تفسير يحيى بن
سلام سُورَةُ الرُّومِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الرُّومِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] غَلَبَتْهُمْ
فَارِسُ.
{فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] قَالَ السُّدِّيُّ:
يَعْنِي: أَرْضَ الأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.
وَقَالَ يَحْيَى: {أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] أَرْضِ
الرُّومِ بِأَذْرِعَاتٍ مِنَ الشَّامِ، بِهَا كَانَتِ
الْوَقْعَةُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ شَمِتُوا
أَنْ غَلَبَ إِخْوَانُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ
الْمُسْلِمُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى
فَارِسَ لأَنَّ الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَكَانَ مُشْرِكُو
الْعَرَبِ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الْمَجُوسُ عَلَى أَهْلِ
الْكِتَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ} [الروم: 3] ، يَعْنِي: الرُّومَ مِنْ بَعْدِ مَا
غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ.
(2/643)
{سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] فَارِسَ.
{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 4]
أَنْ تُهْزَمَ الرُّومُ.
{وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] مَا هُزِمَتْ.
{وَيَوْمَئِذٍ} يَوْمَ تَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ.
{يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} } [الروم: 4-5]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ: لِمَ تَشْمَتُونَ،
فَوَاللَّهِ لَتَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى
ثَلاثِ سِنِينَ، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: أَنَا
أُبَايِعُكَ أَلا تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى
ثَلاثِ سِنِينَ، فَتَبَايَعَا عَلَى خِطَارٍ: سَبْعٍ مِنَ
الإِبِلِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَبَايِعْهُمْ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، مُدَّ
فِي الأَجَلِ، وَزِدْ فِي الْخِطَارِ، وَلَمْ يَكُنْ حُرِّمَ
ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْقِمَارُ، وَهُوَ
الْمَيْسِرُ، وَالْخَمْرُ بَعْدَ غَزْوَةِ الأَحْزَابِ،
فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: اجْعَلُوا
الْوَقْتَ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَأَزِيدُكُمْ فِي الْخِطَارِ،
فَفَعَلُوا فَزَادُوا فِي الْخِطَارِ ثَلاثًا فَصَارَتْ
عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِينَ أَرْبَعًا، فَكَانَتِ
السُّنُونُ سَبْعًا، وَوُضِعَ الْخِطَارُ عَلَى يَدَيْ أَبِي
بَكْرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلاثُ
سِنِينَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ مَضَى الْوَقْتُ، فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: هَذَا قَوْلُ رَبِّنَا وَتَبْلِيغُ
رَسُولِنَا، وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِّسْعِ
مَا لَمْ يَبْلُغِ الْعَشْرَ، وَالْمَوْعُودُ كَائِنٌ،
فَلَمَّا كَانَ تَمَامُ سَبْعِ سِنِينَ ظَهَرَتِ الرُّومُ
عَلَى فَارِسَ، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ إِذَا غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ
أَظْهَرَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى
فَارِسَ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ، يَوْمِ بَدْرٍ، وَفَرِحَ
الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَبِأَنْ صَدَقَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ
وَصَدَقَ رَسُولُهُمْ.
(2/644)
قَالَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
{6} } [الروم: 4-6] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا يَعْلَمُونَ.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ كِسْرَى فَلا
كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا مَاتَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ
بَعْدَهُ» .
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: مَلِكَ الرُّومِ بِالشَّامِ.
- وَحَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ
عُتْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُقَاتِلُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ
فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الرُّومَ
فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ
فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» .
قَالَ: فَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لا
يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَلَغَ مُلْكُ الْعَرَبِ أَرْضَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَبَدًا» .
قَالَ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
[الروم: 7] ، يَعْنِي: مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ مَعَاشِهِمْ
وَحَرْثِهِمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْلَمُونَ
حِينَ زَرْعِهِمْ، وَحِينَ حَصَادِهِمْ وَحِينَ نِتَاجِهِمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَحِينَ تِجَارَاتِهِمْ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
(2/645)
بِالأَسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ الْقَوْمِ: زَعَمَ جَسْطَانُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ
يُكْسَفُ بِالْقَمَرِ اللَّيْلَةَ، أَوْ أَنَّ الْقَمَرَ
يَنْكَسِفُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَذَبُوا، هَذَا هُمْ
عَلِمُوا مَا فِي الأَرْضِ فَمَا عِلْمُهُمْ بِمَا فِي
السَّمَاءِ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّمَا الْغَيْبُ
خَمْسَةٌ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] وَمَا سِوَى ذَلِكَ
يَعْلَمُهُ قَوْمٌ وَيَجْهَلُهُ آخَرُونَ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
أَضَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَاحِلَتَهُ فَذَهَبَ فِي
طَلَبِهَا، فَلَقِيَ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْشَدَهُ
إِيَّاهَا، فَقَالَ: أَلَسْتَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي
يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، أَفَلا تَأْتِيهِ، فَيُخْبِرُكَ
بِمَكَانِ رَاحِلَتِكَ؟ فَمَضَى الرَّجُلُ قَلِيلا، فَرَدَّ
اللَّهُ عَلَيْهِ رَاحِلَتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «فَمَا
قُلْتَ لَهُ؟» قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ لِرَجُلٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مُكَذِّبٍ؟ قَالَ: " أَفَلا قُلْتَ لَهُ: إِنَّ
الْغَيْبَ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، وَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ
تَطْلُعْ قَطُّ إِلا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ} [الروم: 7] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا
يُقِرُّونَ بِهَا، هُمْ مِنْهَا فِي غَفْلَةٍ كَقَوْلِهِ:
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ
غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] أَبْصَرَ
حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ الْبَصَرُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} [الروم: 8] إِلا
لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، أَيْ: لَوْ تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُمَا
يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم: 8] ، يَعْنِي:
الْقِيَامَةَ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
(2/646)
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لِلْقِيَامَةِ
لِيَجْزِيَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَالْقِيَامَةُ اسْمٌ
جَامِعٌ يَجْمَعُ النَّفْخَتَيْنِ جَمِيعًا الأُولَى
وَالآخِرَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [الروم: 8] ،
يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ.
{بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8] قَالَ:
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ
قُوَّةً} [الروم: 9] ، يَعْنِي: بَطْشًا، وَهُوَ تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
{وَأَثَارُوا الأَرْضَ} [الروم: 9] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ:
حَرَثُوهَا.
{وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: 9]
هَؤُلاءِ.
{وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [الروم: 9] ، يَعْنِي: كُفَّارَ
الأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا،
يَقُولُ: لَمْ يَظْلِمْهُمْ فَيُعَذِّبْهُمْ عَلَى غَيْرِ
ذَنْبٍ.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ،
يَعْنِي: يُضَرُّونَ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، هَذَا
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، أَيْ: يَضُرُّونَ، أَيْ: قَدْ
صَارُوا فِي الأَرْضِ وَرَأَوْا آثَارَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ، يُخَوِّفُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ
بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ} [الروم: 10] ، أَيْ:
جَزَاءَ الَّذِينَ.
{أَسَاءُوا} [الروم: 10] أَشْرَكُوا.
{السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي: جَهَنَّمَ فِي تَفْسِيرِ
قَتَادَةَ.
{أَنْ كَذَّبُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي: بِأَنْ كَذَّبُوا،
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} [الروم:
10] وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: {السُّوأَى} [الروم: 10]
الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
(2/647)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {ثُمَّ كَانَ
عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي:
أَشْرَكُوا بِاللَّهِ {السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي:
الْعَذَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ} [الروم: 11] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ {ثُمَّ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 12] يَيْأَسُ الْمُجْرِمُونَ
مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13]
الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{شُفَعَاءُ} [الروم: 13] حَتَّى لا يُعَذَّبُوا.
{وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13] ، يَعْنِي: مَا
عَبَدُوا بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ.
{كَافِرِينَ} [الروم: 13] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14]
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} [الروم: 15] كَقَوْلِهِ: {فِي رَوْضَاتِ
الْجَنَّاتِ} [الشورى: 22] وَالرَّوْضَةُ الْخَضِرَةُ.
{يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] يُكْرَمُونَ فِي تَفْسِيرِ
الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَفْرَحُونَ.
قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}
[الروم: 16] ، يَعْنِي: مُدْخَلُونَ.
(2/648)
قَوْلُهُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ
تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18}
} [الروم: 17-18] قَالَ السُّدِّيُّ: تُنْشَرُونَ
وَتَنْبَسِطُونَ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
بَهْدَلَة، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ قَالَ لابْنِ
عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُسَمَّيَاتٍ
فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17]
فَهَذِهِ صَلاةُ الْمَغْرِبِ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:
17] فَهَذِهِ صَلاةُ الْفَجْرِ {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا} [الروم: 18] هَذِهِ
صَلاةُ الْعَصْرِ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] هَذِهِ
صَلاةُ الظُّهْرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: {وَمِنْ
بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] فَهَذِهِ خَمْسُ
صَلَوَاتٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسَ كُلَّهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ: {فَسُبْحَانَ
اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] الْمَغْرِبُ
وَالْعِشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: كُلُّ صَلاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ
الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ فَهِيَ رَكْعَتَانِ
غُدْوَةً وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ
تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَإِنَّمَا افْتُرِضَتِ
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ
عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَنَةٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ
(2/649)
بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلاةِ
بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي: فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ
عَلَيْهِ السَّلامُ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ
الْخَمْسُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19] تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ: يَعْنِي: يُخْرِجُ النُّطَفَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ
مِنَ الْحَيِّ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ، النَّاسَ الأَحْيَاءَ
مِنَ الْمَيِّتِ مِنَ النُّطَفِ.
هِيَ النُّطْفَةُ الْحَيَّةُ تَخْرُجُ مِنَ النُّطْفَةِ
الْمَيِّتَةِ، الْخَلْقُ الْحَيُّ، وَيُخْرِجُ مِنَ الْخَلْقِ
الْحَيِّ النُّطْفَةُ الْمَيِّتَةُ، وَيَخْرُجُ مِنَ
الْحَبَّةِ الْيَابِسَةِ الْحَيَّ، وَيُخْرِجُ مِنَ النَّبَاتِ
الْحَيِّ الْحَبَّةَ الْيَابِسَةَ، هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ،
وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ.
قَالَ: {وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 19]
يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، أَيْ:
يَابِسَةً لا نَبَاتَ فِيهَا.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] ، يَعْنِي:
الْبَعْثَ، يُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا
مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ
وَلُحْمَانُهُمْ كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ الثَّرَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 20] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ،
يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَنَّهُ وَاحِدٌ.
{أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20] ، يَعْنِي:
الْخَلْقَ الأَوَّلَ خَلْقَ آدَمَ.
(2/650)
{ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ
تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20]
تَنْبَسِطُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 21] ، يَعْنِي: وَمِنْ
عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا تَوْحِيدَهُ
فِي صُنْعِهِ.
{أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم:
21] قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: أَزْوَاجَكُمُ الْمَرْأَةُ هِيَ
مِنَ الرَّجُلِ.
{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] لِتَسْتَأْنِسُوا
إِلَيْهَا.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ،
يَعْنِي بِالْمَوَدَّةِ: الْحُبِّ، وَالرَّحْمَةِ لِلْوَلَدِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَوَدَّةً} [الروم: 21] ، يَعْنِي:
مَحَبَّةً، وَهُوَ الْحُبُّ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:
21] فَيُؤْمِنُوا، وَإِنَّمَا يَتَفَكَّرُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 22] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] قَالَ بَعْضُهُمْ: {وَاخْتِلافُ
أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] النَّغَمَةَ، {وَأَلْوَانِكُمْ}
[الروم: 22] لا تَرَى اثْنَيْنِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: يُشْبِهُ الرَّجُلُ
الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ إِلا مِنْ قِبَلِ
الأَبِّ الأَكْبَرِ آدَمَ.
(2/651)
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ:
{وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] لِلْعَرَبِ كَلامٌ،
وَلِفَارِسَ كَلامٌ وَلِلرُّومِ كَلامٌ، وَلِسَائِرِهِمْ مِنَ
النَّاسِ كَلامٌ.
قَالَ: {وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ
وَأَسْوَدَ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]
وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 23] قَالَ: هِيَ مِثْلُ
الأُولَى: {مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 23] مِنْ رِزْقِهِ
كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] فِي الليل
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] بالنهار.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}
[الروم: 23] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، سَمِعُوا مِنَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 24] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم: 24] ،
{خَوْفًا} [الروم: 24] لِلْمُسَافِرِ، يَخَافُ أَذَاهُ
وَمَعَرَّتَهُ، {وَطَمَعًا} [الروم: 24] لِلْمُقِيمِ، يَطْمَعُ
فِي رِزْقِ اللَّهِ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ يَخَافُ أَنْ
يَهْلِكَ الزَّرْعُ، وَطَمَعًا فِي الْمَطَرِ.
قَالَ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 24] يُحْيِيهَا
بِالنَّبَاتِ بَعْدَ إِذْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا
نَبَاتٌ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَقَلُوا عَنِ
اللَّهِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.
(2/652)
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} ، يَعْنِي:
وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا
تَوْحِيدَهُ بِصُنْعِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25]
، يَعْنِي: بِغَيْرِ عَمَدٍ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] لِئَلا
تَزُولا، قَالَ: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ
الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25] ، يَعْنِي:
النَّفْخَةَ الآخِرَةَ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: إِذَا دَعَاكُمْ
دَعْوَةً إِذَا أَنْتُمْ مِنَ الأَرْضِ تَخْرُجُونَ،
كَقَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ
الأَجْدَاثِ} [يس: 51] ، أَيْ: مِنَ الْقُبُورِ {إِلَى
رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] ، أَيْ: يَخْرُجُونَ، وَهُوَ
نَفْخَةُ صَاحِبِ الصُّورِ فِي الصُّورِ، وَهُوَ
قَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ {13} فَإِذَا
هُمْ بِالسَّاهِرَةِ {14} } [النازعات: 13-14] إِذَا هُمْ
عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ}
[ق: 41] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] يَقُولُ:
مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كُلٌّ لَهُ قَائِمٌ بِالشَّهَادَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:
26] ، يَعْنِي: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ فِي الآخِرَةِ، وَلا
يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنَ الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] بَعْدَ الْمَوْتِ، يَعْنِي:
الْبَعْثَ.
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ، يَعْنِي: وَهُوَ
أَسْرَعُ عَلَيْهِ، بَدَأَ الْخَلْقَ خَلْقًا
(2/653)
بَعْدَ خَلْقٍ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ مَرَّةً
وَاحِدَةً.
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
اللَّهُ {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27]
قَالَ: خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
[الروم: 27] قَالَ: أَسْرَعُ عَلَيْهِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ:
يَجْمَعُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم: 27] عَمَّا قَالَ
الْمُشْرِكُونَ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شِبْهٌ.
قَالَ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27] ،
{الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ، {الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ،
يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ جَعَلُوا
لِلَّهِ الأَنْدَادَ فَعَبَدُوهُمْ دُونَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ
أَنْفُسِكُمْ} [الروم: 28] ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَثَلَ
فَقَالَ: {هَلْ لَكُمْ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: أَلَكُمْ.
{مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] قَالَ
السُّدِّيُّ: يَعْنِي: عَبِيدَكُمْ.
{مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ} [الروم:
28] وَهُمْ.
{فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: شَرْعًا سَوَاءً،
أَيْ: هَلْ يُشَارِكُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ
وَمَالِهِ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ.
{تَخَافُونَهُمْ} [الروم: 28] تَخَافُونَ لائِمَتَهُمْ.
{كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] كَخِيفَةِ
بَعْضِكُمْ بَعْضِا، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
هَكَذَا، فَأَنَا أَحَقُّ أَلا يُشْرَكَ بِعِبَادَتِي غَيْرِي،
فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ دُونِي غَيْرِي تُشْرِكُونَهُ فِي
إِلَهِيَّتِي وَرُبُوبِيَّتِي، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ:
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71] .
(2/654)
قَالَ: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ}
[الروم: 28] نُبَيِّنُ الآيَاتِ.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم: 29] أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ
بِعَبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29] ، أَيْ: لا
أَحَدَ يَهْدِيهِ.
{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم: 29] قَوْلُهُ:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 30] ، أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] مُخْلِصًا فِي تَفْسِيرِ
الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُسْلِمًا.
قَوْلُهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، يَعْنِي: خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي
آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:
172] قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ:
رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَ:
فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ.
قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ فِي كُلِّ يَوْمِ
اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ،
ثُمَّ مَسَحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ
عَلَى ظَهْرِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ
خَالِقُهَا، فَأَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ فَقَالَ:
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ثُمَّ
أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ،
(2/655)
ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدُ
فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا عَلَى مَا فِي
الْكِتَابِ الأَوَّلِ، فَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ
شَقِيًّا عُمِّرَ حَتَّى
يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَيَنْقُضُ الْمِيثَاقَ الَّذِي
أُخِذَ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ آدَمَ بِالشِّرْكِ فَيَكُونُ
شَقِيًّا، وَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ سَعِيدًا
عُمِّرَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَيُؤْمِنُ
فَيَصِيرُ سَعِيدًا، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا مِنْ أَوْلادِ
الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ
فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}
[الطور: 21] .
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: تُوُفِّيَ بُنَيُّ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ،
فَدَنَخَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ: قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ:
قَعَدَ، فَافْتَقَدَهُ النَّبِيُّ فَسَأَلَ عَنْهُ قَالَ
سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ بُنَيُّهُ فَدَنَخَ
فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ لَقِيَ سَعْدٌ الرَّجُلَ فَقَالَ: أَمَّا
رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَكَ الْيَوْمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ
النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
تُوُفِّيَ بُنَيِّي، فَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ: أَمَا
تَرْضَى أَنْ تُكْفَى مَئُونَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَلا تَأْتِي
عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ
بِإِزَائِهِ يَنْتَظِرُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الْمُشْرِكِينَ،
فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَلَيْسَ
يَكُونُوا مِنْ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ لأَنَّهُمْ مَاتُوا
عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ
آدَمَ، وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِيثَاقَ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ
الْجَنَّةِ.
- حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ
(2/656)
حَسَنَاتٌ، فَيُجْزَوْنَ بِهَا،
فَيَكُونُوا مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ تَكُنْ
لَهُمْ سَيِّئَاتٌ، فَيُعَاقَبُوا بِهَا، فَيَكُونُوا مِنْ
أَهْلِ النَّارِ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ.
- قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مرَايَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ
خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ
قَالَ الْخَلِيلُ: قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِلْحَسَنِ قَالَ: وَمَا تُنْكِرُونَ؟ قَوْمٌ أَكْرَمَهُمُ
اللَّهُ وَأَكْرَمَ بِهِمْ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ
الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَوُا
عَامِلِينَ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: لَوْ بَلَغُوا.
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَالَّذِي يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
كَانُوا عَامِلِينَ ".
- وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ،
وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ،
وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ» .
(2/657)
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَمَنْ
أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ،
وَمَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، فَكُلُّ هَؤُلاءِ
يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيُرْسِلُ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِمْ رَسُولا، فَيُوقِدُ
نَارًا فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقَعُوا فِيهَا فَمِنْ بَيْنِ
وَاقِعٍ وَمِنْ بَيْنِ هَارِبٍ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ وَاقَعَهَا نَجَا مِنَ
النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يَقَعْهَا دَخَلَ النَّارَ.
قَالَ يَحْيَى: نَرَى أَنَّ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّارِ:
مَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، وَالاثْنَانِ
الآخَرَانِ لَيْسَ لَهُمَا عُذْرٌ: الَّذِي مَاتَ قَبْلَ
الإِسْلامِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ
ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى
آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70} } [الصافات: 69-70] .
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: ثَلاثَةٌ
يَحْتَجُّونَ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ مَاتَ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَجُلٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ هَرِمًا،
وَمَعْتُوهٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}
[الروم: 30] لِدِينِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي}
[الحجر: 42] ، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وَكَقَوْلِهِ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الكهف: 17] لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ
يُضِلَّهُ، وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل: 99] .
قَالَ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
(2/658)
قَالَ: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 31]
مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالإِخْلاصِ، مُخْلِصِينَ لَهُ، وَهَذَا
تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ}
[الروم: 30] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ {حَنِيفًا} [الروم: 30] .
قَالَ: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الروم: 31]
الْمَفْرُوضَةَ.
{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {31} مِنَ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 31-32]
فِرَقًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَحْزَابًا، يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ.
{كُلُّ حِزْبٍ} [الروم: 32] كُلُّ قَوْمٍ.
{بِمَا لَدَيْهِمْ} [الروم: 32] بِمَا عِنْدَهُمْ، أَيْ: بِمَا
هُمْ عَلَيْهِ.
{فَرِحُونَ} [الروم: 32] يَقُولُ: رَاضُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ}
[الروم: 33] قَالَ السُّدِّيُّ: وَالضُّرُّ هَاهُنَا قَحْطُ
الْمَطَرِ.
{دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33]
مُخْلِصِينَ فِي الدُّعَاءِ.
{ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] ،
يَعْنِي: الْمَطَرَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى: {إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم:
33] كَشَفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
{إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [الروم: 33] ، يَعْنِي:
الْمُشْرِكِينَ.
{بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ {33} لِيَكْفُرُوا بِمَا
آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 33-34] ، يَعْنِي: لِئَلا يَكْفُرُوا
بِمَا آتَيْنَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: فَكَفَرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ
النِّعَمِ حَيْثُ أَشْرَكُوا.
ثُمَّ قَالَ: {فَتَمَتَّعُوا} [الروم: 34] إِلَى مَوْتِكُمْ.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] وَهَذَا وَعِيدٌ وَهِيَ
تُقْرَأُ أَيْضًا عَلَى الْيَاءِ فَيَتَمَتَّعُوا.
(2/659)
يُخْبِرُ عَنْهُمْ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}
[الروم: 34] وَعِيدًا لَهُمْ.
قَالَ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35]
، أَيْ: حُجَّةً.
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} [الروم: 35] ، أَيْ: فَذَلِكَ
السُّلْطَانُ يَتَكَلَّمُ، وَهِيَ الْحُجَّةُ.
{بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] وَهَذَا
اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ
بِذَلِكَ، أَيْ: لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ
سُلْطَانًا} [الروم: 35] ، أَيْ: حُجَّةً فِي كِتَابٍ بِأَنَّ
مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ
رَحْمَةً} [الروم: 36] ، يَعْنِي: عَافِيَةً وَسَعَةً.
{فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36]
شِدَّةٌ وَعُقُوبَةٌ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم:
36] قَالَ السُّدِّيُّ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم:
36] ، يَعْنِي: الْقَحْطَ وَالْمَطَرَ.
قَالَ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] يَقُولُ:
بِذُنُوبِهِمْ.
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] يَيْأَسُونَ مِنْ أَنْ
يُصِيبَهُمْ رَخَاءٌ بَعْدَ تِلْكَ الشِّدَّةِ، يَعْنِي:
الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [الروم: 37] يُوَسِّعُ
عَلَيْهِ {وَيَقْدِرُ} [الزمر: 52] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ
عَلَيْهِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37]
، أَيْ: إِنَّ فِي مَا يَبْسُطُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ
وَيُقَتِّرُ {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37] .
(2/660)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}
[الروم: 38] .
قَالَ الْحَسَنُ: بَعْضُ هَذِهِ الآيَةِ تَطَوُّعٌ وَبَعْضُهَا
فَرِيضَةٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم:
38] فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:
{وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] ، يَعْنِي:
الزَّكَاةَ.
قَالَ يَحْيَى: حَدَّثُونَا إِنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ
بِمَكَّةَ وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَعْلُومًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أُمِرْتَ
أَنْ تَصِلَ الْقَرَابَةَ، وَتُطْعِمَ الْمِسْكِينَ،
وَتُحْسِنَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ.
قَالَ: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا
لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ
اللَّهِ} [الروم: 39] .
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الرَّوَّادِ،
عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: تِلْكَ الْهَدِيَّةُ
تُهْدِيهَا لِيُهْدَى لَكَ خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ لَكَ فِيهَا
أَجْرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا وِزْرٌ، وَنَهَى عَنْهَا
النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: {وَلا تَمْنُنْ
تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا:
لِتُرْبُوا وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: لِيُرْبُوا، أَيْ:
لِيُرْبُوا ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي يُرْبُونَ، وَالرِّبَا
الزِّيَادَةُ، أَيْ: يُهْدُونَ إِلَى النَّاسِ لِيُهْدُوا
إِلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «الْهَدِيَّةُ رِزْقُ
اللَّهِ فَمَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، فَلْيَقْبَلْهُ
وَلْيُعْطِ خَيْرًا مِنْهُ» .
(2/661)
- وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرُدَّنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ
الْهَدِيَّةَ وَلْيُهْدِ لَهُ كَمَا أُهْدِيَ لَهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] يُرِيدُ: تُرِيدُونَ
بِهِ اللَّهَ: وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] ، يَعْنِي:
الَّذِينَ يُضَاعِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمُ
الْحِسَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ
رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40]
، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} [الروم: 40] اسْتِفْهَامٌ مِنْهُ،
يَعْنِي: مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ.
{مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: 40]
يَخْلُقُ، أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يُحْيِي.
{سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{وَتَعَالَى} [الروم: 40] ارْتَفَعَ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ،
يَعْنِي: قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ.
{فِي الْبَرِّ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: فِي الْبَادِيَةِ،
{وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ، يَعْنِي بِهِ الْعُمْرَانَ
وَالرِّيفَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]
الْفَسَادُ، الْهَلاكُ، يَعْنِي: مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الأُمَمِ
السَّابِقَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ كَقَوْلِهِ:
{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] ، أَيْ:
أَفْسَدْنَا فَسَادًا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] ،
يَعْنِي: لَعَلَّ
(2/662)
مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ
شِرْكِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ
وَقَوْلُهُ: {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] .
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذُنُوبِهِمْ فِي
بَرِّ الأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] قَالَ: يَرْجِعُ مَنْ
كَانَ بَعْدَهُمْ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ.
قَالَ يَحْيَى، كَقَوْلِهِ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} [العنكبوت:
40] ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ الَّذِينَ كَانُوا خَارِجًا مِنَ
الْمَدِينَةِ وَأَهْلَ السَّفَرِ مِنْهُمْ {وَمِنْهُمْ مَنْ
أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40] ثَمُودُ {وَمِنْهُمْ
مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ} [العنكبوت: 40] قَوْمُ لُوطٍ،
أَصَابَ مَدِينَتَهُمُ الْخَسْفُ، وَقَارُونُ {وَمِنْهُمْ مَنْ
أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] قَوْمُ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ} [الروم:
41] قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ {وَالْبَحْرِ} [الروم: 41]
أَخْذُ الْمَلِكِ السُّفُنَ غَصْبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ}
[الروم: 42] كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
وَقَوْلُهُ: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] ،
أَيْ: فَأَهْلَكَهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 43] ،
أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: التَّوْحِيدِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ
اللَّهِ} [الروم: 43] ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] ، يَعْنِي:
يَتَفَرَّقُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}
[الروم: 44] يُثَابُ عَلَيْهِ النَّارَ.
(2/663)
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ
يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] يُوَطِّئُونَ فِي الدُّنْيَا
الْقَرَارَ فِي الآخِرَةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يُسَوُّونَ
الْمَضْجَعَ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِلالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتِ الْمَطِيَّةُ
الدُّنْيَا فَارْتَحِلُوا تُبْلِغْكُمُ الآخِرَةَ» .
وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ
قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ» .
قَالَ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 45] فَبِفَضْلِهِ
يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [الروم: 45]
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ
الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] بِالْمَطَرِ، تَفْسِيرُ
مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ.
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم: 46] وَهُوَ
الْمَطَرُ.
{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} [الروم: 46] السُّفُنُ.
{بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] قَالَ
مُجَاهِدٌ: طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا تَبَعٌ
لِلْكَلامِ الأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] وَمَا ذُكِرَ
مِنَ الْمَطَرِ وَالسَّفَرِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ.
قَالَ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46] ، أَيْ:
لِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}
[الروم: 47]
(2/664)
أَيْ فَكَذَّبُوا.
{فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [الروم: 47]
أَشْرَكُوا.
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]
إِجَابَةَ دُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ عَلَى قَوْمِهِمْ بِالْهَلاكِ
حِينَ كَذَّبُوهُمْ، فَأُمِرُوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ
اسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ
يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48] ، يَعْنِي: قِطَعًا
بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] قَالَ
مُجَاهِدٌ: الْمَطَرُ.
{يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] مِنْ خِلالِ السَّحَابِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ
بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ:
يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ، أَيْ: مِنْ خَلَلِ السِّحَابِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم: 48] بِهِ قَالَ: {وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49]
الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 49] لَيَائِسِينَ مِنَ
الْمَطَرِ كَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49] الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ} [الروم: 49] وَهُوَ كَلامٌ مِنْ كَلامِ
الْعَرَبِ مُثَنًّى مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ} [النمل: 3] وَكَقَوْلِهِ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ
هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] .
قَالَ: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الروم: 50]
، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
(2/665)
{كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا} [الروم: 50] ، يَعْنِي: النَّبَاتَ الَّذِي
أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ الْمَطَرِ.
قَالَ: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] ، أَيْ: فَالَّذِي أَنْبَتَ هَذَا
النَّبَاتَ، يُرِيدُ الْمَطَرَ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ
الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} [الروم: 51]
فَأَهْلَكْنَا بِهِ ذَلِكَ الزَّرْعَ.
{فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} [الروم: 51] وَذَلِكَ الزَّرْعُ
مُصْفَرًّا.
{لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ} [الروم: 51] مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
الْمَطَرِ.
{يَكْفُرُونَ} [الروم: 51] قَوْلُهُ: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ
الْمَوْتَى} [الروم: 52] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ
يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ} [الروم: 52] يَقُولُ: إِنَّ الصُّمَّ لا
يَسْمَعُونَ الدُّعَاءَ {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم:
52] وَهَذَا مَثَلُ الْكُفَّارِ إِذَا تَوَلَّوْا عَنِ
الْهُدَى لَمْ يَسْمَعُوهُ سَمْعَ قَبُولٍ.
قَالَ: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] عَنِ
الْهُدَى {بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] ، يَعْنِي:
الْكُفَّارَ.
الْعُمْيَ عَنِ الْهُدَى.
{عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ} [الروم: 53] إِنْ يَقْبَلْ
مِنْكَ.
{إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم:
53] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
ضَعْفٍ} [الروم: 54] ، يَعْنِي: ضَعْفَ نُطْفَةِ الرَّجُلِ.
(2/666)
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}
[الروم: 54] ، يَعْنِي: شَبَابَهُ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: شَبَابُهُ،
وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:
54] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] يَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ
{مَا لَبِثُوا} [الروم: 55] فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ.
{غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
{كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] يَصُدُّونَ فِي
الدُّنْيَا عَنِ الإِيمَانِ بِالْبَعْثِ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ
لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ
الْبَعْثِ} [الروم: 56] وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ.
قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَقَالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالإِيمَانِ: لَقَدْ
لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، لُبْثَهُمُ الَّذِي كَانَ
فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ إِلَى أَنْ بُعِثُوا.
قَالَ: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ} [الروم: 56] فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْبَعْثَ
حَقٌّ.
قَالَ: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الروم:
57] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا.
{مَعْذِرَتُهُمْ} [الروم: 57] وَإِنِ اعْتَذَرُوا.
{وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لا يُرَدُّونَ إِلَى
الدُّنْيَا لِيُعْتَبُوا، أَيْ: لِيُؤْمِنُوا، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا
لِيُؤْمِنُوا فَلا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا
الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58] ، أَيْ:
لِيَذَّكَّرُوا.
(2/667)
{وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} [الروم:
58] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ
عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ.
قَالَ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ
اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ.
قَالَ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60]
الَّذِي وَعَدَكَ أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
وَيُظْهِرُ دِينَكَ.
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} [الروم: 60] ، أَيْ: وَلا
يَسْتَفِزَّنَّكَ.
{الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ،
لا تُتَابِعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ
مِنْ تَرْكِ دِينِكَ.
(2/668)
|