أحكام القرآن للجصاص ط العلمية
ومن سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} الطهور
على وجه المبالغة في الوصف له بالطهارة وتطهير غيره، فهو طاهر مطهر،
كما يقال: رجل ضروب وقتول أي يضرب ويقتل وهو مبالغة في الوصف له بذلك.
والوضوء يسمى طهورا; لأنه يطهر من الحدث المانع من الصلاة، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" أي بما يطهر، وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" فسماه طهورا
من حيث استباح به الصلاة وقام مقام الماء فيه.
وقد اختلف في حكم الماء على ثلاثة أنحاء: أحدها: إذا خالط الماء غيره
من الأشياء، الطاهرة. والثاني: إذا خالطه نجاسة. والثالث: الماء
المستعمل; فقال أصحابنا: "إذا لم تخالطه نجاسة ولم يغلب عليه غيره حتى
يزيل عنه اسم الماء لأجل الغلبة ولم يستعمل لطهارة البدن فالوضوء به
جائز فإن غلب عليه غيره حتى يزيل عنه اسم الماء مثل المرق وماء
الباقلاء والخل ونحوه، فإن الوضوء به غير جائز، وما طبخ بالماء ليكون
أنقى له نحو الأشنان والصابون فالوضوء به جائز إلا أن يكون مثل السويق
المخلوط فلا يجزي، وكذلك إن وقع فيه زعفران أو شيء مما يصبغ بصبغه وغير
لونه فالوضوء به جائز لأجل غلبة الماء". وقال مالك، "لا يتوضأ بالماء
الذي يبل فيه الخبز". وقال الحسن بن صالح: "إذا توضأ بزردج أو نشاسبتج
أو بخل أجزأه، وكذلك كل شيء غير لونه". وقال الشافعي: "إذا بل فيه خبزا
وغير ذلك مما لا يقع عليه اسم ماء مطلق حتى يضاف إلى ما خالطه وخرج منه
فلا يجوز التطهر به وكذلك الماء الذي غلب عليه الزعفران أو الأشنان";
وكثير من أصحابه يشرط فيه أن يكون بعض الغسل بغير الماء.
قال أبو بكر: الأصل فيه قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] إلى قوله: {فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] فيه الدلالة من وجهين على قولنا: أحدهما:
أن قوله: {فَاغْسِلُوا} عموم في سائر المائعات بجواز إطلاق اسم
(3/437)
الغسل
فيها. والثاني: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ولا يمتنع أحد من
إطلاق القول بأن هذا فيه ماء وإن خالطه غيره، وإنما أباح الله تعالى
التيمم عند عدم كل جزء من ماء; لأن قوله "ماء" اسم منكور يتناول كل جزء
منه; وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل
ميتته" ، وظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره لإطلاق النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك فيه، وأباح الوضوء بسؤر الهرة وسؤر الحائض وإن
خالطهما شيء من لعابهما وأيضا لا خلاف في جواز الوضوء بماء المد والسيل
مع تغير لونه بمخالطة الطين له وما يكون في الصحارى من الحشيش والنبات،
ومن أجل مخالطة ذلك له يرى متغيرا إلى السواد تارة وإلى الحمرة والصفرة
أخرى، فصار ذلك أصلا في جميع ما خالطه الماء إذا لم يغلب عليه فيسلبه
اسم الماء.
فإن قيل: إذا كان الماء المنفرد عن غيره لو استعمله للطهارة ولم يكفه
ثم اختلط به غيره فكفاه بالذي خالطه نحو ماء الورد والزعفران فقد حصل
بعض وضوئه بما لا تجوز الطهارة به مما لو أفرده لم يطهر، فلا فرق بين
اختلاطه بالماء وبين إفراده بالغسل. قيل له: هذا غلط من وجوه: أحدها:
أن ما خالطه من هذه الأشياء الطاهرة التي يجوز استعمالها لغير الطهارة
إذا كان قليلا سقط حكمه وكان الحكم لما غلب، ألا ترى أن اللبن الذي
خالطه ماء يسير لا يزول عنه اسم اللبن وأن من شرب من جب قد وقعت فيه
قطرة من خمر لا يقال له: شارب خمر، ولم يجب عليه الحد; لأن ذلك الجزء
قد صار مستهلكا فيه فسقط حكمه؟ كذلك الماء إذا كان هو الغالب والجزء
الذي خالطه إذا كان يسيرا سقط حكمه. ومن جهة أخرى أنه إن كانت العلة ما
ذكرت فينبغي أن يجوز إذا كان الماء الذي استعمله لو انفرد عما خالطه
كان كافيا لطهارته; إذ لا فرق بين انفراد الماء في الاستعمال وبين
اختلاطه بما لا يوجب تنجيسه، فإذا كان لو استعمل الماء منفردا عما
خالطه من اللبن وماء الولد ونحوه وكان طهورا، وجب أن يكون ذلك حكمه إذا
خالطه غيره; لأن مخالطة غيره له لا تخرجه من أن يكون مستعملا للماء
المفروض به الطهارة; فهذا الذي ذكرته يدل على بطلان قولك وهدم أصلك.
وأيضا فينبغي أن تجيزه; إذ أكثر غسل أعضائه بذلك الماء; لأنه قد استعمل
من الماء في أعضاء الوضوء ما لو انفرد بنفسه كان كافياً.
فإن قيل: قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُوراً} فجعل الماء المنزل من السماء طهورا. فإذا خالطه غيره فليس هو
المنزل من السماء بعينه فلا يكون طهورا، قيل له: مخالطة غيره له لا
تخرجه من أن يكون الماء هو المنزل من السماء ألا ترى أن اختلاط الطين
بماء السيل لم يخرجه من أن يكون الماء الذي فيه هو المنزل بعينه وإن لم
(3/438)
يكن وقت
نزوله من السماء مخالطا للطين؟ وكذلك ماء البحر لم ينزل من السماء على
هذه الهيئة والوضوء به جائز; لأن الغالب عليه هو الماء المنزل من
السماء، فهو إذا مع اختلاط غيره به متطهر بالماء الذي أنزله الله من
السماء وسماه طهورا.
فإن قيل: فيجب على هذا جواز الوضوء بالماء الذي خالطته نجاسة يسيرة;
لأنه لم يخرج بمخالطته النجاسة إياه من أن يكون هذا الماء هو المنزل من
السماء. قيل له: الماء المخالط للنجاسة هو باق بحاله لم يصر نجس العين،
فلو لم يكن هناك إلا مخالطة غيره له لما منعنا الوضوء به ولكنا منعنا
الطهارة به مع كونه ماء منزلا من السماء من قبل أنه لا نصل إلى
استعماله إلا باستعمال جزء من النجاسة، واستعمال النجاسة محظور، فإنما
منعنا استعمال النجاسة وليس بمحظور علينا استعمال الأشياء الطاهرة وإن
خالطت الماء، فإذا حصل معه استعمال الماء للطهارة جاز، كمن توضأ بماء
القراح ثم مسح وجهه بماء الورد أو بماء الزعفران فلا يبطل ذلك طهارته.
وقد أجاز الشافعي الوضوء بما ألقي فيه كافور أو عنبر وهو يوجد منه ريحه
وبما خالطه ورد يسير، وإن وقع مثله من النجاسة في أقل من قلتين لم يجز
استعماله فليس قياس النجاسة قياس الأشياء الطاهرة إذا خالطت الماء.
فإن قيل: يلزمك أن تجيز الوضوء بالماء الذي يخالطه ما يغلب عليه شيء من
الأشياء الطاهرة إذا كان الماء لو انفرد كفاء لوضوئه; لأنه لو انفرد
جاز ولأنه هو المنزل من السماء في حال المخالطة وإن غلب عليه غيره حتى
سلبه إطلاق اسم الماء. قيل له: لا يجب ذلك من قبل أن غلبة غيره عليه
ينقله إلى حكمه ويسقط حكم القليل معه، بدلالة أن قطرة من خمر لو وقعت
في جب ماء فشرب منه إنسان لم يقل: إنه شارب خمر ولا يجب عليه الحد، ولو
أن خمرا صب فيه ماء فمزجت به فكان الخمر هو الغالب لأطلق الناس عليه
أنه شارب خمر وكان حكمه في وجوب الحد عليه حكم شاربها صرفا غير ممزوجة.
وأما ماء الورد وماء الزعفران وعصارة الريحان والشجر فلم يمنع الوضوء
به من أجل مخالطة غيره ولكن; لأنه ليس بالماء المفروض به الطهارة ولا
يتناوله الاسم إلا بتقييد، كما سمى الله تعالى المني ماء بقوله:
{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات:20] وقال:
{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45] وليس هو من
الماء المفروض به الطهارة في شيء. وأما مذهب الحسن بن صالح في إجازته
الوضوء بالخل ونحوه، فإنه يلزمه إجازته بالمرق وبعصير العنب لو خالطه
شيء يسير من ماء، ولو جاز ذلك لجاز الوضوء بسائر المائعات من الأدهان
وغيرها، وهذا خلاف الإجماع، ولو جاز ذلك لجاز التيمم بالدقيق والأشنان
قياسا على التراب.
(3/439)
فصل
وأما الماء الذي خالطته نجاسة فإن مذهب أصحابنا فيه أن كل ما تيقنا فيه
جزءا من النجاسة أو غلب في الظن ذلك لم يجز استعماله، ولا يختلف على
هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والماء الراكد والجاري; لأن ماء
البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك
الماء الجاري. وأما اعتبار أصحابنا للغدير الذي إذا حرك أحد طرفيه لم
يتحرك الطرف الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة
الواقعة في أحد طرفيه إلى الطرف الآخر، وليس هذا كلاما في أن بعض
المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعماله وبعضها لا يجوز استعماله;
ولذلك قالوا: لا يجوز استعمال الماء الذي في الناحية التي فيها
النجاسة.
وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار في الماء الذي حلته نجاسة، فروي عن
حذيفة أنه سئل عن غدير يطرح فيه الميتة والحيض فقال: "توضئوا فإن الماء
لا يخبث". وقال ابن عباس في الجنب يدخل الحمام: "إن الماء لا يجنب".
وقال أبو هريرة رواية في الماء ترده السباع والكلاب فقال: "الماء لا
يتنجس". وقال ابن المسيب: "أنزل الله الماء طهورا لا ينجسه شيء". وقال
الحسن والزهري في البول في الماء: "لا ينجس ما لم يغيره بريح أو لون أو
طعم". وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى: "الماء لا ينجسه شيء"،
وكذلك روي عن القاسم وسالم وأبي العالية، وهو قول ربيعة. وقال أبو
هريرة رواية: "لا يخبث أربعين دلوا شيء"، وهو قول سعيد بن جبير في
رواية. وقال عبد الله بن عمر: "إذا كان الماء أربعين قلة لم ينجسه
شيء". وروي عن ابن عباس أنه قال: "الحوض لا يغتسل فيه جنب إلا أن يكون
فيه أربعون غربا"، وهو قول محمد بن كعب القرظي. وقال مسروق والنخعي
وابن سيرين: "إذا كان الماء كرا لم ينجسه شيء". وقال سعيد بن جبير:
"الماء الراكد لا ينجسه شيء إذا كان قدر ثلاث قلال". وقال مجاهد: "إذا
كان الماء قلتين لم ينجسه شيء". وقال عبيد بن عمير: "لو أن قطرة من
مسكر قطرت في قربة من الماء لحرم ذلك الماء على أهله". وقال مالك
والأوزاعي: "لا يفسد الماء بالنجاسة إلا أن يتغير طعمه أو ريحه" وقد
ذكر عن مالك مسائل في موت الدجاجة في البئر: "أنها تنزف إلا أن تغلبهم،
ويعيد الصلاة من توضأ به ما دام في الوقت" وهذا عنده استحباب، وكذلك
يقول أصحابه: إن كل موضع يقول فيه مالك: إنه يعيد في الوقت هو استحباب
ليس بإيجاب. وقال في الحوض إذا اغتسل فيه جنب: "أفسده"، وهذا أيضا عنده
استحباب لترك استعماله، وإن توضأ به أجزأه. وكره الليث للجنب أن يغتسل
في البئر. وقال الحسن بن صالح: "لا بأس أن يغتسل الجنب في الماء
(3/440)
الراكد
الكثير القائم في النهر والسبخة" وكره الوضوء بالماء بالفلاة إذا كان
أقل من قدر الكر; وروي نحوه عن علقمة وابن سيرين; والكر عندهم ثلاثة
آلاف رطل ومائتا رطل. وقال الشافعي: "إذا كان الماء قلتين بقلال هجر لم
ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه، وإن كان أقل يتنجس بوقوع النجاسة
اليسيرة".
والذي يحتج به لقول أصحابنا قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والنجاسات لا محالة من الخبائث، وقال:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} [البقرة: 173]
وقال في الخمر {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}
[المائدة: 90] ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما
ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما كان لا يستبرئ من البول والآخر
كان يمشي بالنميمة" ، فحرم الله هذه الأشياء تحريما مبهما ولم يفرق بين
حال انفرادها واختلاطها بالماء، فوجب تحريم استعمال كل ما تيقنا فيه
جزءا من النجاسة، ويكون جهة الحظر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة
من طريق الماء المباح في الأصل; لأنه متى اجتمع في شيء جهة الحظر وجهة
الإباحة فجهة الحظر أولى، ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما
فيها مائة جزء وللآخر جزء واحد أن جهة الحظر فيها أولى من جهة الإباحة
وأنه غير جائز لواحد منهما وطؤها؟.
فإن قيل: لم غلبت جهة الحظر في النجاسة على جهة الإيجاب في استعمال
الماء الذي قد حلته نجاسة إذا لم تجد ماء غيره؟ ومعلوم أن استعماله في
هذه الحال واجب إذا لزمه فرض أداء الصلاة، وإنما اجتمع ههنا جهة الحظر
وجهة الإيجاب. قيل له: قولك: إنه قد اجتمع فيه جهة الحظر وجهة الإيجاب
خطأ; لأنه إنما يجب استعمال الماء الذي لا نجاسة فيه، فأما ما فيه
نجاسة فلم يلزمه استعماله.
فإن قيل: إنما يلزمه اجتناب النجاسة إذا كانت متجردة بنفسها، فأما إذا
كانت مخالطة للماء فليس عليه اجتنابها. قيل له: عموم ما ذكرنا من الآي
والسنن قاض بلزوم اجتنابها في حالة الانفراد والاختلاط، ومن ادعى تخصيص
شيء منه لم يجز له ذلك إلا بدلالة. وأيضا فإذا كان واجدا لماء غيره لم
تخالطه نجاسة فليس بواجب عليه استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وأكثر
ما فيه عند مخالفنا جواز استعماله على وجه الإباحة، وما ذكرناه من لزوم
اجتناب النجاسة يوجب الحظر، والإباحة والحظر متى اجتمعا فالحكم للحظر
على ما بينا، وإذا صح ذلك وكان واجدا لماء غيره وجب أن يكون ذلك حكمه
إذا لم يجد غيره لوجهين: أحدهما: لزوم استعمال الآي الحاظرة لاستعمال
النجاسات، فثبت بذلك أن الحظر قد تناولها في حال اختلاطها به كهو في
حال انفرادها. والثاني: أن أحدا لم يفرق بين حال وجود ماء غيره وبينه
إذا لم يجد غيره، فإذا صح لنا ذلك في حال
(3/441)
وجود ماء
غيره كانت الحال الأخرى مثله لاتفاق الجميع على امتناع الفصل بينهما
ووجه آخر يوجب أن يكون لزوم اجتناب النجاسة أولى من وجوب استعمال الماء
الذي هي فيه، لعموم قوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إذا لم يجد ماء
غيره; وهو أن تحريم استعمال النجاسة متعلق بعينها، ألا ترى أنه ما من
نجاسة إلا وعلينا اجتنابها وترك استعمالها إذا كانت منفردة، والماء
الذي لا نجد غيره لم يتعين فيه لزوم الاستعمال؟ ألا ترى أنه لو أعطاه
إنسان ماء غيره أو غصبه فتوضأ به كانت طهارته صحيحة؟ فلما لم يتعين فرض
طهارته بذلك وتعين عليه حظر استعمال النجاسة صار للزوم اجتناب النجاسة
مزية على وجوب استعمال الماء الذي لا يجد غيره إذا كانت فيه نجاسة،
فوجب أن يكون العموم الموجب لاجتنابها أولى. وأيضا لا نعلم خلافا بين
الفقهاء في سائر المائعات إذا خالطه اليسير من النجاسات، كاللبن
والأدهان والخل ونحوه، وإن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير وأنه محظور
عليه أكل ذلك وشربه، والدلالة من هذا الأصل على ما ذكرناه من وجهين:
أحدهما: لزوم اجتناب النجاسات بالعموم الذي قدمنا في حالي المخالطة
والانفراد. والآخر: أن حكم الحظر وهو النجاسة كان أغلب في حكم الإباحة
وهو الذي خالطه من الأشياء الطاهرة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الذي
خالطه من ذلك ماء أو غيره،; إذ كان عموم الآي والسنن شاملة له، وإذا
كان المعنى وجود النجاسة فيه حظر استعماله. ويدل على صحة قولنا من جهة
السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم
يغتسل فيه من جنابة". وفي لفظ آخر: "ولا يغتسل فيه من جنابة". ومعلوم
أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير طعمه ولا لونه ولا رائحته،
ومنع النبي صلى الله عليه وسلم منه.
فإن قيل: إنما منع البول القليل; لأنه لو أبيح لكل أحد لكثر حتى يتغير
طعمه أو لونه أو رائحته فيفسد. قيل له: ظاهر نهيه يقتضي أن يكون القليل
منهيا عنه لنفسه لا لغيره، وفي حمله على أنه ليس بمنهي عنه لنفسه وأنه
إنما منع لئلا يفسد لغيره إثبات معنى غير مذكور في اللفظ ولا دلالة
عليه وإسقاط حكم المذكور في نفسه. وعلى أنه متى حمل على ذلك زالت
فائدته وسقط حكمه لعلمنا بأن ما غير من النجاسات طعم الماء أو لونه أو
رائحته محظور استعماله بغير هذا الخبر من النصوص والإجماع، فيؤدي ذلك
إلى إسقاط حكمه رأسا; وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في
الماء الدائم ثم يغتسل فيه من جنابة" فمنع البائل الاغتسال فيه بعد
البول قبل أن يصير إلى حال التغير. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها الإناء
فإنه لا يدري أين باتت يده" فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من
موضع الاستنجاء، ومعلوم أن مثلها إذا حلت الماء لم يغيره، ولولا أنها
تفسده لما كان للأمر بالاحتياط منها
(3/442)
معنى،
وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة ولوغ الكلب بقوله: "طهور إناء
أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعاً"، وهو لا يغيره.
فإن قيل: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلى قوله
تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] وقوله تعالى: {وَلا
جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]
يدل من وجهين على جواز استعماله وإن كانت فيه نجاسة: أحدهما: عموم قوله
تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] أن ذلك يقتضي جوازه بماء
حلته النجاسة وبما لم تحله والوجه الآخر: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا
مَاءً} [المائدة: 6] ولا يمتنع أحد من إطلاق القول بأن هذا ماء إذا
كانت فيه نجاسة يسيرة لم تغيره; وهذا يعارض ما استدللتم به من عموم
الآي والأخبار في حظر استعماله ماء خالطته نجاسة قيل له: لو تعارض
العمومان لكان ما ذكرنا أولى من تضمنه من الحظر، والإباحة والحظر متى
اجتمعا كان الحكم للحظر. وعلى أن ما ذكرنا من حظر استعمال النجاسة قاض
على ما ذكرت من العموم، فوجب أن يكون الغسل مأمورا بماء لا نجاسة فيه.
ألا ترى أنه إذا غيرته كان محظورا وعموم إيجاب الحظر مستعمل فيه دون
عموم الأمر بالغسل؟ وكما قضى حظره لاستعمال النجاسات على قوله:
{لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] فإن كان ما
حله منها يسيرا كذلك واجب أن يقضى على قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا}
[المائدة: 6] وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6].
واحتج من أباح ذلك بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُوراً} وقوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقوله صلى الله عليه وسلم: "هو
الطهور ماؤه والحل ميتته" وصفه إياه بالتطهير يقتضي تطهير ما لاقاه.
فيقال له: معنى قوله: "طهورا" يعتوره معنيان: أحدهما: رفع الحدث وإباحة
الصلاة به. والآخر إزالة الإنجاس. فأما نجاسة موجودة فيه لم تزلها عن
نفسه فكيف يكون مطهرا لها وعلى هذا القول ينبغي أن يكون معنى قوله:
"طهورا" أنه يجعل النجاسة غير نجاسة، وهذا محال; لأن ما حله من أجزاء
الدم والخمر وسائر الخبائث لا يخرج من أن يكون إنجاسا، كما أنها إذا
ظهرت فيه لم يخرج من أن يكون أعيانها نجسة ولم يكن لمجاورة الماء إياها
حكم في تطهيرها.
فإن قيل: إذا كان الماء غالبا فلم يظهر فيه فالحكم للماء، كما لو وقعت
فيه قطرة من لبن أو غيره من المائعات لم يزل عنه حكم الماء لوجود
الغلبة، ولأن تلك الأجزاء مغمورة مستهلكة، فحكم النجاسة إذا حلت الماء
حكم سائر المائعات إذا خالطته. قيل له: هذا خطأ; لأن المائعات كلها لا
يختلف حكمها فيما تخالطها من الأشياء الطاهرة
(3/443)
وأن الحكم
للغالب منها دون المستهلكات المغمورة مما خالطها، وقد اتفقنا على أن
مخالطة النجاسة اليسيرة لسائر المائعات غير الماء تفسدها ولم يكن
للغلبة معها حكم بل كان الحكم لها دون الغالب عليها من غيرها، فكذلك
الماء، فإن كان الماء إنما يكون مطهرا للنجاسة لمجاورته لها فواجب أن
يطهرها بالمجاورة وإن لم يكن غامرا لها، وإن كان إنما يصير مطهرا لها
من أجل غموره لها وغلبته عليها فقد يكون سائر المائعات إذا خالطتها
نجاسة غامرة لها وغالبة عليها وكان الحكم مع ذلك للنجاسة دون ما غمرها.
ويدل على صحة قولنا ما اتفقوا عليه من تحريم استعماله عند ظهور النجاسة
فيه، فالمعنى أنه لا نصل إلى استعماله إلا باستعمال جزء من النجاسة
وأيضا العلم بوجود النجاسة فيه كمشاهدتنا لها، كما أن علمنا بوجودها في
سائر المائعات كمشاهدتنا لها بظهورها وكالنجاسة في الثوب والبدن العلم
بوجودها كمشاهدتها.
واحتج من خالف في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن بئر بضاعة وهي بئر تطرح فيه عذرة الناس ومحائض النساء
ولحوم الكلاب، فقال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" ، وبحديث أبي بصرة
عن جابر وأبي سعيد الخدري قالا: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سفر، فانتهينا إلى غدير فيه جيفة، فكففنا وكف الناس حتى أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: "استقوا فإن الماء لا ينجسه شيء"
فاستقينا وارتوينا; وبما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء" . والجواب عن ذلك أنه قد حكي عن
الواقدي أن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين; فهذا يدل على أنه
كان جاريا حاملا لما يقع فيه من الأنجاس وينقله; وجائز أن يكون سئل
عنها بعدما نظفت من الأخباث، فأخبر بطهارتها بعد النزح. وأما قصة
الغدير فجائز أن تكون الجيفة كانت في جانب منه، فأباح صلى الله عليه
وسلم الوضوء من الجانب الآخر، وهذا يدل على صحة قول أصحابنا في اعتبار
الغدير وأما حديث ابن عباس فإن أصله ما رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس
قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي
صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: إني كنت جنبا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا يجنب" والمراد أن
إدخال الجنب يده فيه لا ينجسه، فجائز أن يكون الراوي سمع ذلك فنقل
المعنى عنده دون اللفظ. ويدل على أن معناه ما وصفنا أن من مذهب ابن
عباس الحكم بتنجيس الماء بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره. وقد روى عطاء
وابن سيرين أن زنجيا مات في بئر زمزم، فأمر ابن عباس بنزحها. وروى حماد
عن إبراهيم عن ابن عباس قال: "إنما ينجس الحوض أن تقع فيه فتغتسل وأنت
جنب، فأما إذا أخذت بيدك تغتسل فلا بأس". ولو صح أيضا هذا اللفظ احتمل
أن يكون في قصة بئر بضاعة، فحذف ذكر السبب ونقل لفظ
(3/444)
النبي صلى
الله عليه وسلم. وأيضا فإن قوله: "الماء طهور لا ينجسه شيء" لا دلالة
فيه على جواز استعماله، وإنما كلامنا في جواز استعماله بعد حلول
النجاسة فيه، فليس يجوز الاعتراض به على موضع الخلاف; لأنا نقول: إن
الماء طهور لا ينجسه شيء، ومع ذلك لا يجوز استعماله إذا حلته نجاسة،
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن الماء إذا وقعت فيه نجاسة
فاستعملوه حتى تحتج به لقولك.
فإن قيل: هذا الذي ذكرت يؤدي إلى إبطال فائدته. قيل له: قد سقط
استدلالك بالظاهر إذا وصرت إلى أن تستدل بغيره، وهو أن حمله على غير
مذهبك تخلية من الفائدة، ونحن نبين أن فيه ضروبا من الفوائد غير ما
ادعيت من جواز استعماله بعد حلول النجاسة فيه، فنقول: إنه أفاد أن
الماء لا ينجس بمجاورته للنجاسة ولا يصير في حكم أعيان النجاسات،
واستفدنا به أن الثوب والبدن إذا أصابتهما نجاسة فأزيلت بموالاة صب
الماء عليها أن الباقي من الماء الذي في الثوب ليس هو في حكم الماء
الذي جاوره عين النجاسة فيلحقه حكمها; لأنه إنما جاور ما ليس ينجس في
نفسه، وإنما يلحقه حكم النجاسة بمجاورته لها; ولولا قوله صلى الله عليه
وسلم لكان جائزا أن يظن ظان أن الماء المجاور للنجاسة قد صار في حكم
عين النجاسة فينجس ما جاوره، فلا يختلف حينئذ حكم الماء الثاني والثالث
إلى العاشر وأكثر من ذلك في كون جميعه نجسا، فأبطل النبي صلى الله عليه
وسلم هذا الظن وأفاد أن الماء الذي لحقه حكم النجاسة من جهة المجاورة
لا يكون في معنى أعيان النجاسات، وأفادنا أيضا أن البئر إذا ماتت فيه
فأرة فأخرجت أن حكم النجاسة إنما لحق ما جاور الفأرة دون ما جاور هذا
الماء وأن الفأرة لم تجعله بمنزلة أعيان النجاسات; فلذلك حكمنا بتطهير
بعض ما بها.
فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرت لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم:
"الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه" معنى; لأن الماء
المجاور للنجاسة ليس بنجس في نفسه مع ظهور النجاسة فيه. قيل له: هذا
أيضا معنى صحيح غير ما ادعيت واستفدنا به فائدة أخرى غير ما استفدناه
بالخبر الذي اقتصر فيه على قوله: "الماء طهور لا ينجسه شيء" عاريا من
ذكر الاستثناء وذلك لأنه إخبار عن حال غلبة النجاسة وسقوط حكم الماء
معها فيصير الجميع في حكم أعيان النجاسات، وأفاد بذلك أن الحكم للغالب،
كما تقول في الماء إذا مازجه اللبن أو الخل: إن الحكم للأغلب; وقد
تكلمنا في هذه المسألة وفي مسألة القلتين في مواضع فأغنى عن إعادته
ههنا.
فصل
وأما الماء المستعمل فإن أصحابنا والشافعي لا يجيزون الوضوء به على
اختلاف
(3/445)
منهم في
الماء المستعمل ما هو. وقال مالك والثوري: "يجوز الوضوء به" على كراهة
من مالك له. والدليل على صحة القول الأول ما روى أبو عوانة عن داود بن
عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل
بفضل وضوء المرأة وتغتسل المرأة بفضل وضوء الرجل وليفترقا. وفضل الطهور
يتناول شيئين: ما يسيل من أعضاء المغتسل، والآخر ما يبقى في الإناء بعد
الغسل; وعمومه ينتظمها فاقتضى ذلك النهي عن الوضوء بالماء المستعمل;
لأنه فضل طهور; وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في
الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة" . وروى بكير بن عبد الله بن
الأشج عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" . ويدل عليه
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا بني عبد المطلب إن
الله كره لكم غسالة أيدي الناس" . وعن عمر أنه قال لأسلم حين أكل من
تمر الصدقة "أرأيت لو توضأ إنسان بماء أكنت شاربه؟" فدل تشبيه الصدقة
حين حرمها عليهم بغسالة أيدي الناس أن غسالة أيدي الناس لا يجوز
استعمالها. ومن جهة النظر أن الماء إذا أزيل به الحدث مشبه للماء الذي
أزيل به النجاسة من حيث استباح الصلاة بهما فلما لم تجز الطهارة بالماء
الذي أزيل به النجاسة كذلك ما أزيل به الحدث. ومن جهة أخرى وهي أن
الاستعمال قد أكسبه إضافة سلبه بها إطلاق الاسم، فصار بمنزلة الماء
الذي امتنع فيه إطلاق اسم الماء بمخالطة غيره له، والمستعمل أولى بذلك
من جهة ما تعلق به من الحكم في زوال الحدث أو حصول قربة.
فإن قيل: فلو استعمله للتبرد لم يمنع ذلك جواز استعماله للطهارة، كذلك
إذا استعمله للطهارة. قيل له: استعماله للتبرد لم يمنع إطلاق الاسم
فيه; إذ لم يتعلق به حكم، فهو كاستعماله في غسل ثوب طاهر.
واحتج من أجاز ذلك بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُوراً} وقوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [لأنفال: 11] قال: فذلك يقتضي جواز الوضوء به من
وجهين: أحدهما: أنه لما لم يكن نجسا ولم تجاوره نجاسة وجب بقاؤه على
الحال الأولى. والثاني: أن قوله: {طَهُوراً} يقتضي جواز التطهير به مرة
بعد أخرى. فيقال له: إن بقاءه على الحالة الأولى بعد الطهارة هو موضع
الخلاف، وما ذكرت من العموم فإنما هو فيما لم يستعمل فيبقى على إطلاقه،
فأما ما يتناوله الاسم مقيدا فلم يتناوله العموم. وأما قولك: "إن كونه
طهورا يقتضي جواز الطهارة به مرة بعد أخرى" فليس كذلك; لأن ذلك إنما
يذكر على جهة المبالغة في الوصف له بالطهارة أو التطهير ولا دلالة فيه
على التكرار، كما يقال: "رجل ضروب بالسيف" ويراد المبالغة في الوصف
(3/446)
بالضرب
وليس المقتضى فيه تكرار الفعل، ويقال: "رجل أكول" إذا كان يأكل كثيرا
وإن كان كله في مجلس واحد ولا يراد به تكرار الأكل; وقد بينا ذلك في
مواضع أيضا.
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ
نَسَباً وَصِهْراً} يجوز أن يريد به الماء الذي خلق منه أصل الحيوان في
قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الانبياء: 30]
وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45]
ويجوز أن يريد به النطفة التي خلق منها ولد آدم. وقوله: {فَجَعَلَهُ
نَسَباً وَصِهْراً} قال طاوس: "الرضاعة من الصهر" وقال الضحاك رواية:
"النسب الرضاع والصهر الختونة" وقال الفراء: "النسب الذي لا يحل نكاحه
والصهر النسب الذي يحل نكاحه كبنات العم". وقيل: "إن النسب ما رجع إلى
ولادة قريبة والصهر خلطة تشبه القرابة". وقال الضحاك: "النسب سبعة
أصناف" ذكروا في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:
23] إلى قوله: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] والصهر خمسة أصناف
ذكروا في قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:
23] إلى قوله: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}
[النساء: 23].
قال أبو بكر: والمتعارف في الأصهار أنهم كل ذي رحم محرم من نساء من
أضيف إليه ذلك; ولذلك قال أصحابنا فيمن أوصى لأصهار فلان أنه لكل ذي
رحم محرم لنساء فلان، وهو المتعارف من مفهوم كلام الناس، قال: والأختان
أزواج البنات وكل ذات محرم من المضاف إليه الختن، وكل ذي رحم محرم من
الأزواج أيضا; وقد يستعمل الصهر في موضع الختن فيسمون الختن صهرا، قال
الشاعر:
سميتها إذ ولدت تموت ... والقبر صهر ضامن زميت
فأقام الصهر مقام الختن، وهو محمول على المتعارف من ذلك.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}
الآية. روى شمر بن عطية عن ابن سلمة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب
فقال: يا أمير المؤمنين فاتتني الصلاة؟ فقال: "أبدل ما فاتك من ليلك في
نهارك فإن الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد
شكورا". وروى يونس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبد الله بن عتبة
أنهما أخبرا عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن جزئه أو عن شيء
منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من
الليل". وقال الحسن: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} "جعل
أحدهما خلفة للآخر إن فات من النهار شيء أدركه بالليل وكذلك لو فات من
الليل".
(3/447)
قال أبو
بكر: هذا في نحو قوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقوله
صلى الله عليه وسلم: "من نام على صلاة أو نسيها ليصلها إذا ذكرها فإن
ذلك وقتها" . وقد روي عن مجاهد في قوله: {خِلْفَةً} أحدهما أسود والآخر
أبيض. وقيل: يذهب أحدهما ويجيء الآخر.
وقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى
الْأَرْضِ هَوْناً} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد: {هَوْناً} قال:
"بالوقار والسكينة" {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلاماً} قال: "سدادا". وعن الحسن أيضا: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً} "حلماء لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم، حلموا قد براهم
الخوف كأنهم القداح، هذا نهارهم ينتشرون به في الناس" {وَالَّذِينَ
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} قال: "هذا ليلهم إذا دخل
يراوحون بين أطرافهم فهم بينهم وبين ربهم". وعن ابن عباس: {يَمْشُونَ
عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} قال: "بالتواضع لا يتكبرون".
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا
لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قال: "من أنفق درهما في معصية الله
فهو مسرف" {وَلَمْ يَقْتُرُوا} "البخل، منع حق الله" {زوَكَانَ بَيْنَ
ذَلِكَ قَوَاماً} قال: "القصد والإنفاق في طاعة الله عز وجل". وقال ابن
سيرين: "السرف إنفاقه في غير حق".
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ}
الآية. روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: جاء رجل فقال: "يا
رسول الله أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قال: ثم أي؟
قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قال: ثم أي؟ قال: "أن تزاني
بحليلة جارك"; قال: فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: {وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} إلى قوله: {أَثَاماً} .
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} . عن أبي حنيفة:
"الزور الغناء". وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] قال: "يشتري المغنية". وعن
عبد الله بن مسعود مثله. وعن مجاهد قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] قال: "الغناء وكل لعب ولهو".
وروى ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب
ورنة شيطان. وصوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان" وروى عبيد الله بن
زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "إن الله حرم علي الخمر والكوبة والغناء" . قال محمد بن
الحنفية أيضا في قوله: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} "أن لا تقف ما ليس لك
به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا".
(3/448)
قال أبو
بكر: يحتمل أن يريد به الغناء على ما تأولوه عليه، ويحتمل أيضا القول
بما لا علم للقائل به; وهو على الأمرين لعموم اللفظ. قوله تعالى:
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} قال سعيد بن جبير
ومجاهد: "إذا أوذوا مروا كراما صفحوا". وروى أبو مخزوم عن سنان:
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} قال: "إذا مروا بالرفث
كنوا". وقال الحسن: "اللغو كل المعاصي". قال السدي: هي مكية. قال أبو
بكر: يعني أنه قبل الأمر بقتال المشركين.
وقوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} قيل: "لازما ملحا
دائما"، ومنه الغريم لملازمته وإلحاحه، وإنه لمغرم بالنساء أي ملازم
لهن لا يصبر عنهن; وقال الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما وإن يعـ ... ـط جزيلا فإنه لا يبالي
وقال بشر بن أبي خازم:
يوم النسار ويوم الجفا ... ر كانا عذابا وكانا غراما
قال لنا أبو عمر غلام ثعلب: أصل الغرم اللزوم في اللغة; وذكر نحوا مما
قدمنا. ويسمى الدين غرما ومغرما; لأنه يقتضي اللزوم والمطالبة، فيقال
للطالب الغريم; لأن له اللزوم وللمطلوب غريم; لأنه يثبت عليه اللزوم;
وعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه
غرمه" يعني دينه الذي هو مرهون به. وزعم الشافعي أن الغرم الهلاك; قال
أبو عمر: وهذا خطأ في اللغة. وروي عن الحسن أنه قال: "ليس غريم إلا
مفارقا غريمه غير جهنم فإنها لا تفارق غريمها".
قوله تعالى: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قال الحسن: "قرة الأعين في الدنيا وهو
أن يرى العبد من زوجته ومن أخيه طاعة الله تعالى" وقال: "والله ما شيء
أقر لعين المسلم من أن يرى ولده أو والده أو ولد ولده أو أخاه أو حميما
مطيعا لله تعالى". وعن سلمة بن كهيل: "أقر بهم عينا أن يطيعوك". وروى
أبو أسامة عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "من رزق إيمانا وحسن خلق فذاك إمام المتقين" .
وقال مجاهد والحسن: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} "نأتم بمن
قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا". وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ
رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} قال مجاهد: ما يصنع بكم ربي وهو لا يحتاج
إليكم لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته لتنتفعوا أنتم بذلك. آخر سورة
الفرقان.
(3/449)
ومن سورة الشعراء
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} قال:
"الثناء الحسن" فاليهود تقر بنبوته وكذلك النصارى وأكثر الأمم. وقيل:
اجعل من ولدي من يقوم بالحق ويدعو إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم
والمؤمنون به.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قيل: إنما
سأل سلامة القلب; لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد، إذ
الفساد بالجوارح لا يكون إلا عن قصد فاسد بالقلب فإن اجتمع مع ذاك جهل
فقد عدم السلامة من وجهين. وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "إني لأعلم مضغة إذا صلحت صلح البدن كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا وهي القلب" .
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى قوله:
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} أخبر عن القرآن بأنه تنزيل رب
العالمين، ثم أخبر أنه في زبر الأولين; ومعلوم أنه لم يكن في زبر
الأولين بهذه اللغة فهذا مما يحتج به في أن نقله إلى لغة أخرى لا يخرجه
من أن يكون قرآنا لإطلاق الله اللفظ بأنه في زبر الأولين مع كونه فيها
بغير اللغة العربية.
وقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} روى سفيان عن
سلمة بن كهيل عن مجاهد في قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ
الْغَاوُونَ} قال: "عصاة الجن". وروى خصيف عن مجاهد: {وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قال: "الشاعران يتهاجيان فيكون لهذا أتباع
ولهذا أتباع من الغواة، فذم الله الشعراء الذين صفتهم ما ذكر وهم الذين
في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون، وشبهه بالهائم على وجهه في كل
واد يعن له لما يغلب عليه من الهوى غير مفكر في صحة ما يقول ولا فساده
ولا في عاقبة أمره". وقال ابن عباس وقتادة: {فِي كُلِّ وَادٍ
يَهِيمُونَ} "في كل لغو يخوضون، يمدحون ويذمون، يعنون الأباطيل". وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا. حتى
يريه خير له من أن يمتلئ شعرا" ومعناه الشعر المذموم الذي ذم الله
قائله في هذه الآية; لأنه قد
(3/450)
استثنى
المؤمنين منهم بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ
مَا ظُلِمُوا} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحسان: "اهجهم
ومعك روح القدس" ، وذلك موافق لقوله: {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا
ظُلِمُوا} كقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ
فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41] وقوله: {لَا
يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ
ظُلِمَ} [النساء: 148] وروى أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر لحكمة" آخر سورة الشعراء.
(3/451)
ومن سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ
هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} . من الناس من
يحتج بذلك في جواز عقد النكاح على منافع الحر; وليس فيه دلالة على ما
ذكروا; لأنه شرط منافعه لشعيب عليه السلام ولم يشرط لها مهرا، فهو
بمنزلة من تزوج امرأة بغير مهر مسمى وشرط لوليها منافع الزوج مدة
معلومة، فهذا إنما يدل على جواز عقد النكاح من غير تسمية مهر، وشرطه
للمولى ذلك يدل على أن عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها
العقد. وجائز أن يكون قد كان النكاح جائزا في تلك الشريعة بغير بدل
تستحقه المرأة، فإن كان كذلك فهذا منسوخ بشريعة النبي صلى الله عليه
وسلم ويدل على أنه قد كان جائزا في تلك الشريعة أن يشرط للولي منفعة.
ويحتج به في جواز الزيادة في العقود لقوله تعالى: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ
عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} قال ابن عباس: "قضى موسى أتم الأجلين
وأوفاهما".
قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} الآية.
قال مجاهد: "كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فآذاهم المشركون فصفحوا
عنهم، يقولون: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين". قال أبو بكر: هذا سلام
متاركة وليس بتحية، وهو نحو قوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ
قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: 63] وقوله: {وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:
46] وقال: إبراهيم {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}
[مريم: 47]. ومن الناس من يظن أن هذا يجوز على جواز ابتداء الكافر
بالسلام. وليس كذلك، لما وصفنا من أن السلام ينصرف على معنيين: أحدهما:
المسالمة التي هي المتاركة، والثاني: التحية التي هي دعاء بالسلامة
والأمن، نحو تسليم المسلمين بعضهم على بعض، وقوله صلى الله عليه وسلم:
"للمؤمن على المؤمن ست أحدها أن يسلم عليه إذا لقيه" ، وقوله تعالى:
{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ
رُدُّوهَا} [النساء: 86] وقوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ}
[يونس: 10] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكفار: "لا
تبدءوهم بالسلام و إنه إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم".
(3/452)
قوله
تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} وقال تعالى: {قَتَلْتَ
نَفْساً} فأخبر أنه قتله بوكزه; ثم قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي} فقال بعضهم: إنه يدل على أن القتل باللطمة عمد، لولا ذلك لم
يقل: إني ظلمت نفسي على الإطلاق. وهذا خطأ; لأنه يجوز أن يقول: ظلمت
نفسي بإقدامي على الوكز من غير توقيف، ولا دلالة فيه على أن القتل عمد;
إذ الظلم لا يختص بالقتل دون الظلم، وكان صغيرة.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ}
يستدل به بعضهم على أن للزوج أن يسافر بامرأته وينقلها إلى بلد آخر
ويفرق بينها وبين أبويها; ولا دلالة فيه عندي على ذلك; لأنه جائز أن
يكون فعل برضاها. آخر سورة القصص.
(3/453)
|