أحكام القرآن للطحاوي كِتَابُ الصِّيَامُ وَالاعْتِكَافِ مِنْ
أَحْكَامِ الْقُرآنِ
(1/393)
تَأْوِيل قَول الله عَزَّ وَجَلَّ:
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ إِلَى
قَوْله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ} ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ
الْآيَة أَنَّهُ كتب الصّيام عَلَى من كَانَ قبلنَا كمَا كتبه
علينا، ثُمَّ أخبر عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَيَّام معدودات وَلم
يبينها لنا، عَزَّ وَجَلَّ، أَي أَيَّام هِيَ؟ وَلَا مَا
عَددهَا فِي هَذَا الْموضع؟ ثُمَّ بَينهَا لنا عَزَّ وَجَلَّ
فِي غير هَذَا الْموضع من كِتَابه عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سَيَأْتِي بِهِ عِنْد ذكر
مَوْضِعه من هَذَا الْكتاب ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، فكَانَ هَذَا من
الْمُتَشَابه الْمُخْتَلف فِي المُرَاد بِهِ مَا هُوَ؟ فَذهب
ذاهبون إِلَى أَن من دخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي
أَهله، فقَدْ صَار مِمَّنْ شهد الشَّهْر، وَوَجَب عَلَيْهِ
الصَّوْم، وَلم يكن لَهُ بعد ذَلِكَ أَن يفْطر، وَإِن سَافر
سفرا وَدخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ فِيه، كَانَ لَهُ أَن
يفْطر وَرووا ذَلِكَ عَنْ عَليّ بن أَبِي طَالب
818 - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ
عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَنْ
أَدْرَكَهُ الصَّوْمُ وَهُوَ مُقِيمٌ، ثُمَّ سَافَرَ فَقَدْ
لَزِمَهُ الصَّوْمُ " أَلا تَرَى أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ،
يَقُولُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة هُوَ
الْمُقِيم فِي أَهله الشَّهْر كُله، وَأَن من دخل عَلَيْهِ
الشَّهْر وَهُوَ فِي أَهله، ثُمَّ سَافر بعد ذَلِكَ أَنه فِي
حكم من شهد الشَّهْر فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا فِي
أَهله، وفِي حكم الْمُسَافِر فِي الْمدَّة الَّتِي صَار فِيهَا
مُسَافِرًا وَاحْتَجُّوا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من ذَلِكَ
بمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من سَفَره فِي شهر رَمَضَان، وَمن إفطاره فِي سَفَره
ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا القَوْل: أَبُو حَنِيفَةَ،
ومَالك، وَسُفْيَان، وَزفر، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد،
وَالشَّافِعِيّ، فممَّا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا:
(1/395)
819 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ
الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، " فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ
الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ "
820 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَهُ، وَزَادَ: " وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ
فَالأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
821 - وَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى أَتَى عَسْفَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ
قَوْلَهُ: " وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَثِ
مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
822 - وَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَةَ
هَذَا
823 - وَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللهِ
بْنُ رَاشِدٍ الْحَجْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ
شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْوَدِ بْنُ
عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ
حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ شَقَّ
عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَأَمْسَكَهُ فِي
يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ
شَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَفْطَرَ، فَنَاوَلَهُ رَجُلا إِلَى جَانِبِهِ فَشَرِبَ،
وَصَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَفْطَرَ "
824 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي
رَبَاحٍ حَدَّثَاهُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللهِ صلّى الله
(1/396)
عَلَيْهِ وَسلم عَامَ الْفَتْحِ فِي
رَمَضَانَ، " فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَ
بِالْكَدِيدِ أَخْرَجَ قَدَحًا فِيهِ مَاءٌ، فَشَرِبَ
وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ "
825 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الْمُنَقِّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ
بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ
الْفَتْحِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، وَصَامَ
النَّاسُ وَهُمْ مُشَاةٌ وَرُكْبَانٌ، فَقِيلَ: إِنَّ النَّاسَ
قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ
إِلَى مَا فَعَلْتَ، " فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ
حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ،
وَصَامَ بَعْضٌ، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ بَعْضَهُمْ صَامَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ
الْعُصَاةُ "
826 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ، فَاشْتَدَّ
الصَّوْمُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَعَلَتْ
رَاحِلَتُهُ تَهِيمُ بِهِ تَحْتَ الشَّجَرِ، فَأُخْبِرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ "
فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ أَفْطَرُوا "
827 - حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ،
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ قَزَعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ
أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فِي
السَّفَرِ، فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ، فَكَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ
وَنَصُومُ، حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلا مِنَ الْمَنَازِلِ،
فَقَالَ: " إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ،
وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ "، فَأَصْبَحْنَا مِنَّا
الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا
مَنْزِلا، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ،
وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا "، فَكَانَتْ
عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَصُومُ مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ
وَبَعْدَ ذَلِكَ
828 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ
يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صُوَّامًا
حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، "
(1/397)
فَأَمَرَنَا بِالإِفْطَارِ، فَأَصْبَحْنَا
وَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمَّا بَلَغْنَا
مَرَّ الظَّهْرَانِ أَعْلَمَنَا بِلِقَاءِ الْعَدُوِّ،
وَأَمَرَنَا بِالإِفْطَارِ " فكَانَت هَذِهِ الْآثَار قَدْ
تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِسَفَرِهِ بِنَفسِهِ وَأَصْحَابه بعد دُخُول شهر
رَمَضَان عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وَهُمَ مقيمون فِي أَهْليهمْ،
وبإفطاره وَأمره إيَّاهُم بالإفطار فَدلَّ ذَلِكَ أَن هَذَا
القَوْل الثَّانِي من الْقَوْلَيْنِ اللَّذين حكيناهما فِي
تَأْوِيل هَذِهِ
الْآيَة، أولى من القَوْل الأول منهمَا، وَأَن قَوْله عَزَّ
وَجَلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} لَا
يمْنَع من سَافر فِي رَمَضَان من الْإِفْطَار فِي بَقِيَّته
الَّتِي تمر عَلَيْهِ وَهُوَ مُسَافر، وَهَذَا هُوَ الْقيَاس
أَيْضا أَلا ترى أَنَّهُ لَو دخل عَلَيْهِ رَمَضَان وَهُوَ
مُسَافر، ثُمَّ صَار إِلَى أَهله أَنَّهُ يرجع فِي حكم صَوْمه
إِلَى حكم الْمُقِيم، لَا إِلَى حكم الْمُسَافِر، وَيجب
عَلَيْهِ الصَّوْم فِي المستأنف مَا كَانَ مُقيما كمَا يجب
عَلَى من كَانَ مقيمَا مُنْذُ دخل رَمَضَان كَذَلِكَ يكون
الْقيَاس عَلَى ذَلِكَ أَن يكون كَذَلِكَ من دخل عَلَيْهِ
رَمَضَان وَهُوَ مُقيم، ثُمَّ سَافر، أَن يكون حكمه فِي
المستأنف مَا كَانَ مُسَافِرًا فِي الصَّوْم، حكم الْمُسَافِر
فِي الصَّوْم، لَا حكم الْمُقِيم، وَدلّ مَا ذكرنَا عَلَى أَن
قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} إِنَّمَا هُوَ فليصمه مَا كَانَ مقيمَا ثُمَّ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فكَانَ الْمَرَض
المُرَاد عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ وَالله أعلم هُوَ الْمَرَض
الَّذِي يخَاف من الصَّوْم الزِّيَادَة فِيه، كصاحب الحُمَّى
الَّذِي يخَاف إِن صَامَ تشتد حُمَّاه، أَو كصاحب وجع الْعين
الَّذِي يخَاف إِن صَامَ يشْتَد وجع عينه، أَو كمن سواهمَا من
ذَوي الْأَمْرَاض الَّذين يخَافُونَ إِن صَامُوا أَن تشتد
أمراضهم وتزداد بالصيام، فَلهم أَن يفطروا وكذَلِكَ كَانَ
أَبُو حَنِيفَةَ يَقُوله فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد
بن الْعَبَّاس، عَنْ عَليّ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ يَعْقُوب،
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلم
يحك خلافًا، غير أَنَّهُ لم يذكر فِي رِوَايَته هَذِهِ من
الْأَمْرَاض غير وجع الْعين والحمى، ومَا سواهمَا من
الْأَمْرَاض، ففِي الْقيَاس عِنْدَنَا مثلهَا، وكَانَ السّفر
المُرَاد فِي ذَلِكَ يخْتَلف فِيه عَلَى مَا ذكرنَا من
الِاخْتِلَاف فِي السّفر الَّذِي تقصر فِيه الصَّلَاة فِي كتاب
الصَّلَاة من كتب أَحْكَام الْقُرْآن هَذِهِ، فأغنانا ذَلِكَ
إِعَادَته هَاهُنَا، غير أَنا نأتي بجملة مِنْهُ وَهِيَ أَن
السّفر المُرَاد بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة باتفاقهم، لمَّا
كَانَ سفرا
(1/398)
خَاصّا من الْأَسْفَار، وَلم يدْخل فِيمَا
أَجمعُوا عَلَى أَنه خَاص من الْأَسْفَار، إِلَّا مَا أَجمعُوا
عَلَى أَن الله عَزَّ وَجَلَّ عناه مِنْهَا وقَدْ أَجمعُوا
عَلَى أَن السّفر الَّذِي مِقْدَاره ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها
قَدْ دخل فِيمَا عني من ذَلِكَ وَاخْتلفُوا فِيمَا دونه من
الْأَسْفَار، فكَانَ الأولى بِنَا أَلا يدْخل فِي هَذِهِ
الْآيَة من الْأَسْفَار إِلَّا السّفر الْمُتَّفق عَلَى
دُخُوله فِيهَا، دون مَا سواهُ من الْأَسْفَار، وَهَكَذَا
كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
يَقُولُونَهُ فِي السّفر الَّذِي يحل لصَاحبه فِيه الْإِفْطَار
فِي شهر رَمَضَان ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي المُرَاد بِهَذَا،
فقَالَت طَائِفَة مِنْهُمْ: أَن يصام فِي أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ
كمَا كَانَ يصام فِي عين الشَّهْر مُتَتَابِعًا، وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالك، غير أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
وَإِن صَامَهُ مُتَفَرقًا أَجزَأَهُ عَنهُ، غير أَن المتتابع
فِي ذَلِكَ أحب إِلَيْهِ وقَالَت طَائِفَة مِنْهُمْ: هُوَ أَن
يصام فِي أَيَّام أخر، إِن شَاءَ الَّذِي يصومها تابعها، وَإِن
شَاءَ فرقها، وَلم يفضلوا
فِي ذَلِكَ صَوْمه إِيَّاهَا مُتَتَابِعًا عَلَى صَوْمه
إِيَّاهَا مُتَفَرقًا، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ: أَبُو
حَنِيفَةَ، وَزفر، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَاف، فَروِيَ عَنْ عَليّ،
وَابْن عمر مَا يُوَافق مَا ذكرنَا عَنْ مَالك
829 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ
عَلِيٍّ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا
830 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا
جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " اقْضِ رَمَضَانَ
مُتَتَابِعًا، فَإِنْ فَرَّقْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ "
831 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ، أَنَّهُ سَمِعَ
سَالِمًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي
قَضَاءِ رَمَضَانَ: " لَا تُفَرِّقْهُ "
832 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ " يَأْمُرُ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ
مُتَتَابِعًا "
(1/399)
833- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ،
أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ "
يَكْرَهُ أَنْ يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ، أَوْ يُقَطَّعَ
بَيْنَهُ " فَدلَّ قَول نَافِع أَن مَذْهَب ابْن عمر فِي
التَّتَابُع فِي ذَلِكَ كمذهب عَليّ فِيه، وَأَنه عَلَى
الِاسْتِحْسَان، لَا عَلَى الْإِيجَاب لمَذْهَب مَالك الَّذِي
حكيناه عَنهُ فِي ذَلِكَ وقَدْ رُوِيَ عَنْ آخَرين من أَصْحَاب
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
مَا يُوَافق مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمن
ذَكَرْنَاهُ مَعَه فِي ذَلِكَ
834 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ،
وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ابْنِ وَهْبٍ
وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ
بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ
الْهَوْزي، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، يَقُولُ
إِذَا سُئِلَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ: " أَنَّهُ لَمْ
يُرَخَّصْ لَكُمْ فِي فِطْرِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ
عَلَيْكُمْ فِي قَضَائِهِ أَحْصِ الْعِدَّةَ وَاصْنَعْ كَيْفَ
شِئْتَ "
835 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا
فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ: " أَحْصُوا الْعِدَّةَ
وَاصْنَعُوا كَيْفَ شَئْتُمْ فِي الْقَضَاءِ "
836 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: "
لَا بَأْسَ بِقَضَائِهِ مُتَفَرِّقًا "
837 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَه
ُ838- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ
هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ " لَا يَرَى بَأْسًا بِقَضَاءِ
رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا "
839 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ
(1/400)
عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ جَدَّتِهِ،
قَالَتْ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولُ فِي قَضَاءِ
رَمَضَانَ: " أَحْصِي الْعِدَّةَ وَصُومِي كَيْفَ شِئْتِ "
840 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا يَزِيدَ
الْحَسَّانِيَّ، يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ غَزْوَةَ الطَّرَابُلْسِ، فَجَمَعَنَا الْمَجْلِسُ
يَوْمًا، وَمَعَنَا هُبَيْبُ بْنُ مُغَفَّلٍ صَاحِبُ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا قَضَاءَ
رَمَضَانَ، فَقَالَ هُبَيْبٌ: " لَا يُفَرَّقُ قَضَاءُ
رَمَضَانَ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ "
ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ نَظرنَا فِيمَا اخْتلفُوا فِيه
مِنْهُ، فَوَجَدنَا الَّذِي كَانَ يحْتَج بِهِ متقَدمو
أَصْحَابنَا لقَولهم من إِبَاحَة التَّفْرِيق، وَأَن لَا فضل
للمتتابع فِي ذَلِكَ عَلَى المتفرق مِنْهُ أَنهم وجدوا من أفطر
من شهر رَمَضَان يَوْمًا، وَصَامَ بَقِيَّة الشَّهْر: أَن
عَلَيْهِ قَضَاء يَوْم مكَانَ ذَلِكَ الْيَوْم الَّذِي أفطره،
وَأَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد صَوْم بَقِيَّة الشَّهْر
مَوْصُولا بِالْيَوْمِ الَّذِي يَقْضِيه مِنْهُ، ليَكُون قَدْ
قضى الشَّهْر مُتَتَابِعًا كمَا كَانَ يَصُومهُ فِي عين
الشَّهْر مُتَتَابِعًا، قَالَ: فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ
إنمَا يكون صَوْم رَمَضَان عَلَيْهِ مُتَتَابِعًا لموافقة عين
الشَّهْر، فإِذَا زَالَت عين الشَّهْر وَجب حكم التَّتَابُع،
وَوَجَب الْقَضَاء بقَدْر عدَّة أَيَّامه، قَالُوا: وَلَو
كَانَ وَجب قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا لوَجَبَ عَلَى من أفطر
شَهْرَيْن مُتَتَابعين من كَفَّارَة قتل الْخَطَأ، أَو
كَفَّارَة ظِهَار، أَو من كَفَّارَة إفطار من جمَاع فِي يَوْم
شهر رَمَضَان مُتَعَمدا، إِذَا أفطر مِنْهُ يَوْم أَن
يسْتَأْنف الصَّوْم حَتَّى يَأْتِي بِهِ كُله مُتَتَابِعًا
فكَانَ فِي حجتهم هَذِهِ كِفَايَة عِنْدَنَا عَلَى جَمِيع
المخالفِين لَهُم فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُم، إِذْ لَا نعلم
لَهُم
مُخَالفا فِيمَا ذَكرُوهُ من وجوب قَضَاء يَوْم عَلَى الَّذِي
أفطر يَوْمًا من قَضَاء شهر رَمَضَان، لَا قَضَاء غَيره من
ذَلِكَ الشَّهْر، حَتَّى وجدنَا شَيْئا يرْوى عَنْ سعيد بن
الْمسيب فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَن يزِيد بن سِنَان
841 - حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ،
أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يُفْطِرُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ
مُتَعَمِّدًا قَالَ: " عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ " وَاحْتمل
هَذَا عِنْدَنَا من قَول سعيد أَن يكون أَرَادَ بِهِ صَوْم شهر
مكَانَ شهر رَمَضَان الَّذِي لم يَأْتِ بِهِ مُتَتَابِعًا،
حَتَّى يَكُونَ قَدْ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا، أَو يكون قَدْ
أَرَادَ بِصَوْم شهرا كَفَّارَة
(1/401)
لانتهاك الْحُرْمَة الَّتِي انتهكها،
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدنَا
842 - يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ فِي الَّذِي عَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ:
" يَقْضِيهِ مُتَفَرِّقًا إِنْ شَاءَ " فَدلَّ ذَلِكَ أَن
مُرَاد سعيد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث
الأول أَنَّهُ ليَكُون كَفَّارَة عمَّا انتهك من الْحُرْمَة،
لَا لمَا سوى ذَلِكَ وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمر الْمُفطر فِي شهر
رَمَضَان بالجمَاع نَهَارا: " أَن يقْضِي يومَا لَا غير "
فممَّا رُوِيَ عَنهُ فِي ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا
843 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
عُمَرَ الأَيْلِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟
"، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، " فَأَمَرَهُ
بِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَالَ لَهُ:
أَحْصِ يَوْمًا مَكَانَهُ
844 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَطَاءٌ
الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وقَدْ وكد هَذَا
الحَدِيث الَّذِي روينَا عَنْ سعيد، مَا صرفنَا إِلَيْهِ
مذْهبه فِي أمره المفطرَ فِي يَوْم من شهر رَمَضَان مُتَعَمدا،
بِقَضَاء شهر
845 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ:
" صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ وَاسْتَغْفِرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ
846 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيم ُ
(1/402)
بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْنٍ، أَخْبَرَهُ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ:
" وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي
رَمَضَانَ، " فَأَمَرَهُ بِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ "
847 - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ اللَّيْثِ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ سَوَاءً
وَقَالَ لَهُ: " صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " فَهَذَا رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمر الْمُفطر
يَوْمًا من شهر رَمَضَان بِصَوْم مكَانِ ذَلِكَ الْيَوْم
الَّذِي أفطره مِنْهُ، وَلم يَأْمُرهُ بِقَضَاء الشَّهْر
بكمَاله وقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل هَذَا فِي حَدِيث أم هَانِئ
848 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
حَسَّانٍ، وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ
هَارُونَ بْنِ أُمِّ هَانِئٍ، أَوِ ابْنِ أُمِّ بِنْتِ أُمِّ
هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا صَائِمَةٌ،
فَنَاوَلَنِي فَضْلَ شَرَابِهِ، فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، وَإِنِّي كَرِهْتُ
أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ، فَقَالَ: " إِنْ كَانَ مِنْ قَضَاءِ
يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَصُومِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ
كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِيهِ، وَإِنْ شِئْتِ
فَلا تَقْضِيهِ " فَهَذَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَأْمر أم هَانِئ إِن كَانَ الْيَوْم
الَّذِي أفطرته بشربها سؤره من قَضَاء رَمَضَان، أَن تقضي
مَعَه غَيره، وَلم يسْأَلهَا هَل عَلَيْك صَوْم غَيره من شهر
رَمَضَان، أَو لَيْسَ عَلَيْك صَوْم غَيره فَدلَّ مَا ذكرنَا
عَلَى إِبَاحَته، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
التَّفْرِيق فِي قَضَاء رَمَضَان، وَأَن لَا شَيْء عَلَى
الْمُفطر يَوْمًا من رَمَضَان من الْقيام غير صِيَام ذَلِكَ
الْيَوْم خَاصَّة وقَدْ أجمع أهل الْعلم عَلَى أَن يَوْم
الْفطر وَيَوْم النَّحْر لم يدخلا فِي الْأَيَّام الَّتِي جعل
الله عَزَّ وَجَلَّ لمن أفطر فِي شهر رَمَضَان، أَن يصومها
قَضَاء مِمَّا أفطره مِنْهُ، وَلم يبين الله عَزَّ وَجَلَّ لنا
ذَلِكَ فِي كِتَابه، وَلكنه بَينه لنا عَلَى لِسَان رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
849 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي
(1/403)
عُبَيْدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، قَالَ:
شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَ
فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَخَطَبَ النَّاسَ قَالَ: " إِنَّ
هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا، يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ
صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونُ فِيهِ
مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ "
850 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدٍ، قَالَ: " شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
851 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: " صَلَّيْتُ الْعِيدَ مَعَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
852 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدٍ، مَوْلَى أَزْهَرَ، قَالَ: " شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ
عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، فَكَانَا يُصَلِّيَانِ، ثُمَّ
يَنْصَرِفَانِ يُذَكِّرَانِ النَّاسَ، فَسَمِعْتُهُمَا
يَقُولانِ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، يَوْمِ
النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ "
853 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مَعْبِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ
يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ
نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ
النَّحْرِ "
854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
855 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
حَيَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
(1/404)
856 - حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو
بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ عُبَيْدٍ
الْمَدَنِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ
حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
857 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَزَعةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِثْلَهُ
858 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَثَبت بمَا
ذكرنَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَن يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر لَا يصامَان فِي قَضَاء
رَمَضَان، وأنهمَا لم يدخلا فِي قَول الله عَزَّ وَجَلَّ:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وإِذَا انْتَفَى أَن
يصامَا قَضَاء من رَمَضَان، ثَبت أنهمَا لَا يصامَان عَنْ مَا
سوى ذَلِكَ من الْكَفَّارَات، وَلَا من التَّطَوُّع، وَلَا
عَنِ التَّمَتُّع بِالْحَجِّ إِلَى الْعمرَة
وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد
يَقُولُونَهُ فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ،
عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَهَكَذَا كَانَ مَالك يَقُولُ فِي هَذَا، وَهَكَذَا كَانَ زفر
يَقُولُ فِي هَذَا، حَتَّى كَانَ يَقُولُ: حكمهمَا فِي
انْتِفَاء الصّيام عنهمَا فِي حكم اللَّيْل الَّذِي لَا صِيَام
فِيه، حَدَّثَنَا بِمَعْنى ذَلِكَ من قَوْله مُحَمَّد، عَنْ
يَحْيَى، عَنِ الْحسن، عَنْ زفر، وَهَكَذَا كَانَ الشَّافِعِي
يَقُولُ وَاخْتلفُوا فِي أَيَّام التَّشْرِيق، فقَالَ بَعضهم:
هِيَ غير دَاخِلَة فِي الْأَيَّام الَّتِي جعل الله عَزَّ
وَجَلَّ لمن أفطر فِي شهر رَمَضَان أَن يصومها بَدَلا مَا
أفطره مِنْهُ بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} ، وجعلوها فِي ذَلِكَ: كَيَوْم الْفطر وَيَوْم
النَّحْر، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَزفر، وَمُحَمّد، وَهَذَا قَول مَالك كمَا
859 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ
يَقُولُونَ: " لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ إِذَا
أَفْطَرْتَ الأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ يَوْمُ
الأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَأَيَّامُ مِنَى "، قَالَ مَالِكٌ:
وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ
(1/405)
وحَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ عَليّ، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بمَا حكيناه عَنهُ وَلم
يحك خلافًا وحَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ يَحْيَى، عَنِ الْحسن،
عَنْ زفر بِذَلِكَ وقَالَ بَعضهم: هِيَ دَاخِلَة فِي
الْأَيَّام الَّتِي
أَبَاحَ الله عَزَّ وَجَلَّ لمن أفطر فِي شهر رَمَضَان، أَن
يصومها قَضَاء مِنْهَا، وَلم يبين الله عَزَّ وَجَلَّ لنا فِي
كِتَابه، وَبَينه لنا عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
860 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ،
عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ
الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: "
إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "
861 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ
جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ
سَمَّاهُ نَافِعٌ وَنَسِيتُهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ
يُقَالُ لَهُ: بِشْرُ بْنُ سُحَيْمٍ: " قُمْ فَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ، إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فِي أَيَّامِ
مِنَى "
862 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ بِشْرِ
بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
863 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ،
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ بِشْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
864 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي حُمَيْدٍ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ " أُنَادِيَ فِي النَّاسِ
أَيَّامَ مِنَى: إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَلا
تَصُومُوا فِيهَا "، يَعْنِي: أَيَّامَ التَّشْرِيقِ
865 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْن
ِ
(1/406)
عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ
الْهَادِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عُقَيْلِ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو
عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَذَلِكَ الْغَدَ أَوْ بَعْدَ
الْغَدِ مِنْ أَيَّامِ الأَضْحَى، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ
عَمْرٌو طَعَامًا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنِّي صَائِمٌ،
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَفْطِرْ فَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ
الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا، وَيَنْهَانَا عَنْ
صِيَامِهَا " فَأَفْطَرَ عَبْدُ اللهِ وَأَكَلَ وَأَكَلْنَا "
866 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ جَرِيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
كَثِيرٍ، أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ، "
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍ دَخَلَ عَلَى عَمْرٍو،
فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، ثُمَّ
الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: لَا،
إِلا أَنْ تَكُونَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ
مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي
النَّهْيَ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ "
867 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ: إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "
868 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ
حُذَافَةَ أَنْ يَطُوفَ فِي أَيَّامِ مِنَى: أَلا لَا
تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ
وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
869 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيَّامُ
التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ "
(1/407)
870 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي
الْمَلِيحِ، عَنْ نَبِيشَةَ الْهُذَلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
871 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ،
وَمَرْزُوقٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّامِيُّ، قَالَا:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ
بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ "
872 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبْعِيُّ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
873 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُؤَذِّنُ فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ بِمِنَى: لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "
874 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
أَبِي النَّضْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ،
وَقَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يُحَدِّثَانِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ
امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمِنَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا
يَقُولُ: " إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ طُعْمٍ وَشُرْبٍ
وَذِكْرٍ لِلَّهِ "، قَالَتْ: فَأَرْسَلْتُ رَسُولا مِنَ
الرَّجُلِ أَوْ مِنَ امْرَأَةٍ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ،
فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ حُذَافَةَ،
وَيَقُولُ: أَمَرَنِي بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
875 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بَّن أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ يُنَادِي فِي النَّاسِ:
(1/408)
" لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ،
فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ " 876 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ
الزُّرَقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، قَالَتْ:
لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ عَلَى بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، حَتَّى قَامَ إِلَى شِعْبِ
الأَنْصَارِ وَهُوَ يَقُولُ: " يَا مَعْشَرَ النَّاسِ "،
إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيَّامِ صَوْمٍ، إِنَّهَا أَيَّامُ
أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
877 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَّامٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ
يَزْعُمُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ الْحَكَمَ الزُّرَقِيَّ،
يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنَى، فَسَمِعُوا
رَاكِبًا وَهُوَ يَقُولُ: " لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "
878 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،
أَنَّ مَسْعُودًا حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ نَحْوَهُ
879 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفُهَيْمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ يُوسُفَ بْنَ مَسْعُودٍ الزُّرَقِيَّ،
يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
880 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ
مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ
الْحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ أَنْ
يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ أَيَّامَ
(1/409)
مِنَى، فَيَصِيحَ فِي النَّاسِ: " أَلا لَا
يَصُومَنَّ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ "،
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يُنَادِي بِذَلِكَ
881 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، أَنَّ ابْنَ
وَهْبٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فعقلنا
بِذَلِكَ أَن أَيَّام التَّشْرِيق لم تدخل فِي الْأَيَّام
الَّتِي أَمر الله عَزَّ وَجَلَّ من أفطر فِي شهر رَمَضَان،
أَن يصومها قَضَاء مِمَّا أفطره مِنْهُ ولمَّا ثَبت أَلا تصام
هَذِهِ الْأَيَّام عَنْ قَضَاء رَمَضَان، كَمَا لَا يصام يَوْم
النَّحْر، وَلَا يَوْم الْفطر، ثَبت أَن لَا تصام عَنْ
كَفَّارَة يَمِين، ولاعن كَفَّارَة ظِهَار، ولاعن كَفَّارَة
قتل خطأ، وَلَا عَنْ كَفَّارَة إفطار فِي رَمَضَان، وَلَا
عمَّا سوى ذَلِكَ مِمَّا يجب فِيه الصَّوْم تَطَوّعا وَهَكَذَا
كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك، وَزفر، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ يَقُولُونَ فِي هَذَا غير أَن
مَالكا كَانَ يَقُولُ فِي الْمُتَمَتّع: إِذَا لم يجد
الْهَدْي، وَلم يصم فِي الْعشْر، أَنَّهُ يَصُوم أَيَّام
التَّشْرِيق وقَدْ رُوِيَ هَذَا القَوْل عَنْ عَائِشَة، وَابْن
عمر
882 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كَامِلٍ الْفُضَيْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَحْدَرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عِيسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَعَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: " لَمْ يُرَخَّصْ فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
مِنَ الأَيَّامِ الَّتِي تُصَامُ عَمَّا سِوَى التَّمَتُّعِ،
وَسِوَى الإِحْصَارِ فِي قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ الصَّوْمَ فِي
الإِحْصَارِ " وَفِيه النَّهْي عَنْ صيامهمَا لمَا سوى هذَيْن
الْوَجْهَيْنِ، غير أَنا لم نجد أحدا مِمَّنْ روى هَذَا
الحَدِيث عَنِ الزُّهْرِيّ سَاقه بِهَذَا اللَّفْظ غير عبد
الله بن عيسي، فَأَما من سواهُ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ،
مَالك، وَإِبْرَاهِيم بن سعد فَرَوَوْه بِلَفْظ سوى هَذَا
اللَّفْظ
883 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: "
الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ
لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ
بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَمَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ
أَيَّامَ مِنَى "
884 -
(1/410)
884 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِمِثْلِ ذَلِكَ
885 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا، وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّهُمَا
كَانَا يُرَخِّصَانِ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدْ
هَدْيًا، وَلَمْ يَكُنْ صَامَ قَبْلَ عَرَفَةَ، أَنْ يَصُومَ
أَيَّامَ التَّشْرِيقِ " وأصل الحَدِيث فِي هَذَا كمَا رَوَاهُ
مَالك، وَإِبْرَاهِيم بن سعد، عَنِ ابْنِ شهَاب لَا كمَا
رَوَاهُ عبد الله بن عِيسَى، لِأَن عَائِشَة كَانَت تَصُوم
أَيَّام التَّشْرِيق تَطَوّعا، وكَانَ عُرْوَة يصومها أَيْضا
كَذَلِكَ
886 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: " كَانَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَصُومُ أَيَّامَ مِنَى،
وَكَانَ أَبِي يَصُومُهَا " فاستحال بِذَلِكَ أَن تكون
عَائِشَة قَدْ ثَبت عَنْهَا مَا رَوَاهُ عبد الله بن عِيسَى
فِي حَدِيث أَبِي عوَانَة، الَّذِي ذكرنَا من النَّهْي عَنْ
صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق عَنْ غير التَّمَتُّع، وَعَن غير
الْإِحْصَار، ثُمَّ تصومها هِيَ تَطَوّعا واستحال بِذَلِكَ أَن
يكون عُرْوَة قَدْ سمع ذَلِكَ من عَائِشَة، ثُمَّ يَصُوم هُوَ
أَيَّام التَّشْرِيق تَطَوّعا، وصومها إِيَّاهَا تَطَوّعا
عَلَى مَا فِي حَدِيث هِشَام هَذَا، إنمَا هُوَ عِنْدَنَا
وَالله أعلم، عَلَى أَنَّهُ لم يتَّصل بِهَا نهي النَّبِي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صيامها وفِي صِيَام
أَيَّام التَّشْرِيق عَنِ التَّمَتُّع، وَعَن الْإِحْصَار
كَلَام كثير لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه، وسنأتي بِهِ فِي مَوْضِعه
من كتاب الْمَنَاسِك من كتاب أَحْكَام الْقُرْآن
وَاخْتلفُوا فِيمن أفطر فِي رمَضَانَ أيامَا، فَوَجَبَ
عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، فَلم يقضها حَتَّى دخل عَلَيْهِ
رَمَضَانٌ آخَرُ مِنْ قَابِلٍ وقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ
الشَّهْرَيْنِ يُمكنهُ قَضَاء مَا عَلَيْهِ من الصَّوْم
الَّذِي كَانَ أفطره فِي الشَّهْر الأول منهمَا وكَانَ بَعضهم
يَقُولُ: يَصُوم هَذَا الشَّهْر الَّذِي قَدْ دخل عَلَيْهِ،
ثُمَّ يقْضِي مَا عَلَيْهِ من الشَّهْر الآخر بعد خُرُوج يَوْم
الْفطر عَنهُ، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير ذَلِكَ، وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد،
فِيمَا حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ أَبِي
(1/411)
يُوسُفَ، وَعَن أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد
بِذَلِكَ وكَانَ بَعضهم يَقُولُ: يَصُوم هَذَا الشَّهْر
الَّذِي دخل عَلَيْهِ، ثُمَّ يقْضِي مَا كَانَ أفطره من
الشَّهْر الأول بعد ذَلِك، وَبعد خُرُوج يَوْم الْفطر عَنهُ،
وَيطْعم عَنْ كل يَوْم يَقْضِيه مِسْكينا، وَمِمَّنْ قَالَ
ذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وقَدْ رُوِيَ هَذَا
القَوْل عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وأَبِي هُرَيْرَة
887 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
فَقَالَ: مَرِضْتُ رَمَضَانَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
اسْتَمَرَّ مَرَضُكَ أَمْ صَحَحْتَ فِيمَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ:
بَلْ صَحَحْتُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، قَالَ: أَكَانَ هَذَا؟
قَالَ: لَا، قَالَ: فَدَعْهُ حَتَّى يَكُونَ، فَقَامَ إِلَى
أَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: ارْجِعْ
فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ، فَإِمَّا رَجَعَ هُوَ
وَإِمَّا رَجَعَ غَيْرُهُ، فَقَالَ: إِنِّي مَرِضْتُ
رَمَضَانَيْنِ لَمْ أَصُمْهُمَا، قَالَ: اسْتَمَرَّ بِكَ
مَرَضُكَ أَمْ صَحَحْتَ فِيمَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: بَلْ
صَحَحْتُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، قَالَ: أكَانَ هَذَا؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: صُمْ رَمَضَانَيْنِ وَأَطْعِمْ سِتِّينَ
مِسْكِينًا "
888 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ
رَمَضَانٌ آخَرُ، قَالَ: " يَصُومُ هَذَا، وَيُطْعِمُ عَنْ
ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَيَقْضِيهِ "
889 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ
أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ
صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانٍ
آخَرَ: " لِيَصُمِ الَّذِي حَضَرَ، ثُمَّ لْيَقْضِ الأَوَّلَ
وَيُطْعِمْ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "
890 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ رُقَيَّةَ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ، يَقُولُ فِي الَّذِي يَمْرَضُ فَلا يَصُومُ
رَمَضَانَ، ثُمَّ يَبْرَأُ فَلا يَصُومُ، حَتَّى يُدْرِكَهُ
رَمَضَانٌ آخَرُ، قَالَ: " يَصُومُ الَّذِي حَضَرَ، وَيَصُومُ
الآخَرَ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِسْكِينًا "
891 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: " يَصُومُ الآخَرَ، ثُمَّ يَصُومُ الأَوَّلَ وَيُطْعِمُ
عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "
892 -
(1/412)
892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي
الْخَلِيلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ
893 - كَتَبَ إِلَيَّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الأَعَلَى
يُحَدِّثُنِي، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ
يَقْضِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانٌ آخَرُ، قَالَ: " يَصُومُ
الأَوَّلَ وَيُطْعِمُ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ
" فَهَذَا الحَدِيث قَدْ زَاد عَلَى غَيره مِمَّا روينَاهُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي مِقْدَار مَا يطعم كل مِسْكين وكَانَ
بَعضهم يَقُولُ: يَصُوم هَذَا الآخر، وَيطْعم عَنِ الأول وَلَا
يَقْضِيه، وقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عمر
894 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رَجُلٍ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ
حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانٌ آخَرُ، قَالَ: " يَصُومُ الَّذِي
أَدْرَكَهُ، وَيُطْعِمُ عَنِ الأَوَّلِ كُلَّ يَوْمٍ مُدًّا
مِنْ بُرٍّ، وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ "
895 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ
حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ رَمَضَانٌ، ثُمَّ
يُدْرِكُهُ رَمَضَانٌ آخَرُ، قَالَ: " يَصُومُ هَذَا
وَيُطْعِمُ عَنْ هَذَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " وكَانَ
بَعضهم يَقُولُ: يَصُوم الثَّانِي، وَيكون عَلَيْهِ مكَانَ
الأول بَدَنَة مقلدة، وقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عمر من
وَجه مُنْقَطع
896 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ
الْمَدَنِيِّ، أَنَّ رَجُلا احْتُضِرَ، فَقَالَ لأَخِيهِ:
إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ دَيْنًا، وَلِلنَّاسِ
عَلَيَّ دَيْنًا، فَأَبْدَأُ بِدَيْنِ اللهِ فَأَقْضِيهِ،
ثُمَّ أَقْضِي دَيْنَ النَّاسِ، إِنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَيْنِ
لَمْ أَصُمْهُمَا، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: "
بَدَنَتَانِ مُقَلَّدَتَانِ "، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
" يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا شَأْنُ
الْبُدْنِ وَشَأْنُ الصَّوْمِ، أَطْعِمْ عَنْ أَخِيكَ سِتِّينَ
مِسْكِينًا "،
(1/413)
قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانُوا يَرَوْنَ
أَنَّهُ كَأَنَّهُ قَدْ صَحَّ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا اخْتلفُوا
فِي ذَلِكَ نَظرنَا فِيه
، فأمَّا قَول من قَالَ: يجب عَلَيْهِ مكَانَ الصَّوْم بَدَنَة
مقلدة، فَلَا معنى لِذَلِكَ عِنْدَنَا من قَوْله، ولَيْسَ مَا
قَالَه من ذَلِكَ، وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عمر بِثَابِت عَنهُ،
لِأَن أَبَا يزِيد الْمدنِي لم يسمع من ابْن عمر، وقَدْ روى
عَنِ ابْنِ عمر خِلَافه من هُوَ أثبت مِنْهُ، وَهُوَ نَافِع
فِي حَدِيث عُبَيْدَة، عَنْ عبيد الله، عَنْ نَافِع الَّذِي
روينَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، وقَدْ روى أَيُّوب من هَذَا، عَنْ
نَافِع شَيْئا
897 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ "
مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى أَدْرَكَهُ
رَمَضَانُ، فَصَامَ الآخَرَ وَأَطْعَمَ عَنِ الأَوَّلِ "
وَالْقُرْآن يدل عَلَى غير مَا رَوَاهُ أَبُو يزِيد فِي
حَدِيثه الَّذِي ذكره عَنِ ابْنِ عمر، لِأَن الله عَزَّ
وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
وَلم يخص بِتِلْكَ الْأَيَّام الْأُخَر مَا قبل شهر رَمَضَان
الجائي أفنجعله بِخِلَاف مَا بعد شهر رَمَضَان الجائي، وَسنة
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدل عَلَى
خلاف ذَلِكَ؟ لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ أَمر الَّذِي أفطر يَوْمًا من رَمَضَان فِيمَا
روينَا عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب، أَن يقْضِي يَوْمًا مكَانَه،
وَلم يقل لَهُ فِي شهر رَمَضَان الَّذِي بعده، فَدلَّ ذَلِكَ
عَلَى أَنَّهُ قَدْ أطلق لَهُ الْقَضَاء فِي كل الدَّهْر، لَا
فِيمَا نهى عَنْ صَوْمه من الْأَيَّام الَّتِي نهى عَنْ
صَومهَا، وَلم يَجْعَل حكم الصّيام الْمقْضِي كَحكم
الصَّلَوَات
المقضيات الفائتات، لِأَن من فَاتَتْهُ صَلَاة فوقتها الَّذِي
يُصليهَا فِيه إِذَا ذكرهَا، لَيْسَ لَهُ أَن يؤخرها عَنْ
ذَلِكَ إِلَى وَقت آخر، لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ
نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا "، وَلِأَن من
فَاتَهُ صِيَام رَمَضَان فِي عينه، فَوَجَبَ عَلَيْهِ
قَضَاؤُهُ، كَانَ فِي سَعَة من تَأْخِير قَضَائِهِ إِلَى مَا
قبل رَمَضَان الَّذِي يطْرَأ عَلَيْهِ
898 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ
عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، تَقُولُ: " إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ
الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ
حَتَّى يَدْخُلَ شَعْبَانُ " وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إنمَا
كَانَ تَأْخِيرهَا قَضَاء رَمَضَان إِلَى شعْبَان لتشاغل
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فِي
شعْبَان بالصيام، لِأَنَّهُ كَانَ يَصُومهُ كُله كمَا
899 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ،
عَنْ
(1/414)
يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ " لَا يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ
صِيَامِهِ فِي شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ "
900 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرَ
مِثْلَهُ
901 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: " مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ
"
902 - وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقْرِنُ
شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ "، قَالَ: وكَانَت عَائِشَة تُؤخر
قَضَاء رَمَضَان إِلَى شعْبَان، حَتَّى تقضيه فِيه لاشتغال
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا بصومه
إِيَّاه، ولعلها كَانَت تذْهب إِلَى التَّتَابُع فِي قَضَاء
رَمَضَان كمذهب عَليّ وَابْن عمر الَّذِي روينَاهُ عنهمَا
فلمَّا كَانَتِ الصَّلَوَات لَا يسْقط فَرضهَا بترك قَضَائهَا
فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي قَضَاؤُهَا
فِيه، كَانَ كَذَلِكَ الصّيام الْفَائِت لَا يسْقط فَرْضه
بذهاب الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي قَضَاؤُهُ فِيه فَهَذِهِ
حجَّة من ذَهَبَ إِلَى أَن دُخُول رَمَضَان من السّنة
الثَّانِيَة لَا يسْقط بِهِ وجوب الْقَضَاء عَنِ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ قَضَاء أَيَّام من الشَّهْر المَاضي وأمَّا الْحجَّة
عَلَى من أوجب مَعَ الْقَضَاء الْإِطْعَام، فَإِنَّهُ لما
كَانَ قَضَاء الصَّلَاة بعد التَّفْرِيط فِيهَا، لَا يجب مَعَه
غَيره، كَانَ الصّيام الَّذِي ذكرنَا كَذَلِكَ لَا يجب
عَلَيْهِ مَعَ قَضَائِهِ غَيره، لِأَن أَمر الصَّلَاة فِيمَا
ذكرنَا أوكد من أَمر الصّيام، فإِذَا سقط عَنْ قَاضِي
الصَّلَاة وجوب غَيرهَا عَلَيْهِ مَعَ قَضَائهَا، كَانَ ذَلِكَ
عَنْ قَاضِي الصّيام أسقط ولمَّا كَانَ الصّيام نَائِبا فِي
قَول هَؤُلَاءِ بعد مُضِيّ رَمَضَان الثَّانِي من الْأَيَّام
الَّتِي كَانَت بعده، كَانَت تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي هِيَ
من الْأَيَّام الَّتِي كَانَت
(1/415)
بعده من الْأَيَّام الَّتِي قَالَ الله
عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وَلم يذكر
عَزَّ وَجَلَّ مَعَ ذَلِكَ طَعَاما فَهَذِهِ حجَّة توجب مَا
ذكرنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمّد، فِي
سُقُوط الْإِطْعَام، عَنْ من عَلَيْهِ قَضَاء شهر رَمَضَان
الثَّانِي الَّذِي قَدْ دخل عَلَيْهِ، وَبعد أَن كَانَ أمكنه
الْقَضَاء فِيمَا بينهمَا فَإِن قَالَ قَائِل: إِن الصّيام فِي
هَذِهِ الْآيَة الصَّلَاة، لِأَن الصّيام قَدْ يصلح
بِالْإِطْعَامِ، وَالصَّلَاة لَا تصلح بغَيْرهَا قيل ومَا
دليلك عَلَى أَن الصّيام يصلح بِغَيْرِهِ من الْإِطْعَام؟
فَإِن ذكر الْكَفَّارَات الَّتِي تَجِبُ عَلَى
الْمُجَامِعَيْنِ فِي شهر رَمَضَان نَهَارا متعمدين لِذَلِكَ،
قيل: وَهل يشبه هَذَا مَا كُنَّا فِيه؟ إِذْ كَانَتِ
الْكَفَّارَة الَّتِي هِيَ إطْعَام
سِتِّينَ مِسْكينا يجب لمكَانِ الْإِفْطَار عَنِ الصّيام فِي
الْيَوْم الَّذِي كَانَ فِيه الجمَاع من شهر رَمَضَان،
وَالَّذِي يجب عنْدك عَلَى المفرط فِي قَضَاء رَمَضَان إِلَى
دُخُول رَمَضَان آخر عَلَيْهِ، إنمَا يجب عَلَيْهِ لمكَانِ كل
يَوْم إطْعَام مِسْكين وَاحِد لَا غير، وَإِن ذكر أَنَّهُ يجب
عَلَى الشَّيْخ الَّذِي لَا يُطيق الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان
إطْعَام مِسْكين عَنْ كل يَوْم مِنْهُ قيل لَهُ: هَذَا كمَا
ذكرت، وقَدْ جعل هَذَا الطَّعَام الَّذِي ذكرت بَدَلا من
الصّيام، لَا إصْلَاح الصّيام، فَلم نجد فِي الْأَشْيَاء
الْمُتَّفق عَلَيْهَا شَيْئا يصلح بِهِ الصّيام كمَا ذكرت،
فَيُعْطَفَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَوْضُوع الْمُخْتَلف فِيه، غير
أَنا نَظرنَا إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وأَبِي
هُرَيْرَة فِي إيجابهمَا الْإِطْعَام عَلَى من وَجب عَلَيْهِ
قَضَاء رَمَضَان، فَلم يقضه حَتَّى دخل عَلَيْهِ رَمَضَان آخر،
وقَدْ أمكنه صَوْمه مَعَ الْقَضَاء الَّذِي أوجبناه عَلَيْهِ
فِي ذَلِكَ، فَلم نره مَنْصُوصا فِي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ،
وَلَا فِي سنة رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَا وَجَدْنَاهُ يثبت بِالْقِيَاسِ، فعقلنا
بِذَلِكَ أنهمَا لم يقولاه رَأيا وَلَا استنباطا، وإنمَا
قَالَاه توقيفا فكَانَ القَوْل بِهِ حسنا عِنْدَنَا، وَلم نجد
عَنْ أحد من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سواهمَا إِسْقَاط الْإِطْعَام فِي هَذَا، فَقُلْنَا
بِهِ، وَخَالَفنَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبا يُوسُف، ومحمدا،
فِي نفيهم وجوب الْإِطْعَام فِي ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف الَّذِي وَصفنَا، فَهُوَ فِيمن
ترك قَضَاء رَمَضَان، وقَدْ أمكنه قَضَاؤُهُ حَتَّى يدْخل
عَلَيْهِ رَمَضَان آخر، فأمَّا من ترك قَضَاءَهُ لعِلَّة تبيح
لَهُ ترك الْقَضَاء، فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ مَعَ
الْقَضَاء فِي ذَلِكَ إطْعَام، وإنمَا عَلَيْهِ الْقَضَاء
خَاصَّة عَلَى مَذْهَب ابْن عَبَّاس، وأَبِي هُرَيْرَة،
الَّذِي روينَاهُ عنهمَا، وَالله الْمُوفق
(1/416)
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وكَانَ هَذَا من الْمُتَشَابه
الْمُخْتَلف فِي المُرَاد بِهِ، وفِي ثُبُوت حكمه وفِي نسخه
فقَالَ بَعضهم: هِيَ مَنْسُوخَة بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَرووا ذَلِكَ عَنْ
أَبِي سَلمَة بن الْأَكْوَع صَاحب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
903 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ
الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ
وَيَفْتَدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا
فَنَسَخَتْهَا وقَدْ رُوِيَ هَذَا القَوْل، عَنْ عَامر
الشّعبِيّ
904 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
شِبْرِمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ} فَكَانَ الأَغْنِيَاءُ يُفْطِرُونَ وَيَفْتَدُونَ
وَلا يَصُومُونَ، وَصَارَ الصَّوْمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ
فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الآيَةُ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} ، فَوَجَبَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ وقَالَ
بَعضهم: لم يرد بِهَذِهِ الْآيَة إِلَّا الشَّيْخ الْكَبِير،
906 - والعجوز الْكَبِير المطيقان للصَّوْم، فَرخص لهمَا فِي
الْإِفْطَار تخفِيفا عنهمَا، وَجعل عَلَيْهِمَا أَن يطعمَا
مكَانَ ذَلِكَ الصَّوْم، الَّذِي يفطرانه، وَأَن يُجْعلا فِي
ذَلِكَ كمن سواهمَا من الشَّبَاب والأصحاء، وَرووا ذَلِكَ عَنِ
ابْن ِ عَبَّاس:
(1/417)
905 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رُخِّصَ
لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرِ فِي ذَلِكَ
وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ، أَنْ يُفْطِرَا إِنْ شَاءَا،
وَأَنْ يُطْعِمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلا قَضَاءَ
عَلَيْهِمَا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ: {فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} " فَثَبَتَ
لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ
وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا أَفْطَرَتَا، وَأَطْعَمَتَا عَنْ
كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا
906 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، وَزَادَ: " وَلا قَضَاءَ
عَلَيْهِمَا وَكَانَ بَعضهم يقْرؤهَا: وَعَلَى الَّذِينَ
يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ عَلَى مَعْنَى:
يُطَوَّقُونَهُ وَلا يُطِيقُونَهُ
907 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو،
مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،
كَانَتْ تَقْرَأُ: يُطَوَّقُونَهُ
908 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: وَعَلَى الَّذِينَ
يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: " لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ
الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ
أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا
"
909 - حَدَّثَنَا أَبُو شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: وَعَلَى
الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ، قَالَ: " هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ
يُطْعِمُ عِنْهُ نِصْفَ صَاعٍ لِكُلِّ يَوْمٍ " فكَانَ معنى
يُطَوَّقُونَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الَّذين قرأوا هَذِهِ الْآيَة
كَذَلِكَ يؤخذون بِهِ، كمَا
910 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ
بْنُ
(1/418)
حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ الَّذِينَ يُؤْخَذُونَ بِهِ،
وَالَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يَصُومُونَهُ " وقَدْ رُوِيَتْ
هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنِ ابْنِ عَبَّاس كمَا ذكرنَا، وَرُوِيَ
عَنهُ فِي المُرَاد بِهَا مَا وَصفنَا، وقَدْ رُوِيَ عَنهُ
أَيْضا خلاف هَذِهِ الْقِرَاءَة
911 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِحْوَلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ،
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}
قَالَ: " الَّذِينَ يُجَشَّمُونَهُ وَلا يُطِيقُونَهُ
لِلْحُبْلَى وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ وَصَاحِبِ الْعُطَاسِ "
وكَانَ المُرَاد بالطاقة فِي هَذَا عِنْد ابْن عَبَّاس هُوَ
الطَّاقَة الَّتِي مَعهَا الْمَشَقَّة عَلَى مَا فِي حَدِيث
عزْرَة، عَنْ سعيد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، الَّذِي روينَاهُ،
ولَيْسَ عَلَى الطَّاقَة الَّتِي لَا مشقة لَهَا
912 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عُزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُرْضِعُ فَجَهِدَتْ،
فَقَالَ لَهَا: " أَفْطِرِي، فَإِنَّكِ بِمَنْزِلَةِ
{الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} " ففِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل عَلَى
أَنَّهَا قَدْ كَانَت تطِيق الصَّوْم بِمَشَقَّة عَلَيْهَا
وَجهد لَهَا، فَدلَّ ذَلِكَ من قِرَاءَة ابْن عَبَّاس عَلَى
أَنَّهَا عَلَى إِثْبَات الطَّاقَة، لَا عَلَى نفِيها، وعَلَى
أَن الطَّاقَة المرادة فِي ذَلِكَ هِيَ الطَّاقَة الَّتِي
مَعهَا الْمَشَقَّة والجهد، لَا مَا سواهَا من الطاقات
اللَّاتِي لَا جهد مَعهَا وَلَا مشقة وقَدْ ثَبت بِهَذِهِ
التأويلات اللَّاتِي ذكرنَا إِيجَاب صَوْم شهر رَمَضَان فِي
عين الشَّهْر عَلَى الْحَاضِرين، الْبَالِغين، المكلفِين،
المطيقين لصومه، وانتفى أَن يكون لَهُم الرُّخْصَة فِي ترك
صَوْمه لفدية يفتدونها مِنْهُ، لِأَن الَّذين ذَهَبُوا إِلَى
أَن الْآيَة الَّتِي تلونا مَنْسُوخَة كمَا قَالَ سَلمَة بن
الْأَكْوَع فِيمَا روينَا عَنهُ من ذَلِكَ فِي
هَذَا الْكتاب، ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ للنَّاس
جَمِيعًا الْفِدْيَة من الصَّوْم بِالْإِطْعَامِ، حَتَّى نسخ
الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بمَا نسخه بِهِ مِمَّا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، وَلِأَن الَّذين ذَهَبُوا
إِلَى أَن الْآيَة غير مَنْسُوخَة قرأوها عَلَى التطويق، لَا
عَلَى الطَّاقَة جعلُوا الطَّعَام الْمَذْكُور فِيهَا عَلَى
المطوقين غير المطيقين كمَا روينَا عَنْ عَائِشَة فِي هَذِهِ
الْقِرَاءَة عَنِ ابْنِ عَبَّاس فِي الْمُوَافقَة لَهَا عَلَى
ذَلِكَ، وفِي تَأْوِيله ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَه عَلَيْهِ،
وَلِأَن الَّذين ذَهَبُوا إِلَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى
الَّتِي رويناها، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وقرأوها عَلَى إِثْبَات
الطَّاقَة، جعلُوا الطَّعَام الْمَذْكُور فِيهَا بَدَلا من
الصّيام عَلَى المطيقين لَهُ بالمشقة والجهد، لَا بمَا
(1/419)
سواهمَا، وَجعلُوا من لَا مشقة عَلَيْهِ
فِي الصَّوْم، وَلَا جهد عَلَيْهِ فِيه من الداخلين فِي
قَوْله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
فقَدْ عَاد صَوْم شهر رَمَضَان فِي عين الشَّهْر فرضا عَلَى
المطيقين للصَّوْم بِلَا مشقة، وَلَا اجْتِهَاد من الْحَاضِرين
المطيقين وفِي الْآيَة مَا دلّ عَلَى أَنَّهَا لست بمنسوخة،
وَهُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ} ، فَأخْبر عز وَجل أَن الصّيام مَكْتُوب علينا
كمَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى من كَانَ قبلنَا مِمَّنْ كَانَ
يُكْتَبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَام عَنِ الصّيام، وَهُوَ يَقْدِر
عَلَى الصّيام وقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا
913 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَن، عَنْ دَغْفَلِ
بْنِ حَنْظَلَةَ، أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْرُ
رَمَضَانَ فِي الإِنْجِيلِ، فَكَانُوا يَصُومُونَ شَهْرًا،
ثُمَّ مَرِضَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ،
إِنْ هُوَ بَرَأَ، أَنْ يَزِيدَ فِيهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ،
فَبَرَأَ، فَزَادَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَكَانُوا يَصُومُونَ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَجَاءَ مَلِكٌ
آخَرُ، فَاشْتَكَى فَاهُ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ، إِنْ هُوَ بَرَأَ
أَنْ يَزِيدَ فِيهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَبَرَأَ فَزَادَ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَلِكَ هَلَكَ
وَجَاءَ مَلِكٌ آخَرُ، فَقَالَ: مَا يُنْصِفُونَ هَذِهِ
الأَيَّامَ، كَمِّلُوهَا خَمْسِينَ، وَاجْعَلُوهَا فِي حِينٍ
لَا حَرٍّ وَلا قُرٍّ قَالَ أَحْمد: أَفلا ترَوْنَ أَن
الصَّوْم الَّذِي كَانَ كتب عَلَيْهِم لم يكن لَهُم أَن يبدلوه
بِطَعَام، وَلَا بمَا سواهُ، فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن الَّذِي
كتب علينا من ذَلِكَ عَلَى مثل الَّذِي كَانَ كتب عَلَيْهِم
مِنْهُ فَإِن أفطرت حُبْلَى، أَو مرضع فِي مَوضِع الرُّخْصَة
لهمَا فِي الْإِفْطَار، ثُمَّ أطاقتا الصَّوْم بعد ذَلِكَ،
فَإِن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ، فقَالَت طَائِفَة
مِنْهُمْ: عَلَيْهِمَا الْإِطْعَام الْمَذْكُور فِي الْآيَة
وَلَا قَضَاء عَلَيْهِمَا فِيمَا أفطرتاه، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَابْن عمر
914 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ لأُمِّ وَلَدٍ
لَهُ حَامِلٍ أَوْ مُرْضِعٍ: " أَنْتِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ
لَا يُطِيقُونَهُ، عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِي مَكَانَ كُلِّ
يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلا قَضَاءَ عَلَيْكِ "
915 -
(1/420)
915 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
هَذَا فَهَكَذَا هَذَانِ الحديثان من حَدِيث ابْن أَبِي
عرُوبَة فِيمَا تقَدم من هَذَا الْبَاب حَدِيث يزِيد بن
سِنَان، عَنْ معَاذ بن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَة،
عَنْ عزْرَة، عَنْ سعيد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، أَنَّهُ كَانَ
لَهُ جَارِيَة ترْضع فجهدت، فقَالَ لَهَا: " أفطري، فَإنَّك
بِمَنْزِلَة {الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} عَلَى إِثْبَات
الطَّاقَة فَهَذَا خلاف مَا روى سعيد، عَنْ قَتَادَة، عَنْ
عزْرَة، لِأَن سعيدا رَوَاهُ عَلَى نفِي الطَّاقَة وَرَوَاهُ
هِشَام عَلَى إِثْبَاتهَا، وكلاهمَا فَجَائِز فِي الْمَعْنى،
فأمَّا من رَوَاهُ كمَا ذكرنَا عَنْ سعيد، فعَلَى قِرَاءَة من
قَرَأَ: وعَلَى الَّذين يُطَوَّقُونَهُ أَي: يطوقونه وَلَا
يطيقُونَهُ، وأمَا من رَوَاهُ كمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ هِشَام
فعَلَى قِرَاءَة من قَرَأَ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}
أَي: يطيقُونَهُ بِمَشَقَّة وَجهد والقراءتان جَمِيعًا قَدْ
رويناهمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَالله أعلم بِالصَّحِيحِ
فِيمَا اخْتلف فِيه سعيد، وَهِشَام مِمَّا روينَاهُ
عنهمَا، وَالْأَشْبَه بِمذهب ابْن عَبَّاس فِي هَذَا هُوَ مَا
رَوَاهُ سعيد، لِأَن
916 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ
أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ " {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ} وَاحِدٍ، {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} فَزَادَ
مِسْكِينًا آخَرَ {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ} ، لَا يُرَخِّصُ إِلا لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيقُ
الصَّوْمَ، أَوْ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا
يُشْفَى " أَفلا ترى أَن ابْن عَبَّاس قَدْ أخبر فِي هَذَا
الحَدِيث أَن المرخص لَهُ فِي الْإِطْعَام، وَترك الصّيام هُوَ
الَّذِي لَا ترجى لَهُ الْقُوَّة عَلَى الصّيام فِي المستأنف
فأمَّا من كَانَ ترجى لَهُ الْقُوَّة عَلَى الصّيام فِي
المستأنف، فَإِنَّهُ لم يكن عِنْده كَذَلِكَ، وَالْمَرْأَة
الْحَامِل أَو الْمُرْضع، إِذَا أفطرت فَهِيَ مِمَّنْ لم تؤنس
لَهَا من القُدرة عَلَى الْقَضَاء فِي المستأنف، فَهِيَ
مِمَّنْ لَا تُؤمر بِالْإِطْعَامِ الَّذين يكون بَدَلا من
الصّيام حَتَّى يسْقط عَنْهَا فرض الصّيام وممَّا يدل عَلَى
صِحَّته مِمَّا ذكرنَا، عَنْ سعيد مِمَّا خَالفه فِيه هِشَام
أَن أَحْمد بن الْحسن
(1/421)
917 - قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الهرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، قَالَ: " هُوَ الشَّيْخُ
الْكَبِيرُ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ، يَتَصَدَّقُ كُلَّ
يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ " فَهَذَا سعيد إنمَّا قصد بالطاقة فِي
ذَلِكَ
الطَّاقَة الَّتِي مَعهَا الْمَشَقَّة والجهد، اللَّذَان يجب
لمن بِهِ، لِأَنَّهُ حكم الْعَجز، وَذكر ذَلِكَ فِي الشَّيْخ
الْكَبِير الَّذِي لَا ترجى لَهُ طَاقَة فِي المستأنف عَلَى
الصّيام، فَدلَّ ذَلِكَ أَن مَا رَوَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس
كَذَلِك أَيْضا وقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس من طَرِيق
ابْن جُبَير مَا يدل عَلَى مَا رَوَاهُ سعيد بن أَبِي عرُوبَة
918 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ بَكْرِ بْنِ رَمَضَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ
الأَشَجِّ، أَنَّ كُرَيْبًا حَدَّثَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ،
قَالَ: " يَفْتَدِي الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُطِيقُ
الصِّيَامَ بِذَلِكَ " كَذَلِكَ أَن الْكَبِير الَّذِي لَا
يُطيق الصّيام قَدْ دخل عِنْد ابْن عَبَّاس فِي المَأمورين
بِالْإِطْعَامِ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا يُثبتهُ المقتدين
لمَذْهَب ابْن عَبَّاس فِيمَا اخْتلف فِيه سعيد، وَهِشَام،
عَنْ قَتَادَة مَا رَوَاهُ سعيد عَنهُ، لَا مَا رَوَاهُ
هِشَام، وقَدْ رُوِيَ عَنْ أنس، وَقيس بن السَّائِب صَاحِبي
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهمَا افتديا
بِالْإِطْعَامِ من الصَّوْم لمَّا ضعفا عَنهُ كمَا
919 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّهُ ضَعُفَ عَنِ الصَّوْمِ
سَنَةً قَبْلَ مَوْتِهِ فَأَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ
يَوْمٍ مِسْكِينًا "
920 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ السَّبِيعِيُّ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ
أَنَسًا كَانَ يُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا حِينَ ضَعُفَ
عَنِ الصَّوْمِ "
921 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ،
قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِي شَرِيكًا، فَخَيْرُ شَرِيكٍ لَا يُمَارِي
يَنْظُرُ وَلا يُدَارِي، وَكَانَ قَيْسٌ قَدْ كَبِرَ، فَكَانَ
يُطْعِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدَّيْنِ، فَأَطْعِمُوا عَنِّي
صَاعًا "
(1/422)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله: يُدَارِي
يَعْنِي الْكَلَام المذموم، يُقَالُ: أيُدَاري عَلَيَّ إِذَا
أغْلظ لَهُ، وَقيس مولى مُجَاهِد فَدلَّ مَا ذكرنَا فِيمَا
تقَدم أَن الْإِطْعَام الْمَذْكُور فِي الْآيَة الَّتِي تلونا
ثَابت حكمه غير مَنْسُوخ، وَأَنه أُرِيد بِهِ العاجزون عَنِ
الصَّوْم الَّذين لَا يُرْجَى لَهُم عَلَيْهِ طَاقَة فِي
المستأنف كمَا ذكرنَا فَإِن قَالَ قَائِل: وَكَيف يجوز أَن
يَجْعَل تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة عَلَى مَا ذكرْتُمْ، وَيجْعَل
فرض الصّيام قَدْ لحق من لَا يُطيق الصّيام، وقَدْ روينَا
فِيمن عجز عَنِ الصَّلَاة، وَلم يطقها عَلَى حَال، حَتَّى مَات
أَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ زَالَ فَرضهَا عَنهُ؟ قيل لَهُ:
الصَّلَاة فِي هَذَا لَا تشبه الصّيام، لِأَن الصَّلَاة لم
يَجْعَل لَهَا بدل سواهَا فَيرجع من عجز عَنْهَا إِلَى ذَلِكَ
الْبَدَل عَنْهَا، وَالصَّوْم فقَدْ جعل لَهُ بدل وَهُوَ
الْإِطْعَام، فكَانَ من عجز عَن الصَّوْم، فَلم يقدر عَلَيْهِ
رَجَعَ إِلَى بدله الَّذِي يقدر عَلَيْهِ وَهُوَ
الْإِطْعَام، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمّد رَحِمهم الله يَقُولُونَ فِي الشَّيْخ
الْكَبِير الْعَاجِز عَنِ الصَّوْم، لَا يُرْجَى لَهُ عَلَيْهِ
قُوَّة فِي المستأنف: أَنَّهُ يطعم عَنْ كل يَوْم مِسْكينا نصف
صَاع من بر أَو سويق، أَو دَقِيق، أَو صَاعا من تمر، أَو شعير
فِيمَا حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ، وَعَن مُحَمَّد من رَأْيه
مِمَّا ذكرنَا عَنْهُم، وقَدْ خالفهم فِي ذَلِكَ مخالفون،
مِنْهُمْ مَالك رَحمَه الله كمَا
922 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسًا
كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ، وَكَانَ
يَفْتَدِي قَالَ مَالِكٌ: وَلا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى
النَّاسِ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ مَنْ قَوِيَ
عَلَيْهِ، فَمَنِ افْتَدَى، فَإِنَّمَا يُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ
مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأمَا الثَّوْريّ، وَالشَّافِعِيّ، فكَانَ قولهمَا فِي ذَلِكَ
كَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ
923 - كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ،
عَنِ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ سُفْيَانُ: " الشَّيْخُ الْكَبِيرُ
إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ أَطْعَمَ عَنْ نَفْسِهِ " وكمَا
حكى لنا الْمُزنِيّ، عَنِ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره قَوْله
قَالَ: وَالشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم،
وَيقدر عَلَى الْكَفَّارَة يتَصَدَّق عَنْ كل يَوْم بِمد من
حِنْطَة
(1/423)
وَهُوَ القَوْل الَّذِي حكيناه عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَالثَّوْري، وَمن ذَكَرْنَاهُ معهمَا، فَأحب
الْقَوْلَيْنِ اللَّذين ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنى
إِلَيْنَا إِذَا كَانُوا جَمِيعًا قَدْ أمروا بِالْإِطْعَامِ
فِي ذَلِكَ إِمَّا إِيجَابا، وإمَّا اسْتِحْبَابا،
وَلم يجْعَلُوا ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ الَّتِي يلْحق الْعَجز
عَنْهَا، فَلم يأمروا مكَانَها بِبَدَل سواهَا إِيجَابا، وَلَا
اسْتِحْبَابا، وَعَاد بمَا ذكرنَا حكم الصّيام المعجوز عَنهُ
الَّذِي يقدر الْعَاجِز عَنهُ إِلَى مَا يحجّ بِهِ غَيره عَنهُ
وقَدْ سَأَلت امْرَأَة من خثعم رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَت: إِن أَبِي شيخ كَبِير وقَدْ
أدْركْت فَرِيضَة الله عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَج، أفيجزئ أَن
أحج عَنهُ؟ قَالَ: " حجي عَنْ أَبِيك " هَكَذَا فِي حَدِيث
ابْن الزبير، وفِي حَدِيث عَليّ بن أَبِي طَالب، أَن رجلا من
خثعم سَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقَالَ: إِن أَبِي أدْركهُ الْحَج وَهُوَ شيخ كَبِير لَا
يَسْتَطِيع ركُوب الرحل، وَالْحج عَلَيْهِ مَكْتُوب أفأحج
عَنهُ؟ قَالَ: " نعم، فاحجج عَنهُ " وَسَنذكر ذَلِكَ بأسانيده،
ومَا فِيه سوى هذَيْن الْحَدِيثين فِي مَوْضِعه من كتاب
الْمَنَاسِك من كتاب أَحْكَام الْقُرْآن إِن شَاءَ الله
تَعَالَى فكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ خُوطِبَ بِأَن الْحَج مَكْتُوب عَلَى عَاجز يَدَيْهِ
عَنهُ، فَلم يُنكر ذَلِكَ عَلَى من خاطبه بِهِ إِذَا كَانَ من
سنته، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَج عَنِ
الْعَاجِز، وكذَلِكَ الصّيام لمَّا كَانَ من السّنة
الْإِطْعَام عَنِ الْعَاجِز عَنهُ، لم يكن الْفَرْض فِيه
سَاقِطا عَنِ الْعَاجِز عَنهُ إِذَا كَانَ، وَإِن عجز عَنهُ،
قَادِرًا عَنِ الْبَدَل مِنْهُ وَهُوَ الْإِطْعَام فأمَّا
الْمَرِيض الَّذِي يعجز عَنِ الصَّوْم للمرض الَّذِي قَدْ نزل
بِهِ، فَيكون كَذَلِكَ حَتَّى يَمُوت، فَإِن أَبَا حَنِيفَةَ،
وَأَبا يُوسُف، ومحمدا كَانُوا يَقُولُونَ: قَدْ مَات هَذَا
الرجل
، وَلَا فرض عَلَيْهِ فِي هَذَا الصَّوْم، وَإنَّهُ لَو كَانَ
أوصى قبل وَفَاته بِالْإِطْعَامِ عَنْ صَوْم، إِن كَانَ
لوَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته، لم يجب أَن يطعم عَنهُ،
لِأَنَّهُ مَات، وَلَا فرض عَلَيْهِ، وقَدْ حَدَّثَنَا
بِذَلِكَ من قَوْلهم سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد
وقَدْ خولفوا فِي ذَلِكَ، فَقيل: الصَّوْم قَدْ كَانَ وَاجِبا
عَلَيْهِ، وكَانَ مَعْذُورًا فِي تَركه، وكَانَ الْبَدَل
مِنْهُ وَهُوَ الْإِطْعَام جَارِيا مكَانَه، فَوَجَبَ عَلَيْهِ
أَن يطعمهُ فِي حَيَاته، وَوَجَب أَن يطعم عَنهُ بعد وَفَاته
من تركته، إِن كَانَ قَدْ كَانَ أوصى أَن يطعم عَنْ صَوْم إِن
كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ يَوْم يتوفى وقَدِ اخْتلف المتقدمون من
أهل الْعلم فِي هَذَا، فَروِيَ عَنْهُم فِي ذَلِكَ مَا:
924 -
(1/424)
924 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، أَنَّهُمَا سُئِلا عَنْ رَجُلٍ
مَرِضَ فِي رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ، قَالا: "
مَاتَ فِي رُخْصَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ "
925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي رَجُلٍ
مَرِضَ فِي رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ، قَالَ: "
يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "
926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " إِذَا صَحَّ، ثُمَّ مَاتَ يُطْعَمُ
عَنْهُ بِقَدْرِ
مَا صَحَّ "،
927 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
وَمُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: " لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ "
928 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ "
مَرِضَ رَمَضَانَ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَصِحَّ، قَالَ: لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ " ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ، وَوجدنَا
الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطيق الصّيام، وَلَا ترجى
لَهُ الطَّاقَة عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوت، يطعم عَنْ نَفسه فِي
حَيَاته، ونوصي بإطعام ذَلِكَ عَنهُ بعد وَفَاته إِيجَابا،
واستحبابا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ
فِيمَا تقَدَّم فِي هَذَا الْبَاب، كَانَ الْمَرِيض الَّذِي
ذكرنَا كَذَلِكَ أَيْضا، وكَانَ مَا تمَادى بِهِ الْعَجز عَنِ
الصّيام حَتَّى توفى بِهَذِهِ الْمنزلَة وأمَّا الْحَامِل
والمرضع فَلَا معنى لإطعامهمَا عَنْ أنفسهمَا مَا كَانَتا ترجى
لهمَا الطَّاقَة عَلَى الصّيام فِي المستأنف، وهمَا كمن قَالَ
الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وقَدْ ذكرهمَا
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجمع
بينهمَا وَبَين الْمُسَافِر فِيمَا وَضعه الله عَزَّ وَجَلَّ
بِالسَّفرِ من الصّيام كمَا
929 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَيَحْيَى بْنُ
عُثْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ
(1/425)
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحَاجَةٍ، فَإِذَا هُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: " هَلُمَّ إِلَى
الْغَدَاءِ "، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: " هَلُمَّ
أُخْبِرْكَ عَنِ الصَّوْمِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ
عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، وَرَخَّصَ
لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ "
930 - حَدَّثَنَا نَصْرٌ، وَيَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ،
عَنْ عَمِّهِ حَدِيثًا، ثُمَّ لَقِينَاهُ يَوْمًا، فَقَالَ
لَهُ أَبُو قِلابَةَ: حَدِّثْهُ يَعْنِي: أَيُّوبَ، فَقَالَ
الشَّيْخُ: حَدَّثَنِي عَمِّي، أَنَّهُ ذَهَبَ فِي إِبِلٍ
لَهُ، فَانْتَهَى إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ، أَوْ يَطْعَمُ، فَقَالَ: " ادْنُ
فَكُلْ، أَوِ ادْنُ فَاطْعَمْ "، قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ،
قَالَ: " ادْنُ فَلأُخْبِرْكَ أَوْ لأُحَدِّثْكَ: إِنَّ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ
وَالصِّيَامِ، وَعَنِ الْحَامِلِ أَوِ الْمُرْضِعِ "
931 - حَدَّثَنَا نَصْرٌ، ويَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا
نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
سُوَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
لِيَ: " ادْنُ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا "، فَقُلْتُ: إِنِّي
صَائِمٌ، فَقَالَ: " بَلْ أُحَدِّثُكَ عَنِ الصَّلاةِ،
وَالصَّوْمِ، أَوِ وَالصِّيَامِ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ
وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ أَوْ قَالَ: شَطْرَ
الصَّلاةِ، وَوَضَعَ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ عَنِ
الْمُسَافِرِ، وَعَنِ الْحُبْلَى، أَوِ الْمُرْضِعِ "، وَاللهِ
لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَمِيعًا، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَيَا لَهْفَ نَفْسِي
أَلا أَكُونَ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفلا ترى أنهمَا مَوْضُوع عنهمَا
الصّيام، كمَا هُوَ مَوْضُوع عَنِ الْمُسَافِر، وكَانَ
الْمُسَافِر مَوْضُوع عَنهُ الصّيام فِي عين الشَّهْر إِلَى
بدل مِنْهُ، وَهُوَ الصّيام فِي غير الشَّهْر، لَا إِلَى بدل
مِنْهُ سوى الصّيام مَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصّيام،
وكذَلِكَ الحبلى والمرضع المقرونتان مَعَه فِي الحَدِيث، وضع
عنهمَا الصَّوْم فِي عين الشَّهْر إِلَى بدل مِنْهُ، وَهُوَ
الصَّوْم فِي غير الشَّهْر، قَضَاء عَنِ الشَّهْر، لَا إِلَى
بدل من الصَّوْم سواهُ هَذَا هُوَ الْقيَاس عِنْدَنَا فِي
هَذَا الْبَاب وَالله أعلم
(1/426)
وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِيمن توفى
وعَلَيْهِ صَوْم، هَل يصام عَنهُ كمَا يُحج عَنْ من توفّي
وعَلَيْهِ
حج؟ فقَالَ أَكْثَرهم: لَا يصام عَنهُ كمَا لَا يصلى عَنهُ،
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ رَحْمَة الله
عَلَيْهِم وقَالَ بَعضهم: بل يصام عَنهُ كمَا يحجّ عَنهُ،
وقَدْ رويت فِي ذَلِكَ رِوَايَات فَمِنْهَا مَا
932 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ
صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَمِنْهَا مَا
933 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ذَكَرْنَا وقَدْ رُوِيَ
عَنْهَا فِي فتياها بعد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي هَذَا خلاف ذَلِكَ
934 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ
عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلاةٍ لِبَنِي عَصِيفَةَ،
قَالَتْ: " سَأَلْتُ تُرِيدُ عَائِشَةَ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ
وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَتْ: أَطْعِمُوا عَنْهَا "
وَاللَّفْظُ لِرَوْحٍ
935 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ
حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ
لَهَا: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا رَمَضَانُ،
أَيَصْلُحُ أَنْ أَقْضِيَ عَنْهَا؟، فَقَالَتْ: " لَا،
وَلَكِنْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا
خَيْرٌ مِنْ صِيَامِكِ عَنْهَا "
(1/427)
فَهَذِهِ عَائِشَة قَدْ أفتت بعد رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يصام عَنِ
الْمَوْتَى، وخالفت فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنْهَا عُرْوَة بن
الزبير، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فعقلنا بِذَلِكَ أَنَّهَا لم تتْرك مَا قَدْ عَلمته من قَول
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِلَى
قَول مِنْهُ آخر نسخ بِهِ القَوْل الأول الَّذِي عَلمته مِنْهُ
وممَّا رُوِيَ فِي ذَلِكَ
936 - أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ مُوسَى الطَّائِيَّ حَدَّثَنَا،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الرَّاسِحِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ:
إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ نَجَّاهَا مِنْهُ أَنْ
تَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ، فَسَأَلَتْ
أُخْتُهَا أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَمَرَ أَنْ يُصَامَ عَنْهَا "
937 - وَأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَرَاهُ
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ
الْبَطِينُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ
شَهْرًا، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ، فَأَتَتْ أُخْتُهَا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَمَرَهَا
أَنْ تَصُومَ عَنْهَا "
938 - وَأَنَّ يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى
فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي جَرِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ
وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَقَالَ: "
أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ كُنْتِ
قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: " اقْضُوهُ عَنْهَا
أَوِ اقْضِي عَنْهَا " فقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاس،
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كمَا
ذكرنَا، وقَدْ رُوِيَ فِي فتياه بعد رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا خلاف ذَلِكَ
939 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَوَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ
الأَحْوَلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَا يُصَلِّي أَحَدٌ
عَنْ أَحَدٍ، وَلا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ
يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ "
(1/428)
940 - وَكَتَبَ إِلَيَّ الْحَسَنُ بْنُ
عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ يُحَدِّثُنِي، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ
مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ، أَوْ نَذَرُ صِيَامِ
آخَرَ؟ قَالَ: " يُطْعَمُ عَنْهُ سِتُّونَ مِسْكِينًا "
فَهَذَا ابْن عَبَّاس قَدْ أفتى بعد رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن لَا يصام عَنِ الْمَوْتَى،
وَخَالف فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنهُ سعيد بن جُبَير،
وَعِكْرِمَة، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِمَّا ذكرنَا فعقلنا بِذَلِكَ أَنَّهُ لم يتْرك مَا
قَدْ علمه من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَّا إِلَى قَول مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نسخ بِهِ القَوْل الأول الَّذِي علمه مِنْهُ وقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عمر، وأَبِي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ اخْتِلَاف
941 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ
عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، فَقَالَ ابْنُ
عُمَرَ: " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَتَصَدَّقُوا
عَنْهُمْ "
942 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمِهْزَمِ أَنَّهُ
حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
" مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ صَوْمٌ فَلْيَقْضِ عَنْهُ
وَلِيُّهُ " فأمَّا عبد الله بن عمر، فقَالَ فِي هَذَا بمَا
يُوجِبهُ الْقيَاس، وأمَّا أَبُو هُرَيْرَة، فقَالَ فِيه
بِالَّذِي يرويهِ فِيه عَنْ عَائِشَة، وَابْن عَبَّاس، عَنْ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعلمنَا
نسخه فَرَجَعَا إِلَيْهِ، وَلم يُعلمهُ أَبُو هُرَيْرَة،
فَثَبت عَلَى الْأَمر الأول ولمَّا كَانَ قَدْ ثَبت فِيمَا
ذكرنَا من التأويلات الَّتِي وَصفنَا للإطعام عَلَى من عجز
عَنِ الصّيام، لَا الصّيام عَنهُ، ثَبت أَن عدم الصّيام
بِالْمَوْتِ يكون فِيه الْإِطْعَام، لَا قَضَاء الصّيام فأمَّا
من مَات وعَلَيْهِ الْإِطْعَام الَّذِي ذكرنَا عَنِ الصّيام،
وَلم يوصِ بِذَلِكَ حَتَّى مَات، وَترك مَالا فِيه وَفَاء بمَا
عَلَيْهِ من ذَلِكَ، فَإِن أهل الْعلم قَدِ اخْتلفُوا فِي
ذَلِكَ، فقَالَت طَائِفَة مِنْهُمْ: قَدْ صَارَت تركته
مِيرَاثا لوَرثَته، وَلَا يجب عَلَيْهِم أَن يطعموا مِنْهَا
شَيْئا، وَإِن كَانَ أوصى بذلك فِي حَيَاته كَانَ مَا أوصى
بِهِ مِنْهُ فِي ثلث تركته غير مبدأ عَلَى مَا سواهُ من
وَصَايَا إِن كَانَت لَهُ سوى ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا
القَوْل: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد رَحِمهم
الله
(1/429)
وَطَائِفَة مِنْهُمْ تَقول: إِن كَانَ لم
يوص بِذَلِكَ فقَدْ بَطل، وَلَا يجب عَلَى وَارثه أَن يُخرجهُ
عَنهُ من تركته، وَإِن كَانَ أوصى بِذَلِكَ كَانَ من ثلث
تركته مبدأ عَلَى وَصَايَا، إِن كَانَت لَهُ سواهُ، وَهَذَا
قَول مَالك، وَغير وَاحِد من أهل الْمَدِينَة وَطَائِفَة
تَقول: هُوَ دين فِي تركته، يخرج من رَأس مَاله كَسَائِر
الدُّيُون الَّتِي تكون عَلَى الْمَوْتَى مِمَّا سوى ذَلِكَ،
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِي وقَدْ رُوِيَ عَنِ
المتقَدْمين فِي هَذَا اخْتِلَاف فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ
مَا:
943 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أَنَسٍ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ،
" فِي الرَّجُلِ يُوصِي أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةَ الإِسْلامِ،
أَوْ عَلَيْهِ زَكَاةً، قَالَ الْحَسَنُ: نَقُولُ: "
يُعْطَيَانِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ
لَمْ يُوصِ بِهِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ "
944 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
945 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الأَعْلَمِ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: " هُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ يَعْنِي:
الْحَجَّ "، قَالَ: وَالزَّكَاةُ كَذَلِكَ
946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، قَالَ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ، عَنْ عَطَاءٍ، " فِي
رَجُلٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ
الْفَرِيضَةَ، قَالَ: " يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ،
وَالزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ "
947 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ الْحَجَّةُ،
وَالنَّذْرُ، أَنَّهُ قَالَ: " هُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ "
948 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ
وَالنَّذْرُ، قَالَ: " لَا يُقْضَى عَنْهُ إِلا أَنْ يُوصِيَ
بِهِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَمِنَ الثُّلُثِ "
949 -
(1/430)
949 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
حَمَّادٍ، وَدَاوُدَ، وَاللَّيْثِيِّ، وَحُمَيْدٍ، أَنَّهُمْ
قَالُوا: " هُوَ مِنَ الثُّلُثِ " ولمَّا اخْتلفُوا فِيمَا
ذكرنَا نَظرنَا فِيمَا اخْتلفُوا فِيه مِنْهُ، فأمَّا من
قَالَ: إِنَّه لَا يجب فِي مَال الْمَيِّت إِلَّا أَن يُوصي
بِهِ فَيكون فِي ثلثه مبدأ عَلَى سَائِر وَصَايَاهُ، فَلَا
معنى لقَوْله عِنْدَنَا، لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَاله وَاجِبا
كَانَ وَاجِبا فِيه، أوصى بِهِ أولم يوص بِهِ، وكَانَ وَاجِبا
فِي جَمِيعه، لَا فِي ثلثه كمَا تَجِبُ الدُّيُون سواهُ، وَإِن
كَانَ غير وَاجِب فِي مَاله حَتَّى يُوصي بِهِ كَانَ فِي ثلث
تركته كَسَائِر وَصَايَاهُ، فَانْتفى بِذَلِكَ هَذَا القَوْل،
وَثَبت أحد الْقَوْلَيْنِ الآخرين وكَانَ من حجَّة من جعله من
جَمِيع المَال، وَجعله دينا فِي جَمِيعه كَسَائِر الدُّيُون
سواهُ، أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ للَّذي سَأَلَهُ عَنِ الْحَج عَنْ أَبِيهِ: " أَرَأَيْت
لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين فقضيته عَنهُ "، أكَانَ ذَلِكَ
يُجزئ؟ وَسَنذكر ذَلِكَ فِي مَوْضِعه من كتاب الْمَنَاسِك إِن
شَاءَ الله تَعَالَى فَجعله رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالدّين، فَلَا شَيْء أشبه بِشَيْء من
سنة رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهمَا
بِالْآخرِ فكَانَ من الْحجَّة عَلَيْهِ للآخرين، أَن رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شبهه بِالدّينِ
كمَا ذكر، وَلم يقل إِنَّه دين، وفِي تشبيهه إِيَّاه بِالدّينِ
مَا يدل عَلَى أَنَّهُ غير دين، لَا يشبه الشَّيْء بِنَفسِهِ،
وإنمَا يشبه بِغَيْرِهِ مِمَّا عَلَيْهِ موجوده فِيه، كمَا
قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر
لمَّا قَالَ لَهُ: أتيت الْيَوْم أمرا عظيمَا، قبلت امْرَأَتي
وَأَنا صَائِم، فقَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْت لَو تمضمضت بمَاء وَأَنت
صَائِم أكَانَ بِهِ بَأْس؟ " فقَالَ لَا، قَالَ: " ففِيم؟ "
وكمَا قَالَ للأعرابي الَّذِي أنكر وَلَده لمَّا جَاءَت بِهِ
امْرَأَته أسود: " هَل لَك من إبل؟ " فقَالَ: نعم، فقَالَ: "
فمَا ألوانها؟ " فقَالَ: كَذَا، فقَالَ: " هَل فِيهَا من
أَوْرَق؟ " قَالَ: إِن فِيهَا لورقاء، قَالَ: " من أَيْن ترى
ذَلِكَ جاءها؟ " فقَالَ: من عرق نَزعهَا، فقَالَ: " وَلَعَلَّ
هَذَا من عرق نَزعه " وكَانَ تشبيهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيمَا ذكرنَا إنمَا هُوَ تشبيهه شَيْئا بِخِلَافِهِ
مِمَّا يُشبههُ الْأَشْيَاء بِنَفسِهِ، وكذَلِكَ تشبيهه الْحَج
بِالدّينِ دَلِيل عَلَى أَن الْحَج غير دين، وَلكنه فرض الله
عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَبدَان كالديون الْمَفْرُوضَة فِي
الْأَمْوَال، فَأعلمهُ أَن قَضَاء الْحق الَّذِي لله عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى أَبِيهِ فِي بدنه، كقضائه للحق الَّذِي عَلَيْهِ
فِي مَاله ولمَّا كَانَ الرجل الَّذِي عَلَيْهِ الدُّيُون
لِأُنَاس شَتَّى مَأخوذا بِهَا، مصروفا مَاله فِيهَا، وكَان َ
(1/431)
من خوضهم فِي دُيُون عَلَيْهِ، وَلم يحجّ
حجَّة الْإِسْلَام، فَوَجَبَ أَن يخاض بَيْنَ غرمَائه فِي
مَاله لم يخاض بَيْنَ الْحجَّة وَبينهمْ فِيه، دلّ ذَلِكَ
عَلَى أَن الْحجَّة لَيْسَت بموجبةٍ دينا عَلَى من هِيَ
عَلَيْهِ كديون الْآدَمِيّين، وكذَلِكَ مَا سواهَا من حُقُوق
الله عَزَّ وَجَلَّ، وَمن كَفَّارَات الأيمَان، وَأَسْبَاب
الصّيام، وَجَزَاء الصَّيْد، ودمَاء التَّمَتُّع وَالْقرَان
وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِي الْمِقْدَار الَّذِي يطعم عَنِ
الصّيام الَّذِي كَانَ عَلَى المفطرين فِي شهر رَمَضَان
مِمَّنْ لم يقضه حَتَّى توفّي، وَأوصى بِقَضَائِهِ بعد وَفَاته
عَنِ المؤيس لَهُم من الطَّاقَة عَلَى الصّيام من الْأَجْنَاس،
قَالَ ذَلِكَ إِيجَابا، وَمِمَّنْ قَالَه اسْتِحْبَابا، وقَدْ
ذكرنَا ذَلِكَ، ومَا قَالَه كل وَاحِد فِيمَا تقَدم من
كتَابنَا، فأغنانا ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا، غير أَنا
لم نَكُنْ ذكرنَا فِي ذَلِكَ الأولى مِمَّا قَالُوه فِي
الْمِقْدَار الَّذِي يطعم عَنهُ، فاحتجنا إِلَى ذكره هَاهُنَا،
فَوَجَدنَا الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذكر الْإِطْعَام فِي غير
مَوضِع من كِتَابه، فَمن ذَلِكَ مَا ذكره فِي كَفَّارَات
الإيمَان بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} الْآيَة فكَانَ أهل الْعلم فِي
مِقْدَار ذَلِكَ الْإِطْعَام مختلفِين، فطائفة مِنْهُمْ
تَجْعَلهُ من الْحِنْطَة مَدين بِمد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتجعله من التَّمْر وَالشعِير مثل ضعف
ذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَة أَمْدَاد، ويروون ذَلِكَ عَنْ عمر بن
الْخطاب، وَعَن عَليّ بن أَبِي طَالب وَطَائِفَة مِنْهُمْ
تَجْعَلهُ مدا بِمد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ويروون ذَلِكَ عَنْ عبد الله بن عمر، وَزيد بن
ثَابت، فَلم يكن فِي هَذَا دَلِيل فِي مِقْدَار الْإِطْعَام
عَنِ الصّيام الَّذِي ذكرنَا، وَمِنْهَا الْإِطْعَام عَنِ
الظِّهَار لمن لم يجد رَقَبَة، وَلم يسْتَطع صَوْم شَهْرَيْن
مُتَتَابعين بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} فكَانَ أهل الْعلم مختلفِين
فِي مِقْدَار مَا يطعم عَنْ ذَلِكَ كاختلافهم فِي مِقْدَار مَا
يطعم عَنْ كَفَّارَة الأيمَان، فَلم يكن فِي ذَلِكَ دَلِيل
عَلَى مِقْدَار الْإِطْعَام عَنِ الصّيام الَّذِي ذكرنَا
وَمِنْهَا الْإِطْعَام فِي جَزَاء الصَّيْد بقوله عَزَّ
وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} فكَانَ أهل
الْعلم مختلفِين فِي مِقْدَار مَا يطعم كل مِسْكين مِنْهُمْ من
ذَلِكَ كاختلافهم فِي مِقْدَار مَا يطعم كل مِسْكين فِي
كَفَّارَات الأيمَان، وفِي كَفَّارَات الظِّهَار، فَلم يكن فِي
ذَلِكَ دَلِيل عَلَى مِقْدَار الْإِطْعَام عَنِ الصّيام
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
(1/432)
وَمِنْهَا الْإِطْعَام فِي الْحلق فِي
الْإِحْرَام من الْمَرَض، وَمن الْأَذَى بقوله: {فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ
مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فكَانَ أهل الْعلم
مُجْمِعِينَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ مدان، وبذَلِكَ أَمر
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْب بن عجْرَة
لمَّا أَذَاهُ هَوَامُّ رَأسه، وَأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ
هَذِهِ الْآيَة فَأمره أَن يحلق رَأسه ويذبح شَاة، أَو يَصُوم
ثَلَاثَة أَيَّام، أَو يطعم سِتَّة مَسَاكِين كل مِسْكين مَدين
فكَانَ هَذَا مِقْدَارًا من الطَّعَام، مُتَّفقا عَلَيْهِ، غير
حرف وَاحِد مِنْهُ
، وَهُوَ أَن حَدِيث كَعْب هَذَا يَقُولُ فِيه عبد الله بن
معقل، عَنْ كَعْب، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، " مَدين من بر " وَيَقُول فِيه أَبُو قلَابَة، عَنِ
ابْنِ أَبِي ليلى، عَنْ كَعْب، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " مَدين من تمر " وَيَقُول فِيه
الشّعبِيّ، عَنْ كَعْب، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فِيمَا يحدث يزِيد بن ذريع، عَنْ دَاوُد بن أَبِي
هِنْد، عَنِ الشّعبِيّ، " مَدين من تمر "، غير أَن حمَاد بن
سَلمَة قَدْ رَوَاهُ، عَنْ دَاوُد، عَنِ الشّعبِيّ، عَنْ عبد
الرَّحْمَن بن أَبِي ليلى، عَنْ كَعْب، عَنِ النَّبِي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاد الِاخْتِلَاف فِي هَذَا
عَنْ كَعْب، وَلم نجد فِي شَيْء من الْإِطْعَام عَنْ غير حلق
للرأس فِي الْإِحْرَام من مرض أَو من أَذَى، " مَدين من تمر "
أصلا، إنمَا وجدنَا فِيه " مدا من تمر " فِي كَفَّارَات
الأيمَان، وفِيمَا سواهَا فِي قَول وَأَرْبَعَة أصلا، وَمن
التَّمْر فِي قَول آخَرين فلمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لم
نجْعَل للْمَدِين من التَّمْر معنى يعْطف عَلَيْهِ غَيره،
وَجَعَلنَا الْمَدِين من الْبر أولى، لِأَن الَّذِي حلق رَأسه
فِي إِحْرَامه من الْمَرَض أَو من الْأَذَى أجمع أَن عَلَيْهِ
كَفَّارَة مَا، وكَانَ إِذَا أطْعم كل مِسْكين مَدين من تمر لم
يُجزئهُ ذَلِكَ عِنْد بَعضهم، وأجزأه عِنْد
(1/433)
بَعضهم، وكَانَ أولى الْأَشْيَاء بِنَا
أَلا تبطل عَنْ رجل كَفَّارَة، فقَدْ أحطنا علما بِوُجُوبِهَا
عَلَيْهِ إِلَّا بعد إحاطتنا علما بزوالها عَنهُ
ولمَّا وَجب أَن يكون مِقْدَار الْإِطْعَام فِي حلق الرَّأْس
فِي الْإِحْرَام من أَذَى أَو من مرض كمَا ذكرنَا، وَجب أَن
يكون كَذَلِكَ مِقْدَار الْإِطْعَام فِي سَائِر الْكَفَّارَات
من الْبر، وإِذَا وَجب ثُبُوت قَول أهل هَذَا الْمَذْهَب أَن
الزَّبِيب فِي قَوْلهم فِيمَا سوى الْبر، أَنَّهُ أَرْبَعَة
أَمْدَاد، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمّد يَقُولُونَهُ فِي هَذَا إِلَّا فِي الزَّبِيب
خَاصَّة فَإِن مُحَمَّدًا حَدَّثَنَا، عَنْ عَليّ، عَنْ
مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُف، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ "
عدل الزَّبِيب فِي ذَلِكَ بِالْحِنْطَةِ، وَجعله مَدين " وقَدْ
روى الْحسن بن زِيَاد، عَنْ أبي حنيفَة خلاف ذَلِكَ، وَأَنه
عدل الشّعير بِالتَّمْرِ فَجعله كهمَا وَهَذَا قَول أَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمّد من رأيهمَا وَهُوَ أحب الْقَوْلَيْنِ
إِلَيْنَا وأمَا السويق والدقيق فَإِن الْقيَاس عِنْدَنَا
فِيهمَا أَن لَا يَكُونَا كالبر فِيمَا يُجزئ مِنْهُ الدُّخُول
الصَّنْعَة إياهمَا ولإجمَاعهم عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز بيعهمَا
بِالْحِنْطَةِ وقَدْ ذكرنَا أَقْوَال أَصْحَاب رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِقْدَار الْإِطْعَام
وقَدْ ذكرنَا حَدِيث كَعْب، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِقْدَار الْإِطْعَام فِيمَا وَصفنَا،
وَلم نأت بأسانيدها لِأَنَّهَا أخرناها إِلَى موَاضعهَا
الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا فِيهَا فِيمَا بعد من كتبنَا هَذِهِ
إِن شَاءَ الله تَعَالَى وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِيمن صَامَ
رَمَضَان فِي السّفر، فقَالَ بَعضهم: لَا يُجزئهُ وعَلَيْهِ
أَن يَقْضِيه فِي الْحَضَر، وَرووا ذَلِكَ عَنِ المحرز بن
أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: صمت رَمَضَان فِي السّفر، فلمَّا
قَدِمت أَمرنِي أَبِي أَن أُعِيدهُ فِي الْحَضَر وَاحْتَجُّوا
لقَولهم هَذَا بقول الله عَزَّ
وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وربمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَوْله: " لَيْسَ
من الْبر الصّيام فِي السّفر "
950 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَبْرَشُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ "
(1/434)
951 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَسَنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، "
فَسَأَلَ مَا هَذَا؟ " فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنَ
الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ "
952 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ،
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، أَخْبَرَهُ،
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ
الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي
السَّفَرِ "
953 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ
كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ
فِي السَّفَرِ "
954 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ السَّقَطِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ:
أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ كَعْبٍ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ سُفْيَانُ: وَذكر لي أَن الزُّهْرِيّ
كَانَ يَقُولُ: وَلم أسمعهُ أَنا مِنْهُ من ام برام صِيَام فَم
سفر وقَالَ بَعضهم: من صَامَ رَمَضَان فِي السّفر أَجزَأَهُ،
وكَانَ كمن صَامَهُ فِي الْحَضَر، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْن أَبِي ليلى، ومَالك، وَزفر، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمّد، وَالشَّافِعِيّ، وَعَامة أهل الْعلم سوى
مَا روينَاهُ خلاف ذَلِكَ عَمَّن ذَكَرْنَاهُ عَنهُ، وَإِن
كَانُوا قَدِ اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من ذَلِكَ مَا هُوَ؟
هَل هُوَ الصَّوْم أَو الْإِفْطَار؟
(1/435)
فكَانَ من الْحجَّة لَهُم عَلَى أهل
المقَالَة الأولى، مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِم من قَول الله
عز وَجل: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، إِن ذَلِكَ
لَيْسَ فِيه دَلِيل عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من مَا
ذَكَرْنَاهُ عَنْهُم، لِأَن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إنمَا هُوَ عَلَى الرُّخْصَة مِنْهُ
لَهُم فِي ترك الصّيام، فِي عين الشَّهْر، وقضائه بعد ذَلِكَ
فِي
غير الشَّهْر وَالدَّلِيل عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ من ذَلِكَ
أَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ} وَلم يسْتَثْن فِي ذَلِكَ حَاضرا من غَائِب،
وَلَا مَرِيضا من صَحِيح، وَعم بِذَلِكَ الْمُؤمنِينَ جَمِيعًا
ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكَانَ هَذَا خطابا
مِنْهُ لمن دخل فِي الْآيَة الأولى مِمَّنْ كتب عَلَيْهِ
الصّيام، قَالَ ذَلِكَ عَلَى أَن قَوْله: {فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} أَنه عَلَى الرُّخْصَة فِي الْإِفْطَار فِي عين
الشَّهْر للمسافرين وللمرضي، لَا عَلَى أَن صومهمَا إِيَّاه
إِن يكلفوه غير مجزئ عَنْهُم وأمَّا مَا ذَكرُوهُ من قَول
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ من
الْبر الصَّوْم فِي السّفر "، فَلَا حجَّة لَهُم أَيْضا فِي
ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يجوز لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي
السّفر أَي: لَيْسَ من الْبر الَّذِي هُوَ أبر الْبر، أَو
أعَلَى مَرَاتِب الْبر الصَّوْم فِي السّفر، حَتَّى لَا يكون
مِنْهُ بُد، أَو حَتَّى يَكُونَ الْإِفْطَار فِيه إِثْمًا،
كمَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْحَضَر، وكمَا إفطاره فِي الْحَضَر
إِثْم، لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ صَامَ فِي السّفر فِيمَا روينَاهُ مِمَّا تقَدم منا
أفيجوز أَن يكون رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ صَامَ صوما لَيْسَ ببر؟ وحاش لله أَن يكون
كَذَلِكَ، وَلَكِن معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَيْسَ
من الْبر الصّيام فِي السّفر "، عَلَى معنى لَيْسَ من الْبر
الَّذِي هُوَ أبر الْبر الصّيام فِي السّفر، لِأَنَّهُ قَدْ
يكون الْإِفْطَار فِي السّفر للقوة للقاء الْعَدو ولمَا أشبه
ذَلِكَ أَفْضَلَ من الصَّوْم فِي السّفر، وَلَكِن ذَلِكَ
عِنْدَنَا كَقَوْل رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ الَّذِي ترده
اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ
"، قَالُوا فَمن الْمِسْكِين يَا رَسُول اللهِ؟ قَالَ: "
الْمِسْكِين الَّذِي لَا يعرف، وَلَا يسْأَل فيتصدقَ عَلَيْهِ
"
955 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ
(1/436)
956 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وقَدْ ذكرنَا بَقِيَّة مَا
رُوِيَ فِي هَذَا الْكتاب فِيمَا تقَدم فِي كتَابنَا
بأسانيدها، فكَانَ معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ "، أَي: لَيْسَ
الْمِسْكِين الَّذِي هُوَ فِي أعَلَى مَرَاتِب المسكنة
بِالطّوافِ الَّذِي ترده اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ
وَالدَّلِيل عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وعَلَى أَن رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرد بقوله: " لَيْسَ من
الْبر الصّيام فِي السّفر " إِخْرَاج السّفر أَن يكون مَوضِع
صَوْم
957 - إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ
حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِرَجُلٍ فِي سَفَرِهِ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، يُرَشُّ عَلَيْهِ
الْمَاءُ، فَقَالَ: " مَا بَالُ هَذَا؟ " قَالُوا: صَائِمٌ يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي
السَّفَرِ، فَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ
لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا " فَدلَّ ذَلِكَ أَن مُرَاد رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: " لَيْسَ من الْبر
الصَّوْم فِي السّفر " الْمَعْنى الَّذِي تَأَوَّلَه عَلَيْهِ
من جعله عَلَى معنى: لَيْسَ من الْبر الَّذِي هُوَ أبر الْبر،
وَالَّذِي لَا رخصَة فِيه لصائم فِي السّفر وقَدْ بَيَّنَ
ذَلِكَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَدِيث حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ
958 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الأَزْدِيُّ الْحِيرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللهِ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ
يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو
الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَسْرُدُ الصِّيَامَ أَفَأَصُومُ فِي
السَّفَرِ؟ قَالَ: " إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ لِلْعِبَادِ، مَنْ قَبِلَهَا فَحَسَنٌ جَمِيلٌ، وَمَنْ
تَرَكَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ " أَفلا ترى أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أخبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن
الْإِفْطَار فِي السّفر إنمَا كَانَ من الله جلّ وَعز رخصَة
مِنْهُ لِعِبَادِهِ، لَا لِأَن السّفر لَيْسَ مَوضِع صَوْم
وقَدْ
(1/437)
روينَا فِيمَا تقَدم عَنْ رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجه فِي رَمَضَان
مُسَافِرًا، وصومه فِيه، وإفطاره بعد ذَلِكَ، وَأمره النَّاس
بالإفطار لمَّا شقّ عَلَيْهِم الصّيام، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى
أَن ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بعد إِنْزَال الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
وقَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْإِفْطَار فِي السّفر، وفِي الصَّوْم فِي
رَمَضَان فِي السّفر آثَار أخر قَدْ جَاءَت مجيئا متواترا
959 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ
السَّلامِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَصُومُ فِي السَّفَرِ
وَيُفْطِرُ "
960 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
مَوَرَّقٍ الْعَجْلِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ،
فَنَزَلْنَا يَوْمًا شَدِيدَ الْحَرِّ، فَمِنَّا الصَّائِمُ
وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، وَأَكْثَرُنَا ظِلا صَاحِبُ الْكِسَاءِ،
وَمِنَّا مَنْ يَسْتُرُ الشَّمْسَ بِيَدِهِ، فَسَقَطَ
الصُّوَّامُ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ،
وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ
بِالأَجْرِ "
961 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، " فَلَمْ يَعِبِ
الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى
الصَّائِمِ "
962 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ
قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، تِسْعَ
عَشْرَةَ أَوْ لِتِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، " فَصَامَ
صَائِمُونَ وَأَفْطَرَ مُفْطِرُونَ، فَلَمْ يَعِبْ هَؤُلاءِ
عَلَى هَؤُلاءِ، وَلا هَؤُلاءِ عَلَى هَؤُلاءِ "
963 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فَذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لاثْنَتَيْ
عَشْرَة َ
(1/438)
964 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ
أَنَّهُمَا، قَالَا: لِثَمَانِي عَشْرَةَ
965 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ حَمْزَةَ
بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ شِئْتَ
فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ "
966 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ
أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ،
967 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ حَمْزَةَ بِذَلِكَ
968 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ سَمِيٍّ، مَوْلَى أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ
النَّاسَ فِي سَفَرٍ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ وَقَالَ: "
تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ "، وَصَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ
الَّذِي حَدَّثَنِي: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرَجِ يَصُبُّ عَلَى
رَأْسِهِ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ، ثُمَّ
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ
صَامُوا حِينَ صُمْتَ، فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَدِيدِ " دَعَا بِقَدَحٍ
فَشَرِبَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ " فَهَذِهِ آثَارٌ
مُتَوَاتِرَةٌ فِيهَا صَوْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَدَلَّ
ذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ
فِي السَّفَرِ "، عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَيْهِ
(1/439)
وقَدْ قَالَ قوم: إِنَّه لَا فضل لصوم
رَمَضَان فِي السّفر عَلَى المفطرين فِيه فِي السّفر، وقَالَ
آخَرُونَ: الصَّوْم فِي السّفر فِي رَمَضَان أفضل من
الْإِفْطَار، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا القَوْل: أَبُو
حَنِيفَةَ، ومَالك، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمّد، حَدَّثَنَا
سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي يُوسُف،
وأَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا القَوْل قَالَ مُحَمَّد: وَهُوَ
قَوْلنَا
969 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ لِلصِّيَامِ فِي
السَّفَرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحَبُّ
إِلَيَّ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ " ولمَّا اخْتلفُوا فِي
ذَلِكَ، وَثَبت عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَن الْإِفْطَار فِي رَمَضَان فِي السّفر رخصَة،
ثَبت أَن الصَّوْم بِدُخُول الشَّهْر، وَأَن معجل أَدَاء
الْفَرْض أفضل من مؤخره بعد أَن لَا يكون عَلَيْهِ مشقة فِي
تَعْجِيله إِيَّاه، وقَالَ بِهَذَا القَوْل ابْن عَبَّاس،
وَأنس
970 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ
عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: " إِنَّمَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
بِالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ التَّيْسِيرَ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ
يُسِّرَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ يُسِّرَ
عَلَيْهِ الْفِطْرُ فَلْيُفْطِرْ "
971 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمًا يُحَدِّثُ،
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ
فَأَفْطِرْ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ "
972 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: " إِنْ أَفْطَرْتَ فَرُخْصَةٌ، وَإِنْ صُمْتَ
فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ "
973 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: " سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ
صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، قَالَ: الصَّوْمُ
أَفْضَلُ "
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ}
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ} إِلَى قَوْله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(1/440)
وكَانَ شهر رَمَضَان الَّذِي ذكره الله
عَزَّ وَجَلَّ لنا شهرا معقولا بِالْأَهِلَّةِ الَّتِي جعلهَا
لنا مَوَاقِيت بقوله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ،
فَأَعْلَمَنَا عزّ وجلّ أَنَّ الأَهِلَّةَ مَوَاقِيتُ لَنَا
وَلِحَجِّنَا، ولمَا سوى ذَلِكَ مِمَّا نحتاج إلَى الْأَوْقَات
فِيه من أُمُور ديننَا من الصّيام، وَالْعدَد، والإيلاءات،
ومَا أشبه ذَلِكَ، ولمَا نحتاج إِلَيْهِ من أُمُور دُنْيَانَا
فِي معاملاتنا وحلول آجال ديوننا وَلم يين لنا عزّ وجلّ فِي
هَذِهِ الْآيَة عدَّة الشُّهُور الَّتِي تعلم بِالْأَهِلَّةِ،
وَبَينه لنا فِي سُورَة بَرَاءَة بقوله عزّ وجلّ: {إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي
كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} فَأخْبر عزّ وجلّ أَن عدَّة هَذِهِ
الشُّهُور الَّتِي جعلهَا مَوَاقِيت اثْنَا عشر شهرا وَبَين
ذَلِكَ لنا أَيْضا عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقوله فِي خطبَته عَلَى النَّاس فِي حجَّة
الْوَدَاع: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ
يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَإِنَّ
السَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ "
وسنأتي بِذَلِكَ وبإسناده فِي مَوضِع الْحَاجة إِن شَاءَ الله
تَعَالَى فأعلمنا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بمَا ذَكَرْنَاهُ عَنهُ من هَذَا أَن هَذِهِ
الاثْنَي عشر شهرا إِذَا كملت سنة، ثُمَّ دخلت سنة أُخْرَى،
ثُمَّ كَذَلِكَ الْأَزْمِنَة
فِي المستأنف أبدا، وَلم يبين عزّ وجلّ مِقْدَار مَا بَيْنَ كل
هلالين من هَذِهِ الْأَهِلّة من الْأَيَّام والليالي، وَبَينه
لنا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
974 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ
جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ:
إِنِّي لأَعْجَبُ مِنَ الَّذِينَ يَصُومُونَ قَبْلَ رَمَضَانَ،
إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ
فَعُدُّوا ثَلاثِينَ "
975 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ
976 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ
977 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
(1/441)
صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا
لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاثِينَ "
978 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الرَّوَّاسِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ
ثَلاثِينَ إِلا أَنْ تَرَى الْهِلالَ قَبْلَ ذَلِكَ " ففِيمَا
روينَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا قَدْ عقلنا بِهِ أَن الشَّهْر لَا يُجَاوز ثَلَاثِينَ
يَوْمًا
979 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ،
وَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا
حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ "
فعقلنا بِذَلِكَ أَن الشَّهْر لَا يكون أقل من تسع وَعشْرين،
وعقلنا بمَا روينَا قبله أَنَّهُ لَا يكون أَكثر من ثَلَاثِينَ
غير أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيث قصد فِيه إِلَى شهر رَمَضَان،
وَإِلَى ذِي الْحجَّة بِمَعْنى أَبَانهَا من سَائِر الشُّهُور
980 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَعَلِيُّ بْنُ
مَعْبَدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ، وَذُو
الْحِجَّةِ "
981 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ
بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ فَذهب قوم إِلَى أَن ذَلِكَ عَلَى
نُقْصَان الْعدَد، وَأَن كل وَاحِد من شهر رَمَضَان وَمن ذِي
الْحجَّة لَا يكون أقل من ثَلَاثِينَ عَلَى ظَاهر هَذَا
الحَدِيث
(1/442)
وَذهب آخَرُونَ عَلَى أَن معنى " لَا
ينقصان " أَي: لَا يجْتَمع نقصانهمَا فِي عَام وَاحِد، وَإِن
كَانَ كل وَاحِد منهمَا قَدْ ينقص مَعَ وَفَاء عدد صَاحبه
وَذهب آخَرُونَ عَلَى أَن معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا ينقصان " أَي: لَا ينقصان وَإِن كَانَا تسعا
وَعشْرين، فِي أحكامهمَا عمَّا يكونَانِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَا
ثَلَاثِينَ، لمَا فِيهمَا من أُمُور الْإِسْلَام، لِأَن
الصَّوْم فِي أحدهمَا ولَيْسَ فِي غَيره من الشُّهُور، وَالْحج
فِي أحدهمَا ولَيْسَ فِي غَيره من الشُّهُور، يقْصد
إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ لينفِي عنهمَا نُقْصَان الْحَج
وَالصِّيَام، وَإِن كَانَا تسعا وَعشْرين وقَدْ دلّ هَذَا
التَّأْوِيل مَا روينَاهُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَوْله: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ "،
وَمن قَوْله فِي شهر
رَمَضَان: " إِذَا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا، وإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم فعدو ثَلَاثِينَ "
فعقلنا بِذَلِكَ أَنا قَدْ نرى هِلَال شَوَّال قبل أَن يكمل
رَمَضَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا وقَدْ رُوِيَ حَدِيث أَبِي بكرَة
هَذَا من غير هذَيْن الْوَجْهَيْنِ بِخِلَاف مَا رُوِيَ من
هذَيْن الْوَجْهَيْنِ
982 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمِغْرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ شَهْرٍ حَرَامٍ
ثَلاثُونَ يَوْمًا وَثَلاثُونَ لَيْلَةً " وكَانَ هَذَا
الحَدِيث عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْء إِذْ كَانَ عبد الرَّحْمَن
بن إِسْحَاق لَا يُقَام خَالِد الْحذاء فِي ضَبطه وإتقانه،
وإِذَا الْعَنَان قَدْ يدْفع مَا رووا، لأَنا قَدْ رَأينَا
الشُّهُور الْحَرَام قَدْ تنقص عَنِ الثَّلَاثِينَ، لَا تدافع
ذَلِكَ الْعَامَّة وَلَا الْخَاصَّة فِي حَدِيث ابْن إِسْحَاق
هَذَا، إِخْرَاج رَمَضَان مِمَّا أدخلهُ فِيه خَالِد فِي
حَدِيثه الَّذِي روينَاهُ عَنهُ أَن شهر رَمَضَان لَيْسَ من
الشُّهُور الْحرم، وقَدْ ذكرنَا فِيمَا تقَدم بِنَا فِي هَذَا
الْبَاب قَول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ من غير أَن يكون نقصا " مَا رُوِيَ
عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، واحتجنا
إِلَى إِعَادَته هَاهُنَا، وَبَعض مَا رُوِيَ عَنهُ فِيه
ليستخرج مَا فِي ذَلِكَ من الدَّلَائِل عَلَى المُرَاد بقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شهرا عيد لَا ينقصان،
رَمَضَان وَذُو الْحجَّة "
983 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا
وَنَقَصَ فِي الثَّالِثَةِ أُصْبُعًا "
(1/443)
984 - حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ إِدْرِيسَ
بْنِ الْحَجَّاجِ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ
أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
صِلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، وَضَمَّ إِبْهَامَهُ
فِي الثَّالِثَةِ "
985 - حَدَّثَنَا بَكْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ
قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَذْكُرُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
986 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "
الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " وكَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَالله
أعلم من قَول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى قَصده إِلَى شهر بِعَيْنِه أَنَّهُ كَذَلِكَ، لَا عَلَى
أَن الشُّهُور كلهَا تسع وَعِشْرُونَ أَلا ترى إِلَى قَوْله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
فَإِن غم عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ "، لِأَنَّهُ أَكثر مَا
يكون الشَّهْر كَذَلِكَ وَالدَّلِيل عَلَى أَن رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصد بقوله: " الشَّهْر تسع
وَعِشْرُونَ " إِلَى شهر بِعَيْنِه
987 - أَنَّ بَكَّارًا، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ
حَدَّثَانَا، قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ
الْيَمَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ،
عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
فَذَكَرَ إِيلاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ، وَأَنَّهُ نَزَلَ لِتِسْعٍ
وَعِشْرِينَ، فَقَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا
وَعِشْرِينَ " هَكَذَا لَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ
988 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ، أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ
أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ
أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
(1/444)
غَدَا عَلَيْهِمَا، أَوْ رَاحَ "، فَقِيلَ
لَهُ: حَلَفْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ أَنْ لَا تَدْخُلَ
عَلَيْهِنَّ شَهْرًا؟، فَقَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعَةٌ
وَعِشْرُونَ يَوْمًا "
989 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ
إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ،
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: هَجَرَ رَّسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَانَ
يَكُونُ فِي الْعُلْوِ، وَيَكُنَّ فِي السُّفْلِ، فَنَزَلَ
إِلَيْهِنَّ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ رَجُلٌ:
إِنَّكَ مَكَثْتَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ: "
إِنَّ الشَّهْرَ هَكَذَا، وَهَكَذَا بِأَصَابِعِ يَدِهِ
وَهَكَذَا وَقَبَضَ فِي الثَّالِثَةِ إِبْهَامَهُ "
990 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ
991 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آلَى رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ،
فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَ
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: "
الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " فَدَلَّ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا
عَلَى أَنَّ مُرَادَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ "، أَوْ
مَا مَعَنْاهُ، مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ أَرَادَ
بِذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي وَقَعَ إِيلاؤُهُ عَلَيْهِ،
وَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأَنَّ يَمِينَهُ
وَافَقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة
إنكارها عَلَى من روى عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ "، مِمَّا
رُوِيَ عَنهُ من ذَلِكَ وإخبارها أَن قَوْله فِي ذَلِكَ إنمَا
كَانَ غير هَذَا اللَّفْظ
992 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: وَقَوْلُهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
(1/445)
قَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ
وَعِشْرُونَ "، وَلا وَاللهِ مَا كَذَلِكَ قَالَ، أَنَا
وَاللهِ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا قَالَ
حِينَ هَجَرَنَا: " لأَهْجُرُكُنَّ شَهْرًا " فَجَاءَ حِينَ
ذَهَبَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ
اللهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ شَهْرًا، وَإِنَّمَا غِبْتَ عَنَّا
تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً؟ فَقَالَ: " إِنَّ شَهْرَنَا
هَذَا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً " وقَدْ رُوِيَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي عدد الشَّهْر مَا
993 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَزَّازُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا
وَعِشْرِينَ، وَيَكُونُ ثَلاثِينَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ " فَدلَّ قَول رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَن الشَّهْر قَدْ
يكون مرّة تسعا وَعشْرين، وقَدْ يكون مرّة ثَلَاثِينَ، وَلم
يخص بِذَلِكَ شهورا بِأَعْيَانِهَا من سَائِر الشُّهُور فَدلَّ
ذَلِكَ عَلَى أَن كل شهر من الشُّهُور قَدْ يكون تسعا
وَعشْرين، وَيكون ثَلَاثِينَ، وَثَبت بِذَلِكَ أَن مُرَاده
صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بقوله: " شهرا عيد لَا ينقصان: رَمَضَان وَذُو
الْحجَّة "، إِنَّه لَيْسَ عَلَى نُقْصَان الْعدَد، وَلكنه
عَلَى نُقْصَان الْأَحْكَام وَلم يبين لنا عزّ وجلّ عَلَى
لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَقْت
الَّذِي نعتد فِيه بالهلال للصَّوْم أَو للفطر، وَلَا أَنَّهُ
هُوَ الْهلَال الَّذِي يُرَى فِي النَّهَار، أَو هُوَ الْهلَال
الَّذِي يرى فِي اللَّيْل؟ وقَدِ اخْتلف أهل الْعلم فِي
الْهلَال الَّذِي يرى فِي النَّهَار، فقَالَ: بَعضهم: هُوَ
لليلة الجائية وقَالَ: بَعضهم: إِن كَانَ رُئِيَ قبل الزَّوَال
فَهُوَ لليلة المَاضية، وَإِن كَانَ رئي بعد الزَّوَال فَهُوَ
لليلة الجائية، وقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا
994 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ،
قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بِخَانِقِينِ: " أَلا إِنَّ
الأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُ الْهِلالَ نَهَارًا فَلا تُفْطِرُوا حَتَّى
يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالأَمْسِ "
995 -
(1/446)
995 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، مِثْلَهُ
ففِي هَذَا الحَدِيث أَن الْهلَال إِذَا رئي فِي النَّهَار
فَهُوَ لليلة الجائية، وفِي حكم مَا رئي فِيهَا، لَا فِي حكم
مَا رئي فِي اللَّيْلَة الَّتِي قبل يَوْمئِذٍ، وَهَكَذَا
كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمّد يَقُولَانِ فِي الْهلَال
إِذَا رئي نَهَارا قبل الزَّوَال أَو بعد الزَّوَال، إِنَّه
لليلة الجائية وَهُوَ قَول مَالك أَيْضا كمَا حَدَّثَنَا
سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ
أَبِي يُوسُفَ مِمَّا يدل عَلَى هَذَا الْمَعْنى وكمَا
حَدَّثَنَا يُونُس، عَنِ ابْنِ وهب، قَالَ: قَالَ مَالك: وَمن
رأى هِلَال شَوَّال نَهَارا فَلَا يفْطر، وليتم صِيَام يَوْمه
ذَلِكَ، فإنمَا هُوَ هِلَال اللَّيْلَة الَّتِي تَأتي قَالَ:
أَحْمد: وهلال شهر رَمَضَان فِي قِيَاس قَوْله كَذَلِكَ
وَهَكَذَا كَانَ الشَّافِعِي يَقُولُ فِي ذَلِكَ كمَا حكى لنا
المُزَني عَنهُ فِي مُخْتَصره قَوْله وفِي قَول عمر حَتَّى
يشْهد شَاهِدَانِ أنهمَا قَدْ رأياه بالْأَمْس، وَلم يقل فِي
أول النَّهَار، وَلَا فِي آخِره، دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِذَا
رئي فِي أول النَّهَار أَو رئي فِي آخِره أَن الحكم وَاحِد غير
مُخْتَلف، غير أَن عُبَيْدَة بن حميد روى حَدِيث عمر هَذَا
عَنِ الْأَعْمَش، وَزَاد فِيه عَلَى شُعْبَة وعَلَى أَبِي
مُعَاوِيَة حرفا يدل عَلَى أَن عمر أَرَادَ بِهِ رُؤْيَة
الْهلَال بالْأَمْس فِي آخر النَّهَار، وَذَلِكَ
996 - أَنَّ رَوْحَ بْنَ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ،
قَالَ: كُنَّا بِخَانِقِينَ، فَرَأَيْنَا الْهِلالَ نَهَارًا،
فَصَامَ بَعْضُنَا وَأَفْطَرَ بَعْضُنَا، فَلَمْ يَعِبْ مَنْ
صَامَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ، وَلا مَنْ أَفْطَرَ عَلَى مَنْ
صَامَ، فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
الأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهَا فَلا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّهُمَا أَبْصَرَاهُ
بِالأَمْسِ عَشِيَّةً " قَالَ: هَذَا الحَدِيث عَلَى أَن عمر
إنمَا أَرَادَ الرُّؤْيَة فِي آخر النَّهَار من الأمس، لَا فِي
أَوله وَهَكَذَا كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُولُ فِي
الْهلَال:
إِذَا رئي قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة المَاضية، وفِي حكم مَا
رئي فِيهَا، وإِذَا رئي بعد الزَّوَال فَهُوَ لليلة الجائية،
وفِي حكم مَا رئي فِيهَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ من قَوْله مَالك
بن يَحْيَى الْهَمدَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّصْر،
عَنِ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ سُفْيَان،
(1/447)
وقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُف، قَالَ بِهَذَا
كمَا حَدَّثَنَا جَعْفَر بن أَحْمد، عَنْ بشر، عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، فَذكر عَنهُ كَذَلِكَ وقَدْ روى مَنْصُور حَدِيث عمر
الَّذِي ذكرنَا، عَنْ أَبِي وَائِل كَمثل مَا رَوَاهُ
عُبَيْدَة، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي وَائِل، لَا كمَا
رَوَاهُ شُعْبَة، وَأَبُو مُعَاوِيَة، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ
أَبِي وَائِل
997 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ:
أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ
فَرْقَدٍ: " إِذَا أُرِيتُمُ الْهِلالَ نَهَارًا فَلا
تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا
رَأَيَاهُ بِالأَمْسِ عَشِيَّةً " وكذَلِكَ ذكره إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ من قَول عمر مُرْسلا
1000 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو النَّصْرِ، عَنِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: " إِذَا رُئِيَ الْهِلالُ نَهَارًا
قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَأَفْطِرُوا، وإِذَا رُئِيَ بَعْدَ
زَوَالِ الشَّمْسِ فَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا "
999 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُتْبَةَ
بْنِ فَرْقَدٍ وَهَذَا كَانَ إِبْرَاهِيم، يَقُولُ:
1000- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ
الْهِلالَ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ فَأَفْطِرُوا، وَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ فَلا تُفْطِرُوا "
وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عمر فِي هَذَا أَنَّهُ لليلة الجائية،
لَا لليلة المَاضية بِغَيْر تَفْرِيق مِنْهُ بَيْنَ مَا رئي
بعد الزَّوَال وَبَين مَا رئي قبل الزَّوَال
1001 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ،
" أَنَّ أُنَاسًا رَأَوْا هِلالَ الْفِطْرِ نَهَارًا،
فَأَتَمَّ عَبْدُ اللهِ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ وَقَالَ:
لَا، حَتَّى يُرَى مِنْ حَيْثُ يُرَى بِاللَّيْلِ "
1002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى
(1/448)
بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الزَّبِيدِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ هِلالَ الْفِطْرِ رُئِيَ
نَهَارًا فَلَمْ يُفْطِرْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: "
لَا حَتَّى نَرَى حَيْثُ يَطْلُعُ فِي اللَّيْلِ "
1003 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بِذَلِكَ
1004 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ بِهَذَا الْقَوْلِ
1005 - حَدَّثَنَا نَصْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ بِهَذَا الْقَوْلِ ولمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِكَ
نَظرنَا أَن نجد فِيه عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل عَلَى شَيْء مِمَّا اخْتلفُوا
فِيه،
1006 - فإِذَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ
حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي
عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمُومَتِي مِنَ
الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: " أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلالُ
شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ
النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلالَ بِالأَمْسِ،
فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، ثُمَّ يَخْرُجُوا
لِعِيدِهِمْ مِنَ الْغَدِ " وإِذَا سليمَان
1007 - قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
حَسَّانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،
فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وإِذَا إِبْرَاهِيمُ:
1008 - قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَا:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا عُمَيْرِ بْنَ أَنَسٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ
قَالَ: " وَأَمَرَهُمْ إِذَا
(1/449)
أَصْبَحُوا أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى
مُصَلاهُمْ " وَلم نجد فِي هَذَا عَنْ رَسُول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كشف الشُّهُود الَّذين شهدُوا
عِنْده عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْوَقْت الَّذِي رَأَوْا فِيه
الْهلَال من الْيَوْم الَّذِي رَأَوْهُ فِيه هَل كَانَ قبل
الزَّوَال مِنْهُ أَو بعد الزَّوَال؟ فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى
اسْتِوَاء الحكم فِي رُؤْيَتهمْ إِيَّاه قبل الزَّوَال، وفِي
رُؤْيَتهمْ إِيَّاه بعد الزَّوَال، لِأَنَّهُ لَو كَانَ
مُخْتَلفا لكشفهم عَنْ ذَلِكَ، ليجعل الْهلَال الَّذِي
رَأَوْهُ، إِن كَانَ قبل الزَّوَال من الْيَوْم الَّذِي
رَأَوْهُ فِيه لليلة المَاضية، وَيَأْمُر النَّاس بِقَضَاء
يَوْم، لأَنهم لم يَصُومُوا من ذَلِكَ الشَّهْر إِلَّا ثمَانية
وَعشْرين يَوْمًا، وَيجْعَل الْهلَال الَّذِي رَأَوْهُ، إِن
كَانُوا رَأَوْهُ بعد الزَّوَال لليلة الجائية، وَيَأْمُر
النَّاس بِالْخرُوجِ من غدهم إِلَى مصلاهم، ويجعلهم قَدْ
صَامُوا تسعا وَعشْرين يَوْمًا، وَهُوَ جَمِيع مَا كَانَ وَجب
عَلَيْهِم من الصّيام فِي ذَلِكَ الشَّهْر فكَانَت الْحجَّة
وَاجِبَة بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي روينَا، ثُمَّ تأملنا بعد
ذَلِكَ فوجدناه من حَدِيث هشيم من غير رِوَايَة يَحْيَى بن
حسان، وَسَعِيد بن مَنْصُور، يزِيد حرفا تَزُول بِهِ الْحجَّة،
وَذَلِكَ أَن يُوسُف بن يزِيد
1009 - حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
شَيْبَةَ الْجُدِّيُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ
يُونُسَ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا قَالَ يُوسُفُ،
وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ
عُمُومَتِهِ مِنَ الأَنْصَارِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى
مِثْلِ مَا ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، وَسَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، إِلا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: " فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ
رَأَوْهُ بِالأَمْسِ عَشِيًّا وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب
حَدِيث غير حَدِيث أَبِي عُمَيْر هَذَا مِمَّا يدْخل فِي هَذَا
الْمَعْنى الأول الَّذِي ذكرنَا
1010 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ
رَمَضَانَ، فَشَهِدَا أَنَّهُمَا أَهَلا الْهِلالَ بِالأَمْسِ،
" فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَغْدُوا إِلَى صَلاتِهِمْ "
فكَانَ هَذَا الحَدِيث مُوَافقا لحَدِيث أَبِي عُمَيْر الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ قبله من روايتي شُعْبَة، وهشيم، مِمَّا رَوَاهُ
عَنهُ يَحْيَى، وَسَعِيد، غير أَنا لم نجد أحدا يحدث بِهِ عَنْ
أَبِي عوَانَة عَلَى هَذَا اللَّفْظ
(1/450)
الَّذِي وَصفنَا غير هِلَال فَأَما مَا
رَوَاهُ عَلَيْهِ غير هِلَال
1011- فَإِنَّ الرَّبِيعَ الْمُرَادِيَّ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدِمَ
أَعْرَابِيَّانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ،
فَشَهِدَا أَنَّهُمَا أَهَلا الْهِلالَ بِالأَمْسِ، " فَأَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ
يُفْطِرُوا " فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا غَيْرَ
هَذَا، وَكذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
غَيْرَ أَسَدٍ، ثُمَّ وَجَدْنَا نَصْرَ بْنَ مَرْزُوقٍ،
ويَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ
1012 - قَدْ حَدَّثَانَا، قَالَا: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَ
حَدِيثِ الرَّبِيعِ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ
الْحَدِيثِ فِي هَذَا غَيْرُ مَنْصُورٍ كَمَا حَدَّثَنَا
الرَّبِيعُ، عَنْ أَسَدٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ لِمُوَافَقَةِ الثَّوْرِيِّ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ،
عَنْ مَنْصُورٍ
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} الْآيَة
قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ} الْآيَة
1013 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ
الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ، جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا
أَبْيَضَ، وَخَيْطًا أَسْوَدَ فَيَضَعُهُمَا تَحْتَ وِسَادِهِ،
يَنْتَظِرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَهُمَا فَيَتْرُكَ الطَّعَامَ
قَالَ: فَبَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَنَزَلَتْ:
{مِنَ الْفَجْرِ} "
(1/451)
1014 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ
بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ،
مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، وَمُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ
وَالآخَرُ أَبْيَضُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، فَلا
يَتَبَيَّنُ لِيَ الأَبْيَضُ مِنَ الأَسْوَدِ، فَلَمَّا
أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ،
فَقَالَ: " إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا ذَلِكَ
سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ "
1015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
عَدِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
1016 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ
1017 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ
الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: صِرْمَةُ
بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا جَاءَ إِلَى أَهْلِهِ
عِشَاءً وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ إِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ
قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا إِلَى مِثْلِهَا،
وَالْمَرْأَةُ إِذَا نَامَتْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا
يَقْرَبُهَا حَتَّى مِثْلِهَا فَلَمَّا جَاءَ صِرْمَةُ إِلَى
أَهْلِهِ، فَدَعَا بِعَشَائِهِ، فَقَالُوا: أَمْهِلْ حَتَّى
نَتَّخِذَ لَكَ طَعَامًا سُخْنًا تُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَوَضَعَ
الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَنَامَ، فَجَاءُوا بِطَعَامِهِ، فَقَالَ:
قَدْ كُنْتُ نَائِمًا فَلَمْ يَطْعَمْهُ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ،
فَلُصِقَ ظَهْرًا الْبَطْنٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا
مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ " وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ وَأَتَى أَهْلَهُ، فَقَالُوا: إِنَّهَا كَانَتْ
نَامَتْ، فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهَا اعْتَلَّتْ عَلَيْهِ
فَوَاقَعَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ نَامَتْ،
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِ
الآيَةِ
(1/452)
فَدلَّ مَا ذكرنَا عَلَى أَن الدُّخُول فِي
الصّيام من طُلُوع الْفجْر، وعَلَى أَن الْخُرُوج مِنْهُ
بِدُخُول اللَّيْل، وكَانَ قَوْله عزّ وجلّ إِلَى اللَّيْل
غَايَة لم يدخلهَا فِي الصّيام بمَا بَيَّنَ لنا عَلَى لِسَان
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1018 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَيْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ
النَّهَارُ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
" وقَدْ رُوِيَ عَن حُذَيْفَة، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب مَا
1019 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: "
تَسَحَّرْتُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَمَرَرْتُ
بِمَنْزِلِ حُذَيْفَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَمَرَ
بِلَقْحَةٍ، فَحُلِبَتْ وَبِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ، فَقَالَ:
كُلْ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَقَالَ: وَأَنَا
أُرِيدُ الصَّوْمَ، قَالَ: فَأَكَلْنَا، ثُمَّ شَرِبْنَا،
ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، قَالَ:
هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَوْ صَنَعْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: بَعْدَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: بَعْدَ
الصُّبْحِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ " ففِي هَذَا
الحَدِيث أَن أول وَقت الصّيام من طُلُوع الشَّمْس، وَأَن مَا
قبل طُلُوع الشَّمْس، ففِي حكم اللَّيْل وَهَذَا عِنْدَنَا
وَالله فقَدْ يحْتَمل أَن يكون بعد مَا أنزل الله عزّ وجلّ:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} قبل أَن ينزل الله عزّ
وجلّ {مِنَ الْفَجْرِ} عَلَى مَا فِي حَدِيثِ سهل بن سعد
الَّذِي روينَا فِي هَذَا الْبَاب ثُمَّ أنزل الله عزّ وجلّ
بعد ذَلِكَ: {مِنَ الْفَجْرِ} وَذهب ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَة،
وَعلمه غَيره، فَعمل حُذَيْفَة بمَا علم إِذْ لم يعْمل
النَّاسِخ، وَعلم غَيره فَصَارَ إِلَيْهِ، وَعلم غَيره
النَّاسِخ فَصَارَ إِلَيْهِ وَعمل بِهِ، وكَانَ من علم من
هَذَا شَيْئا أولى مِمَّنْ لم يُعلمهُ وَقَول أهل الْعلم
جَمِيعًا: أَن أول الصّيام من طُلُوع
الْفجْر وَأَن آخِره عِنْد غرُوب الشَّمْس، وقَدْ رُوِيَ عَنْ
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا
الْبَاب مَا يُوَافق الْآثَار الأول
1020 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، وَالْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ، قَالَا:
(1/453)
حَدَّثَنَا مُلازِمُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ السُّحَيْمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي،
أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ
الْمُصَعَّدُ، كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ
الأَحْمَرُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَأَعْرَضَهَا " وقَدْ رُوِيَ
عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هَذَا الْمَعْنى مَا
1021 - قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سَارَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ
بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ "
1022 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ،
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عُمَرَ
1023 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ،
وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
1024 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ
1025 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْمِهْرَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
قَالَ سَالِمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ
مِثْلَهُ
1026 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَنْصُورٍ
الْبَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ،
عَنِ
(1/454)
الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
1027 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ففِي
حَدِيث ابْن عمر هَذَا أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ مَنعهم من الْأكل وَالشرب،
اللَّذين يحرمهمَا للصيام بِنِدَاء ابْن أم مَكْتُوم
1028 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بِلالا يُنَادِي بِلَيْلٍ،
فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
"، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلا مِقْدَارُ مَا
يَصْعَدُ هَذَا وَيَنْزِلُ هَذَا ففِي هَذَا الحَدِيث قرب
أَذَان ابْن أم مَكْتُوم من أَذَان بِلَال الَّذِي كَانَ
يُؤذنهُ فِي اللَّيْل
1029 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا نِدَاءَ بِلالٍ "
1030 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ
بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمَّتِهِ
أُنَيْسَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ بِلالا أَوِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ
يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ
بِلالٌ أَوِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ "، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ
هَذَا وَأَرَادَ هَذَا أَنْ يَصْعَدَ تَعَلَّقُوا بِهِ
وَقَالُوا: كَمَا أَنْتَ حَتَّى تَتَسَحَّرَ
1031 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ،
عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ، وَكَانَتْ قَدْ حَجَّتْ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ،
(1/455)
وَزَادَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلا
أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا؟ فَهَذَا كَحَدِيث
عَائِشَة الَّذِي روينَاهُ قبله وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنى
1032 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَعَلِيُّ
بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ،
عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَمْنَعَنَّ
أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلالٍ مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُنَادِي
أَوْ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ غَائِبُكُمْ أَوْ لِيَنْتَبِهَ
نَائِمُكُمْ "، وَقَالَ: " لَيْسَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ
هَكَذَا وَهَكَذَا وَجَمَعَ أُصْبُعَيْهِ وَفَرَّقَهُمَا "
1033 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
1034 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ
هَكَذَا، وَرَفَعَ زُهَيْرٌ يَدَهُ حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا،
وَمَدَّ زُهَيْرٌ يَدَهُ عَرْضًا
1035 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا
يَغُرَّنَّكُمْ نِدَاءُ بِلالٍ، وَلا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى
يَبْدُوَ الْفَجْرُ أَوْ يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ "
1036 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سُوَادَةَ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ففِي هَذَه الْآثَار الَّتِي
روينَا أَن الْمُرَاعَى بالصيام هُوَ طُلُوع الْفجْر، وَأَنه
الَّذِي يحرم بِهِ الطَّعَام وَالشرَاب عَلَى الصَّائِم،
وَذَلِكَ مُوَافق لقَوْل الله عزّ وجلّ:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(1/456)
فَهَذِهِ آيَة محكمَة، وَهَذِه آثَار
صَحِيحَة، وَلَا نرى وَالله أعلم أَن حَدِيث حُذَيْفَة الَّذِي
روينَاهُ فِي صدر هَذَا الْكتاب إِلَّا متقَدمًا لَهَا، أَو
مَنْسُوخا بِهَا فِي أَشْيَاء مُخْتَلفَة زيادات فِيمَا
تَقَدَّمَ من كتاب الصّيام وجدناها فِي حَدِيث وَاحِد
1037 - حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،
قَالَ: " أُحِيلَتِ الصَّلاةُ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ،
وَالصِّيَامُ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ، فَأَمَّا أَحْوَالُ
الصِّيَامِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَصَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ
هَكَذَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،
ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِ:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ
أَطْعَمَ مِسْكِينًا، وَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى
أَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ إِلَى قَوْلِهِ: فَلْيَصُمْهُ وَإِلَى
قَوْلِهِ: وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} فَفَرَضَهُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ، وَأَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ
الْمُقِيمِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمُسَافِرِ،
وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ
صِيَامَهُ " وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ
النِّسَاءَ، فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ
رَجُلٌ
يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ قَدْ ظَلَّ يَوْمَهَ يَعْمَلُ، فَجَاءَ
صَلاةَ الْعِشَاءِ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ
يَطْعَمَ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَقَدْ
أُجْهِدَ، فَقَالَ: " إِنِّي أَرَاكَ قَدْ أُجْهِدْتَ "،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ظَلِلْتُ يَوْمِي أَعْمَلُ،
فَجِئْتُ صَلاةَ الْعِشَاءِ، فَنِمْتُ قَبْلَ أَنْ أَطْعَمَ
وَجَاءَ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَ مِنَ النِّسَاءِ فَنَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ففِي هَذَا
الحَدِيث غير وَجه من الْفِقْه فِيمَا قَدْ تقَدم كلامنا فِيه
من كتَابنَا، وكرهنا أَن نقطع هَذَا الحَدِيث فَنَجْعَل كل
معنى مِنْهُ فِي مَوْضِعه من كتَابنَا هَذَا، فأتينا بِهِ
عَلَى وَجهه هَاهُنَا وَالله الْمُوفق آخر الصّيام وَالْحَمْد
لله وَحده وَأول الِاعْتِكَاف
(1/457)
|