أسباب النزول ت الحميدان سُورَةُ الْأَنْعَامِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي
قِرْطَاسٍ} الْآيَةَ {7} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ قَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا
بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَأَنَّكَ رَسُولُهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ} الْآيَةَ {13} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ كُفَّارَ
مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا
أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُكَ عَلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ
الْحَاجَةُ، فَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ نَصِيبًا فِي أَمْوَالِنَا
حَتَّى تَكُونَ أَغْنَانَا رَجُلًا وَتَرْجِعُ عَمَّا أَنْتَ
عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}
الْآيَةَ {19} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ مَا نَرَى أَحَدًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ مِنْ
أَمْرِ الرِّسَالَةِ، وَلَقَدْ سَأَلْنَا عَنْكَ الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنْ لَيْسَ لَكَ عِنْدَهُمْ ذِكْرٌ
وَلَا صِفَةٌ، فَأَرِنَا مَنْ يَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ رَسُولٌ
كَمَا تَزْعُمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}
الْآيَةَ {25} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: إِنَّ
أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ
وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ
رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ وَأُبَيًّا ابْنَيْ خَلَفٍ،
اسْتَمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لِلنَّضْرِ: يَا أَبَا قُتَيْلَةَ مَا
يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: والذي جعلها بيته مَا أَدْرِي مَا
يَقُولُ، إِلَّا أَنِّي
أَرَى يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ وَمَا
يَقُولُ إِلَّا أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ مِثْلَ
(1/214)
مَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْقُرُونِ
الْمَاضِيَةِ، وَكَانَ النَّضْرُ كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَنِ
الْقُرُونِ الْأُولَى، وَكَانَ يُحَدِّثُ قُرَيْشًا
فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ
وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} {26} .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن حمشاد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ
بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ
وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ كَانَ
يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَبَاعَدُ عَمَّا جَاءَ
بِهِ.
(2) - وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ
مُخَيْمَرَةَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ
يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى
أَبِي طَالِبٍ يُرِيدُونَ سُوءًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى
أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ... وَأَبْشِرْ
وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونَا
وَعَرَضْتَ دِينًا لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ
أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارِي سَبَّةً ... لَوَجَدْتَنِي
سَمْحًا بِذَاكَ مَتِينَا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ}
الْآيَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالسُّدِّيُّ
وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ كَانُوا
يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَبَاعَدُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ.
_________
(1) 1 - أخرجه ابن جرير (7/110) والحاكم (المستدرك: 2/315)
والطبراني (المعجم الكبير: 12/133 - ح: 12682) وعبد الرزاق
وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والفريابي وابن المنذر وابن أبي
حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/110) والبيهقي في
"الدلائل" (2/341) من طريق حبيب بن أبي ثابت به، وإسناده صحيح.
(2) 2 - أما قول عطاء فأخرجه ابن جرير (7/110) عنه به، وإسناده
صحيح. وأما قول القاسم فأخرجه ابن جرير (7/110) وابن أبي شيبة
وابن المنذر وأبو الشيخ (فتح القدير: 2/110) عنه به، وإسناده
صحيح.
(1/215)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ
لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} الْآيَةَ {33} .
قَالَ السُّدِّيُّ: الْتَقَى الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ الْأَخْنَسُ لِأَبِي
جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ
أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَنْ
يَسْمَعُ كَلَامَكَ غَيْرِي، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ
إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ،
وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ
وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالنُّبُوَّةِ
فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ
وَأَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا وَاللَّهِ مَا
نُكَذِّبُكَ، وَإِنَّكَ عِنْدَنَا لَصَادِقٌ، وَلَكِنْ
نُكَذِّبُ مَا جِئْتَ بِهِ، فَنَزَلَتْ: {فَإِنَّهُمْ لَا
يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ
يَجْحَدُونَ} وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ
كِلَابٍ، كَانَ يُكَذِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْعَلَانِيَةِ، وَإِذَا خَلَا مَعَ أَهْلِ
بَيْتِهِ قَالَ: مَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَلَا
أَحْسَبُهُ إِلَّا صَادِقًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
هَذِهِ الْآيَةَ.
(2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
الْآيَةَ {52} .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا
_________
(1) - أخرج مثله الترمذي (5/261 - ح: 3064) والحاكم (المستدرك:
2/315) وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء المقدسي
في "المختارة" (فتح القدير: 2/113) من طريق ناجية بن كعب عن
علي رضي الله عنه به وإسناده صحيح.
وأخرجه الترمذي (5/261) وابن جرير (7/116) عن ناجية مرسلاً به
قال الترمذي: المرسل أصح.
(2) - أخرجه مسلم (4/1878 - ح: 2413) والنسائي (فتح القدير:
2/121) وابن ماجه (2/1383 - ح: 4128) والحاكم (المستدرك:
3/319) وابن جرير (7/128) والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر
وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم
(حاشية جامع الأصول: 2/133) والبيهقي في "الدلائل" (1/353) من
طريق المقدام به.
ويشهد له: الرواية الآتية:.
(1/216)
يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ
الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ:
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ فِيَّ وَفِي ابْنِ
مَسْعُودٍ وَصُهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ،
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا
لِهَؤُلَاءِ فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ، فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ مَا
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الْآيَةَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا
الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
صَالِحٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَكِيمُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ
الْأَرَتِّ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ، كُنَّا ضُعَفَاءَ عِنْدَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ، فَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ وَالْخَيْرَ، وَكَانَ
يُخَوِّفُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وما ينفعنا، والموت
وَالْبَعْثِ،
فَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ
بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فَقَالَا: إِنَّا مِنْ أَشْرَافِ
قَوْمِنَا وَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَرَوْنَا مَعَهُمْ
فَاطْرُدْهُمْ إِذَا جَالَسْنَاكَ، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالُوا:
لَا نَرْضَى حَتَّى نَكْتُبَ بَيْنَنَا كِتَابًا، فَأَتَى
بِأَدِيمٍ وَدَوَاةٍ، فَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {وَلَا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}
(2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ
عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ
_________
(1) - أخرجه ابن ماجه (2/1382 - ح: 4127) والبيهقي في الدلائل
(1/352) من طريق السدي به، وصححه فى الزوائد (سنن ابن ماجه:
2/1383) ويشهد لهما: الرواية الآتية:.
(2) - أخرجه الإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/137 - ح: 268)
والطبراني (المعجم الكبير: 10/268 - ح: 1052) وابن جرير
(7/127) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ أبو مردويه وأبو
نعيم (فتح القدير: 2/120) من طريق أشعث به. وإسناده لا باس به،
وصححه الهيثمي (مجمع الزوائد: 7/21) ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (6/127) من طريق كردوس عن ابن عباس رضي
الله عنهما مثله، وإسناده لا بأس به.
(1/217)
مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ كُرْدُوسٍ،
عن ابن مسعد قَالَ: مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعِنْدَهُ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ
وَعَمَّارٌ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ رَضِيتَ بِهَؤُلَاءِ؟
أَتُرِيدُ أَنْ نَكُونَ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ؟ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ} وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ، عَنْ أبي جعفر.
(1) - وبهذا الإسناد قال: حدثنا عبيد الله، عن أَبِي جَعْفَرٍ
عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يَسْبِقُونَ إِلَى
مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَمِنْهُمْ بِلَالٌ وَعَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَسَلْمَانُ،
فَيَجِيءُ أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَسَادَتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذَ
هَؤُلَاءِ الْمَجْلِسَ فَيَجْلِسُونَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا:
صُهَيْبٌ رُومِيٌّ وَسَلْمَانُ فَارِسِيٌّ وَبِلَالٌ حَبَشِيٌّ
يَجْلِسُونَ عِنْدَهُ وَنَحْنُ نَجِيءُ وَنَجْلِسُ نَاحِيَةً،
وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إِنَّا سَادَةُ قَوْمِكَ
وَأَشْرَافُهُمْ فَلَوْ أَدْنَيْتَنَا مِنْكَ إِذَا جِئْنَا،
فَهَمَّ يَفْعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ. قال عِكْرِمَةُ: جَاءَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ
وَالْحَارِثُ بْنُ نَوْفَلٍ فِي أَشْرَافِ بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا:
لَوْ أَنَّ
ابْنَ أَخِيكَ مُحَمَّدًا يَطْرُدُ عَنْهُ مَوَالِيَنَا
وَعَبِيدَنَا وَعُسَفَاءَنَا كَانَ أَعْظَمَ فِي صُدُورِنَا،
وَأَطْوَعَ لَهُ عِنْدَنَا وَأَدْنَى لِاتِّبَاعِنَا إِيَّاهُ
وَتَصْدِيقِنَا لَهُ، فَأَتَى أبو طالب عم النَّبِيَّ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَهُ بِالَّذِي كَلَّمُوهُ،
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ حَتَّى
نَنْظُرَ مَا الَّذِي يُرِيدُونَ وَإِلَامَ يَصِيرُونَ مِنْ
قَوْلِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ،
فَلَمَّا نَزَلَتْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَعْتَذِرُ مِنْ مَقَالَتِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ {54} .
قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ
تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
طَرْدِهِمْ، فَكَانَ
_________
(1) - ذكر سلمان في هذه الرواية غريب؛ إذ أنه ما أسلم إلا في
المدينة، وهذه القصة كانت في مكة.
(1/218)
إِذَا رَآهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ:
"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ
أَمَرَنِي أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ". وَقَالَ مَاهَانُ
الْحَنَفِيُّ: أَتَى قَوْمٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّا أَصَبْنَا ذُنُوبًا
عِظَامًا، فَمَا إِخَالُهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ،
فَلَمَّا ذَهَبُوا وَتَوَلَّوْا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا}
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}
الْآيَةَ {57} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ
وَرُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ
ائْتِنَا بِالْعَذَابِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ. اسْتِهْزَاءً
مِنْهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ
شَيْءٍ} {91} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالَتِ
الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ
كِتَابًا؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ
عَنْ أَمْرِهِ وَكَيْفَ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ،
فَحَمَلَهُمْ حَسَدُ مُحَمَّدٍ أَنْ كَفَرُوا بِكِتَابِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ.
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (7/177) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/141) من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به، وإسناده صحيح، لكن أنكر
ابن جرير متنه من وجوه:
1 - أن الحديث من أول السورة إلى هنا حديث عن المشركين فلا وجه
لورود الحديث عن اليهود هنا.
2 - أن اليهود لا ينكرون إنزال الكتب، كما هو معروف من دينهم.
أن الإسناد منقطع. (تفسير ابن جرير: 7/178) ، ووافقه الحافظ
ابن كثير (2/156) ، وحجتهما معتبرة إلا الأخير كما سبق. (ص 37)
.
(1/219)
(1) - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ
الصَّيْفِ، فَخَاصَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ له النبيّ صلى الله عليه "أَنْشُدُكَ
بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَمَا تَجِدُ
فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ
السَّمِينَ؟ "، وَكَانَ حَبْرًا سَمِينًا، فَغَضِبَ وَقَالَ:
وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ،
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ: وَيْحَكَ، وَلَا
عَلَى مُوسَى؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ. (2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ}
الْآيَةَ {93} .
نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الْحَنَفِيِّ كَانَ
يَسْجَعُ وَيَتَكَهَّنُ وَيَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَيَزْعُمُ
أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ} {93} .
نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ
كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ
لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي
الْمُؤْمِنُونَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ
سُلَالَةٍ} أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى
قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} عَجِبَ عَبْدُ
اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ:
تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَكَذَا
أُنْزِلَتْ عَلَيَّ"، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ
وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا
لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَالَ
سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَارْتَدَّ عَنِ
الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ.
(3) - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (7/176) وابن المنذر وابن أبي حاتم (فتح
القدير: 2/141) عن سعيد بن جبير به وإسناده ضعيف، مع إرساله.
(2) - أخرجه ابن جرير (7/181، 182) عن قتادة مرسلاً به،
وإسناده صحيح.
(3) - أخرجه الحاكم (المستدرك: 3/45) من طريق أحمد بن عبد
الجبار به، وهو مرسل، ضعيف الإسناد، بسبب أحمد بن عبد الجبار
العطاردي (تقربب التهديب 1/91 رقم: 75) ، ويشهد له:
1 - ما أخرجه ابن جرير (7/181) وابن أبي حاتم (فتح القدير:
2/141) عن السدّي مطوّلاً، وهو معضل ضعيف الإسناد.
ما أخرجه ابن جرير (7/181) وأبو الشيخ (فتح القدير: 2/141) عن
عكرمة مرسلاً، بإسناد ضعيف.
(1/220)
نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ
بْنُ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ سَرْحٍ قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ،
وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ فَرَّ
إِلَى عُثْمَانَ وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ
فَغَيَّبَهُ عِنْدَهُ، حَتَّى إِذَا اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ
أَتَى بِهِ عُثْمَانُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْمَنَ لَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ}
{100} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
الزَّنَادِقَةِ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِبْلِيسَ
أَخَوَانِ، وَاللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ
وَالْأَنْعَامِ وَإِبْلِيسُ خَالِقُ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ
وَالْعَقَارِبِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا
لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا
بِغَيْرِ عِلْمٍ} {108} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ سَبِّكَ آلِهَتَنَا أَوْ
لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يَسُبُّوا
أَوْثَانَهُمْ فَيَسُبُّوا الله عدْوًا بغيرعلم.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَوْثَانَ
الْكُفَّارِ فَيَرُدُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ
اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَسِبُّوا لِرَبِّهِمْ قَوْمًا
جَهَلَةً لَا عِلْمَ لَهُمْ بِاللَّهِ.
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (7/207) وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن
مردويه (فتح القدير: 2/151) من طريق علي بن أبي طلحة - وهو
الوالبي - عن ابن عباس رضي الله عنهما به، وإسناده صحيح.
(1/221)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا حَضَرَتْ
أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ قَالَتْ قُرَيْشٌ: انْطَلِقُوا
فَلْنَدْخُلْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلَنَأْمُرَنَّهُ أَنْ
يَنْهَى عَنَّا ابْنَ أَخِيهِ، فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ
نَقْتُلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَقُولَ الْعَرَبُ: كَانَ
يَمْنَعُهُ فَلَمَّا مَاتَ قتلوه، فانطلق أبا سُفْيَانَ
وَأَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمَيَّةُ
وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ
إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيرُنَا
وَسَيِّدُنَا وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ آذَانَا وَآذَى
آلِهَتَنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَهُ فَتَنْهَاهُ عَنْ
ذِكْرِ آلِهَتِنَا وَلْنَدَعْهُ وَإِلَهَهُ، فَدَعَاهُ فَجَاءَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ
أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ وَبَنُو عَمِّكَ، فَقَالَ
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ما
يُرِيدُونَ؟ " فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا
وَنَدَعَكَ وَإِلَهَكَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ
أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذَا هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً
إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمُ الْعَرَبَ وَدَانَتْ
لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ " قَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ
وَأَبِيكَ لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَمَا
هِيَ؟ قَالَ: "قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَأَبَوْا
وَاشْمَأَزُّوا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قُلْ غَيْرَهَا يَا
ابْنَ أَخِي فَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ فَزِعُوا مِنْهَا، فَقَالَ:
"يَا عَمِّ، مَا أَنَا بِالَّذِي أَقُولُ غَيْرَهَا وَلَوْ
أَتَوْنِي بِالشَّمْسِ فَوَضَعُوهَا فِي يَدِي مَا قُلْتُ
غَيْرَهَا"، فَقَالُوا: لَتَكُفَّنَّ
عَنْ شَتْمِكَ آلِهَتَنَا أَوْ لَنَشْتُمَنَّكَ وَنَشْتُمُ
مَنْ يَأْمُرُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا}
الْآيَاتِ {109} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَلَّمَتْ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشٌ فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّكَ تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ
_________
(1) - قد سبق أن هذا السبب نزل فيه قوله تعالى: (أَمْ
تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى
مِنْ قَبْلُ) الآية 108 من سورة البقرة فراجعه هناك بالرغم من
أن هذا السبب ضعيف، لضعف أحمد بن عبد الجبار العطاردي،
ولإرساله.
(1/222)
السَّلَامُ كَانَتْ مَعَهُ عَصًا ضَرَبَ
بِهَا الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ
عَيْنًا، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي
الْمَوْتَى، وَأَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لَهُمْ نَاقَةٌ،
فَأْتِنَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
"أَيُّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ" فَقَالُوا:
تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، قَالَ: "فَإِنْ فَعَلْتُ
تُصَدِّقُونِي"، قَالُوا: نَعَمْ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ
لَنَتَّبِعَنَّكَ أَجْمَعِينَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو، فَجَاءَهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ
الصَّفَا ذَهَبًا، وَلَكِنِّي لَمْ أُرْسِلْ آيَةً فَلَمْ
يُصَدَّقْ بِهَا إِلَّا أَنْزَلَتِ الْعَذَابَ، وَإِنْ شِئْتَ
تَرَكْتُهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اتْرُكْهُمْ
حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ
جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {مَا
كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الْآيَةَ {121} .
قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ
الشَّاةِ إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا، قَالَ: "اللَّهُ
قَتَلَهَا"، قَالُوا:
فَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَلَالٌ،
وَمَا قَتَلَ الْكِلَابُ وَالصَّقْرُ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ
اللَّهُ حَرَامٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ.
(2) - قال عِكْرِمَةُ: إِنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ
لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ
كَتَبُوا إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَكَانُوا أَوْلِيَاءَهُمْ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ
_________
(1) - أخرج ابن جرير (8/14) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس رضي الله عنهما بمعناه، وإسناده صحيح، ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (8/13) من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن
ابن عباس أيضًا نحوه. ولا بأس بإسناده.
(2) - أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 11/241 - ح: 1614) وأبو
الشيخ وابن مردويه (فتح القدير: 2/158) من طريق الحكم بن أبان
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه، وإسناده جيد.
ويمكن الجمع بينهما بأن قول المشركين مبني على إيحاء الفرس.
(1/223)
بَيْنَهُمْ مُكَاتَبَةٌ: أَنَّ مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ
اللَّهِ ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا ذَبَحُوا فَهُوَ حَلَالٌ،
وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ فَهُوَ حَرَامٌ، فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ
نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}
الْآيَةَ {122} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَأَبَا جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ
رَمَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِفَرْثٍ وَحَمْزَةُ لَمْ يُؤْمِنْ بَعْدُ، فَأُخْبِرَ
حَمْزَةُ بِمَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ
قَنْصِهِ وَبِيَدِهِ قَوْسٌ، فَأَقْبَلَ غَضْبَانَ حَتَّى
عَلَا أَبَا جَهْلٍ بِالْقَوْسِ وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ
وَيَقُولُ: يَا أَبَا يَعْلَى، أَمَا تَرَى مَا جَاءَ بِهِ؟!
سَفَّهَ عُقُولَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَخَالَفَ آبَاءَنَا؟
قَالَ حَمْزَةُ: وَمَنْ أَسْفَهُ مِنْكُمْ؟! تَعْبُدُونَ
الْحِجَارَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ وَالْوَلِيدُ
بْنُ أَبَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو تَقِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ
الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ} قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِنْهَا} قَالَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ.
_________
(1) - أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (فتح القدير:
2/160) من طريق مبشر بن عبيد به، وإسناده هالك، بسبب مبشر، فهو
متروك (تقريب التهذيب: 2/228 - رقم: 907) .
(1/224)
|