أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية [سُورَةُ ق فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ]
[قَوْله تَعَالَى فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
الْغُرُوبِ]
ٌ] وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاصْبِرْ عَلَى
مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] {وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40].
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي
الصَّحِيحِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنَّا
جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ، فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا
تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ
اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تَغْلِبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا؛ ثُمَّ قَرَأَ:
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]».
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنْ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: 40] فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ.
الرَّابِعُ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ.
(4/161)
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُ [مَنْ
قَالَ] إنَّهُ التَّسْبِيحُ، يُعَضِّدُهُ الْحَدِيثُ
الصَّحِيحُ: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إلَّا بِاَللَّهِ كُفِّرَ عَنْهُ وَغُفِرَ لَهُ».
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ فَإِنَّ
الصَّلَاةَ تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيحِ
اللَّهِ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى وَأَمَّا مَنْ قَالَ
إنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ والْعِشَاءِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ
صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْعِشَاءُ أَوْضَحُهُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَدْبَارَ السُّجُودِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى {وَأَدْبَارَ
السُّجُودِ} [ق: 40] فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ
النَّوَافِلُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ
الْأَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي
دُبُرِ الْمَكْتُوبَةِ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا
أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا
الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ».
(4/162)
[مَسْأَلَة بِمَاذَا كَانَ يَقْرَأُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي
الصُّبْحِ ق، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قَوْله تَعَالَى:
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] رَفَعَ
بِهَا صَوْتَهُ».
وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ
اللَّيْثِيَّ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفِطْرِ
وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ بِ قَ وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ».
(4/163)
|