أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي سورة الروم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي
أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ رُوِيَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ
رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ هُوَ الرَّجُلُ
يَهَبُ الشَّيْءَ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ
فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يُؤْجَرُ
صَاحِبُهُ فِيهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ
زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ هُوَ الرَّجُلُ يعطى
(5/217)
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
لِيُثَابَ عَلَيْهِ وَرَوَى عَبْدُ
الْوَهَّابِ عَنْ خَالِدٍ عن عكرمة وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً
لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ قَالَ الرِّبَا ربوان
فَرِبَا حَلَالٌ وَرِبًا حَرَامٌ فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَالُ
فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى يُلْتَمَسُ بِهِ مَا هُوَ أَفْضَلُ
مِنْهُ وَرَوَى زَكَرِيَّا عن الشعبي وَما آتَيْتُمْ مِنْ
رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ قَالَ كَانَ
الرَّجُلُ يُسَافِرُ مَعَ الرَّجُلِ فَيَخِفُّ لَهُ
وَيَخْدُمُهُ فَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ
لِيَجْزِيَهُ بِذَلِكَ وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي
رَوَّادٍ عَنْ الضَّحَّاكِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً
لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ قَالَ هُوَ الرِّبَا
الْحَلَالُ الرَّجُلُ يُهْدِي لِيُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ
فَذَلِكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إثْمٌ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ
إبْرَاهِيمَ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قال لا تعط التزداد
قال أبو بكر أن يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ
فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَمَا حَرَّمَ
عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله
تَعَالَى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ لَا تَسْتَكْثِرْ عَمَلَك
فَتَمُنَّ بِهِ عَلَى رَبِّك وقَوْله تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ
قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً
يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَكُمْ ضُعَفَاءَ حَمْلًا فِي بُطُونِ
الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ أَطْفَالًا لَا تَمْلِكُونَ
لِأَنْفُسِكُمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ثُمَّ جَعَلَكُمْ
أَقْوِيَاءَ ثُمَّ أَعْطَاكُمْ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ
وَالْعَقْلِ وَالدِّرَايَةِ لِلتَّصَرُّفِ فِي اخْتِلَافِ
الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ثُمَّ جَعَلَكُمْ ضُعَفَاءَ
فِي حَالِ الشَّيْخُوخَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ
نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ وَقَوْلِهِ وَمِنْكُمْ
مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ
بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً فَيَبْقَى مَسْلُوبُ الْقُوَى
وَالْفَهْمِ كَالصَّبِيِّ بَلْ حَالُهُ دُونَ حَالِ الصَّبِيِّ
لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي زِيَادَةٍ مِنْ الْقُوَى وَالْفَهْمِ
مِنْ حِينِ الْبُلُوغِ وَكَمَالِ حَالِ الْإِنْسَانِيَّةِ
وَهَذَا يَزْدَادُ عَلَى الْبَقَاءِ ضَعْفًا وَجَهْلًا
وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرْذَلَ الْعُمُرِ
وَجَعَلَ الشَّيْبَ قَرِينًا لِلضَّعْفِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً وَهُوَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا
عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً آخر سورة الروم.
سُورَةِ لُقْمَانَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تعالى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ قَالَ
الضَّحَّاكُ ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ يَعْنِي ضَعْفَ الْوَلَدِ
عَلَى ضَعْفِ الْأُمِّ وَقِيلَ بَلْ الْمَعْنَى فيه شدة الجهد
وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ يَعْنِي فِي انْقِضَاءِ عَامَيْنِ
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً
فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ
(5/218)
يَا بُنَيَّ أَقِمِ
الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ (17)
الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَبِهِ
اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ
وقَوْله تَعَالَى يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما
أَصابَكَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اصْبِرْ عَلَى مَا
أَصَابَك مِنْ النَّاسِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّبْرِ وَإِنْ خَافَ عَلَى
النَّفْسِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ إعْطَاءَ
التَّقِيَّةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ فِي آيٍ غَيْرِهَا قَدْ
بَيَّنَّاهَا وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
قَوْله تَعَالَى وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ مَعْنَاهُ لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِك عَنْ
النَّاسِ تَكَبُّرًا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ هُوَ التشدق ومعناه
يرجع إلى الأول لأن المتشدق فِي الْكَلَامِ مُتَكَبِّرٌ
وَقِيلَ إنَّ أَصْلَ الصَّعَرِ داء يأخذ الإبل في أعناقها
ورؤسها حَتَّى يَلْوِيَ وُجُوهَهَا وَأَعْنَاقَهَا فَيُشَبِّهُ
بِهَا الرَّجُلَ الَّذِي يَلْوِي عُنُقَهُ عَنْ النَّاسِ قَالَ
الشَّاعِرُ:
وَكُنَّا إذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ
مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا
قَوْله تَعَالَى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ
تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما
وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أَبَانَ تَعَالَى
بِذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْإِحْسَانِ إلَى الْوَالِدَيْنِ
عَامٌّ فِي الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْكُفَّارِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي
ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وأكده بقوله وَصاحِبْهُما فِي
الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَسْتَحِقُّ الْقَوَدَ عَلَى أَبِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ
لَهُ إذَا قَذَفَهُ وَلَا يُحْبَسُ لَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ
وَأَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُمَا إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ إذْ
كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ الصُّحْبَةِ بِالْمَعْرُوفِ
وَفِعْلُ ضِدِّهِ يُنَافِي مُصَاحَبَتَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ
وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الْأَبَ لَا يُحْبَسُ
بِدَيْنِ ابْنِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
يَحْبِسُهُ إذَا كَانَ مُتَمَرِّدًا وقَوْله تَعَالَى
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ
إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّانَا
بِاتِّبَاعِهِمْ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وقَوْله تَعَالَى وَلا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحاً الْمَرَحُ الْبَطَرُ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ
بِنَفْسِهِ وَازْدِرَاءُ النَّاسِ وَالِاسْتِهَانَةُ بِهِمْ
فَنَهَى اللَّهُ عَنْهُ إذْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ
بِنَفْسِهِ وَأَحْوَالِهِ وَابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَمُنْتَهَاهُ
قَالَ الْحَسَنُ أَنَّى لِابْنِ آدَمَ الْكِبْرَ وَقَدْ خَرَجَ
مِنْ سَبِيلِ الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ وقَوْله تَعَالَى إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قَالَ مُجَاهِدٌ
هُوَ الْمُتَكَبِّرُ وَالْفَخُورُ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِنِعَمِ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ اسْتِصْغَارًا لَهُمْ
وَذَلِكَ مَذْمُومٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ
الشُّكْرَ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لَا التَّوَصُّلَ بِهَا إلَى
مَعَاصِيهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
ذَكَرَ نِعَمَ اللَّهِ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدم ولا
(5/219)
أَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ
الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)
فَخْرَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا
ذَكَرَهَا شُكْرًا لَا افْتِخَارًا
عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ
قوله تعالى وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ هُوَ السُّرْعَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ تَأَوَّلَهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخْتَالَ فِي
مِشْيَتِهِ لَا يُسْرِعُ فِيهَا فَسُرْعَةُ الْمَشْيِ تُنَافِي
الْخُيَلَاءَ وَالتَّكَبُّرَ وقَوْله تَعَالَى وَاغْضُضْ مِنْ
صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
فِيهِ أَمْرٌ بِخَفْضِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
التَّوَاضُعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى
وَجْهِ ابْتِهَارِ النَّاسِ وَإِظْهَارِ الِاسْتِخْفَافِ
بِهِمْ مَذْمُومٌ فَأَبَانَ عَنْ قُبْحِ هَذَا الْفِعْلِ
وَأَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَمِيرَ تَرْفَعُ
أَصْوَاتَهَا وَهُوَ أَنْكَرُ الْأَصْوَاتِ قَالَ مُجَاهِدٌ في
قوله أَنْكَرَ الْأَصْواتِ أَقْبَحُهَا كَمَا يُقَالُ هَذَا
وَجْهٌ مُنْكَرٌ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَأَدَّبَ
الْعِبَادَ تَزْهِيدًا لَهُمْ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ
وقَوْله تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ
مَفْهُومُ هَذَا الْخِطَابِ الْإِخْبَارُ بِمَا يَعْلَمُهُ
هُوَ دُونَ خَلْقِهِ وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا
بِإِعْلَامِهِ إيَّاهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
حَقِيقَةَ وُجُودِ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عِنْدَنَا
وَإِنْ كَانَتْ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودَهُ
وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ نَافِي حَمْلَ امْرَأَتِهِ مِنْ
نَفْسِهِ غَيْرَ قَاذِفٍ لَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا
سَلَفَ قَوْله تَعَالَى وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ
عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ اللَّهِ
فَضِيلَةً بِشَرَفِ أَبِيهِ وَلَا بِنَسَبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ
يَخْصُصْ أَحَدًا بِذَلِكَ دُونَ أَحَدٍ وَبِذَلِكَ وَرَدَ
الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي
قَوْلِهِ مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ
نَسَبُهُ
وَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا يَأْتِينِي
النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونِي بِأَنْسَابِكُمْ
فَأَقُولُ إنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا
وَقَوْلُهُ لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ مَعْنَاهُ لَا
يُغْنِي يُقَالُ جَزَيْت عَنْك إذَا أَغْنَيْت عَنْك آخِرَ
سُورَةِ لُقْمَانَ.
سُورَةُ السَّجْدَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ
حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ فِي قَوْلِهِ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ
قَالَ كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْت يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ
وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي
بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ
قَالَ لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى
مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ
(5/220)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي
يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ
أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
عَلَيْهِ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومَ
رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّك
عَلَى أَبْوَابٍ مِنْ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ
وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي
جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضاجِعِ- حتى بلغ- جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ثُمَّ
قَالَ أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ
وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْت بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ
رَأْسُهُ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ
سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا
أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْت بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ اُكْفُفْ عَلَيْك هَذَا
قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا
نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ ثَكِلَتْك أُمُّك يَا مُعَاذُ وَهَلْ
يُكَبُّ النَّاسُ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ
إلَّا حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِمْ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن إسحاق قَالَ حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ تَلَا قَتَادَةُ فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَدْت لِعِبَادِي
الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ
وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قال للذين تتجافى
جنوبهم عن المضاجع مالا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ
وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ تَلَا فَلا تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ وَرُوِيَ
عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضاجِعِ قَالَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ كانوا يتنفلون بَيْنَ
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً إنَّهُمْ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ بِالدُّعَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَالَ قَتَادَةُ
خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَطَمَعًا فِي رَحْمَةِ الله مما
رزقناهم ينفقون فِي طَاعَةِ اللَّهِ آخِرَ سُورَةِ
السَّجْدَةِ. |