أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي «فَرْضُ الْهِجْرَةِ «2» »
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «3» (رَحِمَهُ
اللَّهُ) : «وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
الْجِهَادَ، عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) : جِهَادَ «4» الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إذْ كَانَ
أَبَاحَهُ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ
فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: اشْتَدُّوا «5» عَلَى مَنْ
أَسْلَمَ
__________
(1) الثَّابِت بِآيَة: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ: قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ: 2- 217) .
وَقد ذهب عَطاء: إِلَى أَنَّهَا محكمَة. وَذهب ابْن عَبَّاس،
وَابْن الْمسيب، وَسليمَان بن يسَار وَقَتَادَة،
وَالْجُمْهُور- وَهُوَ الصَّحِيح-: إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَة
بقوله تَعَالَى. (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ. 9- 5) وَبِقَوْلِهِ: (وَقاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً: 9- 36) انْظُر النَّاسِخ والمنسوخ
للنحاس (ص 30- 31) . وَقَالَ فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 12)
- بعد أَن أخرج عَن عُرْوَة: أَن النَّبِي حرم الشَّهْر
الْحَرَام، حَتَّى أنزل الله:
(بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) .-. «وَكَأَنَّهُ أَرَادَ
قَول الله عز وَجل: (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) .
وَالْآيَة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي (رَحمَه الله) : أَعم فى
النّسخ وَالله أعلم» :
وَيحسن أَن تراجع كَلَامه الْآتِي عَن آيَة الْأَنْفَال: (39)
وآيتي التَّوْبَة: (5 و29) .
عقب كَلَامه عَن إِظْهَار الدَّين الإسلامى. فَلهُ نوع ارتباط
بِمَا هُنَا.
(2) وَقع هَذَا فى الأَصْل، بعد قَوْله: الْإِسْنَاد. وَقد
رَأينَا تَقْدِيمه: مُرَاعَاة لصنيعه فى بعض العناوين
الْأُخْرَى.
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 4 ص 84) .
(4) هَذَا بدل مِمَّا سبق. وفى الْأُم: «وجاهد» . وَمَا فى
الأَصْل أحسن فَتَأمل.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «استدلوا» وَهُوَ
تَحْرِيف.
(2/15)
إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا
فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(97)
مِنْهُمْ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ،
أَوْ «1» : مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ.»
فَعَذَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْهِجْرَةِ-: مِنْ الْمَفْتُونِينَ.-
فَقَالَ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ: 16- 106) «2» وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَنَّ اللَّهَ
(عَزَّ وَجَلَّ) جَعَلَ «3» لَكُمْ مَخْرَجًا.»
«وَفَرَضَ «4» عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ،
الْخُرُوجَ: إذَا «5» كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ «6» عَنْ
دِينِهِ، وَلَا يُمْنَعُ «7» . فَقَالَ فِي «8» رَجُلٍ
مِنْهُمْ تُوُفِّيَ-: تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ، فَلَمْ
يُهَاجِرْ.-: (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ «9» الْمَلائِكَةُ:
ظالِمِي)
__________
(1) أَي: أَو بَعضهم.
(2) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 14) : مَا روى فى
ذَلِك عَن عِكْرِمَة.
(3) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «جَاعل»
وَلَعَلَّه محرف.
(4) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ عطف على «فعذر» : وفى الأَصْل:
«فَفرض» .
وَمَا فى الْأُم أظهر وَأولى. [.....]
(5) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «إِذْ» وَالنَّقْص من
النَّاسِخ.
(6) فى الْأُم «يفتن» . أَي: يخْشَى عَلَيْهِ الْميل والانحراف
عَن دينه بتأثير غَيره.
(7) فِي الْأُم: «يمْتَنع» . وَكِلَاهُمَا مُشْتَقّ من المنعة
أَي: لَيْسَ لَهُ: من قومه وعصيبته مَا يحفظه من عدوان
الْغَيْر وفتنته.
(8) اقتبس هَذَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 12) بِلَفْظ:
«فى الَّذِي يفتن عَن دينه، قدر على الْهِجْرَة، فَلم يُهَاجر
حَتَّى توفى» . وراجع فِيهَا مَا روى عَن ابْن عَبَّاس:
فى سَبَب نزُول الْآيَة.
(9) كَذَا بِالْأُمِّ. وَقد ورد فى الأَصْل: مَضْرُوبا
عَلَيْهِ، ومكتوبا فَوْقه بمداد مُخْتَلف «تتوفاهم» . وَهُوَ
من صنع النَّاسِخ. وَقد ظن أَن المُرَاد آيَة النَّحْل: (28)
بِسَبَب عدم ذكر (إِن) . وَلم يتَنَبَّه إِلَى آخر الْآيَة،
وَإِلَى أَن الشَّافِعِي كثيرا مَا يقْتَصر من النَّص على
مَوضِع الشَّاهِد.
(2/16)
(أَنْفُسِهِمْ قالُوا: فِيمَ كُنْتُمْ؟
قالُوا: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) الْآيَةَ:
(4- 97) . وَأَبَانَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عُذْرَ
الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَقَالَ: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ:
مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ «1» لَا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) الْآيَةَ:
(4- 98- 99) . قَالَ: وَيُقَالُ «2» : (عَسَى) مِنْ اللَّهِ:
وَاجِبَةٌ «3» .»
«وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) : عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ-: عَلَى مَنْ
أَطَاقَهَا،- إنَّمَا هُوَ: عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ،
بِالْبَلْدَةِ «4» الَّتِي يُسْلِمُ «5» بِهَا.»
«لِأَنَّ «6» رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ: أَنْ يُقِيمُوا بِهَا،
بَعْدَ إسْلَامِهِمْ- مِنْهُمْ «7» : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَغَيْرُهُ «8» .-:
__________
(1) قَالَ ابْن عَبَّاس: «كنت وَأمي مِمَّن عذر الله» انْظُر
السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 13) ، وَالْفَتْح (ج 8 ص 177 و183)
.
(2) هَذَا إِلَخ قد ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 13) وَقد
أخرجه فِيهَا أَيْضا، عَن ابْن عَبَّاس، بِلَفْظ: «كل عَسى فى
الْقُرْآن، فهى وَاجِبَة» .
(3) فى السّنَن الْكُبْرَى: «وَاجِب» . وَكِلَاهُمَا صَحِيح
كَمَا لَا يخفى. وَالْمرَاد: أَن متعلقها لَا بُد من تحَققه
لِأَن الرَّجَاء من الله سُبْحَانَهُ محَال.
(4) فى الْأُم: «بِالْبَلَدِ الَّذِي يسلم بهَا» . وَمَا فى
الأَصْل أحسن.
(5) فى الأَصْل: «ليسلم» وَهُوَ تَحْرِيف.
(6) هَذَا إِلَى آخر الْكَلَام، مَذْكُور فِي السّنَن
الْكُبْرَى (ج 9 ص 15) .
(7) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(8) كأبى الْعَاصِ، انْظُر السّنَن الْكُبْرَى.
(2/17)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (216)
إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ. وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ:
أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ: إنْ هَاجَرْتُمْ:
فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ: فَأَنْتُمْ
كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ «1» . وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ «2»
، إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ.» . |