أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي . سُورَةِ الْقَصَصِ
قَوْله تَعَالَى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى
ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِذَلِكَ فِي جَوَازِ عَقْدِ
النِّكَاحِ عَلَى مَنَافِعِ الْحُرِّ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى مَا ذَكَرُوا لِأَنَّهُ شَرَطَ مَنَافِعَهُ لَشُعَيْبَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يَشْرُطْ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ مَهْرٍ
مُسَمًّى وَشَرَطَ لِوَلِيِّهَا مَنَافِعَ الزَّوْجِ مُدَّةً
مَعْلُومَةً فهذا إنما يدل على جواز عقد مِنْ غَيْرِ
تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَشَرْطُهُ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ
الَّتِي لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ
كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ بِغَيْرِ
بَدَلٍ تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ
فَهَذَا مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ
جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَشْرُطَ لِلْوَلِيِّ
مَنْفَعَةً
وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْعُقُودِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ
(5/215)
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَضَى مُوسَى أَتَمَّ الْأَجَلَيْنِ
وَأَوْفَاهُمَا
قَوْله تَعَالَى وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ
الْآيَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
أَسْلَمُوا فَآذَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَصَفَحُوا عَنْهُمْ
يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا سَلَامُ مُتَارَكَةٍ وَلَيْسَ
بِتَحِيَّةٍ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ وَإِذا خاطَبَهُمُ
الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وقوله وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ
رَبِّي وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَجُوزُ
عَلَى جَوَازِ ابْتِدَاءِ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ السَّلَامَ يَنْصَرِفُ
عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا الْمُسَالَمَةُ الَّتِي هِيَ
الْمُتَارَكَةُ وَالثَّانِي التَّحِيَّةُ الَّتِي هِيَ دُعَاءٌ
بِالسَّلَامَةِ وَالْأَمْنِ نَحْوَ تَسْلِيمِ الْمُسْلِمِينَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتٌّ أحدهما أَنْ
يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وقَوْله تَعَالَى وَإِذا
حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ
رُدُّوها وقوله تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم
في الكفار لا تبدؤهم بالسلام وأنه إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ
أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ
قوله فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ وقال تعالى وَقَتَلْتَ
نَفْساً فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِوَكْزِهِ ثُمَّ قَالَ
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فقال بعضهم هذا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْقَتْلَ بِاللَّطْمَةِ عَمْدٌ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ
يَقُلْ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهَذَا
خَطَأٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ظَلَمْت نَفْسِي
بِإِقْدَامِي عَلَى الْوَكْزِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ وَلَا
دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ إذْ الظُّلْمُ
لَا يَخْتَصُّ بِالْقَتْلِ دُونَ الظُّلْمِ وَكَانَ صَغِيرَةً
وقَوْله تَعَالَى فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ
بِأَهْلِهِ يَسْتَدِلُّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ
لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَافِرَ بِامْرَأَتِهِ وَيَنْقُلَهَا إلَى
بَلَدٍ آخَرَ وَيُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا
وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عِنْدِي عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ
أَنْ يَكُونَ فَعَلَ برضاها آخر سورة القصص.
سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً
رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْت يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ
الصَّلَوَاتُ لِوَقْتِهِنَّ قُلْت ثُمَّ مَهْ قَالَ الْجِهَادُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ قُلْت ثُمَّ مَهْ قَالَ بِرُّ
الْوَالِدَيْنِ
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ
وَالْآيَةُ وَالْخَبَرُ يَدُلَّانِ مَعًا عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْتُلَ أَبَاهُ وَإِنْ كَانَ
مُشْرِكًا
وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ
مُشْرِكًا
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
(5/216)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)
لَا يُقْتَصُّ لِلْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ
قَوْله تَعَالَى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ
تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ الصَّلَاةُ لَا تَنْفَعُ إلَّا مَنْ
أَطَاعَهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الْقِيَامَ
بِمُوجِبَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا
بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَإِنَّمَا قِيلَ تَنْهَى عَنْ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى
أَفْعَالٍ وَأَذْكَارٍ لَا يَتَخَلَّلُهَا غَيْرُهَا مِنْ
أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْفُرُوضِ بِهَذِهِ
الْمَنْزِلَةِ فَهِيَ تَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَدْعُو إلَى
الْمَعْرُوفِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهَا
وَمُوجَبُهَا لِمَنْ قَامَ بِحَقِّهَا وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ
مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا وَقِيلَ
إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ
إنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَسْرِقُ بِالنَّهَارِ
فَقَالَ لَعَلَّ صَلَاتَهُ تَنْهَاهُ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قال حبب إلى من دنياكم ثلاث النِّسَاءُ وَالطِّيبُ
وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ
قُرَّةَ عَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ
يَرَى فِيهَا مَا تَقَرُّ عَيْنُهُ قَوْله تعالى وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَسَلْمَانُ وَمُجَاهِدٌ ذِكْرُ اللَّهِ إيَّاكُمْ
بِرَحْمَتِهِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إيَّاهُ بِطَاعَتِهِ
وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ أَيْضًا وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ
وَقَتَادَةَ ذِكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ
عَمَلِهِ وَقَالَ السُّدِّيُّ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ
أَكْبَرُ مِنْ الصَّلَاةِ
وقَوْله تَعَالَى وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قَالَ قَتَادَةُ هِيَ مَنْسُوخَةٌ
بِقَوْلِهِ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُجَادَلَةَ
أَشَدُّ مِنْ السَّيْفِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي أَنَّ
ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وقَوْله تَعَالَى
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوكُمْ فِي جِدَالِهِمْ أَوْ
غَيْرِهِ مِمَّا يَقْتَضِي الْإِغْلَاظَ لَهُمْ وَهُوَ نَحْوُ
قَوْلُهُ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بِمَنْعِ
الْجِزْيَةِ وَقِيلَ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
بِالْإِقَامَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ
عَلَيْهِمْ آخِرُ سورة العنكبوت. |