنِ الأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
تَمَّ الْجُزْءُ الأَوَّلُ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي وَأَوَّلُهُ تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ

(1/494)