تفسير يحيى بن سلام

سُورَةُ الأَحْزَابِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَحْزَابِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الأحزاب: 1] فِي الشِّرْكِ بِاللَّهِ.
{وَالْمُنَافِقِينَ} وَلا تُطِعِ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَكُونَ وَلِيجَةً فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْوَلِيجَةُ أَنْ يُدْخِلَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا يُقَارِبُ بِهِ الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {1} وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {2} } [الأحزاب: 1-2] ، يَعْنِي: الْعَامَّةَ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: 3] مُتَوَكِّلا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَيْضًا: {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وَنِعْمَ الْمُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي فِهْرٍ قَالَ: إِنَّ فِي جَوْفِي لَقَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَبَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ جَمِيلٌ كَانَ حَافِظًا لِمَا

(2/697)


سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَحْفَظُ جَمِيلٌ مَا يَحْفَظُ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ، إِنَّ لَهُ لَقَلْبَيْنِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ مِثْلَ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {3} فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3-4] وَكَانَ الظِّهَارُ عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ طَلاقًا فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ.
قَالَ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: هَذَا فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، تَبَنَّاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَكُونُ ذَلِيلا، فَيَأْتِي الرَّجُلُ ذَا الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ، فَيَقُولُ: أَنَا ابْنُكَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَإِذَا قَبِلَهُ وَاتَّخَذَهُ ابْنًا أَصْبَحَ أَعَزَّ أَهْلِهَا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْهُمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ
يَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِآبَائِهِمْ فَقَالَ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب: 4] ، يَعْنِي: ادِّعَاءَهُمْ هَؤُلاءِ وَقَوْلَ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
قَالَ: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] يَهْدِي إِلَى الْهُدَى، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ أَمَرَ هَؤُلاءِ الْمُدَّعِينَ أَنْ يُلْحِقُوا هَؤُلاءِ الْمُدَّعِينَ بِآبَائِهِمْ.
قَالَ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ.
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] ، يَعْنِي: الْمَوْلَى الَّذِي

(2/698)


يُعْتَقُ ...
السُّدِّيُّ.
قَالَ يَحْيَى: قُولُوا وَلِيُّنَا فُلانٌ، وَأَخُونَا فُلانٌ.
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [الأحزاب: 5] إِثْمٌ.
{فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] إِنْ أَخْطَأَ الرَّجُلُ بَعْدَ النَّهْيِ فَنَسَبَهُ إِلَى الَّذِي تَبَنَّاهُ نَاسِيًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ.
{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5] أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمُ الَّذِينَ أَلْحَقَهُمُ اللَّهُ بِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ لِذَلِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ {بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] بَعْدَ النَّهْيِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]
- نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَوَعَى قَلْبِي مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» ، قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُوَ أَبُوهُمْ.
{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ.

(2/699)


- سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّهْ، فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكِ بِأُمٍّ إِنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ.
قَالَ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ فِي { [الأنفال:] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [سورة الأنفال: 72] ، فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ لا يَرِثُ الأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا، فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الآيَةُ، فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ.
فَقَالَ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] فَخَلَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْبُنَانِيُّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا.
- مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
- نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، وَسَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: وَلا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا.
وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ فَتَرَكَ طَالِبًا، وَجَعْفَرًا وَعَقِيلا، وَعَلِيًّا، فَوَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ وَلا جَعْفَرٌ.

(2/700)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] قَالَ: إِلَى قَرَابَتِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَصِيَّةٌ وَلا مِيرَاثَ لَهُمْ، يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ: الْوَصِيَّةَ، أَجَازَ لَهُمُ الْوَصِيَّةَ وَلا مِيرَاثَ لَهُمْ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] فَقَالَ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6] يَقُولُ: مَكْتُوبًا أَلا يَرِثَ كَافِرٌ مُسْلِمًا.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
- حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصِلَهَا، قَالَ: صِلِيهَا.
وَقَالَ عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] قَالَ: الَّذِينَ وَالَى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ تَمَسُّكًا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} [الأحزاب: 7] قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي ظَهْرِ آدَمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ يُبَلِّغُوا الرِّسَالَةَ.

(2/701)


قَالَ: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7] بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] سَلْ جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ يَأْتِيهِمْ بِالرِّسَالَةِ: هَلْ أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ فِي آلِ عِمْرَانَ مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ} [آل عمران: 81] قَالَ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ أَنْ يَعْلَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ، مَا خَلا مُحَمَّدًا مِنَ النَّبِيِّينَ فَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ بِالأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» .
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَتَى كُتِبَتْ نُبُوَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَ الطِّينِ، وَبَيْنَ الرُّوحِ مِنْ خَلْقِ آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَسْأَلَ} ، أَيْ: لِيَسْأَلَ اللَّهُ.
{الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: النَّبِيِّينَ كَقَوْلِهِ: {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] .
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109]

(2/702)


وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] قَالَ: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ، هُمُ الرُّسُلُ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ} [الأحزاب: 8] ، يَعْنِي: النَّبِيِّينَ {عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] أَنَّهُمْ بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ إِلَى قَوْمِهِمْ مِنَ اللَّهِ.
قَالَ: {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [الأحزاب: 8] مُوجِعًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} [الأحزاب: 9] يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، وَهُمُ الأَحْزَابُ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَوْمَ الأَحْزَابِ تَحَازَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ وَطُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ مِنْ فَوْقِ الْوَادِي، وَجَاءَ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي، وَنَصَبَ أَبُو سُفْيَانَ قِبَلَ الْخَنْدَقِ الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} [الأحزاب: 9] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ الصَّبَا تَكُبُّهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَتَقْطَعُ فَسَاطِيطَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ، وَهَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» .

(2/703)


قَالَ: {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] الْمَلائِكَةَ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
قَالَ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] جَاءُوا مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ أَعْلاهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
أَبُو سُفْيَانَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: جَاءُوا مِنْ أَعْلَى الْوَادِي وَمِنْ أَسْفَلِهِ، جَاءَ مِنْ أَعْلاهُ عُيَيْنَةُ ابْنُ حِصْنٍ، وَمِنْ أَسْفَلِهِ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، وَنَصَبَ أَبُو سُفْيَانُ إِلَى الْخَنْدَقِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِذْ جَاءُوكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: الأَحْزَابَ، أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
{مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: مِنْ فَوْقِ الْوَادِي، يَعْنِي: مِنْ أَعْلاهُ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَمِنْ حَيْثُ يَجِيءُ الصُّبْحُ، يَعْنِي: مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَضْرٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ وَمَعَهُمَا أَلْفٌ مِنْ غَطَفَانَ، وَمَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الثَّقَفِيِّينَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَحُيَيِّ بْنَ أَخْطَبَ الْيَهُودِيَّ فِي يَهُودٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: مِنْ أَسْفَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ جَحْشٍ عَلَى فِرْقَتَيْنِ، جَاءُوا مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَجَاءَ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ مِنْ قِبَلِ الْخَنْدَقِ وَالَّذِينَ مَعَهُ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ.
{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: التُّهْمَةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ ظَنُّوا

(2/704)


أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُقْتَلُ، وَأَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} مُحِّصُوا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] كَانَ اللَّهُ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] قَالَ اللَّهُ: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] .
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَنَا هَذَا بَعْدُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَأَنْزَلَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرًا {9} إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 9-11] محصوا {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، وَأَصَابَتْهُمُ الشِّدَّةُ.
قَالَ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 12] وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَالْمَرَضُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ النِّفَاقُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الشِّرْكُ، وَصَفَهُمْ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَالنِّفَاقُ أَنَّهُمْ نَافَقُوا بِقُلُوبِهِمْ عَنْ مَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالْمَرَضُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ.
{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 12] فِي مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُهُ.
{إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214] إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فَوَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَهُمْ كَمَا نَصَرَ مَنْ قَبْلَهُمْ بَعْدَ أَنْ يُزَلْزَلُوا وَهِيَ الشِّدَّةُ، وَأَنْ يُحَرَّكُوا بِالْخَوْفِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّونَ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى

(2/705)


نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] قَالَ اللَّهُ {أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ فَلا نَرَانَا نُنْصَرُ، وَنَرَانَا نُقْتَلُ وَنُهْزَمُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَلا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَلا يُهْزَمُوا فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ، وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] ، وَإِنَّمَا وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الْعَاقِبَةِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، اتُرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ وَارْجِعُوا إِلَى دِينِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الأَحْزَابَ جَبُنُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا وَاللَّهِ مَا لَكُمْ مُقَامٌ مَعَ هَؤُلاءِ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ، يَعْنُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنُوهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13] ، يَعْنِي: لا مُكْثَ لَكُمْ مَعَ الأَحْزَابِ، لا تَقُومُونَ لَهُمْ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] قَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْشَى عَلَيْهَا السَّرَقُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَالِيَةٌ نَخَافُ عَلَيْهَا السَّرَقَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ضَائِعَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، يَقُولُونَ: إِذَا خَلَّيْنَاهُمْ ضَاعَتْ.
قَالَ اللَّهُ: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13] يَقُولُ: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا {13} وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 13-14] لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
{مِنْ أَقْطَارِهَا} [الأحزاب: 14] مِنْ نَوَاحِيهَا، يَعْنِي: الْمَدِينَةَ.

(2/706)


{ثُمَّ سُئِلُوا} [الأحزاب: 14] طُلِبَتْ مِنْهُمْ.
{الْفِتْنَةَ} [الأحزاب: 14] الشِّرْكَ.
{لآتَوْهَا} [الأحزاب: 14] لَجَاءُوهَا، رَجَعَ إِلَى الْفِتْنَةِ وَهِيَ الشِّرْكُ عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ قَرَأَهَا خَفِيفَةً وَمَنْ قَرَأَهَا مُثَقَّلَةً: {لآتَوْهَا} لأَعْطَوْهَا، يَعْنِي: الْفِتْنَةَ وَهِيَ الشِّرْكُ، لأَعْطَوْهُمْ إِيَّاهَا.
{وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا} [الأحزاب: 14] قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} [الأحزاب: 15] مُنْهَزِمِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ بَايَعْتُمُوهُ؟ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
قَالَ: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} [الأحزاب: 15] لا يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يُوفُوا بِهِ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ} [الأحزاب: 16] ، يَعْنِي: الْهَرَبَ.
{إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 16] ، يَعْنِي: إِنْ هَرَبْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ.
{أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 16] فِي الدُّنْيَا.
{إِلا قَلِيلا} إِلَى آجَالِكُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} [الأحزاب: 17] يَمْنَعُكُمْ مِنَ اللَّهِ.
{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} [الأحزاب: 17] عَذَابًا.

(2/707)


وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْقَتْلَ وَالْهَزِيمَةَ.
{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] تَوْبَةً، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، كَقَوْلِهِ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} [الأحزاب: 24] يَمُوتُونَ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبُهُمْ {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] فَيَرْجِعُونَ عَنْ نِفَاقِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: النَّصْرَ وَالْفَتْحَ.
قَالَ: {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا {17} قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 17-18] يُعَوِّقُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَأْمُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْفِرَارِ.
{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ} [الأحزاب: 18] ، أي: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] يأمر بعضهم بعضا بالفرار.
{وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} [الأحزاب: 18] الْقِتَالَ.
{إِلا قَلِيلا} بِغَيْرِ حِسْبَةٍ وَلا إِخْلاصٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلا قَلِيلا} ، يَعْنِي: رِيَاءً وَسُمْعَةً.
وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 142] قَالَ: إِنَّمَا قُلْ إِنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
قَالَ: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 19] لا يَتْرُكُونَ عَلَيْكُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا.
قَالَ: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] رَجَعَ الْكَلامُ إِلَى أَوَّلِ الْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ، قَالَ: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] ، يَعْنِي: الْقِتَالَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ.
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] ، يَعْنِي: الْقِتَالَ، يَعْنِي: إِذَا ذَهَبَ الْقِتَالُ.
{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] فَحُشُوا عَلَيْكُمُ، السَّلْقُ: الصِّيَاحُ.
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب: 19] عَلَى الْغَنِيمَةِ.

(2/708)


قَالَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} [الأحزاب: 19] كَقَوْلِهِ: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] .
قَالَ: {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب: 19] أَبْطَلَ اللَّهُ حَسَنَاتِهِمْ لأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا حِسْبَةٌ.
{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 19] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ {عَلَى الْقِتَالِ، لا يُقَاتِلُونَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَسَّهُمُ الْحَصْرُ وَالْبَلاءُ فِي الْخَنْدَقِ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ لِيُصِيبَ طَعَامًا أَوْ إِدَامًا، فَوَجَدَ أَخَاهُ يَتَغَدَّى تَمْرًا، فَدَعَاهُ، فَقَالَ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ: قَدْ بَخِلْتَ عَلَيَّ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِكَ فَلا حَاجَةَ لِي فِي طَعَامِكَ.
قَالَ:} يَحْسَبُونَ { [الأحزاب: 20] يَحْسَبُ الْمُنَافِقُونَ.
} الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا { [الأحزاب: 20] يَوَدُّ الْمُنَافِقُونَ.
} لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ { [الأحزاب: 20] ، يَعْنِي: فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الأَعْرَابِ، يَوَدُّونَ مِنَ الْخَوْفِ لَوْ أَنَّهُمْ فِي الْبَدْوِ.
} يَسْأَلُونَ عَن أَنْبَائِكُمْ { [الأحزاب: 20] وَهُوَ كَلامٌ مَوْصُولٌ، وَلَيْسَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ إِلا الْخَوْفُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، لأَنَّهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ وَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ.
قَالَ:} وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا { [الأحزاب: 20] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { [الأحزاب: 21] وَهَذَا الذِّكْرُ تَطَوُّعٌ، لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ.
قَالَ:} وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22]

(2/709)


يَعْنُونَ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ.
} وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22] قَالَ اللَّهُ:} وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا { [الأحزاب: 22] وَتَصْدِيقًا.
} وَتَسْلِيمًا { [الأحزاب: 22] لأَمْرِ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الأَحْزَابَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ أَنْ يُحْفَرَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ أَتَاكَ مِنْ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ وَفُرِغَ مِنْهُ أَتَاهُمُ الأَحْزَابُ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ { [الأحزاب: 23] حَيْثُ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لا يَفِرُّوا، وَصَدَقُوا فِي لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ.
} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] عَهْدَهُ فَقُتِلَ أَوْ عَاشَ.
} وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ { [الأحزاب: 23] يَوْمًا فِيهِ قِتَالٌ فَيَقْضِي نَحْبَهُ، عَهْدَهُ، فَيُقْتَلَ أَوْ يَصْدُقَ فِي لِقَائِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] أَجَلَهُ، يَعْنِي: مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ: حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ.
} وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ { [الأحزاب: 23] أَجَلَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] ، يَعْنِي: أَتَمَّ أَجَلَهُ.
قَالَ:} وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا { [الأحزاب: 23] كَمَا بَدَّلَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ:} لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ { [الأحزاب: 24] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.

(2/710)


قَالَ:} بِصِدْقِهِمْ { [الأحزاب: 24] يَجْزِيهِمُ الْجَنَّةَ.
} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ { [الأحزاب: 24] فَيَمُوتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبُهُمْ.
} أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ { [الأحزاب: 24] فَيَرْجِعُوا مِنْ نِفَاقِهِمْ.
} إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا { [الأحزاب: 24] قَالَ:} وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا {لَمْ يَنَالُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَظَفَرُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ لَوْ ظَفِرُوا عِنْدَهُمْ خَيْرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ يَنَالُوا خَيْرًا، يَعْنِي: لَمْ يُصِيبُوا ظَفَرًا وَلا غَنِيمَةً.
} وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ { [الأحزاب: 25] بِالرِّيحِ وَالْجُنُودِ الَّتِي أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
} وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا { [الأحزاب: 25] قَالَ:} وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ { [الأحزاب: 26] عَاوَنُوهُمْ.
} مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ {قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ.
} مِنْ صَيَاصِيهِمْ { [الأحزاب: 26] مِنْ حُصُونِهِمْ.
} وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [الأحزاب: 26-27] لَمَّا حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْكُمْ فِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى سَعْدٍ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ» ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيهِمْ بِأَمْرٍ، أَنْتَ

(2/711)


فَاعِلٌ مَا أَمَرَكَ بِهِ فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ» فَقَالَ: لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَهُمْ
لَقَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَلَقَسَمْتُ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَشَرْتَ عَلَيَّ فِيهِمْ بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ» .
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقَرَظِيِّ.
قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَمَنْ كَانَ احْتَلَمَ أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ تَنْبُتْ عَانَتُهُ تُرِكَ.
قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَيَّ فَلْم تَكُنْ نَبَتَتْ عَانَتِي، فَتُرِكْتُ.
- قَالَ يَحْيَى: وَأَمَّا النَّضِيرُ، فَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَصَرَ وَقَطَعَ نَخْلَهُمْ فَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِعَيْشِهِمْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ إِلَى الشَّامِ.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضْرِ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ وَتَرَكَ الْعَجْوَةَ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا الشَّاعِرُ:
وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا دُونَ الْعَجْوَةِ مِنَ النَّخْلِ فَهِيَ لِينَةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] ، أَيْ: وَأَوْرَثَكُمْ أَيْضًا: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] وَهِيَ خَيْبَرُ.
- أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ

(2/712)


يَوْمَ فَتَحْنَا خَيْبَرَ، إِنَّ سَاقِي لَتُصِيبُ سَاقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَخِذِي فَخِذَهُ فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذِرِينَ، فَأَخْذَناهَا عَنْوَةً.
- وَحَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ، فَقَرَأَ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَتِ الْيَهُودُ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ وَالْخَمِيسُ قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ، فَأَخَذْنَاهَا عَنْوَةً.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا {28} وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {29} } [الأحزاب: 28-29] الْجَنَّةَ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْدِلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا.
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهِ، فَلَمْ يَكُ ذَلِكَ طَلاقًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلاقَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَجْعَلُ الْخِيَارَ إِذَا اخْتَارَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إِذَا خَيَّرَها الرَّجُلُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً.
قَالَ يَحْيَى: أَحْسَبُهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فِي قَوْلِهِ: {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] .

(2/713)


وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] ، يَعْنِي: تُجَامِعُوهُنَّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَطْلِيقَةً فَإِنَّهَا تَبِينُ بِهَا، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ خَاطِبٌ، إِنْ تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ.
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَهَذَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَحِيضُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لا تَحِيضُ وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ فَمَا لَمْ تَنْقَضِ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلا مَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ فَمَا لَمْ تَضَعِ الآخَرَ فَهُوَ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ، فَإِنِ
انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ.
قَالَ: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فَالتَّسْرِيحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلاثٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولانِ: وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنِ اخْتَارَتْهُ فَلا شَيْءَ لَهَا كَأَنَّهُمَا يَقُولانِ: إِنَّمَا يَكُونُ فِي طَلاقِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَلا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلاثًا جَمِيعًا فَإِنَّمَا خَيَّرَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَمْرُكِ
بِيَدِكِ فَفِي قَوْلِهِمَا: إِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ عَلَى هَذَا الْكَلامِ الأَوَّلِ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَرِجَالٌ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَتْ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِلا أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا مِلْكَتُهَا فِي وَاحِدَةٍ، فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ قَضَاؤُهَا فِي وَاحِدَةٍ، وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى، ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30]

(2/714)


يَعْنِي الزِّنَا: تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 30] ، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31] ، أَيْ: وَمَنْ يُطِعْ مِنْكُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا حَدَّثَنِي قُبَاثُ ابْنُ رُزَيْنٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلافٌ.
قَالَ: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الأحزاب: 31] ، يَعْنِي: الَّتِي تَقْنُتُ مِنْهُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا سَأَلَ الْحَسَنَ قَالَ: أَيْنَ يُضَاعَفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ؟ قَالَ: حَيْثُ تُؤْتَى أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ.
قَالَ يَحْيَى: تُؤْتَى أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ.
قَالَ: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} [الأحزاب: 31] ، أَيْ: وَأَعْدَدْنَا لَهَا.
{رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32] ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ، فَقَالَ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْكَلامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَلا تَكَلَّمْنَ بِالرَّفَثِ، قَالَ وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَضُ هَاهُنَا الزِّنَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّفَاقُ.

(2/715)


وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فُجُورٌ.
قَالَ: {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] ...........
{وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] .
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: هُوَ الْكَلامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَلا تَكَلَّمْنَ بِالرَّفَثِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: قِرْنَ، {وَقَرْنَ} [الأحزاب: 33] فَمَنْ قَرَأَهَا: {وَقَرْنَ} [الأحزاب: 33] فَمِنْ قِبَلِ الْقَرَارِ، وَمَنْ قَرَأَهَا: وَقِرْنَ فَمِنْ قِبَلِ الْوَقَارِ.
قَالَ: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] قَبْلَكُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، لَيْسَ يَعْنِي: أَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ: {عَادًا الأُولَى} [النجم: 50] ، أَيْ: قَبْلَكُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْجَاهِلِيَّةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا: تَكُونُ جَاهِلِيَّةً أُخْرَى.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُعْبَدَ ذُو الْخَلَصَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ الأَوْثَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تُنْفَخُ النَّفْخَةُ الأُولَى، وَمَا يُعْبَدُ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ.
قَالَ: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ} [الأحزاب: 33] الْمَفْرُوضَةَ، الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
{وَآتِينَ الزَّكَاةَ} [الأحزاب: 33] الْمَفْرُوضَةَ.

(2/716)


{وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33] فِي مَا أَمَرَكُنَّ بِهِ.
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] الشَّيْطَانَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الْمَعَاصِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرِّجْسُ، يَعْنِي: الإِثْمَ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ.
{وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] مِنَ الذُّنُوبِ، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ، وَقَالَ: كُلُّ رِجْسٍ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا هُوَ إِثْمٌ، وَالرِّجْزُ كُلُّهُ الْعَذَابُ، وَالرِّجْزُ مَرْفُوعَةٌ: الأَوْثَانُ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ عَلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ صَلاةَ الْفَجْرِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَيَقُولُ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
- وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، قَالَ: رَابَطَتِ الْمَدِينَةُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: الصَّلاةَ، ثَلاثًا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ.
قَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] وَهُوَ وَاحِدٌ.

(2/717)


وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {35} فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {36} } [الذاريات: 35-36] وَالإِسْلامُ هُوَ اسْمُ الدِّينِ.
قَالَ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وَالإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ» ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ، قَالَ: «أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ» ، قَالَ: وَأَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ، قَالَ: «الإِيمَانُ» ، قَالَ: وَمَا الإِيمَانُ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتُ» قَالَ: فَأَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ، قَالَ:
«الْهِجْرَةُ» ، قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ، قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ» ، قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ» ، قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ، قَالَ: «أَنْ تُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا لَقِيتَهُمْ ثُمَّ لا تَغُلَّ وَلا تَجْبُنْ» .
- خِدَاشٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ فِي مَلإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى سَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مِرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا، وَرَدَّ الْمَلأُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ، وَالْمِيزَانِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ آمَنْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: صَدَقْتَ.

(2/718)


ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: «الإِسْلامُ أَنْ تُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِحْسَانُ؟ فَقَالَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِلا تَكُونُ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ خَمْسٍ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ يَكُونُ قَبْلَهَا حِينَ تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَيَتَطَاوَلُ أَهْلُ الشَّاءِ فِي الْبُنْيَانِ، وَيَصِيرُ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ "، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرْفَهُ طَوِيلا ثُمَّ رَدَّ طَرْفَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، أَوْ جَاءَكُمْ يَتَعَاهَدُ دِينَكُمْ.
قَالَ: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: 35] وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَالْمُطِيعَاتِ.
قَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238] ، أَيْ: فِي صَلاتِكُمْ {قَانِتِينَ} [البقرة: 238] مُطِيعِينَ.
{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35] عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَعَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} [الأحزاب: 35] وَهُوَ الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ.
{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] ، يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.

(2/719)


{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَهُوَ مِنَ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ.
{وَالْحَافِظينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظاتِ} [الأحزاب: 35] مِمَّا لا يَحِلُّ لَهُنَّ.
{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، يَعْنِي: بِاللِّسَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَلَيْسَ فِي هَذَا الذِّكْرِ وَقْتٌ.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً} [الأحزاب: 35] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] الْجَنَّةَ.
- حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِلنِّسَاءِ لا يُذْكَرْنَ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أُزَوِّجُ نَفْسِي رَجُلا كَانَ عَبْدًا بِالأَمْسِ، وَكَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً بَعْدُ فِي
جَمِيعِ

(2/720)


الدِّينِ، لَيْسَ لأَحَدٍ خِيَارٌ عَلَى قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمِهِ.
حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَرَاهِيَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ نِكَاحَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حِينَ أَمَرَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} [الأحزاب: 36] ، يَعْنِي: فَعَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا، يَعْنِي: شَيْئًا مِنْ أَمْرِ تَزْوِيجِ زَيْنَبَ.
{أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] قَالَ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] بَيِّنًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] ، يَعْنِي: أَخْطَأَ خَطَأً طَوِيلا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] ، يَعْنِي: زَيْدًا.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 37] قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] مُظْهِرُهُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا زَيْدٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِطَلاقِهَا، فَيَتَزَوَّجُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى زَيْنَبَ زَائِرًا، فَأَبْصَرَهَا قَائِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ

(2/721)


اللَّهِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، فَرَأَى زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَوِيَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَلاقِهَا، فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا وَإِنَّهَا تُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ، فَأَمْسَكَهَا زَيْدٌ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ زَيْدًا فَقَالَ: ائْتِ زَيْنَبَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ
فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: زَيْدٌ، قَالَتْ: وَمَا حَاجَةُ زَيْدٍ إِلَيَّ وَقَدْ طَلَّقَنِي؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُتِحَ لَهُ الْبَابُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ زَيْدٌ: لا يَبْكِ اللَّهُ عَيْنَكِ، قَدْ كُنْتِ نِعْمَتَ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ: الزَّوْجَةِ، إِنْ كُنْتِ لَتَبَرِّينَ قَسَمِي وَتُطِيعِينَ أَمْرِي، وَتَتَّبِعِينَ مَسَرَّتِي، فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ
خَيْرًا مِنِّي، قَالَتْ: مَنْ لا أَبَا لَكَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَّتْ سَاجِدَةً.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37] عَيْبَ النَّاسِ أَنْ يَعِيبُوا مَا صَنَعْتَ.
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37] وَالْوَطَرُ الْحَاجَةُ.
{زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37] فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ زَعَمْتَ أَنَّ حَلِيلَةَ الابْنِ لا تَحِلُّ لِلأَبِ، وَقَدْ تَزَوَّجْتَ حَلِيلَةَ ابْنِكَ زَيْدٍ، فَقَالَ اللَّهُ: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] ، أَيْ: أَنَّ زَيْدًا كَانَ دَعِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ بِابْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] .

(2/722)


قَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا {37} مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 37-38] فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي زَيْنَبَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِذْ زَوَّجَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَطَوَّعَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ.
قَالَ: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 38] ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ حَرَجٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أُحْلِلَتْ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ، وَلِسُلَيْمَانَ ثَلاثُ مِائَةِ امْرَأَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سَرِيَّةٍ.
قَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] قَالَ: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39] حَفِيظًا لأَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ بِأَبِي زَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ دَعِيًّا لَهُ.
قَالَ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لا تَقُولُوا: لا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ، وَقُولُوا: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلا نَبِيَّ بَعْدِي وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ» .
- وَحَدَّثَنِي قُرَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

(2/723)


أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أُدْخِلَ يَدِي فَأَمَسَّ الْخَاتَمَ فَأَذِنَ لِي.
فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جُرُبَّانِ قَمِيصِهِ، وَإِنَّهُ لَيَدْعُو لِي فَمَا مَنَعَهُ وَأَنَا أَلْمَسُهُ أَنْ دَعَا لِي، قَالَ: فَوَجَدْتُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلَ السِّلْعَةِ.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] يَعْنِي بِاللِّسَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ وَهُوَ تَطَوُّعٌ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، أَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ.
فَقَالَ أَبُو بَحْرِيَّةَ: قَدْ قَالَ ذَاكَ أَخُوكُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ قَطُّ عَمَلا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ.
- خِدَاشٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَهُ إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً} [الأحزاب: 42] لِصَلاةِ الْغَدَاةِ.
{وَأَصِيلا} [الأحزاب: 42] صَلاةَ الظُّهْرِ وَصَلاةَ الْعَصْرِ.
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ.

(2/724)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلاةُ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَصَلاةُ الْمَلائِكَةِ الاسْتِغْفَارُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ لَكُمْ إِذَا أَطَعْتُمُوهُ، قَالَ: {وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ، يَغْفِرُ لَكُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَكُمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ لِمُوسَى: سَلْ لَنَا رَبَّكَ هَلْ يُصَلِّي لَعَلَّنَا نُصَلِّي بِصَلاةِ رَبِّنَا، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، أَنِّي أَنَّمَا أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ لِتُبْلِغَهُمْ عَنِّي وَتُبْلِغَنِي عَنْهُمْ، قَالَ: يَقُولُونَ يَا رَبِّ مَا قَدْ سَمِعْتَ، يَقُولُونَ: سَلْ لَنَا رَبَّكَ هَلْ يُصَلِّي لَعَلَّنَا نُصَلِّي بِصَلاةِ رَبِّنَا، قَالَ: فَأَخْبِرْهُمْ عَنِّي أَنِّي أُصَلِّي، وَأَنَّ
صَلاتِي عَلَيْهِمْ: لِتَسْبِقَ رَحْمَتِي غَضَبِي وَلَوْلا ذَلِكَ لَهَلَكُوا.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الإِيمَانِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] مِنَ الضَّلالَةِ إِلَى الْهُدَى.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعْصِمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الضَّلالَةِ، وَقَالَ هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ كَذَا وَكَذَا لأَمْرٍ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ، صَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: 44] تُحَيِّيهِمُ الْمَلائِكَةُ عَنِ اللَّهِ بِالسَّلامِ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا} [الأحزاب: 44] ثَوَابًا.
{كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45] عَلَى أُمَّتِكَ،

(2/725)


تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فِي الآخِرَةِ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَهُمْ.
{وَمُبَشِّرًا} [الأحزاب: 45] فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] مِنَ النَّارِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ.
قَالَ: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] بِالْقُرْآنِ، الْوَحْيِ الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ.
{وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46] مُضِيئًا.
- مَنْدِلُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ الْمِلْحِ لا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلا بِهِ، وَمَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّ قَوْلِ أَصْحَابِي أَخَذْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» .
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ قَالَ: إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ يَهْتَدِي بِهَا النَّاسُ مَا بَدَتْ فَإِذَا خَفِيَتْ تَحَيَّرُوا.
قَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 48] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
قَالَ: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48] قَالَ مُجَاهِدٌ: اعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ، أَيِ: اصْبِرْ عَلَيْهِ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: 3] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ

(2/726)


قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] قَالَ يَحْيَى: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَاحِدَةً فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، يَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْهُ
وَلا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تُزَوَّجَ إِنْ شَاءَتْ مِنْ يَوْمِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ لأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فَتَعْتَدَّ مِنْ مِائَةٍ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا أَوْ أَرْخَى عَلَيْهَا سِتْرًا، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إِلا أَنْ يُفَرِّقَ الطَّلاقُ، فَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا
تَبِينُ بِالأُولَى وَلَيْسَ مَا طَلَّقَ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ، وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فَهُوَ مَنْسُوخٌ إِذَا كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا إِلا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَيَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَلا صَدَاقَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلا مُتْعَةَ لَهَا، نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {لا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ {236} وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 236-237] وَلا مَتَاعَ لَهَا إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جُعِلَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] جُعِلَ لَهَا النِّصْفُ وَلا مَتَاعَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى.

(2/727)


وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لَهَا الْمَتَاعُ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَهَا الْمَتَاعُ، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] إِلَى أَهْلِهِنَّ.
لا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ تَوَارَثَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ إِذَا طَلَّقَهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] صَدَاقَهُنَّ.
{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ} [الأحزاب: 50] ، أَيْ: وَأَحْلَلْنَا لَكَ أَيْضًا بَنَاتِ عَمِّكَ.
{وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] إِلَى قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ

(2/728)


النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] هَؤُلاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَمِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَمِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ خَالِهِ، وَبَنَاتِ خَالاتَهِ.
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] قَالَ يَحْيَى فِيمَا حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] صَدَاقَهُنَّ {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} [الأحزاب: 50] حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] هَؤُلاءِ: الْعَمَّةُ،
وَالْخَالَةُ وَنَحْوُهُنَّ، وَكَانَ يَقُولُ: يَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالاتَهِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَهُ.
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ، وَقَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] ، يَعْنِي: أَزْوَاجَهُ التِّسْعَ {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] قَالَ: قَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى أَزْوَاجِهِ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، فَأَخْبَرْتُ بِهِ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ فَقَالَ: لَوْ شَاءَ لَتَزَوَّجَ عَلَيْهِنَّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِيرًا يَخْطُبَ عَلَيْهِ جَمِيلَةَ بِنْتَ فُلانٍ بَعْدَ التِّسْعِ.
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] لا نَصْرَانِيَّاتٍ، وَلا يَهُودِيَّاتٍ، وَلا كَوَافِرَ، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنَ الأَزْوَاجِ الْمُسْلِمَاتِ غَيْرَهُنَّ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] مَقْرَأُ الْعَامَّةِ عَلَى {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ} [الأحزاب: 50] يَقُولُونَ: كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً وَأَنْ مَفْتُوحَةٌ لِمَا قَدْ كَانَ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] يَقُولُونَ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تِلْكَ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلِ
أُبَيٍّ وَقَوْلِ الْحَسَنِ، وَقَوْلِ مُجَاهِدٍ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] لا تَكُونُ

(2/729)


الْهِبَةُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ.
- وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ تَحِلَّ الْهِبَةُ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وُهِبَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَ: الْهِبَةُ لا تَكُونُ إِلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ سَمَّى سَوْطًا كَانَ صَدَاقًا.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَطَوَّعَ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ.
نَزَلَ أَمْرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] وَهِيَ بَعْدَهَا فِي التَّأْلِيفِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّج أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الْكِنْدِيَّةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، فَقَالَ نِسَاءُ نَبِيِّ اللَّهِ: لَئِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرَائِبَ مَا لَهُ فِينَا حَاجَةٌ، فَحَبَسَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
أَزْوَاجِهِ اللَّائِي عِنْدَهُ، وَأَحَلَّ لَهُ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ، وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالِ، وَالْخَالَةِ مَا شَاءَ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي مَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.

(2/730)


{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50]
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] ، يَعْنِي: الأَرْبَعَ، يَقُولُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] وَيَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمْ شَاءَ.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] أَنْ لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَصَدَاقٍ مَعْلُومٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] قَالَ: فَرِيضَةً.
قَالَ يَحْيَى: فَإِنْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ الْوَلِيُّ فَرَضِيَتْ، أَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا، فَلَهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَاقِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 50] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] يَذْكُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ لِلتَّزَوُّجِ ثُمَّ يُرْجِيهَا، أَيْ: يَتْرُكُهَا فَلا يَتَزَوَّجُهَا.
قَالَ: {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تَتَزَوَّجُ مَنْ تَشَاءُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَ لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يُعَرِّضَ بِذِكْرِهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَتْرُكَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51] يَقُولُ: لَيْسَتْ عَلَيْكَ لَهُنَّ قِسْمَةٌ، وَمَنِ

(2/731)


ابْتَغَيْتَ مِنْ نِسَائِكَ لِلْحَاجَةِ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَمْ تُرِدْ مِنْهَا الْحَاجَةَ.
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب: 51] إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.
{وَلا يَحْزَنَّ} [الأحزاب: 51] عَلَى أَنْ تَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الأُخْرَى.
{وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] مِنَ الْحَاجَةِ الَّتِي تَخُصُّ مِنْهُنَّ لِحَاجَتِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تعزل {وَتُئْوِي} [الأحزاب: 51] تُمْسِكُ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، يَعْنِي: مِنَ اللَّائِي أَحَلَّ لَهُ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] يَتَزَوَّجُ مِنْهُنَّ مَنْ شَاءَ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، يَعْنِي: نِسَاءَهُ اللَّائِي عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي: التِّسْعَ، {وَلا يَحْزَنَّ} [الأحزاب: 51] إِذَا عَرَفْنَ إِلا تَنْكِحَ عَلَيْهِنَّ.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا {51} لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 51-52] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
{وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] حُسْنُ نِسَاءِ غَيْرِ أَزْوَاجِهِ وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِمَّا سَمَّى فِي قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْكَلْبِيِّ، عَلَى وَجْهِ مَا قَالُوا.
وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: غَيْرُ نِسَائِهِ خَاصَّةً، هَذَا فِي أَزْوَاجِهِ اللَّائِي عِنْدَهُ خَاصَّةً، لا يَتَزَوَّجُ مَكَانَهُنَّ وَلا يُطَلِّقُهُنَّ.
قَالَ: {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52] يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا يَشَاءُ.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52] حَفِيظًا.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ حَفِيظًا لأَعْمَالِكُمْ.

(2/732)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] ، يَعْنِي: فَتَفَرَّقُوا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} [الأحزاب: 53] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا.
{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوْلَمَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُولِمْ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ أَدْعُو النَّاسَ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَيَأْكُلُونَ حَتَّى يَشْبَعُوا، فَجَاءَ رَجُلانِ، فَقَعَدَا مَعَ زَيْنَبَ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ يَنْتَظِرَانِ، أَظُنُّهُ، يَعْنِي: الطَّعَامَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَةِ
عَائِشَةَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَاسْتَقْرَى نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ بِمَقَالَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الْبَيْتِ، فَاسْتَحْيَى، فَرَجَعَ، وَأَنْزَل اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ يَحْتَجِبْنَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] صَنْعَتَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُتَحَيِّنِينَ حِينَهُ.

(2/733)


وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] يُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا يُؤْذِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] ، يَعْنِي: مِنَ الرِّيبَةِ وَالدَّنَسِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
قَالَ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53] قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ قَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وَقَالَ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} [الأحزاب: 54] ، يَعْنِي: مَا قَالُوا: لَوْ قَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ.
{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 54] ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَابِ فَقَالَ: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] الْمُسْلِمَاتِ.
{وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [الأحزاب: 55] وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي ذُكِرَ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحِجَابِ.
- الْمُعَلَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ: هُوَ الْجِلْبَابُ، رَخَّصَ لَهُنَّ فِي وَضْعِهِ عِنْدَ هَؤُلاءِ.

(2/734)


- حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عِيَاضٍ الْمَدَنِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أُسَايِرُ أُمَّ سَلَمَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إِذْ قَالَتْ لِي: يَا نَبْهَانُ، كَمْ بَقِيَ لِي عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ؟ قُلْتُ: أَلْفَانِ، قَالَتْ: قَطُّ؟ قُلْتُ: قَطُّ، قَالَتْ: أَهُمَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتِ: ادْفَعْهُمَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنِّي قَدْ أَعَنْتُهُ بِهِمَا فِي نِكَاحِهِ، ثُمَّ أَرْخَتِ الْحِجَابَ دُونِي، فَبَكَيْتُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَدْفَعُهُمَا
إِلَيْهِ أَبَدًا، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ وَاللَّهِ لَنْ تَرَانِي أَبَدًا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَيُّمَا مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ.
- بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَافَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مَعَ مُكَاتَبٍ لَهَا فَقَالَتْ: يَا فُلانُ عِنْدَكَ مَا تُؤَدِّي لِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَزِيَادَةٌ، فَاحْتَجَبَتْ مِنْهُ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ مَا يُؤَدِّي فَاحْتَجِبْنَ مِنْهُ» .
قَالَ: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 55] شَاهِدًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَشَاهِدًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] ، يَعْنِي: أَنَّ

(2/735)


اللَّهَ يَغْفِرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلائِكَةُ، هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] ، يَعْنِي: اسْتَغْفِرُوا لَهُ.
{وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
- حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: جَاءَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ لِي: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَفْنَا السَّلامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ".
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَالنَّضْرُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: دَفَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَدْرِي مَتَى رَأَيْتُكَ أَطْيَبَ نَفْسًا، وَلا أَشْرَقَ وَجْهًا، وَلا أَحْسَنَ بِشْرًا مِنْكَ الآنَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا يَمْنَعُنِي يَا أَبَا طَلْحَةَ، وَإِنَّمَا صَدَرَ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِي الآنَ، فَبَشَّرَنِي
بِمَا أُعْطِيَتْ أُمَّتِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي صَلَّى بِهِ عَلَيَّ ".
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ الْكَلْبِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى

(2/736)


مُحَمَّدٍ، قَالَ الْمَلَكُ: وَأَنْتَ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ.
- وَحَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا بَلَغَتْنِي صَلاتُهُ حَيْثُ كَانَ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَبْلُغُكَ صَلاتُنَا إِذَا تَضَمَّنَتْكَ الأَرْضُ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى
الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ» .
- أَشْعَثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ فَقَدْ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] هَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَيَسْتَخِفُّونَ بِحَقِّهِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ، وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَيَبْهَتُونَهُ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] بِغَيْرِ مَا جَنَوْا، هُمُ الْمُنَافِقُونَ.
{فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا} [الأحزاب: 58] كَذِبًا.
{وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] بَيِّنًا.
- حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ

(2/737)


رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ بِقَلْبِهِ، أَلا لا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلا تَغْتَابُوهُمْ، وَلا تَتَبَعَّوُا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» .
وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنِ اسْتَحْمَدَ إِلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحْمِدْ فِيهِ إِلَى اللَّهِ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلا إِنَّ فُلانًا اسْتَحْمَدَ إِلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحْمِدْ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَمَّهُ النَّاسُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُسْتَذَمَّ فِيهِ إِلَى اللَّهِ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلا إِنَّ فُلانًا ذَمَّهُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يُسْتَذَمَّ فِيهِ إِلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] وَالْجِلْبَابُ الرِّدَاءُ تُقَنَّعُ بِهِ، وَتُغَطِّي بِهِ شِقَّ وَجْهِهَا الأَيْمَنَ، تُغَطِّي عَيْنَهَا الْيُمْنَى وَأَنْفَهَا.
{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [الأحزاب: 59] أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، مُسْلِمَاتٌ عَفَائِفُ.
{فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، أَيْ: فَلا يُعْرَضُ لَهُنَّ بِالأَذَى، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يَلْتَمِسُونَ الإِمَاءَ، وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الأَمَةِ بِاللَّيْلِ فَلَقِيَ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا، فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لأَزْوَاجِهِنَّ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

(2/738)


وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ يَوْمَئِذٍ الْمُنَافِقُونَ.
- وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ.
- وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَنَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً أَخْدَامهُنَّ.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 50] ثُمَّ قَالَ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] ، يَعْنِي: الزُّنَاةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فُجُورٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ هَذِهِ وَالأُولَى.
قَالَ: {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب: 60] ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ يَرْجُفُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: يَهْلِكُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ أَذَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: عَمَّا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ حَتَّى يُظْهِرُوهُ شِرْكًا.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ.
{ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} [الأحزاب: 60] فِي الْمَدِينَةِ.
{إِلا قَلِيلا {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا {61} سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 60-62] ، أَيْ: مَنْ أَظْهَرَ الشِّرْكَ قُتِلَ، وَهَذَا إِذَا أُمِرَ النَّبِيُّونَ بِالْجِهَادِ.

(2/739)


قَالَ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب: 62] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَن السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا} [الأحزاب: 63] عِلْمُ مَجِيئِهَا.
{عِنْدَ اللَّهِ} لا يَعْلَمُ مَتَى مَجِيئُهَا إِلا اللَّهُ.
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] ، أَيْ: أَنَّهَا قَرِيبٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا {64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 64-65] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
وَ {لا يَجِدُونَ وَلِيًّا} [الأحزاب: 65] يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
{وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب: 17] يَنْصُرُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب: 66] يُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ تَجُرُّهُمُ الْمَلائِكَةُ.
{يَقُولُونَ} فِي النَّارِ.
{يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب: 66] وَإِنَّمَا صَارَتِ: الرَّسُولا، وَالسَّبِيلا لأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلامِ الْعَرَبِ إِذَا كَانَتْ مُخَاطَبَةً.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ سَادَاتِنَا وَالسَّادَةُ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالسَّادَاتُ جَمَاعَةُ الْجَمَاعَةِ.
{وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] فِي الضَّلالَةِ.
{فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا {67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا {68} } [الأحزاب: 67-68] وَقَدْ تُقْرَأُ: كَثِيرًا، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلامِ أَهْلِ

(2/740)


النَّارِ فَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَهُمُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] وَقَدْ فَسَّرْنَا مَتَى يَقُولُ ذَلِكَ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مُوسَى أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَدَخَلَ الْمَاءَ يَوْمًا وَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقُولُ: إِنَّ مُوسَى آدَرُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ يَتَنَاوَلَ ثَوْبَهُ تَدَهْدَهَتِ الصَّخْرَةُ، فَتَبِعَهَا وَهُوَ يَقُولُ: ثُوبِي، ثُوبِي، فَمَرَّ بِمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الأحزاب: 70] ، يَعْنِي: وَحِّدُوا اللَّهَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] عدلا، وَهُوَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] لا يَقْبَلُ الْعَمَلُ إِلا مِمَّنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ.
خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ عَمَلَ عَبْدٍ حَتَّى يَرْضَى قَوْلَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] وَهِيَ النَّجَاةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب: 72]

(2/741)


حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ، وَحَدَّثَنِي بِهِ إِسْرَائِيلُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الثَّوَابَ، وَالْعِقَابَ، وَالطَّاعَةَ، وَالْمَعْصِيَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: عَرَضَ الْعِبَادَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ، وَالأَرْضِ، وَالْجِبَالِ أَيَأْخُذْنَهَا بِمَا فِيهَا؟ قُلْنَ: وَمَا فِيهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتُنَّ جُوزِيتُنَّ، وَإِنْ أَسَأْتُنَّ عُوقِبْتُنَّ.
{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب: 72] وَعَرَضَها عَلَى الإِنْسَانِ، وَالإِنْسَانُ آدَمُ فَقَبِلَهَا.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الأَمَانَةُ الَّتِي حَمَلَهَا الإِنْسَانُ: الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكُ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: ثَلاثٌ مَنْ حَفِظَهُنَّ فَهُوَ عَبْدِي حَقًّا، وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ فَهُو عَدُوِّي حَقًّا، ائْتَمَنَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ عَلَى ثَلاثٍ عَلَى الصَّلاةِ، وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدْ صَلَّيْتُ، وَعَلَى الصَّوْمِ وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدْ صُمْتُ، وَعَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدِ اغْتَسَلْتُ "، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}
[الطارق: 9] .
قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا} [الأحزاب: 72] لِنَفْسِهِ.
{جَهُولا} [الأحزاب: 72] بِرَبِّهِ وَهَذَا الْمُشْرِكُ.

(2/742)


قَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 73]
حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأحزاب: 72] إِلَى قَوْلِهِ: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] .
{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 73] فَقَالَ: هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا، هُمَا اللَّذَانِ خَانَاهَا، الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ، قَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الأحزاب: 73] لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ.
{رَحِيمًا} لِلْمُؤْمِنِينَ، فَبِرَحْمَتِهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.

(2/743)