أحكام القرآن للكيا الهراسي يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة التحريم
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) ، الآية/ 1.
قيل: إن الآية وردت في تحريم العسل «1» .
وقيل: وردت في تحريم مارية لما أصابها في بيت حفصة، فعلمت به،
فخرجت منه فقال: ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها؟ فقالت: بلى.
فحرمها فنزلت الآية.
والأشبه هذا، فإنه تعالى قال: (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ
اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) ؟ وفي حديث
العسل، روي أنه حلف، وروي أنه حلف في الجارية أيضا،
واحتجوا عليه بقوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ
تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) ، الآية/ 2.
ولا أيمان في مجرد التحريم «2» .
قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) ، الآية/ 6.
قال علي رضي الله عنه في تفسيره: علموا أنفسكم وأهليكم الخير.
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير، وأسباب النزول للواحدي النيسابوري.
(2) أنظر تفسير محاسن التأويل ج 16.
(4/425)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
وقال الحسن: نعلمهم ونأمرهم وننهاهم.
وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير،
وما لا يستغنى عنه من الأدب، وهو معنى قوله تعالى: (وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) «1» ، ونحو قوله:
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) «2» .
وفي الحديث «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم
أبناء عشر» «3» .
قوله تعالى: (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ، الآية/ 9:
وفيه دليل على التشدد في دين الله تعالى.
__________
(1) سورة طه آية 132.
(2) سورة الشعراء آية 214.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والحاكم
في المستدرك.
(4/426)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة المزمل
قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) ، الآية/ 2.
روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قام هو وأصحابه حتى انتفخت
أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا، ثم أنزل الله
تعالى التخفيف في آخر السورة، فكان قيام الليل تطوعا بعد كونه
فريضة «1» .
قوله تعالى: (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ،
الآية/ 20.
فنسخ به قيام الليل المفروض فكان ندبا.
ودلت الآية على لزوم فرض القراءة في الصلاة، بقوله تعالى:
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) .
ومن سورة المدثر:
قوله تعالى: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) ، الآية/ 4.
يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات للصلاة.
وقال عكرمة: أمره أن لا يلبس ثيابه على عذرة، وذلك محتمل.
قوله تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ، الآية/ 6.
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره والواحدي النيسابوري في أسباب
النزول والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي.
(4/427)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكَّى (14)
أي لا تمنن حسناتك عند الله تعالى مستكثرا،
فينقصك ذلك عند الله تعالى.
ومن سورة القيامة:
قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
، الآية/ 14.
يدل على قبول شهادة الإنسان على نفسه «1» .
ومن سورة الإنسان:
قوله تعالى: (وَأَسِيراً) ، الآية/ 8.
يدل على أن إطعام المشرك يتقرب به إلى الله تعالى، غير أنه
صدقة التطوع، وأما المفروض فلا دليل عليه «2» .
ومن سورة المرسلات:
قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً
وَأَمْواتاً) ، الآية/ 25، 26.
وعنى بالكفات الضمام، فأراد به تعالى أنها تضمهم في الحالتين
جميعا «3» .
وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ودفن شعره وسائر ما
يزايله.
ومن سورة الأعلى:
قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ
رَبِّهِ فَصَلَّى) ، الآية/ 14 و 15.
يدل على زكاة الفطر وزكاة المال.
__________
(1) أنظر محاسن التأويل.
(2) وأسيرا: أي مأسورا من حرب أو مصلحة
(3) أي حالتي الحياة والموت.
(4/428)
وذكر اسم ربه، يدل على ذكر يناسب الزكاة،
وذلك تكبيرات العيد.
ومن سورة الانشقاق «1» :
قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) ، الآية/ 16.
قال مجاهد: الشفق النهار، ألا تراه قال: (وَاللَّيْلِ وَما
وَسَقَ) ، الآية/ 17.
وقال قائلون: الشفق البياض.
وقال آخرون: الحمرة، وعلى كل واحد من اللفظين أمارات، واللفظ
يحتملهما جميعا.
قوله تعالى: (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا
يَسْجُدُونَ) ، الآية/ 21:
لا يظهر في سجود التلاوة، لأن ذلك يبعد أن يكون مرادا من بين
الواجبات كلها، فدل أن المراد به أنهم لا يذعنون ولا يطيعون في
العمل بموجباته:
ومن سورة الضحى:
قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) ، الآية/ 9:
يحتمل أن يكون نهيا عن قهره وظلمه وأخذ ماله، وخص اليتيم
بالذكر، لأنه لا ناصر له إلا الله، فغلظ في أمره بتغليظ
العقوبة على ظالمه.
وأما قوله: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) ، الآية/ 10.
__________
(1) والمؤلف لم يراع هنا ترتيب السور أيضا فقدم سورة الأعلى
على سورة الانشقاق. [.....]
(4/429)
فَإِذَا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ (7)
فيه نهي عن إغلاظ القول له، لأن الانتهار
هو الزجر وإغلاظ القول.
ومن سورة الشرح:
قوله تعالى: (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ
فَارْغَبْ) ، الآية/ 7، 8:
في العبادة والدعاء.
(4/430)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة القدر
قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ،
الآية/ 3:
ليس فيها ليلة القدر، وإنما فضيلة الزمان بكثرة ما يقع فيه من
الفضائل، وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله
في ألف شهر.
واختلفت الروايات عن النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة القدر،
ولا دليل في الآية على التعيين، وليس في الشرع قاطع على
التعيين، ولذلك إذا قال لامرأته أنت طالق ليلة القدر لا تطلق
حتى يمضي حول، لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك، ولم يثبت
اختصاصها بوقت، فلا يتيقن وقوع الطلاق إلا بمضي حول:
ومن سورة البينة:
قوله تعالى: (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، الآية/ 5:
يدل على وجوب النية في العبادات، لأن الإخلاص عمل القلب، وهو
أن يريد وجه الله تعالى بالعمل، ولا يراد غيره به أصلا.
ومن سورة الماعون:
قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ،
الآية/ 5.
أي مؤخرون لها عن ميقاتها.
(4/431)
قوله: (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) ، الآية/
7: كل ما فيه منفعة.
ومن سورة الكوثر:
قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، الآية/ 2.
قال الحسن: صلاة يوم النحر والبدن.
قال مجاهد وعطاء: صل الصبح بجمع، وانحر البدن بمنى.
ومن سورة النصر:
قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، الآية/ 3.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي عليه الصلاة
والسلام فيما يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك
استغفرك وأتوب إليك «1» .
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده والبيهقي في الدلائل.
(4/432)
وَمِنْ شَرِّ
النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الفلق
عن عقبة بن عامر قال: بينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريح شديدة مظلمة
فجعل رسول الله يتعوذ بأعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس ويقول:
«يا عقبة، تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما» «1» .
و (النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) ، الآية/ 4: السواحر ينفثن
على العليل، ويرقونه بكلام هو كفر وتعظيم للكوكب، ويطعمن
العليل الأدوية الحارة الضارة والسموم القاتلة، ويحتلن في
التوصل إلى ذلك، ويزعمن أن ذلك من رقاهن، ومن أردن نفعه نفثن
عليه، وأوهمن أنهن نفعنه بذلك، وربما أضفن إلى ذلك بعض الأدوية
النافعة.
وروت عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
«العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، فإذا استعنتم
فاغتسلوا» «2» .
__________
(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور، وأبن كثير في تفسيره.
(2) أخرجه أبن حميد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير
والامام أحمد في مسنده
(4/433)
وقال قوم من الفلاسفة: إن ضرر العين، إنما
هو من جهة شيء ينفصل من العين ويتصل بالمعاين.
والحق في ذلك إذا اتفق ضرر فهو من فعل الله تعالى، وإنما يفعل
ذلك عند إعجاب الإنسان بما يراه، تذكيرا له لأن لا يركن إلى
الدنيا ولا يعجب بشيء منها.
وعن أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
«من رأى شيئا يعجبه فقال: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا
بالله لم يضره شيء» «1» .
تم الكتاب بحمد الله ومنه، وقد أتينا على جمل ما يحتاج إليه من
أحكام الفقه اشتمل القرآن عليها، وأوضحنا قدر مقصودنا من
اختلاف العلماء، وبيان أقرب الأقوال إلى معاني القرآن، ولم
نغادر جهدا في تلخيص ما أردناه وحذف الحشو المستغنى عنه.
ونسأل الله تعالى أن يجعل سعينا مصروفا إلى ابتغاء مرضاته،
وابتغاء الزلفى لديه، فإنه رؤوف رحيم بعباده، وصلّى الله على
سيدنا محمد النبي الأمي وآله وسلّم تسليما «2» .
__________
(1) أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، والدر المنثور
للسيوطي والبيهقي في الشعب.
(2) تمت النسخة وبها تم كتاب أحكام القرآن ونرجو الله سبحانه
وتعالى أن يجعل عملنا فيه خالصا لوجهه وأن يجزي مؤلفه عنا وعن
المسلمين والفقهاء خير الجزاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم.
(4/434)
|