أسباب النزول ت الحميدان

سُورَةُ الْمَائِدَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} الْآيَةَ {2} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْحُطَمِ - اسمه شُرَيْحُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْكِنْدِيُّ - أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَلَّفَ خَيْلَهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَدَخَلَ وَحْدَهُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو النَّاسَ؟ قَالَ: "إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ"، فَقَالَ: حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاءَ لَا أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، وَلَعَلِّي أُسْلِمُ وَآتِي بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ"، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ بِعَقِبَيْ غَادِرٍ، وَمَا الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ"، فَمَرَّ بسرح المدينه فاستاقه، فَطَلَبُوهُ فَعَجَزُوا عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْقَضِيَّةِ سَمِعَ تَلْبِيَةَ حُجَّاجِ الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَذَا الْحُطَمُ وَأَصْحَابُهُ"، وَكَانَ قد قلد هديًا مِنْ سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَأَهْدَاهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} يُرِيدُ: مَا أشعر الله، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَرَّ بِهِمْ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ، فَقَالَ أَصْحَابُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "صُدُّ هَؤُلَاءِ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا

(1/189)


الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أَيْ وَلَا تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُمَّارِ أَنْ صَدَّكُمْ أَصْحَابُهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الْآيَةَ {3} .
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ: أَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَبَّاحٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ.
أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَعَهُ يَهُودِيٌّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْنَا فِي يَوْمٍ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عِيدَيْنِ اتَّفَقَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَوْمِ جُمُعَةٍ وَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ.

(1/190)


(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} الْآيَةَ {4} .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَلْمَى أُمِّ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُحِلَّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَالُوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.
وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ شَرْحَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالُوا: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "قَدْ أَذِنَّا لَكَ يَا جِبْرِيلُ"، فَقَالَ: "أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ"، فَنَظَرُوا فَإِذَا فِي بَعْضِ بُيُوتِهِمْ جَرْوٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ كَلْبًا بِالْمَدِينَةِ إِلَّا قَتَلْتُهُ حَتَّى بَلَغْتُ الْعَوَالِيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عِنْدَهَا كَلْبٌ يَحْرُسُهَا فَرَحِمْتُهَا، فَتَرَكْتُهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِقَتْلِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَلْبِ فَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ جَاءَ نَاسٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تَقْتُلُهَا؟ فَسَكَتَ
_________
(1) - أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 1/306 - ح: 971) وابن أبي حاتم وابن المنذر (فتح القدير: 2/16) وابن جرير (6/57) من طريق موسى بن عبيدة عن أبان به، وإسناده ضعيف جدا بسبب موسى بن عبيدة هذا (تقريب التهذيب: 2/286 - رقم: 1483) (تفسير الطبري بتحقيق أحمد شاكر: 9/545) وأخرجه الحاكم (المستدرك: 2/311) من طريق ابن إسحاق عن أَبان به وفيه عنعنة ابن إسحاق.
ويشهد له:
1 - ما أخرجه ابن جرير (6/57) عن عكرمة ومحمد بن كعب القرظي نحوه مرسلاً بإسناد ضعيف.
قصة عدي بن حاتم الآتية.

(1/191)


رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَنْزَلَ الله تعالى هذ الْآيَةَ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَنَهَى عَنْ إِمْسَاكِ ما لا نفع فِيهِ مِنْهَا، وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْكَلِبِ وَالْعَقُورِ، وَمَا يَضُرُّ وَيُؤْذِي وَرَفَعَ الْقَتْلَ عَمَّا سِوَاهُمَا وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.
(1) - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ وَهُوَ زَيْدُ الْخَيْلِ الَّذِي سَمَّاهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "زيد الْخَيْرَ"، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ، وَإِنَّ كِلَابَ آلِ ذُرَيْحٍ وَآلِ أَبِي جُوَيْرِيَةَ تَأْخُذُ الْبَقَرَ وَالْحُمُرَ وَالظِّبَاءَ وَالضَّبَّ، فمنه ما يدرك ذَكَاتَهُ وَمِنْهُ مَا يقتل فلا يدرك ذَكَاتَهُ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} يَعْنِي الذَّبَائِحَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} يَعْنِي: وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَهِيَ الْكَوَاسِبُ مِنَ الْكِلَابِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ.
(2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الْآيَةَ {11} .
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو لُبَابَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْمِيهَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُحَارِبٍ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ
_________
(1) - أسنده ابن أبي حاتم (تفسير ابن كثير: 2/15) عن سعيد به، وإسناده ضعيف ومنقطع (تهذيب التهذيب: 7/198 - رقم: 382) ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (6/59) عن عدي نحوه وإسناده ضعيف (تفسير الطبري بتحقيق أحمد شاكر: 9/553) .
(2) - أخرجه أبو نعيم (دلائل النبوة: 1/61) من طريق ابن إسحاق به، وإسناده ضعيف لعنعنة ابن إسحاق، وضعف عمرو بن عبيد فإنه مبتدع داعية (علوم الحديث لابن الصلاح: 103) (الباعث الحثيث: 83) (تقريب التهذيب: 2/74 - رقم: 630) .

(1/192)


قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ
غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ: أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ، قَالَ فَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظُرُ إِلَى سَيْفِكَ هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَأَخَذَهُ فَاسْتَلَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَهُزُّهُ وَيَهُمُّ بِهِ، فَكَبَتَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ قَالَ: يا محمد ما تَخَافُنِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَلَا تَخَافُنِي وَفِي يَدِي السَّيْفُ؟ قَالَ: "يَمْنَعُنِي اللَّهُ مِنْكَ"، ثُمَّ أَغْمَدَ السَّيْفَ وَرَدَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ}
(1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن إبراهيم الثعلبي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحسين قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ مَنْزِلًا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا، فَعَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِلَاحَهُ عَلَى شَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ"، قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اللَّهُ، فَشَامَ الْأَعْرَابِيُّ السَّيْفَ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ لَمْ يُعَاقِبْهُ.
(2) - وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قَوْمِهِمَا مُوَادَعَةٌ، فَجَاءَ قَوْمُهُمَا يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ، فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ
_________
(1) - صحيح، لكن لا يشهد لنزول الآية، لعدم التصريح فيه بذلك.
(2) - أخرج أثر مجاهد: ابن جرير في تفسيره (6/93) مرسلاً وإسناده منقطع، ويشهد له:
* ما أخرجه أبو نعيم في "الدلائل" (2/176) عن ابن عباس من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بمعناه. وإسناده ضعيف لعنعنة ابن جريج وهو مدلّس، وضعف عبد الغني سعيد الثقفي (لباب النقول: 19) (العجاب في بيان الأسباب لابن حجر: ورقة 5 أ) .

(1/193)


وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فَدَخَلُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَبَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِهِمَا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا
أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتَسْأَلَنَا حَاجَةً، اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ الَّذِي تَسْأَلُنَا، فَجَلَسَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَمَنْ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ جِحَاشِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَا، فَجَاءَ إِلَى رَحًا عَظِيمَةٍ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} {33} .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ فَاسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ راعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يخرجوا فيها فليشربوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَمَّا صَحُّوا وَكَانُوا بِنَاحِيَةِ الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فَتُرِكُوا في الحرة التي مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 7/458 - ح: 4192) ومسلم (3/1298 - ح: 1671 "13") والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/128 - ح: 257) وأبو داود (4/534 - ح: 4367) والترمذي (1/106 - ح: 72) وابن ماجه (2/861 - ح: 2578) وابن جرير (6/133) والنسائي وابن مردويه وابن أبي حاتم (تفسير ابن كثير: 2/48، 49) كلهم من طريق قتادة عن أنس به، ولم يخرج الشيخان قول قتادة الأخير، لكن صرّح أنس رضي الله عنه بنزول الآية فيهم عند أبي داود (4/533 - ح: 4366) .

(1/194)


الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ إِلَى قَوْلِ قَتَادَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {38} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ وَقَدْ مَضَتْ قِصَّتُهُ.
(2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} الْآيَاتِ {41 - 47} .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ ابن أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: "أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ" قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ " قَالَ: لَا، وَلَوْلَا
_________
(1) - راجع الآية 105 من سورة النساء.
(2) - أخرجه مسلم (3/1327 - ح: 1700) وأبو داود (4/596 - ح: 4448) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/129 - ح: 258) والنسائي (تفسير ابن كثير: 2/59) وابن ماجه (2/855 - ح: 2558) وابن جرير (6/150) من طريق عبد الله بن مرة عن البراء به. ويشهد له:
1 - ما أخرجه البخاري (فتح الباري: 12/128 - ح: 6819) ومسلم (3/1326 - ح: 1699) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 16/104 - ح: 265) وأبو داود (4/597 - ح: 4449) والبيهقي (الفتح الرباني: 16/104) عن ابن عمر بنحوه.
2 - ما أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 12/257 - ح: 13033) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بمعناه، وإسناده صحيح، ولا تغترّ بادعاء الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، فإن المحققين قد صححوا هذه الرواية (التفسير والمفسرون للذهبي: 1/77) (العجاب لابن حجر: ورقة 3 ب) . (مجمع الزوائد: 7/15) .
الرواية بعد القادمة.

(1/195)


أَنَّكَ نَشَدْتَنِي لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِنَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أشرافنا، فكنا إذ أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيعَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا
أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ"، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} يَقُولُونَ ائْتُوا مُحَمَّدًا فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوا بِهِ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالَ: فِي الْيَهُودِ، إِلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قَالَ: فِي النَّصَارَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الهيثم أاحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَوْثٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً، ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ كُلُّهَا فِي الْكُفَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} {44} .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (6/161) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم (فتح القدير: 2/43) والبيهقي (دلائل النبوة: 6/269) وأبو داود (4/598 - ح: 4450) من طريق الزهري عن رجل عن أبي هريرة. ولم يذكر أحد منهم اسم هذا الرجل، فهو مجهول.

(1/196)


الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عن الزهري قاد: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ اليهود وامرأة، قال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ لِلتَّخْفِيفِ، فَإِذَا أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذي أنزل التوارة عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ " قَالُوا: يُحَمَّمُ وَجْهُهُ وَيُجَبَّهُ وَيُجْلَدُ، - وَالتَّجْبِيهُ: أَنْ يُحْمَلَ الزانيان على الحمار ويُقابَل أَقْفِيَتُهُمَا وَيُطَافَ بِهِمَا - قَالَ: وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ فِي النِّشْدَةِ، فقال: اللهم إذا أَنْشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَمَا أَوَّلُ مَا أَرْخَصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ " قَالَ: زَنَى رَجُلٌ ذُو قُرَابَةٍ مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا تَرْجُمْ صَاحِبَنَا حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمَهُ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ"، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ.
قَالَ مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَ بِرَجْمِهِمَا، فَلَمَّا رُجِمَا رَأَيْتُهُ يَجْنَأُ بِيَدِهِ عَنْهَا لِيَقِيَهَا الحجارة.

(1/197)


(1) - قوله - عز وجل - {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} الْآيَةَ {49} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دينه فأتوه فقال: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا الْيَهُودُ وَلَنْ يُخَالِفُونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ خُصُومَةً وَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} {51} .
قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَاضِرٌ نَصْرُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، وَآوِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ"، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيهما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (6/177) وابن أبي حاتم (فتح القدير: 2/412) والبيهقي في "الدلائل" (2/536) من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما به. وإسناده حسن. وأخرجه ابن جرير (6/177) وابن أبي شيبة (فتح القدير: 2/52) عن عطية به. وإسناده صحيح إليه، وهو مقطوع، ويشهد له:
1 - ما أخرجه ابن جرير (6/178) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر (فتح القدير: 2/52) والبيهقي في "الدلائل" (3/74) من طريق ابن إسحاق عن أبيه عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت بنحوه، وهو معضل، صحيح الإسناد إلى عبادة بن الوليد.
2 - ما أخرجه ابن مردويه (فتح القدير: 2/52) من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده بنحوه.
ورجّح هذا السبب الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/71) .

(1/198)


أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} فِي وِلَايَتِهِمْ {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} {55} .
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ قَدْ هَاجَرُونَا وَفَارَقُونَا وَأَقْسَمُوا أَنْ لَا يُجَالِسُونَا، وَلَا نَسْتَطِيعُ مُجَالَسَةَ أَصْحَابِكَ لِبُعْدِ الْمَنَازِلِ، وَشَكَى مَا يَلْقَى مِنَ الْيَهُودِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءَ.
وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الكلبي وزاد: أن آخِرَ الْآيَةِ نَزَلَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَعْطَى خَاتَمَهُ سَائِلًا وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الصَّلَاةِ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابن
_________
(1) - إسناده مظلم، كما تقدم، وهذه هي سلسلة الكذب كما سَمّاها السيوطي، ومتنه غريب جدًّا. ويشهد لقصة تصدّق علي رضي الله عنه، ونزول الآية بسبب ذلك:
1 - ما أخرجه ابن مردويه و (تفسير ابن كثير: 2/71) والخطيب في "المتفق والمفترق" (فتح القدير: 2/53) من طريق الواحدي السابقة مثله، وهو موضوع.
2 - ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (مجمع الزوائد: 7/17) عن عمار رضي الله عنه نحوه، وضعفه الهيثمي (المصدر السابق) .
3 - ما أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/53) وعبد الرزاق (تفسير ابن كثير: 2/71) من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس نحوه. وإسناده ضعيف جدًّا بسبب عبد الوهاب (تقريب التهذيب: 1/528 - رقم: 1407) .
ما أخرجه ابن جرير (6/186) عن مجاهد مرسلاً نحوه، وإسناده ضعيف بسب غالب بن عبد الله (ميزان الاعتدال: 3/331) . وكما رأيت فإن طرق القصة كلها ساقطة، لذا قال الحافظ ابن كثير (وليس يصح منها شيء بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها) (تفسير ابن كثير: 2/71) .

(1/199)


عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ قَدْ آمَنُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَنَازِلَنَا بَعِيدَةٌ وَلَيْسَ لَنَا مَجْلِسٌ وَلَا مُتَحَدَّثٌ، وَإِنَّ قَوْمَنَا لَمَّا رَأَوْنَا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقْنَاهُ رَفَضُونَا وَآلَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يُجَالِسُونَا وَلَا يُنَاكِحُونَا وَلَا يُكَلِّمُونَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ، فَنَظَرَ سَائِلًا فَقَالَ: "هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ
شَيْئًا؟ " قَالَ: نَعَمْ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: "مَنْ أَعْطَاكَهُ؟ " قَالَ: ذَلِكَ الْقَائِمُ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: "عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَ؟ " قَالَ: أَعْطَانِي وَهُوَ رَاكِعٌ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
(1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} {57} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسُوَيْدُ بْنُ الحارث قد أظهر الْإِسْلَامَ ثُمَّ نَافَقَا وَكَانَ رِجَالٌ من المسلمين يوادّونها، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} {58} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا نَادَى إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، قَالَتِ الْيَهُودُ: قَامُوا لَا قَامُوا، صَلَّوْا لَا صَلَّوْا، رَكَعُوا لَا رَكَعُوا. عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالضَّحِكِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (6/187) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (فتح القدير: 2/56) من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما به. وإسناده حسن.
(2) - أخرجه البيهقي في "الدلائل" (6/275) من طريق محمد بن مروان السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به وهو موضوع.

(1/200)


قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ نَصَارَى الْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: حُرِّقَ الْكَاذِبُ. فَدَخَلَ خَادِمُهُ بِنَارٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَأَهْلُهُ نِيَامٌ، فَطَارَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ فِي الْبَيْتِ فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا الْآذَانَ حَسَدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ أَبْدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ
الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ خَالَفْتَ فِيمَا أَحْدَثْتَ مِنْ هَذَا الْآذَانِ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ خَيْرٌ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ مِنْ قَبْلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ الْعِيرِ؟ فَمَا أَقْبَحَ مِنْ صَوْتٍ وَلَا أَسْمَجَ مِنْ كُفْرٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَنْزَلَ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الْآيَةَ. [فُصِّلَتْ: 33] .
(1) - قَوْلُهُ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} الْآيَةَ {59} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: أُومِنُ {بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 136] فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاسِقُونَ}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} {67} .
قَالَ الْحَسَنُ:
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (6/189) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (فتح القدير: 2/56) من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما به، وسمّى منهم: أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر وزيد وأزار بن أبي أزار، وأشيع. وإسناده حسن.

(1/201)


إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَمَّا بَعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُكَذِّبُنِي"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهَابُ قُرَيْشًا وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ سِجَّادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَبِي الْحَجَّابِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} {67} .
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: "أَلَا رَجُلٌ صَالِحٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ"؟ فَقَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ سَمِعْتُ صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: سَعْدٌ وَحُذَيْفَةُ، جِئْنَا نَحْرُسُكَ. فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، وَنَزَلَتْ هذه الآية، فأنزل رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ قُبَّةِ أَدَمٍ وَقَالَ: "انْصَرِفُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ".
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْرَسُ وَكَانَ يُرْسِلُ مَعَهُ أَبُو طَالِبٍ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قَالَ: فَأَرَادَ عَمُّهُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ، فَقَالَ: "يَا عَمِّ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ".

(1/202)


(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} الْآيَاتِ
{82 - 86}
إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا} نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمَكَّةَ يَخَافُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَلِكٌ صَالِحٌ لَا يَظْلِمُ وَلَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا، فَلَمَّا وَرَدُوا عَلَيْهِ أَكْرَمَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَءُوا. فَقَرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، فَكُلَّمَا قَرَءُوا آيَةً انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الْآيَةَ.
(2) - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ بِكِتَابٍ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُهَاجِرِينَ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (7/3) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به مطوّلاً وإسناده صحيح، ويشهد له: الرواية الآتية.
(2) - أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة وأبو نعيم (فتح القدير: 2/69) من طريق ابن شهاب به، وهو مرسل، صحيح الإسناد، ويشهد له:
1 - الرواية السابقة.
2 - ما أخرجه ابن جرير (7/5) والنسائي والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/69) عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: نزلت في النجاشي وأصحابه "وإذا سمعوا ... الآية" وإسناده صحيح.
الرواية الآتية.

(1/203)


مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثم أمر جعفر أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ سُورَةَ "مَرْيَمَ" عَلَيْهَا السَّلَامُ فَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، وَهُمُ
الَّذِينَ أُنْزِلَ فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}
وَقَالَ آخَرُونَ: قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ النَّجَاشِيُّ وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، اثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَهُمْ بَحِيرَا الرَّاهِبُ وَأَبْرَهَةُ وَإِدْرِيسُ وَأَشْرَفُ وَتَمَّامٌ وَقُثَيْمٌ وَدُرَيْدٌ وَأَيْمَنُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ "يس" إِلَى آخِرِهَا، فَبَكَوْا حِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَآمَنُوا وَقَالُوا: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَى عِيسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ قَالَ: حَدَّثَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قال: حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ قال: حدثنا الْبَغَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: بَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ "يس" فَبَكَوْا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} {87} .
(2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (7/4) وعبد بن حمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/69) عن سعيد بن جبير به، على اختلاف بينهم في العدد، وهو مرسل صحيح الإسناد، ومع أن هذا السبب ينص على أن الآية نازلة في وفد النجاشي والأوّل ينص على أنها نزلت فيه وفي حاشيته، فإن المعنى واحد فكلها يعضد بعضها بعضا، ولا عبرة بمحاولة الحافظ ابن كثير تضعيفها فأسانيدها صحيحة، والله أعلم (تفسير ابن كثير: 2/85) .
(2) - أخرجه الترمذي (ذ/255 - ح: 3054) وابن جرير (7/9) والطبراني (المعجم الكبير: 11/350 - ح: 11981) وابن أبي حاتم وابن مردويه (فتح القدير: 2/70) وابن عدي (الكامل: 5/1817) من طريق عثمان بن سعد عن عكرمة به، وإسناده ضعيف، لضعف عثمان بن سعد (تقريب التهذيب: 2/9 - رقم: 61) .

(1/204)


أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنِّي إِذَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ إِلَى النِّسَاءِ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ عَلَيَّ اللحم، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} الْآيَةَ.
(1) - قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَذَكَّرَ النَّاسَ وَوَصَفَ الْقِيَامَةَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيفِ؛ فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَصُومُوا النَّهَارَ، وَيَقُومُوا اللَّيْلَ، وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ وَلَا الْوَدَكَ وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ وَيَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ وَيَتَرَهَّبُوا، وَيَجُبُّوا الْمَذَاكِيرَ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ: "أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا؟ " فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ، إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ
_________
(1) - أخرج ابن جرير (7/7) وعبد بن حميد وأبو داود في "المراسيل" (فتح القدير: 2/70) عن أبي مالك قال: عثمان بن مظعون وأناس من المسلمين حرموا عليهم النساء، وامتنعوا من الطعام الطيب، وأراد بعضهم أن يقطع ذكره، فنزلت الآية. وهو مرسل صحيح الإسناد إلى أبي مالك، ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (7/7) عن عكرمة وقتادة وأبي قلابة بمعناه، وهي مراسيل صحيحة الإسناد، إلا أن تفصيل القصة والأشخاص وما ردّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم لم يذكر في أثر مسند صحيح وكذا أصلها، والله أعلم.

(1/205)


عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا، فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالطِّيبَ وَالنَّوْمَ وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، أَمَا إِنِّي لَسْتُ آمُرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَلَا رُهْبَانًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ وَرَهْبَانِيَّتَهَا الْجِهَادُ،
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا، وَكَانُوا حَلَفُوا عَلَى مَا عَلَيْهِ اتَّفَقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (1) الْآيَةَ.
(2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} الْآيَةَ {90} .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَبُو مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
_________
(1) سورة المائدة: الآية 89.
(2) - أخرجه مسلم (4/1878 - ح: 174 "14") والإمام أحمد (الفتح الرباني: 2/249 - ح: 193) وابن جرير (7/22) والبيهقي والبغوي (الفتح الرباني: 18/132) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والنحاس في ناسخه (فتح القدير: 2/75) وأبو يعلى (مسند أبي يعلى: 2/118 - ح: 782) من طريق سماك بن حرب عن مصعب عن أبيه به. وفي معناه:
* ما أخرجه ابن جرير (7/23) والحاكم (المستدرك: 4/141) والطبراني (المعجم الكبير: 12/56 - ح: 12459) والنسائي وعبد بن حميد والبيهقي وأبو الشيخ وابن مردويه وابن المنذر (فتح القدير: 2/75) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده لا بأس به، وصححه الهيثمي (مجمع الزوائد: 7/18) .

(1/206)


وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا: تعال نطعمك ونسقيك خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَتَيْتُهُمْ فِي حُشٍّ، وَالْحُشُّ: الْبُسْتَانُ، وَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ وَدَنٌّ مِنْ خَمْرٍ، فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، وَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لِحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ، فَجَذَعَ أَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ - يَعْنِي نَفْسَهُ - شَأْنَ الْخَمْرِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ

(1/207)


وَالْمَيْسِرُ} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ.
(1) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ في النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ يُنَادِي لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا.
وَكَانَتْ تَحْدُثُ أَشْيَاءُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، مِنْهَا قِصَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهِيَ مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، وَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَمَا
أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ غَنَّتْ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٍ بِالْفِنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللِّبَّاتِ مِنْهَا ... فَضَرِّجْهُنَّ حمزة بالدماء
فأطعم مِنْ شَرَائِحِهَا كَبَابًا ... ملهوجة على رهج الصَّلَاءِ
فَأَنْتَ أَبَا عُمَارَةَ الْمُرَجَّى ... لِكَشْفِ الضُّرِّ عَنَّا وَالْبَلَاءِ
فَوَثَبَ إِلَى السيف، فاجتب أسمنتهما وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لقيت، فَقَالَ: "مَا لَكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ على ناقتيّ وجب أسنمتهما
_________
(1) - أخرجه الإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/86 - ح: 183) وأبو داود (4/79 -: 3670) والترمذي (5/253 - ح: 1049) والحاكم (المستدرك: 2/278) وابن جرير (7/22) والنسائي والبيهقي والنحاس في ناسخه (حاشية جامع الأصول: 2/121، 122) وابن مردويه (تفسير ابن كثير: 1/255) وابن المنذر وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والضياء المقدسي (فتح القدير: 1/222) من طريق أبي ميسرة عن عمر به. وإسناده صحيح، وقد تكلم بعضهم في سماع أبي ميسرة من عمر فقال أبو زرعة: لم يسمع منه (تفسير ابن كثير: 2/92) ورجحه الإمام الترمذي في سننه (5/254) إلا أن الحافظ ابن حجر أثبت سماعه منه (تهذيب التهذيب: 8/47 - رقم: 78) ، فإذا علمنا أن الحاكم صحح الحديث، وكذا ابن المديني (تفسير ابن كثير: 1/255) فإن جانب الاتصال بينهما يقوى عندي، والله أعلم.

(1/208)


وبقر خواصرها هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بردائه، ثم انطق يَمْشِي فَاتَّبَعْتُ أَثَرَهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدُ أَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِنُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}
الْآيَةَ {93} .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُطَّوِّعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، وَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حرّمت، قال: فحرت فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَرِقْهَا، قَالَ: فَأَرَقْتُهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُتِلَ فُلَانٌ وَقُتِلَ فُلَانٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. عَنْ أَبِي نُعْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادٍ.
(2) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/278 - ح: 4620) ومسلم (3/1570 - ح: 1980) من طريق حماد به. ويشهد له: الرواية القادمة.
(2) - أخرجه الترمذي (5/254 - ح: 3050) وابن جرير (7/25) والطيالسي (منحة المعبود: 2/18 - ح: 1948) وابن حبان من طريقه (موارد الظمآن: 333 - ح: 1373) عن البراء به وسنده صحيح، ويشهد لهما:
1 - ما أخرجه ابن جرير (25/7) عن عباس رضي الله عنهما بمعناه، وسنده صحيح.
2 - ما أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 95 /10 - ح: 10011) عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه، وسنده صحيح.
ما أخرجه البزار (تفسير ابن كثير: 95/2) عن جابر رضي الله عنه نحوه وسنده صحيح، إلا أنه نسب القول لليهود.

(1/209)


عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَلَمَّا حُرِّمَتْ قَالَ أُنَاسٌ: كَيْفَ لِأَصْحَابِنَا مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} الْآيَةَ {100} .
أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ البيّع قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَالطَّعْنَ فِي الْأَنْسَابِ، أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ لُعِنَ شَارِبُهَا وَعَاصِرُهَا وَسَاقِيهَا وَبَائِعُهَا وَآكِلُ ثَمَنِهَا"، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ رَجُلًا كَانَتْ هَذِهِ تِجَارَتِي، فَاعْتَقَبْتُ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ مَالًا فَهَلْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ الْمَالُ إِنْ عَمِلْتُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إِنْ أَنْفَقْتَهُ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ يَعْدِلْ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطِّيِّبَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} فَالْخَبِيثُ: الْحَرَامُ.

(1/210)


(1) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الْآيَةَ {101} .
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جُوَيْرِيَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَاتِ كُلِّهَا.
(2) - أَخْبَرَنَا أبو سعيد النَّصْرُوِييّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ،
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/820 - ح: 4622) وابن جرير (7/52) والطبراني (المعجم الكبير: 12/137 - ح: 12695) من طريق أبي خيثمة به، ويشهد له:
1 - ما أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/280 - ح: 4621) ومسلم (4/1832 - ح: 2359) والإمام أحمد: (الفتح الرباني: 18/132 - ح: 264) والترمذي (5/256 - ح: 3056) والنسائي (تفسير ابن كثير: 2/104) وابن جرير (7/52) من طريق شعبة عن موسى بن أنس عن أنس بنحوه.
2 - ما أخرجه البخاري (فتح الباري: 1/187 - ح: 92) ومسلم (4/1834 - ح: 2360) عن أبي موسى الأشعري نحوه.
ما أخرجه ابن جرير (7/53) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وجوّد إسناده الحافظ ابن كثير (تفسير ابن كثير: 2/105) .
(2) - إسناده ضعيف، لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي (ديوان الضعفاء للذهبي: 182 - رقم: 2362) والانقطاع بين أبي البختري وعلي (تهذيب التهذيب: 4/73) (الفتح الرباني: 18/133) لكن يتقوى بما يأتي:
1 - ما أخرجه ابن جرير (7/53) من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة نحوه، وسمى القائل: محصن الأسدي. وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
ما أخرجه ابن جرير (7/54) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وسنده صحيح.

(1/211)


عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (1) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الْآيَةَ {105} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِ هَجَرَ وَعَلَيْهِمْ مُنْذِرُ بْنُ سَاوَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَلْيُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ عَرَضَهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ، فَأَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ وَكَرِهُوا الْإِسْلَامَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَمَّا الْعَرَبُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ"، فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَأَعْطَوُا الجزية، فقال منافقوا الْعَرَبِ: عَجَبًا مِنْ
مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ النَّاسَ كَافَّةً حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا نَرَاهُ إِلَّا قَبِلَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ هَجَرَ مَا رَدَّ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يَعْنِي مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
(2) - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ {106} .
أَخْبَرَنَا أَبُو
_________
(1) سورة آل عمران: الآية 97.
(2) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 5/409 - ح: 2780) وأبو داود (4/30 -: 3606) والترمذي (5/259 - ح: 3060) والدارقطني (سنن الدارقطني: 4/168 - ح: 30) والطبراني (المعجم الكبير: 12/71 - ح: 12509، 17/110 - ح: 268) وابن جرير (7/75) والبيهقي (حاشية جامع الأصول: 2/129) وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/89) وأبو يعلى في "مسنده" (3384 - ح: 2453) من طريق محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبيرعن أبيه به.

(1/212)


سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْغَازِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ يَخْتَلِفَانِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَحِبَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَمَاتَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَا دَفَعَاهَا إِلَى أَهْلِهِ وَكَتَمَا جَامًا كَانَ مَعَهُ مِنْ فِضَّةٍ كَانَ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَقَالَا: لَمْ نَرَهُ فَأُتِيَ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاللَّهِ مَا كَتَمَا وَلَا اطَّلَعَا وَخَلَّى سَبِيلَهُمَا؛ ثُمَّ إِنَّ الْجَامَ وُجِدَ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَقَامَ أَوْلِيَاءُ السَّهْمِيِّ فَأَخَذُوا الْجَامَ وَحَلَفَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ بِاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْجَامَ جَامُ صَاحِبِنَا، وَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا، فَنَزَلَتْ هاتان الآيتان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إِلَى آخِرِهَا.

(1/213)