أحكام القرآن للكيا الهراسي يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الصف
قوله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ، الآية/ 2.
يحتج به في وجوب الوفاء بالنذر، في نذر اللجاج، على أحد قولي
الشافعي.
(4/413)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(9)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الجمعة
قوله تعالى: (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ) ، الآية/ 9:
وليس في الآية تعيين الصّلاة، إلا أن الاتفاق منعقد على أن
المراد به الجمعة، والمراد بالنداء الأذان.
قال تعالى: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) ، الآية/ 9.
قرأ عمرو بن مسعود: فامضوا، قال عبد الله: لو قرأت فاسعوا
لسعيت حتى يسقط ردائي.
ويجوز أن يكون ذلك تفسيرا كما قال: (إِنَّ شَجَرَةَ
الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) «1» .
وقيل: السعى بمعنى العمل، كما قيل: (وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) «2» .
قوله تعالى: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) ، الآية/ 9:
يحتمل أن يريد به الصلاة، ويحتمل الخطبة، وهو عموم فيهما،
وإنما ثبت وجوبهما بدليل آخر غير هذا اللفظ.
__________
(1) سورة الدخان آية 43- 44.
(2) سورة النجم آية 39.
(4/415)
فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (10)
نعم في هذا اللفظ دليل على أن هناك ذكر يجب
السعي إليه، فأما عين الذكر فلا دليل عليه.
قال مالك، قوله: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) : يدل على فساد البيع،
ورآه أخص من العمومات الواردة في البيع، ورأى أن البيع لما حرم
دل على فساده، وهذا مما بينا فساده في أصول الفقه.
قوله تعالى: (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ، الآية 10.
بالتصرف في التجارة وغيرها، فهو إباحة.
قوله تعالى: (وَتَرَكُوكَ قائِماً) ، الآية/ 11: يدل على أن
الإمام يخطب قائما، فإنهم كانوا انفضوا من الخطبة «1» .
__________
(1) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري.
(4/416)
إِذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة المنافقون
قوله تعالى: (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ- إلى
قوله- اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ، الآية/ 1، 2.
فمنه قال الشافعي: إذا قال أشهد بالله ونوى به اليمين كان
يمينا.
وأبو حنيفة يجعلها دون الله يمينا، لأن الله تعالى أخبر عن
الكفار أنهم يقولون نشهد إنك لرسول الله ولم يقولوا: نشهد
بالله، وقال تعالى:
(فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ) «1» .
والشافعي يقول: أشهد، ينبئ عن مبالغة ما، ولكن إذا لم يقرنه
بذكر الله لم يدل على معنى اليمين، فإن خاصية اليمين في ذكر
اسم الله تعالى، أو صفة من صفاته «2» .
قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، الآية/ 10.
فيه دلالة على أنه يجب تعجيل الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلا.
__________
(1) سورة النور آية 6.
(2) أنظر أحكام القرآن للجصاص ج 5 وتفسير القرطبي سورة
المنافقون
(4/417)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا
يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة الطلاق
قوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، الآية/ 1.
شرحنا معناه في سورة البقرة.
وزمان الطلاق المشروع المعلوم من هذه الآية زمان الطهر لا غير،
لا جرم قال الشعبي: يجوز أن يطلقها في طهر مسها فيه.
وقوله تعالى: (لِعِدَّتِهِنَّ) .
يدل على أن الطهر إن جعل وقت الطلاق، فالثاني والأول والثالث
سواء، وأن اللفظ عموم فيه.
وقد ظن قوم أنه لما قال: (لِعِدَّتِهِنَّ) ، فينبغي أن ينتظم
الكلام على العدة.
وهذا باطل، فإن فعل الطلاق من الزوج، إنما يتصور في سماعه،
وإنما الشامل الحاوي وقت العدة والعدة وقت الطلاق.
قوله تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا
يَخْرُجْنَ) ، الآية/ 1.
فيه دليل على وجوب السكنى لها ما دامت في العدة، فإن بيوتهن
التي نهى الله تعالى عن إخراجهن منها، هي البيوت التي كانت
تسكنها قبل
(4/419)
فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا
الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
الطلاق، فأمره بإقرارها في بيتها، ونسبه
إليها بالسكنى كما قال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) «1» .
قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ،
الآية/ 1.
فالفاحشة تحتمل البذاء، وتحتمل الزنا وتحتمل النشوز «2» .
قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، الآية/
2.
يدل على الإشهاد، إلا أن الإشهاد لا يظهر انصرافه إلى الطلاق
الذي يستحق الزوج به أبدا من غير حاجة إلى فترة، والرجعة هي
التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت.
فالظاهر رجوع قوله: (وَأَشْهِدُوا) إلى الرجعة لا إلى الطلاق.
قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) ، الآية/ 4.
فدلت الآية على إثبات الإياس بعد ارتياب، فلا يجوز أن يكون
قوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إثبات حكم الإياس في أول الآية، فلا
جرم اختلف أهل العلم في الريبة المذكورة في الآية «3» ، فروي
أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله، إن عددا من عدد النساء لم
يذكر في الكتاب الصغار والكبار وذوات الأحمال أجلهن، فأنزل
الله تعالى هذه الآية.
وأبان أن سبب نزول هذه الآية كان ارتيابهن في عددهن، صغير أو
__________
(1) سورة الأحزاب آية 33.
(2) وقد استفاض صاحب محاسن التأويل في شرح هذه المسألة في ج 16
ص 5837 فارجع اليه.
(3) أنظر تفصيل القول في كتاب أحكام القرآن للجصاص وتفسير
القرطبي.
(4/420)
كبير من الصغار «1» والكبار، فتقدير الكلام
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) ، الآية/ 4.
واختلف السلف في التي ترتفع حيضتها، فروى سعيد بن المسيب عن
عمر أنه قال:
أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها، فإنه
ينتظر بها تسعة أشهر، فإن استبان بها حمل فذاك، وإلا اعتدت بعد
ستة أشهر بثلاثة أشهر «2» .
وأمر ابن عباس بالتربص بستة أشهر وقال: تلك الريبة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه:
التي ترتفع حيضتها تبقى إلى سن اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر،
وهو الحق، فإن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر،
والمرتابة ليست بآيسة.
قوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ) ، الآية/ 4.
ولم يختلف السلف والخلف في أن عدة المطلقة الحامل في أن تضع
حملها..
واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها، وأنها تعتد بأقصى
الأجلين أو بوضع الحمل:
فقال علي رضي الله عنه بأقصى الأجلين.
وقال عمر رضي الله عنه في نفر من الصحابة: إنها تعتد بوضع
الحمل.
__________
(1) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري. [.....]
(2) أنظر تفسير الطبري والدر المنثور، وأسباب النزول للواحدي.
(4/421)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ
لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا
بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ
لَهُ أُخْرَى (6)
ولا شك أن قوله تعالى: (وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ) ، معطوف على ذكر المطلقات، غير أنه عموم، وقد نزل
بعد قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) «1» على
ما قال ابن مسعود، وأنه قال: من شاء لاعنته، ما نزلت:
(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ) ، إلا بعد آية المتوفى
عنها زوجها.. فكان قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) عام في
كل من يتوفى عنها زوجها، وقوله: (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) ،
عموم ورد بعده.. ولا دليل من الأول على تخصيص الثاني، فوجب
اعتبار المتأخر.
قوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا
عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ، الآية/ 6.
يدل على أنه لا نفقة للحامل.
نعم قوله: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) ، وإن عم الرجعية
والبائنة، وللرجعية النفقة في عموم الأحوال، فذلك خرج بدليل
الإجماع، وبقي ما عداه على موجب المفهوم من الآية، ويزيده
تأكيد أنه أطلق السكنى، وقيد النفقة، فلو كان الحكم فيها سواء
لم يكن لذلك معنى.
قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ) ، الآية/ 6.
دلت الآية على أحكام:
منها إذا أرضعت بأن ترضعه بأجر مثلها، لم يكن للأب أن يسترضع
غيرها بمثل ذلك الأجر.
__________
(1) سورة البقرة آية 234. أنظر تفسير سورة البقرة لابن جرير
الطبري.
(4/422)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ
مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ
مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
ويدل على أن الأم أحق بحضانة الولد.
ويدل على أن الأجرة إنما تستحق بالفراغ من العمل، وإن احتمل أن
يراد به غير ذلك «1» .
قوله تعالى: (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) .
وقوله: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) ، الآية/ 7.
يدل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الزوج في يساره
وإعساره، وأن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر خلافا لأبي
حنيفة، فإنه اعتبر كفايتها.
قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) ،
الآية/ 7.
فيه دليل على أنه لا يجوز التفريق بين الزوج والمرأة، لعجزه عن
نفقتها، لأن الله تعالى لم يوجب النفقة في هذه الحالة.
والذي يخالف هذا من أصحاب الشافعي يقول: إنما فرقنا بينهما لا
لأنه ترك واجبا عليه في هذه الحالة من النفقة، ولكنه عجز عن
الإمساك بالمعروف، فعليه التسريح بالإحسان، فإنه إذا صار لا بد
من أحدهما فمتى فات أحدهما تعين الثاني، ولا شك أن العاجز عن
نفقة عبده أو أمته أو بهيمته لا يجب عليه نفقتها، لكن يجبر على
بيع المملوك، كذلك هاهنا.
ولأجله ارتفع الحبس عنها في الدار، وإن لم تجب النفقة على ما
ذكروه «2» .
__________
(1) راجع تفسير محاسن التأويل ج 16 سورة الطلاق.
(2) أنظر أحكام القرآن للجصاص الجزء الخامس.
(4/423)
|