أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي سُورَةِ الطُّورِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الْأَحْوَصِ وَمُجَاهِدٌ حِينَ
تَقُومُ مِنْ كُلِّ مَكَان سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ
إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك وَرَوَى عَلِيُّ
بْنُ هَاشِمٍ قَالَ سُئِلَ الْأَعْمَشُ أَكَانَ إبْرَاهِيمُ
يَسْتَحِبُّ إذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْ يَقُولَ
سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ
أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك قَالَ مَا كَانَ يَسْتَحِبُّ
أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ سُنَّةً وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنْ عُمَرَ
يَعْنِي بِهِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ قَالَ أبو بكر يعنى به
قوله سبحانك الله وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك إلَى آخِرِهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَنَامِك قَالَ
أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمُومًا فِي جَمِيعِ مَا
رُوِيَ مِنْ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْله تَعَالَى
وَإِدْبارَ النُّجُومِ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْهَا
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَا
الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فيها
(5/296)
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى (3)
وَرَوَى عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ إلَى شَيْءٍ مِنْ
النَّوَافِلِ إسْرَاعَهُ إلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا إلَى
غَنِيمَةٍ
وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ وَاجِبَتَانِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَدَعُوهُمَا فَإِنَّ
فِيهِمَا الرَّغَائِبَ
وَقَالَ لا تدعو هما وَإِنْ طَرَقَتْكُمْ الْخَيْلُ
آخِرُ سُورَةِ الطُّورِ.
سُورَةُ النجم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى
يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوَادِثِ مِنْ
جِهَةِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحى وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لِأَنَّ اجْتِهَادَ
الرَّأْيِ إذَا صَدَرَ عَنْ الْوَحْيِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ
مُوجِبَهُ وَمَا أَدَّى إلَيْهِ أَنَّهُ عَنْ وَحْيٍ
وقَوْله تعالى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ
الْمُنْتَهى رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ
وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ قَالُوا رَأَى جِبْرِيلَ فِي
صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ
بِقَلْبِهِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْعِلْمِ وَعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي
السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُجُ
إلَى السَّمَاءِ وَقِيلَ سَمَّيْتُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى
لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ
الْحَسَنُ جَنَّةُ الْمَأْوَى هِيَ الَّتِي يَصِيرُ إلَيْهَا
أَهْلُ الْجَنَّةِ
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَعِدَ إلَى
السَّمَاءِ وَإِلَى الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ
الْمَأْوى
وقَوْله تَعَالَى إِلَّا اللَّمَمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رِوَايَةً لَمْ أَرَ أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى ابْنِ
آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ
فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وزنا اللسان النطق
وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ
ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
النَّظْرَةُ وَالْغَمْزَةُ وَالْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ
فَإِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَهُوَ الزِّنَا وَوَجَبَ
الْغُسْلُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا إنَّ اللَّمَمَ
النِّكَاحُ وَعَنْهُ أَيْضًا إنَّ اللَّمَّةَ مِنْ الزِّنَا
ثُمَّ يَتُوبُ فَلَا يَعُودُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً
اللَّمَمُ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ
الْآخِرَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا رِوَايَةً هُوَ
الَّذِي يُلِمُّ بِالْمَرْأَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ اللَّمَمُ مَا
دُونَ الْجِمَاعِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَنْ تُصِيبَ الذَّنْبَ
ثُمَّ تَتُوبَ
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ اللَّهُمَّ إنْ تَغْفِرْ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ
عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا
وَيُقَالُ إنَّ اللَّمَمَ هُوَ الْهَمُّ بِالْخَطِيئَةِ مِنْ
جِهَةِ حَدِيثِ النَّفْسِ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَيْهَا
وَقِيلَ إنَّ اللَّمَمَ
(5/297)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ
بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
مُقَارِبَةُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِيهِ يُقَالُ
أَلَمَّ بِالشَّيْءِ إلْمَامًا إذَا قَارَبَهُ وَقِيلَ إنَّ
اللَّمَمَ الصَّغِيرُ مِنْ الذُّنُوب لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ
تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ
عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
وقَوْله تَعَالَى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى هُوَ
كَقَوْلِهِ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى
نَفْسِهِ
وَكَقَوْلِهِ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها
وقَوْله تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى
فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ
تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ فِي إبْطَالِ الْحَجْرِ
عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ
وقَوْله تَعَالَى وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى قَالَ أَبُو بَكْرٍ
لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اسم للجنس
اسْتَوْعَبَ الْجَمِيعَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يخلوا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَأَنَّ
الْخُنْثَى وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ لَا يَخْلُو
مِنْ أَحَدِهِمَا وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنَّ
الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ إنَّمَا يَكُونُ مَا دَامَ صَغِيرًا
فَإِذَا بَلَغَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ
عَلَامَةُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ
عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ آخِرُ سُورَةِ النجم. |