تفسير يحيى بن
سلام سُورَةُ لُقْمَانَ
تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمَانَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ
فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تِلْكَ آيَاتُ} هَذِهِ آيَاتُ.
{الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ، أَيِ: الْمُحْكَمِ أُحْكِمَتْ
بِالْحَلالِ، وَالْحَرَامِ، وَالأَحْكَامِ وَالأَمْرِ
وَالنَّهْيِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُدًى} يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى
الْجَنَّةِ.
{وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 3] لِلْمُؤْمِنِينَ.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [لقمان: 4] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الْمَفْرُوضَةَ.
{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [لقمان: 4-5] عَلَى بَيَانٍ مِنْ
رَبِّهِمْ.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لقمان: 5] وَهُمُ
السُّعَدَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي
لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.
(2/669)
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 175] اخْتَارُوا
الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَحَبُّوا الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}
[لقمان: 6] ، يَعْنِي: يَخْتَارُ بَاطِلَ الْحَدِيثِ عَلَى
الْقُرْآنِ.
خَالِدٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ قَالَ:
{لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] الْغِنَاءَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
لَهْوُ الْحَدِيثِ، الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] ،
يَعْنِي: عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ بِمَا هُوَ
عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
قَالَ: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} [لقمان: 6] يَتَّخِذُ آيَاتِ
اللَّهِ، الْقُرْآنَ هُزُوًا.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ
بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ رَجُلا
رَاوِيَةً لأَحَادِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ.
قَالَ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] مِنَ
الْهَوَانِ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
(2/670)
قَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ
آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} [لقمان: 7] عَنْ عِبَادَةِ
اللَّهِ، جَاحِدًا لآيَاتِ اللَّهِ.
{كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان: 7] ، أَيْ: قَدْ سَمِعَهَا
وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ.
{كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7] وَالْوَقْرُ
الصَّمَمُ، سَمِعَهَا بِأُذُنَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا
قَلْبُهُ.
قَالَ: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7] مُوجِعٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ {8} خَالِدِينَ
فِيهَا} [لقمان: 8-9] لا يَمُوتُونَ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} [لقمان: 9] أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي مُلْكِهِ وَفِي نِقْمَتِهِ.
{الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ فِي تَفْسِيرِ
الْحَسَنِ قَالَ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ
عَمَدٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَهَا
عَمَدٌ، وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
يَقُولُ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] ، أَيْ:
لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
قَالَ: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [لقمان: 10] ،
يَعْنِي: الْجِبَالَ أَثْبَتَ بِهَا الأَرْضَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ، أَيْ: لِئَلا تُحَرَّكَ بِكُمْ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا
خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ جَعَلَتْ
تَمِيعُ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ مَلائِكَةُ اللَّهِ، قَالُوا:
يَا رَبَّنَا هَذِهِ لا يَقَرُّ لَكَ عَلَى ظَهْرِهَا خَلْقٌ،
فَأَصْبَحَ قَدْ وَقَطَهَا بِالْجِبَالِ، فَلَمَّا رَأَتْ
مَلائِكةُ اللَّهِ مَا قَدْ أُرْسِيَتْ بِهِ الأَرْضُ،
عَجِبُوا فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ
(2/671)
أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمِ
الْحَدِيدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ
أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمِ
النَّارُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ
أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ الْمَاءُ، قَالُوا: يَا
رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟
قَالَ: نَعَمِ، الرِّيحُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ
خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمِ ابْنُ
آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَثَّ فِيهَا} [لقمان: 10] خَلَقَ
فِيهَا، فِي الأَرْضِ.
{مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [لقمان: 10] قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ}
[لقمان: 10] أَيْ: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ.
{كَرِيمٍ} ، أَيْ: حَسَنٍ.
ثُمَّ قَالَ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي} [لقمان: 11] ،
يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] ،
يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا فَلَمْ تَكُنْ
لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالَ: {بَلِ الظَّالِمُونَ} [لقمان: 11]
الْمُشْرِكِينَ.
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} بَيِّنٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ
الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ،
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الْفِقْهُ، وَالْعَقْلُ،
وَالإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نُبُوَّةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ
قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ رَجُلا حَبَشِيًّا نَجَّارًا،
فَأَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ شَاةً، فَذَبَحَ لَهُ
شَاةً، فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ،
فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ
فِيهَا شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْ هَاتَيْنِ؟ قَالَ: لا، فَسَكَتَ
عَنْهُ مَا سَكَتَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَذَبَحَ لَهُ شَاةً،
فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَلْقَى
اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَرْتُكَ أَنْ
تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ،
(2/672)
فَأَتَيْتَنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ،
وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُلْقِيَ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ،
فَأَلْقَيْتَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ
أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا وَلا شَيْءَ أَخْبَثُ
مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا.
قَوْلُهُ: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
قَالَ: {وَمَنْ يَشْكُرْ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12] وَهُوَ
الْمُؤْمِنُ.
قَالَ: {وَمَنْ كَفَرَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ
النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} [لقمان: 12] عَنْ خَلْقِهِ.
{حَمِيدٌ} [لقمان: 12] اسْتُحْمِدَ إِلَى خَلْقِهِ،
اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ
وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] يَظْلِمُ الْمُشْرِكُ
بِهِ نَفْسَهُ وَيَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُنْقِصُ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ
عَظِيمٌ.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيُّنَا
لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ
عَظِيمٌ.
- الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الظُّلْمُ
ثَلاثَةٌ: فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لا
يَدَعُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ
اللَّهُ فَالإِشْرَاكُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي
(2/673)
يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَذُنُوبُ الْعِبَادِ
فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الظُّلْمُ
الَّذِي لا يَدَعُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضَهُمْ
بَعْضًا، لا يَدَعُهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِصَّ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: 14] ، يَعْنِي: بِرًّا بِوَالِدَيْهِ،
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14]
ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْوَلَدُ وَهَنُ
الْوَالِدَةِ وَضَعْفُهَا.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ:
وَهَنُ الْوَلَدِ عَلَى وَهَنِ الْوَلَدِ.
وَالْوَهَنُ الضَّعْفُ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: جَهْدٌ عَلَى جَهْدٍ.
قَالَ: {وَفِصَالُهُ} [لقمان: 14] ، أَيْ: وَفِطَامُهُ.
{فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]
- قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ» .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ
عَبَّاسٍ كَانَا لا يَرَيَانِ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ
شَيْئًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] الْبَعْثُ.
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِضَى
الرَّبِّ مَعَ رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ
(2/674)
الرَّبِّ مَعَ سَخَطِ الْوَالِدِ» .
- وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي
عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مُرْضِيًا لأَبَوَيْهِ
أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ
أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ،
وَمَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ
مَفْتُوحَانِ مِنَ النَّارِ وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ،
وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ
ظَلَمَاهُ، وَإِنْ
ظَلَمَاهُ» .
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ
بِرًّا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَرِيقُ دَمَهُ اللَّهُ،
وَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ فُجُورٍ فُجُورًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ
لَيَعُقُّ وَالِدَيْهِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15] ،
يَعْنِي: أَرَادَاكَ.
{عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
[لقمان: 15] ، أَيْ: أَنَّكَ لا تَعْلَمُ أَنَّ لِي شَرِيكًا،
يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ.
قَالَ: {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:
15] ، أَيْ: طَرِيقَ {مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] مَنْ
أَقْبَلَ إِلَيَّ بِقَلْبِهِ مُخْلِصًا، يَعْنِي: النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [لقمان: 15] يَوْمَ
الْقِيَامَةِ.
{فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15]
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا بُنَيَّ} [لقمان: 16] رَجَعَ
إِلَى كَلامِ لُقْمَانَ، يَعْنِي: الْكَلامَ الأَوَّلَ:
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ
لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ} [لقمان: 16] ، أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ
(2/675)
مِنْ خَرْدَلٍ.
{فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] بَلَغَنَا أَنَّهَا
الصَّخْرَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُوتُ، الَّتِي عَلَيْهَا
قَرَارُ الأَرَضِينَ.
قَالَ: {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا
اللَّهُ} [لقمان: 16] ، أَيِ: احْذَرْ، فَإِنَّهُ سَيُحْصِي
عَلَيْكَ عَمَلَكَ، وَيَعْلَمُهُ كَمَا عَلِمَ هَذِهِ
الْحَبَّةَ مِنَ الْخَرْدَلِ، لُقْمَانُ يَقُولُهُ لابْنِهِ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} قَالَ: {لَطِيفٌ}
بِاسْتِخْرَاجِهَا {خَبِيرٌ} بِمَكَانِهَا.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ}
[لقمان: 17] ، يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ، تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
{وَانْهَ عَن الْمُنْكَرِ} [لقمان: 17] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ
بِاللَّهِ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ
قَالَ: مَنْ أَمَرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَنَهَى عَنْ
عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى
عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الأُمُورِ {17} } [لقمان: 17-17] الْعَزْمُ أَنْ
تَصْرِمَ.
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] قَالَ
مُجَاهِدٌ: الصُّدُودُ وَالإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ عَنِ
النَّاسِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ
مَرَحًا} [لقمان: 18] بِالْعَظَمَةِ.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} [لقمان: 18]
تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مُتَكَبِّرٌ.
{فَخُورٍ} [لقمان: 18] يَعُدُّ مَا أُعْطِيَ زَهْوًا، لا
يَشْكُرُ اللَّهَ.
- وَحَدَّثَنِي فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ
(2/676)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيَكُونُ نَقِيَّ الثَّوْبِ جَدِيدَ
الشِّرَاكِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ
بِالْكِبْرِ، وَلَكِنِ الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ بِالْحَقِّ
وَتَغْمَصَ النَّاسَ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ
أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ
فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ.
- أَبُو الْجَارُودِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ حَنَشِ
بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
صَنَعَ شَيْئًا فَخْرًا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَسْوَدَ» ، قَالَ قُلْنَا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ، وَلَكِنَّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَوَاللَّهِ
إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيُعْجِبُهُ حُسْنُ ثَوْبِهِ وَحُسْنُ
مَرْكَبِهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْظُرُ فِي شَعْرِهِ
وَنَعْلِهِ، قَالَ: قَدْ شَكَوْنَا الَّذِي تَشْكُونَ إِلَى
النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَخْرِ وَلَكِنَّ
الْفَخْرَ إِبْطَالُ الْحَقِّ، وَغَمْصُ النَّاسِ،
وَالاسْتِطَالَةُ عَلَيْهِمْ» .
- وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي
الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكِبْرُ رِدَاءُ
اللَّهِ فَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ قَصَمَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19] وَقَالَ فِي
آيَةٍ أُخْرَى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ
لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا}
[الإسراء: 37] قَالَ: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ
الأَصْوَاتِ} [لقمان: 19] ، يَعْنِي: أَقْبَحَ الأَصْوَاتِ.
{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] وَإِنَّمَا كَانَت صوت
الْحَمِير وَلَمْ يَكُنْ
(2/677)
لأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ لأَنَّهُ عَنَى
صَوْتَهَا الَّذِي هُوَ صَوْتُهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}
[لقمان: 20] قَالَ: مِنْ شَمْسِهَا، وَقَمَرِهَا،
وَنُجُومِهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ،
وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالِ الْبَرَدِ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ
شَجَرِهَا، وَجِبَالِهَا، وَأَنْهَارِهَا، وَبِحَارِهَا
وَبَهَائِمِهَا.
قَالَ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] ، أَيْ: فِي بَاطِنِ أَمْرِكُمْ
وَظَاهِرِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا مُنَوَّنَةً: نِعْمَةً ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً الظَّاهِرَةُ: الإِسْلامُ وَالْقُرْآنُ،
وَالْبَاطِنُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ}
[لقمان: 20] فَيَعْبُدُ الأَوْثَانَ دُونَهُ.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 20] مِنَ اللَّهِ.
{وَلا هُدًى} أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ.
{وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20] مُضِيءٍ، أَيْ: بَيِّنٌ
بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ
بْنِ الْحَارِثِ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: 21] يَعْنُونَ عِبَادَةَ
الأَوْثَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلَوْ كَانَ
الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان:
21] يَعْنِي أَيَتَّبِعُونَ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ؟
عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
(2/678)
{أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ
إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] ، أَيْ: قَدْ فَعَلُوا.
وَدُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ دُعَاؤُهُ
إِيَّاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ بِالْوَسْوَسَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى
اللَّهِ} [لقمان: 22] ، أَيْ: وِجْهَتَهُ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُخْلِصُ دِينَهُ.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَى} [لقمان: 22] لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان:
22] مَصِيرُهَا فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ
كُفْرُهُ} [لقمان: 23] كَقَوْلِهِ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}
[النمل: 70] .
{إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [لقمان: 23] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ} [لقمان: 23] مَا يُسِرُّونَ فِي
صُدُورِهِمْ.
قَالَ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا} [لقمان: 24] فِي الدُّنْيَا
إِلَى مَوْتِهِمْ.
{ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24] ،
يَعْنِي: جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25]
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان:
26] ، {الْغَنِيُّ} عَنْ خَلْقِهِ {الْحَمِيدُ} [لقمان: 26]
الْمُسْتَحْمِدُ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ
يَحْمَدُوهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] يَقُولُ: لَوْ أَنَّهَا
أَقْلامٌ.
{وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}
[لقمان: 27] وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا بِالنَّصْبِ:
وَالْبَحْرَ
(2/679)
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ، أَيْ: وَلَوْ أَنَّ الْبَحْرَ، تَبَعٌ لِلْكَلامِ
الأَوَّلِ يَقُولُ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] لِيُكْتَبَ بِهَا عِلْمُ
اللَّهِ، عِلْمُهُ بِمَا خَلَقَ {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] يَسْتَمِدُّ مِنْهُ
الأَقْلامَ لِيَكْتُبَ بِهَا عِلْمَ ذَلِكَ.
{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] ، يَعْنِي:
لانْكَسَرَتِ الأَقْلامُ، وَنَفِدَ مَاءُ الْبَحْرِ، وَلَمَاتَ
الْكُتَّابُ وَمَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ، عِلْمُهُ بِمَا
خَلَقَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}
[لقمان: 27] ، يَعْنِي: عِلْمَ اللَّهِ وَعَجَائِبَهُ.
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ عَوَافٍ، عَنْ
أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
إِنَّ تَحْتَ بَحْرِكُمْ هَذَا بَحْرًا مِنْ نَارٍ، وَتَحْتَهُ
بَحْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ نَارٍ، وَتَحْتَهُ
بَحْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ نَارٍ حَتَّى عَدَّ
سَبْعَةَ أَبْحُرٍ مِنْ مَاءٍ، وَسَبْعَةَ أَبْحُرٍ مِنْ
نَارٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ
قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، خَلَقَنَا اللَّهُ أَطْوَارًا،
نُطَفًا، ثُمَّ عَلَقًا، ثُمَّ مُضَغًا، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ
لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَنَا خَلْقًا آخَرَ كَمَا تَزْعُمُ،
وَتَزْعُمُ أَنَّا نُبْعَثُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: {مَا
خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:
28] ، أَيْ: إِنَّمَا
يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ.
(2/680)
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
[لقمان: 28] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [لقمان: 29]
يُدْخِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ.
{وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان: 29] وَيُدْخِلُ
النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَهُوَ أَخْذٌ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
قَالَ: {وَسَخَّرَ} لَكُمْ.
{الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} يَجْرِيَانِ.
قَالَ: {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [لقمان: 29] لا
يَقْصُرُ دُونَهُ وَلا يَزِيدُ عَلَيْهِ إِلَى الْوَقْتِ
الَّذِي يُكَوَّرُ فِيهِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهُ.
وقَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [لقمان:
29] قَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان:
30] وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} [لقمان: 30]
، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ.
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] لا
أَعْلَى مِنْهُ، {الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] وَلا أَكْبَرَ
مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي
فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} [لقمان: 31] أَنْعَمَ بِهَا
عَلَى خَلْقِهِ.
{لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} [لقمان: 31] ، يَعْنِي: جَرْيَ
السُّفُنِ مِنْ آيَاتِهِ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
[لقمان: 31] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ
كَالظُّلَلِ} [لقمان: 32] كَالْجِبَالِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ
أُخْرَى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}
[هود: 42] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171] .
(2/681)
قَالَ: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ} [لقمان: 32] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}
[لقمان: 32] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ، وَإِمَّا الْكَافِرُ فَعَادَ
فِي كُفْرِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] فِي
الْقَوْلِ وَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ
كَفُورٍ} [لقمان: 32] غَدَّارٍ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
كَفُورٍ أَخْلَصَ لِلَّهِ فِي الْبَحْرِ لِلْمَخَافَةِ مِنَ
الْغَرَقِ، ثُمَّ غَدَرَ فَأَشْرَكَ كَقَوْلِهِ: {فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ
يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا}
[لقمان: 33] ، يَعْنِي: الْعِقَابَ فِيهِ.
{لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} [لقمان: 33] لا يَفْدِيهِ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان:
33] لا يَفْدِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] ، يَعْنِي:
الْبَعْثَ، وَالْحِسَابَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] وَهِيَ
تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْغَرُورُ وَالْغُرُورُ، فَمَنْ
قَرَأَهَا الْغَرُورَ، فَيَقُولُ: الشَّيْطَانُ، وَمَنْ
قَرَأَهَا الْغُرُورَ يَقُولُ: غُرُورُ الدُّنْيَا،
كَقَوْلِهِ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ
الْغُرُورِ} [الحديد: 20] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ
السَّاعَةِ} [لقمان: 34] عِلْمَ مَجِيئِهَا.
{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان: 34] مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَكَيْفَ صَوَّرَهُ.
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
[لقمان: 34]
(2/682)
عَلِيمٌ بِخَلْقِهِ خَبِيرٌ
بِأَعْمَالِهِمْ.
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ
إِلا اللَّهُ: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ
الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] ".
- أَبُو سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ بِهَا حَاجَةً،
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَتْ لَهُ الأَرْضُ:
هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي.
(2/683)
|