أحكام القرآن للجصاص ط العلمية
ومن سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} ; روي
عن ابن عباس أنه قال: "شاهد على نفسه"، وقيل: "معناه بل الإنسان على
نفسه من نفسه بصيرة جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة".
قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ، قال ابن عباس: "لو اعتذر
وقبل شهادة نفسه عليه أولى من اعتذاره". قال أبو بكر: لما احتمل اللفظ
هذه المعاني وجب حمله عليها; إذ لا تنافي في هذا، ويدل على أن قوله
مقبول على نفسه; إذ جعله الله حجة على نفسه وشاهدا عليها، ولما عبر عن
كونه شاهدا على نفسه بأنه على نفسه بصيرة دل ذلك على تأكيد أمر شهادته
على نفسه وثبوتها، فيوجب ذلك جواز عقوده وإقراره وجميع ما اعترف بلزوم
نفسه. آخر سورة القيامة.
(3/632)
ومن سورة الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} إلى قوله تعالى:
{وَأَسِيراً} عن أبي وائل: "أنه أمر بأسرى من المشركين فأمر من يطعمهم،
ثم قرأ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الآية وقال قتادة:
"كان أسيرهم يومئذ المشرك، فأخوك المسلم أحق أن تطعمه". وعن الحسن:
{وَأَسِيراً} قال: "كانوا مشركين" وقال مجاهد: "الأسير المسجون" وقال
ابن جبير وعطاء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً
وَيَتِيماً وَأَسِيراً} قالا: هم أهل القبلة وغيرهم".
قال أبو بكر: الأظهر الأسير المشرك; لأن المسلم المسجون لا يسمى أسيرا
على الإطلاق وهذه الآية تدل على أن في إطعام الأسير قربة، ويقتضي ظاهره
جواز إعطائه من سائر الصدقات; إلا أن أصحابنا لا يجيزون إعطاءه من
الزكوات وصدقات المواشي وما كان أخذه منها إلى الإمام، ويجيز أبو حنيفة
ومحمد جواز إعطائه من الكفارات ونحوها، وأبو يوسف لا يجيز دفع الصدقة
الواجبة إلا إلى المسلم، وقد بيناه فيما سلف. آخر سورة الإنسان.
(3/633)
ومن سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتاً} ، قال الشعبي: يعني أنه جعل ظهرها للأحياء وبطنها
للأموات، والكفات الضمام، فأراد أنها تضمهم في الحالين. وروى إسرائيل
عن أبي يحيى عن مجاهد: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً} قال:
"تكفت الميت فلا يرى منه شيء"; وأحياء قال: "الرجل في بيته لا يرى من
عمله شيء". قال أبو بكر: وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ودفن
شعره وسائر ما يزايله، وهذا يدل على أن شعره وشيئا من بدنه لا يجوز
بيعه ولا التصرف فيه; لأن الله قد أوجب دفنه، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "لعن الله الواصلة" وهي التي تصل شعر غيرها بشعرها، فمنع
الانتفاع به، وهو معنى ما دلت عليه الآية. وهذه الآية نظير قوله تعالى:
{ثُمَّ أَمَاتَهُ} فَأَقْبَرَهُ[عبس:21] يعني أنه جعل له قبرا". وروي
في تأويل الآية غير ذلك وعن ابن مسعود: "أنه أخذ قملة فدفنها في المسجد
في الحصى، ثم قال: قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ
كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} . وعن أبي أمامة مثله. وأخذ عبيد بن
عمير قملة عن ابن عمر فطرحها في المسجد.
قال أبو بكر: هذا التأويل لا ينفي الأول وعمومه يقتضي الجميع. آخر سورة
المرسلات.
(3/634)
|