أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي

سورة القمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْلِبُ الْعَادَاتِ بِمِثْلِهِ إلَّا لِيَجْعَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى انْشِقَاقَ الْقَمَرِ عَشَرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ فِي آخَرِينَ كرهت ذكر أسانيدها للإطالة فإن قيل معناها سَيَنْشَقُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ قِيلَ لَهُ هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ لَمَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِغَيْمٍ أَوْ يَشْغَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ لِضَرْبٍ مِنْ التَّدْبِيرِ وَلِئَلَّا يَدَّعِيَهُ بَعْضُ الْمُتَنَبِّئِينَ فِي الْآفَاقِ لِنَفْسِهِ فَأَظْهَرَهُ لِلْحَاضِرَيْنِ عِنْدَ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ واحتجاجه عليهم
قوله تعالى وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ الآية تدل عَلَى جَوَازِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا شِرْبَ الْمَاءِ يَوْمًا لِلنَّاقَةِ وَيَوْمًا لَهُمْ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِنَّمَا هِيَ مُهَايَأَةٌ عَلَى الْمَاءِ لَا قِسْمَةُ الْأَصْلِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِذَلِكَ فِي جَوَازِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى الْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى

(5/298)


وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)

أَنَّهُ كَانَ يَرَى شَرَائِعَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ثَابِتَةً مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا آخر سورة القمر.

سُورَةِ الرَّحْمَنِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تعالى وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ الْعَصْفَ التِّبْنُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ الرَّيْحَانُ الْوَرَقُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ الرَّيْحَانَ الْحَبُّ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُرَادًا لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الرَّيْحَانِ أَنَّهُ الْمَشْمُومُ وَلَمَّا عَطَفَ الرَّيْحَانَ عَلَى الْحَبِّ ذِي الْعَصْفِ وَالْعَصْفُ هُوَ سَاقُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّيْحَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ لَهُ سَاقٌ وَذَلِكَ نَحْوُ الضَّيْمَرَانِ وَالنَّمَّامِ وَالْآسِ الَّذِي يُخْرِجُ وَرَقُهُ رَيْحَانًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذَا سَاقٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ
وقَوْله تَعَالَى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ مُرَادُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الملح دون العذب وهو كقوله امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
وَإِنَّمَا أُرْسِلَ مِنْ الْإِنْسِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ وَقِيلَ الْمَرْجَانُ الْمُخْتَلِطُ مِنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ مَرَجْت أَيْ خَلَطْت وَقِيلَ إنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْقُضْبَانِ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَذْبَ وَالْمِلْحَ يَلْتَقِيَانِ فَيَكُونُ الْعَذْبُ لِقَاحًا لِلْمِلْحِ كَمَا يُقَالُ يَخْرُجُ الْوَلَدُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا تَلِدُهُ الْأُنْثَى وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا جَاءَ الْقَطْرُ مِنْ السَّمَاءِ تَفَتَّحَتْ الْأَصْدَافُ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ
وقَوْله تَعَالَى فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ رُوِيَ أَنَّهَا تَحْمَرُّ وَتَذُوبُ كَالدُّهْنِ رُوِيَ أَنَّ سَمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حَدِيدٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صَارَتْ مِنْ الْخُضْرَةِ إلَى الِاحْمِرَارِ مِنْ حر جَهَنَّمَ كَالْحَدِيدِ إذَا أُحْمِيَ بِالنَّارِ
وقَوْله تَعَالَى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قيل فيه لا يسئل سُؤَالَ اسْتِفْهَامٍ لَكِنْ سُؤَالَ تَقْرِيرٍ وَتَوْقِيفٍ وَقِيلَ فِيهِ لَا يُسْأَلُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالٍ حُضُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الدَّهَشِ وَالذُّهُولِ ثم يسئلون فِي وَقْتٍ آخَرَ
وقَوْله تَعَالَى فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ يُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الرُّطَبَ والرمان ليس مِنْ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَمَفْهُومُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لِضَرْبٍ مِنْ التَّعْظِيمِ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ

(5/299)


تَعَالَى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ آخر سورة الرحمن.