تفسير يحيى بن
سلام سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ طسم الشُّعَرَاءِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {طسم} [الشعراء: 1]
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ
عُثْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
الْكِتَابِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا غَيْرَ أَنَّ
قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ فِيهَا
وَأَشْبَاهِهَا: أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَمَفَاتِحُهَا.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: اسْمٌ مِنْ
أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ أَقْسَمَ بِهِ رَبُّكَ.
قَوْلُهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} [الشعراء: 2] هَذِهِ
آيَاتُ الْكِتَابِ، الْقُرْآنِ.
{الْمُبِينِ} [الشعراء: 2] البين.
قَوْلُهُ: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَعَلَّكَ قَاتِلٌ نَفْسَكَ إِنْ لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، أَيْ: فَلا تَفْعَلْ.
قَوْلُهُ: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ
آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} [الشعراء: 4] ، يَعْنِي:
فَصَارَتْ أَعْنَاقُهُمْ.
{لَهَا} لِلآيَةِ.
(2/495)
{خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ، أَيْ:
فَظَلُّوا خَاضِعِينَ لَهَا أَعْنَاقَهُمْ، وَهَذا تَفْسِيرُ
مُجَاهِدٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، فَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} [الشعراء: 5] ،
يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}
[الشعراء: 5] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ
الْقُرْآنِ شَيْءٌ جَحَدُوا بِهِ.
قَالَ: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ} [الشعراء: 6] فِي
الآخِرَةِ.
{أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الشعراء: 6]
فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، فَسَيَأْتِيهِمْ
تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ.
قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 7] قَالَ
مُجَاهِدٌ: نَبَاتُ مَا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ،
وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي الأَرْضِ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ
زَوْجٌ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ رَأَوْا
كَمْ أَنْبَتْنَا فِي الأَرْضِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
مِمَّا رَأَوْا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [الشعراء: 8] لَمَعْرِفَةً
بِأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ هَذِهِ الأَزْوَاجَ فِي الأَرْضِ
قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 8] ،
يَعْنِي: مَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ}
[الشعراء: 9] فِي نِقْمَتِهِ.
{الرَّحِيمُ} بِخَلْقِهِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتِمُّ
عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ
فَهُوَ مَا أُعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ لَهُ إِلا
رَحْمَةُ الدُّنْيَا وَهِيَ زَائِلَةٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ
فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا
يَتَّقُونَ {11} } [الشعراء: 10-11] ، أَيْ: فَلْيَتَقَّوُا
اللَّهَ.
(2/496)
قَالَ مُوسَى.
{رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ {12} وَيَضِيقُ
صَدْرِي} [الشعراء: 12-13] فَلا يَنْشَرِحُ بِتَبْلِيغِ
الرِّسَالَةِ، فَشَجِّعْنِي حَتَّى أُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ.
{وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء: 13] ، لِلْعُقْدَةِ
الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِهِ.
{فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 13] ، كقوله: {رَبِّ
اشْرَحْ لِي صَدْرِي {25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي {26}
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي {27} يَفْقَهُوا قَوْلِي
{28} وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي {29} هَارُونَ أَخِي
{30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي {32}
} [طه: 25-32] ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ، وَأَشْرَكَهُ
مَعَهُ فِي الرِّسَالَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:
13] ، يَعْنِي: مَعَ هَارُونَ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى
وَجْهَيْنِ: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء: 13] بِالرَّفْعِ،
{وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء: 13] ، وَالْحَرْفُ
الآخَرُ بِالنَّصْبِ: وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ
لِسَانِي، أَيْ: أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَأَخَافُ
أَنْ وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء:
14] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: قَتْلُ
مُوسَى النَّفْسَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَ،
يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ خَطَأً، حَيْثُ
وَكَزَهُ فَمَاتَ.
{فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 14] .
(2/497)
{قَالَ} اللَّهُ.
{كَلا} : لَيْسُوا بِالَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَتْلِكَ
حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِّي الرِّسَالَةَ.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ فَقَالَ: {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا
إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] كَقَوْلِهِ:
{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] .
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] يَقُولُ
لِمُوسَى وَهَارُونَ.
{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] وَهِيَ
كَلِمَةٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، يَقُولُ الرَّجُلُ
لِلرَّجُلِ: مَنْ كَانَ رَسُولُكَ إِلَى فُلانٍ؟ فَيَقُولُ:
فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 17] وَلا تَمْنَعْهُمْ مِنَ
الإِيمَانِ، وَلا تَأْخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، وَكَانَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ
الْجِزْيَةِ فِينَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ
عِبَادَ اللَّهِ} [الدخان: 18] ، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ.
قَوْلُهُ: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء:
18] ، يَعْنِي: عَبْدًا وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ،
{وَلِيدًا} [الشعراء: 18] يَقُولُ: صَغِيرًا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مُوسَى
لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ عَرَفَهُ عَدُوُّ اللَّهِ،
فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا
مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18] لِمَ تَدَّعِ هَذِهِ
النُّبُوَّةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الْيَوْمَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى
لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: مَنْ
أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ عَنْ
هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ
(2/498)
مَنْ أَنْتَ، وَابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ
فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي
فَعَلْتَ} [الشعراء: 19] ، يَعْنِي: النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَ.
قَالَ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19]
لِنِعْمَتِنَا، أَيْ: إِنَّا رَبَّيْنَاكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] ،
يَعْنِي: الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِي إِذْ رَبَّيْتُكَ صَغِيرًا
وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء:
19] بِأَنِّي إِلَهٌ.
قَالَ مُوسَى.
{فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20]
قَالَ قَتَادَةُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَيْ: مِنَ
الْجَاهِلِينَ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ،
وَإِنَّمَا كَانَ جَهْلا بِهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ، أَيْ:
لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ} [الشعراء: 21] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ،
يَعْنِي: فَهَرَبْتُ مِنْكُمْ.
{لَمَّا خِفْتُكُمْ} [الشعراء: 21] ، يَعْنِي: حَيْثُ
تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ.
{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء: 21] النُّبُوَّةَ.
{وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 21] ثُمَّ قَالَ:
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22]
لِقَوْلِ فِرْعَوْنَ لَهُ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
[الشعراء: 19] لِنِعْمَتِنَا.
{أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] مُوسَى
بِقَوْلِهِ لِفِرْعَوْنَ، أَرَادَ إِلا يُسَوِّغَ عَدُوُّ
اللَّهِ مَا
(2/499)
امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] فَاتَّخَذْتَ قَوْمِي عَبِيدًا
وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَأَخَذْتَ أَمْوَالَهُمْ، فَأَنْفَقْتَ
عَلَيَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرَبَّيْتَنِي بِهَا، فَأَنَا
أَحَقُّ بِأَمْوَالِ قَوْمِي مِنْكَ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}
[الشعراء: 22] قَهَرْتَ، وَعَذَّبْتَ، وَاسْتَعْمَلْتَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: أَتَمُنُّ
عَلَيَّ يَا فِرْعَوْنَ بِأَنِ اتَّخَذْتَ قَوْمِي عَبِيدًا
وَكَانُوا أَحْرَارًا فَقَهَرْتَهُمْ؟ وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ
عَنْ أَبِيهِ: قَهَرْتَهُمْ.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ}
[الشعراء: 23-24] مُوسَى.
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ
كُنْتُمْ مُوقِنِينَ {24} قَالَ} [الشعراء: 24-25] فِرْعَوْنُ.
{لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 25] ، أَيْ:
إِلَى مَا يَقُولُ.
قَالَ مُوسَى.
{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26]
جَوَابًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ: {وَمَا رَبُّ
الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] .
قَالَ فِرْعَوْنُ.
{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ} [الشعراء:
27] فِي مَا يَدَّعِي.
{لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ} [الشعراء: 27-28] مُوسَى.
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ
كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28] ، وَهَذَا تَبَعٌ
لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:
23] .
قَالَ فِرْعَوْنُ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي
لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] ،
لأُخَلِّدَنَّكَ فِي السِّجْنِ.
قَالَ له مُوسَى:
(2/500)
{أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}
[الشعراء: 30] بَيِّنٍ.
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:
31] .
قَالَ: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}
[الشعراء: 32] ، حَيَّةٌ، أَشْعَرُ، ذَكَرٌ، يَكَادُ يَسْرَطُ
فِرْعَوْنَ، غَرَزَتْ ذَنَبَهَا فِي الأَرْضِ وَرَفَعَتْ
صَدْرَهَا وَرَأْسَهَا، وَأَهْوَتْ إِلَى عَدُوِّ اللَّهِ
لِتَأْخُذَهُ، فَجَعَلَ يَمِيلُ وَيَقُولُ: يَا مُوسَى
خُذْهَا، يَا مُوسَى خُذْهَا، فَأَخَذَهَا مُوسَى.
قَالَ: {وَنَزَعَ يَدَهُ} [الشعراء: 33] أَدْخَلَ يَدَهُ فِي
جَيْبِ قَمِيصِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَهُوَ قَوْلُهُ:
{وَنَزَعَ يَدَهُ} [الشعراء: 33] ، أَيْ: أَخْرَجَ يَدَهُ.
{فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: 33]
يُغْشَى الْبَصَرُ مِنْ بَيَاضِهَا.
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ.
{قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ} [الشعراء: 34] فِرْعَوْنُ
يَقُولُهُ.
{إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34] بِالسِّحْرِ.
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ
فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35] فَأَرَادَ قَتْلَهُ،
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لا تَقْتُلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ
سَاحِرٌ، وَمَتَى مَا تَقْتُلُهُ أَدْخَلْتَ عَلَى النَّاسِ
فِي أَمْرِهِ شُبْهَةً، وَلَكِنْ {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}
[الشعراء: 36] أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ، فَإِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ،
وَمَتَى مَا تَقْتُلُهُ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: احْبِسْهُ وَأَخَاهُ.
{وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36]
يَحْشُرُونَ عَلَيْكَ السَّحَرَةَ.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء: 37]
بِالسِّحْرِ.
قَالَ اللَّهُ: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ
مَعْلُومٍ} [الشعراء: 38] ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَوْعِدُكُمْ
يَوْمُ
(2/501)
الزِّينَةِ} [طه: 59] ، {يَوْمُ
الزِّينَةِ} [طه: 59] يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ كَانَ يَجْتَمِعُ
فِيهِ أَهْلُ الْقُرَى وَالنَّاسِ، فَأَرَادَ مُوسَى أَنْ
يَفْضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ.
قَالَ: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ} [الشعراء: 39] قَالَهُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ.
{هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ {39} لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ
السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {40} فَلَمَّا
جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا
لَأَجْرًا} [الشعراء: 39-41] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {113} قَالَ} [الأعراف:
113-114] فِرْعَوْنُ.
{نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:
42] فِي الْعَطِيَّةِ وَالْقُرْبَةِ فِي الْمَنْزِلَةِ فِي
تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي الْعَطِيَّةِ وَالْفَضِيلَةِ.
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ {43}
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ
فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 43-44] بِعَظَمَةِ فِرْعَوْنَ فِي
تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ {44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {45} } [الشعراء:
44-45] تَسْرَطُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، لَمَّا أَلْقَوْا
حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ خُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ
حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ حَيَّاتٌ كَمَا كَانَتْ عَصَا
مُوسَى، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ أَعْظَمُ مِنْ
حَيَّاتِهِمْ، ثُمَّ رَقَوْا فَازْدَادَتْ حَيَّاتُهُمْ
وَعِصِيُّهُمْ عِظَمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، وَجَعَلَتْ
عَصَا مُوسَى تَعْظُمُهُمْ وَهُمْ يَرْقُونَ حَتَّى أَنْفَذُوا
سِحْرَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ
شَيْءٌ، وَعَظُمَتْ عَصَا مُوسَى حَتَّى سَدَّتِ الأُفُقَ،
ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا فَابْتَلَعَتْ مَا أَلْقَوْا، ثُمَّ
أَخَذ مُوسَى عَصَاهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا حِبَالُهُمْ
وَعِصِيُّهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأَلْقَى
مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}
[الشعراء: 45] .
(2/502)
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {46}
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {47} رَبِّ مُوسَى
وَهَارُونَ {48} قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ} [الشعراء: 46-49]
أَصَدَّقْتُمُوهُ.
{قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} [الشعراء:
49] ، أَيْ: لَعَالِمُكُمْ فِي عِلْمِ السِّحْرِ، وَلَمْ
يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ، وَهَذَا تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
قَالَ: {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ}
[الشعراء: 49] الْيَدُ الْيُمْنَى وَالرِّجْلَ الْيُسْرَى.
{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {49} قَالُوا لا ضَيْرَ
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ {50} إِنَّا نَطْمَعُ
أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا}
[الشعراء: 49-51] ، يَعْنِي: بِأَنْ كُنَّا {أَوَّلَ
الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 51] مِنَ السَّحَرَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَنْ كُنَّا} [الشعراء: 51] بِأَنْ
كُنَّا {أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 51] أَوَّلَ
الْمُصَدِّقِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا جَاءَ بِهِ
مُوسَى.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ
سَحَرَةً وَآخِرَهُ شُهَدَاءَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ
أَسْرِ بِعِبَادِي} [الشعراء: 52] ، أَيْ: لَيْلا.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا}
[الدخان: 23] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا تِلْكَ
اللَّيْلَةَ كُسِفَ (بِالْقَمَرِ) وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ.
قَالَ: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52] ، أَيْ:
يَتَّبِعُكُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {53}
إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ {54} } [الشعراء:
53-54]
(2/503)
يَعْنِي هُمْ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ، وَكَانَ
أَصْحَابُ مُوسَى سِتَّ مِائَةِ أَلْفٍ، وَفِرْعَوْنُ
وَأَصْحَابُهُ سِتَّةَ آلافِ أَلْفٍ، هَذَا تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَطَعَ بِهِمْ مُوسَى الْبَحْرَ
كَانُوا سِتَّ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، بَنِي عِشْرِينَ
سَنَةً فَصَاعِدًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: سِوَى الْحَشَمِ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مُقَدِّمَةُ فِرْعَوْنَ أَلْفَ أَلْفِ
حِصَانٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ أَلْفِ حِصَانٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ جَمِيعَ جُنُودِهِ كَانُوا
أَرْبَعِينَ أَلْفِ أَلْفٍ.
قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ {55} وَإِنَّا
لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} } [الشعراء: 55-56] مُتَسَلِّحُونَ.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يَقْرَأُ
هَذَا الْحَرْفَ: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:
56] .
وَفِي حَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ ذَكَرِيَّاءَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ {حَاذِرُونَ}
[الشعراء: 56] يَقُولُ: مُقَوُّونَ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: {حَاذِرُونَ}
[الشعراء: 56] فِي الْقُوَّةِ وَالسِّلاحِ.
(2/504)
{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ {57} وَكُنُوزٍ} [الشعراء: 57-58] ، أَي:
وَأَمْوَالٍ.
{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ، أَيْ: مَنْزِلٍ حَسَنٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ، أَيْ:
فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ،
يَعْنِي: مَسْكَنًا حَسَنًا.
قَالَ: {كَذَلِكَ} [الشعراء: 74] ، أَيْ: كَذَلِكَ كَانَ
الْخَبَرُ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كذلك، أَيْ: هَكَذَا، ثُمَّ انْقَطَعَ
الْكَلامُ ثُمَّ قَالَ: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}
[الشعراء: 59] رَجَعُوا إِلَى مِصْرَ بَعْدَمَا أَهْلَكَ
اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
قَالَ: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] قَالَ
قَتَادَةُ: اتَّبَعَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ مُوسَى حِينَ
أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ.
رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْقِصَّةِ {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 57] حَيْثُ اتَّبَعُوا بَنِي
إِسْرَائِيلَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي سَرَوْا فِيهَا
حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ.
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61] جَمْعُ مُوسَى
وَجَمْعُ فِرْعَوْنَ.
{قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ}
[الشعراء: 61-62] مُوسَى.
{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]
الطَّرِيقَ.
عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ
لَنَا أَنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ
نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى يَوْمَئِذٍ يَسِيرُ وَيَقُولُ: أَيْنَ
أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ لَهُ مُوسَى:
أَمَامَكَ، فَيَقُولُ لَهُ الْمُؤْمِنُ: وَهَلْ أَمَامِي إِلا
الْبَحْرُ؟ وَاللَّهِ مَا
(2/505)
كَذَبْتَ وَلا كُذِبْتَ، ثُمَّ يَسِيرُ
سَاعَةً ثُمَّ يَلْتَفِتُ فَيَقُولُ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا
نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: أَمَامَكَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ
أَمَامِي إِلا الْبَحْرُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ
وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ يَسِيرُ
سَاعَةً ثُمَّ يَلْتَفِتُ فَيَقُولُ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا
نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: أَمَامَكَ، يَقُولُ وَهَلْ
أَمَامِي إِلا الْبَحْرُ؟ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا
كُذِبْتُ، حَتَّى دَخَلُوا الْبَحْرَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ
اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 63] جَاءَهُ جِبْرِيلُ
عَلَى فَرَسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ،
فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ.
{فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] الْبَحْرُ.
{فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]
قَالَ قَتَادَةُ: وَالطَّوْدُ الْجَبَلُ، أَيْ: كَالْجَبَلِ
الْعَظِيمِ، صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ
طَرِيقٌ، وَصَارَ مَا بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ مِنْهُ مِثْلَ
الْقَنَاطِرِ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] قَالَ
قَتَادَةُ: يَقُولُ: أَدْنَيْنَا فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ إِلَى
الْبَحْرِ.
قَالَ: {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ {65}
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ {66} } [الشعراء: 65-66] عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا
أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ آخِرُ أَصْحَابِ مُوسَى، وَدَخَلَ آخِرُ
أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ تَغَطْمَطَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ،
فَأَغْرَقَهُمْ.
(2/506)
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً}
[الشعراء: 67] لَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَحَذِرَ أَنْ
يَنْزِلَ بِهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ
رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9]
وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [الشعراء: 69]
وَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ.
{نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} [الشعراء: 69] خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ {70} قَالُوا
نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا} [الشعراء: 70-71]
فَنَصِيرُ لَهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:
71] ، أي: فَنُقِيمُ لَهَا عَابِدِينَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ، أَيْ:
عَابِدِينَ.
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشعراء: 72]
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: هَلْ تُجِيبُكُمْ آلِهَتُكُمْ إِذَا
دَعَوْتُمُوهُمْ.
{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 73] ، أَيْ:
هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُم لِرَغْبَةٍ
يُعْطُونَكُمُوهَا، أَوْ لِضَرَّاءَ يَكْشِفُونَهَا عَنْكُمْ،
أَيْ: أَنَّهَا لا تَسْمَعُ وَلا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ.
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
[الشعراء: 74] فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالُوا هَذَا
الْقَوْلَ وَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ.
{قَالَ} إِبْرَاهِيمُ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ {75} أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ {76}
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ {77} }
[الشعراء: 75-77]
(2/507)
يَقُولُ: أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ عَدُوٌّ
لِي إِلا مَنْ عَبْدَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنْ آبَائِكُمُ
الأَوَّلِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي بِعَدُوٍّ وَهَذَا
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: مَا خَلَطُوا بِعِبَادَتِهِمْ
رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي.
قَالَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78]
الَّذِي خَلَقَنِي وَهَدَانِي.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ
يُحْيِينِ {81} } [الشعراء: 79-81] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ} [الشعراء: 82] وَهُوَ طَمَعُ الْيَقِينِ.
{أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]
يَوْمٌ يُدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي
تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَوْمُ الْحِسَابِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ: {خَطِيئَتِي} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، يَعْنِي:
قَوْلُهُ إِنَّهُ {سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَوْلُهُ لِسَارَةَ: إِنْ سَأَلُوكِ
فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِيهِ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} [الشعراء:
83] ثَبِّتْنِي عَلَى النُّبُوَّةِ.
{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83] أَهْلِ
الْجَنَّةِ.
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84]
فِي الآخِرَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ
(2/508)
إِلا وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُ
وَيُحِبُّونَهُ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: أَبْقَيْنَا
عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ
النَّعِيمِ} [الشعراء: 85] وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
الْجَنَّةِ.
{وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:
86] قَالَ إِبْرَاهِيمُ هَذَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَكَانَ
فِي طَمَعٍ فِي أَنْ يُؤْمِنَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ
أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمْ يَدْعُ لَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}
[الشعراء: 87] ، يَعْنِي: وَلا تُعَذِّبْنِي، تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ، {يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] .
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ يَأْخُذُ
بِحُجُزَةِ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ
إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي أَلا تُخْزِيَنِي،
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ أَفْلَتَتْ يَدُهُ مِنْهُ فَلَمْ
يَرَهُ إِلا وَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ كَأَنَّهُ ضِبْعَانٌ
أَمْدَرُ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ وَأَمْسَكَ بِأَنْفِهِ
وَقَالَ: يَا رَبِّ لَيْسَ بِأَبِي، لَيْسَ بِأَبِي.
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ،
عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى
ذُبَابَةِ الْجِسْرِ، يَعْنِي: جِسْرَ جَهَنَّمَ، إِذْ جَاءَ
رَجُلٌ هُوَ أَحَدُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: هُوَ
إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَهُوَ آخِذٌ
بِيَدِ أَبِيهِ فَقَالَ: رَبِّ، أَبِي، وَقَضَيْتَ أَلا
تُخْزِيَنِي، فَمَا يَزَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ حَتَّى
(2/509)
يُحَوِّلَهُ اللَّهُ فِي صُورَةِ ضِبْعَانٍ
أَمْدَرَ،
فَيُرْسِلُهُ وَيَقُولُ: لَسْتَ بِأَبِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا
بَنُونَ {88} إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {89} }
[الشعراء: 88-89] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مِنَ الشِّرْكِ، فِي
تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ
لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] ، أَيْ: وَأُدْنِيَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91] ، أَيْ:
وَنُحِّيَتْ، أُظْهِرَتِ الْجَحِيمُ، النَّارُ.
{لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91] ، أَيْ: لِلضَّالِّينَ،
الْمُشْرِكِينَ.
{وَقِيلَ لَهُمْ} [الشعراء: 92] ، أَيْ: لِلضَّالِّينَ.
{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ {92} مِنْ دُونِ اللَّهِ}
[الشعراء: 92-93] ، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ
دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ مَنْ عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} [الشعراء: 93] ، يَعْنِي: هَلْ
يَمْنَعُونَكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشعراء: 93] أَوْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ
عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} [الشعراء: 94] فَقُذِفُوا
فِيهَا، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] .
قَالَ قَتَادَةُ: {وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94]
الشَّيَاطِينُ.
قَالَ: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ {95} قَالُوا}
[الشعراء: 95-96] ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلشَّيَاطِينَ.
(2/510)
{وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} [الشعراء:
96] وَهُوَ تَبَرُّؤُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَعْنُ
بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
{تَاللَّهِ} [الشعراء: 97] قَسَمٌ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ.
{إِنْ كُنَّا} [الشعراء: 41] فِي الدُّنْيَا.
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85] بَيِّنٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ} [الشعراء: 97] يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا
{لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] .
{إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98] ،
أَيْ: نَتَّخِذُكُمْ آلِهَةً.
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99] ، أَيِ:
الشَّيَاطِينُ هُمْ أَضَلُّونَا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ
مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: 100] يَشْفَعُونَ
لَنَا الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى لا يُعَذِبَنَا.
{وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] ، أي: شَفِيقٍ فِي
تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، يَحْمِلُ عَنَّا مِنْ ذُنُوبِنَا كَمَا
كَانَ يَحْمِلُ الْحَمِيمُ عَنْ حَمِيمِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَهِيَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الْقَرَابَةُ، كَمَا يَحْمِلُ
ذُو الْقَرَابَةِ عَنْ قَرَابَتِهِ، وَالصَّدِيقُ عَنْ
صَدِيقِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] ،
يَعْنِي: قَرِيبَ الْقَرَابَةِ، قَالُوا هُنَا حِينَ شَفَعَ
لِلْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُخْرِجُوا مِنْهَا
كَقَوْلِهِ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}
[المدثر: 48] .
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [الشعراء: 102] : رَجْعَةً إِلَى
الدُّنْيَا.
(2/511)
{فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:
102] .
قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ
أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ
الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ
الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] ، يَعْنِي: نُوحًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} [الشعراء: 106] أَخُوهُمْ
فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] يَقُولُ: أَلا تَخْشَوْنَ
اللَّهَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ} [الشعراء: 108-109] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ
الْهُدَى.
{مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 109] إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {109} فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ {110} قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} [الشعراء:
109-111] أَنُصَدِّقُكَ.
{وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] قَالَ قَتَادَةُ:
سَفِلَةُ النَّاسِ وَأَرَاذِلُهُمْ، أَيْ: وَسَقَطُهُمْ.
قَالَ: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الشعراء:
112] ، أَيْ: بِمَا يَعْمَلُونَ، إِنَّمَا أَقْبَلُ مِنْهُمُ
الظَّاهِرَ وَلَيْسَ لِي بِبَاطِنِ أَمْرِهِمْ عِلْمٌ.
{إِنْ حِسَابُهُمْ} [الشعراء: 113] ، يَعْنِي: مَا
جَزَاؤُهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ {113} وَمَا أَنَا
بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ {114} } [الشعراء: 113-114]
يَعْنِيهِمْ.
{إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ {115} قَالُوا لَئِنْ لَمْ
تَنْتَهِ يَا نُوحُ} [الشعراء: 115-116] عَمَّا تَدْعُونَا
إِلَيْهِ، وَعَنْ ذَمِّ آلِهَتِنَا وَشَتْمِهَا.
{لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116] قَالَ
قَتَادَةُ: بِالْحِجَارَةِ، فَلَنَقْتُلَنَّكَ بِهَا.
(2/512)
{قَالَ} [الشعراء: 117] نُوحٌ.
{رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ {117} فَافْتَحْ بَيْنِي
وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} [الشعراء: 117-118] قَالَ قَتَادَةُ:
اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَضَاءً.
{وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 118]
وَالْفَتْحُ الْقَضَاءُ، وَإِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ
النَّبِيِّ وَقَوْمِهِ هَلَكُوا، وَهَذَا حَيْثُ أُمِرَ
بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، فَأَهْلَكَهُمُ
اللَّهُ، وَنَجَّاهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ} [الشعراء: 119] وَالْمَشْحُونُ الْمُوَقَّرُ
بِحَمْلِهِ مِمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،
كَانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ بَنِينٍ لَهُ: سَامٌ،
وَحَامٌ، وَيَافِثٌ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ
ثَمَانِيَةٌ.
قَالَ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} [الشعراء: 120] مَنْ
أَنْجَيْنَا فِي السَّفِينَةِ.
{الْبَاقِينَ} [الشعراء: 120] وَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، وَفِيهَا
تَقْدِيمٌ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْبَاقِينَ بَعْدُ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
{9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}
[الشعراء: 123] ، يَعْنِي: هُودًا أَخَاهُمْ.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} [الشعراء: 124] أَخُوهُمْ
فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] اللَّهَ، يَقُولُ: أَلا
تَخْشَوْنَ اللَّهَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ} [الشعراء: 108-109] ، أَيْ: عَلَى مَا جِئْتُكُمْ
بِهِ.
(2/513)
{مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء:
109] وَثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {127} أَتَبْنُونَ} [الشعراء:
127-128] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.
{بِكُلِّ رِيعٍ} [الشعراء: 128] ، أَيْ: بِكُلِّ طَرِيقٍ فِي
تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بِكُلِّ فَجٍّ بَيْنَ
جَبَلَيْنِ.
{آيَةً} [الشعراء: 128] ، أَيْ: عَلَمًا.
{تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] تَلْعَبُونَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّهُ بُنْيَانٌ.
قَالَ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء: 129] قَالَ
الْحَسَنُ: الْبِنَاءُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقُصُورُ.
قَالَ يَحْيَى: وَيُقَالُ مَصَانِعُ لِلْمَاءِ.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فِي الدُّنْيَا،
أَيْ: لا تَخْلُدُونَ فِيهَا.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ،
وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتْ
فِي الْحَرْفِ الأَوَّلِ: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ
كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ فِيهَا.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ
الْقِرَاءَةِ: كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} [الشعراء: 130]
بِالْمُؤْمِنِينَ.
(2/514)
{بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] ،
يَعْنِي: قَتَّالِينَ تَعْدُونَ عَلَيْهِمْ، هُودٌ يَقُولُهُ
لَهُمْ، أَيْ: أَسْرَفْتُمْ فِي الْعُقُوبَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130]
، يَعْنِي: قَتَّالِينَ، يَقُولُ: إِذَا عَاقَبْتُمْ
أَسْرَفْتُمْ فِي الْعُقُوبَةِ جَعَلْتُمْ مَكَانَ الضَّرْبِ
قَتْلا، يَقُولُ: إِذَا أَخَذْتُمْ أَخَذْتُمْ، فَقَتَلْتُمْ
فِي غَيْرِ حَقٍّ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {131} وَاتَّقُوا الَّذِي
أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ {132} } [الشعراء: 131-132]
ثُمَّ أَخْبَرَ بِالَّذِي أَمَدَّهُمْ بِهِ، فَقَالَ:
{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133} وَجَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ {134} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ {135} قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ
تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ {136} } [الشعراء: 133-136] ، أَيْ:
أَوْ لَمْ تَعِظْنَا.
{إِنْ هَذَا} [الشعراء: 137] ، أَيِ: الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ.
{إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] فِي تَفْسِيرِ
الْحَسَنِ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُسْلِمٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ
فِي هَذَا الْحَرْفِ، فَقُلْتُ أَنَا: إِنْ هَذَا إِلا خَلْقُ
الأَوَّلِينَ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: {خُلُقُ
الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ
فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}
[الشعراء: 137] قَالَ: خُلُقُهم الْكَذِبُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِلا خلق إني الأولين، يَعْنِي:
تَخَلُّقُ الأَوَّلِينَ وَتَخَرُّصُهُمْ لِلْكَذِبِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ
الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] ، أَيْ: هَكَذَا
(2/515)
كَانَ النَّاسُ قَبْلَنَا يَعِيشُونَ مَا
عَاشُوا ثُمَّ يَمُوتُونَ، وَلا بَعْثَ عَلَيْهِمْ وَلا
حِسَابَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنُونَ أَنَّ هَكَذَا كَانَ الْخَلْقُ
قَبْلَنَا، وَنَحْنُ مِثْلُهُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137]
دِينُ الأَوَّلِينَ، يَعْنُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شِرْكٍ.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا
نُعَذَّبُ.
قَالَ اللَّه: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {139}
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {140} }
[الشعراء: 139-140] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}
[الشعراء: 141] ، يَعْنِي: صَالِحًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} [الشعراء: 142]
أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] اللَّهَ، وَهِيَ مِثْلُ
الأُولَى، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 108-109] إِنْ
ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {145} أَتُتْرَكُونَ فِي مَا
هَهُنَا آمِنِينَ {146} } [الشعراء: 145-146] عَلَى
الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لا تَتْرُكُونَ فِيهِ.
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {147} وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا
هَضِيمٌ {148} } [الشعراء: 147-148] عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: هَشِيمٌ، أَيْ: يَتَهَشَّمُ إِذَا مُسَّ، فِي
تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
(2/516)
وَقَالَ الْحَسَنُ: رَخْوٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لَيِّنٌ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَطِيفٌ وَهُوَ الطَّلْعُ مَا لَمْ
يَنْشَقَّ.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ}
[الشعراء: 149] شَرِهِينَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، مِنْ
قِبَلِ شَرَهِ النَّفْسِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: آمِنِينَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: حَذِقِينَ بِصَنْعَتِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْجَبِينَ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {150} وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ
الْمُسْرِفِينَ {151} الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا
يُصْلِحُونَ {152} } [الشعراء: 150-152] قَالَ قَتَادَةُ:
الْمُشْرِكِينَ، إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء:
153] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ، وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ:
مِنَ الْمَسْحُورِينَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْمُسَحَّرُ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ
شَيْءٌ وَلا مُلْكٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مِنَ الْمَسْحُورِينَ، مِنَ
الْمَخْلُوقِينَ.
{مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 154] بِمَا جِئْتَنَا بِهِ.
قَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ
هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً، وَكَانَتْ صَخْرَةٌ يَصُبُّونَ
عَلَيْهَا اللَّبَنَ فِي سُنَّتِهِمْ، فَدَعَا اللَّهُ،
فَتَصَدَّعَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجَتْ مِنْهَا نَاقَةٌ
عَشْرَاءُ فَنَتَجَتْ فَصِيلا.
{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ
مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] كَانَتْ تَشْرَبُ الْمَاءَ يَوْمًا،
وَيَشْرَبُونَهُ يَوْمًا.
(2/517)
وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا أَضَرَّتْ بِمَوَاشِيهِمْ
وَزُرُوعِهِمْ وَلَمْ تَضُرَّ شِفَاهَهُمْ، فِي قَوْلِ
الْحَسَنِ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ كَانَ
لأَنْفُسِهِمْ، وَلِمَوَاشِيهِمْ وَأَرْضِهِمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانُوا يَحْلِبُونَهَا يَوْمَ
شِرْبِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ كَانَ اللَّبَنُ
لِلْفَصِيلِ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: مَا ذَكَرُوا لَهَا لَبَنًا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِي الْمَاءَ
مِنْ فَجٍّ، وَتَرْجِعُ مِنْ فَجٍّ آخَرَ، يَضِيقُ عَلَيْهَا
الْفَجُّ الأَوَّلُ إِذَا شَرِبَتْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [الشعراء:
156] ، يَعْنِي: بِعَقْرٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ لا
تَعْقِرُوهَا.
{فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ {156} فَعَقَرُوهَا
فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ {157} فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ}
[الشعراء: 156-158] كَانَ أَوَّلُ سَبَبِ عَقْرِهِمْ إِيَّاهَا
أَنَّهَا كَانَتْ تَضُرُّ بِمَوَاشِيهِمْ وَأَرْضِهِمْ،
كَانَتْ مَوَاشِيهِمْ لا تَقَرُّ مَعَ النَّاقَةِ، كَانَتِ
الْمَوَاشِي إِذَا رَأَتْهَا هَرَبَتْ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ
الصَّيْفُ صَافَتِ النَّاقَةُ بِظَهْرِ الْوَادِي، فِي
بَرْدِهِ وَخِصْبِهِ وَطِيبِهِ، وَهَبَطَتْ مَوَاشِيهِمْ إِلَى
بَطْنِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ وَحَرِّهِ، وَإِذَا كَانَ
الشِّتَاءُ شَتَّتِ النَّاقَةُ فِي
بَطْنِ الْوَادِي، فِي دِفْئِهِ وَخِصْبِهِ وَصَعِدَتْ
مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ وَبَرْدِهِ،
حَتَّى إِذْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمُ الأَمْرُ الَّذِي
أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ، فَبَيْنَمَا قَوْمٌ مِنْهُمْ يَوْمًا
جُلُوسٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَفَنِيَ الْمَاءُ الَّذِي
يَمْزِجُونَ بِهِ، فَبَعَثُوا رَجُلا لِيَأْتِيَهُمْ
بِالْمَاءِ، وَكَانَ يَوْمُ شِرْبِ النَّاقَةِ، فَرَجَعَ
إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَاءٍ، وَقَالَ: حَالَتِ النَّاقَةِ
بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَاءِ، ثُمَّ بَعَثُوا آخَرَ، فَقَالَ
مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
(2/518)
لِبَعْضٍ: مَا تَنْظُرُونَ، قَدْ
مَنَعَتْنَا الْمَاءَ، وَمَنَعَتْ مَوَاشِيَنَا الرَّعْيَ،
وَأَضَرَّتْ بِأَرْضِنَا، فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا،
فَعَقَرَهَا، فَقَتَلَهَا، فَتَذَامَرُوا بَيْنَهُمْ، فِي
تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالُوا: عَلَيْكُمُ
الْفَصِيلَ، وَصَعِدَ الْفَصِيلُ إِلَى الْقَارَةِ،
وَالْقَارَةُ: الْجَبَلُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ
كُلِّهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {تَمَتَّعُوا فِي
دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] .
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ صَالِحًا حِينَ
أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ آتِيهِمْ، لَبِسُوا
الأَنْطَاعَ، وَالأَكْسِيَةَ، وَاطَّلَوْا، وَقَالَ لَهُمْ:
آيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَصْفَرَّ وُجُوهُكُمْ فِي الْيَوْمِ
الأَوَّلِ، وَتَحْمَرَّ فِي الثَّانِي، وَتَسْوَدَّ فِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ اسْتَقَلَّ الْفَصِيلُ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: يَا
رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، فَأَرْسَلَ
اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
{9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ
الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 160] ، يَعْنِي: لُوطًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء: 161] أَخُوهُمْ
فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
(2/519)
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] ،
يَعْنِي: أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 162] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 108-109] إِنْ
ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {164} أَتَأْتُونَ
الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ {165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ
لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 164-166]
أَقْبَالَ النِّسَاءِ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، ذَكَرَهُ
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ.
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَتَذَرُونَ
مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:
166] تَرْكُكُمْ أَقْبَالَ النِّسَاءِ، وَإِتْيَانُكُمْ
أَدْبَارَ الرِّجَالِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] مَا جَعَلَ لَكُمْ رَبُّكُمْ
مِنْ فُرُوجِ نِسَائِكُمْ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ،
أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] مُجَاوِزُونَ
لأَمْرِ اللَّهِ.
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ
الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء: 167] مِنْ قَرْيَتِنَا، أَيْ:
نَقْتُلُكَ، فَنُخْرِجُكَ مِنْهَا قَتِيلا.
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168]
مِنَ الْمُبْغِضِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}
[الشعراء: 169] وَأَهْلُهُ أُمَّتُهُ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ
اللَّهُ: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ {170} إِلا
عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ {171} } [الشعراء: 170-171]
غَبَرَتْ بَقِيَتْ فِي عَذَابِ اللَّهِ، لَمْ يُنَجِّهَا.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء: 172] قَوْمَ لُوطٍ
وَامْرَأَتَهُ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ مُنَافِقَةِ، تُظْهِرُ
لِلُوطٍ الإِيمَانَ وَهِيَ عَلَى الشِّرْكِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا}
[الشعراء: 173]
(2/520)
قَالَ قَتَادَةُ: أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَى
قَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ حِجَارَةً.
{فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء: 173] ، أَيْ:
فَبِئْسَ مَطَرُ الْمُنْذِرِينَ أَنْذَرَهُمْ لُوطٌ فَلَمْ
يَقْبَلُوا.
أَصَابَ قَرْيَتَهُمُ الْخَسْفُ، وَأَصَابَتِ الْحِجَارَةُ
مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ السَّفَرِ
مِنْهُمْ، وَأَصَابَ الْعَجُوزَ حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
{9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ
الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176] بُعِثَ شُعَيْبٌ إِلَى
أُمَّتَيْنِ، وَالأَيْكَةُ: الْغَيْضَةُ.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 177]
اللَّهَ أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى،
يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 125] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء: 108-109] عَلَى مَا
جِئْتُكُمْ بِهِ.
{إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 127] إِنْ جَزَائِي، أَيْ: إِنْ
ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {180} أَوْفُوا الْكَيْلَ
وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ {181} } [الشعراء:
180-181] ، يَعْنِي: مِنَ الْمُتَنَقِّصِينَ الَّذِينَ
يَنْتَقِصُونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ {الْمُخْسِرِينَ} [الشعراء: 181] ،
يَعْنِي: مِنَ النَّاقِصِينَ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ.
(2/521)
قَالَ: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ
الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182] قَالَ قَتَادَةُ: الْعَدْلُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.
قَالَ: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الشعراء:
183] ، أَيْ: وَلا تُنْقِصُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ،
يَعْنِي: الَّذِي لَهُمْ، وَكَانُوا أَصْحَابَ تَطْفِيفٍ
وَنَقْصٍ فِي الْمِيزَانِ.
قَالَ: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء:
183] لا تَسِيرُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ فِي تَفْسِيرِ
قَتَادَةَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: وَلا تَكُونُوا فِي الأَرْضِ
مُفْسِدِينَ.
{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}
[الشعراء: 184] وَالْخَلِيقَةَ الأَوَّلِينَ، هَذَا تَفْسِيرُ
مُجَاهِدٍ.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء:
185] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ} [الشعراء: 186] فِيمَا تَدَّعِي مِنَ
الرِّسَالَةِ.
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [الشعراء:
187] قَالَ قَتَادَةُ: قِطَعًا.
{إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 187] بِمَا جِئْتَ
بِهِ.
{قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 188]
قَالَ اللَّهُ: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ
الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:
189] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ أَهْلَ غَيْضَةٍ
(2/522)
وَشَجَرٍ مُتَكَارِسٍ، وَكَانَ أَكْثَرَ
شَجَرِهِمُ الدَّوْمُ، هَذَا الْمُقِلُّ، فَسَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمُ الْحَرَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَكَانَ لا
يُكِنُّهُمْ ظِلٌّ، وَلا يَنْفَعُهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَبَعَثَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحَابَةً، فَلَجَئُوا تَحْتَهَا
يَلْتَمِسُونَ
الرَّوْحَ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذَابًا، فَجَعَلَ
تِلْكَ السَّحَابَةَ نَارًا، فَاضْطَرَمَتْ عَلَيْهِمْ،
فَهَلَكُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ
الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189] ، يَعْنِي: تِلْكَ السَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ
أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ
الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{نَزَلَ بِهِ} [الشعراء: 193] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ
فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ جِبْرِيلُ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى
وَجْهَيْنِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَمَنْ قَرَأَهَا
بِالرَّفْعِ قَالَ: {نَزَلَ بِهِ} [الشعراء: 193] خَفِيفَةً
{الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] جِبْرِيلُ نَزَلَ بِهِ،
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ قَالَ: {نَزَّلَ بِهِ} [الشعراء:
193] مُثَقَّلَةً، اللَّهُ نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأَمِينَ،
اللَّهُ نَزَّلَ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ.
(2/523)
{عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 194] يَا
مُحَمَّد.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ {195} وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ {196} }
[الشعراء: 194-196] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَإِنَّ الْقُرْآنَ
لَفِي كُتُبِ الأَوَّلِينَ، التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ}
[الشعراء: 196] يَقُولُ: نَعْتُ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ فِي
زُبُرِ الأَوَّلِينَ، يَعْنِي: فِي كِتَابِ الأَوَّلِينَ.
قَالَ: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} [الشعراء: 197] وَهِيَ
تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ، فَمَنْ
قَرَأَهَا بِالتَّاءِ يَقُولُ: قَدْ كَانَتْ لَهُمْ آيَةً،
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ، فَيَجْعَلُهَا عَمَلا فِي بَابِ
كَانَ يَقُولُ: قَدْ كَانَ لَهُمْ آيَةٌ.
{أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:
197] ، يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، أَيْ: فَقَدْ كَانَ
لَهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ بِهِ آيَةً، هَذَا تَفْسِيرُ
الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: مِنْهُمْ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ.
قَالَ: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} [الشعراء: 198] ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ.
{عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ {198} فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ}
[الشعراء: 198-199] مُحَمَّدٌ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ،
عَنْ أَبِيهِ.
{مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 199] يَقُولُ: لَوْ
أَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانٍ عَجَمِيٍّ لَمْ تُؤْمِنْ
(2/524)
بِهِ الْعَرَبُ كَقَوْلِهِ: {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم:
4] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذًا لَكَانُوا شَرَّ النَّاسِ فِيهِ،
لَمَا فَقِهُوهُ، وَلا دَرَوْا مَا هُوَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} [الشعراء:
200] جَعَلْنَاهُ.
{فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الشعراء: 200] الْمُشْرِكِينَ،
التَّكْذِيبَ.
{لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الشعراء: 201] بِالْقُرْآنِ.
{حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [الشعراء: 201]
الْمُوجِعَ، يَعْنِي: قِيَامَ السَّاعَةِ.
{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [الشعراء: 202] فَجْأَةً.
{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ {202} فَيَقُولُوا} [الشعراء: 202-203]
يَوْمَئِذٍ عِنْدَ ذَلِكَ.
{هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} [الشعراء: 203] مُؤَخَّرُونَ،
مَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُؤْمِنُ.
قَالَ اللَّهُ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء:
204] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدِ اسْتَعْجَلُوا بِهِ
لِقَوْلِهِمُ: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 29]
وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ بِأَنَّهُ لا
يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ
سِنِينَ {205} ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ {206} }
[الشعراء: 205-206] الْعَذَابُ.
{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:
207] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أحـ....
الْحَسَن الصَّبَّاحِيّ، قَالَ: حد ...
الْعَبَّاسُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْبَحْرَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
حَبِيبٍ، عَنْ سُفْيَانَ ...
حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ
سِنِينَ} [الشعراء: 205] قَالَ: مِثْلُ عُمْرِ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَهْلَكْنَا} [الشعراء: 208] ،
يَعْنِي: وَمَا عَذَّبْنَا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
(2/525)
{مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ}
[الشعراء: 208] رُسُلٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَمَا أَهْلَكَ قَرْيَةً إِلا مِنْ بَعْدِ
الْحُجَّةِ، وَالرُّسُلِ، وَالْبَيِّنَةِ، وَالْعُذْرِ.
قَالَ: {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الشعراء: 209] .
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مَا كُنَّا لِنُعَذِّبَهُمْ إِلا مِنْ
بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُجَّةِ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا
مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ
الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 210] قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا
تَنَزَّلَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ
الشَّيَاطِينُ.
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} [الشعراء: 211] أَنْ يَتَنَزَّلُوا
بِهِ.
{وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 211] ذَلِكَ، تَفْسِيرُ
قَتَادَةَ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ عَن السَّمْعِ} [الشعراء: 212] قَالَ
قَتَادَةُ: عَنْ سَمْعِ السَّمَاءِ.
{لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ
يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَمِعُونَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا
الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ
يَسْمَعُوهَ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ
الَّتِي كَانُوا يَسْتَمِعُونَ فِيهَا إِلا مَا يَسْتَرِقُ
أَحَدُهُمْ فَيُرْمَى بِشِهَابٍ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ الصَّيِّدُ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا
قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا نَرَى نَجْمًا
(2/526)
يُرْمَى بِهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ
لَيْلَةٍ إِذَا النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا، فَقُلْنَا: مَا
هَذَا؟ إِنْ هَذَا إِلا أَمْرٌ حَدَثٌ، فَجَاءَنَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ،
وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ:
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ
فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ} [الشعراء: 213] ، يَعْنِي: وَلا تَعْبُدْ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213]
وَقَدْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ
حَتَّى قَامَ عَلَى الصَّفَا، وَقُرَيْشٌ فِي الْمَسْجِدِ،
ثُمَّ نَادَى: يَا صَبَاحَاهُ، فَفَزِعَ النَّاسُ، فَخَرَجُوا،
فَقَالُوا: مَا لَكَ يَابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ:
يَا آلَ غَالِبٍ، قَالُوا: هَذِهِ غَالِبٌ عِنْدَكَ، ثُمَّ
نَادَى: يَا أَهْلَ لُؤَيٍّ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ كَعْبٍ،
ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ مُرَّةَ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ كِلابٍ،
ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ قُصَيٍّ،
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَنْذَرَ الرَّجُلُ عَشِيرَتَهُ
الأَقْرَبِينَ، انْظُرُوا مَاذَا يُرِيدُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو
لَهَبٍ: هَؤُلاءِ عَشِيرَتُكَ قَدْ حَضَرُوا، فَمَا تُرِيدُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنْذَرْتُكُمْ أَنَّ جَيْشًا
يُصَبِّحُونَكُمْ أَصَدَّقْتُمُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ
فَإِنِّي أُنْذِرُكُمُ النَّارَ، وَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ
مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً وَلا مِنَ الآخِرَةِ نَصِيبًا إِلا
أَنْ تَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو
لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ،
فَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا:
(2/527)
مَجْنُونٌ يَهْذِي مِنْ أُمِّ رَأْسِهِ.
- قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216] عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ
الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيرَتَهُ بَطْنًا بَطْنًا حَتَّى
انْتَهَى إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، لِي
عَمَلِي وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، إِنَّمَا أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ
الْمُتَّقُونَ، أَلا
لا أَعْرِفَنَّكُمْ تَأْتُونَنِي تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا عَلَى
رِقَابِكُمْ، وَيَأْتِينِي النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] كَقَوْلِهِ:
{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
وَكَقَوْلِهِ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ
عَصَوْكَ} [الشعراء: 216] فَإِنْ عَصَاكَ الْمُشْرِكُونَ.
{فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216]
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ
الرَّحِيمِ {217} الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ {218}
وَتَقَلُّبَكَ} [الشعراء: 217-219] قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِي
يَرَاكَ قَائِمًا، وَجَالِسًا، وَفِي حَالاتِكَ.
قَالَ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219]
قَالَ قَتَادَةُ: فِي الصَّلاةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}
[الشعراء: 218] فِي الصَّلاةِ وَحْدَكَ {وَتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219]
(2/528)
فِي صَلاةِ الْجَمِيعِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}
[الشعراء: 218] فِي الصَّلاةِ قَائِمًا {وَتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قَالَ يَحْيَى: أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَفْسِيرُ
الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}
[الشعراء: 219] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرَى فِي الصَّلاةِ مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى مَنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ.
- قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا الرُّكُوعَ
وَالسُّجُودَ إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ
ظَهْرِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» .
- حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اسْتَوُوا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي
لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ
يَدَيَّ» .
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {الَّذِي يَرَاكَ
حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] أَيْنَمَا كُنْتَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[الشعراء: 220] لا أَسْمَعَ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ
تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ
أَثِيمٍ {222} يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ
{223} } [الشعراء: 221-223] سَعِيدُ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ:
{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222]
قَالَ قَتَادَةُ: وَالأَفَّاكُ الْكَذَّابُ.
(2/529)
قَالَ يَحْيَى: وَهُمُ الْكَهَنَةُ.
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:
223] كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ
تَسْتَمِعُ ثُمَّ تَنْزِلُ إِلَى الْكَهَنَةِ، فَتُخْبِرُهُمْ،
فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ بِمَا نَزَلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ
مِنَ السَّمْعِ وَتَخْلِطُ بِهِ الْكَهَنَةُ كَذِبًا كَثِيرًا
فَيُحَدِّثُونَ بِهِ النَّاسَ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ سَمْعِ
السَّمَاءِ فَيَكُونُ حَقًّا، وَمَا خَلَطُوا بِهِ مِنَ
الْكَذِبِ يَكُونُ كَذِبًا.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ:
{وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 223] ، أَيْ:
وَجَمَاعَتُهُمْ كَاذِبُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ
الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ:
الْغَاوُونَ، الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يُلْقُونَ الشِّعْرَ
عَلَى الشُّعَرَاءِ الَّذِي لا يَجُوزُ فِي الدِّينِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ
وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] يَذْهَبُونَ فِي كُلِّ وَادٍ
مِنْ أَوْدِيَةِ الْكَلامِ.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226]
قَالَ قَتَادَةُ: يُمْدَحُ قَوْمٌ بِبَاطِلٍ وَيُذَمُّ قَوْمٌ
بِبَاطِلٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ، فَقَالَ: {إِلا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227]
قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ ثُنْيَا اللَّهِ فِي الشُّعَرَاءِ
وَغَيْرِهِمْ، وَالشُّعَرَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
اسْتَثْنَى اللَّهُ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ: {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 227] فِي
غَيْرِ وَقْتٍ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
(2/530)
{وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}
[الشعراء: 227] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَانْتَصَرُوا
بِمِثْلِ مَا ظُلِمُوا، نَزَلَتْ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ
هَاجُوا، يَعْنِي: عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ،
مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ.
{مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] مِنْ بَعْدِ مَا
ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، أَيِ: انْتَصَرُوا بِالْكَلامِ،
وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
قَالَ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الشعراء: 227]
قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِينَ أَشْرَكُوا مِنَ الشُّعَرَاءِ
وَغَيْرِهِمْ.
{أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] مِنْ بَيْنِ
يَدَيِ اللَّهِ إِذَا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، أَيْ: أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ
أَنَّهُمْ سَيَنْقَلِبُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ إِلَى
النَّارِ.
(2/531)
|