أحكام القرآن للطحاوي كِتَابُ الزَّكَاةِ
(1/254)
تَأْوِيلُ الزَّكَوَاتِ الْمَذْكُورَاتِ
فِي الْقُرْآنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وَقَالَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ،
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، فِي آيٍ نَظَائِرَ
لِذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا عَزَّ
وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِقْدَارَ تِلْكَ الزَّكَاةِ، وَلَا
أَوْقَاتَ وُجُوبِهَا، وَلَا الْأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ
فِيهَا، وَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا مُطْلَقًا عَامًّا عَلَى
ظَاهِرِهِ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَيَّنَ لَنَا
عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْأَمْوَالِ،
وَفِي خَاصٍّ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَفِي خَاصٍّ مِنَ النَّاسِ
فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا هَذِهِ
الزَّكَاةُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَالذَّهَبُ،
وَالْوَرِقُ وَمَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا مِنَ أَمْوَالِ
التِّجَارَاتِ، وَمِنَ الْمَوَاشِي السَّائِمَةِ مِنَ
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَأَمَّا الْمِقْدَارُ
الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ مِنَ الْوَرِقِ وَمِمَّا
حُكْمُهُ حُكْمُهُ، وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ
فَخَمْسُ أَوَاقٍ
512 - حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ
بْنُ عُمَرَ الْعَمْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
سَالِمٍ الْعَمْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى الْمَازِنِيَّ
حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ
صَدَقَةٌ "
513 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
الْمِازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
(1/255)
514 - حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا مِقْدَارُ الْأُوقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟
وَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُثْبَتًا فِي غَيْرِهِ
515 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ:
نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بَقِيعَ الْغَرْقَدِ قَالَ: فَقَالَ
لِي أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ،
وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ حَاجَتَهُمْ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ
رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا أَجِدُ مَا أَعْطِيكَ "، فَوَلَّى
الرَّجُلُ وَهُوَ مُغْضَبٌ، وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إِنَّكَ
لَتُفَضِّلُ مَنْ شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَلَّا
أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ
أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا " فَقَالَ
الْأَسْدِيُّ: فَقُلْتُ: لَلَقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ
أُوقِيَّةٍ، قَالَ: وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا،
قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيَّ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ، فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى
أَغْنَانَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأُوقِيَّةَ كَانَ وَزْنُهَا
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مَعَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ
تَنَازُعًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْوَقْتُ
الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهُوَ حُلُولُ الْحَوْلِ
عَلَى ذَوِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَوَاتُ،
هَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّا
لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْأَخْبَارِ وَأَمَّا الَّذِينَ
تَجِبُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ مِنَ النَّاسِ فَقَدْ أَجْمَعُوا
أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارَ
الْأَصِحَّاءَ الْعُقُولَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ الْأَمْوَالَ
الَّتِي
تَجِبُ فِي مَقَادِيرِهَا مِنْ أَصْنَافِهَا الزَّكَوَاتُ
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَخْرِجَتْ مِمَّا
فِي أَيْدِيهِمْ قَصَّرَتْ أَمْوَالُهُمْ عَنْ بُلُوغِ مَا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ قَدْ دَخَلَ فِي الْفَرْضِ
فِي الزَّكَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، غَيْرَ
أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ، فَقَالَ قَائِلُونَ: الزَّكَاةُ تَجِبُ
فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا لَوْ
كَانُوا بَالِغِينَ،
(1/256)
وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
516 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكِسَائِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ الْحَارِثِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَارِثِيُّ،
عَنْ أَبِي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، قَالَ لَهُ: " إِنَّ عِنْدِي مَالًا لِيَتِيمٍ
قَدْ كَادَتِ الصَّدَقَةُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ، فَهَلْ
قِبَلَكُمْ مَتْجَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَفَعَ إِلَيَّ
عَشْرَةَ آلَافٍ، فَغِبْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ
إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْمَالُ؟ قُلْتُ: قَدْ بَلَغَ
مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: رُدَّ إِلَيْنَا رَأْسَ مَالِهِ، لَا
حَاجَةَ لَنَا بِهِ "
517 -، حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ
أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ، ثُمَّ
ذَكَرَ مِثْلَهُ
518 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ عَلِيًّا زَكَّى
أَمْوَالَ بَنِي أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ
فَوَجَدُوهَا تَنْقُصُ، فَقَالُوا: إِنَّا وَجَدْنَاهَا
تَنْقُصُ فَقَالَ: " هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي
مَالٌ لَا أُزَكِّيهِ؟ "
519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ
بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُ الْيَتِيمِ،
فَرُبَّمَا أَنْفَقَ بَعْضَهُ، وَرُبَّمَا أَعْطَى بَعْضَهُ
مُضَارَبَةً كُلُّ ذَلِكَ يُزَكِّيهِ "
520 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " كَانَ
عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَلِي مَالَ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي
كَعْبٍ، وَكَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ أَمْوَالِهِمَا،
(1/257)
فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، أَتُؤَدِّي
زَكَاةَ أَمْوَالِهِمَا وَأَنْتَ لَا تَتَّجِرُ لَهُمَا وَلَا
تَبْتَغِي لَهُمَا؟ فَإِذَا أَخْرَجْتَ الزَّكَاةَ ذَهَبَتْ
أَمْوَالُهُمَا، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُزَكِّيَنَّ
أَمْوَالَهُمَا وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا، ثُمَّ ابْتَاعَ
لَهُمَا دَارَ ابْنِ حَدِيدَةَ "
521 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: " كَانَتْ عَائِشَةُ
تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ
تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ "
522 - حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَتْ أَمْوَالُنَا عِنْدَ عَائِشَةَ،
فَكَانَتْ تُبْضِعُهَا فِي الْبَحْرِ وَكَانَتْ تُزَكِّيهَا "
523 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ
مُضَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَشج، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ
بْنِ محس حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ
مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي
أَمْوَالَنَا وَنَحْنُ صِغَارٌ "
525 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَلِي
مَالَ يَتِيمٍ، قَالَ: " يُعْطِي زَكَاتَهُ "، وَقَالَ
قَائِلُونَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ أَهْلُهَا مِمَّنْ
يَدْخُلُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي
تَلَوْنَا، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ
526 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
نَوْفَلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَا
تَجِبُ عَلَى يَتِيمٍ زَكَاةٌ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ "
(1/258)
وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ
مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَ الْخَلْقَ بِعِبَادَاتٍ فِي
أَبْدَانِهِمْ وَفِي أَمْوَالِهِمْ، مِنْهَا: الصَّلَاةُ،
وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالزَّكَاةُ، فَكَانَ مَا
تَعَبَّدُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، تَعَبَّدُوا بِهَا فِي أَبْدَانِهِمْ، وَفِي
أَمْوَالِهِمْ، وَقُرْبَةً لَهُمْ إِلَيْهِ، وَطَهَارَةً
لَهُمْ، وَزَكَاةً وَرَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي
أَنَّ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا، وَالْمَجَانِينَ
الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ عَلَيْهِمْ، خَارِجُونَ
مِمَّنْ خُوطِبَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ
الْعِبَادَاتِ فِي الْأَبْدَانِ مِنَ الصَّلَاةِ،
وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، فَكَانَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ
يَكُونُوا خَارِجِينَ مِمَّنْ خُوطِبَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ
الزَّكَوَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْعِبَادَاتِ مِنَ
الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فَهِيَ عِبَادَاتٌ عَلَى
الْأَبْدَانِ، وَالصِّغَارُ لَا عِبَادَاتِ عَلَى
أَبْدَانِهِمْ، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ خُرُوجَهُمْ مِنْ هَذِهِ
الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا الزَّكَوَاتُ فَعِبَادَاتٌ فِي
الْأَمْوَالِ، وَالصِّغَارُ يُسَاوُونَ الْكِبَارَ فِي ذَلِكَ
إِذْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِلْكِهِمْ ذَلِكَ سَوَاءً قِيلَ
لَهُ: إِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي مِلْكِهِمْ لِلْأَمْوَالِ
سَوَاءً فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ،
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ،
وَلَا عَلَى الْمُكَاتَبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا
مِمَّنْ سِوَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَمْلِكُونَ مِنَ
الْأَمْوَالِ
مَا لَوْ كَانَتْ لِذَوِي الزَّكَوَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَدَلَّ ذَلِكَ
أَنَّهُ قَدْ رُدَّتْ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ إِلَى أَحْكَامِ
مَالِكِهَا، وَرُوعِيَ مَا تُعُبِّدُوا بِهِ فِيهَا،
فَأُدْخِلَ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ
الْبَالِغُونَ الَّذِينَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ يُقَصِّرُ
بِهِمْ قَضَاؤُهُ عَنْ مَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ مِمَّا
أَيْدِيهِمْ إِلَيْهَا وَاصِلَةٌ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ
الذِّمِّيُّونَ، وَالْمُكَاتَبُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وَمِمَّنْ سِوَاهُمْ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعَى
فِي مَالِكِ الْمَالِ مَا يُرَاعَى فِيهِ مِنْ سَائِرِ
الْعِبَادَاتِ فِي الْأَبْدَانِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ
قَالَ: قَدْ رَأَيْنَا الْمُكَاتَبَ مُتَعَبَّدًا بِالصَّلَاةِ
فِي بَدَنِهِ وَغَيْرَ مُتَعَبَّدٍ بِالزَّكَاةِ فِي مَالِهِ
قِيلَ لَهُ: فَقَدْ وَكَّدَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى
حُكْمِ الزَّكَاةِ، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ
لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ
كَذَلِكَ كَانَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فِي
بَدَنِهِ أَحْرَى أَلَّا تَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ
فَإِنْ قَالَ: فَقَدْ رَأَيْنَاكُمْ تُوجِبُونَهُ عَلَى
الْيَتِيمِ فِي أَرْضِهِ الْحُرَّةِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ
الْعُشْرِ كَمَا تُوجِبُونَهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْبَالِغِ
الصَّحِيحِ الْعَقْلِ قَيلَ لَهُ: ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ
الْأَرْضِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ
الْعُشْرِ حُكْمَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا
الزَّكَوَاتُ سِوَاهَا، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَاهُمْ لَا
يَخْتَلِفُونَ فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الَّتِي تَجِبُ
(1/259)
فِيهَا الزَّكَاةُ، وَفِي الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ وَالدَّيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ،
أَنَّهُ يَجُوزُ مِلْكُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِيَّاهَا وَيَزُولُ
بِذَلِكَ عَنْهَا مَا كَانَ يَجِبُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ
عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّكَوَاتِ، لَا إِلَى
عِوَضٍ غَيْرِهِ يَكُونُ فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَرَأَيْنَا
الْأَرَضِينَ الْعَشْرِيَّاتِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِأَنَّ
الْمُسْلِمَ لَوْ بَاعَ أَرْضَهُ مِنْ ذِمِّيٍّ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِ الْعُشْرِ، فَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي
ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَائِلٌ مِنْهُمْ
يَقُولُ: لَا يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ، وَلَا يَجُوزُ
ابْتِيَاعُهَا، لِأَنَّ الْعُشْرَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا
فِيهَا غَيْرُ زَائِلٍ عَنْهَا، وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى
أَخْذِهِ مِنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي ذِمَّتُهُ تَنْفِي وُجُوبَ
الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْهُمْ
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: يَمْلِكُهَا
الذِّمِّيُّ بِابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى
أَنْ تَصِيرَ أَرْضَ خَرَاجٍ، فَتَكُونَ الْخَوَارِجُ فِيهَا
عِوَضًا مِنَ الْعُشْرِ الَّذِي كَانَ فِيهَا، وَيُوضَعُ
مَوْضِعَ الْخَرَاجِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو
حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ: يَمْلِكُهَا
الذِّمِّيُّ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ مُضَاعَفًا
وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ رَحْمَةُ اللهِ
عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ
أَنَّهُ أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُ
بَلَغَهُ هَذَا القَوْلُ عَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ
قَوْلِهِ أَنْ يُوضَعَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ الْخَرَاجِ
وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: يَمْلِكُهَا الذِّمِّيُّ
وَيَنْفِي فِيهَا الْعُشْرَ حَقًا لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ
مَلَكَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ،
(1/260)
أَوْ غَيْرِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ
مَنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ
وَلَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
قَوْلًا غَيْرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا
عَنْهُمْ فِيهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ: إِنَّ
الذِّمِّيَّ يَمْلِكُهَا وَيَخْلُو مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ فِيهَا
كَمَا يَمْلِكُ سَائِرَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا
الزَّكَوَاتُ سِوَاهَا، وَيَخْلُو مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ
عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَبْطُلُ مَا كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
قَبْلَهُ فِيهَا بِمِلْكِهِمْ إِيَّاهَا فَلَمَّا أَجْمَعُوا
عَلَى مُخَالَفَةِ حُكْمِ الْوَاجِبِ فِي الْأَرَضِينَ
الْعَشْرِيَّاتِ حُكْمَ الْوَاجِبِ فِي الْأَمْوَالِ سِوَاهَا
دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَرَضِينَ لَنْ يَخْلُوَ
مِنْ وَاجِبٍ فِيهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ، وَعَلَى أَنَّ
مَا سِوَاهَا مِنَ الْأَمْوَالِ قَدْ يَخْلُو مِنْ وَاجِبٍ
فِيهِ، فَالَّذِي يَخْلُو مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ إِذَا
مَلَكَهُ مَنْ لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ
فِي ذِمَّتِهِ بِذِمَّتِهِمْ يَخْلُو أَيْضًا مِنَ الْوَاجِبِ
فِيهِ إِذَا مَلَكَهُ مَنْ قَدْ خَلَا مِنَ الْعِبَادَاتِ مِنْ
أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ مَجَانِينِهِمُ الْمُطْبَقِ
عَلَيْهِمْ لِصِغَرِهِمْ وَلِجُنُونِهِمْ، وَقَدْ وَكَدَّ
ذَلِكَ مَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَذْكُورًا فِي
الزَّكَوَاتِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَذْكُورًا فِي الثِّمَارِ،
فَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِيهِ فِي الزَّكَوَاتِ فِي
الْأَمْوَالِ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ،
فَأَضَافَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى
الطَّهَارَةِ لَهُمْ وَإِلَى الزَّكَاةِ لِأَبْدَانِهِمْ،
وَذَلِكَ مِمَّا يُعْقَلُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ ذَوُوا
الْعِبَادَاتِ، وَخَرَجَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَا عِبَادَةَ
عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الزَّكَوَاتِ فِي
الثِّمَارِ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ} ، فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى الْوَاجِبِ فِيهِ،
لَا تُذْكَرُ فِيهِ طَهَارَةٌ، وَلَا زَكَاةٌ، كَمَا ذُكِرَ
فِي الْوَاجِبِ فِي الْأَمْوَالِ مِنَ التَّزْكِيَةِ
لِأَهْلِهَا بِهَا، وَالتَّطْهِيرِ لَهُمْ بِهَا، فَدَلَّ
ذَلِكَ
عَلَى مُفَارَقَتِهَا زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا،
وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ فِي سُقُوطِ
الزَّكَوَاتِ عَنِ الصِّبْيَانِ وَعَنِ الْمَجَانِينِ
الْمُطْبَقِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ مَلَكَ مِنَ
الْوَرِقِ حُلِيًّا مِمَّا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ
لَوْ كَانَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً
(1/261)
فَقَالَ قَائِلُونَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ
فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
526 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ "
أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ،
ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ "
527 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا، كَانَتْ " تَلِي مَالَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي
حِجْرِهَا، لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ
الزَّكَاةَ "
528 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَسَارٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُلِيِّ
أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ: " وَإِنْ
كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ كَثِيرٌ أَوْ
كَبِيرٌ "
529 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ؟، فَقَالَ:
أَلْفُ دِينَارٍ كَثِيرٌ " وَقَالَ قَائِلُونَ: الزَّكَاةُ
وَاجِبَةٌ فِيهِ كَمَا تَجِبُ فِيهِ لَوْ كَانَ عَيْنًا
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ
530 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو الضَّرِيرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ،
(1/262)
عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ شُعَيْبِ
بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى مِنْ
نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ " فَلْيَتَهَادَيَنَّ بَيْنَهُنَّ
وَلْيُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ "
531 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ
امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَتْ لَهُ " إِنَّ لِي حُلِيًّا
أَفَأُزَكِّيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: فَأُعْطِيهِ ابْنَ
أَخِي أَوِ ابْنَ أُخْتِي؟ قَالَ: نَعَمْ " وَكَانَ حَدِيثُ
إِبْرَاهِيمَ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ لَمْ
يَذْكُرْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، عِنْدَنَا فِي حُكْمِ
الْمُتَّصِلِ عَنْهُ وَذَلِكَ
532 - أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَوْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
جَعْفَرٍ، يَشُكُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِذَا
حَدَّثْتَنِي فَأَسْنِدْ، قَالَ
: " إِذَا قُلْتُ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ فَهُوَ الَّذِي
حَدَّثَنِي وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدً الثَّوْرِيُّ
هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَوَصَلَهُ
533 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْ عَنِ الْحُلِيِّ لَهَا،
فَقَالَ: " إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ
الزَّكَاةُ " قَالَتْ: أَفَأَضَعُهَا فِي بَنِي أَخٍ لِي
يَتَامَى فِي حِجْرِي؟ فَقَالَ: " نَعَمْ " وَكَانَ هَذَا
الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا،
لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجِبَةً نَقْرَ
الْفِضَّةِ كَهِيَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ،
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيهَا إِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا، هَلْ
تَخْرُجُ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ
ذَلِكَ أَوْ تَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ؟ فَرَأَيْنَاهُمْ
لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا إِذَا صِيغَتْ دَرَاهِمَ أَنَّهَا
لَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ
عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُصَاغَ دَرَاهِمَ، فَالْقِيَاسُ عَلَى
ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ إِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا، أَلَّا تَخْرُجَ
بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ
تُصَاغَ حُلِيًّا وَقَدْ رَأَيْنَا مَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى
أَنْ لَا زَكَاةَ فِي مَصُوغِهِ، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى
النَّقْرِ مِنْهُ، مِنْ
(1/263)
ذَلِكَ الْحَدِيدُ، وَالنُّحَاسُ، لَا
زَكَاةَ فِي مَصُوغِهِمَا، وَلَا فِي النَّقْرِ مِنْهُمَا
وَفِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي نَقْرِ الْفِضَّةِ
دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ وُجُوبِهَا فِي مَصُوغِهِمَا حُلِيًّا
وَدَرَاهِمَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ شَبَّهَ قَوْمٌ الْحُلِيَّ
بِالْعَوَامِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، فَقَالُوا
: لَا تَجِبُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
الزَّكَاةُ، فَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ
الْمُسْتَعْمَلِ الزَّكَاةُ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا غَلَطًا
مِنَ الشَّبَهِ بَيْنَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُلِيَّ لَمْ
يَنْتَقِلْ بِأَنْ صَارَ حُلِيًّا عَنْ حُكْمِ مَا كَانَ
عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حُلِيًّا، بَلْ قَدْ ثَبَتَتْ
أَحْكَامُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا بِغَيْرِ
جِنْسِهِ مِنْهُمَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا الْعَوَامِلُ
فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِهَا كَمَا
وَجَبَتْ فِي أَصْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا
وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا بِمَعْنًى طَرَأَ عَلَيْهَا مِنْ
إِسَامَةِ مَا إِلَيْهَا إِيَّاهَا، فَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ مَا
كَانَتْ سَائِمَةً لِعِلَّةِ الْإِسَامَةِ لَهَا، لَا لَهَا
فِي نَفْسِهَا، فَإِذَا بَطَلَتِ الْعِلَّةُ الَّتِي وَجَبَتِ
الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ أَجْلِهَا رَجَعَتْ إِلَى حُكْمِ
أَصْلِهَا، وَبَطَلَتِ الزَّكَاةُ عَنْهَا هَذَا عَلَى قَوْلِ
مَنْ لَا يُوجِبُ فِي الْعَوَامِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
الزَّكَاةَ وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: أَبُو حنيفَة، وسُفْيَان
الثَّوْريّ، وَزفر، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ
وَأما من يُوجب فِي أصل العوامل من الْإِبِل وَالْبَقر
الزَّكَاة وَهُمْ: مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا
عَلَى ذَلِكَ، فَيُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِيهَا بَعْدَ
انْقِطَاعِ الْإِسَامَةِ عَنْهَا كَمَا كَانَتْ وَاجِبَةً
فِيهَا قَبْلَ الْإِسَامَةِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ فِي
الْحُلِيِّ الَّذِي يُعَارُ وَيُلْبَسُ أَنَّهُ يُزَكَّى
مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَكَّى بَعْدَ ذَلِكَ، وَرَوَوْا
قَوْلَهُمْ هَذَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
534 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ
يُعَارُ وَيُلْبَسُ زُكِّيَ مَرَّةً وَاحِدَةً "
(1/264)
وَلَا نَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ،
لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَخْلُوا
مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ يَخْرُجُ
الْمَصُوغُ مِنْهَا عَنْ حُكْمِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ
قَبْلَهَا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَتَكُونَ الزَّكَاةُ
سَاقِطَةً عَنْهُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ فِيهِ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ
وَلَا لِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنَ الْأَحْوَالِ، أَوْ لَا يَكُونُ
يُخْرِجُهُ لَهُ عَنْ حَجْمِهِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونَ
بَعْدَهَا عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا
مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ لِكُلِّ حَوْلٍ يَأْتِي
عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ مَلَكَ مِنَ
الْوَرِقِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ فَقَالَ قَائِلُونَ
مِنْهُمْ: مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَفِيهِ مِنَ
الزَّكَاةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ
مِنْهُمْ: مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا
535 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ صُبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ، فَمَا
زَادَ فَبِالْحِسَابِ "
536 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " إِذَا كَانَ
عِنْدَكَ مَالٌ اسْتَفَدْتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ
حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِنْ بَلَغَ مِائَتَيْنِ
فَفِيهِ خَمْسَةٌ، وَإِنْ نَقَصَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَمَا
زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِالْحِسَابِ "
537 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، وَهُوَ ابْنُ
حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ:
قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: " أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ، قَالَ:
مُسْلِمٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ
عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا
زَادِ فَبِالْحِسَابِ "
538 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ
بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي جَابِرٌ الْحَذَّاءُ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ،
ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
(1/265)
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: لَيْسَ
فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَهٌ
حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ أُوقِيَّةً وَهِيَ أَرْبَعُونَ
دِرْهَمًا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ
وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ
539 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ
الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " جَعَلَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى
الْخِتَانَةِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ إِذَا بَلَغَ
الْمُسْلِمُ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ،
وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ، وَجَعَلَ أَبَا
مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " وَهَذَانِ
الْقَوْلَانِ فَهُمَا اللَّذَانِ وَجَدْنَاهُمَا فِي هَذَا
الْبَابِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ، لَا ثَالِثَ
لَهُمَا وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ لِنَعْطِفَهُ عَلَى مَا يُجْمِعُونَ
عَلَيْهِ مِنْ أَشْكَالِهِ، فَوَجَدْنَا الْأَصْلَ
الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَوَاشِي
السَّائِمَةِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ،
حَتَّى تَبْلُغَ عَدَدًا مَعْلُومًا، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيمَا
زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ حَتَّى تَبْلُغَ
عَدَدًا آخَرَ مَعْلُومًا، ثُمَّ كَذَلِكَ هِيَ أَبَدًا مَا
تَنَاهَتْ فِيهَا زِيَادَةٌ تَرْجِعُ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ
فَيَكُونُ فِيمَا زَادَ فِيهِ بِحِسَابِ مَا قَبْلَهُ مِنَ
الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا
كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْوَرِقُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا
حَتَّى تَبْلُغَ وَزْنًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا
الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ
حَكَيْنَاهُمَا، وَكَانَ فِي أَحَدِهِمَا سُقُوطُ الْمِقْدَارِ
الْمَعْلُومِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ أَوَاقٍ، وَكَانَ
فِي الْآخَرِ ثُبُوتُ الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ فِيمَا زَادَ
عَلَيْهَا بثَبَتَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الَّذِي
ذَكَرْنَا فِيهَا وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ الَّتِي وَزْنُهَا
أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَانَ
مِنْ حُجَّةِ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ قَدْ وَجَدْنَا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَّا صَدَقَةَ فِي
أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى
الْخَمْسَةِ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فَفِيهِ مِنَ
الزَّكَاةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ: وَمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ
مِمَّا ذَكَرْنَا فَمَكِيلٌ، وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ
الْوَرِقِ الَّذِي وَصَفْنَا
(1/266)
فَمَوْزُونٌ، وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ
الْمَوَاشِي الَّتِي ذَكَرْنَا فَمَعْدُودٌ، فَالْمَوْزُونُ
بِالْمَكِيلِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمَعْدُودِ وَكَانَ مِنَ
الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّا قَدْ
رَأَيْنَا مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
بِخُرُوجِهِ مِنْهَا، لَا بِحَوْلٍ يَأْتِي عَلَيْهِ بَعْدَ
ذَلِكَ، فَإِذَا أَدَّيْتَ عَنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ تَجِبْ
فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةٌ، وَخَرَجَ مِنْ أَمْوَالِ
الزَّكَاةِ وَرَأَيْنَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ
كَذَلِكَ، فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ
الْحَوْلُ عَلَيْهَا بَعْدَ مِلْكِ الَّذِي مَلَكَهَا
إِيَّاهَا، ثُمَّ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَدَاءِ
عَلَيْهَا مِنْ حُكْمِ الزَّكَاةِ فِيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ
يَأْتِي عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي
هَذَا حُكْمُهَا بِالسَّوَاءِ، ثُمَّ الَّتِي هَذَا حُكْمُهَا
أَشْبَهُ مِنْهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِمَّا
حُكْمُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَحُجَّةٌ أُخْرَى: أَنَّا قَدْ
رَأَيْنَا يُوسُفَ قَدْ قَالَ فِيمَنْ أَخْرَجَتْ أَرْضُهُ
خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ
الْعُشْرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: إِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي
عَلَيْهِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مِمَّا أَخْرَجَتْهُ
الْأَرْضُ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ
الْوَرِقِ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ ثَلَاثُونَ
مِنَ الْبَقَرِ، أَوْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ سَالِمَةً
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، إِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ يُسْقِطُ
عَنْهُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِيمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَسَوَّى
بَيْنَ حُكْمِ الْوَرِقِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْمَوَاشِي فِي
ذَلِكَ، وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ
وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَإِنَّ أَرْضًا
لَوْ كَانَتْ لِصَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ، أَوْ لِمَجْنُونٍ
مُطْبَقٍ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا
فِيهِ الزَّكَاةُ، إِنَّ فِيمَا أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ
الزَّكَاةَ كَهُوَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ،
وَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِي ذَهَبِهِمَا، وَلَا فِي
وَرِقِهِمَا، وَلَا فِي سَوَائِمِهِمَا فَحُكْمُ الْوَرِقِ
وَالذَّهَبِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِحُكْمِ الْمَوَاشِي، لَا
بِحُكْمِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَإِنَّ أَرْضًا لَوْ
كَانَتْ لِرَجُلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ، فَأَخْرَجَتْ خَمْسَةَ
أَوْسُقٍ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ
أَدَائِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُ مَأْخُوذٌ
بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا كَانَ مَأْخُوذًا فِي حَيَاتِهِ،
وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ
سَوَائِمُ فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ
أَدَائِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِيهَا أَنَّهُ غَيْرُ
مَأْخُوذٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَحُكِمَ لِذَلِكَ أَيْضًا
بِحُكْمِ الْمَوَاشِي، وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الْوَرِقِ
وَالذَّهَبِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا وَاحِدًا، وَخَالَفَ بَيْنَ
ذَلِكَ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فِي
أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ، يُغْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْهَا
عَنْ ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَيَجِبُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا
لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ اشْتِبَاهُ حُكْمِ
الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالْمَوَاشِي، لَا بِحُكْمِ مَا
تُخْرِجُ الْأَرْضُ، عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ
يَقُولُ: إِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ حَتَّى
يَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللهُ، بَلْ كَانَ يَقُولُ: مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنْ
قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ غَيْرِ الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ،
فَفِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ
(1/267)
الْعُشْرِ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَا
رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِلا تَوْقِيتٍ فِيهِ أَوْلَى
مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْقِيتِ وَقَدْ
تَقَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ هَذَا مُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخْعِيُّ، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ
مِمَّا يُوَافِقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَمَا
يُوجِبُهُ النَّظَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى
الْآخَرِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ
اللهُ تَعَالَى فَكَانَ احْتِجَاجُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا
اخْتَلَفَ فِيهِ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ مِمَّا
ذَكَرْنَا غَيْرَ لَازِمٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَيْنُ مِنَ الْوَرِقِ،
وَالذَّهَبِ، وَفِي النَّقْرِ مِنْهَا فَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دَيْنًا عَلَى مَلِئٍ، مُقِرٍّ
بِهِ، فَهُوَ كَالْعَيْنِ مِنْهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا،
وَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِهَا فِي الْعَيْنِ
مِنْهَا، إِلا أَنَّ زَكَاتَهُ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ أَيْضًا
عَلَى الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ إِذَا
قَبَضَهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي فِي
يَدِهِ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عِنْهُ
وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى جَاحِدٍ لَهُ، غَيْرِ مُقِرٍّ
بِهِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ، ثُمَّ
أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ فَخَرَجَ
مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ
يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَقَائِلُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ:
لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو
حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلافًا
بَيْنَهُمْ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ أَيْضًا،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِذَلِكَ
وَرَوَوْا ذَلِكَ
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
541 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ،
أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "
كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلاةِ ظُلْمًا
يَأْمُرُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى
(1/268)
أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ لِمَا
مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ: أَلا
يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ
مَالا ضِمَارًا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذَا
عِنْدَنَا أَلا يُؤْخَذَ إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، أَنَّهُ
كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَالا وَجَبَتْ
عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ سَاعَةَ مَلَكَهُ عَلَى مَا قَدْ
رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ لَا زَكَاةَ
فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ، وَسَنَأْتِي
بِذَلِكَ وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ، وَبِأَقْوَالِ أَهْلِ
الْعِلْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ
شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ زُفَرُ بْنُ
الْهُذَيْلِ: إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ كَمَا تَجِبُ
فِي الدُّيُونِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ
الْمُقِرِّينَ بِهَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ
الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ
وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ زُفَرَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَمْ
يَزُلْ مِلْكُهُ عَنِ الْمَالِ الَّذِي غُصِبَهُ بِالْغَصْبِ
الَّذِي كَانَ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ مِلْكُهُ عَلَى مَالِهِ،
فَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ مَا عَلَى
ذَوِي الأَمْوَالِ مِنَ الزَّكَوَاتِ فِي أَمْوَالِهِمْ
وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِلآخَرِينَ فِي ذَلِكَ:
أَنَّا رَأَيْنَا ذَوِي الأَمْوَالِ إِذَا مُنِعُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ فِي حِلِّ الصَّدَقَاتِ لَهُمْ كَمَنْ لَا مَالَ
لَهُ، وَكَانَ مَا
يَأْخُذُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ فِي أَحْوَالِهِمْ تِلْكَ
حَلالا لَهُمْ وَلَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ بَعْدَ
ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ رَدُّ الصَّدَقَاتِ الَّتِي
كَانُوا أَخَذُوهَا فِي حَالِهِمُ الَّذِي كَانُوا فِيهَا
مَمْنُوعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَجُعِلُوا بِعَوْدِ
أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ كَهُمْ لَوْ مَلَكُوا أَمْوَالا
حِينَئِذٍ، فَكَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا
كَذَلِكَ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا
فِي رُجُوعِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ كَالْمُسْتَفْدِينَ
لَهَا حِينَئِذٍ، وَلا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ فِيهَا
إِلا بِحُلُولِ حَوْلٍ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ
إِلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا فَكَانَ مِنَ
الْحُجَّةِ لِزُفَرَ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا
قَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ الَّذِي يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ
مَالِهِ بِمَسَافَةٍ تَكُونُ مِنْهُ وَبَيْنَهُ لَا يُمْكِنُهُ
مَعَهَا الْوُصُولُ إِلَى مَالِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ كَحَاجَةِ
مِنْ لَا مَالَ لَهُ، أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ ابْنَ سَبِيلٍ،
وَأَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَيَطِيبُ لَهُ مَا
يَأْخُذُهُ مِنْهَا، وَأَنَّهُ إِنْ وَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ
إِلَى مَالِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي
الْمُسْتَأْنَفِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رَدُّ مَا كَانَ
أَخَذَهُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ كَانُوا
تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُسْقِطُ
عَنْهُ زَكَاةَ مَالِهِ الَّذِي كَانَ غَائِبًا عَنْهُ
(1/269)
فَلَمَّا كَانَ حِلُّ الصَّدَقَةِ لَهُ
لِغَيْبَةِ مَالِهِ عَنْهُ غَيْرَ مُسْقِطٍ عَنْهُ وُجُوبَ
الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، كَانَ كَذَلِكَ حِلُّ الصَّدَقَةِ
لَهُ بِالْمَنْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَالِهِ غَيْرَ
مُسْقِطٍ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْنَا مَا
عُذِرَ بِهِ الْعِبَادُ، فَأُسْقِطَتْ عَنْهُمُ الْفُرُوضُ
بِالْفَقْرِ، وَبِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَهُ، وَبِمَنْعِ بَنِي آدَمَ إِيَّاهُمْ مِنْهُ سَوَاءً
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلا لَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ فِي
سَفَرٍ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مَسَافَةٌ
طَوِيلَةٌ، لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ حَتَّى
يَذْهَبَ
وَقْتُ الصَّلاةِ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ التَّيَمُّمُ
وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَاءُ بِحَضْرَتِهِ مَعَ مَنْ لَا
يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ إِلا بِثَمَنٍ يَبْتَاعُهُ مِنْهُ بِهِ،
وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذَلِكَ الثَّمَنُ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ
التَّيَمُّمُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ، وَعَلَيْهِ
عَدُوٌّ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَاءِ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ
يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ فَكَانَتْ هَذِهِ وُجُوهً قَدْ
أَبَاحَتْ لَهُ التَّيَمُّمَ، وَسَقَطَ عَنْهُ بِهَا فَرْضُ
الْوُضُوءِ لِلصَّلاةِ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءً،
وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ
الْمَمْنُوعُ مِنْ مَالِهِ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ،
وَبِالْمَانِعِ لَهُ مِنْهُ مِنَ الآدَمِيِّينَ سَوَاءً فِي
إِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ
قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا هُوَ
أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِذَلِكَ
فَرْضُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزَّكَاةِ، وَمَا سِوَى
ذَلِكَ مِنَ الْغَصْبِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ بِإِدْخَالِهِ
إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ لَهُ: وَهَلْ بَيْنَ مَا
أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ هَذَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ
بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِنْ فَرْقٍ؟ وَقَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ
يَعْجَزُ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ بِعِلَّةٍ نَزَلَتْ
بِهِ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى
نَفْسِهِ كَكَسْرِهِ رِجْلَهُ، سَوَاءً فِي سُقُوطِ فَرْضِ
الْقِيَامِ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالشَّيْئَيْنِ
جَمِيعًا عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ، فَوَجَبَ لَهُ بِذَلِكَ
حُكْمُ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْقِيَامِ فِي صَلَوَاتِهِمْ،
وَلَمْ يُنْظَرْ إِلَى الَّذِي صَارَ بِهِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ
أَيْضًا الَّذِي قَدْ بَعُدَ عَنْهُ مَالُهُ بِفِعْلِهِ
يَكُونُ فِيهِ كَمَنْ بَعُدَ عَنْهُ بِغَيْرِ فَعْلِهِ،
وَيَكُونُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي حُكْمِ الْعَاجِزِ
عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَالِهِ، وَلا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ
إِلَى السَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّا
قَدْ
وَجَدْنَا عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَا
يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَبِهِ:
541 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ،
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ
الصَّدَقَةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَوْ شِئْتَ
تَقَاضَيْتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَالَّذِي عَلَى مَلِئٍ
تَدَعُهُ حَيَاءً وَمُصَانَعَةً "
(1/270)
فَهَذَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
لَمْ يُوجِبْ فِي الدَّيْنِ زَكَاةً إِلا فِيمَا يُقْدَرُ
عَلَى تَقَاضِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ
كَانَ فِيمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَقَاضِيهِ عَلَى مَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ،
وَبِهِ فَهِمَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِيمَا
ذَكَرْنَا فَقَدْ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ إِمَامٍ مِنَ
الأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ رِضْوَانُ اللهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا
يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا
542 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "
أَيُّمَا دَيْنٍ كَانَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ تَرْجُو قَضَاءَهُ
فَعَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ " فَهَذَا ابْنُ
عُمَرَ أَيْضًا لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ إِلا إِذَا
كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَقَاضِي مَالِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ، فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى
تَقَاضِيهِ، خِلافَ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ،
وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللهُ كَانَا يَقُولانِ فِي
الْغَرِيمِ الْفَقِيرِ إِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَضَى
غَرِيمُهُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ فِي حَالِ
فَقْرِهِ مُقِرًّا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ
لِمَا مَضَى وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ، فَقَالَ: لَا يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا
الْقَوْلُ أَوْلَى بِأُصُولِهِمْ وَأَشْبَهُ بِأَقْوَالِهِمْ
مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ
إِذَا كَانَ فَقِيرًا، فَالَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْمَمْنُوعِ
بِالْجُحُودِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِهِ الْوُصُولَ إِلَى
مَالِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْوُصُولِ
إِلَيْهِ بِجُحُودِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ إِيَّاهُ وَقَدِ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يَحُولُ
عَلَيْهِ أَحْوَالٌ وَهُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ
يَقْضِيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنِ الَّذِي هُوَ
عَلَيْهِ جَاحِدًا لَهُ، وَلا فَقِيرًا فَقَالَ قَوْمٌ:
يُزَكِّيهِ لِكُلِّ حَوْلٍ مَرَّ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ
يَرْفَعُ مِنَ الْحَوْلِ الثَّانِي زَكَاةَ الْحَوْلِ
الأَوَّلِ، ثُمَّ يُزَكِّي الثَّانِيَ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ
كَذَلِكَ فِي كُلِّ حَوْلٍ حَتَّى يَرْجِعَ مَالُهُ إِلَى
أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ
عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ:
أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فِيمَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي
يُوسُفَ، قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ قَوْلُنَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُزَكِّيهِ بِكَمَالِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ
مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الأَحْوَالِ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ
عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ:
زُفَرُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ،
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ، عَنْ زُفَرَ
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ
تَجِبُ فِيهِ
(1/271)
الزَّكَاةُ، فَتَرَكَهُ سِنِينَ لَا
يُزَكِّيهِ، إِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ أَوَّلِ سَنَةٍ جَمِيعَ
الْمَالِ، وَعَنِ الثَّانِيَةِ جَمِيعَ الْمَالِ، إِلا مَا
خَرَجَ لِلزَّكَاةِ فِي الْعَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ كَذَلِكَ
حَتَّى يَبْقَى مِنَ الْمَالِ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ وَلا يَكُونُ عَلَيْهِ غيرَ ذَلِكَ وَكَانَ زُفَرُ،
يَقُولُ: يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ زَكَاةً كَامِلَةً، وَإِنْ
أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ، وَلا يَمْنَعُ وُجُوبُ
الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ عِنْدَهُ فِي الْحَوْلِ الأَوَّلِ
وُجُوبَ زَكَاةِ جَمِيعِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَفَرَّقَ
زُفَرُ بَيْنَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ وَبَيْنَ
وُجُوبِ الدَّيْنِ سِوَاهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ، فَلَمْ
يَجْعَلِ الزَّكَاةَ دَيْنًا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي
الْمُسْتَأْنَفِ، وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
بَيْنَهُمَا سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ
هِلالا، يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ
رَجُلٍ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، حَالَ عَلَيْهَا حَوْلانِ،
فَقَالَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ
حَوْلٍ وَاحِدٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ
فِيهَا لِلْحَوْلِ الثَّانِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ
زُفَرَ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهَا
لِلْحَوْلَيْنِ جَمِيعًا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ
دَرَاهِمَ، فَمَا حُجَّتُكَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا
حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعُ
مِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ أَحْمَدُ: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا
أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي كُلِّ حَوْلٍ
جَازَ أَنْ تَكْثُرَ الأَحْوَالُ حَتَّى تَكُونَ جُمْلَةُ
زَكَاتِهَا تُجَاوِزُ مِقْدَارَ الْمَالِ الَّذِي مِنْ
أَصْلِهِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَكَانَ الِّذِي احْتَجَّ بِهِ
أَبُو يُوسُفَ مِنْ هَذَا عَلَى زُفَرَ غَيْرَ لازِمٍ لَهُ،
لأَنَّهُ وَزُفَرَ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي حُقُوقِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ
وَالنُّذُورِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَاتِ
بِأَنْسَاكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ،
لأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ،
وَأَنَّهُ لَيْسَ كَالدَّيْنِ الَّذِي مِنْ حُقُوقِ
الآدَمِيِّينَ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ الَّتِي مِنْ حُقُوقِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي مِنْ حُقُوقِهِ
أَشْبَهَ مِنْهَا بِالدُّيُونِ الَّتِي مِنْ حُقُوقِ
الآدَمِيِّينَ أَلا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ
لأَدَمِيٍّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَأَنَّهُ
يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَأَنَّهُ عِنْدَ زُفَرَ، وَأَبِي
يُوسُفَ، تَسْقُطُ عَنْهُ الْحُقُوقُ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ بِمَوْتِهِ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ
وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا مَعَهَا، وَكَانَ حُكْمُ الزَّكَاةِ
بِالْكَفَّارَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَشْبَهَ
مِنْهَا بِدُيُونِ الآدَمِيِّينَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِهَا فِي الْحَيَاةِ أَشْبَهَ مِنْهَا
بِدُيُونِ الآدَمِيِّينَ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَسْقُطُ
بِالْمَوْتِ وَلا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ
الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ فِي
(1/272)
الْحَيَاةِ، وَكُلُّ مَا لَا يَسْقُطُ
بَعْدَ
الْمَوْتِ يُؤْخَذُ مِنَ الزَّكَاةِ، يَمْنَعُ فِي الْحَيَاةِ
وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ هَذِهِ حُجَّةٌ تَلْزَمُ
أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ أَلْزَمُ عَلَى
أُصُولِهِمْ وَعَلَى أَصْلِهِ فَأَمَّا مَنْ يُخَالِفُهُمْ
جَمِيعًا فِي ذَلِكَ وَيَجْعَلُ الزَّكَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ
دَيْنًا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ مِنَ التَّرِكَاتِ، فَإِنَّ
هَذِهِ حُجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: تَجِبُ
الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ لِحُلُولِ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ
عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَحْوَالا كَثِيرَةً وَرَوَوْا
ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
543 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الْعَمْرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ
قَالَ: " لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْضِيَهُ،
فَإِذَا اقْتَضَاهُ زَكَّاهُ زَكَاةً وَاحِدَةً "
544 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: " كَانَ عِنْدَ ابْنِ
عُمَرَ مَالُ يَتِيمٍ فَكَانَ يُسْلِفُهُ، لِئَلا يُخْرِجَ
مِنْهُ الزَّكَاةَ " وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي
حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، فَهَذَانِ
قَوْلانِ مُخْتَلِفَانِ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ رُوِّينَا
عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
السَّائِبِ فَيُحْتَمُلُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا
لِحَدِيثِ عَاصِمٍ الْعَمْرِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي
قَصَدَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ فِي سُقُوطِهِ عَنْ مَالِ
الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ بِالسَّلَفِ الَّذِي كَانَ
يَفْعَلُهُ فِي مَالِهِ زَكَاةَ كُلِّ الأَحْوَالِ الَّتِي
تَأْتِي عَلَيْهِ فِي حَالِ السَّلَفِ غَيْرَ زَكَاةِ حَوْلٍ
وَاحِدٍ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيهِ،
فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ
قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا تَجِبُ
فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِذَا صَارَتْ دَيْنًا اخْتَلَفُوا فِي
ذَلِكَ فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: هِيَ عَلَى حُكْمِهَا فِي
وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا
(1/273)
وَقَائِلٌ يَقُولُ: قَدْ زَالَ ذَلِكَ
الْحُكْمُ عَنْهَا، وَبَطَلَتِ الزَّكَاةُ عَنْهَا وَكَانَ
أَوْلَى الْأَشْيَاءِ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ نُقِرَّهَا عَلَى
حُكْمِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ اخْتِلافِهِمْ
فِيهَا حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ بِزَوَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ
عَنْهَا مَعَ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الدَّيْنَ الَّذِي فِي
الذِّمَمِ لَهُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا، مِنْ ذَلِكَ
أَنَّهُ يُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ لَوْ كَانَ عَيْنًا،
وَتَجُوزُ هِبَتُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَمَا تَجُوزُ
هِبَتُهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا، وَيُبَاعُ بِهِ
مِنَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ بِهِ مِنْهُ قَبْلَ
أَنْ يَكُونَ دَيْنًا وَتَلْحقهُ الْوَصَايَا مِمَّنْ هُوَ
لَهُ كَمَا كَانَتْ تَلْحَقُهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا
فَكَانَ تَحَوُّلُهُ مِنَ الْعَيْنِ إِلَى الذِّمَّةِ لَمْ
يُحْدِثْ فِيهِ حَدَثًا يُغَيِّرُ أَحْكَامَهُ عَمَّا كَانَتْ
عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا وكَانَ الْقِيَاسُ
عَلَى ذَلِكَ أَلا يُقِرَّ أَحْكَامَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ
فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ مَالُهُ
دَيْنًا، فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ
يَقْبِضُ بَعْضَهُ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ
الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِذَا
أَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّى عَنْهَا بِرُبُعِ
عُشْرِهَا، وَكُلَّمَا أَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا
زَكَّى عَنْهَا كَذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
الدَّيْنَ كُلَّهُ، وَلا يُزَكِّي إِلا مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ
يَقْبِضُهَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو
حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا
قَبَضَهُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ، فَإِذَا أَخَذَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ زَكَّى عَنْهَا،
ثُمَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا قَلَّ أَوْ
كَثُرَ زَكَّى عَنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ
ذَلِكَ مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا
الْقَوْلِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ سُفْيَانُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ
وَقَالَ: مَا أَخَذَ مِنْ شَيْءٍ زَكَّاهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ
الثَّانِي مِنْ قَوْلَيْ سُفْيَانَ هَذَيْنِ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: قُلْتُ
لأَبِي حَنِيفَةَ: لِمَ قُلْتَ فِيمَا قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ
الَّذِي قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إِنَّهُ لَا زَكَاةَ
فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ
دِرْهَمًا؟ قَالَ: جَعَلْتُ ذَلِكَ كَالزَّائِدِ عَلَى
الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ يَحُولُ عَلَيْهَا
الْحَوْلُ مَعَهَا، وَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ يُصْنَعُ
لَهُ إِلا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَفِي
الْبَاقِي مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ وَجَبَ
فِيهِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ،
(1/274)
قَالَ: فَأَمْسَكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَمْ
يَقُلْ شَيْئًا، فَكَانَ سُكُوتُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا عَنِ
الاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ
عَلَيْهِ مِنْ هَذَا، دَلِيلا عِنْدَنَا عَلَى قَبُولِهِ
ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَى لُزُومِ الْحُجَّةِ إِيَّاهُ وَقَدْ
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ
مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ
الدَّيْنُ فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ
يَقْبِضْ بَعْضَهُ، قَالَ: لَا
زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَمَعْنَاهُ
فِي هَذَا عِنْدَنَا كَمَعْنَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
الأَوَّلِ مِنْ قَوْلَيْهِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا عَنْهُ
وَقَدْ رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا
الْكِتَابِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ
عُمَرَ: أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: مُسْلِمٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ فِي كُلِّ
مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ
فَفِي هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يُوجِبُ مِلْكَ الْعَبْدِ
كَمَالِ الَّذِي يَكُونُ فِي يَدِهِ وَأَنَّهُ فِيمَا يُوجَبُ
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الزَّكَاةِ كَالْحَقِّ فِيمَا يَجِبُ
عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ خِلافُ ذَلِكَ
545 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " لَيْسَ فِي مَالِ
الْعَبْدِ زَكَاةٌ " وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
546 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَانَ
مَمْلُوكًا لِبَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ: " إِنَّ لِي مَالا
أَفَأُزَكِّيهِ؟ فَقَالَ: لَا "
547 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا
(1/275)
وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِلَى زِيَادِ
بْنِ النَّضْرِ، فَحَدَّثَنَا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ
نَافِعٍ أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،
فَقَالَ: " إِنِّي رَجُلٌ مَمْلُوكٌ، فَهَلْ فِي مَالِي
زَكَاةٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّمَا
زَكَاتُكَ عَلَى سَيِّدِكَ، أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْكَ عِنْدَ
كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ
صَاعِ بُرٍّ " وَكَانَ مَا رُوِّينَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي
نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْعَبْدِ أَوْلَى مِمَّا
رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي إِيجَابِهَا فِيهِ، لأَنَّ الْعَبْدَ
وَمَا فِي يَدِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ لِمَوْلاهُ،
فَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِهَا لِمَوْلاهُ فِيمَا
يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ فِي مَالِهِ، وَفِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ
فِيهِ، إِلا أَنْ تَكُونَ فِي الْعَبْدِ عِلَّةٌ تَحُولُ
بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ مِنَ
الأَمْوَالِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ
أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَوُجِّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
يَمْنَعُ بِذَلِكَ مَوْلاهُ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ
الَّذِي اكْتَسَبَ، فَلِذَلِكَ قَدْ زَالَ بِهِ عَنْهُ حُكْمُ
مَوْلاهُ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ الزَّكَاةُ
إِذْ مِلْكُهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ تَامٍّ فَيَكُونَ فِيهِ
كَالأَحْرَارِ فِيمَا يَمْلِكُونَ أَلا تَرَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ عِتَاقُ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعَبِيدِ، وَلا
الصَّدَقَةُ، وَلا الْهِبَةُ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ
الأَمْوَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ مِنَ الأَحْرَارِ فِي
أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَهُوَ مَالِكٌ لِمَا
فِي يَدِهِ كَمَا يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَصْحَابُهُ
فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: لَيْسَ هُوَ مَالِكٌ لِمَا فِي
يَدِهِ فَإِنْ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْمِلْكِ لِمَا
فِي يَدِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ
فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ ِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ "
وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا
548 - قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ،
وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا
فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ
الْمُبْتَاعُ "
549 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى
الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ
مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ
الْمُبْتَاعُ "
(1/276)
إِ قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا فَذَكَرُوا مَا
550 - قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ
مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ
الْمُبْتَاعُ " قَالُوا: فَجَعَلَ الْعَبْدَ فِي هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ ذَا مَالٍ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ فِي هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ مَا قَدْ نَفَى مِلْكَ الْعَبْدِ لِلْمَالِ
الَّذِي فِي يَدِهِ، لأَنَّ فِيهِمَا، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ
إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَقَدْ جَعَلَ مَا
أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ فِيهِمَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ
يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَيَكُونَ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ
أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ مَا أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ فِيمَا لَا
حَقِيقَةَ مِلْكٍ فِيهِ لِلْعَبْدِ، وَأَنَّهُ كَالْبَابِ
الْمُضَافِ إِلَى الدَّارِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَابُ
الدَّارِ، وَكَالْحَبْلِ الْمُضَافِ إِلَى الدَّابَّةِ الَّذِي
يُقَالُ لَهُ: حَبْلُ الدَّابَّةِ، لَا عَلَى أَنَّ الدَّارَ
مَالِكَةٌ لِلْبَابِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا، وَلا عَلَى أَنَّ
الدَّابَّةَ مَالِكَةٌ لِلْحَبْلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا
551 - وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أُبِّرَتْ
فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ
"
552 - حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ بَاعَ نَخْلا بَعْدَ أَنْ
تُؤْبَرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ
الْمُبْتَاعُ " فَلَمْ يَكُنْ مَا أَضَافَهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّمَرِ إِلَى
النَّخْلِ بِقَوْلِهِ: " فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ " عَلَى
أَنَّ النَّخْلَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَكِنْ عَلَى
الإِضَافَةِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ مِلْكٍ مَعَهَا وَقَدْ
جَاءَ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى،
وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ
لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} وَلَمَّا كَانَ الْمَوْلَى لَهُ
أَخْذُ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ لأَنَّهُ مَالِكُهُ دُونَ
عَبْدِهِ، اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ
(1/277)
إِيَّاهُ بِلا حَقٍّ كَانَ لِعَبْدِهِ
فِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِعَبْدِهِ فِيهِ حَقٌّ كَانَ لَهُ أَنْ
يَمْنَعَهُ مِنْهُ بِحَقِّهِ فِيهِ، وَلأَنَّهُ قَدْ يُبِينُ
بِحُقُوقِهِ عَنْهُ أَلا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ
يَحُولَ
بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ
ذَلِكَ، لأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ لِعَبْدِهِ قَدْ بَانَ بِهِ
مِنْهُ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَانَ
بِشَيْءٍ عَنْ مَوْلاهُ حَتَّى يَصِيرَ مَالِكًا لَهُ كَانَ
فِي مِلْكِهِ إِيَّاهُ كَالْحُرِّ فِي مِلْكِهِ لِمِثْلِهِ،
وَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلاهُ مِمَّا هُوَ لَهُ
دُونَهُ، كَمَا يَمْنَعُ الأَحْرَارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
مِمَّا يَمْلِكُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا
مِلْكَ لَهُ، يَسْتَفِيدُ مَالا يَكُونُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
فَصَاعِدًا، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
يُزَكِّيهِ عِنْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهُ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا:
553 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ
الْمَالَ، قَالَ: " يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ "
554 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ، فَقَالَ: " يُزَكِّيهِ
حِينَ يَسْتَفِيدُهُ " وقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: لَا
زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُنْذُ
يَوْمِ يَقَعُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ
مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى،
وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ
الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَرَوَوْا ذَلِكَ
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَنِ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
555 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ،
مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ
مُحَمَّدٍ، عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ
عَلَيْهِ، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ:
إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ " لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ
مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " قَالَ
الْقَاسِمُ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا
أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَاتِهِمْ سَأَلَ الرَّجُلَ: هَلْ
عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟
فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ مَالِهِ
ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: لَا، سَلَّمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ
يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا
(1/278)
556 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
ابْنَةِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ،
قَالَ: " كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ
وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قُلْتُ: نَعَمْ،
أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْتُ:
لَا، دَفَعَ إِلَيَّ عَطَائِي وَافِرًا "
557 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " إِذَا كَانَ عِنْدَكَ مَالٌ
اسْتَفَدْتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ
عَلَيْهِ الْحَوْلُ "
558 - حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَرْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ
الْوَلِيدِ السَّلُوتِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: " مَنِ اسْتَفَادَ مَالا فَلَيْسَ فِيهِ
زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ "
559 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ، قَالَ: "
يُزَكِّيهِ حِينَ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " وَلَمَّا
اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ لَا تَخْلُو مِنْ
أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ
الْمَالِ فِي الْمَالِ لِمِلْكِهِ إِيَّاهُ خَاصَّةً، أَوْ
لِمِلْكِهِ إِيَّاهُ، وَلِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ، وَكَانَ
إِذَا أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ خَارِجًا مِنْ مِلْكِ
رَبِّهِ إِيَّاهُ، وَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ إِلا بَعْدَ حُلُولِ
الْحَوْلِ عَلَيْهِ، ثَبَتَ بذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ
فِي الْمَالِ عَلَى مَالِكِهِ، وِتَمَلُّكِهِ إِيَّاهُ،
وَبِحُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، لَا بِأَحَدِهِمَا
دُونَ الآخَرِ، وَكَانَ مُسْتَفِيدُ الْمَالِ غَيْرَ
مُجْتَمِعٍ فِيهِ مِلْكُ الْمَالِ، وَحُلُولِ الْحَوْلِ
عَلَيْهِ وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ، اسْتَحَالَ بِذَلِكَ وُجُوبُ
الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ
بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهُ، كَمَا قَالَ الَّذِينَ قَالُوا
ذَلِكَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ،
(1/279)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا
مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا
560 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَيْفٍ
التُّجِيبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ
شَدَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
النَّخْعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عُقَيْلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ ابْنَةِ مُعَوَّدٍ، قَالَتْ: "
أَهْدَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَاعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ، شَكَّ ابْنُ مَعْبَدٍ، فَأَثَابَنِي
مِلْءَ كَفِّهِ ذَهَبًا، وَقَالَ: تَحَلِّي بِهِ " وَفِي
قَبُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا
هَدِيَّتَهَا دَلِيلٌ عَلَى بُلُوغِهَا، وَفِيمَا أَحَطْنَا
بِهِ عِلْمًا مِنْ مِقْدَارِ مِلْءِ كَفِّهِ مِنَ الذَّهَبِ
أَنَّهُ يُجَاوِزُ مِقْدَارَ الْعِشْرِينَ مِثْقَالا، وَفِي
تَرْكِهِ ارْتِجَاعَ شَيْءٍ مِنْهَا لِزَكَاةٍ عَلَيْهَا
فِيهَا بِمِلْكِهَا إِيَّاهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
عَرُوضِ التِّجَارَاتِ، إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ
فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَتْ فِي يَدِ
صَاحِبِهَا لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا مُنْذُ ابْتَاعَهَا
حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا
مِمَّنْ يُدِيرُ فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهَا
بِالْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَبِيعُ الْعَرُوضَ
بَعْضَهَا بِبَعْضٍ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَا تَجِبُ
عَلَيْهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبِيعَ بِالْعَيْنِ فَيُزَكِّيَهُ
لِحُلُولِ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ
كَثِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ فَيَبِيعُ
بِالْعَيْنِ وَبِالْعَرُوضِ قَوَّمَ الْعَرُوضَ عِنْدَ رَأْسِ
كُلِّ حَوْلٍ وَضَمَّ قِيمَتَهُ إِلَى الْعَيْنِ الَّذِي فِي
يَدِهِ، وَزَكَّى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ
ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
561 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ " فِي التَّاجِرِ يَبِيعُ الْعَرُوضَ
بِالْعَرُوضِ لَا يَبِيعُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَيْنِ: " لَمْ
أَرَ عَلَيْهِ زَكَاةً حَتَّى يَصِيرَ عَيْنًا وَلا يُقَوَّمُ
عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَى
مَنْ كَانَ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ وَبِالْعَرُوضِ، وَلا
يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَخُصُّهُ " قَالَ: وَمَا كَانَ
مِنْ مَالٍ بِدَارِ التِّجَارَةِ، وَلا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ
مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ
شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ
مِنْ عَرُوضِ التِّجَارَةِ، وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ
عِنْدَهُ مِنْ عَيْنٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ وقَالَ
قَائِلُونَ مِنْهُمْ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَرُوضِ
التِّجَارَةِ، كَانَ الَّذِي هِيَ لَهُ يُدِيرُهَا، وَلا
يُدِيرُهَا أَوْ كَانَ يَبِيعُهَا بِالْعَرُوضِ خَاصَّةً
وَبِمَا سِوَاهَا مِنَ الْعُيُونِ، أَوْ كَانَ الَّذِي هِيَ
لَهُ مَالُ عَيْنٍ سِوَاهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ
عَيْنٍ سِوَاهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ
(1/280)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ،
عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ
عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ
عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ
زُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا مِنْ
ذَلِكَ وَحَكَى لَنَا الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا
ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا
562 - قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ، " أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا كَانَ
يَبِيعُ الْحِصَابَ وَالأَدَمَ، فَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا حَمَاسُ، أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ
فَقَالَ: مَالِي مَالٌ، إِنَّمَا أَبِيعُ الْحِصَابَ
وَالأَدَمَ، فَقَالَ: أَقِمْهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَدِّ
زَكَاتَهُ "
563 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ،
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ حَمَاسٍ، أَنَّهُ
كَانَ يَبِيعُ الْجُلُودَ وَالْقُرُونَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا
اشْتَرَى مِثْلَهَا، فَلا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ أَبَدًا مَا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ جُلُودٌ يَحْمِلُهَا لِلْبَيْعِ،
فَقَالَ لَهُ: " زَكِّ مَالَكَ يَا حَمَاسُ، فَقَالَ: مَا
عِنْدِي شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَقَالَ: قَوِّمْ مَا
عِنْدَكَ فَأَدِّ زَكَاتَهُ "
564 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: " مَا كَانَ مِنْ مَالٍ، أَوْ بُرٍّ، أَوْ دَقِيقٍ،
أَوْ دَوَابٍّ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ "
وَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَسُفْيَانَ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ
عِنْدَنَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ،
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
(1/281)
وَلا نَعْلَمُ قَائِلا مِنَ الصَّحَابَةِ
قَالَ
بِالْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا
الْبَابِ، وَلا نَحْفَظُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ،
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ
أَصْلٌ كَأَصْلِ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ
مِثْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا قَالَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ فِي ذَلِكَ، لَكَانَ النَّظَرُ يُوجِبُ
مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ فِي ذَلِكَ،
وَذلك إِنَّا رَأَيْنَا الْعَرُوضَ الَّتِي لِلتِّجَارَاتِ لَا
تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ
حُكْمِ الأَمْوَالِ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَوَاتُ، فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي كُلِّ عَامٍ
كَمَا تَجِبُ فِي الأَمْوَالِ الْعَيْنِ أَوْ تَكُونَ فِي
حُكْمِ الْعَقَارِ وَالْعَرُوضِ الَّتِي لِغَيْرِ التِّجَارَةِ
فَلا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى حَالٍ، فَإِذَا بَاعَهَا
صَاحِبُهَا اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهَا حَوْلا كَمَا يَسْتَقْبِلُ
مِنَ الْعَرُوضِ الَّتِي لِغَيْرِ التِّجَارَةِ إِذَا بَاعَهَا
فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْهَا إِذَا
بَاعَهَا، أَوْ إِذَا بَاعَ بَعْضَهَا وَصَارَ ثَمَنُ مَا
بَاعَ مِنْ ذَلِكَ عَيْنًا فِي يَدِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَوَاتِ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ
أَمْوَالِ الزَّكَوَاتِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا كُلَّ
عَامٍ، وَفِي تَرْكِ عُمَرَ سُؤَالَ حَمَاسٍ: هَلْ يُدِيرُ
أَوْ لَا يُدِيرُ، أَوْ يَنْتَفِعُ بِعَرُوضٍ أَوْ بِعَيْنٍ،
وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِتَقْوِيمِ مَالِهِ، وَأَدَاءِ
الزَّكَاةِ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ أَحْكَامِ ذَلِكَ
عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْمَالُ
الْعَيْنُ الَّذِي تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ،
وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِثْلُهُ، أَوْ مِثْلُ
بَعْضِهِ فَقَالَ قَائِلُونَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، إِلا أَنْ
يَكُونَ يَفْضُلُ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ الْعَيْنِ
مِقْدَارُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
، فَيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ:
أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَيْهِ فِيهِ
الزَّكَاةُ، وَلا يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ
الزَّكَاةَ عَنْهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعَيْنِ، وَقَدْ
رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ
565 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ
السَّائِبَ بْنَ يزَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: " هَذَا
شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
فَلْيَقْضِهِ وَزَكُّوا بَقِيَّةَ أَمْوَالِكُمْ "
566 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ
(1/282)
ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي
السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ
عَفَّانَ، خَطِيبًا فِي الزَّكَاةِ، يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا
شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ
فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ حَتَّى تُحَصَّلَ أَمْوَالُكُمْ
فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ "
567 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: "
هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
فَلْيُؤَدِّهِ، ثُمَّ لْتُؤَدُّوا زَكَاةَ مَا بَقِيَ " قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَهَذَا عُثْمَانُ قَدْ
أَمَرَهُمْ بِإِخْرَاجِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّيُونِ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ، وَزَكَاةِ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي
شَهْرِ زَكَاتِهِمْ، وَلَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ قَدْ وَجَبَتْ
عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، إِذَا مَا
أَزَالَ عَنْهُمْ إِخْرَاجُ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِقَضَاءِ
دُيُونِهِمْ، مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ أَلا تَرَى
أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ، ثُمَّ
إِنَّهُ أَخْرَجَ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ،
وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ
عَنْهُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا مَضَى مِنْ دَيْنِهِ
وَكَذَلِكَ لَوِ ابْتَاعَ بِهِ عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ،
أَوْ يُوهِبُهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ غَنِيٍّ،
أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُزِيلٍ عَنْهُ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ
فِيهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ
قَدْ رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا خَرَجَ لِقَضَاءِ
الدُّيُونِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ أَلا
زَكَاةَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنَ الْمَالِ إِذْ كَانَ
لاحُكْمَ لإِخْرَاجِ الْمَالِ عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ بَعْدَ
الْحَوْلِ تَزُولُ بِهِ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَوَجْهُ قَوْلِ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنَّ هَذَا شَهْرُ
زَكَاتِكُمْ "، أَيْ: أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي وَجَبَتْ
فِيهِ زَكَاتُكُمْ وَقَوْلِهِ: " زَكُّوا
مَا بَقِيَ "، دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ
قَبْلَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ
قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا
زَكَاةَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَكَانَ أَبْعَدَ خَلْقِ
اللهِ أَنْ يَعْلَمَهُم الْجَهَلَةُ فِي إِبْطَالِ
الزَّكَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ
هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
(1/283)
568 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ حَفْصَهَ، أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ
يَسَارٍ " عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ
" أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: لَا "
569 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " إِذَا كَانَ
لِلرَّجُلِ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ "
570 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
وَالشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمَا قَالا: " إِذَا كَانَ عَلَيْكَ
دَيْنٌ وَلَكَ مَالٌ فَاحْتَسِبْ دَيْنَكَ مِنْهُ، فَإِنَّمَا
زَكَاتُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ "
571 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعُودٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
طَاوُسٍ، قَالَ: " إِذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلا
تُزَكِّهِ، فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ "
572 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
وَنَافِعٍ، مَوْلَى
ابْنِ عُمَرَ، " فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ
مِثْلُهُ، قَالَ: " لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ " وَلَمَّا كَانَتِ
الْمَوَارِيثُ تَجِبُ لِلْوَارِثِينَ فِي أَمْوَالِ الْمَوْتَى
الْمُوَرَّثِينَ، وَكَانَتِ الزَّكَوَاتُ حُقُوقًا تَجِبُ
لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ الْمُزَكِّينَ،
وَكَانَ الدَّيْنُ يَمْنَعُ الْمَوَارِيثَ مِنْ أَمْوَالِ
الْمَوْتَى كَانَ الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَوَاتِ مِنْ
أَمْوَالِ الأَحْيَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ
عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَيَمْضِي عَلَيْهِ بَعْضُ
الْحَوْلِ، ثُمَّ يُفِيدُ بَعْدَ
(1/284)
ذَلِكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ
مِنْهَا، أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ يَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى
الأَوَّلِ، فَقَالَ القَائِلُونَ: يَضُمُّ الْفَائِدَةَ إِلَى
أَصْلِ الْمَالِ وَيُزَكِّي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ
عَلَى أَصْلِ الْمَالِ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ كَانَتْ هَذِهِ
الْفَائِدَةُ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ، أَوْ مِنْ
مِيرَاثٍ، أَوْ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ مِمَّا
سِوَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ وَمِمَّنْ قَالَ
بِذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي
يُوسُفَ قَالَ مُحَمَّدٌ، رَحِمَهُ اللهُ: وَهُوَ قَوْلُنَا
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: يَسْتَقْبِلُ بِكُلِّ فَائِدَةٍ
أَفَادَهَا حَوْلا جَدِيدًا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمُ
الشَّافِعِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَتِ الْفَائِدَةُ
مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَّاهَا مَعَ الْمَالِ
بِحَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ
هِبَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلا
جَدِيدًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالِكٌ فَكَانَ
مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا، وَذَلِكَ
أَنَّا رَأَيْنَا الْفَائِدَةَ الطَّارِئَةَ عَلَى الْمَالِ
لَا يَخْلُو مِنْ
أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ أَصْلِ الْمَالِ الَّذِي
طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ حُكْمَ نَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَ
حُكْمُهَا حُكْمَ نَفْسِهَا وَكَانَتْ غَيْرَ لاحِقَةٍ
بِأَصْلِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلا
جَدِيدًا وَلا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى تَكُونَ مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ أَصْلِ
الْمَالِ الَّذِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ لَحِقَتْ بِهِ فِي
مِقْدَارِهِ وَفِي حَوْلِهِ وَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ
الأَمْوَالَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ بِمِقْدَارٍ مِنْهَا
مَعْلُومٍ وَبِحَوْلٍ يَحُولُ عَلَيْهَا مَعْلُومٍ
وَأَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، وَإِنْ كَانَ
مِقْدَارُهَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى الانْفِرَادِ،
لاحِقَةٌ بِأَصْلِ الْمَالِ الَّذِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ فِي
مِقْدَارِهِ وَغَيْرُ مُرَاعً مِقْدَارُهَا فِي نَفْسِهَا
وَجَبَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لاحِقَةً بِأَصْلِ الْمَالِ فِي
حَوْلِهِ غَيْرَ مُرَاعً فِيهَا حَوْلُ نَفْسِهَا وَقَدْ
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا أَحْكَامَ زَكَاةِ الْوَرِقِ
وَمِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا اجْتُمِعَ
عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهُ فَأَمَّا
الذَّهَبُ فَمِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ نَقْرِهِ
وَعَيْنِهِ، وَمِنْ حُلِيِّهِ، وَمِنْ دَيْنِهِ، وَمِنْ
فَوَائِدِهِ، وَمِنْ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ، غَيْرَ
الْمِقْدَارِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ،
فَإِنَّهُ عِشْرُونَ مِثْقَالا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تِبْرًا
أَوْ عَيْنًا أَوْ حُلِيًّا، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ
مِثْقَالا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَجَبَ فِيهِ رُبُعُ
عُشْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ، وَهَذَا
مَا لَا اخْتِلافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ
(1/285)
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى
الْعِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ كَمَا اخْتَلَفُوا
فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ،
فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا: لَا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ عَلَى
الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَكَذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ
عَلَى الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ مِنَ
الذَّهَبِ، حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ
وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا فِيمَا زَادَ عَلَى المِائَتَيْنِ
مِنَ الْوَرِقِ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ
عَلَى الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ
بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَكَانَ مَذْهَبُ مَنْ ذَهَبَ أَنَّهُ لَا
شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ أَنَّ
مِقْدَارَ الأَرْبَعِينَ الدِّرْهَمِ مِنَ الْمِائَتَيْ
دِرْهَمٍ، فَقَالُوا بِذَلِكَ فِي الذَّهَبِ قِيَاسًا عَلَى
مَا رَوَوْهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ فِي
الْوَرِقِ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ
مَلَكَ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ
مِنَ الْوَرِقِ، وَحَالَ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْحَوْلِ
كَمْ يُسَاوِي مِنَ الذَّهَبِ؟ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا
عَشْرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَكْثَرَ ضَمَّ الْقِيمَةَ وَهِيَ
عَشْرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَكْثَرُ إِلَى الْعَشْرَةِ
الْعَيْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَزَكَّى عَنْ عِشْرِينَ
مِثْقَالا وَعَنْهَا وَعَنْ زِيَادَةٍ إِنْ كَانَتْ عَلَى
الْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ، كَمَا يُزَكِّي عَنِ الذَّهَبِ
لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ذَهَبًا، وَإِنْ قَصَّرَتْ قِيمَتُهَا
عَنْ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ نَظَرَ إِلَى قِيمَةِ الْعَشْرَةِ
الدَّنَانِيرِ مِنَ الْوَرِقِ فَضَمَّ قِيمَتَهَا مِنَ
الْوَرِقِ إِلَى الْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي فِي يَدِهِ،
وَزَكَّى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا يُزَكِّي عَنْهُ لَوْ
كَانَ وَرِقًا كُلُّهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ:
أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، فِيمَا قَلَّ
مِنَ الدَّنَانِيرِ وَمِنَ الدَّرَاهِمِ، وَفِيمَا كَثُرَ
مِنْهَا يُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، ثُمَّ
يُزَكِّي عَنْ أَوْفَرِهِمَا زَكَاةً كَمَا حَكَيْنَاهُ
عَنْهُمْ فِي الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ وَالْعَشْرَةِ
الدَّنَانِيرِ وَقَالَ قَائِلُونَ
مِنْهُمْ: لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَتَكَامَلَ مِنْ
أَحَدِهِمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمِمَّنْ قَالَ
بِذَلِكَ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ
(1/286)
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: لَا يَنْظُرُ
فِي ذَلِكَ إِلَى قِيمَةِ الذَّهَبِ، وَلا إِلَى قِيمَةِ
الْوَرِقِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى أَجْزَائِهِ، فَإِنْ كَانَ
عِنْدَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ قَدْ
صَارَ عِنْدَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ
اللَّذَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، فَيَقُومُ ذَلِكَ
مَقَامَ مَالٍ كَامِلٍ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ ذَلِكَ فِي يَدِهِ
الزَّكَاةُ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَيْنِ
رُبُعُ عُشْرِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ
دِرْهَمٍ، وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ، وَخَمْسَةُ
مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ
الْوَرِقِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ، فَقَدْ
صَارَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِ الْمِائَتَيْنِ ثَلاثَةُ
أَرْبَاعِهِ، وَمِنَ الآخَرِ إِذًا رُبُعُهُ، فَتَكَامَلَتِ
الأَجْزَاءُ، فَوَجَبَ فِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ
كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَرِقِ
وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ لَمْ تَجِبْ
عَلَيْهِ زَكَاةٌ، لأَنَّهُ إِنَّمَا مَعَهُ رُبُعُ أَحَدِ
الْمَالَيْنِ، وَأَقَلُّ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ
الآخَرِ، فَلَمْ تَتَكَامَلِ الأَجْزَاءُ فَلا شَيْءَ فِيهِ
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ، وَقَالا: لَا يُقَوَّمُ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، وَلا
فِضَّةٌ بِذَهَبٍ، وَلا يُرَدُّ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ
بِقِيمَةٍ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا مِمَّا
سِوَاهُمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو
يُوسُفَ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ
بِقَوْلِنَا هَذَا زَمَانًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى
الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْلُ مَالِكٍ
فِي
ذَلِكَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِيهِ وَقَدْ
رُوِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا
يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ جَعَلُوا فِي
الذَّهَبِ مَعَ الْوَرِقِ الصَّدَقَةَ، غَيْرَ أَنَّا لَا
نَدْرِي أَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ أَبِي
حَنِيفَةَ الأَوَّلِ أَوْ كَمَذْهَبِهِ الآخَرِ فِيهِ؟
573 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، فِي رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ
دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ، قَالَا: " عَلَيْهِ فِي
الْعَشْرَةِ الدَّنَانِيرِ وَالْمِائَةِ دِرْهَمٍ صَدَقَتُهَا
"
574 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ،
أَنَّهُ سَمِعَ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: إِنَّ "
مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
فِي الزَّكَاةِ "
(1/287)
وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا
فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَشْكَالِهِ لِنَعْطِفَ
عَلَيْهِ هَذَا الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا الْعُرُوضَ
الَّتِي لِلتِّجَارَاتِ إِذَا بِيعَتْ بِذَهَبٍ، ثُمَّ أبِيعَ
بِهِ عَرَضَ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ بِيعَ بِوَرِقٍ، ثُمَّ حَالَ
الْحَوْلُ أَنَّهُ يُزَكِّي إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ
مِنْ ذَلِكَ وَيُعْتَدُّ بذَلِكَ كُلِّهِ الْحَوْلُ وَاحِدٌ،
وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ صَارَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ
وَرِقًا، وَصَارَ فِي بَعْضِهِ ذَهَبًا، وَصَارَ فِي بَعْضِهِ
عَرَضًا يُقَوَّمَا بِوَرِقٍ، أَوْ بِذَهَبٍ فَجُمِعَتْ
أَحْكَامُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُعِلَتْ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَوْ لَمْ
يَحُلْ، وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ كَالْمَوَاشِي أَلا تَرَى
أَنَّ رَجُلا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ
سَائِمَةً، فَلَمَّا مَضَى بَعْضُ الْحَوْلِ بَاعَهَا
بِوَرِقٍ أَوْ بِذَهَبٍ، ثُمَّ ابْتَاعَ بِهِ إِبِلا سَائِمَةً
أَوْ بَاعَ الإِبِلَ السَّائِمَةَ بِإِبِلٍ سَائِمَةٍ، أَنَّهُ
يَسْتَأْنِفُ بهَا حولا جَدِيدا، وَإنَّهُ يسْلك بِالذَّهَب
وَالْفِضَّة وَالْعرُوض الَّتِي للتجارات هَذَا المسلك، وَجعل
حَوْلَهَا كُلَّهَا حَوْلا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ
قَدْ صَارَ فِيهِ أَجْنَاسًا إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الأَجْنَاسُ
مَرْدُودَةً إِلَى الْوَرِقِ وَإِلَى الذَّهَبِ، لَا إِلَى
أَنْفُسِهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَرْدُودُ إِلَى الذَّهَبِ
وَإِلَى الْوَرِقِ حُكْمُهُ حُكْمًا وَاحِدًا، لَا حُكْمَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرِقِ
وَمِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ خِلافَ صَاحِبِهِ كَمَا جُعِلَ
فِي الْمَوَاشِي، فَجُعِلَ حُكْمُ الإِبِلِ مِنْهَا غَيْرَ
حُكْمِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فِي حَوْلِهَا ثَبَتَ بذَلِكَ
أَنَّ حُكْمَ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ
أَيْضًا فِي ضَمِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ
لَا فِي حكم الجنسين الْمُخْتَلِفين اللَّذين لَا يضم كل
وَاحِد مِنْهُمَا إِلَيّ صَاحبه فِي قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ لِحَمَاسٍ: " قَوِّمْ مَالَكَ ثُمَّ زَكِّهِ "
بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ يَتَحَوَّلُ فِي
الْحَوْلِ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِلَى الدَّنَانِيرِ وَمِنَ
الدَّنَانِيرِ إِلَى الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ بَعْضِ الْعُرُوضِ
إِلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ عُمَرُ إِلَى ذَلِكَ عَلَى
اسْتِوَاءِ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَعُرُوضِ
للتِّجَارَاتِ، وَأَنَّهَا جَمِيعًا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ
مِنْ أُصُولِ الزَّكَوَاتِ لَا كَالْجِنْسَيْنِ
الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ
(1/288)
بَابُ زَكَاةِ الْمَوَاشِي الَّتِي
لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ
وَاخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي الَّتِي لَيْسَتْ
بِسَائِمَةٍ، فَأَوْجَبَ قَوْمٌ فِيهَا الزَّكَاةَ، مِنْهُمْ:
مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَسَوَّوْا بَيْنَ السَّائِمَةِ
وَغَيْرِهَا، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيِّ
575 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ
الْمُعَاوِيُّ، وَاللَّيْثُ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ وَهُوَ
خَلِيفَةٌ: " أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنَ الإِبِلِ الَّتِي
تَعْمَلُ فِي الرِّيفِ "
(1/289)
قَالَ: حَضَرْتُ ذَلِكَ وَعَايَنْتُهُ مِنْ
كِتَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
576 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: " رَأَيْتُ الإِبِلَ
الَّتِي تُكْرَى لِلْحَجِّ تُزَكَّى بِالْمَدِينَةِ وَيَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حُضُورٌ لَا
يُنْكِرُونَهُ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ "
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
سِوَاهُمَا، وَقَالُوا: لَا زَكَاةَ فِي الْمَوَاشِي غَيْرِ
السَّائِمَةِ مِنْهَا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ:
أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
التَّابِعِينَ
577 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " لَيْسَ فِي
الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ "
578 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ
579 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْبَقَرِ
الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ "
580 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "
لَيْسَ عَلَى مُثِيرَةِ الأَرْضِ زَكَاةٌ، وَلا عَلَى جَمَلِ
الظَّعِينَةِ "
581 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ،
عَنْ مَوْلًى لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ،
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: " لَيْسَ فِي الْبَقَرِ
الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ "
(1/290)
قَالَ مُغِيرَةُ: فَأَخْبَرْتُ ذَلِكَ
مُجَاهِدًا، فَقَالَ: " لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ "،
فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ إِبْرَاهِيمَ فَمَا عَابَهُ
582 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو
بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، أَنَّهُ كَانَ "
لَا يَرَى عَلَى الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ شَيْئًا "
583 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَجَّاجُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ رَفِيعٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "
أَنَّهُ لَيْسَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ
صَدَقَةٌ "
584 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ،
أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
كَتَبَ: " أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ
إِلا الْبَقَرُ الْمُبَقَّرَةُ، كَنَحْوِ الإِبِلِ
الْمُؤَبَّلَةِ "
585 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو، قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَّ
الْحَجَّاجَ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُلانٌ
الطَّحَّانُ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ،
قُلْتُ: إِنَّ لِي إِبِلا وَأَرَحًّا فَهَلْ فِيهَا صَدَقَةٌ؟
قَالَ: لَا "
586 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: "
الْحَمُولَةُ وَالْمُثِيرَةُ أَفِيهَا صَدَقَةٌ؟، قَالَ: لَا "
وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار: سمعنَا ذَلِك
587 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "
لَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ "
588 -
(1/291)
588 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
قَالَ: " لَيْسَ عَلَى ثَوْرٍ عَامِلٍ صَدَقَةٌ، وَلا عَلَى
جَمَلِ الظَّعِينَةِ صَدَقَةٌ "
589 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ،
وَحَمَّادًا، عَنِ الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ، فَقَالَ الْحَكَمُ:
" لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، وَقَالَ حَمَّادٌ: بَلْ فِيهَا
صَدَقَةٌ "، وَقَالَ قَائِلُونَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى
الْقَوْلِ الأَوَّلِ: لَيْسَ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا
مِنَ الإِبِلِ فَرْقٌ وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَوَامِلِ
مِنْهَا كَمَا تَجِبُ فِي السَّوَائِمِ مِنْهَا، لأَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عَامِلَةٍ وَلا سَائِمَةٍ
وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا
590 -حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرِ ويَحْيَى بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى الْمَازِنِيَّ
حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ
صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ
صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ
التَّمْرِ صَدَقَةٌ " قَالُوا: وَكَذَلِكَ كَتَبَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَائِرِ عُمَّالِهِ
عَلَى الصَّدَقَاتِ مِنْهُمْ: عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ، وَلَمْ
يَذْكُرْ فِيهَا سَائِمَةً وَلا عَامِلَةً، وَذَلِكَ
لاسْتِوَاءِ الأَحْكَامِ فِيهَا وَانْتِقَالَ الاخْتِلافِ
عَنْهَا فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِلآخَرِينَ مِنْ
أَهْلِ الْقَوْلِ الأَوَّلِ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ: " لَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ "، وَفِيهِ
أَيْضًا: " فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، فَلَمْ
يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الأَوْسُقِ عَلَى الْعُمُومِ، وَلا عَلَى كُلِّ الأَوْسَاقِ،
وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى خَاصٍّ مِنْهَا أَلا تَرَى أَنَّ مَنْ
كَانَ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تُخْرِجْهَا أَرْضُهُ
أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إِلا أَنْ تَكُونَ
لِلتِّجَارَةِ، فَبَلَغَ قِيمَتُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ، وَيَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَيُزَكِّيهَا
فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ "، إِنَّمَا
هُوَ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الأَوْسُقِ قَدْ فَهِمَهُ
الْمُخَاطَبُونَ بِهِ، كَانَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ " عَلَى خَاصٍّ مِنَ
الأَذْوَادِ قَدْ عَلِمَهُ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ
وَلَمَّا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ مِمَّنْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فَرَائِضُ الإِبِلِ عَلَى
مَا:
(1/292)
591 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
ضَمُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ
فِي صَدَقَةِ الإِبِلِ: " فِي خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ
شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي
عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ "، وَذَكَرَ فَرَائِضَ الإِبِلِ "
وَأَخْرَجَ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ
قَوْلِهِ: أَلا صَدَقَةَ عَلَى الْعَوَامِلِ مِنْهَا، عَلَى
مَا قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، دَلَّ ذَلِكَ
أَنَّ مُرَادَهُ الإِبِلُ السَّائِمَةُ، لَا الإِبِلُ
الْعَامِلَةُ ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ
وَلاهُ عَلَى الصَّدَقَةِ مَا:
592 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
لَمَّا اسْتُخْلِفَ وَجَّهَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى
الْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ: " هَذِهِ
فَرِيضَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَرَسُولُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ
فَوْقَهَا فَلا يُعْطِهَا: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ
الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ،
فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ
وَثَلاثِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَرَائِضَ
الإِبِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ، فَقَالَ:
وَصَدَقَةُ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ
أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا "
593 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَحَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
حَمَّادٌ، قَالَ: أَرْسَلَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ إِلَى
ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ
أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَ لأَنَسٍ حِينَ بَعَثَهُ
مُصَدِّقًا، قَالَ حَمَّادٌ: فَدَفَعَهُ إِلَيَّ، فَإِذَا
عَلَيْهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهِ ذِكْرُ فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ
الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ بِهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا
فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا فَلا
يُعْطِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ،
(1/293)
وَكَانَ قَدْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الإِبِلِ فِي
أَوَّلِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَصَدَ فِي الْغَنَمِ إِلَى
السَّائِمَةِ مِنْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْعَامِلَةَ
مِنْهَا بِخِلافِ السَّائِمَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ
الذِّكْرَ إِلَى السَّائِمَةِ فِي الصَّدَقَةِ إِلا
وَحُكْمُهَا خِلافُ مَا سِوَاهَا مِنَ الْمَوَاشِي غَيْرِ
السَّوَائِمِ مِنْهَا
وَلَمَّا كَانَ مَا خُوطِبْنَا بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنَ
الزَّكَوَاتِ لَمْ يُرَدْ بِهِ وُجُوبُهَا فِي كُلِّ
الأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ وُجُوبُهَا فِي خَاصٍّ
مِنَ الأَمْوَالِ وَجَبَ أَلا يَدْخُلَ فِيمَا أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخَاصُّ، إِلا مَا قَدْ
أَجْمَعُوا عَلَى دُخُولِهِ فِيهِ، وَمَا دَلَّ عَلَى
دُخُولِهِ فِيهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ قِيَاسٌ صَحِيحٌ
بَابُ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي السَّائِمَةِ
وَأَمَّا الْمَوَاشِي السَّائِمَةُ فَلا اخْتِلافَ بَيْنَ
أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَفِي
دُخُولِهَا فِي آيِ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْغَنَمِ فَلا شَيْءَ فِيهِ
حَتَّى تَكُونَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ
وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ كَذَلِكَ
فِيمَا فَوْقَ الأَرْبَعِينَ، حَتَّى تَكُونَ عِشْرِينَ
وَمِائَةً، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاتَانِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ
الإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ حَتَّى تَكُونَ
مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلاثُ
شِيَاهٍ ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ
وَالْوَاحِدَةِ حَتَّى تَكُونَ أَرْبَعَ مِائَةٍ، وَإِذَا
كَانَتْ أَرْبَعَ مِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ
كَذَلِكَ أَبَدًا فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ وَهَذَا مَا
لَا نَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعَمَلِ
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْبَقَرِ فَلا شَيْءَ فِيهِ
حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاثِينَ
وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ
مِنْهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ الثَّلاثِينَ، حَتَّى
تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا
مُسِنَّةٌ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ ثَلاثِينَ
تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ
قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى
الأَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ قَوْلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ
فِيهِ الزَّكَاةَ بِحِسَابِ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
(1/294)
وَالآخَرُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا
حَتَّى تَكُونَ سِتِّينَ، فَيَجِبَ فِيهَا تَبِيعَانِ، ثُمَّ
كَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى عَشْرَةٍ، فَلا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى
تَبْلُغَ عَشْرَةً أُخْرَى فَتُضَمَّ إِلَيْهَا فَزَكَّى عَلَى
حِسَابِ كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ،
وَكُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو
الْمُنْذِرِ أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ مِنْ رَأْيِهِمَا، حَدَّثَنَا
بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ رَأْيِهِ، وَحَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ رَأْيِهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلابَةَ،
وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي
خَمْسٍ مِنَ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَلَمْ نَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ
أَسَانِيدِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ مِنَ
الشَّوَاذِّ، وَمِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِذْ كَانَ
أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا سِوَاهُمْ عَلَى خِلافِ قَوْلِهِمْ
فِي ذَلِكَ، وَإِذْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ
بَعْدِهِ خِلافُ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ
594 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، وَشَقِيقٍ
كُلُّهُمْ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى
الْيَمَنِ " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ مِنَ
الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ
مُسِنَّةً "
595 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ
غُزَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ، أَنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي فَرَائِضِ
الْبَقَرِ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ
صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ
رَابِعٌ، وَالرَّابِعُ الْجَذَعُ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ
أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ
مُسِنَّةٌ "
596 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ
قَيْسٍ،
(1/295)
عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ
ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً
مُسِنَّةً، وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فأَبِي أَنْ يَأْخُذَ
مِنْهُ، وَقَالَ: " لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى أَلْقَاهُ
فَأَسْأَلَهُ فِيهِ "، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذٌ
597 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
ضَمُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " فِي ثَلاثِينَ
بَقَرَةً تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ "،
فِي قَصْدِهِمْ فِي هَذِهِ الآثَارِ إِلَى الثَّلاثِينَ
وَإِلَى الأَرْبَعِينَ دَلِيلٌ أَنَّ حُكْمَ مَا دُونَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهَا بِخِلافِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
أَيْضًا أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا أُتِيَ بِدُونِ ذَلِكَ فلَمْ
يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، إِذْ كَانَ مَا قَالَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ
غَيْرَ مُبِيحٍ لَهُ أَخْذَ الزَّكَاةِ مِمَّا دُونَ ذَلِكَ
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الإِبِلِ فَلا شَيْءَ فِيهِ
حَتَّى تَكُونَ خَمْسًا، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَحَالَ
عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ كَذَلِكَ فَوْقَ
الْخَمْسِ حَتَّى تَكُونَ عَشْرًا، فَإِذَا كَانَتْ عَشْرًا
فَفِيهَا شَاتَانِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ الْعَشْرِ
حَتَّى تَكُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ، فإِذَا كَانَتْ خَمْسَ
عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى
تَكُونَ عِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا
أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ الْعِشْرِينَ
حَتَّى تَكُونَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ
فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَهَذَا مَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ
اخْتِلافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا إِلا شَيْءٌ
يُرْوَى فِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يُخَالِفُ
ذَلِكَ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ خَاصَّةً، وَهُوَ أَنَّهُ
رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ
شِيَاهٍ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ
مَخَاضٍ
598 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمُرَةَ، عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ
(1/296)
عَنْهُ
وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ دَفَعَتْهُ الآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي
خِلافِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ عُمَرَ فِي كُتُبِ
صَدَقَاتِهِمْ لِوُلاتِهِمْ عَلَيْهَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا:
599 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
لَمَّا اسْتُخْلِفَ وَجَّهَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى
الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ: " هَذِهِ
فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي
أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ
سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِهَا، وَفِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ
شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ
وَثَلاثِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا
بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ
فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ "
600 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
قَالَ: " أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
كَتَبَهُ لأَنَسٍ حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، وَعَلَيْهِ
خَاتَمُ أَبِي بِكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَخَاتَمُ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبَهُ لِي،
فَإِذَا فِيهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِهَا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا
يُعْطِهَا: فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ
الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ
خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ
وَثَلاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ
فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ "
601 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَرْسَلَنِي
ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ إِلَى ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَنَسٍ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي
كَتَبَهُ لأَنَسٍ حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، قَالَ حَمَّادٌ:
فَدَفَعَهُ إِلَيَّ، فَإِذَا فِيهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهِ ذِكْرُ
فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي
أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نَبِيَّهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الرَّبِيع
(1/297)
602 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ غُزَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ
هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَرِيضَةُ الإِبِلِ لَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ
خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى تِسْعٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ
عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا
بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى
تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا
أَرْبَعُ شِيَاهٍ إِلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ
فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدِ ابْنَةُ
مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ "
603 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ
عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمٌ،
وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا عِبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،
فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، هِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ سَالِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيِ
ابْنِ عُمَرَ، حَتَّى أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ
عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
604 - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ
حَارِثٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي خَالِدٍ
الدَّالانِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّايِغِ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ بِنْتُ
مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ
ذَكَرٌ "
605 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يَأْخُذُ صَدَقَاتِ
الإِبِلِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
606 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: " فِي
خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي
خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ
شِيَاهٍ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ
(1/298)
فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ فِي الإِبِلِ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ "
607 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
أَرْسَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ،
وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَوَجَدَ عِنْدَ آلِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي
الصَّدَقَاتِ، وَوَجَدَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ كِتَابَ عُمَرَ فِي
الصَّدَقَاتِ مِثْلَ كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْخًا، فَحَدَّثَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ
طَلَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ
يَنْسَخَهُ مَا فِي ذَيْنِكَ الْكِتَابَيْنِ، فَنَسَخَ لَهُ
مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَكَانَ مِمَّا فِيهِ أَنَّ
الإِبِلَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا،
فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ
تِسْعًا، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى
أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً
فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ عَشْرَةَ،
فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إِلَى
أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا صَارَتْ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ
فِي الإِبِلِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ
فَكَانَتْ هَذِهِ الآثَارُ دَافِعَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ
أَنَّ فِيهَا خَمْسَ شِيَاهٍ، مَعَ أَنَّ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيَّ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ صَحِيحًا عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ: عَلِيٌّ كَرَّمَ
اللهُ وَجْهَهُ أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا ثُمَّ
النَّظَرُ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ يَدْفَعُ
هَذَا الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَيَشْهَدُ لِمَا
رُوِّينَاهُ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّا
رَأَيْنَا حُكْمَ الإِبِلِ مِنَ الْوَاحِدَةِ إِلَى الْخَمْسِ
وَالْعِشْرِينَ، كُلَّمَا وَجَبَتْ فِيهِ مِنْهَا فَرْضٌ
مَعْلُومٌ فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الْفَرْضِ
بِعَيْنِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَدَدًا مَعْلُومًا، ثُمَّ كَذَلِكَ
فَمَا بَعْدَ السِّتِّ وَالْعِشْرِينَ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى
يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْضِ الَّذِي بَعْدَهُ عَدَدٌ
مَعْلُومٌ لَا يُوجِبُ فَرْضًا مُسْتَحْدَثًا، فَكَانَ
الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ
الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِذَا وَجَبَ فِيهَا فَرْضٌ
مَعْلُومٌ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا شَيْءٌ
حَتَّى تَبْلُغَ مِقْدَارًا لَهُ عَدَدٌ مَعْلُومٌ
(1/299)
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ
هَذِهِ الآثَارِ، " فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الإِبِلِ بِنْتُ
مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ "، وَهَذَا مَوْضِعٌ
يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَقَائِلُونَ مِنْهُمْ
يَقُولُونَ: هَذَا الْوَاجِبُ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ
مِنَ الإِبِلِ إِذَا لَمْ تُوجَدْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ
وَقَائِلُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَجِبُ فِيهَا ابْنُ
لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ
إِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهَا، أَوْ جَاءَ بِهَا صَاحِبُ
الإِبِلِ مِمَّا سِوَاهَا، أَوْ قَيِمَتُهَا دَرَاهِمُ أَوْ
دَنَانِيرُ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللهُ يَقُولُونَ فِي
هَذَا، وَالآثَارُ كُلُّهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ
الَّذِي رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إِلا حَدِيثُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا
الْبَابِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ، فَإِنَّ هَذَا
الْحَرْفَ لَيْسَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَنْهُ بِهِ، وَحَدِيثِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ سَمَاعًا وَالنَّظَرُ مَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ
جَمِيعَ الْفَرَائِضِ فِي الصَّدَقَاتِ فِي الإِبِلِ لَيْسَ
فِيهَا ذِكْرُ الْمَذْكُورِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إِنَّمَا
فِيهَا بَنَاتُ مَخَاضٍ، وَبَنَاتُ لَبُونٍ، وَحِقَاقٌ،
وَجَدَعَاتٌ، وَشِيَاهٌ، وَنَهَى عَنْ أَخْذِ تَيْسِ
الْغَنَمِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَلا يَدْخُلَ
فِيهَا الذَّكَرَانِ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ وَالآثَارُ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ
أَصْحَابِهِ أَوْلَى مِنَ النَّظَرِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ
الآثَارَ عِنْدَنَا لَمْ تَتَّصِلْ بِأَبِي حَنِيفَةَ،
وَزُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَلَوِ اتَّصَلَتْ
بِهِمْ عِنْدَنَا لَقَالُوا بِهَا، لأَنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ
الْخُلْفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ
مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ كَمَا فِي الْخَمْسِ
وَالْعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ حَتَّى تَكُونَ سِتًّا
وَثَلاثِينَ، فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ فَفِيهَا
ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى أَنْ تَكُونَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ،
فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى
أَنْ تَكُونَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى
وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى أَنْ تَكُونَ سِتًّا
وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا
ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى أَنْ تَكُونَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ،
فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ
إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذَا فَمَذْكُورٌ فِي الآثَارِ
الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي فَرَائِضِ
الإِبِلِ فِي كُلِّ أَثَرٍ مِنْهَا عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ،
وَلا اخْتِلافَ فِي ذَلِكَ عَلِمْنَاهُ بَيْنَ أَهْلِ
الْعِلْمِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالمِائَةِ،
فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي
ذَلِكَ وَيَفْتَرِقُونَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ
(1/300)
فَفِرْقَةٌ تَقُولُ: مَا زَادَ عَلَى
الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ
لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمِمَّنْ يَقُولُ
ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي
كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ
608 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا
اسْتُخْلِفَ وَجَّهَ أَنَسًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ
لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي
قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَسَاقَ فِيهِ فَرَائِضَ الإِبِلِ
عَلَى مَا ذَكَرْنَاهَا، حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ،
قَالَ: فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى
وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ
طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي
كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ "
609 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَرْسَلَنِي
ثَابِتٌ إِلَى ثُمَامَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَهُ الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَذَكَرَ
فِيهِ: فَمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ مِثْلُ
مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَرْزُوقٍ عَنِ
الأَنْصَارِيِّ
610 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ
611 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا
كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَذَكَرَ فَرِيضَةَ الإِبِلِ عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَقَالَ فِيهَا: " فَمَا
زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ
حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَهُ لَبُونٍ "
612 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّتِي كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ
عُمَرَ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمٌ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا عُمَرَ،
فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ سَالِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيِ
ابْنِ عُمَرَ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَ
عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
(1/301)
613 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَرَائِضَ الإِبِلِ
فَذَكَرَ مِثْلَهُ
614 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ
عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، فَذَكَرَ فَرَائِضَ الإِبِلِ وَفِيمَا
ذَكَرَ مِنْهَا: " أَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ
خَمْسِينَ حِقَّةٌ "
615 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ،
ثُمَّ قَالَ: " فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ
بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ " وَفِرْقَةٌ
تَقُولُ: مَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وِالْمِائَةِ فَلا
شَيْءَ فِيهِ غَيْرُ الْحِقَّتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِينَ
وَمِائَةً، فَتَكُونَ فِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ،
ثُمَّ يُجْرِي الْفَرْضَ فِيهَا كَذَلِكَ عَشَرَاتٍ عَشَرَاتٍ،
تُجْعَلُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ
خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي كِتَابٍ لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ
616 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرْسَلَ إِلَى
الْمَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ، وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، فَوَجَدَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ، وَوَجَدَ عِنْدَ آلِ
عُمَرَ كِتَابَ عُمَرَ فِي الصَّدَقَاتِ مِثْلَ كِتَابِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَسَخْنَا، فَحَدَّثَنِي عَمْرٌو: أَنَّهُ طَلَبَ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يَنْسَخَهُ مَا فِي
ذَيْنِكَ الْكِتَابَيْنِ فَنَسَخَ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ،
(1/302)
فَكَانَ مِمَّا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ
أَنَّ الإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى تِسْعِينَ وَاحِدَةً
فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ
عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً
فَلَيْسَ فِيمَا زَادَ فِيهَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ، فَإِذَا
بَلَغَتْ ثَلاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ
وَحِقَّةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا
كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ
لَبُونٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا
كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ
أَجْرَى الْفَرْضَ كَذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثَ مِائَةٍ،
فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاثَ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ
حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ "
وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: مَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ
وَالْمِائَةِ اسْتُؤْنِفَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ، فَجُعِلَ فِي
خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ إِلَى
ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَفِيهَا
حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ،
فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَثَلاثُ
شِيَاهٍ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ
كَذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ إِلَى خَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَفِيهَا
حِقَّتَانِ وَابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ،
فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَفِيهَا ثَلاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ
كَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ
تُسْتَقْبَلُ فِيهَا الْفَرِيضَةُ كَهِيَ فِي بَدْءِ زَكَوَاتِ
الإِبِلِ حَتَّى تَنْتَهِيَ الزِّيَادَةُ إِلَى مِائَتَيْنِ،
فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ كَمَا
كَانَ فِيهَا لَمَّا كَانَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ،
ثُمَّ كَذَلِكَ يَمْتَثِلُونَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ زَائِدَةٍ
عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ الإِبِلِ الزَّائِدَةِ عَلَى
عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فِيمَا
حَدَّثَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ
قَوْلِهِمَا، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ
وَقَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
617 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: " قُلْتُ
لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: اكْتُبْ لِي كِتَابَ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَكَتَبَهُ لِي فِي
وَرَقَةٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخَذَهُ
مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،
وَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَتَبَهُ لِجَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي ذِكْرِ
مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الإِبِلِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ
أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى
أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَمَا فَضَلَ
فَإِنَّهُ يُعَادُ إِلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ، فَمَا
كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ فِي
كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ "
618 -
(1/303)
618 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَقَدْ رَوَى
فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ
619 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
قَالَ: " إِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً يَعْنِي
الإِبِلَ، اسْتَأْنَفْتَ الْفَرَائِضَ "
620 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،
وَزِيَادَةُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ: " إِذَا
زَادَت عَلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتِ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةَ
اسْتُقْبِلَتْ بِالْغَنَمِ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفَرَائِضُ الإِبِلِ، فَإِذَا
كَثُرَتِ الإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ " قَالَ
أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا الْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ
فَإِنَّ الأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلَ
الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ أَنَّهُ لَا اسْتِئْنَافَ فِيهِ،
وَإِنَّمَا يُزَادُ فِي عَدَدِهِ أَوْ يُغْلَطُ فِي
أَسْنَانِهِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ إِلَى هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ
مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا،
وَأَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهِ زَائِدًا فِي الْعَدَدِ
وَارْتِفَاعٍ فِي أَسْنَانٍ غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا
الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ
مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، يَقُولُونَ: إِذَا زَادَتْ عَلَى
الْعِشْرِينَ وِالْمِائَةِ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ
لَبُونٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ يُزَكِّي عِنْدَنَا لِمَا
كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ
وِالْمِائَةِ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَاهُمْ يَجْعَلُونَ فِي
كُلِّ خَمْسٍ شَاةً، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ عَشْرًا،
فَيَجْعَلُونَ فِيهَا شَاتَيْنِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي كُلِّ
خَمْسٍ شَاةً حَتَّى تَكُونَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ
فَيَجْعَلُونَ فِيهَا ابْنَةَ مَخَاضٍ، وَكَذَلِكَ فِي
مَرَاتِبِ فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ فِي الإِبِلِ حَتَّى
يُلْفُوا بِهَا عِشْرِينَ وَمِائَةً، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى
كُلِّ فَرِيضَةٍ فَلا يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلْفَرْضِ فِيمَا
قَبْلَهُ حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِيهَا فَرِيضَةً
فَتَكُونَ تِلْكَ الْفَرِيضَةُ مُغَيِّرَةً لِلْفَرْضِ فِيمَا
قَبْلَهَا، وَكَانَتِ الْوَاحِدَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى
الْعِشْرِينَ وَمِائَةً لَا فَرْضَ فِيهَا عِنْدَ جَمِيعِهِمْ
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِالاسْتِئْنَافِ لَمْ يَجْعَلُوا
فِيهَا شَيْئًا لِتَقْصِيرِهَا عَنِ الْخَمْسِ الَّتِي تَجِبُ
فِيهَا الشَّاةُ عِنْدَهُمْ
(1/304)
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: فِي كُلِّ
أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ،
فَجَعَلُوا فِيهَا كُلِّهَا ثَلاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ عَلَى
أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا ابْنَةَ لَبُونٍ، فَكَانَ
فِي ذَلِكَ نَفْيٌ مِنْهُمْ لِلْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى
الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَنَّ فِيهَا فَرِيضَةً، فَلَمَّا
كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَوَجَبَ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى أَهْلِ
هَذَا الْقَوْلِ الْخُرُوجُ مِنْ أُصُولِهِمْ، وَالتَّرْكُ
لِلْمَرَاتِبِ الَّتِي رُتِّبَتْ عَلَيْهَا الزَّكَوَاتُ فِي
الإِبِلِ فِيمَا قَبْلَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ
الَّذِينَ قَالُوا بِالاسْتِئْنَافِ لَمَّا لَمْ يَجْعَلُوا
فِي الْوَاحِدَةِ شَيْئًا، لَمْ يُغَيِّرُوا بِهَا حُكْمَ مَا
قَبْلَهَا، كَانُوا يَلْزَمُونَ الْمَرَاتِبَ الَّتِي
رُتِّبَتْ عَلَيْهَا الزَّكَوَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى،
وَكَانَ قَوْلُهُمْ فِي هَذَا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ
جَعَلُوا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ
خَمْسِينَ حِقَّةً عَلَى مَا يَجْعَلُهَا عَلَيْهِ مَالِكٌ،
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ وَالْقَوْلُ الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَوْلَى
بِالْقِيَاسِ مِمَّا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، لأَنَّ
أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى
الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ جَعَلُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ
فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ
حِقَّةً، فَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ يَتَّفِقُ أَرْبَعِينَ
أَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسِينَ خَمْسِينَ، أَوْ أَرْبَعِينَ
وَخَمْسِينَ عَلَى ذَلِكَ مَا بَلَغَ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا
بِمَا دُونَ ذَلِكَ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ، كَمَا فَعَلَ مَنْ
جَعَلَ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلاثَ بَنَاتِ
لَبُونٍ، فَغَيَّرَ بِالْوَاحِدَةِ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا، وَلا
حُكْمَ لَهُ فِي نَفْسِهَا وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو
حَنِيفَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ
، فَهُوَ أَجْوَدُ وَأَوْلَى بِالْقِيَاسِ مِمَّا ذَهَبَ
إِلَيْهِ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي
حَكَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا، بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَدْخُلُ عَلَى
قَائِلِيهِ، وَأَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا ابْتِدَاءَ
فَرَائِضِ الإِبِلِ، أَنَّ فِي خَمْسٍ شَاةً، ثُمَّ لَيْسَ
يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ
الْخَمْسِ الأُولَى فَتَكُونَ عَشْرًا، فَتَجِبَ فِيهِ
شَاتَانِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ أَيْضًا كَالزِّيَادَةِ الأُولَى
فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ فَتَكُونَ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِذَا
بَلَغَتْ ذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ ابْنَةِ الْمَخَاضِ
حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ
الأُولَى، فَتَكُونَ الزِّيَادَةُ هَاهُنَا عَشْرًا، فَإِذَا
صَارَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ كَانَتْ فِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ،
ثُمَّ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهَا، حَتَّى تَكُونَ
الزِّيَادَةُ عَشْرًا، فَإِذَا جَاوَزَتْ خَمْسًا
وَأَرْبَعِينَ كَانَتْ فِيهَا حِقَّةٌ، ثُمَّ لَمْ يَتَغَيَّرْ
حُكْمُهَا حَتَّى تَكُونَ الزِّيَادَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، ثُمَّ
كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، فَتَكُونَ
فِيهَا حِقَّتَانِ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا حَتَّى
تَكُونَ الزِّيَادَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَرَأَيْنَا كُلَّ
زِيَادَةٍ بَيْنَ كُلِّ فَرِيضَتَيْنِ مِنْ فَرَائِضِ
الإِبِلِ، فَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهَا أَوْ
أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَمْ نَجِدْ فِيهَا شَيْئًا أَقَلَّ مِنَ
الزِّيَادَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ
مِثْلَ الزِّيَادَةِ الأُولَى أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا جُمِعَتْ
إِلَى مَا تَقَدَّمَتْهَا مِنَ الإِبِلِ، كَذَلِكَ حُكْمُهُ
حُكْمٌ وَاحِدٌ
(1/305)
وَرَأَيْنَا الَّذِينَ قَالُوا بِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ جَعَلُوا فِي عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
حِقَّتَيْنِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ سَبْعَ
عَشْرَةَ، ثُمَّ جَعَلُوا فِي ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ بِنْتَيْ
لَبُونٍ وَحِقَّةً، فَجَمَعُوهَا مَعَ مَا تَقَدَّمَهَا قَبْلَ
أَنْ تَكُونَ
الزِّيَادَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ مِثْلَ
الزِّيَادَةِ الَّتِي بَيْنَ التِّسْعِينَ وَالْعِشْرِينَ
وَالْمِائَةِ، وَكَانَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
لَمْ يَجْمَعْهَا إِلَيْهَا حَتَّى تَكُونَ خَمْسِينَ
وَمِائَةً، فَتَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ
وَمِائَةٍ مِثْلَ الزِّيَادَةِ عَلَى التِّسْعِينَ إِلَى
الْعَشْرِينَ وَالْمِائَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ
الْفَرَائِضِ فِي الْمَوَاشِي السَّائِمَةِ، فَعَلَى
الْمَسَانِّ مِنْهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَجَاجِيلَ
كُلُّهَا، أَوْ فُصْلانًا كُلُّهَا، أَوْ حُمْلانًا كُلُّهَا،
فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ،
فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: لَا شَيْءَ فِيهَا، وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ
الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ:
وَهُوَ قَوْلُنَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ الشَّعْبِيِّ
621 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: "
لَيْسَ عَلَى الْفِصَالِ حَتَّى تَكُونَ بَنَاتَ مَخَاضٍ
صَدَقَةٌ وَلا عَلَى السِّخَالِ وَلا عَلَى الْبَقَرِ حَتَّى
تُجْذِعَنَّ " وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: فِيهَا مِثْلُ
الَّذِي كَانَ يَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَتْ مَسَانًّا كُلُّهَا،
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: زُفَرُ، حَدَّثَنَا
بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ بِهَذَا
الْقَوْلِ وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: فِيهَا الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ
الْعَدَدُ الَّذِي يَجِبُ فِيهَا مِنْهَا، وَلا يُكَلَّفُ
صَاحِبُهَا أَنْ
(1/306)
يَأْتِيَ بِمَا هُوَ أَسَنُّ مِنْ
جَمِيعِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ: أَبُو يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ بِمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ
زِدْنَا فِي كَشْفِ مَعْنَاهُ وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ
الأَقْوَالُ الثَّلاثَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرَ أَنَّ
آخِرَ أَقْوَالِهِ الَّتِي ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْهَا الْقَوْلُ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، حَدَّثَنَا
بِذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ هَذِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ سُمَّاعَةَ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ قَالَ هَذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا،
وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا
فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ
أَشْكَالِهِ لِنَعْطِفَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَيْهِ،
فَرَأَيْنَاهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمَوَاشِي: إِذَا كَانَتْ
مَسَانًّا وَصِغَارًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْمَسَانُّ مِنْهَا
فِي هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَحَالَ
عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَى صَاحِبِهَا
بِصِغَارِهَا كمَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ بِمَسَانِّهَا وَكَذَلِكَ
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي
الاحْتِسَابِ بِالصِّغَارِ عَلَى أَهْلِهَا مَعَ الْكِبَارِ
مِنْهَا
622- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ
الدَّيْلِيِّ، عَنِ ابْنٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سُفْيَانَ
الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَثَهُ
مُصَدِّقًا وَكَانَ يَعْتَدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ،
فَقَالُوا: أَتَعْتَدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ، وَلا تَأْخُذُ
مِنْهَا شَيْئًا؟ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: " نَعَمْ، نَعْتَدُّ عَلَيْهِمْ
بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلا نَأْخُذُهَا، وَلا
نَأْخُذُ الأَكُولَةَ، وَلا الرُّبى، وَلا الْماخضَ، وَلا
فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ،
وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ "
623- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ
مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقَ الْمَكِّيِّ، قَالَ:
بَعَثَ عُمَرُ عَامِلا لَهُ مِنْ ثَقِيفٍ عَلَى الصَّدَقَةِ،
فَتَخَلَّفَ يَوْمًا، فَقَالَ: " لَا أَرَاكَ مُتَخَلِّفًا،
وَلَكَ أَجْرُ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّكَ لَتَقُولُ
ذَلِكَ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ: إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَنَا
تَحْسِبُونَ عَلَيْنَا الصَّغِيرَةَ وَلا تَأْخُذُونَهَا،
قَالَ: " احْسِبْهَا، وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي فِي
كَفِّهِ، وَأَنْتَ أَيْضًا فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّا نَدَعُ
الرُّبى، وَالأَكِيلَةَ، وَالْمَاخِضَ، وَالْفَحْلَ " قَالَ
الْحَكَمُ: الرُّبَّى: الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا،
وَالأَكِيلَةُ: السَّمِينَةُ، وَالْمَاخِضُ: الْوَالِدُ،
وَالْفَحْلُ: هُوَ الْفَحْلُ الْمَعْرُوفُ
624- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ
(1/307)
عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ عَلَى
صَدَقَاتِ قَوْمِي، فَاعْتَدَدْتُ لَهُمْ بِالْبُهْمِ،
فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَعُدُّهَا مِنَ الْغَنَمِ فَخُذْهَا
مِنْهَا، فَلَقِيتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ:
" اعْتَدَّ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي
يَحْمِلُهَا فِي كَفِّهِ " وَقَالَ: " إِنَّا نَدَعُ لَهُمُ
الْمَاخِضَ، وَالرُّبَّى، وَشَاةَ اللَّحْمِ، وَفَحْلَ
الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَ، وَالثَّنِيَّ، فَذَلِكَ
وَسَطٌ مِنَ الْمَالِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ " فَلَمَّا
كَانَتِ الصِّغَارُ تُحْتَسَبُ بِهَا فِيمَا ذَكَرْنَا حَتَّى
تُجْعَلَ كَالْمَسَانِّ كُلِّهَا، كَانَتْ كَذَلِكَ إِذَا
كَانَتْ صِغَارًا كُلُّهَا كَالْمَسَانِّ فِي الْوَاجِبِ
فِيهَا وَكَانَ مِمَّا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ،
أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ فِيمَا ذَكَرْتَ، لَكَانَتِ
الْمُسِنَّةُ تُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ وَإِنْ جَاوَزَتْ
قِيمَتُهَا قِيَمَ الصِّغَارِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ كَذَلِكَ، لأَنَّا وَجَدْنَا الزَّكَاةَ الْمُتَّفَقَ
عَلَيْهَا، إِنَّمَا هِيَ أَجْزَاءٌ مِنَ الْمَالِ الَّذِي
وَجَبَتْ فِيهِ، أَوْ شَيْءٌ تَكُونُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ جُزْءٍ
مِنَ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَلا تَكُونُ قِيمَةً
تَفِي بِالْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَلا تُجَاوِزُهُ،
فَبَطَلَ بِذَلِكَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ، وَثَبَتَ أَحَدُ
الْقَوْلَيْنِ، وَلَمَّا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْمُسِنَّةُ
تَجِبُ فِي غَيْرِ الْمَسَانِّ، وَكَانَتِ الْمَاشِيَةُ إِذَا
كَانَ فِيهَا صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَوَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ،
وَلَمْ يُؤْخَذِ الصِّغَارُ عَنْ زَكَاتِهَا وَأُخِذَ مِنَ
الْكِبَارِ عَنْ زَكَاتِهَا بِمِقْدَارِ مَا وَجَبَ فِيهَا،
وَكَانَتْ إِذَا كَانَتْ صِغَارًا وَلَيْسَ مَا يُؤْخَذُ فِي
الزَّكَاةِ عَنِ الْكِبَارِ، وَلا مِنَ الْكِبَارِ
وَالصِّغَارِ، بَطَلَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا زَكَاةٌ
أَصْلا، كَمَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولانِ
فِي ذَلِكَ
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْ
فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ
الَّتِي ذَكَرْنَا، فَوَجَدْنَا
625- يَزِيدَ بْنَ سِنَانَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ
قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ نُقَاتِلُ النَّاسَ؟
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى
يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ
إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا
بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ،
فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُوا
مِنِّي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى
مَنْعِهَا،
(1/308)
قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلا
رَأَيْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي
بَكْرٍ بِالْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
626- حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
627 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ
بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَوَّامِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوُدَ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ أَسَدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، قَالَ: فَقَالَ
عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، قَالَ:
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ
وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ " وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَمَا
كَانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ:
فَلَمَّا رَأَيْتُ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ قَدْ شُرِحَ عَرَفْتُ
أَنَّهُ الْحَقُّ وَكَانَ فِيمَا رُوِّينَا مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي
عَنَاقًا كَانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، فَكَانَ
فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَنَاقَ قَدْ كَانَتْ
تُؤَدَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ، وَلا اخْتِلافَ بَيْنَ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّ الْغَنَمَ إِذَا كَانَتْ مِنْهَا مَسَانٌّ
وَعَنَقٌ، أَنَّ صَدَقَاتِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمَسَانِّ
لَا مِنَ الْعَنَقِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ
الْعَنَقَ لَمْ يَكُنْ يُؤَدَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مِنْ عَنَقٍ لَا مَسَانَّ
فِيهَا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ مِنَ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي
هَذَا الْبَابِ
(1/309)
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَوَاشِي
الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا صِغَارًا، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ عِجَافًا
كُلُّهَا، وَكَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ
عِجَافٌ لَا تُسَاوِي شَاةً، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ
يَقُولُ فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: فِيهَا
وَاحِدٌ مِنْهَا، قَالَ: وَلا أُوجِبُ عَلَيْهِ وَاحِدًا مِنْ
غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكَانَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ، يَقُولُ: أَعْتَبِرُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ،
فَأَقُولُ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ
أَوْسَاطٌ لَكَانَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ وَسَطٌ، فَإِذَا كَانَتْ
عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ عِجَافٌا نَظَرْتُ إِلَى
خَمْسَةٍ مِنَ الأَوْسَاطِ، فَكَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةَ
دِرْهَمٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِشْرُونَ
دِرْهَمًا، فَفِيهَا شَاةٌ وَسَطٌ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ
دَرَاهِمَ، فَأَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي
قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي خَمْسٍ
مِنَ الإِبِلِ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتِ
الإِبِلُ عِجَافًا لَا تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ نَظَرْتُ
كَمْ قِيمَتُهَا مِنَ الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ؟ وَكَأَنَّهَا
مَثَلا عِشْرُونَ دِرْهَمًا قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا
أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَعَلِمْتُ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي
الْعَشْرِ مِنَ الْوَاجِبِ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةٌ، فَأَقُولُ
لِصَاحِبِ الإِبِلِ الْخَمْسِ الْعِجَافِ عَلَيْكَ شَاةٌ
قِيمَتُهَا دِرْهَمَانِ، فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَى هَذَا
الْمُصَدِّقِ شَاةً قِيمَتُهَا دِرْهَمَانِ قَبِلَهَا مِنْكَ،
وَإِنْ أَدَّيْتَ إِلَيْهِ شِرْكًا مِنْ شَاةٍ يُسَاوِي ذَلِكَ
الشِّرْكَ مِنْهَا دِرْهَمَانِ قَبِلَهُ مِنْكَ، وَإِنْ
أَدَّيْتَ إِلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ قَبِلَهُمَا مِنْكَ، فَكَانَ
هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
الْعَدَدِ مِنَ الْمَوَاشِي إِذَا كَانَتْ صِغَارًا
وَكِبَارًا، وَكَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ
مِنَ الْغَنَمِ مَسَانٌّ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ صِغَارٌ،
وَيَكْمُلُ بِهَا الْعَدَدُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
مِنْهَا، فَقَالَ
قَائِلُونَ: فِيهَا الزَّكَاةُ وَتَعْتَدُّ بِصِغَارِهَا،
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَمَالِكٌ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ،
رَحِمَهُمُ اللهُ وَقَالَ قَائِلُونَ: لَا يَعْتَدُّ
بِالصِّغَارِ مَعَ الْكِبَارِ، حَتَّى تَكُونَ الْكِبَارُ
أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ مَا
عَلِمْنَا أَحَدًا تَقَدَّمَهُ فِيهِ، وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ
خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لأَنَّهُ
أَمَرَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ حِينَ
بَعَثَهُ مُصَدِّقًا أَنْ يَعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ
يَحْمِلُهَا الرَّاعِي فِي كَفِّهِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ فِي
ذَلِكَ أَرْبَعِينَ، وَلا غَيْرَ أَرْبَعِينَ وَجَعَلَ ذَلِكَ
مُطْلَقًا فِي كُلِّ الْمَوَاشِي، وَلا نَعْلَمُ عَمَّنْ
أَخَذَ هَذَا التَّفْصِيلَ
(1/310)
فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ الَّذِي رُوِّينَاهُ فَقَدْ خَالَفَهُ، وَقَدْ يَكُونُ
عِنْدَ الرَّجُلِ الْغَنَمُ مِنَ الْمَسَانِّ فِي أَوَّلِ
الْحَوْلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا، يَمُوتُ مِنْهَا بَعْضُهَا،
ثُمَّ تَلِدُ الْبَاقِيَاتُ مِنْهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ
بِيَوْمٍ، مَا يَكْمُلُ بِهِ الأَرْبَعُونَ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ
فِي قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " احْسِبْهَا
عَلَيْهِمْ، وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا فِي
كَفِّهِ "، وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الأَرْبَعِينَ
الَّتِي قَدْ كَمُلَتْ بِالأَوْلادِ مَا عَلَيْهِ فِي
الأَرْبَعِينَ الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ كُلِّهَا
وَهِيَ فِي يَدِهِ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، يَقُولُونَ فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُنَا
بَابُ الْخُلَطَاءِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ
لَهُمَا مِنَ الْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ مَا تَجِبُ فِي
جُمْلَتِهَا الزَّكَاةُ لَوْ كَانَتْ لأَحَدِهِمَا، فَيَحُولُ
عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا شَيْءَ
عَلَيْهِمَا، وَلا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالُوا:
الاخْتِلاطُ مِنْهُمَا لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ فِي الْبَدْءِ
فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِالْعَدَدِ الْمَعْلُومِ
الْمَذْكُورِ فِي السَّنَةِ، كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ
الاخْتِلاطِ، كَمَا لَمْ يُغَيِّرِ الاخْتِلاطُ حُكْمَهُ فِي
الْحَوْلِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الاخْتِلاطِ، وَمِمَّنْ
قَالَ بِذَلِكَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ
سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ قَوْلِهِمَا، وَعَنْ
أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ
يَقُولُ: إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِدًا، وَالْمُرَاحُ
وَاحِدًا، وَالدَّلْوُ وَاحِدًا فَهُمَا خَلِيطَانِ، وَلا
تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ عِنْدَهُمْ، حَتَّى
يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ
الصَّدَقَةُ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِذَا
كَانَ لأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَلِلآخَرِ
أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَجُمْلَةُ
غَنَمِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، لَمْ يَكُنْ
عَلَى الَّذِي لَهُ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً
صَدَقَةٌ، وَلا عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ، وَكَانَتِ
الصَّدَقَةُ وَاجِبَةً عَلَى الَّذِي لَهُ مِنْهُمَا
أَرْبَعُونَ شَاةً، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنَ الْغَنَمِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَكَانَ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً
(1/311)
فَصَاعِدًا جُمِعَا فِي الصَّدَقَةِ
جَمِيعًا، فَجُعِلَ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ كَهُوَ لَوْ كَانَ
لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِيمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ
فَإِنْ كَانَ لأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ أَوْ أَقَلُّ مِنْ
ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلِلآخَرِ
أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا فَهُمَا خَلِيطَانِ
يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى الأَلْفِ
شَاةٍ بِحِصَّتِهَا، وَعَلَى الأَرْبَعِينَ شَاةً
بِحِصَّتِهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ حَدَّثَنَا
يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مَالِكٌ بِهَذَا الْقَوْلِ سَوَاءً، غَيْرَ أَنَّا قَدْ
زِدْنَا فِي كَشْفِ مَعَانِيهِ وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ فِي
الْخَلِيطَيْنِ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالإِبِلِ سَوَاءٌ
وَكَانَ بَعْضُهُمْ، يَقُولُ: إِذَا كَانَتِ الْمَاشِيَةُ
السَّائِمَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
فَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَتَهُ إِلا
أَنَّهُمَا يُرِيحَانِ، وَيَسْرَحَانِ، وَيَحْلِبَانِ،
وَيَسْقِيَانِ مَعًا، وَكَانَتْ فُحُولُهُمَا وَاحِدَةً
مُخْتَلِطَةً، وَحَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ، فَالزَّكَاةُ
عَلَيْهِمَا وَاجِبَةٌ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ
كَمَا حَكَاهُ لَنَا الْمُزَنِيُّ عَنْهُ وَأَمَّا مَا
ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ فَلا مَعْنَى لَهُ عِنْدَنَا، لأَنَّهُ
قَدْ جَعَلَ الْخَلِيطَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي
مَاشِيَتِهِمَا، حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنْهَا الْمِقْدَارُ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ
الزَّكَاةُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ خَلِيطِهِ، وَإِنَّمَا
يَعْمَلُ مَذْهَبُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي
الْخَلِيطَيْنِ، إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا
تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى الانْفِرَادِ، فَيُجْعَلُ
ذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَيُزَكِّيهِ كَمَا
يُزَكِّيهِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَخْلُ
عِنْدَنَا حُكْمُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ
اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ
يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاشِيَةِ
إِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَتَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ
إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ كَمَا تَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَتْ
لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاشِيَةِ إِذَا
كَانَتْ لِرَجُلَيْنِ، وَيَكُونَ الاخْتِلاطُ لَا مَعْنَى
لَهُ، فَيَكُونَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ لِرَجُلَيْنِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ مِنْهَا شَاتَانِ عَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَاةٌ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ:
هِيَ كَالرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ، إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنْهَا أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا، أَوْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ
ذَلِكَ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا
الْبَابِ فَلا مَعْنَى لَهُ عِنْدَنَا، لأَنَّ الزَّكَاةَ لَا
تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَجِبُ
فِي أَعْيَانِ الأَمْوَالِ، وَلا يُنْظَرُ إِلَى أَحْكَامِ
مَالِكِهَا، فَيُسَوَّى فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لِجَمَاعَةٍ
أَوْ تَكُونَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونَ الْوَاجِبُ فِي
ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْئًا وَاحِدًا وَاجِبًا فِي عَيْنِهِ، أَوْ
يَكُونَ حُكْمُ ذَلِكَ الْمَالِ حُكْمَ مَالِكِيهِ، فَيَرْجِعَ
إِلَى مَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ
(1/312)
مِنْهُمْ، فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ
سَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَا خُلْطَةَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
غَيْرِهِ فَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ أَرْبَعِينَ
شَاةً سَائِمَةً لَوْ مَلَكَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ مِنْ
أَوَّلِ الْحَوْلِ، ثُمَّ مَلَكَهَا رَجُلٌ آخَرُ مُسْلِمٌ
بَقِيَّةَ الْحَوْلِ إِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ
الْحَوْلُ قَدْ حَالَ عَلَى عَيْنِهَا حَتَّى يَكْمُلَ لَهَا
حَوْلٌ عِنْدَ مَالِكِهَا الثَّانِي، فَتَكُونَ عَلَيْهِ
فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَمَّا لَمْ يُجْعَلْ حُكْمُ هَذِهِ
السَّائِمَةِ فِي هَذَا حُكْمَ أَنْفُسِهَا، وَرُدَّ إِلَى
حُكْمِ مَالِكِهَا فِي حَوْلِهَا ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ
الْمُرَاعَى فِي عَدَدِهَا أَيْضًا مَالِكُوهَا لَا
أَعْيَانُهَا، أَلا تَرَى أَنَّ سَوَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ
لَا شَيْءَ فِيهَا،
وَأَنَّهُ لَمْ تُرَاعَى أَعْيَانُهَا فَتُجْعَلَ الزَّكَاةُ
فِيهَا لِعَدَدِهَا، وَلِمُرُورِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا،
وَلأَنَّهَا سَائِمَةٌ إِنْ كَانَ مَالِكُوهَا لَيْسُوا مِنْ
أَهْلِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الأَمْوَالَ
مَرْدُودَةٌ إِلَى أَحْكَامِ مَالِكِهَا فِي أَحْوَالِهَا،
وَفِي عَدَدِهَا إِلَى أَحْكَامِ أَنْفُسِهَا وَأَعْيَانِهَا،
وَإِذَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَرْدُودَةً إِلَى مَا ذَكَرْنَا
بَطَلَ بِذَلِكَ الْقَوْلُ الَّذِي وَصَفْنَا وَأَمَّا
الْمُرَاحُ، وَالْفَحْلُ، وَالدَّلْوُ، وَمَا ذَكَرْنَا مَعَ
ذَلِكَ مِمَّا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْخَلِيطَانِ فِي
سَائِمَتِهِمَا عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: فَلا
مَعْنَى لَهُ فِي الْقِيَاسِ أَلا تَرَى أَنَّ رَجُلا لَوْ
كَانَتْ لَهُ غَنَمَانِ سَوَائِمُ فِي هذَيْن مُخْتَلِفَيْنِ،
أَوْ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا رَاعٍ عَلَى حِدَةٍ، وَفُحُولٌ عَلَى حِدَةٍ،
وَدَلْوٌ عَلَى حِدَةٍ، وَيُرِيحُ كُلَّ غَنَمٍ مِنْهُمَا
وَيَسْرَحُ عَلَى حِدَةٍ، أَنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِهِمَا لَوْ
كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَفِي مُرَاحٍ
وَاحِدٍ، وَفِي دَلْوٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَإِنِ
افْتَرَقَ وَانْفَرَدَتْ بِهِ كُلُّ غَنَمٍ مِنَ الْغَنَمَيْنِ
اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ، وَإِنَّ
الرُّجُوعَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَرْدُودِ أَحْكَامُهَمَا
إِلَيْهِ مَالِكُوهَا، فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ الْغَنَمِ الَّذِي بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ
اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا يُرْجَعُ فِي أَحْكَامِهَا إِلَى حُكْمِ
مَالِكِهَا فَيَكُونَ الَّذِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنْهَا فِي حُكْمِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا لَا خُلْطَةَ
فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يُنْظَرَ فِي
ذَلِكَ إِلَى دَلْوٍ، وَلا إِلَى مُرَاحٍ، وَلا إِلَى فَحْلٍ،
وَلا إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، غَيْرَ مَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ
لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَلا خُلْطَةَ فِيهَا بَيْنَ
رَبِّهَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ
628 - وَقَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: " إِذَا كَانَ
الْخَلِيطَانِ يَعْرِفَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلا يُجْمَعُ
بَيْنَهُمَا فِي الصَّدَقَةِ "، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ
عَطَاءً، فَقَالَ: " مَا أَرَاهُ إِلا حَقًّا " فَهَذَا
طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، لَمْ يُرَاعِيَا فِي هَذَا خَلًى، وَلا
فَحْلا، وَلا سُقْيَا، وَلا بِئْرًا، وَلا دَلْوًا، وَلا
(1/313)
مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُرَاعِيهِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَيْنَاهُ
عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ
بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ لأَنَسٍ لَمَّا وَلاهُ: " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ، وَلا يُجْمِعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ
الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا
(1/314)
يُرَاجَعَا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِّيَةِ
629 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ، وَجَّهَ
أَنَسًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ:
" هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا رَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ
فَوْقَهَا فَلا يُعْطِهَا " فَذَكَرَ فِيهَا هَذَا الْكَلامَ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
630 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ
ثُمَامَةَ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَتَبَهُ
لأَنَسٍ حَيْثُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَعَلَيْهِ خَاتَمُ أَبِي
بَكْرٍ وَخَاتَمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَكَتَبَهُ لَهُ، فَإِذَا فِيهِ فَرِيضَةُ
الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِهَا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِهَا ثُمَّ
ذَكَرَ هَذَا الْكَلامَ أَيْضًا
631 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي
ثَابِتٌ إِلَى ثُمَامَةَ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ أَبِي
بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ لأَنَسٍ حَيْثُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا،
فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
632 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ
هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَمْرٍو فِي الصَّدَقَةِ، " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَّرِقٍ خَشْيَةَ
الصَّدَقَةِ، وَلا تَخْرُجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلا
ذَاتُ عُوَارٍ، وَلا تَيْسٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ،
وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ
بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ "
633 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَالِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ
أَفَلا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ،
وَلا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ،
وَأَنْ يَتَرَاجَعَ الْخَلِيطَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ،
فَاسْتَدَلا بِذَلِكَ يَعْنِي: مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ،
عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْمَوَاشِي خِلافُ
حُكْمِهِمَا لَوْ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ غَيْرَ خَلِيطَيْنِ،
يُقَالُ لَهُمَا: قَدْ قَبِلَ الْعُلَمَاءُ جَمِيعًا هَذَا
الْكَلامَ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ جَمِيعًا،
وَصَحَّحُوهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: أَمَّا قَوْلُهُ: " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ "، فَأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِائَةُ
شَاةٍ وَعِشْرُونَ شَاةً، فَفِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ
فَرَّقَهَا الْمُصَّدِّقُ جَعَلَهَا أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ،
لِتَكُونَ فِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ، فَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: "
وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ "، فَالرَّجُلانِ يَكُونُ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ، فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا
شَاتَانِ فَيَجْمَعَانِهَا لِتَكُونَ عَلَيْهِمَا شَاةٌ
وَاحِدَةٌ، فَإِذَا فَعَلا ذَلِكَ فَقَدْ جَمَعَا بَيْنَ
مُتَفَرِّقٍ، فَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا وَذَهَبَ قَائِلُوا
هَذَا الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ "، إِلَى
أَنَّ الْخَشْيَةَ فِي هَذَا: هِيَ فِي كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ
فِي أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ، وَفِي قِلَّتِهَا مِنَ
الْمُصَدِّقِ، وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو
حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَاهُ بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ " خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ
"، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْكِهِ لَنَا سُلَيْمَانُ،
وَلَمْ يَحْكِ سُلَيْمَانُ فِيمَا حَكَى لَنَا مِمَّا
ذَكَرْنَا اخْتِلافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ
وَأَمَّا أَصْحَابُ الإِمْلاءِ مِنْهُمْ بِشْرُ بْنُ
الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، فَحَكَوْا عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ أَمْلأَ عَلَيْهِمْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ
كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا يُوسُفَ، قَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ
ثَمَانُونَ شَاةً، فَإِذَا جَاءَهُ الْمُصَدِّقُ، قَالَ: هِيَ
بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا عِشْرُونَ
فَلا زَكَاةَ فِيهَا، أَوْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُونَ
(1/315)
وَلأَخِيهِ أَرْبَعُونَ وَلأَخٍ لَهُ آخَرَ
أَرْبَعُونَ، فَتَكُونَ جُمْلَتُهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ
شَاةً، فَيَكُونَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا ثَلاثَ
شِيَاهٍ، فَإِذَا جَاءَهَا الْمُصَدِّقُ جَمَعَهَا، فَقَالَ:
هَذِهِ كُلُّهَا لِي، وَالَّذِي عَلَيَّ فِيهَا شَاةٌ
وَاحِدَةٌ، فَهَذِهِ خَشْيَةُ الصَّدَقَةِ، لأَنَّ الَّذِي
تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ هُوَ الَّذِي يَخْشَى الصَّدَقَةَ
وَأَمَّا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ فَرُوِيَ عَنْهُ مَا
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ
أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، قَالَ: أَمَّا " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
مُجْتَمِعٍ " فَأَنْ يَكُونَ الْخَلِيطَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا فِي
ذَلِكَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ
فَرَّقُوا غَنَمَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا إِلا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ
وَقِيلَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَأَمَّا لَا
يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، فَأَنْ يَنْطَلِقَ الثَّلاثَةُ
الَّذِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً قَدْ
وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ
الصَّدَقَةُ، فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوا
جَمِيعًا، لِئَلا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلا شَاةٌ
وَاحِدَةٌ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: فَهَذَا الَّذِي
سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَرُوِيَ عَنْهُ
فِي ذَلِكَ
مَا حَكَاهُ لَنَا الْمُزَنِيُّ، أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى " لَا
يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ
مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ ": لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ
ثَلاثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ، وَإِنَّمَا
عَلَيْهِمْ شَاةٌ، لأَنَّهُمْ إِذَا افْتَرَقَتْ كَانَ فِيهَا
ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ: فَرَجُلٌ
لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، وَرَجُلٌ مِائَةُ شَاةٍ، فَإِذَا
تُرِكَنا مُفْتَرِقَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، وَإِذَا جُمِعَنا
فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَالْخَشْيَةُ خَشْيَةُ السَّاعِي
أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ، وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ
تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ، فَأَمَرَ أَنْ نُقِرَّ كُلا عَلَى
حَالِهِ فَهَذِهِ أَقْوَالٌ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ،
وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ،
وَكُلُّهُمْ فَقَدْ قَبلَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَخَالَفَ أَصْحَابَهُ فِي تَأْوِيلِهِ وَلَمَّا
اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ نَصًّا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ اخْتِلافَهُمْ فِيهِ، وَكَانَ
الْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي
أَنْ لَا حُكْمَ لِلْمُرَاحِ وَالدَّلْوِ وَلا لِلْفَحْلِ،
وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ لِلأَمْلاكِ لَا لِمَا سِوَاهَا،
كَانَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ
مَنْ خَالَفَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَمَا كَانَ مِنْ
خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا
بِالسَّوِيَّةِ "، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدًا، كَانُوا يَقُولُونَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنْ
يَكُونَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً
سَائِمَةٌ شَائِعَةٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ لِوَاحِدٍ
مِنْهُمَا ثُلُثاهَا وَلِلآخَرِ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا فَيَحُولَ
عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَتَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَتَكُونَ
فِيهَا
شَاتَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ، فَلا يَكُونُ
عَلَى الْمُصَدِّقِ أَنْ
(1/316)
يَقْسِمَ الْغَنَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ
أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا زَكَاتَهُمَا، حَتَّى يَكُونَ
لِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ مِنْهَا ثَمَانُونَ شَاةً
بِأَعْيَانِهَا، فَيَأْخُذَ مِنْهَا شَاةً، وَحَتَّى يَكُونَ
لِصَاحِبِ الأَرْبَعِينَ الشَّاةِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَاةً
بِأَعْيَانِهَا فَيَأْخُذَ مِنْهَا شَاةً، إِنَّمَا عَلَيْهِ
أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَيَكُونَ
قَدْ أَخَذَ مِنْ غَنَمِ صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثلثيهما وَهُوَ
شَاة وَثلث وَأخذ من غنم صَاحب الْأَرْبَعين ثلثهما وَهُوَ
ثلثا شَاة، وَالَّذِي كَانَ وَجب عَلَى صَاحب الثمَانين شَاة
مِنْهَا شَاة، وَالَّذِي كَانَ وَجب عَلَى صَاحب الْأَرْبَعين
شَاة منهمَا شَاة، فَرجع صَاحب الثمَانين عَلَى صَاحب
الْأَرْبَعين بِالثُّلثِ الشَّاة الَّذِي أَخذه الْمُصدق، فضلا
عمَا كَانَ وَجب عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إنمَا أَخذه مِنْهُ عَنْ
صَاحبه مِمَّا كَانَ وَجب عَلَى صَاحبه، فإِذَا تراجعا ذَلِكَ
كَذَلِكَ رجعت الْغنم بينهمَا إِلَى أَن صَار لصَاحب الثمَانين
مِنْهَا تسع وَسَبْعُونَ شَاة، وَهَذَا الْبَاقِي لَهُ بعد
الَّذِي كَانَ وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة، وَلِصَاحِب
الْأَرْبَعين تسع وَثَلَاثُونَ شَاة وَهُوَ الْبَاقِي لَهُ بعد
الَّذِي كَانَ وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة قَالُوا: فَهَذَا
معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ومَا كَانَ
من خليطين فإنهمَا يتراجعان بينهمَا بِالسَّوِيَّةِ " وأمَا
مَذْهَب مخالفِيهم فِي ذَلِكَ فَإِن الخليطين المعينين فِي
هَذَا هما الخليطان بالمراح، والفحول، والراعي، لَا بأعيان
الْغنم، ويكونان مَعَ ذَلِكَ يريحان، ويسرحان، ويحلبان مَعًا،
فيكونان بِذَلِكَ خليطين، لَا باختلاط الْغَنَمَيْنِ، ويحضر
الْمُصدق فَيصدق الْغنم بمَا يجب عَلَيْهَا من الصَّدَقَة،
وَيَأْخُذ من غنم أحدهمَا، فَرجع المَأخوذ ذَلِكَ من غنمه
عَلَى صَاحبه فِي غنمه الَّذِي أَخذه الْمُصدق مِمَّا كَانَ
وَجب عَلَى صَاحبه قَالُوا: فَهَذَا معنى قَوْله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ومَا كَانَ من خليطين يتراجعان
بينهمَا بِالسَّوِيَّةِ " قَدْ دخل فِيه عِنْد هَؤُلَاءِ
الْقَائِلين: الخليطان بالمراح وبمَا سواهُ مِمَّا ذكرنَا، غير
اخْتِلَاط الْغنم، كَانَ اخْتِلَاط الْغنم فِي ذَلِكَ أولى أَن
يكون الشريكَانَ فِيه خليطين، لِأَن الْخلطَة بِهَا لَا
ينْفَرد فِيه وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ، أولى مِمَّا ينْفَرد
بِهِ وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ عَنْ صَاحبه، وإِذَا ثَبت
ذَلِكَ كَانَ التَّأْوِيل الأول أولى بِالْحَدِيثِ من
التَّأْوِيل الثَّانِي زَكَاة الْخَيل والبرذون وَاخْتلف أهل
الْعلم فِي الْخَيل السَّائِمَة، فقَالَ بَعضهم: إِن كَانَت
ذُكُورا كلهَا فَلَا شَيْء فِيهَا، وكذَلِكَ إِن كَانَت
ذُكُورا وإناثا يلْتَمس صَاحبهَا نسلها، فَفِيهَا الزَّكَاة،
والمصدق فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ أَخذ من كل فرس
دِينَارا، وَإِن شَاءَ قَومهَا دَارهم فَأخذ من كل مِائتي
دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزفر، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد بن
الْعَبَّاس، عَنْ يَحْيَى
(1/317)
بن سليمَان الجعفِي، عَنِ الْحسن بن
زِيَاد، عَنْ زفر بمَا حكيناه عَنْه من ذَلِكَ قَالَ: وَهُوَ
قَول أَبِي حَنِيفَةَ وقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عمر كمَا
634 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ
بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ
السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: " رَأَيْتُ أَبِي يُقَيِّمُ
الْخَيْلَ وَيَدْفَعُ صَدَقَتَهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ "
635 - وَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عُمَرَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ " يَأْخُذُ مِنَ الْفَرَسِ
عَشْرَةً، وَمِنَ الْبِرْذَوْنِ خَمْسَةً "
636 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وكَانَ هَذَانِ
الْحَدِيثَانِ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُمَا
فِيمَا ذَهَبَا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ
مَالكٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ الَّذِي فِِيِه قَوْلَ السَّائِبِ:
رَأَيْتُ أَبِي يُقِيمُ الْخَيْلَ وَيَدْفَعُ صَدَقَتَهَا
إِلَى عُمَرَ، فَهَذَا قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ
بِهِ خَيْلُ التِّجَارَةِ، وَلا يَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ فِيهَا إِذَا كَانَت
سَائِمَةً لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ
مِنْهُمَا فَالَّذِي فِيه: " أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْفَرَسِ عَشَرَةً وَمِنَ الْبِرْذَوْنِ
خَمْسَةً "، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيه عَلَى أَيْ وَجْهٍ كَانَ
يَأْخُذُ ذَلِكَ، فَلا حُجَّةَ فِيه أَيْضًا، إِذْ لَا يُبَانُ
فِيه لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ فِي
ذَلِكَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الصَّدَقَةَ لَمْ يَكُنْ فِيه
أَيْضًا حُجَّةٌ لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ،
لأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ سَائِمَةً، وَلا ذُكُورًا،
وَلا إِنَاثًا، وَلا أَنَّهَا كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا
يَلْتَمِسُ أَصْحَابُهَا نَسْلَهَا، كَمَا قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، فِيمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمَا، وكَانَ
الَّذِي يَأْخُذُهُ عُمَرُ عَنِ الْفَرَسِ فِي ذَلِكَ خِلافَ
الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، لأَنَّهُمَا إِنَّمَا كَانَ
يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنَ
الْخَيْلِ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ، وَيَقَوَّمُ دَرَاهِمَ
عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ
(1/318)
وقَدِ احْتج مُحْتَج لأَبِي حَنِيفَةَ،
ولزفر فِي ذَلِكَ بِحَدِيث قَدْ روى عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيل وَهُوَ:
337 - أَنَّ يُونُسَ رَحِمَهُ اللهُ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَيْلَ، فَقَالَ:
" هِيَ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلَهُ سِتْرٌ، وَعَلَى
رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ
يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَحَمُّلا، وَلا يَنْسَى حَقَّ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِقَابِهَا وَلا فِي ظُهُورِهَا "
638 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ قَالَ: ففِي
هَذَا دَلِيل أَن لله عَزَّ وَجَلَّ فِي الْخَيل حَقًا وَلَا
حجَّة فِي هَذَا الحَدِيث لأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا لزفَر،
لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا سَائِمَة وَلَا غَيرهَا، وَلِأَن
الْأَمْوَال فِيهَا حُقُوق سوى الزكوات
639 - كَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ
عَامِرٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " فِي
الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الآيَةَ
640 - وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
ذَكَرَ الإِبِلَ، فَقَالَ: " إِنَّ فِيهَا حَقًّا " فَسُئِلَ
عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ
دَلْوِهَا، وَمَنِيحَةُ سَمِينِهَا " فَهَذِهِ حُقُوق سوى
الزكوات، وقَدْ يجوز أَن يكون الْحق الَّذِي ذكره رَسُول اللهِ
صلّى
(1/319)
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَيل فِي
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة هُوَ مثل ذَلِكَ أَيْضا، مَعَ أَن
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنمَا ذكر
ذَلِكَ فِي الْخَيل المتخذة تكرمَا وتحملا وَهِيَ المرتبطة،
وَلم يذكر فِي الْخَيل السَّائِمَة وقَالَ بَعضهم: لَا صَدَقَة
فِي الْخَيل السَّائِمَة عَلَى حَال من الْأَحْوَال، وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ مَالك، وَالثَّوْري، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
وَالشَّافِعِيّ، حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن
وهب، عَنْ مَالك بمَا حكيناه عَنهُ من ذَلِكَ وحَدَّثَنَا
سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ
بمَا حكيناه عَنهُ من ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّد: وَهُوَ قَوْلنَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس، عَنْ يَحْيَى، عَنِ
الْحسن، عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِذَلِكَ أَيْضا، وَاحْتَجُّوا فِي
ذَلِكَ بمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
641 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ
بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ عَلَى فَرَسِ
مُسْلِمٍ وَلا عَلَى غُلامِهِ صَدَقَةٌ "
642 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ،
قَالا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلاهُمَا، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ دِينَارٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
643 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ
عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ "
644 - حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
645 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ،
(1/320)
عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "
لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَيْلِهِ وَلا فِي رَقِيقِهِ
" فأمَا مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِمَا من حَدِيث عبد الله
بن
دِينَار الَّذِي روينَاهُ فَلَا حجَّة عَلَيْهِمَا فِيه،
لِأَنَّهُ إنمَا قيل فِيه: " لَا صَدَقَة عَلَى الْمُسلم فِي
عَبده وَلَا فِي فرسه "، وقَدْ يحْتَمل أَن يكون أُرِيد
بِذَلِكَ الْفرس المركوب، وَالْعَبْد المستخدم، لَا الْخَيل
السَّائِمَة، أَلا ترى أَن ذَلِكَ لَا يمْنَع أَن يكون عَلَى
الرجل فِي عَبده الَّذِي لغير التِّجَارَة صَدَقَة الْفطر،
وَأَنه لَا يمْنَع أَن يكون عَلَيْهِ فِي عَبده الَّذِي
للتِّجَارَة صَدَقَة المَال وأمَا حَدِيث مَكْحُول الَّذِي
روينَاهُ فَهُوَ أقرب إِلَى الْمَعْنى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ
مَالك، وَالثَّوْري، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
وَالشَّافِعِيّ من حَدِيث ابْن دِينَار هَذَا، غير أَنَّهُ ذكر
فِيه الْخَيل وَالرَّقِيق، وكَانَ مَا ذكر فِيه من الرَّقِيق
عَلَى رَقِيق الِاسْتِخْدَام، لَا مَا سواهَا، فثبتته أَن يكون
الَّذِي ذكر من الْخَيل خيل الِاسْتِخْدَام لَا مَا سواهَا
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ
وَالرَّقِيقِ "
646 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنِ
الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ
بْنِ ضَمُرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "
عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ "
647 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ،
وَشَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
(1/321)
648 - حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَهُ
649 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ،
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
فَهَذَا عِنْدَنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ
خَاصٌّ مِنَ الْخَيْلِ كَمَا أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ مِنَ
الرَّقِيقِ، وَلا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ،
وَزُفَرَ ولمَا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ وَاحْتج كل فريق مِنْهُمْ
لمذهبه بمَا حكيناه، نَظرنَا فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ سوى مَا
احْتج بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمْ لمذهبه، لنقف بِهِ عَلَى
الْوَجْه فِيمَا اخْتلفُوا فِيه مِنْهُ إِن شَاءَ الله،
فَوَجَدنَا يُونُس:
650 - قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ
مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَالُوا لأَبِي
عُبَيْدَةَ: خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً،
فَأَبَى، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
فَأَبَى، ثُمَّ كَلَّمُوهُ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، وَكَتَبَ
إِلَيْهِ عُمَرُ: " إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ
وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ " قَالَ مَالك
رَحِمَهُ اللهُ: وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ: " ارْدُدْهَا
عَلَيْهِم "، أَيِ: ارْدُدْهَا عَلَى فُقَرائِهِمْ فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ عُمَرُ
صَدَقَةَ الْخَيْلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِوُجُوبِهَا عَلَى
أَهْلِهَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السَّوَائِمِ سِوَاهَا،
وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى التَّبَرُّعِ مِنْهُمْ،
وَطَلَبِ التَّقَرُّبِ بِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْهُمْ طَلَبٌ لإِخْرَاجِ الْحَقِّ
الَّذِي سِوَى الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا فِي
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ،
اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا عَنْهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهُ
أَعْلَمُ فَهَذَا الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنى
مِمَّا رَوَاهُ أهل الْمَدِينَة فِيه وأمَا الَّذِي
وَجَدْنَاهُ فِيمَا روى أهل الْكُوفَة فَإِن فهدا
651 - حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِسُحَيْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
(1/322)
مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضْرِبٍ،
قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَتَاهُ
نَاسٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا دَوَابًّا وَأَمْوَالا،
فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا وَتَكُونُ
لَنَا زَكَاةً، فَقَالَ: " هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْعَلْهُ
اللَّذَانِ كَانَا قَبْلِي، وَلَكِنِ انْتَظِرُوا حَتَّى
أَسْأَلَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ "، فَقَالُوا: حَسَنٌ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ لَمْ
يَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ، فَقَالَ: " مَا لَكَ يَا أَبَا حَسَنٍ
لَا تَتَكَلَّمُ؟ "، قَالَ: " قَدْ أَشَارُوا عَلَيْكَ، وَلا
بَأْسَ بِمَا قَالُوا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا وَاجِبًا،
وَجِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا " قَالَ: فَأَخَذَ
مِنْ كُلِّ عَبْدٍ عَشْرَةً، وَمِنْ كُلِّ فَرَسٍ عَشْرَةً،
وَمِنْ كُلِّ هَجِينٍ ثَمَانِيَةً، وَمِنْ كُلِّ بِرْذُونٍ
وَبَغْلٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِي السَّنَةِ، وَرَزَقَهُمْ
كُلَّ شَهْرٍ الْفَرَسُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، وَالْهَجِينُ
ثَمَانِيَةٌ، وَالْبِرْذَوْنُ وَالْبَغْلُ خَمْسَةٌ خَمْسَةٌ،
وَالْمَمْلُوكُ جَرِيبَيْنِ جَرِيبَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ " وكَانَ
هَذَا الحَدِيث أكشف الْأَحَادِيث الَّتِي روينَا فِي هَذَا
الْبَاب للمعنى الَّذِي اخْتلفُوا فِيه، وللوجه الَّذِي من
أَجله أَخذ عمر الصَّدَقَة من الْخَيل وفِيه أَن عمر، قَالَ
لَهُم لمَا سَأَلُوهُ ذَلِكَ: " هَذَا شَيْء لم يَفْعَله
اللَّذَان كَانَا قبلي، يَعْنِي: رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
ففِي هَذَا أَكثر الْحجَّة لمن نفِي أَن تكون عَلَى الْخَيل
صَدَقَة، وفِيه أَن الْخَيل الَّتِي أَرَادوا من عمر رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ أَخذ الصَّدَقَة مِنْهَا لملكهم إِيَّاهَا
إِرَادَة التَّطْهِير والتزكي مِنْهَا، لَيْسَ لِأَنَّهَا
سَائِمَة، وَلَكِن لإِرَادَة التبرر بِالصَّدَقَةِ من أجلهَا،
وَأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ أَن يَأْخُذ الصَّدَقَة من
بغالهم وَمن عبيدهم كَذَلِكَ، وَالْبِغَال فلَيْسَ مِمَّا
يُوجب أَبُو حَنِيفَةَ، وَزفر فِي سائمتها الصَّدَقَة فلمَا
كَانَ مَا أَخذ مِنْهَا عمر عَنِ البغال لَيْسَ لِأَنَّهَا
سَائِمَة كَانَ مَا أَخذ مِنْهُمْ عَنِ الْخَيل أَيْضا لَيْسَ
لِأَنَّهَا سَائِمَة وفِيه أَن عمر رزقهم فِي عبيدهم، وفِي
خيلهم، وفِي بغالهم، عوضا مِمَّا أَخذ مِنْهُمْ أَكثر من
ذَلِكَ، وَجَمِيع مَا ذكرنَا فمفسد لمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزفر فِي هَذَا الْبَاب
(1/323)
ثُمَّ النّظر يفْسد مَا ذَهَبا إِلَيْهِ،
لأنهمَا لم يجعلا للخيل السَّائِمَة الَّتِي أوجبا فِيهَا
الصَّدَقَة عددا معلومَا كَسَائِر الْمَوَاشِي سواهَا، الَّتِي
لَا تجب فِيهَا الصَّدَقَة، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عدد
مَعْلُوم، ولأنهمَا لم يوجبا فِيهَا الزَّكَاة إِذَا كَانَت
ذُكُورا بِلَا إناث، وَلَا إِذَا كَانَت إِنَاثًا بِلَا ذُكُور
حَتَّى تكون ذُكُورا وإناثا، وحَتَّى يَكُونَ أَصْحَابهَا
يَلْتَمِسُونَ نسلها وَهَذَا خلاف حكم سَائِر الْمَوَاشِي
الْمُتَّفق عَلَى وجوب الصَّدَقَة فِيهَا وَيفْسد عَلَيْهِمَا
بِالْقِيَاسِ بِوَجْه آخر وَهُوَ: أَنا رَأينَا السوائم
الْمُتَّفق عَلَى وجوب الصَّدَقَة فِيهَا، لَا يجب فِي صدقتها
دَرَاهِم وَلَا دَنَانِير، إنمَا يجب فِيهَا حَيَوَان من
جِنْسهَا، أَو من غير جِنْسهَا، وَيفْسد عَلَيْهِمَا من وَجه
وَهُوَ أَنا رَأينَا البغال وَالْحمير، وَهِيَ ذَوَات حوافر،
لَا صَدَقَة فِيهَا سَائِمَة كَانَت أَو
عاملة ورأينا الْإِبِل ذَوَات أَخْفَاف فِي سائمتها الصَّدَقَة
رَأينَا الْبَقر وَالْغنم ذَوَات أظلاف فِي سائمتها
الصَّدَقَة، فكَانَ أولى بهمَا فِي الْخَيل الَّتِي هِيَ
ذَوَات حوافر، أَن يرد حكمهَا إِلَى حكم ذَوَات الحوافر من
البغال وَالْحمير، لَا إِلَى حكم ذَوَات الأخفاف والأظلاف،
وَبِاللَّهِ التوفِيق وقَدْ رُوِيَ عَنْ جمَاعة من المتقَدْمين
مَا يُوَافق هَذَا
652 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
قَالَ: " سَأَلْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، عَنْ صَدَقَةِ
الْبَرَاذِينِ، قَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ؟ "
653 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
654 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءَ
كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي
وَهُوَ بِمِنَى: " أَلا تَأْخُذَ مِنَ الْخَيْلِ وَلا مِنَ
الْعَسَلِ صَدَقَةً
655 - " حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْحَمِيرِ
صَدَقَةٌ "
656 -
(1/324)
656 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَطَاءً
عَنِ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا صَدَقَةً "
657 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ
فِي ذَلِكَ عَنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَنْفِي
الصَّدَقَةَ عَنِ الْخَيْلِ أَيْضًا
658 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: كَانَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
خَيْلٌ عَظِيمَةٌ مُحْشَرَةٌ بِالْحِمَى، " فَلَمْ يَكُنْ
يُخْرِجُ مِنْهَا صَدَقَةً "
659 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنِ الْخَيْلِ أَفِيهَا
صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْفَرَسِ الْغَازِي فِي
سَبِيلِ اللهِ صَدَقَةٌ " وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب
حَدِيث عَنْ عمر يحْتَج بِهِ من ذَهَبَ إِلَى إِيجَاب
الصَّدَقَة فِي الْخَيل السَّائِمَة، ويستدل بِهِ عَلَى أَن
عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لم يَأْخُذ الصَّدَقَة من الْخَيل
تَبَرعا، وَأَنه إنمَا أَخذهَا عَلَى وُجُوبهَا فِيهَا
660 - وَذَلِكَ أَنَّ يَحْيَى حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَسَنِ، أَنَّ حُيَيَّ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ
سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ، يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ
رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ
قَلُوصٍ، فَنَدِمَ الْبَائِعُ فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ:
غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي، فَكَتَبَ إِلَى
يَعْلَى، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنَّ
الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ " فَقَالَ: مَا
عَلِمْتُ فَرَسًا بَلَغَ هَذَا قَالَ عُمَرُ: " فَنَأْخُذُ
مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَلا نَأْخُذُ مِنَ الْخَيْلِ
شَيْئًا، خُذْ مِنَ الْخَيْلِ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ
(1/325)
دِينَارًا " فَضَرَبَ عَلَى الْخَيْلِ
دِينَارًا دِينَارًا يُقَالَ لَهُم: أمَّا هَذَا الحَدِيث
فمنكر، لِأَن عَمْرو بن الْحُسَيْن الَّذِي رَوَاهُ لَيْسَ
مِمَّنْ يُؤْخَذ مثل هَذَا بِمثل رِوَايَته، إِذْ كَانَ غير
مَعْرُوف فِي رُوَاة الْعلم، وَإِذ كَانَ أثبات الْأَئِمَّة
الْحفاظ قَدْ رووا عَنْ عمر خلاف ذَلِكَ، وهم: زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وحارثة بن مضرب
الحَدِيث الَّذِي حكيناه فِي هَذَا الْبَاب، وَهل الصَّدقَات
تُؤْخَذ بِالْقِيَاسِ؟ وَبِأَن مَا كثر ثمنه أولى بِهَا مِمَّا
قل ثمنه؟ لَو كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا كَانَت خمس أَوَاقٍ من
الْوَرق أولى بِالصَّدَقَةِ من دَار للْقنية قيمَة خَمْسَة
آلَاف أُوقِيَّة وَلَو كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَيْضا لمَا
كَانَت الْغنم أولى بِالزَّكَاةِ من الْحمير، إِذْ كَانَت
الْحمير أرفع أثمَانا مِنْهَا، ولعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أوقف
عندمَا وقف الله الْحق عِنْده من مجاوزته إِلَى غَيره مِمَّا
فِي هَذَا الحَدِيث، وَمَعَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن
يلْحق بالزكوات مَا لَيْسَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يدْخل مَا
يلْحقهُ من ذَلِكَ فِي الْآي اللَّاتِي تلونا من كتاب الله
عَزَّ وَجَلَّ فِي الزكوات وَاخْتلفُوا فِي الذَّهَب وَالْوَرق
الْمَوْجُودين فِي الْمَعَادِن، فقَالَ بَعضهم: لَا شَيْء
فِيمَا وجد مِنْهَا حَتَّى يَكُونَ من الذَّهَب عشْرين
مثقَالا، وَمن الْوَرق خمس أَوَاقٍ فَتجب فِيهَا الزَّكَاة
مكَانَه، ومَا زَاد عَلَى ذَلِكَ أَخذ مِنْهُ بِحِسَاب ذَلِكَ
مَا دَامَ الْمَعْدن نيل، فَإِن انْقَطع ثُمَّ جَاءَ بعد
ذَلِكَ نيل فَهُوَ مثل الأول تبدأ فِيه الزَّكَاة مكَانَه كمَا
ابتدئت فِي الأول قَالَ: والمعادن بِمَنْزِلَة الزَّرْع
تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة كمَا تُؤْخَذ من الزَّرْع إِذَا
حصد، وَلَا ينْتَظر بِذَلِكَ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول،
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالك، وَاللَّيْث
حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ حَدَّثَنَا ابْن وهب، عَنْ مَالك،
وَاللَّيْث بِهَذَا الَّذِي حكيناه عنهمَا وقَدْ رُوِيَ هَذَا
عَنِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَاحْتج أهل هَذَا الْمَذْهَب
لمذهبهم هَذَا بِحَدِيث رَوَوْهُ فِي ذَلِكَ
661 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
(1/326)
الأَنْدَرَاوَرْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ
الْحَارِثِ بْنِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَخَذَ
مِنْ مَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ، وَأَنَّهُ قَطَعَ
لِبِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ " فَلَمَّا
كَانَ عُمَرُ قَالَ لِبِلالٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْطِكَ لِتَحْتَجِبَهُ عَنِ
النَّاسِ، وَلَمْ يُعْطِكَ إِلا لِتَعْمَلَ، قَالَ: فَقَطَعَ
عُمَرُ لِلنَّاسِ الْعَقِيقَ " فَكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِم
فِي ذَلِكَ أَن أصل هَذَا الحَدِيث كمَا رَوَوْهُ فِي
إِسْنَاده، وَلَا فِي مَتنه فِيمَا رَوَاهُ من هُوَ أثبت وأحفظ
من الدَّرَاورْدِي
662 - كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَغَيْرِ
وَاحِدٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لِبِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ
مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ نَاحِيَةَ الْفُرْعِ،
فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا تَؤْخَذُ مِنْهَا إِلا الزَّكَاةُ
إِلَى الْيَوْمِ " فَهَذَا هُوَ أصل هَذَا الحَدِيث فِي
إِسْنَاده وفِي مَتنه، أمَّا فِي إِسْنَاده فمنقطع غير متجاوز
بِهِ ربيعَة وأمَا فِي مَتنه فَإِن الْمَعَادِن الَّتِي كَانَت
تُؤْخَذ مِنْهَا تِلْكَ الصَّدَقَة قَدْ كَانَ بِلَال ملكهَا
بإقطاع رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِيَّاه إِيَّاهَا، وَالْحكم فِي الْمَعَادِن الْمَوْجُودَة
فِي الْمَوَاضِع الْمَمْلُوكَة وفِي الْمَوَاضِع الَّتِي
لَيْسَت بمملوكة مُخْتَلف عِنْد غير وَاحِد من أهل الْعلم،
مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، فِي حكمهَا، وَذَلِكَ أَنهم
كَانُوا يَقُولُونَ: كل مَعْدن من معادن الذَّهَب أَو الْوَرق
ومَا أشبههَا فِي مَوضِع مَمْلُوك فَلَا شَيْء عَلَى مَالكيه
فِيمَا وجدوه فِيه، ومَا كَانَ فِيهَا غير مَوضِع مَمْلُوك من
الصحارى والبراري فَفِيمَا وجد فِيهَا من ذَلِكَ الْخمس، قَلَّ
الْوُجُود فِيهَا أَو كثر حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ، عَنْ
مُحَمَّد، عَنْ يَعْقُوب، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا
القَوْل، وَخَالفهُ فِي ذَلِكَ أَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد،
وسنأتي بقولهمَا الَّذِي خالفاه إِلَيْهِ فِي مَوْضِعه من
هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَحَدِيث مَالك بن أنس،
عَنْ ربيعَة مُوَافق لمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ،
وأمَّا مَا فِي حَدِيث ربيعَة هَذَا مِنْ أَخْذِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو غَيره ممَّا خرج من
تِلْكَ الْمَعَادِن
(1/327)
الصَّدَقَة، فقَدْ يجوز أَن يكون أَرَادَ
بذلك الصَّدَقَة
عَلَى مقدارها الَّتِي تَجِبُ فِيه عَلَى حولهَا أَلا ترى
أَنَّهُ لم يذكر لنا فِيهَا للمَأخوذ مِنْهُ الصَّدَقَة
مِقْدَار، وكَانَ ذَلِكَ عِنْدهم جَمِيعًا عَلَى الْمِقْدَار
الَّتِي تَجِبُ فِيه الصَّدَقَة من الْأَمْوَال سوى أَمْوَال
الْمَعَادِن، فلذَلِكَ حكم ذَلِكَ فِي الْحول حكم سَائِر
الْأَمْوَال، سوى أَمْوَال الْمَعَادِن وقَدْ وجدنَا حكم
الْفَوَائِد من غير الْمَعَادِن لَا زَكَاة فِيهَا إِلَّا
ببلوغ الْمِقْدَار الْمَعْلُوم مِنْهَا، وحلول الْحول
عَلَيْهَا، والفائدة من الْمَعَادِن فِي الْقيَاس كَذَلِكَ،
ولَيْسَ لأحد أَن يُدْخِلَ فِي آي الزكوات اللَّاتِي تلونا من
كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ فِي أول كتَابنَا شَيْئا، إِلَّا بمَا
يجب لَهُ إِدْخَاله فِيهَا فأمَا أَبُو حَنِيفَةَ فقَدْ ذكرنَا
عَنهُ مذْهبه فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَاب، وأمَا أَبُو
يُوسُف، وَمُحَمّد، فكَانَا يذهبان إِلَى أَن مَا وجد فِي
معادن من الذَّهَب وَالْوَرق ومَا أشبههمَا ممَّا قل أَو كثر،
الْخمس، ويسويان فِي ذَلِكَ بَيْنَ وجوده فِي الْمَعَادِن
الَّتِي يحفرها مَالكوها فِيجدونه فِيهَا، وفِيمَا وجد من
ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي والبراري حَدَّثَنَا بِذَلِكَ من
قولهمَا مُحَمَّد بن الْحسن، عَنْ يَعْقُوب من قَوْله، وَعَن
عَليّ، عَنْ مُحَمَّد من قَوْله بمَا ذَكَرْنَاهُ عنهمَا
وكَانَ من الْحجَّة لأَبِي حَنِيفَةَ ولهمَا فِيمَا وجد من
الذَّهَب وَالْوَرق فِي الْمَعَادِن الَّتِي فِي الصَّحَارِي،
وفِي إيجابهم الْخمس مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِيجَابه الْخمس فِي الزَّكَاة
663 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ،
وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " فَقَالَ
لَهُ السَّائِلُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَمَعَهُ أَبُو
سَلَمَةَ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مَعَهُ فَهُوَ
664 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ "
(1/328)
فَكَانَ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَعَادِنِ
عِنْدَ هَؤُلاءِ الْقَائِلِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مِنَ
الرِّكَازِ الَّذِي قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ "
وقَدْ خالفهم فِي ذَلِكَ غير وَاحِد من أهل الْعلم مِنْهُمْ:
مَالك، حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن وهب، أَن
مَالكا أخبرهُ، أَنَّهُ سمع أهل الْعلم يَقُولُونَ فِي
الرِّكَاز: إنمَا هُوَ دفن الْجَاهِلِيَّة ممَّا لم يطْلب
بمَال، وَلم يُكَلف فِيه كَبِير عمل، فأمَا مَا طلب بمَال أَو
كلف فِيهِ كَبِير عمل فأصيب مرّة وأخطئ مرّة فلَيْسَ بركاز
قَالَ مَالك رَحمَه الله: هَذَا الْأَمر الَّذِي لَا اخْتِلَاف
فِيه عِنْدَنَا وقَالُوا: دفن أهل الْجَاهِلِيَّة ممَّا غنمه
أهل الْإِسْلَام فَحكمه حكم الْغَنَائِم يقَالُ لَهُم: أمَّا
مَا تأولتموه فِي الرِّكَاز، فَلم يحكوا لنا فِيه أثرا
مُتَقَدِّمًا يُوجب لكم الْحجَّة عَلَى مخاليفكم، وقَدْ رُوِيَ
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل أَنَّهُ عَنى دفن أهل
الْجَاهِلِيَّة، وَذَلِكَ أَن
665 - يُونُسُ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهِشَامُ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلا مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَيْفَ تَرَى فِيمَا يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ الْمِئْتَاءِ
أَوْ فِي الْقَرْيَةِ الْمَسْكُونَةِ؟ قَالَ: " عَرِّفْهُ
سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهِ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ وَإِلا
بِسَائِلٍ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهُ يَوْمًا مِنَ
الدَّهْرِ فَأَدِّهِ إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ
غَيْرِ الْمِئْتَاءِ أَوِ الْقَرْيَةِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ
فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " أَفَلا تَرَى أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ
الرِّكَازَ غَيْرَ الْمَوْجُودِ فِي الْقَرْيَةِ، وَقَدْ
يَكُونُ الْمَوْجُودُ فِيهَا ظَاهِرًا عَلَى أَرْضِهَا أَوْ
مُغَيَّبًا فِي أَرْضِهَا فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّكَازَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
غَيْرَهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا وَجْهُهُ أَبْيَنُ مِنْ
وَجْهِ هَذَا
666 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ
الأَسْلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ جَدِّهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ
أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا عَطِبَ الرَّجُلُ فِي بِئْرٍ
جَعَلُوهَا عَقْلَةً، وَإِذَا قَتَلَتْهُ دَابَّةٌ جَعَلُوهَا
عَقْلَةً، وَإِذَا قَتَلَهُ مَعْدِنٌ جَعَلُوهُ عَقْلَةً،
فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " الْمَعْدِنُ جُبَارٌ،
وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَفِي
الرِّكَازِ الْخُمُسُ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا
الرِّكَازُ؟ قَالَ: " الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ "
(1/329)
وَهُوَ فِي لُغَة الْعَرَب هَكَذَا،
وَمِنْه قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ
رِكْزًا} أَي: تسمع لَهُم صَوتا خفِيا لغيبوبتهم عَنهُ وَمِنْه
قَالُوا: ركزت الرمْح أَي: غيبته، فَكل مغيب فِي الأَرْض مركوز
فِيهَا ممَّا غيبه الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا أَو ممَّا غيبه
بَنو آدم وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس مَا يدل عَلَى أَن
مذْهبه فِي الْمَعَادِن هَذَا الْمَذْهَب
667 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنِ
ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ
عَنِ الْعَنْبَرِ هَلْ فِيهِ صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: " إِنْ كَانَ
فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ " فلمَّا كَانَ ابْن عَبَّاس
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ رد حكمه، إِن كَانَ فِيه شَيْء
الْخمس وَهُوَ مستخرج من الْبَحْر، كَانَ الذَّهَب وَالْوَرق
المستخرجان من الأَرْض كَذَلِكَ أَيْضا وقَدْ كَانَ
الزُّهْرِيّ
، وَهُوَ الَّذِي روى حَدِيث الرِّكَاز الَّذِي ذكرنَا، يذهب
فِي الْمَعَادِن إِلَى وجوب الْخمس فِيمَا وجد فِيهَا
668 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ " فِي الرِّكَازِ الْمَعْدِنِ وَاللُّؤْلُؤِ
يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، وَالْعَنْبِر مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسُ
" وَأَمَّا قَوْلهم: إِن كَانَ الرِّكَاز الَّذِي فِيه الْخمس
ممَّا قَدْ غنم، فَإِن هَذَا كَلَام فَاسد، لِأَنَّهُ لَو
كَانَ كَذَلِكَ لاختلف فِي الْبلدَانِ المفتتحة صلحا والمفتتحة
عنْوَة، وكَانَ فِي الْمَوْجُود فِي المفتتح مِنْهَا عنْوَة
المرد الْخمس لله عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأَرْبَعَة الأخمَاس
للَّذين فتحُوا الْمَدِينَة الْمَوْجُودَة فِيهَا، ومَا كَانَ
فِي المفتتحة صلحا فمردود عَلَى أَهلهَا، وقَدْ منع الإجمَاع
من ذَلِكَ وسووا جَمِيعًا بَيْنَ حكم الرِّكَاز الْمَوْجُود
فِي كل الْمَوَاضِع، وَجعلُوا حكمه حكم نَفسه، لَا حكم
مَوْضِعه الْمَوْجُود فِيه، وإِذَا وَجب أَن يكون الْمَوْجُود
فِي الْمَعَادِن من الذَّهَب وَمن الْوَرق، وكَانَ أوجب أَن
يكون الْخمس فِي عينه حَيْثُ وجده الرجل من ملكه وَمن غَيره،
كمَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَنَّهُ لم يحصن بِذَلِكَ ركازا دون ركاز "، كمَا قَالَ أَبُو
يُوسُف، وَمُحَمّد، مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عنهمَا فِي هَذَا
الْكتاب، لَا كمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيه: من تفريقه
بَيْنَ مَا وجده الرجل من ذَلِكَ فِي ملكه وَبَين مَا وجده فِي
غير ملكه عَلَى قَدْر مَا ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا
الْبَاب وكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد
يجْعَلُونَ الْوَرق وَالذَّهَب، وَالْحَدِيد، والرصاص، والنحاس
كُله فِي حكم
وَاحِد، ويجعلون مَا وجد من ذَلِكَ فِي معدنه ركازا، ويوجبون
فِيه
(1/330)
الْخمس عَلَى مَا ذكرنَا عَنْ كل فريق فِي
الذَّهَب وَالْوَرق فِي هَذَا الْبَاب حَدَّثَنَا بِذَلِكَ من
قَوْلهم مُحَمَّد، عَنْ عَليّ بن معبد، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْله عَنْ عَليّ، عَنْ
مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ من قَوْله، وَعَن عَليّ، عَنْ
مُحَمَّد من قَوْله
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
فَاخْتلف أهل الْعلم فِي هَذِهِ الْآيَة، فقَالَ بَعضهم: هِيَ
آيَة محكمَة، وَالْحق الْمَذْكُور فِيهَا هُوَ الْوَاجِب فِي
الزَّرْع من الْعشْر، وَمن نصف الْعشْر، وَمِمَّنْ قَالَ
بِذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالك بن أنس حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن وهب، قَالَ: قَالَ مَالك فِي قَول الله عَزَّ
وَجَلَّ: " {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} إِن ذَلِكَ
الزَّكَاة "، وَالله أعلم، وقَدْ سَمِعت من يَقُولُ ذَلِكَ
قَالَ أَحْمد: وقَدْ رُوِيَ هَذَا القَوْل، عَنِ ابْنِ عَبَّاس
عَلَى اخْتِلَاف وقَدْ رُوِيَ عَنهُ فِيه، سَنذكرُهُ فِي
مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
669 - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مُقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قَالَ: " الْعُشْرُ وَنِصْفُ
الْعُشْرِ " وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اخْتِلافٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ فِيه
سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ
اللهُ تَعَالَى
670 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ
الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلَهُ وقَدْ رُوِيَ
هَذَا القَوْل عَنْ غير وَاحِد من التَّابِعين سوى مُحَمَّد بن
عَليّ
671 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ
(1/331)
إِبْرَاهِيمَ
بْنِ نَافِعٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
" {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قَالَ: زَكَاتُهُ "
672 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رِفَاعَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قَالَ: مَا قَلَّ مِنْهُ
أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ آيَةٌ مَنْسُوخَةٌ،
وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
673 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مُقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قَالَ: " نَسَخَتْهَا
الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ " اخْتَلَفَ أَبُو مُعَاوِيَةَ،
وَحَفْصٌ فِي هَذَا عَنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ
عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ
674 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَفْصٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ
الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، مِثْلَهُ فَاخْتَلَفَ
شَرِيكٌ وَحَفْصٌ عَنِ الْحَجَّاجِ فِي هَذَا، فَرَوَاهُ كُلُّ
وَاحِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضا عَنِ
النَّخعِيّ
675 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ
مُغِيرَةَ، عَنْ شَبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ:
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: نَسَخَتْهَا
الزَّكَاةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَالْحَقُّ
الْمُرَادُ فِيهَا غَيْرُ الزَّكَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ
هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
676 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُصَيْبُ
الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الطَّائِفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَوْ
إِسْمَاعِيلُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ:
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: " كَانَ إِذَا
صَرَمَ يُعْطِي ضِغْثًا "
(1/332)
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ
بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ
677 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ} ، قَالَ: " إِذَا حَصَدَ أَطْعَمَ مِنْهُ، وَإِذَا
أَدْخَلَهُ الْبَيْدَرَ أَطْعَمَ مِنْهُ، وَإِذَا دَاسَهُ
أَطْعَمَ مِنْهُ "
678 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قَالَ:
" كَانَ يُلْقَى لَهُ مِنَ السُّنْبُلِ "
679 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ} ، قَالَ: إِذَا حَضَرُوا عِنْدَ الْحَصَادِ
أَعْطَاهُمُ السُّنْبُلَ، وَإِذَا حَضَرُوا عِنْدَ الْكَيْلِ
حَثَا لَهُمْ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَإِذَا عَلِمَ كَيْلَهُ
أَخْرَجَ زَكَاتَهُ، وَإِذَا حَضَرُوا عِنْدَ الْجُذَاذِ
أَعْطَاهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، وَإِذَا حَضَرُوا عِنْدَ
الْكَيْلِ خَبَا لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا عَلِمَ كَيْلَهُ
عَزَلَ زَكَاتَهُ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يذهبون فِي الْحق
الْمَذْكُور فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ سوى الزَّكَاة، كمَا
رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَنَّهُ قَالَ: " فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ "،
وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كتَابنَا هَذَا
وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابر بن عبد الله فِي هَذِهِ الْآيَة
أَنَّهَا محكمَة وَالْمرَاد بِالْحَقِّ الْمَذْكُور فِيهَا
الزَّكَاة، وَالِاسْتِدْلَال عَلَى ذَلِكَ بقوله عَزَّ
وَجَلَّ: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ}
680 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ حِبَّانَ
الأَعْرَجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،
{يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ
(1/333)
وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: {وَلا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} قَالَ أَحْمد
رَحمَه الله: وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا، وَالله أعلم: أَن المسرف
لَا يكون إِلَّا بمجاوزة الْوَاجِب، كَقَوْل الله عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ
كَانَ مَنْصُورًا} ، قَالَ: لَا يقتل غير قَاتله، وَالله أعلم
بمَا أَرَادَ، غير أَن أهل الْعلم قَدْ أَجمعُوا فِيمَا أخرجت
الأَرْض الْحرَّة الْعشْر أَو نصف الْعشْر عَلَى مَا قَالُوا
من ذَلِكَ، وعَلَى مَا قَالَه بَعضهم من وجوب ذَلِكَ فِي
قَلِيله وَكَثِيره، وعَلَى مَا أوجبه بَعضهم فِي مِقْدَار
مِنْهُ دون مَا سواهُ مِمَّا هُوَ أقل من ذَلِكَ الْمِقْدَار،
وعَلَى مَا أوجب بَعضهم فِي ذَلِكَ كُله إِلَّا الْحَطب والقصب
والحشيش، وعَلَى مَا أوجبه بَعضهم فِيمَا لَهُ من ذَلِكَ
ثَمَرَة بَاقِيَة دون مَا سواهُ مِمَّا لَا ثَمَرَة لَهُ
بَاقِيَة فِيمَا سَنذكرُهُ وقائليه، ومَا رُوِيَ
فِيه فِي موَاضعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلم يخل مَا أخرجت
الأَرْض مِمَّا تَجِبُ فِيه الصَّدَقَة أَن تكون الصَّدَقَة
الْوَاجِبَة فِيه وَجَبت بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، أَو بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِهَا} ، وبمَا سواهَا من آي الزكوات اللَّاتِي تلونا فِي أول
كتَابنَا هَذَا وَلم يبين الله عَزَّ وَجَلَّ لنا فِي كِتَابه
حكم مَا سَقى من ذَلِكَ السمَاء، وَلَا حكم مَا سُقي مِنْهُ
فتحا، وَلَا مَا سُقِيَ مِنْهُ بالدوالي والسواني، وَلِأَنَّهُ
بَينه لنا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
681 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ
الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشُورِ
" 682 - حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ
حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ " فَرَضَ فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ
وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا فَسُقِيَ بِالسَّمَاءِ
الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشُورِ
"
683 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا
الزُّبَيْرِ
(1/334)
حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا
يَذْكُرُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ
وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ
نِصْفُ الْعُشُورِ "
684 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي
وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ " فَأَمَرَنِي
أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ الأَنْهَارُ الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ
بَعْلا نِصْفَ الْعُشْرِ " فعقلنا بِذَلِكَ أَن حكم مَا لَا
كلفة عَلَى أَهله فِيه مثل مَا تسقيه السمَاء، أَو مَا سقته
الْأَنْهَار، أَن فِيه الْعشْر كَامِلا، وَأَن مَا سقِِي
بمعاناة أَهله ذَلِكَ مِنْهُ بالسواني والدوالي، وبمَا أشبههَا
ففِيه نصف الْعشْر، وَهَذَا ممَّا أجمع أهل الْعلم عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا خرج من ذَلِكَ، فقَالَ بَعضهم: فِيه
الْعشْر أَو نصف الْعشْر قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، وذهبوا فِي
ذَلِكَ إِلَى أَن هَذِهِ الْآثَار الَّتِي رويناها عَنْ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ذكر فِيهَا
لمقدار مَا أخرجته الأَرْض، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك أَبُو
حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ
مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،
وحَدَّثَنَاه سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد أَبِي
حَنِيفَةَ، وقَدْ روى هَذَا عَنْ مُجَاهِد، والنخغي
685 - حَدَّثَنَا أَبُو مُرَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ
هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبِدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ الْحَرَرِيُّ، عَنْ خَصِيفٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ زَكَاةِ الطَّعَامِ،
فَقَالَ: " فِيمَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ الْعُشْرُ، أَوْ
نِصْفُ الْعُشْرِ "
686 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخْرَجَتِ الأَرْضُ
الصَّدَقَةُ " وَقَالَ بَعضهم: لَا صَدَقَة فِي شَيْء من
ذَلِكَ حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق، والوسق سِتُّونَ صَاعا
بِصَاع رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالك، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ،
(1/335)
حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن
وهب، عَنْ مَالك بِهَذَا القَوْل حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ
عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِذَلِكَ، وَعَن
عَليّ، عَنْ مُحَمَّد بِذَلِكَ حَدثنَا مُحَمَّد بن
سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد، عَن أبي يُوسُف بذلك
قَالَ مُحَمَّد: وَهُوَ قَوْلنَا، وَاحْتَجُّوا بمَا ذَهَبُوا
إِلَيْهِ من ذَلِكَ بمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيه
685 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ
صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ،
وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ "
688 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ عَامِرٍ الضَّبْعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، فَذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
689 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
690 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ،
وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
عُمَرَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ، فَذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ،
691 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
فَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَأَئِمَّتِهِمْ عَنْ عَمْرٍو، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، وَغَيْرِهِ
692 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ،
عَنْ
(1/336)
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وقَدْ
رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ غَيْرِ هَذَا
الْوَجْهِ
693 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
686 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ "
687 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَفَهْدٌ، قَالا: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ
الزَّرْعِ أَوِ الْكَرْمِ، أَوِ النَّخْلِ، حَتَّى يَكُونَ
خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلا مِنَ الْوَرِقِ حَتَّى يَبْلُغَ
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ " وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عمر،
فرفعه بَعضهم عَنهُ إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ بَعضهم
696 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ
(1/337)
697 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ
بْنِ مُوسَى، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ
بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ،
فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
698 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ
بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ،
وَلَمْ يَرْفَعْهُ وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
699 - حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُبَارَكِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِثْلَهُ،
أَعْنِي: حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى
700 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عُقَيْلٍ
اللَّخْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَار قَدْ جَاءَت محتاطا متواتر
فِي تَوْقِيت الْخَمْسَة الأوسق الَّتِي ذكرنَا، فَوَجَبَ
القَوْل بِهَا وَترك خلَافهَا، وكَانَت عِنْدَنَا غير
مُخَالفَة للآثار الأُوَلِ الَّتِي لَا تَوْقِيت فِيهَا، لِأَن
الْآثَار الأُوَلَ الَّتِي لَا تَوْقِيت فِيهَا قصد فِيهَا
إِلَى مَا يخرج من الأَرْض، فكَانَ ذَلِكَ عَلَى حكمه وعَلَى
شَرَائِطه الَّتِي إِذَا تكاملت وَجَبت الزَّكَاة، وكَانَت
شَرَائِطه وَأَحْكَامه مَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْآثَار
الأُخَرِ مُفَسَّرَةً فِيهَا فَهِيَ أولى مِنْهَا وَلَا تحسب
أَن أَبَا حَنِيفَةَ رَحمَه الله ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى
الْآثَار الأول الَّتِي لَا تَوْقِيت فِيهَا، إِلَّا لِأَنَّهُ
لم يتَّصل بِهِ هَذِهِ الْآثَار الْأُخَر المفسرة، وَلم نقف
عَلَى ظُهُورهَا وَلَا تواترها من رَوَاهَا، فَذهب إِلَى ظَاهر
الْآثَار الأول الَّتِي لَا تَوْقِيت فِيهَا، مَعَ مَا قَدْ
دله عَلَى ذَلِكَ من الْقيَاس، وَذَلِكَ أَنَّهُ وجد أَمْوَال
الزكوات سوى مَا
تخرج الأَرْض لَا تَجِبُ فِيه الزَّكَاة إِلَّا ببلوغ مِقْدَار
وبحلول حول، وكَانَت مضمنة بالقَدْر والحول جَمِيعًا، وَوجد
مَا تخرج الأَرْض تَجِبُ فِيه الزَّكَاة، فَلَا حول يحول
عَلَيْهِ، كمَا وجد اسْتِوَاء حكم الْحول والمقدار فِي
الْأَمْوَال الأول فِي ثُبُوتهَا فِيهَا، وَوجد سُقُوط الْحول
فِيمَا تخرج الأَرْض، سوى بَينه وَبَين سُقُوط الْمِقْدَار
مِنْهُ أَيْضا ولَيْسَ لأحد التَّخَلُّف عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
(1/338)
وَلَا الْخُرُوج فِيمَا وقف عَلَيْهِ إِلَى
غَيره، وَلَا استعمَال الْقيَاس، وَضرب الْأَمْثَال والاستنباط
فِيمَا قَدْ كيفته وَاخْتلفُوا فِي الْخَارِج من الأَرْض
الَّذِي فِيه الْعشْر أَو نصف الْعشْر، فقَالَ بَعضهم: كل مَا
أخرجته الأَرْض ففِيه الْعشْر، أَو نصف الْعشْر إِلَّا فِي
الْقصب، والحطب، والحشيش، فَإِنَّهُ لَا عشر وَلَا نصف عشر فِي
ذَلِكَ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ،
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالفهُ فِيه أَبُو
يُوسُف، وَمُحَمّد، فَجعلَا ذَلِكَ ممَّا تخرج الأَرْض عَلَى
مَا لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة ممَّا يَأْكُلهُ بَنو آدم ويدخرونه
مثل الْحِنْطَة، وَالشعِير، والأرز، وَالزَّبِيب، والذرة، ومَا
أشبه ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ من قولهمَا مُحَمَّد، عَنْ
عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ من قَوْله، وَعَن
عَليّ، عَنْ مُحَمَّد من قَوْله، وَهَذَا مَذْهَب مَالك
حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن وهب، عَنْ مَالك
بِهَذَا الْمَعْنى، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي ولمَّا رد
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْدَار مَا
تَجِبُ الزَّكَاة فِيه ممَّا تخرج
الأَرْض إِلَى خَمْسَة أوسق، عقلنا بِذَلِكَ أَن المُرَاد بِهِ
ممَّا تخرج الأَرْض من الْأَشْيَاء المكيلات بالأوساق من
الْأَصْنَاف الَّتِي ذكرنَا، لَا مَا سواهَا ممَّا تخرج
الأَرْض مِمَّا لَا يتهيأ كَيْله بالأوساق مثل الْبُقُول
وَسَائِر الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يدخلهَا الْكَيْل، وقَدْ
وَافق ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَوْله: " لَيْسَ فِي الْخضر زَكَاة
وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا "
688 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ،
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ فِي
الْخُضَرِ زَكَاةٌ " وقَدْ روى مُوسَى بن طَلْحَة فِي هَذَا
الْمَعْنى حَدِيثا بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ
702 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا
كِتَابُ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ
(1/339)
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ،
وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ " فقَدْ يحْتَمل أَن يكون رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصد إِلَى هَذِهِ
الْأَرْبَعَة الْأَصْنَاف، فولى معَاذًا عَلَيْهَا وَترك ذكر
مَا سواهَا، لِأَنَّهُ لم يدْخل فِيمَا ولاه عَلَيْهِ، وَإِن
كَانَت الصَّدَقَة وَاجِبَة فِيه وقَدْ يحْتَمل أَن يكون
الْفَرْض من الله عَزَّ وَجَلَّ لم يكن حِينَئِذٍ نزل فِي
زَكَاة مَا سوى هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَصْنَاف، ثُمَّ نزل
بعد ذَلِكَ فلحق حكم مَا سوى هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَصْنَاف
بِحكم هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَصْنَاف وقَدْ رُوِيَ
عَنْ أَبِي بُرَيْدَة، عَنْ أَبِي مُوسَى فِي قصَّة معَاذ فِي
هَذَا الْمَعْنى مَا
703 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ،
عَنْ مُعَاذٍ، وَأَبِي مُوسَى " حِينَ بُعِثَا إِلَى الْيَمَنِ
لِيُعَلِّمَا النَّاسَ دِينَهُمْ، فَلَمْ يَأْخُذَا إِلا مِنْ
هَذِهِ الأَصْنَافِ "
704 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " صَدَقَةُ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ مَا
كَانَ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ كَرْمٍ، أَوْ زَرْعٍ مِنْ حِنْطَةٍ،
أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ سَلْتٍ، فَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْلا أَوْ
يُسْقَى بِنَهْرٍ، أَوْ عُشْرِيًا يُسْقَى بِالْمَطَرِ فَفِيهِ
الْعُشْرُ، فِي كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدَةٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ
يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، فِي كُلِّ
عِشْرِينَ وَاحِدٌ " ففِي هَذَا الحَدِيث غير معنى من الْفِقْه
يحْتَاج إِلَى الْوُقُوف عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنا قَدْ روينَا
فِيمَا تَقَدَّمَ من كتَابنَا هَذَا
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "
فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِي
بِالسَّوَانِي نِصْفُ الْعُشُورِ " لَا تَوْقِيت فِيه فِي
ذَلِكَ، وَلَا قصد مِنْهُ فِيه إِلَى خَاص من الْأَشْيَاء
الَّتِي تخرجها الأَرْض، ثُمَّ بَيَّنَ فِي حَدِيث مُوسَى بن
عقبَة هَذَا الْمِقْدَار الَّذِي يجب فِيه ذَلِكَ الْعشْر، أَو
ذَلِكَ النّصْف الْعشْر الَّذِي
(1/340)
فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَأَنه الْخَمْسَة
الأوساق الَّتِي ذكرهَا فِي هَذَا الحَدِيث، وَقصد فِيه إِلَى
النّخل، وَالْكَرم، وَالزَّرْع من الْحِنْطَة، وَالشعِير،
والسلت، وَذَلِكَ لَا يكون مِنْهُ إِلَّا بعد وُقُوفه عَلَى
مُرَاد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِيَّاه فِي إِيجَابه مَا رَوَاهُ عَنهُ فِي الحَدِيث الَّذِي
رَوَاهُ عَنهُ سَالم وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث يَحْيَى بن عمَار، عَنْ
أَبِي سعيد مَا دلّ عَلَى هَذَا الْمَعْنى، وَزَاد عَلَيْهِ
سَائِر الْحُبُوب والثمَار، وَهُوَ أَن
705 - يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ دُونَ
خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ "
فكَانَ الْمَقْصُود إِلَيْهِ بِإِيجَاب الزَّكَاة فِيه فِي
هَذَا الحَدِيث الْخَمْسَة الأوساق من الْحبّ والثمَار، وَلم
يخص فِي ذَلِكَ صنفا من الْحُبُوب دون مَا سواهُ من أَصْنَاف
الْحُبُوب، وَلَا صفنا من الثمَار دون مَا سواهُ من أَصْنَاف
الثمَار فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن كل الْحُبُوب الَّتِي تكال
بالأوساق، وَكُلَّ الثمَار الَّتِي تكال بالأوساق فقَدْ لحقها
فرض الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِيهَا من
الْعشْر أَو نصف الْعشْر عَلَى مَا ذكرنَا ولمَّا وَجب أَن
تكون فِي الْأَشْيَاء المكيلات بالأوساق الزَّكَاة الَّتِي
ذكرنَا، وَوجدنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ رُوِيَ عَنهُ فِي إِيجَاب الصَّدَقَة فِي
الْعَسَل مَا
706 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ
يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ
بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، " أَنَّ بَنِي شَبَابَةَ بَطْنٌ مِنْ
فَهِمٍ، كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْلٍ كَانَ عَلَيْهِمُ
الْعُشْرَ، مِنْ كُلِّ عَشْرٍ قُرْبُ قِرْبَةٍ، وَكَانَ
يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَيْنِ لَهُمْ، وَكَانُوا يُؤَدُّونَ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى
أَبِي بَكْرٍ وَحَمَى لَهُمْ وَادِيَيْهِمْ " وقَدْ رُوِيَ
عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
(1/341)
707 - مَا حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُهُ، فَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى قَوْمِي،
وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَكُنْتُ آخُذُ مِنْهُمْ
صَدَقَاتِهِمْ، فَطَلَبْتُ مِنْهُمْ صَدَقَةَ الْعَسَلِ،
وَقُلْتُ: إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا صَدَقَةَ فِيهِ،
فَأَبَوْا وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: " خُذْ مِنْهُ
عُشْرَهُ " فَقُلْتُ: أَيْنَ أَجْعَلُهُ؟ قَالَ: " اجْعَلْهُ
فِي بَيْتِ الْمَالِ "
709 - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ،
عَنْ مُنِيرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعْتُهُ فَذَكَرَ
قِصَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَرَى فِي
الْعَسَلِ؟ فَقَالَ: " خُذْ مِنْهُ الْعُشْرَ " فَقُلْتُ:
أَيْنَ أَضَعُهُ؟ فَقَالَ: " ضَعْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ "؟
وَرُوِيَ عَنْ جمَاعة من التَّابِعين فَمن ذَلِكَ مَا
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: " بَلَغَنِي
فِي الْعَسَلِ الْعُشُورُ
710 - " حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بِذَلِكَ، وَقَالَ يَحْيَى: إِنَّهُ
سَمِعَ مَنْ أَدْرَكَ يَقُولُ ذَلِكَ، فَبِذَلِكَ مَضَتِ
السُّنَّةُ فلمَا رُوِيَ إِيجَاب الْعشْر فِي الْعَسَل وَهُوَ
ممَا لَا يُكَال بالأوساق عَلَى مَا قَدْ روينَا، دلّ ذَلِكَ
أَن مَا يدْخلهُ الوسق من الْأَشْيَاء المكيلات تَجِبُ فِيه
الزَّكَاة، وَأَنه يعْتَبر بمَا يُكَال بِهِ، كمَا يعْتَبر
بمَا يُكَال بالأوساق بِهَا إِذَا كَانَ يُكَال بِهَا، وَإِن
ذَلِكَ زَائِد عَلَى مَا فِي حَدِيث يَحْيَى بن عمَارة الَّذِي
روينَا، وقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله، يَقُولُ مرّة:
إِن فِي الْعَسَل الْعشْر، وَإنَّهُ يعْتَبر فِيه الْقرب،
فَيجْعَل فِي كل عشر
قرب مِنْهُ قربَة، وَلَا يُوجب الصَّدَقَة فِيه إِذَا قصر عَنْ
عشر قرب، وَلم يرو عَنهُ فِي مِقْدَار الْقرب شَيْئا
حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، أَن أَبَا يُوسُف أملأ
عَلَيْهِم فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ترد قِيمَته إِلَى قيمَة خَمْسَة
أوسق من أدنى الْأَشْيَاء الَّتِي تدْخلهَا الأوساق وَتجب
فِيهَا الزَّكَاة، فَإِن بلغتهَا كَانَت فِيه الزَّكَاة،
وَإِلَّا فَلَا زَكَاة فِيه
(1/342)
حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، أَن
أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن أملأ عَلَيْهِم فِي ذَلِكَ،
أَنه لمَّا كَانَ الْعَسَل مُعْتَبرا بالأفراق كمَا أَن
الْحِنْطَة ومَا أشبههَا مُعْتَبرَة بالأوساق، فكَانَ لَا
صَدَقَة فِيهَا حَتَّى تبلغ خَمْسَة أوساق، كَانَ لَا صَدَقَة
فِي الْعَسَل حَتَّى يبلغ خَمْسَة أفراق حَدَّثَنَا أَبُو
حَازِم القَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا بكر بن مُحَمَّد الْعمي،
وَعبد الرَّحْمَن بن نائل، عَنْ مُحَمَّد بن سمَاعة، أَن أَبَا
يُوسُف أملأ عَلَيْهِم القَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، عَنْ
سُلَيْمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي تَقْوِيم
الْعَسَل بِأَدْنَى الْأَصْنَاف من الْحُبُوب، قَالَ:
فذَكَرْنَاهُ لمُحَمد، فقَالَ: لَيْسَ هَذَا بقول، لِأَن هَذَا
يخْتَلف فِي الْأَزْمِنَة والبلدان، وفِي ارْتِفَاع الْقيم
واتضاعها، ولَيْسَ هَكَذَا حكم الزكوات الْمُتَّفق عَلَيْهَا،
فَقُلْنَا لَهُ: فمَا تَقول أَنْت؟ فَأَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ
قَالَ: رَأَيْت الْعَسَل يعْتَبر فِي بدنه بِمَا دون الأفراق،
ثُمَّ يتناهي بِهِ إِلَى الأفراق، فَيُقَالُ: فرقان من عسل أَو
مَا سوى من الأفراق من الْعَسَل، وكَانَت الْحِنْطَة هَكَذَا
تعْتَبر بِالْمدِّ، ثُمَّ بالصاع، ثُمَّ القفِيز، حَتَّى
يتناهى بِهَا إِلَى الوسق، ثُمَّ
يبْنى بالأوساق، فَيُقَالُ: وسقان من حِنْطَة، أَو كَذَا
وَكَذَا وسْقا من حِنْطَة، وَإِن مَوضِع الْفرق من الْعَسَل
كموضع الوسق من الْحِنْطَة، وكمَا كَانَ لَا صَدَقَة فِي
الْحِنْطَة حَتَّى تكون خَمْسَة أوساق، كَانَ كَذَلِكَ لَا
صَدَقَة فِي الْعَسَل حَتَّى يَكُونَ خَمْسَة أفراق، ثُمَّ بنى
مُحَمَّد بتباين هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الْمَعْنى، فقَالَ:
وكذَلِكَ الْقطن يعْتَبر، فَيُقَالُ: أسياد، ثُمَّ يُقَالُ:
رَطْل، ثُمَّ يُقَالُ: من، ثُمَّ يُقَالُ: حمل، فَتكون تِلْكَ
النِّهَايَة فِيه، ثُمَّ يبْنى بالأحمَال، فَيُقَالُ: حملان من
قطن، وَكَذَا وَكَذَا حمل من قطن، فكمَا كَانَ لَا صَدَقَة فِي
الْحِنْطَة حَتَّى تكون خَمْسَة أوساق، كَانَ لَا صَدَقَة فِي
الْقطن حَتَّى يَكُونَ خَمْسَة أحمَال، وَالْحمل ثَلَاث مائَة
من بالعراق قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله: وكذَلِكَ
الزَّعْفَرَان يعْتَبر بمَا دون الْأُمَنَاء، ثُمَّ يتناهي
بِهِ إِلَى الْأُمَنَاء، ثُمَّ يبْنى بِهَا، فَيُقَالُ: منوان
من زعفران، وَكَذَا وَكَذَا منا من زعفران، فكمَا كَانَ لَا
صَدَقَة فِي الْحِنْطَة حَتَّى تكون خَمْسَة أوساق، فكذَلِكَ
لَا صَدَقَة فِي الزَّعْفَرَان حَتَّى يَكُونَ خَمْسَة
أُمَنَاء، وقَدْ حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ أَن
مُحَمَّدًا أملأ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَقْوَال كلهَا فِي هَذَه
الْأَصْنَاف فَإِن قَالَ قَائِل: قَدْ رُوِيَ عَنْ عمر بن عبد
الْعَزِيز رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ: لَا صَدَقَة فِي
الْعَسَل وَذكر مَا
711 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْعَسَلِ
صَدَقَةٌ "
(1/343)
قيل لَهُ: قَدْ كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز
يَقُولُ هَذَا حَتَّى وقف عَلَى مَا كَانَ من رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أَخذ الصَّدَقَة من الْعَسَل، فَأَخذهَا
712 - كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ دِينَارٍ،
أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَنْهَاهُ
أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً، إِلا أَنْ يَكُونَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا،
فَجَمَعَ عُرْوَةُ أَهْلَ الْعَسَلِ، فَشَهِدُوا أَنَّ هِلالَ
بْنَ سَعْدٍ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِعَسَلٍ، فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " فَقَالَ: هَذِهِ
هَدِيَّةٌ " فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "، ثُمَّ جَاءَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِعَسَلٍ،
فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " فَقَالَ: صَدَقَةٌ " فَأَخَذَهَا
فَأَمَرَهُ بِرَفْعِهَا "، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ عُشْرًا، وَلا
شَيْئًا إِلا أَنَّهُ أَخَذَهَا وَكَتَبَ بِذَلِكَ عُرْوَةُ
إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَتَبَ عُمَرُ:
فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ فَخُذُوهَا، وَكُنَّا نَأْخُذُ مَا
أَعْطَوْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَلا نَسْأَلُ عُشُورًا، مَا
أَعْطَوْنَا أَخَذْنَا قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مَيْسَرَةَ، فَقَالَ: ذَكَرَ لِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ
أَهْلِي أَنْ قَدْ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُرْوَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّعْدِيُّ، بِالشَّامِ، فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ كَتَبَ
إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ
الْعَسَلِ، فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ
إِلَيْهِ: إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ
بِالطَّائِفِ فَخُذُوا الْعُشُورَ مِنْهَا فَهَذَا عمر قَدْ
كَانَ يذهب ندبا إِلَى أَن لَا صَدَقَة فِي الْعَسَل، وكذَلِكَ
الْقيَاس أَنَّهُ لَا صَدَقَة فِي الطير، وَلَا فِيمَا يكون
مِنْهَا، فَحَمَلَ الْأَمر فِي ذَلِكَ قبل أَن يقف عَلَى مَا
كَانَ من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمن عمر عَلَى مَا يُوجِبهُ الاستنباط فِي ذَلِكَ، ثُمَّ
اتَّصل بِهِ مَا كَانَ من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدِيَّة هِلَال بن سعد الثَّانِيَة،
فَصَارَ إِلَى ذَلِكَ وَترك مَا كَانَ أَمر بِهِ استنباطا،
ثُمَّ وقف عَلَى مَا كَانَ من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن ميسرَة من
إِيجَاب الْعشْر فِيه، فَصَارَ إِلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا يجب
فِي سَائِر الْحَوَادِث عَلَى وُلَاة الْمُسْلِمِينَ ودفِين
أُمُورهم وَيَنْبَغِي للإمَام إِذَا تناهي عظم الثمَار،
واحمرت، واصفرت، وَصَارَت فِي حَال مَا يُؤْكَل مِنْهُ أَن
يبْعَث إِلَيْهَا من يخرصها، ثُمَّ إجافا، ثُمَّ يخلى بَيْنَ
أَهلهَا وَبَينهَا يأكلونها ويصنعون بهَا مَا بدا لَهُم،
فإِذَا جذوا ثَمَّ نَخْلهمْ أَدّوا إِلَيْهِ عشرهَا وَنصف
عشرهَا عَليّ مَا كَانَ خرصها عَلَيْهِم فِي البدء من غير أَن
يكون بخرصه إِيَّاهَا عَلَيْهِم، وبتخليته بَينهم وَبَينهَا
مملكا لَهُم
(1/344)
حق الله عَزَّ وَجَلَّ الْوَاجِب فِيهَا من
الْعشْر أَو من نصف الْعشْر، حَتَّى يَكُونَ فِي معنى البَائِع
كَذَلِكَ مِنْهُمْ، وحَتَّى يَكُونُوا فِي حَال الْمُتَبَايعين
لِذَلِكَ مِنْهُ، وحَتَّى يَكُونُوا ضامنين لِذَلِكَ إِن تلف
أَو أَصَابَته جَائِحَة، وَغير أَن أهل الثمَار كَرهُوا الْخرص
فِي ذَلِكَ، واختاروا المكايلة فِي وَقت مَا
تصير الثَّمَرَة، ثُمَّ أخرص عَلَيْهَا الخارص ليعلم مَا حق
الله عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا خرصه عَلَيْهِم، ثُمَّ كايلهم فِي
وَقت الْجذاذ، وَأخذ مِنْهُمْ مَا يجب لله عَزَّ وَجَلَّ تَمرا
713 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنْ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، قَالَ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ
عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا
يُخْرَصُ مِنَ الثِّمَارِ إِلا النَّخْلُ وَالأَعْنَابُ،
فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلاحُهُ وَيَحِلُّ
بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ
يُؤْكَلُ رَطْبًا، فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ
عَلَى النَّاسِ، لِئَلا يَكُونَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ
ضِيقٌ، فَيُخْرَصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا، ثُمَّ يَرُدُّونَ
الزَّكَاةَ عَلَى مَا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ فأمَا مَا لَا
يُؤْكَل رطبا، وإنمَا يُؤْكَل بعد حَصَاده مثل الْحُبُوب
كلهَا، فَإِنَّهُ لَا يخرص، وإنمَا عَلَى أَهله فِيه الأمَانة
إِذَا صَار حبا، حَتَّى يؤدوا زَكَاته إِذَا بلغ فِي مثله
الزَّكَاة قَالَ: وَالْأَمر الْمُجْتَمع عَلَيْهِ فِيه
عِنْدَنَا أَن النّخل يخرص عَلَى أَهلهَا وفِي رءوسها ثَمَرهَا
إِذَا طَابَ وَحل بَيْعه يُؤْخَذ مِنْهُمْ تَمرا بالجذاذ،
فَإِن أَصَابَت الثمرةَ جَائِحَةٌ بعد أَن تخرص عَلَى أَهلهَا
وَقبل أَن يجذوه أحاطت الْحَاجة بالثمرة، فلَيْسَ عَلَيْهِم
فِيه شَيْء، وَإِن بَقِي من الثَّمر مَا يبلغ خَمْسَة أوساق
فَصَاعِدا أَخذ مِنْهُ زَكَاته، ولَيْسَ عَلَيْهِم فِي مَا
أَصَابَت الْجَائِحَة زَكَاة، وكذَلِكَ الْعَمَل فِي الْكَرم
وقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِي فِي الْخرص هَذَا الْمَعْنى
فأمَا الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّد بن الْحسن
فِيهَا، لم يحك فِيه خلافًا بَينه وَبَين أحد من أَصْحَابه،
فَإِن سليمَان بن شُعَيْب
حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِيهِ، أَن مُحَمَّدًا أملأ عَلَيْهِم: أَن
" الْعِنَب الأَبِيض وَالْأسود، وَالتَّمْر الْأسود، والأصفر
يُضَاف بعض ذَلِكَ إِلَى بعض، فإِذَا أخرجت الأَرْض مِنْهُ
مِقْدَار خَمْسَة أوسق من التَّمْر الجاف، أَو من الزَّبِيب
فِيه الْعشْر أَو نصف الْعشْر، فَإِن بيع رطبا أَو عنبا، أَو
بسرا خرص ذَلِكَ تَمرا إجافا أَو زبيبا، فَإِن بلغ ذَلِكَ فِي
الْخرص خَمْسَة أوسق أَخذ مِنْهُ الْعشْر أَو نصف الْعشْر،
وَإِن ذَلِكَ لَا يبلغ فِي الْخرص لم يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء "
(1/345)
فَهَذَا الَّذِي وجدنَا عَنْ مُحَمَّد فِي
الْخرص، وَلم نجد عَنهُ فِي الْخرص قبل بيع الثمَار شَيْئا،
وإِذَا وَجب أَن يكون الإمَام أَن يسْتَعْمل الْخرص فِيمَا بيع
من الثمَار من النّخل وَالْأَعْنَاب عَلَى مَا ذكرنَا، وَجب
أَن يَسْتَعْمِلهُ فِيهَا قبل البيع ليتسع عَلَى أَهلهَا بيع
مَا رَأَوْا بَيْعه مِنْهَا، وَأكل مَا رَأَوْا أكله مِنْهَا،
كمَا روينَا فِي ذَلِكَ عَنْ مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَهَكَذَا
كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل
فِي الثمَار
714 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا
الْوُحَاظِيُّ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ، فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةِ
امْرَأَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " اخْرُصُوهَا "، فَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَصْنَاهَا عَشَرَةَ أَوْسُقٍ،
وَقَالَ: " أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ
اللهُ " فَلَمَّا قَدِمْنَا سَأَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ
ثَمَرُهَا؟ قَالَتْ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ
715 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ
زَبِيبًا كَمَا يَخْرُصُ الرُّطَبَ " فَهَذَا الَّذِي وجدنَا
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذكر
خرص الثمَار فِي غير خَيْبَر وفِي حَدِيث أَبِي حميد الَّذِي
روينَا أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمر الْمَرْأَة الَّتِي خرص عَلَيْهَا حديقتها بإحصاء مَا
فِيهَا حَتَّى يرجع إِلَيْهَا، أَي بإحصائه تَمرا جافا وأمَا
مَا رُوِيَ عَنْ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خرص ثمَار
خَيْبَر فَإِن
716 - عُبَيْدُ
(1/346)
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ
716 - حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّازَّقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ وَهِيَ
تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ: " فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى
الْيَهُودِ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ تَطِيبُ أَوَّلُ
الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ
يَهُودَ أَيَأْخُذُهُ بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَمْ يَدْفَعُونَهُ
إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْخَرْصِ، لِكَيْ
تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ الثَّمَرُ أَوْ
يُفَرَّقَ " وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا غَيْرَ
ابْنِ جُرَيْجٍ، وقَدْ وقفنا عَلَى فَسَادِهِ مِنْ حَدِيثِهِ
كَمَا
717 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّازِقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ وَأُخْبِرْتُ، عَنْ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا
الْحَدِيثَ فأمَا سَائِر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ سواهُ فأوقفوه
عَلَى ابْن شهَاب وَلم يتجاوزوه، فَمن ذَلِكَ مَا
718 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ ثَمَرَ
النَّخْلِ حَتَّى يَطِيبَ أَوَّلُ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ
يُؤْكَلَ أَوَّلُ شَيْءٍ مِنْهَا، ثُمَّ يُخَيِّرُ الْيَهُودَ
يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ، أَوْ يَدْفَعُونَهَا،
لأَنَّهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْخَرْصِ
لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ الثَّمَرُ
أَوْ يُفَرَّقَ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ " وقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعثته ابْن رَوَاحَة إِلَى
خَيْبَر فِي خرص ثَمَرهَا مَا
719 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَعْطَى
يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشِّطْرَ مِنْ كُلِّ
زَرْعٍ وَنَخْلٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " قَالَ: فَكَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ
يَأْتِيهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ، فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ
يُضَمِّنُهُمُ الشَّطْرَ،
(1/347)
فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرْصَهُ، وَأَرَادُوا أَنْ
يَرْشُوهُ، قَالَ: فَأَعِدُ اللهَ أَنْ تُطْعِمُونِنيَ
السَّخْتَ، وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ
النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ
عَدِيدِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلا
يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ أَنْ لَا
أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، قَالَ: فَقَالُوا: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ،
بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ففِي حَدِيث ابْن
عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَذَا أَن ابْن رَوَاحَة كَانَ يضمن
الْيَهُود الشّطْر الَّذِي كَانَ للْمُسلمين من الثمَار، وفِيه
أَنَّهُ كَانَ يخرص عَلَيْهِم الزَّرْع كمَا يخرص عَلَيْهِم
النّخل وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابر، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعثته ابْن رَوَاحَة إِلَى
خَيْبَر فِي خرص ثَمَرهَا مَا
720 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عُوَانٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَفَاءَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ خَيْبَرَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي: يَهُودَ كَمَا كَانُوا،
وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ
فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ
الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ
أَنْبِيَاءَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ أَنْ
أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفِ وَسَقٍ
مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي
" وَلَيْسَ فِي خَرْصِ ابْنِ رَوَاحَةَ أَكْثَرُ مِمَّا
رُوِّينَا وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ يَأْمر بِهِ الْخَرَّاصَ مَا
721 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ خُبَيْبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ
نِيَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا
خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا
الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ " وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ يَأْمُرُ الْخَرَّاصَ:
722 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
(1/348)
عَبَّاسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: بَعَثَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي خَيْثَمَةَ
يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ، " فَأَمَرَهُ إِذَا وَجَدُوا
الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ أَلا يَخْرُصَ عَلَيْهِمْ مَا
يَأْكُلُونَ " قَالَ أَحْمَدُ: وَالثلث وَالرّبع
الْمَذْكُورَان فِي حَدِيث سهل بن أَبِي خَيْثَمَة، إنمَا أَمر
يَتْرُكهَا لهَذَا الْمَعْنى وقَدْ رُوِيَ عَنْ سهل فِي الْخرص
723 - مَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، أَنَّ
أَبَا مَيْمُونَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ سَهْلٍ، أَنَّ مَرْوَانَ
بَعَثَهُ خَارِصًا، فَخَرَصَ مَالَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ
بِسَبْعِ مِائَةِ وَسَقٍ، فَقَالَ: " لَوْلا أَنِّي وَجَدْتُ
فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرَصْتُهُ بِتِسْعِ مِائَةِ
وَسَقٍ، وَلَكِنِّي تَرَكْتُ لَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُونَ
" وقَدْ رُوِيَ، عَنْ سهل، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنى مَا
724 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيُّ،
ثُمَّ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ
الْفَدَكِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ
أَبِي خَيْثَمَةَ الْحَارِثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
أَبَا خَيْثَمَةَ خَارِصًا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ قَدْ زَادَ عَلَيَّ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ قَدْ زِدْتَ عَلَيْهِ "
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَرَكْتُ لَهُ قَدْرَ عَرِيَّةِ
أَهْلِهِ، وَمَا يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ، وَمَا تُصِيبُ
الرِّيحُ، فَقَالَ: " قَدْ زَادَكَ ابْنُ عَمِّكَ وَأَنْصَفَكَ
" وأمَا مَا روينَاهُ عَنْ أَبِي حميد من خرص رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْأَة حديقتها،
وَمن أمره إِيَّاهَا بإحصائها إِلَى أَن يرجع إِلَيْهَا، ففِي
ذَلِكَ دَلِيل أَنَّهُ لم يملكهَا مَال الله عَزَّ وَجَلَّ
فِيهَا بخرصه إِيَّاهَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَو كَانَ قَدْ
ملكهَا ذَلِكَ مَا احْتَاجَ إِلَى إحصائها، وَلكنه احْتَاجَ
مِنْهَا إِلَى إحصائها مَا فِيهَا، لِأَنَّهُ أَمِين عَلَيْهَا
وعَلَى مَا لله عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا، فَأمرهَا بإحصاء مَا
فِيهَا ليَأْخُذ مِنْهَا حق الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا
يتحققه مِنْهَا وَيسلم لَهَا حَقّهَا بملكها
(1/349)
ولمَّا كَانَ يرجع فِي الْوَاجِب لله عَزَّ
وَجَلَّ فِيهَا إِلَى مَا يُحْصى مِنْهَا بعد الْخرص، وعقلنا
أَن الثَّمَرَة لَا بُد من سُقُوط بَعْضهَا بهبوب الرِّيَاح
وَجب أَن لَا يكون ذَلِكَ محسوبًا عَلَى أَهلهَا، وَوَجَب أَن
يكون مَرْفُوعا عَنْهُم مِنْهَا كمَا كَانَ رَفعه أَبُو
خَيْثَمَة
فِي خرصه عَلَى ابْن عَمه، وأمضاه رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا فِي حَدِيث مُحَمَّد بن صَدَقَة
الفدكي الَّذِي روينَاهُ ولمَّا كَانَ أهل الحوائط مَأمورين
بِالصَّدَقَةِ بعد الْخرص من ثمَارهم عَلَى الْمَسَاكِين، غير
ممنوعين من ذَلِكَ بالخرص، وكَانَ مَا يَأْخُذهُ الْمَسَاكِين
مِنْهَا على سَبِيل الصَّدَقَة منصرفا فِي وَجه الصَّدَقَة
الَّتِي تُؤْخَذ الزَّكَاة من أَهلهَا، كَانَ ذَلِكَ محطوطا
عَنْ أهل الحوائط من ثمَارهم مَرْفُوعا عَنْهُم مِنْهَا، كمَا
حطه أَبُو خَيْثَمَة فِي خرصه عَلَى ابْن عَمه، وَرَفعه عَنهُ
من ثَمَرَة حَائِطه وأمضاه رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا ذكرنَا فِي حَدِيث الفدكي ولمَّا
كَانَ من أَخْلَاق أهل الحوائط المحمودة مِنْهُمْ إغراء بعض
ثمَار حوائطهم، وكَانَ مَا يغرونه من ذَلِكَ فإنمَّا يقصدون
بِهِ إِلَى الْمَسَاكِين الَّذين يسْتَحقُّونَ الزكوات، كَانَ
ذَلِكَ محطوطا مِمَّا خرص عَلَيْهِم، مَرْفُوعا عَنْهُم مِنْهُ
كمَا حطه أَبُو خَيْثَمَة، وَرَفعه عَنِ ابْنِ عَمه فِي خرصه
عَلَيْهِ ثَمَرَة حَائِطه عَلَى مَا فِي حَدِيث الفدكي، وعَلَى
مَا فِي حَدِيث ابْن أَبِي خَيْثَمَة فِي رَفعه عَنْ سعد بن
أَبِي سعد فِي خرصه، وَمثل ذَلِكَ مَا
725 - رَوَى عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا صَدَقَةَ فِي الْعَرِيَّةِ " أَيْ:
لأَنَّ الْعَرِيَّةَ نَفْسَهَا صَدَقَةٌ، فَلا صَدَقَةَ فِيمَا
أُخْرِجَ صَدَقَةً فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْعَرِيَّةِ
مَا هِيَ؟ قِيلَ لَهُ: هِيَ الْعَطِيَّةُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
726 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الزِّيَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنِ الْبَائِعِ
وَالْمُبْتَاعِ وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ " قَالَ: وَقَالَ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ: رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فِي النَّخْلَةِ
وَالنَّخْلَتَيْنِ تُوهَبَانِ لِلرَّجُلِ فَيَبِيعُهُمَا
بِخَرْصِهِمَا تَمْرًا
(1/350)
فَهَذَا زيد بن ثَابت يخبر أَن الْعرية
هِيَ الْهِبَة، وَهُوَ من أهل الْعَرَايَا، لِأَنَّهَا كَانَت
للْأَنْصَار، لَا نعلمها كَانَت لغَيرهم وقَدْ رُوِيَ عَنْ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر مُنْقَطع
يدل عَلَى هَذَا
727 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ مَكْحُولٍ
الشَّامِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ، فَإِنَّ فِي
الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ "
728 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعَرَايَا، فَقَالَ: كَانَ
الرَّجُلُ يُطْعِمُ أَخَاهُ النَّخْلَتَيْنِ وَالثَّلاثَ فِي
النَّخْلَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " يُرَخِّصُ لِلَّذِي يُطْعِمُهُنَّ أَنْ
يَبِيعَهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهُنَّ " وَقَدْ
مُدِحَتِ الأَنْصَارُ بِالْعَرَايَا، حَتَّى قِيلَ فِيهِمْ مَا
ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلا
رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ
أَي: أَنهم كَانُوا يعرونها فِي السنين الجوائح عَلَى سَبِيل
الصَّدَقَة بِهَا، وفِي الْعَرَايَا كَلَام كثير واحتجاجات
لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا فَإِن قَالَ قَائِل: ففِي حَدِيث
الفدكي من قَول أَبِي خَيْثَمَة لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رفعت لَهُ قَدْر عرية أَهله " قيل لَهُ:
مَعْنَاهُ عِنْدَنَا وَالله أعلم، قَدْر عرية صدقته الَّتِي
يتَصَدَّق بِهَا من ثَمَرَة حَائِطه، لِأَن مَا أضيف إِلَى
أَهله إنمَا هُوَ المُرَاد، وكذَلِكَ مَا أضيف إِلَى آله
فَهُوَ المُرَاد بِهِ، أَلا ترى أَن الحَدِيث الْمَرْوِيّ، "
لقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى من مَزَامِير آل دَاوُد " مزمَار
من مَزَامِير دَاوُد، لِأَن المزامير إنمَا كَانَت لداود
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا لغيره من آله ولمَّا
كَانَ أهل الحوائط غير ممنوعين من الْأكل من ثمَارها
لِأَنَّهَا قوتهم، وَلَا غناء لَهُم
(1/351)
عَنْهَا، وكَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يبقي
فِيهَا إِلَى وَقت جذاذها فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَن يكون ذَلِكَ
الْمِقْدَار محطوطا مِنْهَا عَنْ أَهلهَا، وَجَمِيع مَا ذكرنَا
من هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي تحط من الْخرص، وَإِن شَاءَ
الخارص قدر لَهَا قَدْرا فِي الَّذِي حطه مِمَّا
يَجعله قَدْر الثَّمَرَة عَلَى مَا فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن
بن الْأسود، عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَة، عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِذَا خرصتم فدعوا
الثُّلُث فدعوا الرّبع "، فَإِن شَاءَ خرصها بكمَالها كمَا خرص
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديقة
الْمَرْأَة فِي حَدِيث أَبِي حميد السَّاعِدِيّ، ثُمَّ حط
ذَلِكَ مِنْهَا فِي وَقت جذاذها، فَإِن وجد وَقت الْجذاذ فِي
ثمره المخروصة زِيَادَة عَلَى مَا خرصت، أَو نقصت مِنْهُ فَإِن
أهل الْعلم يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فأمَّا الْقَاسِم بن
مُحَمَّد فَروِيَ عَنهُ فِي ذَلِكَ مَا
729 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْقَاسِمَ وَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ:
جَاءَ الْخَارِصُ فَخَرَصَ ثَمَرِي فَنَقَصَ خَرْصَهُ عَمَّا
كَانَ فِيهِ، أَوْ زَادَ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: " لَيْسَ
عَلَيْكَ شَيْءٌ فِيمَا نَقَصَ أَوْ زَادَ، إِنَّمَا عَلَيْكَ
مَا خَرَصَ وَهُوَ كَاسْمِهِ فِيمَا خَرَصَهُ هَذَا
الْخَارِصُ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَيْهِ " وقَدْ رُوِيَ هَذَا
عَنْ مَالك
730 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ: " إِذَا كَانَ الْخَارِصُ
مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالأَمَانَةِ فَزَادَ خَرْصُهُ أَوْ
نَقَصَ فَلا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرِ " وأمَّا ابْن
سِيرِين فَروِيَ عَنهُ خلاف هَذَا
731 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، قَالَ: " كَانَ الْخَارِصُ يَخْرُصُ، فَإِذَا وَجَدَ
صَاحِبُ الثَّمَرَةِ ثَمَرَتَهُ أَكْثَرَ مِمَّا خُرِصَ رُدَّ
عَلَيْهِمْ " وَهَذَا القَوْل أحب إِلَيْنَا وأشبه
بِالْقِيَاسِ من الْوَجْه الآخر، لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَأْمر الْمَرْأَة فِي حَدِيث
أَبِي حميد بإحصاء الثَّمَرَة بعد الْخرص الأول المحصي مِنْهَا
هُوَ المرجوع إِلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لمَا كَانَ لإحصائها
إِيَّاهَا بعد أَن خرصها عَلَيْهَا معنى، وَلِأَن الخارص لَا
يكون فِي خرصه أعدل من حكم الصَّيْد فِي حكمهَا، أَلا ترى
أنهمَا لَو حَكَمَا حُكْمًا فِيمَا حَكَمَا فِيه من ذَلِكَ
فَأَخْطَأَ وَزَادا عَلَى قَاتل الصَّيْد فِي قيمَة مَا حكمَا
عَلَيْهِ بِهِ،
(1/352)
أَو نقصاه من قِيمَته مَا قتل، أَو
يجاوزانه نَظِير مَا قتل إِلَى مَا أرفع مِنْهُ من النَّعَمِ،
أَو نقصاه من نَظِير مَا قتل فَرده إِلَى أقل من ذَلِكَ من
النَّعَمِ، أَن ذَلِكَ غير مزيل عَنهُ شَيْئا مِمَّا وَجب لله
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَأَنه لَا بُدَّ لَهُ من الْخُرُوج
مِمَّا وَجب لله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ من ذَلِكَ إِلَى من
يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج من ذَلِكَ إِلَيْهِ، وأنَّ مَا كَانَ
من الْحكمَيْنِ لَا يُغير الْأَمر عمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي
الْحَقِيقَة، وَلَا يزِيد فِيه وَلَا ينقص مِنْهُ كالخرص
الَّذِي ذكرنَا أَحْرَى أَن يكون كَذَلِكَ، ولمَّا كَانَ
الْخرص الَّذِي ذكرنَا، قَدِ اسْتَعْملهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك، وَهِيَ آخر
غَزَوَاته فِي أُخْرَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأمر الْمَرْأَة الَّتِي يخرص عَلَيْهَا بإحصاء
الثَّمَرَة الّتِي خرصها عَلَيْهَا، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا
وَالْمرَاد مِنْهَا هُوَ مَا توقف عَلَى حَقِيقَته مِنْهَا فِي
وَقت جذاذها وَاسْتعْمل عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من
بعده التخفِيف عَنْ
أهل الثمَار فِي خرصها عَلَيْهِم، كنحو مَا كَانَ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمر بِهِ الخراص فِي
حَدِيث سهل، وَاسْتعْمل سهل من بعده، دلّ أَن الْخرص إنمَا
يُرَاد لإحصاء الثمَار خَاصَّة لترتفع بِهِ التُّهْمَة عَنْ
أَهلهَا فيمَا يذكرُونَ فِي المستأنف أَنهم وجدوه مِنْهَا،
ولتوقف عَلَى مقدارها حزرا لَا حَقِيقَة فِيه، ثُمَّ يرجع
إِلَى الْحَقِيقَة فِيهَا فِي كيل مَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَلَى
مَا يَقُوله أَهلهَا، وفِي ذَلِكَ مَا دلّ أَن مَا كَانَ من
ابْن رَوَاحَة من تخييره أهل خَيْبَر بَيْنَ أَخذ جَمِيع مَا
خرصه وضمَان مثل نصفه لَهُم، أَو تَسْلِيمه وضمَان مثل نصفه
لَهُم مَنْسُوخا بنهي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَة وَهِيَ بيع الثَّمر فِي رُءُوس
النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا، وبمَا سوى ذَلِكَ مِمَّا نهى عَنهُ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمَا مَا
رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي نَهْيه عَنِ الْمُزَابَنَة، قَالَ:
732 - فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ
حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " نَهَى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ "
733 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَيُونُسُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ، أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ " وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ
الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ
بِالزَّبِيبِ كَيْلا "
(1/353)
734 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "
نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَالزَّبِيبِ
بِالْعَنَبِ كَيْلا، وَالزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلا "
735 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَبَايَعُوا
الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي
سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
736 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ
بْنُ حَفْصٍ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
" نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ "
737 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الطَّائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ،
وَالْمُحَاقَلَةِ "
738 - حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي
خَيْثَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلا
أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ
بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا "
739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/354)
مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ: سَهْلُ
بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ
وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلا أَنَّهُ
رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةَ
وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا
تَمْرًا، ثُمَّ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا "
740 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يُونُسَ بْنِ الْقَاسِمِ
الْيَمَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "
نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ
وَالْمُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ " قَالَ أَحْمد: فَنهى
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيع
الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَلم يسْتَثْن بِذَلِكَ شَيْئا غير
الْعَرَايَا، فَاحْتمل أَن يكون ذَلِكَ نَاسِخا لمَا كَانَ من
ابْن رَوَاحَة فِي خرصه، وَاحْتمل أَن يكون نهى عَنْ بيع الرطب
بِالتَّمْرِ هُوَ الَّذِي نسخه فأمَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا
741 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ،
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ
سُفْيَانَ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ
بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟
فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ: فَلا إِذًا " وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ فِي خَرْصِ ابْنِ رَوَاحَةَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ،
وَأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَحْظُورٌ
742 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ ذَكَرَ
خَرْصَ ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: " أَمَّا
الْيَوْمَ فَلا يَكُونُ الْخَرْصُ " وقَالَ أَحْمد: يَعْنِي
ذَلِكَ الْخرص الَّذِي كَانَ ابْن رَوَاحَة خرصه عَلَى أهل
خَيْبَر وضمنهم بِهِ حِصَّة الْمُسْلِمِينَ من ثمَارها نَحْو
المَعاملة الَّتِي كَانَت بَينهم وَبَين الْمُسْلِمِينَ فِيهَا
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ من الْوَاجِب فِيمَا أخرجت
الأَرْض من الْعشْر، أَو نصف الْعشْر، فقَدِ
(1/355)
اجْتمع أهل الْعلم جَمِيعًا أَنَّهُ
كَذَلِكَ فِيمَا أخرجته الأَرْض الْحرَّة فأمَّا مَا أخرجته
الأَرْض الخراجية من ذَلِكَ فَإِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ فِيه،
فطائفة مِنْهُمْ تَقول: لَا صَدَقَة فِيه، وَمِمَّنْ قَالَ
ذَلِكَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
وَطَائِفَة مِنْهُمْ تَقول: فِيه الصَّدَقَة كمَا تكون فِيه
لَو كَانَ فِي الأَرْض الْحرَّة، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ:
مَالك، وَالشَّافِعِيّ ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ، وكَانَ
الْخراج حَقًا لله عَزَّ وَجَلَّ، وَالْعشر حق لَهُ، وكَانَ
الْوَاجِب لله عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يسقى بالسمَاء، وفِيمَا
يسقى
فيحا الْعشْر كَامِلا، وفِيمَا يسقى بالعروب والدوالي نصف
الْعشْر، فكَانَ مَا يسقى بالعروب والدوالي لمَّا كَانَت عَلَى
أَصْحَابه فِيه الْمُؤْنَة خفف مَا يجب عَلَيْهِم فِيه من
الصَّدَقَة، فَجعل دون مَا يجب فِيهِ، لَو كَانَ لَا مُؤنَة
عَلَيْهِم فِيه لسقي السَّمَاء إِيَّاه، وبلوغ المَاء إِيَّاه
بفِيحة عَلَى وَجه الأَرْض، فَكَانَ الْقيَاس عَلَى ذَلِكَ أَن
يكون مَا لَا يجب عَلَى أَهله فِيه الْخراج أخفَّ مِمَّا يجب
عَلَيْهِم فِيه الْخراج، وَلَا قَول فِي ذَلِكَ إِلَّا
الْقَوْلَيْنِ اللَّذين ذكرنَا، فإِذَا وَجب أَن لَا يكون
الْوَاجِب فِيمَا عظمت فِيه الْمُؤْنَة كالواجب فِيمَا لَا
مُؤنَة فِيه وَجب سُقُوط الْعشْر كُله عِنْد وجوب الْخراج،
كمَا قَالَ الَّذين ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ وقَدْ رَأينَا
حُقُوق الله الَّتِي تَجِبُ لَهُ فِيهَا الْأَمْوَال، لَا
يجْتَمع فِي مَال وَاحِد مِنْهَا حقان، من ذَلِكَ أَنا رَأينَا
المواشيَ السوائم فِيهَا صدقَات السوائم عَلَى مَا ذكرنَا
ذَلِكَ فِي مَوْضِعه، ورأينا المَاشية إِذَا ابتاعها رجل
يُرِيد بِهَا التِّجَارَة، ثُمَّ أسامها بعد ذَلِكَ خرجت
بِذَلِكَ من حكم السَّائِمَة، فَتجب الزَّكَاة فِيهَا
بِالسِّنِينَ جَمِيعًا، بل جعل وجود أحد السنين ينفِي وجوب
السّنة الْأُخْرَى، فكَانَ الْقيَاس عَلَى ذَلِكَ أَن يكون
كَذَلِكَ الْخراج إِذَا وَجب لله عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْض
ينفِي وجوب الْعشْر عَلَيْهَا، فَهَذَا هُوَ الْقيَاس
عِنْدَنَا فِي هَذَا وَالله أعلم
تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللهِ} فأمَّا الْفقر فَهُوَ ضد الْغنى،
ولَيْسَ بِأَن يكون الَّذِي يَقع عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم، لَا
يملك شَيْئا،
(1/356)
وَلكنه عَلَى من لَا يملك مَا يكون بِهِ
غَنِيا وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِي الْمِقْدَار الَّذِي إِذَا
ملكه الرجل دخل بِهِ فِي حكم الْغنى، وَخرج بِهِ من حكم
الْفقر، وَحرمت عَلَيْهِ الصَّدَقَة، فقَالُوا فِي ذَلِكَ
أقوالا مُخْتَلفَة وروى كل فريق مِنْهُمْ عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا يُوَافق
مذْهبه، فطائفة مِنْهُمْ تَقول: من كَانَ عِنْد أَهله مَا
يغديهم أَو مَا يشبعهم حرمت بِذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّدَقَة،
وَخرج بِهِ من الْفقر، وَمن كَانَ عِنْد أَهله دون ذَلِكَ، أَو
كَانَ لَا شَيْء عِنْد أَهله كَانَ من الْفُقَرَاء الَّذين تحل
لَهُم الصَّدَقَة وروى أهل هَذَا القَوْل مَا احْتَجُّوا بِهِ
لمذهبهم حَدِيث سهل بن الحنظلية، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
743 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْزُوقٍ
الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ
السَّلُولِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ حَنْظَلَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى
فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ " قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، وَمَا ظَهْرُ غِنًى؟ قَالَ: " أَنْ يَعْلَمَ
عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُشْبِعُهُمْ "
744 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالُوا: وقَدْ دلّ هَذَا الحَدِيث
عَلَى الْفقر الَّذِي بِهِ تحل الصَّدَقَة، وعَلَى الْغنى
الَّذِي تحرم بِهِ الصَّدَقَة وَطَائِفَة مِنْهُمْ يَقُولُونَ:
من ملك أُوقِيَّة، وَهِيَ أَرْبَعُونَ درهمَا، أَو عدلها من
الذَّهَب فَهُوَ غَنِي، وَالصَّدَََقَة عَلَيْهِ حرَام وَمن
كَانَ لَا يملك من الْوَرق أُوقِيَّة، وَلَا من الذَّهَب عدلها
فَهُوَ فَقير، وَالصَّدَََقَة لَهُ حَلَال، وروى أهل هَذَا
القَوْل مَا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيثا عَنْ رجل من بني أَسد
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
745 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
عَطَاءِ
(1/357)
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
أَسَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُهُ: " مَنْ
سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ
سَأَلَ إِلْحَافًا " وَالْأُوقِية يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ
درهما، قَالُوا: فقَدْ دلّ هَذَا الحَدِيث عَلَى الْغَنِيّ
الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، وعَلَى الْفَقِير الَّذِي
تحل لَهُ الصَّدَقَة وَطَائِفَة تَقول: من ملك خمسين درهما أَو
حِسَابهَا من الذَّهَب فَهُوَ بِذَلِكَ غَنِي، وَالصَّدَََقَة
عَلَيْهِ حرَام، وَمن كَانَ لَا يملك ذَلِكَ فَهُوَ فَقير،
وَالصَّدَََقَة لَهُ
(1/358)
حَلَال، وروى أهل هَذَا القَوْل مَا
احْتَجُّوا بِهِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
746 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا
الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَسْأَلُ عَبْدٌ مَسْأَلَةً وَلَهُ
مَا يُغْنِيهِ إِلا جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ شَيْنًا أَوْ
كُدُوحًا، أَوْ خُدُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قَالَ: " خَمْسُونَ
دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ "
747 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ
الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كُدُوحًا وَلَمْ يَشُكَّ،
وَزَادَ: فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: لَوْ كَانَ عَنْ غَيْرِ
حَكِيمٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ زَبِيدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالُوا: فَقَدْ دلّ هَذَا
الحَدِيث عَلَى الْغَنِيّ الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة،
وعَلَى الْفَقِير الَّذِي تحل لَهُ الصَّدَقَة وَرُوِيَ هَذَا
القَوْل عَنِ الثَّوْريّ، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله
الْأنْصَارِيّ وَطَائِفَة تَقول: من كَانَ يملك من الْوَرق خمس
أَوَاقٍ، وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَم أَو عِدْلُهَا من الذَّهَب
فَهُوَ بِذَلِكَ غَنِي، وَالصَّدَََقَة عَلَيْهِ حرَام وَمن
كَانَ لَا يملك ذَلِكَ فَهُوَ فَقير وَالصَّدَََقَة لَهُ
حَلَال وروى أهل هَذَا القَوْل مَا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيثا
عَنْ رجل من مزينة، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
748 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، أَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ، فَقَالَتْ:
يَا بُنَيَّ، لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتَهُ؟، قَالَ: فَجِئْتُ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
قَائِمٌ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنِ اسْتَغْنَى
أَغْنَاهُ اللهِ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ، وَمَنْ
سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ يَسْأَلُ
إِلْحَافًا " قَالُوا: فَدلَّ هَذَا الحَدِيث عَلَى الْغَنِيّ
الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، وعَلَى الْفَقِير الَّذِي
تحل لَهُ الصَّدَقَة، وقَدْ رُوِيَ هَذَا القَوْل عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَعَن أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمّد حَدَّثَنَا
مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ،
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ، وَلم يحك مُحَمَّد خلافًا
بَينه وَبَين أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سليمَان، عَن أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ،
وَعَن أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله:
وَهُوَ قَوْلنَا: ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ نَظرنَا فِيه،
فكَانَ الْفَقِير الَّذِي تحل لَهُ بِهِ الصَّدَقَة لَا يخلوا
من أحد وَجْهَيْن، إِمَّا أَن تكون بِهِ الضَّرُورَة إِلَيْهَا
كالضرورة إِلَى الْميتَة، فيكونَ الَّذِي يحل مِنْهَا
للْمُضْطَر إِلَيْهَا مَا يُذْهب بِهِ عَنهُ خَوْفَ تلف نَفسه،
أَو يكون لعدم ملك مِقْدَار من المَال، فرأيناهم جَمِيعًا لَا
يَخْتَلِفُونَ أَن من كَانَ يملك دون مَا يغدى أَهله أَو
يعشيهم أَنَّهُ لَا يخرج بِذَلِكَ من الْفُقَرَاء حَتَّى تحرم
عَلَيْهِ
الصَّدَقَة الَّتِي تحل للْفُقَرَاء، فعقلنا بِذَلِكَ أَن
الَّذِي يحل من الصَّدَقَة للْمُضْطَر إِلَيْهَا لَيْسَ مثلَ
الَّذِي يحل لمضطر إِلَى الْميتَة مِنْهَا للضَّرُورَة
إِلَيْهَا، وَأَنه إنمَا جعل لعدم مِقْدَار من المَال
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدنَا رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رُوِيَ عَنهُ مَا
749 - حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
(1/359)
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،
يَقُولُ: " بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ
عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ،
ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ
لَهُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، آللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ
أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ
نَعَمْ "
750 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِي،
عَنْ أَبِي مَعْبِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ
حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا
أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ
يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ
يَوْمٍ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ
مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ
هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ
أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ "
751 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْقُطْرُيُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا عَلَى
الصَّدَقَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ
أَغْنِيَائِنَا فَيَقْسِمَهَا فِي فُقَرَائِنَا، وَكُنْتُ
غُلامًا بَيْنَهُمْ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قَلُوصًا " هَكَذَا
حَدَّثَنَاه أَبُو أُمَيَّةَ
752 - وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا يَعْنِي:
الْحَلْقَانِيَّ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي
جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
(1/360)
فعقلنا بِذَلِكَ أَن من ملك الْخمس الأواق
الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَة غَنِي، وَأَن الَّذِي لَا
يملكهَا غير غَنِي، وَأَن الَّذِي لَا يملكهَا فَلَا تُؤْخَذ
مِنْهُ الصَّدَقَة، وَهُوَ الَّذِي تُعْطى لَهُ الصَّدَقَة
كمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد
وأمَّا المسكنة الَّتِي يكون بِهَا الْمِسْكِين مِسْكينا فَإِن
إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق
753 - حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ، عَنْ
أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ، قَالَ:
الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ،
وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَتْ بِهِ زَمَانَةٌ وَهُوَ
مُحْتَاجٌ " ففِي هَذَا الحَدِيث تبيان الْفَقِير والمسكين مَا
همَا؟ وَاسم المكسنة فقَدْ يجمع أصنافا من أَهلهَا، مِنْهُمْ
ذُو الزمَانة، وَمِنْهُم من لَا يسْأَل النَّاس، وَمِنْهُم من
يسْأَل النَّاس، غير أَنهم ذووا حَاجَة، وَإِن كَانُوا
يتفاضلون فِي حاجاتهم إِلَى الصَّدَقَة، وقَدْ رُوِيَ عَنْ
رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنى
مَا:
754 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ
الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ،
وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ "، قَالُوا: فَمَنِ
الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: " الَّذِي يَسْتَحْيِ
أَنْ يَسْأَلَ، وَلا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ
فَيُعْطَى
755 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَمْرٍو الْحَوْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ
756 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
757 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
(1/361)
عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
758 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وكَانَ معنى قَوْله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ
" لَيْسَ عَلَى معنى إِخْرَاجه إِيَّاه من المسكنة حَتَّى تحرم
عَلَيْهِ بِتِلْكَ الصَّدَقَة، وحَتَّى لَا
يكون من الْمَسَاكِين الَّذين يدْخلُونَ فِي الْآيَة الَّتِي
تلونا، وَلكنه أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقهَا
بِكُل أَحْوَاله حَتَّى تحل لَهُ من تِلْكَ الْأَحْوَال كلهَا،
لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
رُوِيَ عَنهُ فِي الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين السَّائِل مَا
759 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخَيَّارِ، حَدَّثَهُ
رَجُلانِ، أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاهُ
مِنْهَا، فَرَفَعَ الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَآهُمَا
جَلْدَيْنِ قَوِيَّيْنِ، فَقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا فَعَلْتُ،
وَلا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ "
760 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ عَوْنٍ الْعَمْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ
بْنِ الْخَيَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلانِ مِنْ قَوْمِي،
أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
761 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
762 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
وَهَمَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ
(1/362)
فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فكَانَ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أباحهمَا
الصَّدَقَة بقوله لهمَا: " إِن شئتمَا فعلت "، وَلم يمنعهمَا
مِنْهَا لقوتهمَا وجلدهمَا، وَلم يُنكر عَلَيْهِمَا سؤالهمَا
إِيَّاه فِيهمَا ورد أمرهمَا فِي حالهمَا لَهَا إِلَى
أنفسهمَا، فقَالَ: " إِن شئتمَا فعلت "، أَي: لأنكمَا أعلم
بحسة أمركمَا مني فِي غنى إِن كَانَ معكمَا ثُمَّ غلظ
عَلَيْهِمَا أَمر الصَّدَقَة، فقَالَ: " وَلَا حق فِيهَا
لَغَنِيّ، وَلَا لقوي مكتسب "، وَجمع فِي هَذَا الْمَعْنى
وَالْقَوِي المكتسب، وَإِن كَانَ مختلفِين فِي
الْمَعْنى، لِأَن الْغَنِيّ لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة أصلا،
وَلِأَن الْقوي المكتسب قَدْ تحل لَهُ الصَّدَقَة إِذَا كَانَ
فَقِيرا، وَلكنه لَيْسَ فِي حلهَا كالزمن الْفَقِير الَّذِي
لَا يَسْتَطِيع الْغنى عَنْهَا باكتسابه تَقْوِيَة مَا
يُغْنِيه عَنْهَا، وقَدْ يغلظ الشَّيْء بِمثل هَذَا قَالَ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ
الْمُؤمن الَّذِي يبيت شبعانا وجاره جَائِع "، فَلم يكن ذَلِكَ
عَلَى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من الإيمَان حَتَّى يدْخل بِهِ
فِي حكم الْكفْر وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَا دين لمن لَا أمَانة لَهُ "، ولَيْسَ فِي معنى أَنَّهُ يكون
بِذَلِكَ فِي حكم من لَا دين لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ
"، لَيْسَ عَلَى معنى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من أَسبَاب
المسكنة، حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ مِمَّنْ تحرم عَلَيْهِ
الصَّدَقَة، وَلَكِن لَيْسَ حكمه فِي المسكنة كَحكم من سواهُ
مِمَّنْ لَا يسْأَل، وَلَا يفْطن لَهُ فيُعطى؟ وكذَلِكَ قَوْله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عبيد الله بن
عدي: " وَلَا حق فِيهَا لقوي مكتسب " عَلَى معنى وَلَا حق لَهُ
فِيهَا كحق الزَّمن الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الِاكْتِسَاب،
وقَدْ يُقَالُ: فلَان عَالم حَقًا، إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ
تكاملت فِيه أَسبَاب الْعلم، وَلَا يُقَالُ لَهُ إِذَا كَانَ
دون ذَلِكَ: فلَان عَالم حَقًا، وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة
عالمَا فلمَا كَانَ الَّذِي يُرَاد بِهِ فِي تَحْقِيق الْعلم
لَهُ أعَلَى مَرَاتِب الْعلم، كَانَ كَذَلِكَ قَوْله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا حق فِيهَا لقوي مكتسب "
أَي: وَلَا حق فِيهَا
يكون بِهِ فِي أعَلَى مَرَاتِب أَهلهَا الَّذين يستحقونها،
لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
قَالَ للرجلين الجلدين القويين اللَّذين يطيقان الِاكْتِسَاب،
هَذَا القَوْل بعد أَن أباحهمَا إِيَّاه بقوله لهمَا: " إِن
شئتمَا فعلت "، فعقلنا بِذَلِكَ أَن قَوْله لهمَا: " وَلَا حق
فِيهَا لقوي مكتسب " لَيْسَ عَلَى حرمتهَا عَلَى القوى المكتسب
إِذَا كَانَ فَقِيرا، وَلَكِن لمَا سوى ذَلِكَ
(1/363)
وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِي معنى من هَذَا
وَهُوَ رجل، قَالَ: ثلث مَالي للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين،
وَلفُلَان، عَلَى سَبِيل الْوَصِيَّة، فكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ،
يَقُولُ: يقسم ذَلِكَ الثُّلُث عَلَى ثَلَاثَة أسْهم، فسهم
مِنْهَا لفُلَان، وسهمَان للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، وَضرب
للْفُقَرَاء بِسَهْم وللمساكين بِسَهْم، كَذَلِكَ حَدَّثَنَا
سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، قَالَ: وقَالَ أَبُو يُوسُف: يضْرب للْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين بِسَهْم وَاحِد، وَيضْرب لفُلَان الْمُوصي لَهُ
مَعَهم بِسَهْم وَاحِد، فَيكون الثُّلُث نصفَيْن، ولَيْسَ
هَذَا القَوْل بالمشهور عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا نعلمهُ ذكر
عَنهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة خَاصَّة وأمَّا مُحَمَّد
بن الْعَبَّاس فحَدَّثَنَا، عَنْ عَليّ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ،
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي " رجل أوصى لأمهات أَوْلَاده وَهن
ثَلَاث، وللفقراء وَالْمَسَاكِين بِثلث مَاله، قَالَ: يكون
الثُّلُث بَينهم عَلَى خَمْسَة أسْهم، مِنْهَا ثَلَاثَة لأمهات
أَوْلَاده، وللمساكين سهم، وَسَهْم مِنْهَا للْفُقَرَاء، وَلم
يحك خلاف " وإِذَا وَجب أَن يصرف للْمَسَاكِين بِسَهْم،
وللفقراء بِسَهْم فِيمَا وَصفنَا، وَجب أَن يكون الْمَسَاكِين
غير الْفُقَرَاء، والفقراء
غير الْمَسَاكِين، وَلَا نعلم أَنَّهُ بَيَّنَ فِي ذَلِكَ
شَيْئا يبين بِهِ كل وَاحِد من الصِّنْفَيْنِ من الصِّنْف
الآخر منهمَا، وإِذَا وَجب أَن يكون الْفَقِير هُوَ
الْمِسْكِين والمسكين هُوَ الْفَقِير لِأَن الْحَاجة إِلَى
الصَّدَقَة تجمعهمَا، وَإِن تفاضلا فِي الْحَاجة إِلَيْهَا
كمَا تجمع المسكنة الْمَسَاكِين وَإِن تفاضلوا فِيهَا، وَجب
أَن لَا تصرف للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي الْوَصِيَّة
الَّتِي ذكرنَا إِلَّا بِسَهْم وَاحِد كمَا قَالَ أَبُو يُوسُف
فِيمَا روينَا عَنهُ
763 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ
أَنْعَمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ
بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، يَقُولُ: أَمَّرَنِي رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِي،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي مِنْ صَدَقَاتِهِمْ،
فَفَعَلَ وَكَتَبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا
غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا مِنَ
السَّمَاءِ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ
مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا " فَهَذَا
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رد أَمر
الصَّدقَات فِي هَذَا الحَدِيث إِلَى الْأَجْزَاء الَّتِي
جزأها الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، وَجعل للصدائي بعد مَا
ولاه عَلَى قومه شَيْئا مِنْهَا، ومحال أَن يكون ولاه مَعَ
زمَانة بِهِ
(1/364)
وأمَّا الْعَامِلُونَ عَلَى الصَّدقَات فهم
الساعاة عَلَيْهَا، الَّذين يَأْخُذُونَ مِنْهَا بعمَالتهم
عَلَيْهَا مَا يأخذونه مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُم فِي ذَلِكَ
مِنْهَا سهم موقت لَا يزادون عَلَيْه، وَلَا
ينقصُونَ مِنْهُ، إنمَا يُعْطون مِنْهَا مِقْدَار مَا يكفِيهم
فِي عمَالتهم عَلَيْهَا لأَنْفُسِهِمْ ولأعوانهم عَلَى ذَلِكَ
وكذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحمَه الله، يَقُولُ فِيمَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحمَه
الله: فَإِن قيل لَهُ التَّمْر لم يلْتَفت إِلَى ذَلِكَ،
وَلكنه يُعْطي مِنْهَا مَا يَسعهُ ويسع أعوانه وَلم يحك خلافًا
وأمَّا الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم فهم الَّذين كَانَ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتآلفهم عَلَى الْإِسْلَام
لحَاجَة أهل الْإِسْلَام إِلَى ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا أغْنى
الله عَزَّ وَجَلَّ عَنهُ الْمُسْلِمِينَ بعد رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي مُدَّة من حَيَاة
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأمَا
قَوْله: {وَفِي الرِّقَابِ} فَإِن أهل الْعلم، رَحِمهم الله،
اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِذَلِكَ مَا هُوَ؟ فطائفة مِنْهُمْ
تَقول: هم المكاتبون يُعْطون من الزَّكَاة مَا يستعينون بِهِ
فِي فكاك رقابهم من الرّقّ، وَالْخُرُوج من المكاتبات اللائي
هم فِيهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ: أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزفر، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ
وَطَائِفَة تَقول: هُوَ عَلَى الرّقاب ساعون من الزَّكَاة،
فيعتقون فِيكون ولاؤهم للْمُسلمين، لَا للمعتقين لَهُم
خَاصَّة، وَمِمَّنْ روى ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالك وَكثير من أهل
الْمَدِينَة، وقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْمُتَقَدِّمين
مَا:
764 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ ابْنِ
أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
" أَعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ "
765 - وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: " لَا
تُعْتِقْ مِنَ الزَّكَاةِ رَقَبَةً مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ
الْوَلاءَ " ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ وَوجدنَا الْحجَّة
قَدْ قَامَت عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بقوله: " إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ "
عقلنا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يكون وَلَاء نسمَة قَدْ أعْتقهَا
رجل لغيره، فاستحال بِذَلِكَ أَن يكون
(1/365)
للْمُسلمين جَمِيعًا وَلَاء مَا أعتق
بَعضهم، ولمَا انْتَفَى مَا وَصفنَا ثَبت القَوْل الآخر، وَأَن
المُرَاد بالرقاب هُوَ المعونة للمكاتبين، كمَا قَدْ حض
عَلَيْهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا
766 - أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ،
أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ أَعَانَ مُكَاتِبًا فِي
رَقَبَتِهِ، أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ، أَوْ مُجَاهِدًا
فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ
يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ "
767 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مَعْبِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ سَهْلِ
بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ فعقلنا بِهَذَا الحَدِيث
أَن الصَّدَقَة عَلَى المكاتبين مَعُونَة لَهُم فِي رقابهم
حَتَّى يعتقوها بأدائهم عَنْهَا وكمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا:
768 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ الأُمَامِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،
قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَلِّمْنِي عَمَلا يُدْخِلُنِي
الْجَنَّةَ، فَقَالَ: " وَإِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ
لَقَدْ عَرَّضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ،
وَفُكَّ الرَّقَبَةَ "، قَالَ: أَوَلَيْسَ وَاحِدًا؟، قَالَ: "
لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ
الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا، وَالْمِنْحَةُ
الْوَكُوفُ وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ،
فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ
الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ
إِلا مِنْ خَيْرٍ " فَجَعَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيث عتاق النَّسمَة غير
فكاك الرَّقَبَة، وَجعل تحريرها فِيه عتاقها كمَا جعله الله
عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه فِي الْكَفَّارَة فِي الظِّهَار،
وفِي الْقَتْل خَطَأً، وفِي الأيمَان، وكمَا أوجبه عَلَى
لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
الْكَفَّارَة بالإفطار فِي شهر رَمَضَان، وَجعل فكاك
الرَّقَبَة المعونة فِي ثمنهَا الَّذِي يعْتق بِهِ كمَا يفك
الْمَرْهُون بالديون الَّتِي هِيَ محبوسة بِهَا
(1/366)
وعقلنا بِذَلِكَ أَن تَأْوِيل قَول الله
عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ
مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} إِن ذَلِكَ إِلَّا فكاك
للرقبة، هُوَ هَذَا الْمَعْنى، لَا ابتياعها وعتاقها، وَالله
أعلم وَلم يرد فِي الحَدِيث الَّذِي روينَا وَالله أعلم
بالمعونة
، وَثمن الرَّقَبَة الثّمن الَّذِي يبْتَاع بِهِ، لِأَن ذَلِكَ
لَو كَانَ كَذَلِكَ لم يكن مَعُونَة للرقبة، وإنمَا كَانَ
مَعُونَة لمبتاعها الَّذِي قد تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، أَو
قد تحل لَهُ، وَالَّذِي قد عَسى أَن يعتقها بعد ابتياعها
إِيَّاهَا، أَو يَمُوت قبل أَن يعتقها فتعود مِيرَاثا عَنهُ،
أَو يأَبَى فِي حَيَاته عتقهَا فَلَا يحر عَلَى ذَلِكَ، فَلَا
يحكم بِهِ عَلَيْهِ، أَو تحدث بِهِ حَادِثَة قبل عتقه
إِيَّاهَا تَمنعهُ من عتاقها كذهاب عقله ومَا أشبهه، عقلنا
بِذَلِكَ أَن الفكاك هُوَ ملكية الرَّقَبَة حَتَّى يتَوَلَّى
فكاكها بِهِ، لَا مَا سواهُ، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا وقَدْ
تقَدم فِي الرَّقَبَة مَا يُوجب لَهَا الْملك لمَا يملك،
حَتَّى يفك بِهِ الرّقّ عَنْهَا، وَهُوَ الْكِتَابَة لَا
غَيرهَا وكذَلِكَ مَا جعل الله جلّ وَعز فِي الْآيَة الَّتِي
تلونا فِي الرّقاب هُوَ من هَذَا الْجِنْس وَهُوَ مَا ملكته
الرّقاب، فَلَا يملك الرّقاب مَا يُؤَدِّيه عَنْ أَنْفسهَا
حَتَّى يعْتق بِهِ، إِلَّا وَهِيَ مُكَاتبَة قبل ذَلِكَ وقَدْ
ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة فِي: {الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَة فكَانَ مَا أُرِيد
بِهِ من ذَلِكَ هُوَ مَا يملكونه، فكَانَ أولى الْأَشْيَاء
بِنَا فِي الرّقاب أَن يَجْعَل مَا أريدت بِهِ فِيهَا هُوَ مَا
يملكهُ، وَلَا يكون ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا وقَدْ تقَدمت
المكاتبات فِيهَا، فِيثبت بِذَلِكَ أَن أولى التَّأْويلَيْنِ
بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِي الرِّقَابِ} هُوَ مَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ الَّذين جعلوها فِي المكاتبين وأمَّا قَوْله:
{وَالْغَارِمِينَ} فهم المدينون، لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِكَ
بَيْنَ أَهْلِ
الْعِلْمِ علمناه وأمَا قَوْله: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} فَهُوَ
المعونة لأهل سَبِيل الله، وَهِيَ طَاعَته، فَمنهمْ المجاهدون
فَيدْفَع إِلَيْهِم مِنْهَا مَا يستعينون بِهِ عَلَى جهادهم،
وَيكون الَّذِي يدْفع إِلَيْهِم من ذَلِكَ ملكا لَهُم، وَمن
مَات مِنْهُمْ بعد ملكه إِيَّاه قبل أَن يصرفهُ فِي النَّفَقَة
عَلَى نَفسه فِي جهاده كَانَ من تركته، وَجرى فِيه مَا يجرى
فِي تركته فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف يملكهُ الْمَدْفُوع
إِلَيْهِ؟ وإنمَا دفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لسبيل الله عَزَّ
وَجَلَّ؟ قيل لَهُ: لم يدْفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غير مَالك
لَهُ، إنمَا دفع إِلَيْهِ ليملكه، ثُمَّ يصرفهُ بعد ذَلِكَ فِي
سَبِيل الله عَزَّ وَجَلَّ
(1/367)
أَلا ترى أَنَّهُ لَو كَانَ غَنِيا لم يجز
أَن يعْطى من هَذَا شَيْئا إِذَا كَانَت الصَّدَقَة حرامَا
عَلَيْهِ، وإنمَا يعطاه إِذَا كَانَ فَقِيرا، وإِذَا أعْسر
فِيمَا ذكرنَا غنى الْمُعْطِي وَفَقره لمن يُكِنَّ ذَلِكَ
إِلَّا أَنَّهُ يملك مَا أعْطى مِنْهُ وقَدْ رُوِيَ عَنْ
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل عَلَى
هَذَا الْمَعْنى فِي ملك الْمُعْطى فِي سَبِيل الله عَزَّ
وَجَلَّ مَا يعْطى فِيه:
769 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَنَصْرُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ
كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ
اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرَادَ أَنْ
يَشْتَرِيَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْمَرَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَعُدْ فِي
صَدَقَتِكَ "
770 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَظَنَنْتُ
أَنَّهُ بِائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَا
تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَلا
تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ
كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ "
771 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَمَلْتُ
عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا إِذَا حَمَلْنَا فِي
سَبِيلِ اللهِ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعْنَاهُ إِلَيْهِ فَيَضَعُهُ حَيْثُ
أَرَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَجِئْتُ بِفَرَسٍ فَدَفَعْتُهَا
إِلَيْهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ،
فَوَافَقْتُهُ يَبِيعُهَا فِي السُّوقِ، فَأَرَدْتُ أَنْ
أَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:
" لَا تَشْتَرِهَا، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ "
(1/368)
772 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ، أَنَّهُ " حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، فَرَأَى فَرَسًا أَوْ مُهْرًا فَأَرَادَ
شِرَائَهَا فَنُهِيَ عَنْهَا "
773 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَرَّازِ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ حَارِثَةَ، أَنَّهُ " حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلُوَّهَا
فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
774 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، "
حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ
يَحْيَى بْنَ الْحَرَّازِ أَفلا ترى أَن رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمْنَع الْمَحْمُول عَلَى
الْفرس فِي سَبِيل الله من بيعهَا من غير الَّذِي حمله
عَلَيْهَا إِذَا كَانَ قَدْ ملكهَا، وإنمَا مَنعه من الَّذِي
حمله عَلَيْهَا لكراهية أَن يعود إِلَى ملكه شَيْء قَدْ أخرجه
من ملكه إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بإعادته إِيَّاه إِلَى ملكه
وَمِنْهُم الْحَاج الْمُنْقَطع بهم، فَيدْفَع إِلَيْهِم
مِنْهَا مَا يستعينون عَلَى حجهم، وَيكون الَّذِي يدْفع
إِلَيْهِم من ذَلِكَ ملكا لَهُم عَلَى مثل مَا ذكرنَا فِيمَا
يدْفع إِلَى الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله، وقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مثل هَذَا
775 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ:
أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِمَالِهِ وَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي
سَبِيلِ اللهِ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: "
إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاجْعَلْهُ
مِنْهُ "
776 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ
أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عَنْدَ ابْنِ عُمَرَ،
إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَت: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، إِنَّ زَوْجِي مَاتَ
(1/369)
وَأَوْصَى بِمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: " أَنْفِقِيهِ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعَتِيقِ "، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ
جَعَلَ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ وقَدْ كَانَ مُحَمَّد بن
الْحسن، قَالَ: فِي كتاب سيره الْكَبِير فِي رجل أوصى بِثلث
مَاله فِي سَبِيل الله: إِن الْوَصِيَّة أَن يَجْعَل ذَلِكَ
فِي الْحَاج الْمُنْقَطع بهم، وَلم يحك خلافًا بَينه وَبَين
أحد من أَصْحَابه وقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خلاف هَذَا
القَوْل وَهُوَ أَن سليمَان حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فقَالَ: أهل
سَبِيل الله عَزَّ وَجَلَّ هم الْغُزَاة، وَالَّذِي قَالَ
مُحَمَّد فِي هَذَا أحب إِلَيْنَا مِمَّا قَالَه أَبُو يُوسُف،
لموافقته ابْن عمر، ولمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
777 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: أَرْسَلَ
مَرْوَانُ إِلَى أُمِّ مَعْقِلٍ الأَشْجَعِيَّةِ، فَسَأَلَهَا
عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ
نَاضِحَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَرَادَتِ الْعُمْرَةَ،
فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا النَّاضِحَ، فَأَبَى، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ
أَنْ يُعْطِيَهَا، وَقَالَ: " إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
778 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ
مَعْقِلٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ فَوُضِعَ فِينَا الْجُدَرِيُّ، فَهَلَكَ أَبُو
مَعْقِلٍ وَتَرَكَ بَعِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " ارْكَبِي بَعِيرَكِ فَإِنَّ الْحَجَّ
مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
779 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ، أَنَّ أَبَا طَلِيقٍ
حَدَّثَهُ، أَنَّ امْرَأَتَهُ أُمَّ طَلِيقٍ ابْنِهِ، فقَالَتْ
لَهُ: قَدْ حَضَرَ الْحَجُّ يَا أَبَا طَلِيقٍ، وَكَانَ لَهُ
جَمَلٌ وَنَاقَةٌ، يَحُجُّ عَلَى النَّاقَةِ وَيَغْزُو عَلَى
(1/370)
الْجَمَلِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُعْطِيَهَا
الْجَمَلَ فَتَحُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي
أَنِّي حَبَسْتُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ، أَعْطِنِيهِ
يَرْحَمْكَ اللهُ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكِ،
قَالَتْ: فَأَعْطِنِي نَاقَتَكَ وَحُجَّ أَنْتَ عَلَى
الْجَمَلِ، فَقَالَ: لَا أُوثِرُكِ بِهَا عَلَى نَفْسِي،
فَقَالَتْ: فَأَعْطِنِي نَفَقَتَكَ، قَالَ: مَا عِنْدِي فَضْلٌ
عَنِّي وَعَنْ عِيَالِي، مَا أَخْرُجُ بِهِ وَمَا أَتْرُكُ
لَكُمْ، قَالَتْ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي مِنْهُ أَخْلَفَهُ اللهُ،
قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَإِذَا
أَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَقْرِأْهُ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُ بِالَّذِي قُلْتُ
لَكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهَا السَّلامَ،
وَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَتْ أُمُّ طَلِيقٍ، فَقَالَ: "
لَوْ أَعْطَيْتَهَا الْجَمَلَ كَانَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَوْ
أَعْطَيْتَهَا نَاقَتَكَ كَانَتْ، وَكُنْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ،
وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا مِنْ نَفَقَتِكَ أَخْلَفَهَا اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ "، قَالَ: وَإِنَّهَا تَسْأَلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ
مَا يَعْدِلُ الْحَجَّ؟، قَالَ: " عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ "
فَهَذَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
جعل الْحَج من سَبِيل الله، وَأَجَازَ صرف مَا جعل الله عَزَّ
وَجَلَّ فِي سَبِيل الله إِلَيْهِ، فَثَبت بِذَلِكَ مَا
قُلْنَا
وأمَا قَوْله: {وَابْنَ السَّبِيلِ} فهم الغائبون عَنْ
أَمْوَالهم الَّذين لَا يصلونَ إِلَيْهَا لبعد الْمسَافَة
بَينهم وَبَينهَا، حَتَّى تلحقهم الْحَاجة إِلَى الصَّدَقَة،
فالصدقة لَهُم حِينَئِذٍ مُبَاحَة، وهم فِي حكم الْفُقَرَاء
الَّذين لَا أَمْوَال لَهُم فِي جَمِيع مَا ذكرنَا حَتَّى
يصلوا إِلَى أَمْوَالهم، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَاف فِيه
بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ علمناه وَاخْتلف أهل الْعلم فِي
مَوضِع الصَّدقَات فِي صنف من هَذِهِ الْأَصْنَاف سوى العاملين
عَلَيْهَا وَسوى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم الَّذين قَدْ ذَهَبُوا
فقَالَ قَائِلُونَ: يُجزئ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ مُجَاهِد، عَنْ
مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوب، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،
قَالَ: " إِن وضعت الصَّدَقَة فِي صنف وَاحِد أجزأك وَلم يحك
خلافًا حَدَّثَنَا يُونُس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَالك، قَالَ أدْركْت أهل الْعلم وَمْن أرْضى لَا
يَخْتَلِفُونَ فِي أَن الْقسم فِي سهمَان الصَّدقَات عَلَى
الِاجْتِهَاد من الْوَالِي، فَأَي
(1/371)
الْأَصْنَاف كَانَت فِيه الْحَاجة
وَالْعدَد، وَأثر ذَلِكَ بقَدْر مَا فِيه، وَعَسَى أَن ينْتَقل
ذَلِك بعد إِلَى صنف آخر بعد عَام أَو أَعْوَام، فيفعل فِيه
مثل ذَلِكَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ، ويؤثر أهل
الْحَاجة والعذر حَيْثُ مَا كَانَ ذَلِكَ، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَعَن حُذَيْفَة، مَا يدل عَلَى هَذَا
الْمَعْنى
780 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ
بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} ، قَالَ: " فِي أَيِّهَا وُضِعَتْ أَجْزَأَ
عَنْكَ "
781 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْمِنْهَالِ
بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي
قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ، قَالَ: " إِنَّمَا ذَكَرَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ لِتُعْرَفَ، وَأَيَّ
صِنْفٍ أَعْطَيْتَ مِنْهَا أَجْزَأَكَ " وَاحْتَجَّ أَهْلُ
هَذِهِ المقَالَةِ لِقَوْلِهِ هَذَا بمَا رُوِيَ فِي السَّبَبِ
الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَعْنِي:
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَة
782 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ
وَهُوَ يَقْسِمُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَجَعَلَ يَقْسِمُ،
فَقَالَ: أَتُعْطِي رِعَاءَ الشَّاءِ؟ وَاللهِ مَا عَدَلْتَ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
فَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " فَأَنْزَلَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} الآيَةَ كُلَّهَا قَالَ: فَفِي هَذَا مَا
يَدُلُّ أَنَّهُ إنمَا أُرِيد بِهَذِهِ الْآيَة نفِي غير أهل
هَذِهِ الْأَصْنَاف وإخراجهم من أَهلهَا وقَالَ قَائِلُونَ: بل
مَوضِع الصَّدقَات كلهَا من زَكَاة الْأَمْوَال، وَمن صدقَات
الْفطر فِي الْأَصْنَاف الَّتِي سمى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي
هَذِهِ الْآيَة الَّتِي تلونا، إِلَّا أَنَّهُ من فَقَدَ
مِنْهَا صنفا فَلم يُوجد كالمؤلفة قُلُوبهم الَّذين قَدْ
فُقِدُوا، رَجَعَ جَمِيع الصَّدَقَة فِي الْأَصْنَاف
الْبَاقِيَة الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا
القَوْل الشَّافِعِي ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ واحتملت
الْآيَة مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ
فِيمَا تأولها
(1/372)
عَلَيْهِ، كَانَ أولى الْأَشْيَاء بِنَا
صرف تَأْوِيلهَا إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَعَن
حُذَيْفَة فِي ذَلِكَ، وَلَا نعلم لَهَا فِي ذَلِكَ من
أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُخَالفا مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُول الله مَا يدل عَلَى
مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من ذَلِكَ
783 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، قَالَ:
كُنْتُ امْرَءًا قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا
لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ
تَظَهَّرْتُ مِنَ امْرَأَتِي مَخَافَةَ أَنْ أُصِيبَ مِنْهَا
شَيْئًا، فَأَتَتَابَعَ فِي ذَلِكَ فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَنْزِعَ حَتَّى يُدْرِكَنِي الصُّبْحُ، فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ
لَيْلَةٍ تَخْدِمُنِي إِذْ كُشِفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ
فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى
قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ: انْطَلِقُوا مَعِي
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: لَا، وَاللهِ لَا نَنْطَلِقُ مَعَكَ، نَخَافُ أَنْ
يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ، أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةً يَبْقَى
عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، فَاصْنَعْ مَا
بَدَا لَكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، قَالَ: " أَنْتَ
بِذَاكَ؟ "، قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ قَالَ: " أَنْتَ بِذَاكَ "؟
قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ، قَالَ: " أَنْتَ بِذَاكَ "، قُلْتُ:
أَنَا بِذَاكَ، وَهَأَنَذَا، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ،
فَإِنِّي صَابِرٌ عَلَيْكَ، قَالَ: " فَأَعْتِقْ رَقَبَةً "،
قَالَ: فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي وَقُلْتُ: وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهَا،
قَالَ: " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ "، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِي
الصِّيَامِ، قَالَ: " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا "،
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَحْشَاءَ، مَا
لَنَا طَعَامٌ، قَالَ: " انْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ
بَنِي زُرَيْقٍ، فَمُرْهُ يَدْفَعْ إِلَيْكَ صَدَقَاتِهِمْ، "
فَأَطْعِمْ وَسَقًا بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَاسْتَعِنْ
بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ "، قَالَ: فَأَتَيْتُ
قَوْمِي، فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ
الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، قَدْ أَمَرَكُمْ
أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيَّ صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ، فَدَفَعُوهَا
لِي، فَأَطْعَمْتُ وَسَقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَكَلْتُ
سَائِرَهُ أَنَا وَأَهْلِي فَهَذَا رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جعل لقوم سَلمَة بن صَخْر أَن
يدفعوا صَدَقَاتهمْ إِلَى سَلمَة بن صَخْر، ولَيْسَ من أهل
الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الَّتِي تلوناها
(1/373)
كلهَا، إنمَا هُوَ من صنف وَاحِد من
أصنافها، فَدلَّ مَا ذكرنَا عَلَى صِحَة تَأْوِيل ابْن عَبَّاس
وَحُذَيْفَة الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عنهمَا
وقَدْ روينَا فِيمَا تقَدم من كتَابنَا هَذَا حَدِيث عبد الله
بن الْخِيَار عَنْ رجلَيْنِ من قومه، أنهمَا أَتَيَا رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقسم
الصَّدَقَة، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرفع الْبَصَر فِيهمَا
وخفضه فرآهمَا رجلَيْنِ قويين، فقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا
فَعَلْتُ، وَلا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ
مُكْتَسِبٍ "، وَلم يسألهمَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصِّنْف الَّذِي همَا مِنْهُ من
أَصْنَاف أهل الصَّدَقَة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الَّتِي
تلونا، وَلَو كَانَ يحْتَاج إِلَى إدخالهما فِي صنف من أصنافها
ليحسب بمَا يعطيهمَا مِنْهَا فِي جُزْء ذَلِكَ الصِّنْف وقَدْ
روينَا فِيمَا تقَدم منا فِي كتَابنَا هَذَا عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَمر معَاذ بن جبل
لمَّا وَجهه عَلَى الصَّدَقَة، " أَن يَأْخُذهَا من
الْأَغْنِيَاء فَيَضَعهَا فِي الْفُقَرَاء "، فَدلَّ ذَلِكَ
عَلَى أَن أهل الصَّدَقَة هم الْفُقَرَاء، وكل من وَقع
عَلَيْهِ بِهَذَا الِاسْم كَانَ مُسْتَحقّا لَهَا فَإِن قَالَ
قَائِل: فقَدْ رويتم فِيمَا تقَدم من هَذَا الْكتاب حَدِيث
الصدائي، لمَّا قَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ
فِي الصَّدَقَاتِ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ حَتَّى
جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ
الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا "، قَالَ: فَهَذَا قَدْ دلّ
عَلَى أَن الصَّدقَات مجزأَة عَلَى ثمَانية أَجزَاء عَلَى مَا
فِي الْآيَة الَّتِي تلونا قيل لَهُ: فِي هَذَا الحَدِيث مَا
دلّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَهُوَ قَول رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ
الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا "،
وَلم يقل: فَإِن كنت من تِلْكَ الْأَجْزَاء أَعطيتك مَا يُصِيب
ذَلِكَ الْجُزْء مِنْهَا وفِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب للصدائي بِشَيْء من
صَدَقَة قومه كتابا، وَلم يسْأَله من الغارمين هُوَ أَو من
سَائِر أَصْنَاف الصَّدقَات الَّذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ
فِي الْآيَة الَّتِي تلونا ليَكُون يكْتب إِلَى عَامله عَلَى
الصَّدَقَة فِيمَا هُنَاكَ أَن يحْتَسب بِالَّذِي يَدْفَعهُ
إِلَيْهِ مِنْهَا فِي حِصَّة أهل ذَلِكَ الْجُزْء مِنْهَا،
فَدلَّ ذَلِكَ أَن مُرَاد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله للصدائي: إِن الله عَزَّ
وَجَلَّ جزأها ثمَانية أَجزَاء يُجزئ وضع الصَّدقَات مِنْهَا
فِي كل جُزْء مِنْهَا
(1/374)
ولمَّا كَانَ الإمَام إِذَا اجْتمعت عِنْده
الصَّدقَات، جعلهَا حَيْثُ يجب عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا فِيه،
إِن كَانَ فِيمَا قَدْ صَار إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْء بِعَيْنِه
كابنة مَخَاضٍ، أَو كابنة لَبُونٍ، أَو كحقة، أَو كجذعة، أَو
كثنية أَو كسوى ذَلِكَ مِمَّا يجب فِي سوائم الْمَوَاشِي، وَلم
يكن عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ حَتَّى يحصل ثمنه دَرَاهِم أَو
دَنَانِير، أَو مَا سواهَا مِمَّا تمكن تجزئته عَلَى جَمِيع
الْأَصْنَاف الَّذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ وعرائه فِي
الصَّدقَات، وإنمَا كَانَ عَلَيْهِ وضع مَا صَار فِي يَده
مِنْهَا بِعَيْنِه فِيمَا يجب وَضعه فِيه، وَلم يكن عَلَيْهِ
أَن يعم بمَا أعطَاهُ كل رجل مِنْهُمْ أهل الْأَصْنَاف، دلّ
ذَلِكَ عَلَى أَن المُرَاد بِالْآيَةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي
تَأْوِيلهَا ابْن عَبَّاس، وَحُذَيْفَة مِمَّا ذَكَرْنَاهُ
عنهمَا وقَدْ ذكرنَا فِي حَدِيث سَلمَة بن صَخْر الَّذِي
روينَاهُ فِي هَذَا الْبَاب عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ
مِنْ قَوْمِهِ صَدَقَاتِهِمْ "، فَدلَّ ذَلِكَ أَن مَا جعل
للْمَسَاكِين فَجَائِز أَن يدْفع إِلَى وَاحِد مِنْهُمْ، وقَدْ
كَانَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله، يَقُولُ فِي رجل أوصى بِثلث
مَاله لفقراء بني فلَان وَهُمْ لَا يُحصونَ: أَنَّهُ يجوز
للْوَصِيّ وضع ذَلِكَ فِي فَقير وَاحِد مِنْهُمْ حَدَّثَنَا
بِذَلِكَ مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد عَنهُ وكَانَ
مُحَمَّد بن الْحسن يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ وَيَقُول: لَا يُجزئ
وضع ذَلِكَ إِلَّا فِي اثْنَيْنِ فَصَاعِدا من فُقَرَاء بني
فلَان الْمُوصي لَهُم حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد بن عَليّ
عَنهُ ولمَّا أَمر رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَلمَة بن صَخْر أَن يَأْخُذ صدقَات قومه الَّتِي
ترجع إِلَى الْفُقَرَاء، دلّ ذَلِكَ عَلَى أَن مَا قصد بِهِ
إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، فإنمَا هُوَ لله عَزَّ
وَجَلَّ أَلا ترى أَن الْوَصِيَّة لَهُم بِذَلِكَ جَائِزَة،
وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ، وَأَن ذَلِكَ لَيْسَ
كَالْوَصِيَّةِ بالمَال لبني فلَان الَّذين لَا يُحصونَ،
الْوَصِيَّة بِذَلِكَ بَاطِل، وَهُوَ خلاف الْوَصِيَّة
بالشَّيْء للْفُقَرَاء من بني فلَان، لِأَن ذَلِكَ يرجع إِلَى
الله عَزَّ وَجَلَّ، فمَا كَانَ يرجع إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ
فَجَائِز أَن يوضع فِي مِسْكين وَاحِد، أَو فِي فَقير وَاحِد
أَلا ترى أَن مُحَمَّدًا قَدْ قَالَ فِي رجل أوصى بِثلث مَاله
لفُلَان ولفقراء بني فلَان: أَن الثُّلُث يقسم بَيْنَ فلَان
وَبَين فُقَرَاء بني فلَان نِصْفَيْنِ، فَيكون لفُلَان نصفه،
وَيكون نصفه فِي فُقَرَاء بني فلَان، وَلَو كَانَ الْوَاجِب
أَن يكون فِي فقيرين من فُقَرَاء بني فلَان لوَجَبَ أَن يقسم
الثُّلُث، بَيْنَ ذَلِكَ الفقيرين وَبَين فلَان الْمُسَمّى،
عَلَى ثَلَاثَة أسْهم فلمَّا
ردوا حكم الْوَصَايَا للْفُقَرَاء إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ،
كَانَ مُبَاحا للَّذي يَتَوَلَّاهُ، وضع
(1/375)
ذَلِكَ فِيمَا يرى من الْحَاجة إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ وَاحِدًا عَلَى مَا آثر بِهِ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلمَة بن
صَخْر عَلَى غَيره من سَائِر الْفُقَرَاء وقَدِ اخْتلف أهل
الْعلم فِي الْفُقَرَاء من بني هَاشم، هَل يدْخلُونَ فِي
الْفُقَرَاء الْمَذْكُورين فِي هَذِهِ الْآيَة، أَو فِي
الْمَسَاكِين، أَو فِيمن سواهُم من أهل الْأَصْنَاف
الْمَذْكُورين فِيهَا؟ وقَالَت طَائِفَة مِنْهُمْ: يدْخلُونَ
فِيهَا، وجعلوهم كمن سواهُم من فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ، وقَدْ
رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ولَيْسَ بالمشهور عَنهُ
وقَالَت طَائِفَة مِنْهُمْ: لَا يدْخل فِي ذَلِكَ بَنو هَاشم
وَإِن كَانُوا فُقَرَاء، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ
أَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَن مُحَمَّد، وَعَن أَبِيهِ، عَنْ
مُحَمَّد، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا القَوْل وكَانَ من
حجَّة من ذَهَبَ إِلَى إِبَاحَة الصَّدَقَة، وَإِلَى إدخالهم
فِي هَذِهِ الْآيَة كمن سواهُم من النَّاس مَا
784 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: قَدِمَتْ عِيرٌ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَرَى مِنْهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَاعًا
فَبَاعَهُ بِرِبْحِ أَوَاقٍ فِضَّةً، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى
أَرَامِلِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ: " لَا
أَعُودُ أَنْ أَشْتَرِيَ بَعْدَهَا شَيْئًا وَلَيْسَ ثَمَنُهُ
عِنْدِي " وكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِم للآخرين أَن هَذَا
الحَدِيث إنمَا هُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَالْمَشْهُور عَنهُ
فِي ذَلِكَ التَّحْرِيم للصدقات عَلَى بني هَاشم
785 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَسَعِيدٌ ابْنَا زَيْدٍ،
عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْنَا
عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ دُونَ النَّاسِ
إِلا بِثَلاثَةٍ: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، وَأَنْ لَا نَأْكُلَ
الصَّدَقَةَ، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ "
786 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
أَبِي جَهْضَمٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
(1/376)
فَهَذَا ابْن عَبَّاس قَدْ أخبر فِي هَذَا
الحَدِيث أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اختصهم أَلا يَأْكُلُوا الصَّدَقَة، وجعلهم فِي ذَلِكَ خلاف
غَيرهم من سَائِر النَّاس، وكَانَ هَذَا الحَدِيث أولى من
حَدِيث عِكْرِمَة الَّذِي روينَاهُ فِي هَذَا الْبَاب عَنِ
ابْنِ عَبَّاس لِأَنَّهُ أخبر فِيه بحكمهم الَّذِي هم عَلَيْهِ
بعد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَدْ
يجوز أَن يَكُونُوا كَانُوا من قبل ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَة
الصَّدقَات لَهُم حَتَّى حظرها الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم،
ومنعهم مِنْهَا، وجعلهم فِي ذَلِكَ فِي الْمرتبَة الْعليا
بِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا عَلَيْهِم قَدْ رُوِيَ عَنْ جمَاعة من
أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من
تَحْرِيم الصَّدَقَة عَلَيْهِم مَا يُوَافق مَا رَوَاهُ عبد
الله بن عَبَّاس، وَيُخَالف مَا رَوَاهُ عَنهُ عِكْرِمَة، فَمن
ذَلِكَ
787 - أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ
السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا
تَحْفَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟، قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ
تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلْتُهَا فِي فِيَّ، فَأَخْرَجَهَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِلُعَابِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ، فَقَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ التَّمْرَةِ
لِهَذَا الصَّبِيِّ، فَقَالَ: " إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا
تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ "
788 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَابِتِ
بْنِ عِمَارَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانَ وَهُوَ أَبُو
الْجَوْزَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ
ذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّهَا لَا تَحِلُّ
لِمُحَمَّدٍ وَلا لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ
789 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ
رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ، قَالَ: اجْتَمَعَ
رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، فَقَالُوا: بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلامَيْنِ
لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَدَّيَا
مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مَا يُصِيبُ النَّاسُ،
قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ
عَلِيٌّ: لَا تَفْعَلا، فَوَاللهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَقَالَ
رَبِيعَةُ: مَا مَنَعَكَ هَذَا إِلا نَفَاسَةً عَلَيْنَا،
فَوَاللهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفَسْنَاهُ عَلَيْكَ، قَالَ
عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو
(1/377)
حُسَيْنٍ أَرْسِلاهُمَا، فَانْطَلَقَا،
وَاضْطَجَعَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجَرِ،
فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا،
فَقَالَ: " أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ "، ثُمَّ دَخَلَ
وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ
بِنْتِ جَحْشٍ، فَتَوَاكَلْنَا الْكَلامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ
أَحَدُنَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ
النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ،
وَقَدْ جِئْنَاكَ لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَاتِ،
فَنُؤَدِّيَ كَمَا يُؤَدُّونَ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ،
فَسَكَتَ حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، وَجَعَلَتْ
زَيْنَبُ تُلْمِعُ إِلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا
تُكَلِّمَاهُ، فَقَالَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي
لآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا
هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ "، ادْعُ لِي مَحْمِيَةَ، وَكَانَ
عَلَى الْخُمُسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، فَجَاءَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَنْكِحْ
هَذَا الْغُلامَ مِنَ ابْنَتِكَ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ
"، فَأَنْكَحَهُ وَقَالَ لِنَوْفَلٍ: " أَنْكِحْ هَذَا
الْغُلامَ "، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَصْدِقْ
عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا "
790 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زُبَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ
اللهِ بْنَ رَبِيعَةَ حَدَّثَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ
ابْنِ أَبِي دَاوُدَ سَوَاءً
791 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَبَّابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ،
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ
الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا
أَلْقِهَا، أمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ "
792 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ جَمِيعًا، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي الإِبِلِ السَّائِمَةِ: " فِي
كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، مَنْ أَعْطَاهَا
مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا،
(1/378)
وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا
مِنْهُ، وَشِطْرُ إِبِلِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا،
لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنَّا مِنْهَا شَيْءٌ "
793 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْحَكِيمِ الأَزْدِيُّ، وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْتَ الصَّدَقَةِ، فَتَنَاوَلَ الْحَسَنُ تَمْرَةً،
فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ
لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَلا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ "
كَذَا لفظ عَليّ بن عبد الرَّحْمَن وَأما لفظ فَهد، فَإِنَّهُ
قَالَ: " إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة " بِلَا شكّ
مِنْهُ فِيهِ فَهَذِهِ الْآثَار قد رويت متواترة عَن رَسُول
الله صلي الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَحْرِيم الصَّدَقَة
عَلَيْهِم، مَعَ مَا رُوِيَ عَنهُ من قَوْله صلي الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي آثَار سواهَا " إِنَّا آل مُحَمَّد لَا نَأْكُل
الصَّدَقَة " فاكتفينا بالآثار الأُوَلِ كَرَاهِيَة أَن
يتَأَوَّل متأول أَن يزكيهم أكل الصَّدَقَة تنزها لَا
تَحْرِيمًا، وَهِيَ أولى من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صَدَقَة
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أرامل
بني عبد الْمطلب الَّذِي روينَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، مَعَ
أَنه قَدْ يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بأرامل بني عبد الْمطلب من
نِسَائِهِم اللائي لَا يرجعن بأنسابهم إِلَى عبد الْمطلب، من
الزَّوْجَات العربيات، وَمن أُمَّهَات الْأَوْلَاد وقَدِ
اخْتلف أهل الْعلم فِي الصَّدَقَة عَلَى موَالِي بني هَاشم،
وَهل دخلُوا فِي الْآيَة الَّتِي تلونا فِي أول هَذَا الْكتاب
أم لَا؟ فقَالَ بَعضهم: الصَّدَقَة لبني هَاشم مِمَّنْ
ذَكَرْنَاهُ، وَبَعض الذاهبين إِلَى
تَحْرِيم الصَّدَقَة عَلَى صلبية بني هِشَام وقَالَ بَعضهم:
الصَّدَقَة عَلَيْهِم حرَام، وهم فِي حرمتهَا عَلَيْهِم
كمواليهم من بني هَاشم فِي حرمتهَا عَلَيْهِم، وَمِمَّنْ كَانَ
يَقُولُ بِهَذَا القَوْل أَبُو يُوسُف فِيمَا أملأه
بِبَغْدَاد، وَلم يحك خلافًا بَينه وَبَين أَبِي حَنِيفَةَ،
وَلَا من سواهُ من أَصْحَابه وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل عَلَى صِحَة مَا
قَالَ فِي ذَلِكَ
(1/379)
794 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مُقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتُعْمِلَ أَرْقَمُ بْنُ أَبِي أَرْقَمَ الزُّهْرِيُّ عَلَى
الصَّدَقَاتِ، فَاسْتَتْبَعَ أَبَا رَافِعٍ، فَأَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ،
فَقَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ "
795 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى
الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا
تُصِيبَ مِنْهَا قَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ
لَهُمُ الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ "
796 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ
عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ مَوْلًى لَنَا
يُقَالُ لَهُ هُرْمُزٌ، أَوْ كَيْسَانُ أَخْبَرَنِي، أَنَّهُ
مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَدَعَانِي فَجِئْتُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا فُلانٍ، إِنَّا
أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَإِنَّ مَوْلَى
الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ "
797 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: مَيْمُونٌ، أَوْ مِهْرَانُ،
أَنَّهُ قَالَ: " يَا مَيْمُونُ، أَوْ يَا مِهْرَانُ، إِنَّا
أَهْل بَيْت نُهِينَا عَنِ الصَّدَقَةِ، إِنَّ مَوَالِيَنَا
مِنْ أَنْفُسِنَا فَلا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ " فَهَذِهِ آثَار
ثَابِتَة عَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فلَيْسَ لأحد خلَافهَا، وَلَا القَوْل بغَيْرهَا، غير أَن بعض
من كَانَ يذهب إِلَى تَحْرِيم الصَّدَقَة عَلَى بني هَاشم من
سوى أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَةَ قَدْ كَانَ يبيحها لمواليهم،
ويحرمها عَلَيْهِم أولى لمَا روينَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
(1/380)
وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِي حكم بني
الْمطلب هَل هم فِي حُرْمَة الصَّدَقَة كَحكم بني هَاشم فِي
حرمتهَا عَلَيْهِم أم لَا؟ فكَانَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
يذهبان إِلَى أَن بني الْمطلب غير داخلين فِي تَحْرِيم
الصَّدَقَة، ويذهبان إِلَى أَنهم كغيرهم من سَائِر
بطُون قُرَيْش سوى بني هَاشم فِي حل الصَّدَقَة لَهُم وكَانَ
الشَّافِعِي يذهب إِلَى تَحْرِيم الصَّدَقَة عليم ويجعلهم فِي
ذَلِكَ كبني هَاشم، وكَانَ مِمَّا يحْتَج بِهِ فِي ذَلِكَ مَا
رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لمَّا قسم بَينهم ذَوي الْقُرْبَى، فَأدْخل فِيه بني الْمطلب
مَعَ بني هَاشم، وجعلهم فِيه كهم، وَلم يدْخل مَعَهم فِيه
سواهُم من سَائِر بطُون قُرَيْش، فممَّا رُوِيَ عَنْ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا:
798 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ الْبَغْدَادِيَّانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى،
أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ
بَنِي أُمَيَّهَ، وَلا بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ
أَنَا وَعُثْمَانُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَؤُلاءِ بَنُو
هَاشِمٍ فَضَّلَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكَ، فَمَا بَالُنَا
وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ فِي النَّسَبِ
شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ فَقَالَ: " إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ
يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا فِي إِسْلامٍ " قَالَ:
أَفَلا تَرَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ جعلهم فِي سهم ذوى الْقُرْبَى كبني هَاشم، لَا كمن سواهُم
من سَائِر بطُون قُرَيْش فكَانَ من حجَّة الآخرين عَلَيْهِم
أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُعْط
بني الْمطلب من سهم ذَوي الْقُرْبَى، لأَنهم قرَابَة لَهُ
كقرابة بني هَاشم،
وَلكنه إنمَا أَعْطَاهُم لِلْعِلَّةِ الَّتِي اعتل بِهَا عَلَى
عثمَان بن عَفَّان، وعَلَى جُبَير بن مطعم وفِي تَركه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التكثير عَلَيْهِمَا فِي قولهمَا
لَهُ: هَؤُلَاءِ بَنو هَاشم فَضلهمْ الله بك، فمَا بالنا
وَبَنُو الْمطلب، وإنمَا نَحن وهم فِي النّسَب شَيْء وَاحِد،
دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لم يُعْط بني الْمطلب من جِهَة النّسَب،
إِذْ كَانَ قَدْ حرم من هُوَ فِي النّسَب كهم، وَلكنه
أَعْطَاهُم للجهة الْأُخْرَى وقَدْ رَأينَا من سوى بني الْمطلب
مِمَّنْ قَدْ وَلَده هَاشم مِمَّنْ كَانَ مفارق لرَسُول الله
فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَهُوَ أَبُو لَهب، ومَا ولد
فِي زمَان النَّبِي صلّى الله
(1/381)
عَلَيْهِ وَسلم، قَدْ دخل مسلمو وَلَده فِي
حُرْمَة الصَّدَقَة، لأَنهم من بني هَاشم، ولَيْسُوا مِمَّنْ
كَانَ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن
تَحْرِيم الصَّدَقَة لم يدْخل فِيه من كَانَ مَعَ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّة من غير
بني هَاشم، وَأَنه إنمَا هُوَ عَلَى بني هَاشم خَاصَّة مِمَّنْ
كَانَ مَعَه فِي الْجَاهِلِيَّة أَو لم يكن، ولمَا كَانَ بَنو
أَبِي لَهب يدْخلُونَ مِنْهُ فِي النّسَب من هَاشم، كَانَ
كَذَلِكَ بَنو الْمطلب يخرجُون مِنْهُ بخروجهم من النّسَب من
هَاشم وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم رَحِمهم الله فِيمن تحرم
عَلَيْهِ الصَّدَقَة بمكَانِه من هَاشم بن عبد منَاف، هَل يصلح
لَهُ أَن يعْمل عَلَيْهَا عملا تكون بِهِ عمَالته مِنْهَا؟
فقَالَ قوم: لَا يصلح لَهُ ذَلِكَ بمَا سوى عمَالته عَلَيْهَا
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُف بِغَيْر خلاف ذكره بَينه
وَبَين أَبِي حَنِيفَةَ وقَالَ قوم:
لَا بَأْس عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بالعمَالة مِنْهَا، كمَا لَا
بَأْس عَلَى الْغَنِيّ الَّذِي لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة،
بالعمَالة عَلَيْهِ وَأخذ عمَالته مِنْهَا وكَانَ من حجَّة من
ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يصلح لمن مكَانُهُ من هَاشم المكَانُ
الَّذِي ذكرنَا، الْعَمَل عَلَيْهَا والعمَالة مِنْهَا بمَا
799 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ،
عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلْعَبَّاسِ: سَلِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَسْتَعْمِلَكَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " مَا
كُنْتُ لأَسْتَعْمِلَكَ عَلَى غُسَالَةِ ذُنُوبِ النَّاسِ "
ومَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيث عبد الْمطلب بن ربيعَة الَّذِي
قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تقَدم من كتَابنَا هَذَا لمَّا سَأَلَ
هُوَ وَالْفضل بن الْعَبَّاس رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يستعملهمَا عَلَى الصَّدَقَة ليصيبهمَا
مِنْهَا مَا يُصِيب النَّاس، ويؤدوا مِنْهَا مَا يُؤَدِّي
النَّاس، وَمن قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهمَا
عِنْد ذَلِكَ: " إنمَا هِيَ أوساخ النَّاس " وَمنعه إياهمَا
ذَلِكَ من الْولَايَة عَلَيْهَا، ومَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالك فِي
جَوَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا
رَافع لمَّا أخبرهُ أَن المَخْزُومِي الَّذِي اسْتَعْملهُ
عَلَى الصَّدَقَة استتبعه كيمَا يُصِيب مِنْهَا وَنحن نعلم
أَنَّهُ لم يكن يُصِيب مِنْهَا عمل مَعَه إِلَّا من عمَالته
عَلَيْهَا: " إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد صلّى
(1/382)
الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن مولى الْقَوْم
من أنفسهم " فَمَنعه بِذَلِكَ من الْعَمَل عَلَى الصَّدَقَة
الَّتِي يسْتَحق الْعَمَل لَهُ مِنْهَا
وكَانَ من حجَّة من أباحهم ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي عمل عَليّ بن
أَبِي طَالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَة بِالْيمن
فِي زمن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فممَّا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا
800 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ
بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي
أُنَاسٍ مَعِي، قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ " قَالَ: بِمَا أَهَلَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، قَالَ: "
فَأَهِلَّ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ "
801 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ امْرَأَةُ أَبِي
سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهَا،
أَنَّهُ كَانَ فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُصَدِّقًا
بِالْيَمَنِ، فَسِرْنَا مَعَهُ، فَأَطَلْنَا السَّيْرَ حَتَّى
كَلَّ ظَهْرُنَا الَّذِي خَرَجْنَا عَلَيْهِ مِنَ
الْمَدِينَةِ، وَرَقّ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ نُحِمَّ
أَبَاعِرَنَا، وَنَرْكَبَ فِي إِبِل الصَّدَقَةِ حَتَّى
تُحَمَّ أَبَاعِرُنَا، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا أَشَدَّ
الإِبَاءِ رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، وَقَالَ: "
إِنَّمَا لَكُمْ سَهْمٌ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ " قَالُوا:
ففِي حَدِيثي جَابر، وأَبِي سعيد، عمل عَليّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَة بِالْيمن فِي عهد النَّبِي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمله ذَلِكَ فإنمَا كَانَ
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوليته إِيَّاه
عَلَيْهِ، فاستدلوا بِذَلِكَ فِي مَا ذكرُوا عَلَى مَا قَالُوا
مِمَّا قَدْ حكينا عَنْهُم ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ
نَظرنَا فِي الأولى مِمَّا قَالُوه فِي ذَلِكَ مَا هُوَ؟
فَوَجَدنَا الْولَايَة عَلَى الصَّدقَات لم يكرهها من كرهها
لذاتها، وَكَيف تجوز كراهتها لِذَلِكَ وقَدْ تولاها رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لمَّا أنزل الله
عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَي:
عِنْد إتيانهم إِيَّاه بِهَا، {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}
، وَأَتَاهُ ابْن أَبِي أوفى بِصَدقَة ابْنه، فقَالَ: "
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى "، وقَدْ ذكرنَا
ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب الصَّلَاة من
كتبنَا هَذِهِ وَلم يكن ذَلِكَ أَن الْعَمَل الْمَكْرُوه عَلَى
الصَّدَقَة لمن مكَانُه من هَاشم، المكَانُ الَّذِي ذكرنَا،
إنمَا هُوَ الْعَمَل الْمَطْلُوب بِهِ العمَالة مِنْهَا فأمَّا
الْعَمَل الَّذِي لَا عمَالة مَعَه مَطْلُوبَة فِيه، فَلَيْسَ
بمكروه، ولمَّا كَانَ كَذَلِكَ لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/383)
كَانَ لمن سواهُ من خلفائه، وَمن ولاته
كَذَلِكَ، فَوَجَبَ بمَا ذكرنَا تَصْحِيح هَذِهِ الْآثَار،
وَصرف عمل عَلِيٍّ عَلَيْهَا إِلَى أَنَّهُ عمل لَا عمَالة
فِيه مَطْلُوبَة بِهِ مِنْهُ، وَأَنه كعمل رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَيْهَا، وَهُوَ أَخذهَا
مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، ووضعها فِيمن هِيَ لَهُ، لَا بِشَيْء
يَأْخُذهُ مِنْهَا عمَالة لَهَا، فَثَبت بِذَلِكَ إِبَاحَة ذِي
المكَانَ الَّذِي ذكرنَا من هَاشم، الْعَمَل عَلَيْهَا بِلَا
جعَالَة مِنْهَا وَحُرْمَة الْجعَالَة مِنْهَا للمكَانِ
الَّذِي ذكرنَا من هَاشم، حَتَّى تصح تِلْكَ الْآثَار الَّتِي
رويناها فِيهَا، وَلَا يضاد بَعْضهَا بَعْضًا وأمَّا مَا احْتج
بِهِ من احْتج فِي ذَلِك بِإِجَارَة الْعَمَل للغني عَلَى
الصَّدَقَة، والاجتعال عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا، فَإِن ذَلِكَ غير
مشبه لمَا شبهه بِهِ، وَذَلِكَ لِأَن الْغَنِيّ الَّذِي لَيْسَ
لَهُ المكَانُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ من هَاشم، قَدْ يجوز أَن
يفْتَقر فَتحل لَهُ الصَّدَقَة بفقره إِلَيْهَا، وكذَلِكَ يجوز
أَن تحل لَهُ الصَّدَقَة بِعَمَلِهِ عَلَيْهَا، وَذُو المكَانِ
من هَاشم لَو كَانَ فَقِيرا لم تحل لَهُ الصَّدَقَة بفقره
إِلَيْهَا، وكذَلِكَ لَا تحل لَهُ بِعَمَلِهِ عَلَيْهَا وقَدْ
كَانَ عَليّ بن أَبِي طَالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خُرُوجه
إِلَى الْيمن عَاملا لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أعمَاله سوى الصَّدَقَة، مِنْهَا الْقَضَاء
كمَا:
802 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِنَانٌ
النَّحْوِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
حَبَشِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ
بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ شُيُوخٍ، ذَوِي سِنٍّ، وَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ لَا أُصِيبَ، فَقَالَ: " اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
يُثَبِّتُ لِسَانَكَ، وَيَهْدِي قَلْبَكَ "
803 - وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضْرِبٍ، عَنْ عَلِيٍّ،
قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ بَعَثْتَنِي
إِلَى قَوْمٍ أَسَنَّ مِنِّي وَكَيْفَ أَقْضِي؟ فَقَالَ: "
اذْهَبْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَهْدِي قَلْبَكَ،
وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ "
804 - وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، وَزَائِدَةُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ كُلُّهُمْ،
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ،
(1/384)
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ
الرَّجُلانِ، فَلا تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مَا
يَقُولُ الآخَرُ، فَإِنَّكَ إِذَا سَمِعْتَ ذَلِكَ عَرَفْتَ
كَيْفَ تَقْضِي "، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَمَا
زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ وَزَادَ سُلَيْمَانُ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُثَبِّتُ
لِسَانَكَ وَيَهْدِي قَلْبَكَ
805 - وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ حَنَشٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: بَعَثَنِي
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْيَمَنِ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، فَقُلْتُ: بَعَثْتَنِي
وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ،
فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هَادٍ قَلْبَكَ
وَلِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلا
تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، فَمَا
شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ " وَمِنْهَا الْولَايَة عَليّ
معادنها كمَا
806 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ أَبِي سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِذَهَبٍ مِنْ
تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ
حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ
الطَّائِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ
أَحَدِ بَنِي كِلابٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالَتْ: يُعْطِي
صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ
أَتَأَلَّفُهُمْ " وَمِنْهَا الْولَايَة عَليّ غَزْو كفار
أَهلهَا كمَا
807 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عِمْرَانَ الطَّبَرَانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ خَلَفٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً،
فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ
وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "
(1/385)
مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ "
فَدلَّ مَا ذكرنَا أَن عليا كَانَ فِي خُرُوجه إِلَى الْيمن
لولاية أَشْيَاء دخلت فِيهَا الصَّدقَات وكَانَ بتوليه تِلْكَ
الْأَشْيَاء كالخليفة الْهَاشِمِي فِي توليه إِيَّاهَا ليوليها
غَيره مِمَّنْ لَيْسَ فِي نسبه، فيرزقه مِنْهَا، ويتولاها
بِنَفسِهِ بِلَا رزق يرزقه مِنْهَا، ويكتفِي بارتزاقه مِمَّا
سواهَا، وبسهمه مِمَّا يغنمه بقتاله، وبسهمه بذوي قرَابه وَإِن
احْتج مُحْتَج لمن ذَهَبَ إِلَى إِجَارَة العمَالة لمن
مَوْضِعه من هَاشم الْموضع الَّذِي ذكرنَا بمَا رُوِيَ عَنْ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكله
هَدِيَّة بَرِيرَة الَّتِي تصدق بِهَا عَلَيْهَا، وَمن قَوْله
عِنْد ذَلِكَ لمَّا قيل لَهُ: إِنَّك لَا تَأْكُل الصَّدَقَة:
هِيَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة قَالَ: وكذَلِكَ
الْعَامِل عَلَى الصَّدَقَة مِمَّنْ لَهُ من هَاشم الْموضع
الَّذِي ذكرنَا، العمَالة من الَّذِي أخذت من ملك الْمُصدق
بِهَا إِلَى ملكه لَا وَاسِطَة بينهمَا، وَالصَّدَََقَة
عَلَيْهِ حرَام مملكة إِيَّاهَا، وَهِيَ صَدَقَة من حَيْثُ
ملكهَا عَلَيْهِ حرَام
، ومَا تصدق بِهِ عَلَى بَرِيرَة فقَدْ كَانَت ملكته صَدَقَة
عَلَيْهَا، وَخرج من ملك الْمُصدق بِهِ عَلَيْهَا إِلَى
ملكهَا، ثُمَّ أهدته هِيَ إِلَى من أهدته إِلَيْهِ فملكه
عَلَيْهَا هَدِيَّة وكَانَ بَين خُرُوج الصَّدَقَة بِذَلِكَ من
ملك التَّصَدُّق بِهَا وَبَين وُقُوع ملك الَّذِي أهدته
بَرِيرَة إِلَيْهِ عَلَيْهِ ملك بَرِيرَة إِيَّاه، فكَانَ
دُخُوله فِي ملك الَّذِي أهدته من صَدَقَة قَدْ كَانَت، فأنبت
وانقطعت قبل ذَلِكَ وَملك الْعَامِل عَلَى الصَّدَقَة عمَالته
من نفس الصَّدَقَة قبل إنباتها من ملك الْمُصدق بِهَا،
وانقطاعه عَنْهَا، وإنمَا أنبت ذَلِكَ وَانْقطع بِملكه
إِيَّاه، لَا وَاسِطَة بَينه وَبَينهَا وقَدِ اخْتلف أهل
الْعلم فِي صدقَات الذَّهَب وَالْفِضَّة، هَل للإمَام أَن
يتَوَلَّى قبضهَا حَتَّى يَضَعهَا فِي موَاضعهَا الَّتِي أَمر
الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا، أَو يخلي بَيْنَ أَهلهَا
وبينهمَا حَتَّى يضعوهمَا فِي مواضعهمَا الَّتِي أَمر الله
عَزَّ وَجَلَّ بِهَا فِيهَا
(1/386)
وكَانَ أَكْثَرهم يَقُولُ: للإمَام أَن
يقبضهَا حَتَّى يَضَعهَا فِي موَاضعهَا الَّتِي أَمر الله
عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ
مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك، وَالثَّوْري، وَزفر،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ وكَانَ بَعضهم
يَقُولُ: لَا، بل يخلي الإمَام بَيْنَ أهل الذَّهَب وَالْوَرق،
حَتَّى يضعوا مَا عَلَيْهِم فِيهَا من زَكَاة فِي الْمَوَاضِع
الَّتِي أَمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا وَاحْتَجُّوا
فِي ذَلِكَ بمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيه
808 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مَعْبِدٍ، وَالْحَمَائِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إِنَّمَا
الْعُشُورُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ "
809 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي الْعَاصِ: أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: "
لَا تُحْشَرُوا وَلا تُعْشَرُوا "، قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ:
يَعْنِي لَا تُجْلَبُوا
810 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
الْمُهَاجِرِ الْبَجْلِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا
مَعْشَرَ الْعَرَبِ، احْمَدُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ
رَوَّحَ عَنْكُمُ الْعُشُورَ "
811 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالُوا: فَلَا نرى رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رفع العشور عَنِ
الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الَّتِي تتولى الْأَئِمَّة قبضهَا من
النَّاس
(1/387)
قَالُوا: وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عمر فِي
ذَلِكَ، فَذكرُوا مَا
812 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: "
أَكَانَ عُمَرُ يَعْشِرُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا "
فكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِم للآخرين أَن العشور الَّتِي
رَفعهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْمُسْلِمِينَ لَيْسَت، وَلكنه المكس الَّذِي كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَهُ، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي حَدِيث
عقبَة بن عَامر الَّذِي
813 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
شِمَاسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ "، يَعْنِي: عَاشِرًا فَهَذَا هُوَ
الْعشْر الْمَرْفُوع عَنْ هَذِهِ الْأمة، لَا مَا سواهُ وَقد
رُوِيَ من حَدِيث حَرْب بن عبيد الله من جِهَة الثَّوْريّ،
وحمَاد بن سَلمَة مَا يدل عَلَى هَذَا الْمَعْنى
814 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ،
عَنْ خَالٍ لَهُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ
عَنِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ أَعْشِرُهَا؟ قَالَ: " إِنَّمَا
الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ "
815 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ
أَخْوَالِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَعَلَّمَهُ
الإِسْلامَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَأْخُذُ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، كُلُّ الإِسْلامِ عَلِمْتُهُ إِلا الصَّدَقَةَ،
فَأَعْشِرُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا يُعْشَرُ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى "
(1/388)
فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن الْعشْر المُرَاد
فِي الحَدِيث الأول هُوَ خلاف الزَّكَاة، فقَدْ كَانَ يَحْيَى
بن آدم يذهب إِلَى تَأْوِيل قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنمَا العشور عَليّ الْيَهُود
وَالنَّصَارَى "، إنمَا هِيَ جِزْيَة عَلَيْهِم لَا يؤخرون
فِيهَا، والمَأخوذ من الْمُسْلِمِينَ من الزَّكَاة طَهَارَة
لَهُم يؤجرون عَلَيْهَا، وَكَانَ الْمَرْفُوع عَنِ
الْمُسْلِمِينَ عِنْده هُوَ مَا كَانَ يُؤْخَذ من النَّاس مَا
لَا يؤجرون عَلَيْهِ، وَهُوَ خلاف الزكوات، وَبِاللَّهِ
التوفِيق وأمَا الَّذِي روينَا من قَول ابْن عمر: أَن عمر
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لم يكن يعشر الْمُسْلِمِينَ، فإنمَا
أَرَادَ بِذَلِكَ الْعشْر الَّذِي رفع عَنْ هَذِهِ الْأمة،
وَجعل عَلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَلَى مَا فِي حَدِيث
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي
روينَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، فأمَّا زَكَاة الْأَمْوَال فَلَا،
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ
816 - أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ
ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَرْسَلَ
إِلَيَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَبْطَأْتُ عَنْهُ، ثُمَّ
أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى
أَنِّي لَوْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَعَضَّ عَلَى حَجَرٍ كَذَا
وَكَذَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَخْبَرْتُ لَكَ خَيْرَ عَمَلِي
فَكَرِهْتَهُ، أَوْ أَكْتُبْ لَكَ سُنَّةَ عُمَرَ، قَالَ:
قُلْتُ: اكْتُبْ لِي سُنَّةَ عُمَرَ، قَالَ: فَكَتَبَ، " مِنَ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا،
وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا
"، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ
دِرْهَمًا، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ؟ قَالَ:
الرُّومُ كَانُوا يُقْدِمُونَ مِنَ الشَّامِ أَفلا ترى أَن عمر
قَدْ كَانَ من سنته أَخذ زكوات الْمُسْلِمِينَ من ورقهم عَلَى
مَا فِي حَدِيث أنس هَذَا، فَدلَّ ذَلِكَ أَن الْعشْر الَّذِي
لم يكن يَأْخُذهُ عَلَى مَا فِي حَدِيث عبد الله بن عمر
أَنَّهُ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُؤْخَذ فِي الْإِسْلَام
من الْمُسْلِمِينَ من الزكوات الَّتِي يزكون ويطهرون بِهَا
وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ أنس بن مَالك عَن عمر بن الْخطاب،
وقَدْ كَانَ من عمر بِحَضْرَة سَائِر أَصْحَاب رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواهُ، فَلم ينكروه
عَلَيْهِ، وَلم يخالفوه فِيه، فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى متابعتهم
إِيَّاه عَلَيْهِ، وفِيهم الَّذِي سمع رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا عشور عَلَى
الْمُسْلِمِينَ " وَكَيف يجوز لقَائِل أَن يَقُولُ: لَيْسَ
إِلَى وَالِي الْأمة قبض الزكوات من الذَّهَب
وَالْوَرق وقَدْ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لنَبيه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، فَأمره
بِأَخْذِهِ إِيَّاهَا مِنْهُمْ، وَلم يَأْمُرهُ أَن يَأْمُرهُم
أَن يضعوها فِي أَهلهَا
(1/389)
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا} وهم السعاة الَّذين يكون أَخذهَا من النَّاس،
ورفعها إِلَى الْأَئِمَّة حَتَّى يضعوها حَيْثُ أَمر الله
عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيه وَكَيف يجوز لقَائِل أَن يفرق
بَيْنَ زَكَاة الْمَوَاشِي وَزَكَاة الثمَار، وبثين زكوات
الذَّهَب وَالْوَرق، فَيجْعَل للأئمة أَن يتولوا قبض زكوات
الثمَار والمواشي، ويمنعهم من قبض زَكَاة الذَّهَب وَالْوَرق
بِغَيْر حجَّة بِهَا الْفرق بَيْنَ هذَيْن الْمَعْنيين وَالله
الْمُوفق الْخَوَارِج يظهرون عَلَى النَّاس فَيَأْخُذُونَ
مِنْهُمْ زكوات أَمْوَالهم وَلَو أَن قومَا من الْخَوَارِج
المتأولين غلبوا عَلَى قوم، فَأخذُوا مِنْهُمْ زَكَاة
أَمْوَالهم، فَإِن أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبا يُوسُف، ومحمدا،
قَالُوا: يُجزئ ذَلِكَ عَنْهُم، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى
أهل الْعدْل أَن يمنعوهم مِنْهُمْ، غير أَنهم يستحبون لَهُم
فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَن يُعِيدُوا إِخْرَاج زكواتهم
حَتَّى يدفعوها إِلَى إمَام أهل الْعدْل، أَو حَتَّى يضعوها
فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أَمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها
فِيهَا قَالُوا: وَلَو أَن الْخَوَارِج لم يظهروا عَلَى أهل
الْعدْل كَمَا ذكرنَا، فَيَأْخُذُونَ مِنْهُمْ زكواتهم وَلَكِن
أهل الْعدْل أتوهم طائعين، فدفعوا إِلَيْهِم زكواتهم، فَإِن
ذَلِكَ غير مجزئ عَنْهُم، وعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا الزَّكَاة
فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أَمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها
فِيهَا، أَو حَتَّى يخرجوها مِنْهَا إِلَى الإمَام حَدَّثَنَا
مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
يَعْقُوب، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِجَمِيعِ مَا ذكرنَا وَلم يحك
مُحَمَّد فِيه خلافًا وقَدْ تقَدَّم فِي هَذَا قَول ابْن عمر
كمَا
817 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ حِبَّانَ، أَوْ
حَيَّانَ السُّلَمِيِّ، شَكَّ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَقَالَ:
قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: يَجِيئُنِي مُصَدِّقُ ابْنِ
الزُّبَيْرِ، فَيَأْخُذُ صَدَقَةَ مَالِي، وَيَجِيئُنِي
مُصَدِّقُ نَجْدَةَ فَيَأْخُذُ، قَالَ: " أَيَّهُمَا
أَعْطَيْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ " قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ:
الصَّحِيحُ فِي هَذَا حَيَّان السملي، وَهُوَ رجل من جلة
التَّابِعين وضع الصَّدقَات فِي صنف من أَصْنَاف الصَّدقَات
قَدْ ذكرنَا فِيمَا تقدم من كتَابنَا هَذَا مَا تَأَول أهل
الْعلم عَلَيْهِ قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَة، غير
أنَّا احتجناها هُنَا إِلَى إِعَادَته لشَيْء أردنَا
(1/390)
زِيَادَته فِيه، وَهُوَ أَن الشَّافِعِي
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ كَانَ يذهب إِلَى أَنَّهَا فِي أهل
الْأَصْنَاف الثمَانية مَا كَانُوا موجودين قَالَ: فَيعْطى
الْفُقَرَاء، وَالْمَسَاكِين، والغارمون بِمَعْنى: الْفقر، أَو
المسكنة، وَالْغُرْم، وَيُعْطى ابْن السَّبِيل بِمَعْنى
الْبَلَاغ، وَيُعْطى الْعَامِل بِمَعْنى الْكِفَايَة
وَالصَّلَاح المَأخوذ لَهُ والمَأخوذ مِنْهُ، وَيُعْطى
المكاتبون بِمَعْنى مَا يعتقون فَمَعْنَاه فِي ذَلِكَ: أَن لَا
يُزَاد كل صنف مِنْهُم عَلَى مِقْدَار مَا يُخرجهُ من
الْمَعْنى الَّذِي هُوَ فِيه حَتَّى يَكُونَ من أَهله لَا
يعْطى الْفَقِير وَلَا الْمِسْكِين فَوق مَا يخرجهمَا من
الْفقر والمسكنة حَتَّى يَكُونَا غَنِيَّيْنِ، وَلَا يعْطى
الْغَارِم فَوق مَا يُخرجهُ من الْغرم حَتَّى يَكُونَ غير
غَارِم، وَيبقى لَهُ
فضل، وَلَا يعْطى ابْن السَّبِيل مَا يبلغهُ أَهله وَيبقى لَهُ
فضل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: وَالَّذين يَقُولُونَ: لَا
بَأْس بوضعها فِي صنف وَاحِد من هَذِهِ الْأَصْنَاف، لَا
يخالفوه فِي رجل أوصى لفُلَان، وَلفُلَان، وَلفُلَان، أَو
قَالَ: ثُلثي لفُلَان، وَلفُلَان، وَلفُلَان أيهمَا يكونَانِ
أَثلَاثًا بَينهم؟ فكذَلِكَ لَا يكون مَا جعله الله عَزَّ
وَجَلَّ لأهل هَذِهِ الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين فِي هَذِهِ
الْآيَة لأهل صنف مِنْهَا دون نفسهم قَالَ: ولمَّا كَانَ فِي
عطايا الآدمين كمَا ذكرنَا، كَانَ فِي عطايا الله عَزَّ
وَجَلَّ أَحْرَى أَن يكون كَذَلِكَ هَذِهِ مَعَانِيه وَإِن لم
تكن هَذِهِ أَلْفَاظه وكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِ لأهل
القَوْل الأول فِيمَا حاجَّهُمْ بِهِ من الْوَصَايَا أَنَّهُ
يَقُولُ: مَا أوصى بِهِ لفُلَان، وَلفُلَان، وَلفُلَان بَينهم
بِالسَّوِيَّةِ، لَا تفاضل بَينهم فِيه، وَالَّذِي فَرْضه الله
عَزَّ وَجَلَّ من الصَّدقَات فِي الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة
فِي آيَة الصَّدقَات لَيْسَ كَذَلِكَ، لأَنهم فِيه متفاضلون
إِذْ كَانَ كل صنف مِنْهُمْ فِي قَوْله: إنمَا يعْطى،
بِمَعْنَاهُ الَّذِي ذكرته فِي الْآيَة، وكَانَ أحد الْمُوصى
لَهُم لَو مَات قبل الْمُوصي، فَخرج من الْوَصِيَّة، لم يرجع
إِلَى البَاقِينَ حِصَّته الَّتِي كَانَت تكون لَهُ لَو وَجَبت
لَهُ فِي الْوَصِيَّة، وكَانَ أهل صنف من هَذِهِ الْأَصْنَاف
الْمَذْكُورَة فِي آيَة الصَّدقَات لَو ذَهَبُوا حَتَّى لم
يبْق مِنْهُمْ أحد، كالمؤلفة قُلُوبهم الَّذين ذَهَبُوا، لم
يبطل مَا كَانَ يكون لَهُم من ذَلِكَ لَو لم يذهبوا، وإنمَا
يرجع مَا كَانَ يكون لَهُم لَو لم يذهبوا فِي مثل مَا رَجَعَ
إِلَيْهِ بَقِيَّة الصَّدقَات فَدلَّ ذَلِكَ
أَن الله عَزَّ وَجَلَّ لَو كَانَ جعل الصَّدقَات لأهل
الْأَصْنَاف الْمُسَمَّيْنَ فِي آيَة الصَّدقَات، كمَا جعل
الْمُوصى الْوَصِيَّة لأهل الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَة
الْوَصَايَا، لمَا رَجَعَ إِلَى أحد من أهل الْأَصْنَاف مَا
جعله الله لغيره من الصَّدقَات، لِأَنَّهُ إنمَا جعله لمن
سمَّاه لَهُ فِي الْآيَة،
(1/391)
فَلَا يجب رُجُوعه إِلَى غَيره إِلَّا
بتوقيف من الله عَزَّ وَجَلَّ إيانا عَلَى ذَلِكَ بِآيَة فِي
كِتَابه، أَو بِلِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَو بِمَعْنى سواهمَا يُوجب ذَلِكَ، وإِذَا كَانَ
الله عَزَّ وَجَلَّ جعل ذَلِكَ عِنْده لأهل الْأَصْنَاف
بمعانيهم الَّتِي ذكرهم بِهَا فِي الْآيَة، كَانَ نَظِير
ذَلِكَ من الْوَصَايَا الْمَقْصُود بِهَا إِلَى ثَلَاثَة نفر
لأعيانهم الَّتِي يتساوون بِهَا فِي الْوَصَايَا، لَا لحاجتهم
الَّتِي يتفاضلون بِهَا فِي الْوَصَايَا، وكَانَ الْوَجْه فِي
ذَلِكَ: لَو رفعت الْوَصِيَّة من الْمُوصى كمَا ذكرنَا، فمَات
أحد الْمُوصى لَهُم قبلهم، ثُمَّ مَات الْمُوصي فِي الْقيَاس،
قَدْ بطلت الْوَصِيَّة للباقين، لِأَنَّهُ لَا يعلم مَا
الَّذِي وَجب لهمَا بهَا، لِأَن الَّذِي كَانَ يجب لهمَا بِهَا
لَو كَانَ صَاحبهَا حَيا فَهُوَ مَا كَانَ يُصِيبهَا إِذَا قسم
الثُّلُث عَلَى حاجتهمَا وَحَاجته، فإِذَا كَانَ قَدْ
تُوُفِّيَ فقَدْ صَارَت حَاجته الَّتِي كَانَت تعلم مِنْهُ،
لَو كَانَ حَيا، غير مَعْلُومَة، وإِذَا كَانَت كَذَلِك لم
يعلم مَا للباقين من الْوَصِيَّة فبطلت وصاياهمَا لِذَلِكَ،
وحاش لله عَزَّ وَجَلَّ أَن يكون مُرَاده فِي آيَة الصَّدَقَة
هَذَا الْمَعْنى، وإِذَا وَجب أَن يكون كَذَلِكَ مُرَاده عَزَّ
وَجَلَّ فِيهَا، وَلم يكن فِيهَا مَا تَأَوَّلَه النَّاس
عَلَيْهِ غير هَذَا القَوْل الَّذِي قَدْ بَطل
، وَغير القَوْل الآخر الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس،
وَعَن حُذَيْفَة فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة، ثَبت القَوْل
الَّذِي رُوِيَ عَنْهما فِي تَأْوِيلهَا، وَلَهو هَذَا القَوْل
أولى من مُخَالفَته، إِذْ كَانَ من قَوْله تَقْلِيد الْوَاحِد
من أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا لم نعلم عَنْ غَيره مِنْهُمْ خلافًا فِي ذَلِكَ فقَدْ
خَالف فِي هَذَا ابْن عَبَّاس، وَحُذَيْفَة، فِيمَا لم نعلم
لهمَا فِيه مُخَالفا من أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا قَدْ شَذَّ مذهبهمَا فِي ذَلِكَ
مَا كَانَ من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي سَلمَة بن صَخْر فِي حَدِيثه الَّذِي روينَاهُ، وفِي
إِبَاحَته لَهُ أَخذ صدقَات قومه بِمَعْنى الْفقر، لَا
بِمَعْنى سواهُ من أَصْنَاف الصَّدقَات الْمَذْكُورَة فِي
الْآيَة الَّتِي تلونا، وَكَيف يجوز أَن تتَنَاوَل هَذِهِ
الْآيَة عَلَى أَن الله عز وَجل قَدْ تعبد خلقه بأَدَاء زكوات
أَمْوَالهم إِلَى من قَدْ فُقِدَ بعد مَوته، فَلَا يقَدْرون
عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ عدموا الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وكمَا يجوز
أَن يعدموا المكاتبين فَلَا يَقْدِرُون عَلَيْهِم، وكَانَ يجوز
أَن يعدموا أَبنَاء السَّبِيل فَلَا يقَدْرون عَلَيْهِم ففِي
هَذَا التَّأْوِيل: أَن الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تعبدهم
بِالْخرُوجِ من زكواتهم إِلَى من لَا يَقْدِرون عَلَيْهِ فِي
حالٍ مَا، ولَيْسَت كَذَلِكَ صِفَات فَرَائض الله عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى خلقه فِيمَا يعْتد بِهِ من وضع فَرَائِضه فِيه،
ولمَّا كَانَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لَا يجوز فَقْدُهُمْ،
تبين بِذَلِكَ أَنهم المقصودون فِي الْآيَة، وَأَن من سواهُم
مِمَّنْ ذكرهم مَعَهم فَإِنَّمَا هم أَصْنَاف الْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين الَّذين تُوضَع الزَّكَاة فِيهم، أَو فِيمن
وضعت فِيه
مِنْهُمْ، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
(1/392)
|