تفسير يحيى بن سلام

سُورَةُ السَّجْدَةِ
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} [السجدة: 2] حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَعْنِي: لا شَكَّ فِيهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، أَيْ: لا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ، أَيْ: قَدْ قَالُوهُ، وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
قَالَ: {بَلْ هُوَ} ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{لِتُنْذِرَ} لِكَيْ تُنْذِرَ.

(2/684)


{قَوْمًا} وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} ، يَعْنِي: قُرَيْشًا تُنْذِرُهُمُ الْعَذَابَ {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لِكَيْ يَهْتَدُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [السجدة: 4] الْيَوْمُ مِنْهَا أَلْفُ سَنَةٍ.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [السجدة: 4] يُؤَمِّنُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِذَا أَرَادَ عَذَابَكُمْ.
{وَلا شَفِيعٍ} يَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى لا يُعَذِّبَكُمْ.
قَالَ: {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ، يَعْنِي: يُنْزِلُ الْوَحْيَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} قَالَ: يُنْزِلُهُ مَعَ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ.
{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} يَصْعَدُ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ.
{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] يَقُولُ: يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ.
قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: إِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، فَيَنْزِلُ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةً وَيَصْعَدُ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَرُبَّمَا سَأَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ الأَمْرِ يَحْضُرُهُ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي

(2/685)


أَسْرَعِ مِنَ الطَّرْفِ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَا أَشَاءُ أَنْ أَرَى جِبْرِيلَ فِي بَعْضِ الأُفُقِ يُزْجِي أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا رَأَيْتُهُ» .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مِقْدَارَ نُزُولِ جِبْرِيلَ وَصُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ لِغَيْرِ جِبْرِيلَ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثُمَّ أَخْبَرَ بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ، يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَالْغَيْبُ السِّرُّ، وَالشَّهَادَةُ الْعَلانِيَةُ وَ {الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ، {الرَّحِيمُ} بِخَلْقِهِ.
- حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فَبِهَا تَتَرَاحَمُ الْخَلِيقَةُ حَتَّى تَرْحَمَ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَتَهَا وَالْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ بِتِلْكَ التِّسْعَةِ وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَنَزَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ
الْخَلِيقَةِ، فَأَكْمَلَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، ثُمَّ نَصَبَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَالْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ رَحْمَةٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] ، يَعْنِي: آدَمَ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آدَمَ مِنْ طِينٍ قَبَضَهُ مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ بَيْضَاءَ، وَحَمْرَاءَ، وَسَوْدَاءَ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، فَمِنْهُمُ

(2/686)


الأَبْيَضُ وَالأَحْمَرُ، وَالأَسْوَدُ، وَالسَّهْلُ، وَالْحَزَنُ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ.
قَالَ: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} نَسْلَ آدَمَ بَعْدُ.
{مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ، يَعْنِي: النُّطْفَةَ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ضَعِيفٍ، يَعْنِي: نُطْفَةَ الرَّجُلِ.
قَالَ: {ثُمَّ سَوَّاهُ} [السجدة: 9] ، يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهُ كَيْفَ شَاءَ.
{وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] قَالَ: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] أَقَلُّكُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} [السجدة: 10] ، أَيْ: إِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا.
{أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] عَلَى الاسْتِفْهَامِ مِنْهُمْ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ، أَيْ: أَنَّا لا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] ، يَعْنِي: يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] جُعِلَتْ لِمَلَكِ الْمَوْتِ الأَرْضُ مِثْلَ الطَّسْتِ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: جُوِّنَتْ لَهُ الأَرْضُ فَجُعِلَتْ مِثْلَ

(2/687)


الطَّسْتِ يَنَالُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
قَالَ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12] الْمُشْرِكُونَ.
{نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] خَزَايَا نَادِمِينَ.
{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمْعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْبَصَرُ.
{فَارْجِعْنَا} [السجدة: 12] إِلَى الدُّنْيَا.
{نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] بِالَّذِي أَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حَقٌّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا} [السجدة: 13] لأَعْطَيْنَا.
{كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] كَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31] هُدَاهَا، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] قَالَ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] سَبَقَ الْقَوْلُ مِنِّي.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: وَجَبَتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنِّي.
{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ مِنْ كِلا الْفَرِيقَيْنِ.
وَكَقَوْلِهِ لإِبْلِيسَ: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18]
- وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ مَا لِي يَدْخُلُنِي

(2/688)


الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ؟ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ، مَا لِي يَدْخُلُنِي ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ فَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وَيُنْشِئُ لَهَا مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَمَّا النَّارُ فَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهَا قَدَمَهُ فَحِينَئِذٍ تَمْتَلِئُ وَتَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ، قَدْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ، قَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَذُوقُوا} [السجدة: 14] ، أَيْ: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
{بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة: 14] بِمَا تَرَكْتُمُ الإِيمَانَ بِلِقَاءِ يَوْمِكُمْ هَذَا.
{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة: 14] إِنَّا تَرَكْنَاكُمْ فِي النَّارِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَرَكُوا مِنَ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَتْرُكُوا مِنَ الشَّرِّ.
قَالَ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} [السجدة: 14] الدَّائِمَ، الَّذِي لا يَنْقَطِعُ.
{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [السجدة: 15] فِي سُجُودِهِمْ.
{وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] ، يَعْنِي: لا يَتَكَبَّرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.

(2/689)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] لِذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَعْنِي: الصَّلاةَ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَنَاوَمُونَ إِذَا أَمْسَوْا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُفْتَرَضَ صَلاةُ الْعِشَاءِ، فَلَمَّا فُرِضَتْ جَعَلُوا لا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَابِدَةً، فَقَالَتْ: إِنَّمَا لِي مِنَ اللَّيْلِ هَذِهِ النَّوْمَةُ، مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ، وَإِنِّي أُوكِلُ مِنْ أَهْلِي مَنْ يُوقِظُنِي عِنْدَ الأَذَانِ بِالْعِشَاءِ، فَقَالَ أَنَسٌ: وَكِّلِي مِنْ أَهْلِكِ مَنْ لا يَدَعُكِ تَنَامِينَ حَتَّى تُصَلِّيهَا فَإِنَّ فِيهَا أُنْزِلَتْ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] وَكَانَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ يَنَامُونَ،
فَلَمَّا فُرِضَتْ عَلَيْهِمُ اجْتَنَبُوا مَضَاجِعَهُمْ حَتَّى يُصَلُّوهَا.
- الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا.
وَسَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] قَالَ: هُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ.
- قَالَ: وَسَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ يَذْكُرُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بِأَشْيَاءَ، فَقَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ: وَالْقِيَامُ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] .
- وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ

(2/690)


الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] خَوْفًا مِنْ عَذَابِهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {وَطَمَعًا} [السجدة: 16] فِي رَحْمَتِهِ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ.
حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ.
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ، قَالَ اللَّهُ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]
- وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ، قَالَ اللَّهُ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] وَزَادَ فِيهِ خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَوْضِعُ سَوْطِهِ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَن النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ سورة آل عمران آية 185.

(2/691)


- أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِي طَلالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُعْطَى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَا يَكَادُ فُؤَادُهُ يَطِيرُ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيَشُدُّ فُؤَادَهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: 18] ، يَعْنِي: كَمَنْ كَانَ مُشْرِكًا.
{لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
قَالَ: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} [السجدة: 19] يَعْنِي أَنَّهُ يَأْوِي إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا} [السجدة: 20] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا.
{فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فِي أَسْفَلِهَا رَفَعَتْهُمْ بِلَهَبِهَا، حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلاهَا رَجَوْا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، فَضُرِبُوا بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ، فَهَوَوْا إِلَى أَسْفَلِهَا.
{وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة: 21] سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْعَذَابُ الأَدْنَى بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ دُونَ

(2/692)


الْعَذَابِ الأَكْبَرِ جَهَنَّمَ، وَالأَكْبَرُ الأَشَدُّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الأَدْنَى: الْعَذَابَ الأَقْرَبَ، وَهُوَ الْجُوعُ فِي الدُّنْيَا.
{دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة: 21] ، يَعْنِي: النَّار فِي الَآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ فِي وَالنَّجْمِ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] ، يَعْنِي: أَقْرَبَ.
{لَعَلَّهُمْ} لَعَلَّ مَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ.
{يَرْجِعُونَ} عَنِ الشِّرْكِ إِلَى الإِيمَانِ، فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ الإِيمَانَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22] لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا.
{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22] وَالْمُجْرِمِينَ هَاهُنَا الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [السجدة: 23] ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ.
{فَلا تَكُنْ} يَا مُحَمَّدُ.
{فِي مِرْيَةٍ} فِي شَكٍّ.
{مِنْ لِقَائِهِ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ، يَعْنِي: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] مِنْ أَنْ تَلْقَى مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الأَذَى مَا لَقِيَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الأَذَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] مِنْ لِقَاءِ مُوسَى وَكُتُبِهِ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23]

(2/693)


تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: وَجَعَلْنَا مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23] ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} [السجدة: 24] أَنْبِيَاءَ يُهْتَدَى بِهِمْ.
{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة: 24] ، يَعْنِي: يَدْعُونَ بِأَمْرِنَا.
{لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] ، يَعْنِي: بِمَا صَبَرُوا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهَا: لَمَّا صَبَرُوا مُثَقَّلَةً فَإِنَّهُ، يَعْنِي: حِينَ صَبَرُوا.
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [السجدة: 25] يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25] يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ الْمُشْرِكِينَ النَّارَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلَمْ نهْدِ لَهُمْ، أَيْ: أَوَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، بِالْيَاءِ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [السجدة: 26] ، أَيْ: أَوَ لَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ لَهُمْ.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} [السجدة: 26] ، يَعْنِي: مَا قَصَّ مِمَّا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ السَّالِفَةَ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.

(2/694)


قَالَ: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [السجدة: 26] ، يَعْنِي: يَمُرُّونَ فِيهَا كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] نَهَارًا وَلَيْلا، يَعْنِي: فِي مَسَاكِنِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، مِنْهَا مَا يُرَى وَمِنْهَا مَا لا يُرَى، كَقَوْلِهِ: {مِنْهَا قَائِمٌ} [هود: 100] تَرَاهُ {وَحَصِيدٌ} [هود: 100] لا تَرَاهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: قَدْ مَرَّ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى قُرَاهـ ...
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} ، أَيْ: لِلْمُؤْمِنِينَ.
{أَفَلا يَسْمَعُونَ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} [السجدة: 27] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ، تُسَاقُ السِّحَابُ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ.
كَقَوْلِهِ: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف: 57] قَالَ: {إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ} [السجدة: 27] الْيَابِسَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
{فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
أَيْ فَالَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَقُولُونَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السجدة: 28] مَتَى هَذَا الْقَضَاءُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وَالْفَتْحُ، الْقَضَاءُ بِعَذَابِهِمْ، قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا بِأَنَّهُ لا يَكُونُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ إِنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

(2/695)


وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا هُوَ يُحَذِّرُ قَوْمَهُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ} [السجدة: 29] ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقَضَاءِ.
{لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السجدة: 29] لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَرَى الْعَذَابَ إِلا آمَنَ , وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة: 29] فَمَا يُؤَخَّرُونَ بِالْعَذَابِ إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ.
قَالَ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ} [السجدة: 30] بِهِمُ الْعَذَابَ.
{إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة: 30] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ، فَنَسَخَهَا الْقِتَالُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .

(2/696)